ذات اليسار عن القبلة وعن السبب فيه ، فقال : «إنّ الحجر الأسود لمّا أنزله الله سبحانه من الجنّة ووضع في موضعه جعل أنصاب الحرم من حيث يلحقه نور الحجر ، فهي عن يمين الكعبة أربعة أميال ، وعن يسارها ثمانية أميال ، فإذا انحرف الإنسان ذات اليمين خرج عن حدّ القبلة لقلّة أنصاب الحرم ، وإذا انحرف ذات اليسار لم يكن خارجاً عن حدّ القبلة» (١).
وفي مرفوعة إليه أنّه قيل له : لِمَ صار الرجل ينحرف في الصلاة إلى اليسار؟ فقال : «لأنّ للكعبة ستّة حدود : أربعة منها على يسارك ، واثنان منها على يمينك ، فمن أجل ذلك وقع التحريف إلى اليسار» (٢).
والروايتان لا تصلحان للدلالة ؛ لضعف الاولى وقطع الثانية ، والحكم المبنيّ عليه ممنوع ؛ لما سبق من أنّ قبلةَ البعيد الجهةُ خصوصاً على ما تبيّن من انحراف قبلة العراق عن نقطة الجنوب ، فلو اعتبرت بالعلامة الأُولى أو الثالثة وتياسر عنها قليلاً ، خرج عن السمت خروجاً فاحشاً لو تمّ العمل بتلك العلامات مطلقاً.
وأيضاً فإنّ انحراف البعيد وإن كان يسيراً يفرط في البُعْد عن المنحرف عنه باعتبار زيادته كما تقدّم ، فربما خرج به عن التوجّه إلى الحرم.
وقد أورد العلامة السعيد سلطان العلماء المحقّقين خواجه نصير الدين الطوسي رحمهالله عليه حين حضر بعض مجالس المحقّق نجم الدين بن سعيد ، وجرى في درسه هذه المسألة : بأنّ التياسر أمر إضافيّ لا يتحقّق إلا بالإضافة إلى صاحب يسار متوجّه إلى جهة ، وحينئذٍ إمّا أن تكون الجهة محصّلةً أو لا ، ويلزم من الأوّل التياسر عمّا وجب التوجّه إليه ، ومن الثاني عدم جواز التوجّه إلى ما ذُكر قبلة ، وتلخيصه أنّ التياسر إن كان إلى القبلة فواجب ، أو عنها فحرام.
فأجاب المحقّق رحمهالله : بأنّ الانحراف عن القبلة للتوسّط فيها ، لاتّساعها من جانب اليسار ؛ لأنّ أنصاب القبلة إلى يسار الكعبة أكثر (٣) ، كما مرّ.
__________________
(١) الفقيه ١ : ١٧٨ / ٨٤٢ ؛ التهذيب ٢ : ٤٤ ٤٥ / ١٤٢.
(٢) الكافي ٣ : ٤٨٧ ٤٨٨ / ٦ ؛ التهذيب ٢ : ٤٤ / ١٤١.
(٣) انظر التنقيح الرائع ١ : ١٧٦.