فأتيت مسجد البصرة فإذا أنا بحلقة كبيرة فيها عمرو بن عبيد وعليه شملةٌ سوداء متّزر بها من صوف وشملة مرتدٍ بها والناس يسألونه ، فاستفرجت الناس فأفرجوا لي ، ثمّ قعدت في آخر القوم على ركبتيّ ، ثمّ قلت : أيّها العالم! إنّي رجل غريب تأذن لي في مسألة؟ فقال لي : نعم. فقلت له : ألك عينٌ؟ فقال : يابني! أي شيء هذا من السؤال وشيء تراه كيف تسأل عنه؟ فقلت : هكذا مسألتي ، فقال : يابنيّ! سل وإن كانت مسألتك حمقاء ؛ قلت : أجبني فيها ، قال لي : سل ، قلت : ألك عين؟ قال : نعم ، قلت : فما تصنع بها؟ قال : أرى بها الألوان والأشخاص ، قلت : فلك أنف؟ قال : نعم ، قلت : فما تصنع به؟ قال : أشمّ به الرائحة ، قلت : ألك فم؟ قال : نعم ، قلت : فما تصنع به؟ قال : أذوق به الطعم ، قلت : فلك اُذن؟ قال : نعم ، قلت : فما تصنع بها؟ قال : أسمع بها الصوت ، قلت : ألك قلب؟ قال : نعم ؛ قلت : فما تصنع به؟ قال : اُميّز به كلّما ورد على هذه الجوارح والحواس ؛ قلت : أو ليس في هذه الجوارح غنى عن القلب؟ فقال : لا ؛ قلت : وكيف ذلك وهي صحيحة سليمة؟ قال : يابني! إنّ الجوارح إذا شكّت في شيء شمّته أو رأته أو ذاقته أو سمعته ، ردّته إلى القلب فيستيقن اليقين ويبطل الشكّ. قال هشام : فقلت له : فإنّما أقام اللّه القلب لشكّ الجوارح؟ قال : نعم. قلت : لابدّ من القلب وإلاّ لم تستيقن الجوارح؟ قال : نعم.
فقلت له : ياأبا مروان! فاللّه تبارك وتعالى لم يترك جوارحك حتّى جعل لها إماما يصحّح لها الصحيح ، ويتيقّن به ما شكّ فيه ، ويترك