الأكارم ، مُتَّخذين قوله حقيقةً راهنةً ، مِن مُعلِّمٍ هذّبته المعرفة وبصَّرته التجارب ، وإنّه لَمْ يَرد بقوله إلاّ التَّضحية الخالصة والسّعادة الخالدة ، فأجابوا بما انحنت عليه الأضالع من إيثار موتة العزِّ دون سبط الرسول صلىاللهعليهوآله على حياةٍ مُخدجة بعده ، وإنْ كانت محفوفةً بنعومةٍ من العيش.
فقال آلُ عقيل : قبّح اللّه العيش بعدك ، نُفديك بأنفسنا وأهالينا.
قال ابن عوسجة : لو لم يكنْ معي سلاحٌ لقذفتهم بالحجارة حتّى أموت دونك.
وقال سعيد الحنفي : أنحن نُخلّي عنك؟! لا واللّه ، حتّى يعلمَ اللّهُ أنّا قد حفظنا وصيّة رسول اللّه فيك. ولو علمتُ أنّي اُقتل ثُمّ اُحيى ، ثُمّ اُقتل ، ثُمّ اُحرق حيّاً ، ثُمّ اُذرَّى ، يُفعل بي سبعين مرّة ما فارقتك حتّى ألقى حِمامي دونك. وكيف لا أفعل ذلك وإنّما هي قتلة واحدة ، ثُمّ هي الكرامة التي لا انقضاء لها أبداً!
وتكلّم الجماعة بما يُشبه ذلك (١).
فأجَادُوا الجَوابَ واختَرَطُوا البيْضَ |
|
اهتَياجَاً إلى جِلادِ الأعَادِي |
وانْثَنَوا للوغَى غِضَابَ اُسودٍ |
|
عَصفتْ فِي العِدى بصَرْصرِ عَادِ |
حَرسُوهُ حتّى احتَسَوا جُرعَ المَوْتِ |
|
ببيضِ الظُّبَا وسُمرِ الصّعَادِ |
سَمحَوُا بالنّفُوسِ فِي نُصرةِ الدْ |
|
دِينِ وأدّوا فِي اللّهِ حَقَّ الجِهَاد |
وبعد أنْ عرف الحسين عليهالسلام منهم صدق النّيّة والإخلاص في المفادات ، أوقفهم على غامض القضاء ، وقال : «إنّي اُقتلُ وكلُّكُمْ
__________________
(١) تاريخ الطبري ٤ / ٣١٧ ـ ٣١٨ ، الكامل في التاريخ ٤ / ٥٨ ، البداية والنّهاية لابن كثير ٨ / ١٩١.