فإنّه يردّه أنّ العلم ليس علّةً أو سببا للمعلوم ، والثابت في علم اللّه تعالى هو معصية العبد لكن بإختيار نفس العبد ، وبسبب إرادته وبسوء إختياره.
فلا يكون العصيان بسبب علم اللّه تعالى عن ذلك علوّا كبيرا ، وإنّما يكون العصيان بإختيار نفس العبد العاصي.
فاللّه تعالى يعلم أنّ العبد سيختار المعصية ، ويعلم أيضا تبدّل عزمه من المعصية إلى الطاعة إذا انصرف عن العصيان.
فعدم عصيان العبد لا يوجب تبدّل العلم إلى الجهل ، كما توهّمه الخيّامي ؛ لأنّ اللّه الذي أحاط بكلّ شيء علما ، يعلم جميع حالات العبد ، طاعاته ومعصياته وعزماته وإنصرافاته في جميع حركاته وسكناته ، إلاّ أنّه كارهٌ لعصيان عبده ولا يحبّ السوء لعبيده ، فكيف يسبّب عصيانهم أو يجبرهم على المعصية؟!
الشرع والعقل يخالفان هذه الدعوى ويحكمان بأنّ العلم من اللّه لا يسبّب عصيان العبد ، بل أنّ عصيان العبد يكون بخيرة نفسه وإختياره.
كما يستفاد من مثل قوله تعالى : (مَنْ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا) (١) وقوله تعالى : (وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْما فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ) (٢).
وكما تلاحظ بيانه في أحاديث نفي الجبر والتفويض مثل :
١ـ ما رواه يونس بن عبدالرحمن عن غير واحد ، عن أبي جعفر وأبي عبداللّه عليهماالسلام ، قالا :
«إنّ اللّه عزوجل أرحم بخلقه من أن يجبر خلقه على الذنوب ، ثمّ
__________________
(١) سورة الإسراء : (الآية ١٥).
(٢) سورة النساء : (الآية ١١١).