مرآة العقول - ج ١

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

مرآة العقول - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الكتب الإسلاميّة
المطبعة: مروي
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٥٦

١٢ ـ وبهذا الإسناد ، عن محمد بن علي رفعه قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام إياكم والكذب المفترع قيل له وما الكذب المفترع قال أن يحدثك الرجل بالحديث فتتركه وترويه عن الذي حدثك عنه.

______________________________________________________

الحديث الثاني عشر مرفوع أو ضعيف إذ الظاهر أن محمد بن علي هو أبو سمينة.

قوله عليه‌السلام إياكم والكذب المفترع : قيل أي الكذب الحاجز بين الرجل وبين قبول روايته من فرع فلان بين الشيئين إذا حجز بينهما ، أو هو من فرع الشيء ارتفع وعلا ، وفرعت الجبل أي صعدته لأنه يريد أن يرفع حديثه بإسقاط الواسطة ، أو المراد به الكذب الذي يزيل عن الراوي ما يوجب قبول روايته ، والعمل بها أي العدالة من افترعت البكر افتضضتها وأزلت بكارتها أو الكذب الذي أزيل بكارته يعني وقع مثله من السابقين من الرواة ، أو الكذب المبتدأ أي المستحدث ، وفيه إيماء إلى أنه لم يقع مثله من السابقين أو المتعلق بذكر أحد ابتداء ، ومن قولهم بئس ما افترعت به أي ابتدأت به ، والمفترع على الأخيرين اسم مفعول وعلى الثلاثة الأول اسم فاعل ، وقيل : المراد أنه كذب هو فرع لكذب رجل آخر ، فإن ساندته إليه فإن كان كاذبا أيضا فلست بكاذب بخلاف ما إذا أسقطته فإنه إن كان كاذبا فأنت أيضا كاذب ، وقيل الافتراع بمعنى التفرع ، فإنه فرع قوله على صدق الراوي ، فإن قال في نفسه إذا رواه الفرع عن الأصل فقد قاله الأصل ، فيجوز لي أن أسنده إلى الأصل ، فأسنده إليه فإنما كان كذبا لأنه غير جازم بصدوره عن الأصل ، ولعل الفرع قد كذب عليه أو سها في نسبته إليه ، ولا بد له من تجويز ذلك ، فلا يحصل له الجزم به فهو كاذب في قوله ، وإن قدرنا أن الأصل قد قاله كما أن المنافقين كانوا كاذبين في شهادتهم بالرسالة لأنهم كانوا غير جازمين به ، وإنما كان كذبا مفترعا لأنه فرع على كذب مقدر ، ولعله لم يكن كذبا فهو ليس بكذب صريح بل هو كذب مفترع ، كما أنه صدق مفترع ، ومنهم من صحف وقرع بالقاف من الاقتراع بمعنى الاختيار.

١٨١

١٣ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن جميل بن دراج قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام أعربوا حديثنا فإنا قوم فصحاء.

١٤ ـ علي بن محمد ، عن سهل بن زياد ، عن أحمد بن محمد ، عن عمر بن عبد العزيز ، عن هشام بن سالم وحماد بن عثمان وغيره قالوا سمعنا أبا عبد الله عليه‌السلام يقول حديثي حديث أبي وحديث أبي حديث جدي وحديث جدي حديث الحسين وحديث الحسين حديث الحسن وحديث الحسن حديث أمير المؤمنين عليه‌السلام وحديث أمير المؤمنين حديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وحديث رسول الله قول الله عز وجل.

١٥ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن الحسن بن أبي خالد شينولة قال قلت لأبي جعفر الثاني عليه‌السلام جعلت فداك إن مشايخنا رووا عن أبي جعفر

______________________________________________________

الحديث الثالث عشر صحيح.

قوله عليه‌السلام أعربوا حديثنا : الإعراب الإبانة والإفصاح ، والمراد إظهار الحروف وإبانتها بحيث لا تشتبه بمقارباتها ، وإظهار حركاتها وسكناتها ، بحيث لا يوجب اشتباها ويحتمل أن يراد به إعرابه عند الكتابة بأن يكتب الحروف بحيث لا يشتبه بعضها ببعض ، أو يجعل عليها ما يسمى اليوم عند الناس إعرابا ، كما كان دأب القدماء ورعاية الجمع أحوط.

