( ملكت الدنيا ، وذلّت لي صعابها ، وبلغت آرابي ).
وكان يذكر وصول الرطب في أكثر أوقاته ، وهو يقول : آخر عهدي بأكل الرطب ، فكان كما قال : فقد ألمّت به الأمراض واشتدّت به العلّة ، وكان نازلاً في دار خاقان المفلحي ، خادم الرشيد ، ولمّا دنا منه الموت أمر أن يفرش له الرماد ، ويوضع عليه ، ففعل له ذلك ، وكان يتقلّب على الرماد ، وهو يقول : ( يا من لا يزول ملكه ، ارحم من زال ملكه ) (١).
واشتدّ به النزع ، وكان عنده من يلقّنه فعرض عليه الشهادة ، وكان ابن ماسويه الطبيب حاضراً ، فالتفت إلى من يلقّنه قائلاً :
( دعه فإنّه لا يفرّق في هذه الحال بين ربّه وماني .. ).
وفتح المأمون عينيه ، فقد لذعته هذه الكلمات ، وقد أراد أن يبطش به إلاّ أنّه لم يستطع فقد عجز عن الكلام (٢) ، ولم يلبث قليلاً حتى وافاه الأجل المحتوم ، وكان عمره ( ٤٩ سنة ) أمّا مدّة خلافته فعشرون سنة ، وخمسة أشهر وثمانية عشر يوماً (٣) ، ويقول فيه أبو سعيد المخزومي :
هل رأيت النجوم أغنت عن المأ |
|
مون في ثبت ملكه المأسوس |
خلفوه بعرصتي طرطوس |
|
مثل ما خلّفوه أباه بطوس (٤) |
وكان عمر الإمام أبي جعفر عليهالسلام في ذلك الوقت يربو على اثنين وعشرين عاماً ، وكان ـ فيما يقول المؤرّخون ـ ينتظر موت المأمون بفارغ الصبر لعلمه أنّه لا يبقى
____________
١ ـ الأنباء في تاريخ الخلفاء : ص ١٠٤.
٢ ـ تاريخ ابن الأثير : ج ٥ ص ٢٢٧.
٣ ـ التنبيه والأشراف : ص ٤٠٤.
٤ ـ أخبار الدول : ص ١٥٤.