إلاّ أن الوضع قد اختلف في العصر العباسي ، وبعد ظهور حركة الترجمات وبروز التيار الشيعي بقوة ، ثم تيار المعتزلة والتيارات الكلامية الأخرى التي شكلت تحدياً كبيراً لفرق أهل السنة والحكام.
وجاء رد الفعل عنيفاً وشديداً من قبل فرق أهل السنة السائدة ، ونتج عن رد الفعل هذا وقوع خلافات وصدامات أدت إلى بروز فرق في دائرتهم تبنت علم الكلام الذي نبذ من قبل الفرق القديمة واستخدمته كسلاح في مواجهة الفرق المخالفة (١).
ويمكن القول أن العصر العباسي هو عصر تأسيس وبلورة عقائد وأفكار فرق أهل السنة المختلفة ، وهو عصر التعددية في دائرتهم أيضاً ، فأغلب فرق أهل السنة برزت في هذا العصر.
وإذا كان العصر الأموي قد حوى فرق البصرية والحنفية والمالكية والأوزاعية ، فإن العصر العباسي قد حوى فرق الشافعية والحنابلة والظاهرية والأشاعرة والماتريدية وكذلك الحنفية والمالكية والأوزاعية التي عاصرت العباسيين أيضاً.
وهذه هي الفرق التي سوف نعرض لها في هذا الباب بالإضافة إلى فرقة
__________________
١ ـ علم الكلام هو العلم الذي اشتق من الفلسفات التي تم ترجمتها وتفسيرها ويعتمد على استخدام الحجج المنطقية في إثبات العقائد ودفع الشبه عنها. وينقل ابن خلكان إن لفظة متكلم تطلق على من يعرف علم الكلام وهو أصول الدين. وإنما قيل علم الكلام لأن أول خلاف وقع في الدين كان في كلام الله. أمخلوق هو أم غير مخلوق؟
انظر وفيات الأعيان ج ١ / ٦٠٩. وقد هوجم علم الكلام من قبل فرق الحنابلة والمالكية والشافعية وغيرهم ، بينما تبناه الأشاعرة والماتريدية.