من جرّاء ما أوقعه اُولئك الصفوة بأعداء اللّه ورسوله ، بسيوفهم الماضيّة؟! والعذر لك ، أنّك أدركت ساعة العافية ، فطفقت تشوّه مقامهم المشكور ، طلباً لمرضاة (يزيد الخمور).
ولقد صرّح عن صدق نيّاتهم وإخلاصهم في التضحية عدوُّهم الألدّ عمرو بن الحجّاج مُحرّضاً قومه : أتدرون مَن تُقاتلون؟! تُقاتلون فرسانَ المصر وأهلَ البصائر ، تُقاتلون قوماً مُستميتين ، لا يبرز إليهم أحد منكم إلاّ قتلوه ، على قلَّتهم! واللّه ، لو لم ترموهم إلاّ بالحجارة لقتلتموهم. فقال عمر بن سعد : قد صدقت ، الرأي ما رأيت. أرسل في النّاس مَن يعزم عليهم أنْ لا يُبارزهم رجلٌ منهم (١) ، ولو خرجتم إليهم وحداناً لأتوا عليكم (٢).
وقيل لرجل شهد يوم الطَّفِّ مع عمر بن سعد : ويحك! أقتلتم ذرِّيَّة رسول اللّه؟
فقال : عضضتَ بالجندل! إنّك لو شهدت ما شهدنا ، لفعلت ما فعلنا ؛ ثارت علينا عصابةٌ أيديها في مقابض سيوفها ، كالاُسود الضارية ، تُحطّم الفرسان يميناً وشمالاً ، وتلقي أنفسها على الموت ، لا تقبل الأمان ولا ترغب في المال ، ولا يحول حائلٌ بينها وبين حياض المنيّة ، أو الاستيلاء على المُلك ، فلو كففنا عنها رويداً لأتت على نفوس العسكر بحذافيرها ، فما كُنّا فاعلين ، لا اُمّ لك (٣)؟!
وأيّ فرد منهم أقلقه الحال حتّى ارتعدت فرائصه؟! أهو زهير بن القَين الذي وضع يده على منكب الحسين عليهالسلام ، وقال مُستأذناً :
__________________
(١) تاريخ الطبري ٤ / ٣٣١ ، الكامل في التاريخ ٤ / ٦٧.
(٢) بحار الأنوار ٤٥ / ١٩.
(٣) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٣ / ٣٦٣.