وقد حدث عن مظاهر ذلك التكريم القاسم بن عبد الرحمن ، وكان زيدياً ، قال : خرجت إلى بغداد ، فرأيت الناس يتشوفون ويقفون ، فقلت : ما هذا؟ قالوا : ابن الرضا ، فقلت : والله لأنظر إليه ، فطلع ، وكان راكباً على بغل أو بغلة ، فلعنت أصحاب الإمامة إذ يقولون : إنّ الله افترض طاعة هذا ، وبصر بي الإمام فعدل إليَّ ، وقال : يا قاسم بن عبد الرحمن ( أبشراً واحداً نتّبعه إنّا إذاً لفي ضلال وسعر ) وذهلت لمّا عرف نيّتي ، وقلت بإمامته (١).
واستغل الإمام أبو جعفر عليهالسلام مدّة بقائه في بغداد بالتدريس (٢) وبلورة الفكر العامّ بالعلوم والمعارف الإسلامية ، وكان يلقي محاضراته القيّمة على العلماء والرواة في بهو بيته ، وقد تناولت مختلف العلوم والفنون من علم الحديث ، والتفسير ، وعلم الفقه ، وعلم الكلام ، وعلم الأصول إلاّ أنّ علم الفقه قد حظي بالجانب الأكبر من اهتمامه.
وسافر الإمام أبو جعفر عليهالسلام بعد أن عقد على أمّ الفضل إلى يثرب ، وقد استقر بها حفنة من السنين ، وقد قام بشؤون العلويّين ، كما قام بإعاشة الفقراء والمحرومين ، فكان موئلهم ، أمّا هو فقد عاش عيشة بسيطة كعيشة آبائه ، فلم يرفّه على نفسه ، وإنّما حمّلها من أمره رهقاً.
وقد احتفّ به الفقهاء والعلماء ورواة الحديث ، وهو يفيض عليهم من نمير علومه ومعارفه ، وقد روى عنه العلماء جوانب كثيرة من الفقه وغيره وقد ألمحنا إليها
__________________
١ ـ إثبات الهداة : ج ٦ ص ١٩.
٢ ـ عقيدة الشيعة : ص ٢٠٠.