الانحراف واتّضحت خطورته ؛ فإنّه قد لاحظ أنّ أبا بكر وعمر وعثمان قد ملكوا قبله ولم تسمح لهم الظّروف بإعادة صرح الجاهليّة من جديد ، ولا زال صوت الحقّ هادراً كلّ يوم بالتوحيد وبالرسالة لمحمّد بن عبد الله صلىاللهعليهوآله (١).
كما إنّ الانحراف السّياسي الذي ولّدته السّقيفة وتربّت عليه فئات من الاُمّة استثمره معاوية أيّما استثمار ، فقد احتجّ على النّاس بأنّ أبا بكر بويع بدون نصّ سماويّ ، أو أمر من رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وأنّه خالف سيرة رسول الله صلىاللهعليهوآله ؛ إذ جعل عمر خليفةً من بعده ، وصنع عمر ما لم يصنعه قبله وخالف بذلك الله ورسوله وأبا بكر. ووفق هذا المنطق فإنّ الاُمّة ومصير الرسالة الإسلاميّة تكون اُلعوبة بيد معاوية يسوسها كيف يشاء ؛ من هنا قرّر أن يبايع بالخلافة ليزيد (٢) من بعده.
وقد خلت السّاحة السّياسية للزمرة الاُمويّة بعد فتن ومصاعب أشعلها معاوية مستغلاًّ جهالة طبقات من الاُمّة ، وموظّفاً كلّ الطّاقات التي وقفت ضدّ الإمام عليّ عليهالسلام لصالحه في مواجهة تيار الحقّ بقيادة الإمام الحسن عليهالسلام ، واستأثر بالحكم بعد قتله للإمام الحسن عليهالسلام واستهتاره بقيم الإسلام وتعاليمه ، وكان حاذقاً في إحكام سيطرته وملكه ، ولكنّه لم يجرؤ لإعلان خطّته تثبيتاً لملك بني اُميّة باستخلاف يزيد من بعده وفي الاُمّة مَنْ هو صاحب الخلافة الشّرعية وهو الإمام الحسن عليهالسلام ، ومن بعده أخوه الإمام الحسين عليهالسلام الذي كان على الاُمّة أن تعود لقيادته بعد افتقادها للحسن عليهالسلام.
يُضاف إلى ذلك أنّ أحداً من الخلفاء الثلاثة لم يوصِ بالخلافة لولده من بعده. ونظراً لما كان ينطوي عليه يزيد من ضعف واستهتار ومجون
__________________
(١) مروج الذهب ٢ / ٣٤٣ ، وشرح النهج ٢ / ٣٥٧.
(٢) الإمامة والسّياسة ١ / ١٨٩.