ومن هنا نستطيع أن نفهم السرّ الكامن في وجوب مودّتهم والالتزام بخطّهم ، وترجيح حبّهم على حبّ مَنْ سواهم بنصّ الكتاب العزيز (١).
فإنّ عصمة أهل البيت عليهمالسلام أدلّ دليل على أنّ النّجاة في متابعتهم حينما تتشعّب الطّرق وتختلف الأهواء ، فمَنْ عصمه الله من الرجس وكان دالاًّ على النّجاة كان متّبعه ناجياً من الغرق.
ونصّ النبيّ صلىاللهعليهوآله ـ كما عن ابن عباس ـ بأنّ آية المودّة في القربى حينما نزلت وسأله بعض المسلمين عن المقصود من القرابة التي أوجبت على المسلمين طاعتهم بقوله : «إنّهم عليّ وفاطمة وابناهما» (٢).
ولا يتركنا القرآن الحكيم حتّى يبيّن لنا أسباب هذا التفضيل في سورة «الدهر» ، التي نزلت لبيان عظمة الواقع النفسي الذي انطوى عليه أهل البيت عليهمالسلام ، والإخلاص الذي تقترن به طاعتهم وعباداتهم ، بقوله تعالى : (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً * فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً * وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً) (٣).
لقد روى جمهور المفسّرين والمحدّثين أنّ هذه السّورة المباركة نزلت في أهل البيت عليهمالسلام بعد ما مرض الحسنان ، ونذر الإمام صيام ثلاثة أيام شكراً لله إن برئا ، فوفوا بنذرهم أيّما وفاء ، إنّه وفاءٌ جسَّد أروع أنواع الإيثار حتّى نزل قوله تعالى : (إِنَّ الأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً * عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً * يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً) (٤) فشكر الله
__________________
(١) قال تعالى في سورة الشورى الآية ٢٣ مخاطباً رسوله الكريم : (قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى). وقال في سورة سبأ : (مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ).
(٢) راجع التفسير الكبير ، وتفسير الطبري ، والدرّ المنثور في تفسير آية المودّة.
(٣) سورة الإنسان / ٩ ـ ١٢.
(٤) سورة الإنسان / ٥ ـ ٧.