وأسرع محمّد إلى أخيه فأخذ بزمام ناقته وقال له : «يا أخي ، ألم تعدني فيما سألتك؟». قال الإمام عليهالسلام : «بلى ، ولكنّي أتاني رسول الله صلىاللهعليهوآله بعد ما فارَقْتُك وقال لي : يا حسين ، اخرج فإنّ الله شاء أن يراك قتيلاً». فقال محمّد : فما معنى حملِ هؤلاء النساء والأطفال وأنت خارج على مثل هذا الحال؟ فأجابه الإمام عليهالسلام : «قد شاء الله أن يراهن سبايا» (١).
ولم يكن اصطحاب الحسين عليهالسلام لعيالاته حالة غريبة على المجتمع العربي والإسلامي ، فقد كان العرب يصطحبون نساءَهم في الحروب ، وكذا فعل النبيّ صلىاللهعليهوآله في غزواته فقد كان يقرع بين نسائه ، أمّا بالنسبة إلى الإمام الحسين عليهالسلام فإنّ اصطحابه لعائلته في حركته إنّما كان لأجل أن يكون وجودها معه بمثابة حجّة قويّة على المسلمين لنصرته ، فمَنْ تولّى الحسين عليهالسلام ويسعى لنصرته والدفاع عنه فأولى له أن يدافع عنه وهو بين أهله. وإن اختلف مع الحسين عليهالسلام فما ذنب عيالاته وهنّ بنات النبيّ صلىاللهعليهوآله ، خاصّة إنّ الخلاف بزعم الاُمويّين إنّما هو لأجل الخلافة؟
٣ ـ ذكر المؤرخون أنّ الإمام الحسين عليهالسلام لمّا أراد الخروج من مكة ألقى خطاباً فيها ، جاء فيه : «خُطَّ الْمَوْتُ على وُلْدِ آدم مَخَطّ الْقِلادة على جيدِ الفتاة ، وما أولهني إلى أسلافي اِشتياق يعقوب إلى يوسف ، وخُيّر لي مصرعٌ أنا لاقيه ، كأنّي بأوصالي تقطّعها عُسْلانُ الفلواتِ بينَ النواويس وكربلاء ، فيملأنَّ منّي أكراشاً جوفاً وأجربةً سُغباً ، لا محيص عن يوم خُطّ بالقلم ، رضا الله رضانا أهل البيت ، نصبر على بلائه ويوفّينا أُجور الصابرين. لن تشذّ عن رسول الله عليهمالسلام لُحْمَتُه ، وهي مجموعة له في حظيرة القدس ؛ تَقِرُّ بهم عينُه ، ويُنْجَزُ بهم وعدُه. مَنْ كان باذلاً فينا مهجتَه ، وموطِّناً على لقاء الله نَفْسَه فَلْيَرْحَلْ معنا ،
__________________
(١) اللهوف على قتلى الطفوف / ٢٧ ، وأعيان الشّيعة ١ / ٥٩٢ ، وبحار الأنوار ٤٤ / ٣٦٤.