الحديث الرابع عشر ضعيف على المشهور.

قوله عليه‌السلام حديث أبي : أي أحاديث كل واحد منهم مأخوذة من الآخر ومنتهية إلى قول الله تعالى ، ولا مدخل فيها للآراء والظنون فلا اختلاف في أحاديثهم ، ويومئ إلى أنه يجوز رواية ما سمع من أحدهم عن غيره عليه‌السلام كما مر.

الحديث الخامس عشر مجهول.

وقال في الإيضاح : شينولة بفتح الشين المعجمة وإسكان الياء المنقطة تحتها نقطتين وضم النون وإسكان الواو ، والخبر يدل على صحة تحمل الحديث بالوجادة ، وعلى جواز الرجوع إلى الكتب المؤلفة قبله عليه‌السلام والاعتماد عليها والعمل

١٨٢

وأبي عبد الله عليه‌السلام وكانت التقية شديدة فكتموا كتبهم ولم ترو عنهم فلما ماتوا صارت الكتب إلينا فقال حدثوا بها فإنها حق.

باب التقليد

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن عبد الله بن يحيى ، عن ابن مسكان ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قلت له ـ ( اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ ) (١) فقال أما والله ما دعوهم إلى عبادة أنفسهم ولو دعوهم

______________________________________________________

بما فيها ، ويضم تلك الأخبار بعضها إلى بعض ، ورعاية ما كان الشائع بين السلف من الرجوع إليها والعمل بها ، وروايتها وإجازتها والاحتجاج بها ، يحصل العلم بجواز العمل بأخبار الآحاد التي تضمنتها الكتب المعتبرة ، وسنحقق ذلك في المجلد الآخر من كتاب بحار الأنوار إنشاء الله تعالى.

باب التقليد

الحديث الأول حسن ، إذا الظاهر أن عبد الله هو الكاهلي ، أو مجهول لاحتمال غيره ، وسيأتي هذا الحديث في باب الشرك راويا عن العدة عن البرقي عن أبيه عن عبد الله بن يحيى وهو أصوب.

قوله عليه‌السلام قلت له اتخذوا أحبارهم : أي سألته عن معنى هذه الآية ، والأحبار العلماء والرهبان العباد ، ومعنى الحديث أن من أطاع أحدا فيما بأمره به مع أنه خلاف ما أمر الله تعالى به وعلمه بذلك أو تقصيره في التفحص فقد اتخذه ربا وعبده من حيث لا يشعر ، كما قال الله تعالى : ( أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ ) (٢) وذلك لأن العبادة عبارة عن الطاعة والانقياد وأما من قلد عالما أفتى بمحكمات القرآن والحديث ، وكان عدلا موثقا به ، فإنه ليس بتقليد له ، بل تقليد لمن فرض الله طاعته ، وحكم بحكم الله عز وجل ، وإنما أنكر الله تعالى تقليد هؤلاء أحبارهم ورهبانهم وذمهم على ذلك ،

__________________

(١) سورة التوبة : ٣١.

(٢) سورة يس : ٦٠.

١٨٣

ما أجابوهم ولكن أحلوا لهم حراما وحرموا عليهم حلالا فعبدوهم من حيث لا يشعرون.

٢ ـ علي بن محمد ، عن سهل بن زياد ، عن إبراهيم بن محمد الهمذاني ، عن محمد بن عبيدة قال قال لي أبو الحسن عليه‌السلام يا محمد أنتم أشد تقليدا أم المرجئة قال قلت قلدنا وقلدوا فقال لم أسألك عن هذا فلم يكن عندي جواب أكثر من الجواب الأول فقال أبو الحسن عليه‌السلام إن المرجئة نصبت رجلا لم تفرض طاعته وقلدوه

______________________________________________________

لأنهم إنما قلدوهم في الباطل بعد وضوح الحق وظهور أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلذا لم يكونوا معذورين في ذلك ، وقد يقال أحلوا لهم حراما ، ناظر إلى العلماء والأحبار ، وقوله : وحرموا عليهم حلالا ، ناظر إلى الرهبان.

