بالمغرب كقرطبة وزويلة وتونس وقيروان وطرابلس الغرب قبلتها تقرب من نقطة المشرق ، بل تميل عنها نحو الجنوب يسيراً ، فهي بعيدة عمّا ذكروه هنا ، فتدبّر.
(وعلامة اليمن جَعْل الجدْي وقت طلوعه) أو انخفاضه (بين العينين ، وسهيل عند) أوّل (مغيبه) وهو ميله عن دائرة نصف النهار ، بل قبل أخذه في المغيب عند كونه على الدائرة (بين الكتفين) ليكون مقابلاً للجدْي عند طلوعه ؛ لكونهما معاً على دائرة نصف النهار ، وأمّا إذا أخذ في المغيب يميل عن التوسّط بين الكتفين لمن جعل الجدْي حال استقامته بين العينين ، كما لا يخفى.
(والجنوب) بفتح الجيم ، وهي : ريح مقابلة لريح الشمال مهبّها ما بين نقطتي الجنوب والمشرق (على مرجع الكتف الأيمن) وهو مبدأ رجوعه قرب المفصل.
وهذه العلامات بعد الجمع بينها تقتضي كون قبلة اليمني نقطة الشمال ، فتكون مقابلةً لقبلة مغاريب العراق ، كالموصل وما ناسبها.
وبعض الأصحاب كالشهيد في الألفيّة (١) جعل اليمني في مقابلة الشاميّ.
والتحقيق أنّ عدن وما والاها تناسب العلامات المذكورة ؛ لمناسبتها لمكّة في الطول ونقصانها في العرض ، وأمّا صنعاء اليمن المشهورة وما ناسبها فهي مقابلة للشامي ، كما ذكره الشهيد رحمهالله.
واعلم أنّا لمّا بيّنّا في أوّل البحث كون معرفة جهة القبلة ليس منها منقول عن أئمّة الهدى غير قبلة العراق ببعض علاماتها المذكورة ، وإنما هي مأخوذة من علم الهيئة وما ضاهاها من العلوم والأرصاد ، وكانت هذه العلامات المدوّنة في كتب الفقه بعضها مطلق احتاج إلى التقييد ، وبعضها مجمل احتاج إلى البيان كما رأيت ، فجدير بنا أن نذكر جملة تزيدك بصيرةً في تحقيق الحقّ ، وتوضّح لك عن وجه ما ذكرناه من البيان والتقييد.
وتقريره يتوقّف على مقدّمة هي أنّهم قسّموا هذا الربع المسكون المشتمل على الأقاليم السبعة طولاً وعرضاً ، فالطول من مبدإ العمارة من جانب المغرب ، وهي جزائر الخالدات عند بطلميوس ؛ لكونه مبدأ العمارة في زمانه ، أو ساحل البحر الغربي عند المتأخّرين ؛ لاستيلاء الخراب والغرق على ما بينهما بعد زمانه ، إلى منتهاها من الجانب الشرقي ، وهي
__________________
(١) الألفيّة : ٥٣.