فالتمليك الحاصل بالإنشاء لا يعتبر فيه القبول ، والتمليك الّذي يعتبر فيه القبول إنّما يتحقّق إذا تعقّبه القبول ، ولا يتحقّق إذا لم يتعقّبه القبول.
(فالبيع وما يساويه معنى من قبيل الإيجاب والوجوب ، لا الكسر والانكسار) ، فإنّ الكسر والانكسار لا يتصوّر فيهما الانفكاك ، وليس هناك كسران ، بخلاف الإيجاب والوجوب ، فإنّ الإيجاب أيضا إنشاء قد يصادف الوجوب الواقعي ، كما إذا صدر عن العالي فيتحقّقان معا واقعا ، وقد لا يصادفه لفقد شرطه ، كما إذا صدر عن السافل ، فيتحقّق الوجوب في نظر الموجب لا الوجوب الواقعي ، أمّا عدم الوجوب الواقعي ، فلفقد شرطه ، وأمّا تحقّق الوجوب في نظر الموجب ، فلامتناع انفكاك الأثر عن التأثير ، هذا ملخّص مرامه رحمهالله.
وفيه ؛ أنّ اختلاف النظر لا يوجب تغيّر الواقع وتعدّده ، فإذا فرض حصول تأثير بالإنشاء واقعا ، فلا بدّ له من أثر واقعي ولا يكفي فيه الأثر التخيّلي.
سلّمنا ذلك ، لكن لا يجب أن يكون كلّ منشئ جاهلا بالواقع فيعتقد حصول الأثر مع عدم تحقّقه في الواقع ، فما حقّقه رحمهالله ممّا لم يظهر لنا وجهه ، ولعلّ الملجئ إلى ذلك ما بنى عليه بعضهم من كون الإنشاء إيجادا والتعليق ينافيه (١).
وقد أبطل ذلك المحقّقون ، وأوضحوا فساده بما لا مزيد عليه وبيّنوا ، لعدم جواز التعليق وجوها اخر يأتي ذكرها في محلّه.
ونحن نشير الآن إلى بيان معنى الإنشاء وحقيقته ، ليتّضح أنّه ليس من الإنشاء في شيء ، فنقول :
__________________
(١) القواعد والفوائد : ١ / ٦٥ القاعدة ٣٥ ، جامع المقاصد : ٨ / ٣٠٥ ، مسالك الإفهام : ٥ / ٢٧٦ ، لاحظ! المكاسب : ٣ / ١٦٥.