حسن الظن منك بهم ، فانه ليس شيء اكثر اختلافاً لفراسة اولي الأمر ، ولا خلافاً لحسن ظنونهم من كثير من الرجال ، ولكن اخترهم على آثارهم فيما ولّوا قبلك ، فان ذلك من صالح ما يستدل به الناس بعضهم على امور بعض ، واجعل لرأس كلّ امر من تلك الامور ، رئيساً من أهل الأمانة والرأي ، ممّن لا يقهره كبير الامور ، ولا يضيّع لديه صغيرها ، [ ثم لا تدع مع ذلك ] (٧٣) ان تتفقد امورهم ، وتنظر في اعمالهم ، وتتلطف بمسألة ما غاب عنك من احوالهم ، حتى تعلم كيف معاملتهم الناس فيما ولّيتهم ؟ فان في كثير من الكتّاب شعبة من العزّ ، ونخوة واعجابا ، وتسرعاً كثيراً من التبرم بالناس ، والضجر عند المنازعة ، والضيق عند المراجعة ، ولا بدّ للناس من طلب حاجاتهم ، فمتى جمعوا عليهم الابطاء بها والغلظة ، الزموك عيب ذلك ، وادخلوا مؤونته عليك ، وفي النظر في ذلك من صلاح امورك ، مع ما لك عند الله من الجزاء حظّ عظيم ، ان شاء الله تعالى .
ذكر ما ينبغي للوالي ان ينظر فيه من أمر طبقة التجار والصنائع (٧٤) :
انظر الى التجار واهل الصناعات ، واستوص بهم خيراً ، فانهم مادّة للناس ، ينتفعون بصناعاتهم ، وممّا يجلبون اليهم من منافعهم ومرافقهم ، في البر والبحر ، ومن رؤوس الجبال ، وبلدان مملكة العدوّ ، وحيث لا يعرف اكثر الناس مواضع ما يحتاجون اليه من ذلك ، ولا يطيقون الايثار (٧٥) به (٧٦) بأنفسهم ، فلهم بذلك حق وحرمة ، يجب حفظها لهم ، فتفقدوا امورهم ، واكتب الى عمالك فيهم ، واعلم مع ذلك ان في كثير منهم شحّاً قبيحاً ، وحرصاً شديداً ، واحتكاراً للتربص والغلاء ، والتضييق على الناس ، والتحكم عليهم ، وفي ذلك مضرّة عظيمة على الناس ، وعيب على الولاة ، فامنعهم من ذلك ،
_________________________
(٧٣) أثبتناه من المصدر .
(٧٤) في المصدر : والصناع .
(٧٥) في المصدر : الإِتيان .
(٧٦) في المصدر زيادة : ولا عمل ما يعملونه .