تلك العرافة من العطاء (١).
وقد كان ابن زياد معروفاً في أوساط الكوفيّين بالقسوة والشدّة ، فكان من الطبيعي أن يُحْدِثَ قدومُه وخطابُه الشديد اللهجة هزّةً عند المعارضين لسياسته ، فلاحت بوادر النكوص والتخاذل والإرجاف تظهر على الكوفيّين وقياداتهم ؛ من هنا اعتمد مسلم بن عقيل وسيلةً جديدة للسير في حركته نحو الهدف المطلوب. فانتقل إلى دار هانئ بن عروة وجعل يتستّر في دعوته وتحركاته إلاّ عن خلّص أصحابه ، وهانئ يومذاك سيّد بني مراد وصاحب الكلمة المسموعة في الكوفة والرأي المطاع (٢).
موقف مسلم من اغتيال ابن زياد
لقد كان مسلم بن عقيل (رضوان الله تعالى عليه) يحمل رسالةً ساميةً ، وأخلاقاً فاضلة اكتسبها من بيت النبوّة ، كما كان يملك درايةً بكلّ تقاليد وأعراف المجتمع الذي كان يتحرّك فيه ، ففي موقف كان يمكن فيه لمسلم بن عقيل أن يغتال ابن زياد رفض ذلك لاعتبارات شتّى.
فقد روي أنّ شريك بن الأعور حين نزل في دار هانئ بن عروة مرض مرضاً شديداً ، وحين علم عبيد الله بن زياد بذلك قدم لعيادته ، وهنا اقترح شريك على مسلم أن يغتال ابن زياد ، فقال : إنّما غايتك وغاية شيعتك هلاك هذا الطاغية ، وقد أمكنك الله منه ، وهو صائر إليّ ليعودني ، فقم وادخل الخزانة حتّى إذا اطمأنّ عندي فاخرج إليه فاقتله ، ثمّ صر إلى قصر الإمارة فاجلس فيه ؛
__________________
(١) الإرشاد ٢ / ٤٥ ، والفصول المهمّة / ١٩٧ ، والفتوح ـ لابن أعثم ٥ / ٦٧.
(٢) مروج الذهب ٢ / ٨٩ ، والأخبار الطوال / ٢١٣ ، وإعلام الورى ١ / ٤٣٨.