أشار تعالى بقوله ( أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ ) (١) ، وقوله تعالى : ( وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا ) (٢).
ف « الاسترشاد به » إشارة إلى الجنس الأول ، وهو واضح.
و « الاعتصام » إلى الثاني ، فإنّ أصله الامتناع بالشيء (٣) ، ولا شكّ أنّ نصب الأدلّة وإقامة السبل الفارقة بين الحقّ والباطل والصلاح والفساد عصمة لمن تمسّك بها من الهلكة وجنّة له من الضلالة.
و « الاستزادة في المعرفة » إلى الثالث ، فإنّ العقل وإن كان دليلا على الله تعالى بآثاره الظاهرة وآياته الباهرة المتظافرة ، إلّا أنّ الأنبياء والرسل عليهمالسلام والكتب المطهرة تهدي للتي هي أقوم ، وتزيد في المعرفة على الوجه الأتمّ وترشد إلى ما لا يفي العقل بدركه.
و « الإقرار بعظمته وكبريائه » إلى المقام الرابع ، فإنّ من ارتقى إلى تلك الغاية ، ووصل إلى شريف تلك المرتبة ، وانغمس في أنوار تلك الهيبة ، واغترف من أسرار تلك البحار الإلهيّة ، اعترف بمزيد الكبرياء والعظمة ، بل اضمحلّ وفني في تلك المرتبة ، وعرف أنّ كلّ شيء هالك إلّا وجهه ، فإذا طلب العارف الهداية إلى الصراط المستقيم ، فمطلبه هذه المنزلة ، لتمكّنه ممّا سبق والناس فيها على حسب مراتبهم ، والصراط المستقيم المستوي مشترك بين الجميع.
( و ) إذا توجّه المصلّي إلى ذلك الجناب العليّ وسأل ذلك المطلب السنيّ فليترقّ إلى استحضار ( التأكيد في السؤال والرغبة والتذكير ، لما تقدّم من نعمه على أوليائه ، وطلبه مثلها عند ) قوله : ( صراط الّذين أنعمت عليهم ) من النّبيين والصدّيقين والصالحين.
وإنّما طلب الهداية إلى سلوك طريق المذكورين ، التي هي نعم أخروية أو ما كان وسيلة إليها ، صرفا لما سواها من النعم الدنيوية عن درجة الاعتبار ، وتحقيقا وتفخيما
__________________
(١) « الأنعام » ٦ : ٩٠.
(٢) « العنكبوت » ٢٩ : ٦٩.
(٣) « المصباح المنير » ٤١٤ ، « عصم ».