الجواد عليهالسلام فقد كانت ضخمة للغاية ، فقد أحصى ابن خلدون الخراج في عهد المأمون فكان مجموعه ما يزيد على ٤٠٠ مليون درهم (١) ، وقد بلغ من سعة المال ووفرته أنّه كان لا يُعدّ ، وإنما كان يوزن ، فكانوا يقولون : إنه بلغ ستة أو سبعة آلاف قنطار من الذهب (٢) ، وقد حسب عامل المعتصم على الروم خراجها فكان أقلّ من ثلاثة آلاف ألف ، فكتب إليه المعتصم يعاتبه ، وممّا جاء في عتابه : ( إنّ أخسّ ناحية عليها أخس عبيدي خراجها أكثر من خراج أرضك ) (٣). ومن المؤسف أنّ هذه الأموال الوفيرة لم تنفق على تقدم المسلمين وتطوير حياتهم ، وإنما كان الكثير منها يصرف على الشهوات والملذّات ، وقد عكست تلك الأموال الهائلة ترف بغداد في ذلك العصر ذلك الترف الذي تحكيه قصص ( ألف ليلة وليلة ) التي مثّلت حياة اللهو في ذلك العصر.
وتهالك الناس في ذلك العصر على جمع المال بكلّ وسيلة سواءً كانت مشروعة أم غير مشروعة ، فقد أصبح المال هو المقياس في قيم الرجال ، وأخذ يتردّد في الأمثلة الجارية في بغداد ( المال مال ، وما سواه محال ) وتوسّل الناس إلى جمعه بكلّ طريق لا يعفون عن محرم ، ولا يتورّعون عن خبيث ، وأصبح الخداع والغشّ هو الوسيلة في جمعه (٤).
وتضخّمت الثروات الهائلة عند بعض الناس خصوصاً في بغداد التي هي
__________________
١ ـ المقدمة : ص ١٧٩ ـ ١٨٠.
٢ ـ المقدمة.
٣ ـ أحسن التقاسيم للمقدسي : ص ٦٤ ( طبع ليدن ).
٤ ـ مقدمة البخلاء : ص ٢٤.