الحديث الثاني ضعيف على المشهور.

قوله عليه‌السلام أم المرجئة : قد يطلق المرجئة في مقابل الشيعة من الإرجاء بمعنى التأخير لتأخير هم عليا عليه‌السلام عن درجته ، وكأنه المراد هنا ، وقد يطلق في مقابلة الوعيدية إما من الإرجاء بمعنى التأخير لأنهم يؤخرون العمل عن النية والقصد وإما بمعنى إعطاء الرجاء لأنهم يعتقدون أنه لا يضر مع الأيمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة ، وقيل : كان الشائع في سابق الزمان التعبير بالقدرية والمرجئة عمن يضاهي المعبر عنه في هذه الأعصار بالمعتزلة والأشاعرة في أصول الاعتقادات ، كما ورد في رواية ابن عباس أنه قال : أمرني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن أبرأ من خمسة : من الناكثين وهم أصحاب الجمل ، ومن القاسطين وهم أصحاب الشام ، ومن الخوارج وهم أهل النهروان ، ومن القدرية وهم الذين ضاهوا النصارى في دينهم ، فقالوا لا قدر ومن المرجئة الذين ضاهوا اليهود في دينهم فقالوا : الله أعلم.

قوله عليه‌السلام لم تفرض طاعته : على بناء المجهول أي لم يفرض الله تعالى طاعته ، ومع ذلك لا يخالفونهم في شيء أو على بناء المعلوم أي لم يفرضوا على أنفسهم طاعتهم ، إما لأنهم على الباطل فلم يجب عندهم متابعتهم ، أو لأنهم يجوزون الاجتهاد على

١٨٤

وأنتم نصبتم رجلا وفرضتم طاعته ثم لم تقلدوه فهم أشد منكم تقليدا.

٣ ـ محمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن حماد بن عيسى ، عن ربعي بن عبد الله ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قول الله جل وعز ـ ( اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ ) فقال والله ما صاموا لهم ولا صلوا لهم ولكن أحلوا لهم حراما وحرموا عليهم حلالا فاتبعوهم.

باب البدع والرأي والمقاييس

١ ـ الحسين بن محمد الأشعري ، عن معلى بن محمد ، عن الحسن بن علي الوشاء وعدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن فضال جميعا ، عن عاصم بن حميد ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال خطب أمير المؤمنين عليه‌السلام الناس فقال أيها الناس إنما بدء وقوع الفتن أهواء تتبع وأحكام تبتدع يخالف فيها كتاب الله يتولى فيها رجال رجالا فلو أن الباطل خلص لم يخف على ذي حجى ولو أن الحق

______________________________________________________

خلافهم ، والحاصل أن رسوخهم في التقليد والمتابعة أشد منكم ، وهذه شكاية منه عليه‌السلام عن بعض الشيعة.

الحديث الثالث : مجهول كالصحيح وقد مر الكلام فيه.

باب البدع والرأي والمقاييس

الحديث الأول موثق كالصحيح.

قوله عليه‌السلام إنما بدء وقوع الفتن : والبدء الابتداء أو المبتدأ ، والفتنة : الامتحان والاختبار ، ثم كثر استعماله لما يختبر به من المكروه ثم كثر استعماله بمعنى الضلال والكفر والقتال ، والأهواء جمع الهواء وهو بالقصر الحب المفرط في الخير والشر وإرادة النفس ، والحاصل أن أول الفتن أو منشأها وعلتها متابعة المشتهيات النفسانية ، وابتداع الأحكام في الدين بسببها ، وقوله عليه‌السلام يخالف فيها كتاب الله تعالى ، توضيح وبيان لقوله : تبتدع ، ويقال : تولاه أي اتخذه وليا أي حبيبا أو ناصرا

١٨٥

خلص لم يكن اختلاف ولكن يؤخذ من هذا ضغث ومن هذا ضغث فيمزجان فيجيئان معا فهنالك استحوذ الشيطان على أوليائه ونجا الذين سبقت لهم من الله الحسنى.

٢ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن محمد بن جمهور العمي يرفعه قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا ظهرت البدع في أمتي فليظهر العالم علمه فمن لم يفعل فعليه لعنة الله.

