فقالا : ما على أنفسنا نبكي ، ولكن نبكي عليك أبا عبد اللّه ؛ نراك قد اُحيط بك ، ولا نقدر على الدفع عنك والذبِّ عن حرمك (١). فجزاهما الحسين عليهالسلام خيراً؟!
وإذا تأمّلنا قول الإمام أبي جعفر الباقر عليهالسلام : «إنّ أصحابَ جدّي الحسينِ لمْ يجدوا ألمَ مسِّ الحديد» (٢). وضحَ لنا ما عليه اُولئك الأطائب من الثبات ، وأنّهم غير مكترثين بما لاقوه من ألم الجراح ؛ ولعاً منهم بالغاية ، وشوقاً إلى جوار المصطفى صلىاللهعليهوآله.
ولا يستغربُ هذا مَن يعرف حالة العاشق ، وأنّه عند توجّه مشاعره نحو المحبوب لا يشعر بكُلِّ ما يلاقيه من عناء ونكد. حكى المؤرّخون : أنّ عزّة دخلت على كثير الشاعر وهو في خبائه يبري سهاماً له ، ولمّا نظر إليها أدهشه الحال وأبهره الجمال ، فأخذ يبري أصابعه ، وسالت الدّماءُ وهو لا يحسّ بالألم (٣).
وأكبر مثال على ذلك ، حكاية الكتاب المجيد حالة النّسوة حينما شاهدنَ جمال الصدّيق يوسف عليهالسلام ، فقال تعالى : (فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ) (٤).
وإذا كانت النّسوة لمْ يشعرن بألم قطع المُدية أيديهنّ لمحض جمال الصّدِّيق ، فليس من الغريب ألاّ يجد أصحابُ الحسين عليهالسلام ـ وهُم زبدُ العالَمِ كُلِّه ـ ألمَ مسِّ الحديد عند نهاية عشقِهم لمظاهر
__________________
(١) تاريخ الطبري ٤ / ٣٣٧ ، الكامل في التاريخ ٤ / ٧٢.
(٢) الخرائج والجرائح للراوندي ٢ / ٨٤٨ ، والعبارة بمعناها.
(٣) الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني ٩ / ٢٢.
(٤) سورة يوسف / ٣١.