الحكام الطغاة بنفوذهم وسلطانهم.
والفقهاء المسيسين برواياتهم وفتاويهم.
من هنا وجب إلقاء الضوء على صور الخلاف والتناحر التي برزت بعد وفاة الرسول وأثمرت في النهاية هذه الفرق التى نحن بصدد الحديث عنها هنا.
وجب معرفة الدوافع التي أدت إلى بروز فرق أهل السنة وبروز الفرق المخالفة لها المتصادمة معها.
يعرض لنا الشهرستاني بوادر الخلاف وشبهاته بداية من عصر الرسول قائلاً : إن الشبهات التي في آخر الزمان هي بعينها تلك الشبهات التي وقعت في أول الزمان وإن خفي علينا ذلك فى الأمم السالفة لتمادي الزمان ، فلم يخف في هذه الأمة أن شبهاتها كلها نشأت من شبهات منافقي زمن النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، إذ لم يرضوا بحكمه فيما كان يأمر وينهى ، وشرعوا فيما لا مصرح للكفار فيه ولا مسرى ، وسألوا عما منعوا من الخوض فيه والسؤال عنه وجادلوا بالباطل فيما لا يجوز فيه الجدال (١).
وهذه لفتة طيبة من الشهرستاني ، إذ حصر الشبهات التى ولدت الخلاف والفرقة بين المسلمين فى عصر الرسول ( صلى الله عليه وآله ) وبهذا يكون قد أعطانا المفتاح الذى ندخل من خلاله إلى بيت الداء ، فإن واقع المدينة في حياة النبي ( صلى الله عليه وآله ) كان يكتظ بالمنافقين المتربصين بالإسلام والمسلمين.
ولم يكن تيار المنافقين تياراً سرياً ، وإنما كان علنياً مفضوحاً بنصوص
__________________
١ ـ الملل والنحل هامش الفصل في الملل والنحل لابن حزم ج ١ / المقدمة الرابعة.