٣ ـ وبهذا الإسناد ، عن محمد بن جمهور رفعه قال من أتى ذا بدعة فعظمه فإنما يسعى في هدم الإسلام.

٤ ـ وبهذا الإسناد ، عن محمد بن جمهور رفعه قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أبى الله لصاحب البدعة بالتوبة قيل يا رسول الله وكيف ذلك قال إنه قد أشرب قلبه حبها.

٥ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن

______________________________________________________

أو أولى بالتصرف ، ويمكن أن يكون المراد بالتولي المتابعة ، والحجى بكسر المهملة ثم الجيم المفتوحة : العقل ، والضغث : القطعة من الحشيش المختلط رطبه باليابس ، وقيل : ملأ الكف من الشجر والحشيش أو الشماريخ.

قوله عليه‌السلام فهنالك : أي عند امتزاج الحق بالباطل واشتباههما ، والاستحواذ الغلبة.

الحديث الثاني ضعيف.

قوله عليه‌السلام فليظهر : أي مع التمكن وعدم الخوف على نفسه ، أو على المؤمنين.

الحديث الثالث ضعيف.

الحديث الرابع ضعيف.

قوله عليه‌السلام أشرب ، على بناء المجهول أي خالط قلبه حبها ، كما قال الله تعالى : ( وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ ) (١) ولعل المعنى أنه لا يوفق للتوبة الكاملة أو غالبا.

الحديث الخامس : صحيح.

__________________

(١) سورة البقرة : ٩٣.

١٨٦

معاوية بن وهب قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إن عند كل بدعة تكون من بعدي يكاد بها الإيمان وليا من أهل بيتي موكلا به يذب عنه ينطق بإلهام من الله ويعلن الحق وينوره ويرد كيد الكائدين يعبر عن الضعفاء فاعتبروا يا أولي الأبصار وتوكلوا على الله.

٦ ـ محمد بن يحيى ، عن بعض أصحابه وعلي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن هارون بن مسلم ، عن مسعدة بن صدقة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام وعلي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن محبوب رفعه ، عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنه قال إن من أبغض الخلق إلى الله عز وجل لرجلين رجل وكله الله إلى نفسه فهو جائر عن قصد السبيل مشعوف بكلام بدعة

______________________________________________________

قوله عليه‌السلام يكاد : على بناء المجهول أي بها يمكر أو يحارب أو يراد بسوء ويمكن أن يقرأ على بناء المعلوم أي يكاد أن يذهب بها الإيمان ، والأول أصوب ، والولي هنا الناصر أو الأولى بالأمر.

قوله عليه‌السلام يعبر عن الضعفاء : أي يتكلم من قبل الضعفاء العاجزين عن إظهار الحق وبيان حقيقته بالأدلة ودفع الشبهة عن الدين ، ويحتمل أن يكون يعبر عن الضعفاء ابتداء كلام الصادق عليه‌السلام أي عبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالولي عن الأئمة الذين استضعفوا في الأرض والأول أظهر ، والظاهر أن قوله : فاعتبروا ، من كلام الصادق عليه‌السلام.

الحديث السادس : سنده الأول ضعيف والثاني مرفوع ، لكنه مذكور في نهج البلاغة وإرشاد المفيد والاحتجاج وغيرها بأدنى اختلاف.

قوله عليه‌السلام : فهو حائر بالمهملتين ، وفي بعض النسخ بإعجام الأول فقط ، وفي بعضها بإعجامهما والمعاني متقاربة ، وقصد السبيل : استقامته ، أي مائل ومتجاوز أو حيران عن السبيل المستقيم المستوي ، وقوله : مشغوف ، في بعض النسخ بالغين المعجمة وفي بعضها بالمهملة ، وبهما قرأ قوله تعالى ( قَدْ شَغَفَها حُبًّا ) (١) وعلى الأول معناه دخل حب كلام البدعة شغاف قلبه أي حجابه ، وقيل : سويداءه ، وعلى الثاني غلبه حبه وأحرقه ،

__________________

(١) سورة : يوسف ٣٠.

١٨٧

قد لهج بالصوم والصلاة فهو فتنة لمن افتتن به ضال عن هدي من كان قبله مضل لمن اقتدى به في حياته وبعد موته حمال خطايا غيره رهن بخطيئته.

