الرحمن : ما هذه ساعة باطل! فقال برير : واللّه ، لقد علم قومي أنّي ما أحببت الباطل شابّاً ولا كهلاً ، ولكنّي لَمُستبشر بما نحن لاقون. واللّه ، ما بيننا وبين الحور العين إلاّ أنْ يميل علينا هؤلاء بأسيافهم ، ولوددت أنّهم مالوا علينا السّاعة (١).
وخرج حبيب بن مظاهر يضحك ، فقال له يزيد بن الحُصين : ما هذه ساعة ضحك! قال حبيب : وأيّ موضع أحقّ بالسّرور من هذا؟! ما هو إلاّ أنْ يميل علينا هؤلاء الطغاة بسيوفهم فنعانق الحور (٢).
وناهيك بعابس بن أبي شبيب الشاكري حينما برز إلى الحرب ، وقد أحجم القوم عنه ; لأنّهم عرفوه بالإقدام والبسالة ، فلمّا رأى أنّه لم يبارزه أحدٌ ألقى ما عليه من درع ولامة ، فاغتنمها القوم فرصة ، ومع ذلك لم يبرز إليه أحد ، لكنّهم رموه بالسّهام والحجارة ، وأنّه ليطرد أكثر من مئتين فَرِحاً مبتهجاً بما يلاقيه من حبور ونعيم.
وإنّي لأعجب من الرواة حملة التاريخ إذا توسّعوا في النّقل ، وقذفوا اُولئك الاُباة الصفوة ، والغُلب المصاليت ، بما تندى منه وجه الإنسانيّة ، ويأباه الوجدان الصادق ، فقيل : كان القوم بحالة ترتعد فرائصهم وتتغيّر ألوانهم كُلِّما اشتدّ الحال وضاق المجال ، إلاّ الحسين ؛ فإنّ أسرّة وجهه تشرق كالبدر المنير (٣).
وذلك بعد أنْ أعوزتهم الوقعة في شهيد الإباء ، فلم يجدوا
__________________
(١) تاريخ الطبري ٤ / ٣٢١ ، الكامل في التاريخ ٤ / ٦٠ ، مثير الأحزان لابن نما / ٣٩.
(٢) رجال الكشّي ١ / ٢٩٣ ، تفسير جوامع الجامع ١ / ١٣٠.
(٣) تاريخ الطبري ٤ / ٣١٠.