الجمال الإلهي ، ونزوع أنفسهم إلى الغاية القصوى من القداسة بعد التّكهرب بولاء سيّد الشهداء عليهالسلام.
هذا ما عليه الأصحاب من سرّ المفادات ، وقد كان مُرشدهم إلى ذلك ، والمُقدّم فيهم (حامل اللواء) ؛ إذ لم يكن هيّاباً بما شاهده من لَغطٍ وصَخَبٍ ، وضوضاءٍ وصهيلٍ ، وجحفلٍ مُجرٍّ يتبعه جيشٌ لجب ، وقد أخذ ابنُ ميسونَ عليهم أقطار الأرض وآفاق السّماء.
بِجَحافِلٍ بالطّفِّ أوَّلُهَا |
|
وأخيرُهَا بالشّامِ مُتَّصِلُ |
فلا يرى إلاّ وجوهاً عابسة ، كُلّ يتحرّى استئصال شأفة الإمامة ، وإزهاق مَن يجنح إليها ، و (قمر الهاشميّين) أسرّة وجهه تشرق كالبدر المنير ; لأنّه عليهالسلام يجدُ ببصيرته الهادية له إلى المفادات قربَ الأجل المضروب ، وحصول الضَّالة المنشودة ، وهذا كُلّه بعد العلم بأنّه إذا فارق أخاه في ذلك الموقف يكون في سعةٍ من الخطر.
وأنّى لكبر موقفه وثباته ، حينما قال لهم أبو عبد اللّه عليهالسلام : «هذا اللَّيلُ قدْ غَشيَكُمْ فاتَّخذوهُ جَمَلاً ، فأنتم في إذنٍ منّي ؛ فإنّ القومَ لَمْ يطلبُوا غَيري ، ولو ظفروا بِي لَذَهَلوا عَنْ طلبِ غيري ، وليأخذ كُلُّ رَجُلٍ منكم بيدِ رجلٍ مِنْ أهلِ بيتِي ، وتَفَرَّقوا في سوادِكُمْ هذا» (١).
هنا كان لعبّاس الشرف والحفاظ موقفُهُ المشهود الذي أظهر فيه مِن قوّة الإيمان ، وغزارة العلم ، وعوامل الشَّهامة ، ما أوقف جوَّالة الفكر وحَيّر نفَّاذة الحلم ؛ حيث ابتدر الجماعة بقوله : ولِمَ نفعل ذلك؟! لا أبقانا اللّه بعدك. وتابعه الهاشميّون الصفوة والصحب
__________________
(١) تاريخ الطبري ٤ / ٣١٧ ، الكامل في التاريخ ٤ / ٥٧ ، البداية والنّهاية لابن كثير ٨ / ١٩١.