ورجل قمش جهلا في جهال الناس عان بأغباش الفتنة قد سماه أشباه الناس عالما ولم يغن فيه يوما سالما.

______________________________________________________

فإن الشعف بالمهملة شدة الحب وإحراقه القلب ، واللهج بالشيء محركة : الولوع فيه والحرص عليه ، أي هو حريص على الصوم والصلاة وبذلك يفتتن به الناس وقوله عليه‌السلام عن هدى من كان قبله ، إما بفتح الهاء وسكون الدال أو بضم الهاء وفتح الدال ، والأول بمعنى السيرة والطريقة.

قوله عليه‌السلام رهن : وفي بعض النسخ رهين ، قال المطرزي هو رهن بكذا ورهين به أي مأخوذ به ، والقمش جمع الشيء من ههنا وههنا ، وكذا التقميش ، وذلك الشيء القماش ، والمراد بالجهل ما أخذ من غير المأخذ الشرعي ، بل بالأوهام والاستحسانات والقياسات أو روايات غير ثابتة عن الحجة.

قوله عليه‌السلام : عان بأغباش الفتنة : كذا في أكثر النسخ بالعين المهملة والنون من قولهم عني فيهم أسيرا أي أقام فيهم على إساره واحتبس ، وعناه غيره حبسه ، والعاني الأسير أو من عني بالكسر بمعنى تعب ، أو من عني به فهو عان أي اهتم به واشتغل ، وفي بعض النسخ بالغين المعجمة من غني بالمكان كرضى أي أقام به ، أو من غني بالكسر أيضا بمعنى عاش ، وفي أكثر نسخ النهج والإرشاد وغيرهما غار بالغين المعجمة ولراء المهملة المشددة ، وفي بعض نسخ النهج بالعين المهملة والدال المهملة من العدو بمعنى السعي أو من العدوان ، والغبش محركة ظلمة آخر الليل ، والإضافة من قبيل لجين الماء أو لامية ، والمراد بأشباه الناس : الجهال والعوام ، لخلوهم عن معنى الإنسانية وحقيقتها.

قوله عليه‌السلام ولم يغن فيه : قال في النهاية في حديث علي عليه‌السلام ورجل سماه الناس عالما ولم يغن في العلم يوما تاما من قولك غنيت بالمكان أغنى إذا قمت به « انتهى ».

قوله عليه‌السلام سالما : أي من النقص بأن يكون نعتا لليوم كما في روايات المخالفين

١٨٨

بكر فاستكثر ما قل منه خير مما كثر حتى إذا ارتوى من آجن واكتنز من غير طائل جلس بين الناس قاضيا ضامنا لتخليص ما التبس على غيره وإن خالف قاضيا سبقه لم يأمن أن ينقض حكمه من يأتي بعده كفعله بمن كان قبله وإن نزلت به إحدى المبهمات المعضلات هيأ لها حشوا من رأيه.

______________________________________________________

أو من الجهل بأن يكون حالا عن ضمير الفاعل.

قوله عليه‌السلام بكر : أي خرج في طلب العلم بكرة ، كناية عن شدة طلبه واهتمامه في كل يوم ، أو في أول العمر وابتداء الطلب ، وقال الفاضل التستري (ره) : كان المراد أنه بكر في العبادات فاستكثر منها ، مع أن ما قل منه خير مما كثر « انتهى » و « ما » في قوله مما قل ، موصولة ، وهي مع صلتها صفة لمحذوف وتقديره : فاستكثر من جمع شيء قليله خير من كثيره ، وكون قليله خيرا بالنسبة إلى كثيره لا في نفسه ، ويحتمل أن تكون « ما » مصدرية أي قلته خير من كثرته ، وقيل قل مبتدأ بتقدير أن ، وخير خبره كقولهم تسمع بالمعيدي خير من أن تراه ، وقيل : الجملة معترضة بين الكلام وفي النهج فاستكثر من جمع ما قل ، ويروى بالتنوين بأن يكون المصدر بمعنى المفعول ، فلا يحتاج إلى تقدير وبدونه يحتاج كما هنا ، والمراد بذلك الشيء الشبهات المضلة والآراء الفاسدة والعقائد الباطلة ، أو الأعمال المبتدعة ، أو زهرات الدنيا ، والأول أظهر بقرينة قوله : حتى إذا ارتوى من أجن ، والآجن الماء المتغير أستعير للآراء الباطلة والأهواء الفاسدة وقيل : في الكلام لف ونشر فالبكور في طلب الدنيا وما قبله للعلم ، والارتواء متعلق بما قبله ، والاكتناز بالبكور ، ولا يخفى بعده.

