وبعين الخبير البصير ، والمعصوم المسدّد من السّماء وجد النبيّ صلىاللهعليهوآله في الوليد الجديد وريثاً للرسالة بعد حين ، ثائراً في الاُمّة بعد زيغ وسكون ، مُصلحاً في الدين بعد انحراف واندثار ، مُحيياً للسنّة بعد تضييع وإنكار ، فراح النبيّ صلىاللهعليهوآله يهيّئه ويعدّه لحمل الرسالة الكبرى مستعيناً في ذلك بعواطفه وساعات يومه ، وبهديه وعلّمه ؛ إذ عمّا قليل سيضطلع بمهام الإمامة في الرسالة الخاتمة بأمر الله تعالى.
فها هو صلىاللهعليهوآله يقول : «الحسن والحسين ابناي ، مَنْ أحبّهما أحبّني ، ومَنْ أحبّني أحبّه الله ، ومَنْ أحبّه الله أدخله الجّنة ، ومَنْ أبغضهما أبغضني ، ومَنْ أبغضني أبغضه الله ، ومَنْ أبغضه الله أدخله النّار» (١).
وهل الحبّ إلاّ مقدّمة الطاعة وقبول الولاية! بل هما بعينهما في المآل.
لقد كان النبي صلىاللهعليهوآله يتألّم لبكائه ، ويتفقّده في يقظته ونومه ، يوصي اُمّه الطاهرة فاطمة (صلوات الله عليها) أن تغمر ولده المبارك بكلّ مشاعر الحنان والرفق (٢).
حتّى إذا درج الحسين عليهالسلام صبيّاً يتحرّك شرع النبيّ صلىاللهعليهوآله يُلفت نظر النّاس إليه ، ويهيّئ الأجواء لأن تقبل الاُمّة وصاية ابن النبيّ صلىاللهعليهوآله عليها ، فكم تأنّى النبيّ صلىاللهعليهوآله في سجوده والحسين يعلو ظهره صلىاللهعليهوآله ؛ ليظهر للاُمّة حبّه له ، وكذا مكانته ، وكم سارع النبيّ يقطع خطبته ليلقف ابنه القادم نحوه متعثّراً فيرفعه معه على منبره (٣)؟ كلّ ذلك ليدلّ على منزلته ودوره الخطير في مستقبل الاُمّة.
__________________
(١) مستدرك الحاكم ٣ / ١٦٦ ، وتأريخ ابن عساكر / ترجمة الإمام الحسين عليهالسلام ، وإعلام الورى ١ / ٤٣٢.
(٢) مجمع الزوائد ٩ / ٢٠١ ، وسير أعلام النبلاء ٣ / ١٩١ ، وذخائر العقبى / ١٤٣.
(٣) مسند أحمد ٥ / ٣٥٤ ، وإعلام الورى ١ / ٤٣٣ ، وكنز العمال ٧ / ١٦٨ ، وصحيح الترمذي ٥ / ٦١٦ ح٣٧٧٤.