وقد روي : أنّها (سلام الله عليها) ما زالت بعد أبيها معصّبة الرأس ، ناحلة الجسم ، منهدّة الركن ، باكية العين ، محترقة القلب ، يغشى عليها ساعة بعد ساعة ، وتقول لولديها : «أين أبوكما الذي كان يكرمكما ويحملكما مرّةً بعد مرّة؟ أين أبوكما الذي كان أشدّ النّاس شفقةً عليكما ، فلا يدعكما تمشيان على الأرض؟ ولا أراه يفتح هذا الباب أبداً ، ولا يحملكما على عاتقه كما لم يزل يفعل بكما» (١).
وروي أن الزهراء عليهاالسلام بعد وفاة أبيها صلىاللهعليهوآله كانت تصطحب الحسنين معها إلى البقيع ، حيث تظلّ تبكي إلى المساء ، فيأتي أمير المؤمنين عليهالسلام فيعود بهم إلى البيت.
ونقل الرواة عن أسماء بنت عميس قصّة استشهادها مفصّلاً ، وقد جاء فيها أنّ الحسن والحسين عليهماالسلام دخلا البيت بُعَيد وفاة اُمّهما ، فقالا : «يا أسماء ، ما يُنيم اُمّنا في هذه الساعة؟!». قالت : يا ابني رسول الله ، ليست اُمّكما نائمة ، بل فارقت روحها الدنيا. فوقع عليها الحسن يقبّلها مرةً ويقول : «يا اُمّاه ، كلّميني قبل أن تفارق روحي بدني». قالت : وأقبل الحسين يقبّل رجلها ويقول : «يا اُمّاه ، أنا ابنك الحسين ، كلّميني قبل أن يتصدّع قلبي فأموت». قالت لهما أسماء : يا ابني رسول الله ، انطلقا إلى أبيكما علي فأخبراه بموت اُمّكما. فخرجا حتّى إذا كانا قرب المسجد رفعا أصواتهما بالبكاء ، فابتدرهما جميع الصحابة ، فقالوا : ما يبكيكما يا ابني رسول الله؟ لا أبكى الله أعينكما (٢).
وجاء في نصّ آخر : أنّه بعد أن فرغ أمير المؤمنين عليهالسلام من تغسيل الزهراء عليهاالسلام نادى : «يا اُمّ كلثوم ، يا زينب ، يا سكينة ، يا فضّة ، يا حسن ، يا حسين ، هلمّوا
__________________
(١) بحار الأنوار ٤٣ / ١٨١.
(٢) المصدر السابق / ١٨٦.