قوله عليه‌السلام : واكتنز : في بعض النسخ فأكثر ، وفي الإرشاد وغيره واستكثر ، وهما ظاهران وأما الاكتناز فهو بمعنى الاجتماع والامتلاء وهو لازم ، فالإسناد إما مجازي أو في الكلام تقدير أي اكتنز له العلوم الباطلة ، وقال الجوهري : هذا أمر لا طائل فيه إذا لم يكن فيه غناء ومزية ، والمعضلات على صيغة الفاعل : المشكلات.

قوله عليه‌السلام حشوا : أي كثيرا بلا فائدة.

١٨٩

ثم قطع به فهو من لبس الشبهات في مثل غزل العنكبوت لا يدري أصاب أم أخطأ لا يحسب العلم في شيء مما أنكر ولا يرى أن وراء ما بلغ فيه مذهبا إن قاس شيئا بشيء لم يكذب نظره وإن أظلم عليه أمر اكتتم به لما يعلم من جهل نفسه لكيلا يقال له لا يعلم ثم جسر فقضى فهو مفتاح عشوات ركاب شبهات خباط جهالات لا يعتذر مما لا يعلم

______________________________________________________

قوله عليه‌السلام : ثم قطع ، أي جزم ، وفي النهج « به » وفي غيره « عليه ».

قوله عليه‌السلام : فهو من لبس الشبهات في مثل غزل العنكبوت : اللبس بفتح اللام وأصله اختلاط الظلام أو بالضم بمعنى الإلباس كذا قيل ، وقال ابن ميثم : وجه هذا التمثيل أن الشبيهات التي تقع على ذهن مثل هذا الموصوف إذا قصد حل قضية مبهمة تكثر فتلتبس على ذهنه وجه الحق منها ، فلا يهتدي له لضعف ذهنه فتلك الشبهات في الوهن تشبه نسج العنكبوت وذهنه فيما يشبه الذباب الواقع فيه فكما لا يتمكن الذباب من خلاص نفسه من شباك العنكبوت لضعفه كذلك ذهن هذا الرجل لا يقدر على التخلص من تلك الشبهات.

أقول : ويحتمل أيضا أن يكون المراد تشبيه ما يلبس على الناس من الشبهات بنسج العنكبوت لضعفها وظهور بطلانها ، لكن تقع فيها ضعفاء العقول فلا يقدرون على التخلص منها لجهلهم وضعف يقينهم والأول أنسب بما بعده.

قوله لا يحسب العلم : بكسر السين من الحسبان أي يظن أن العلم منحصر فيما يعلم ، أو بضم السين من الحساب أي لا يعد ما ينكر علما.

قوله : لا يرى أن ما وراء ما بلغ مذهبا : أي أنه لوفور جهله يظن أنه بلغ غاية العلم فليس بعد ما بلغ إليه فكره لأحد مذهب ، وموضع تفكر.

قوله عليه‌السلام فهو مفتاح عشوات : أي يفتح على الناس ظلمات الشبهات والجهالات ، ويركب الشبهات زعما منه أنه توصله إلى الحق.

قوله عليه‌السلام خباط جهالات ... الخبط : المشي على غير استواء ، أي خباط في الجهالات أو بسببها.

١٩٠

فيسلم ولا يعض في العلم بضرس قاطع فيغنم يذري الروايات ذرو الريح الهشيم ـ تبكي منه المواريث وتصرخ منه الدماء يستحل بقضائه الفرج الحرام ويحرم بقضائه الفرج الحلال لا مليء بإصدار ما عليه ورد ولا هو أهل لما منه فرط من ادعائه علم الحق

______________________________________________________

قوله عليه‌السلام بضرس قاطع : كناية عن عدم إتقانه للقوانين الشرعية وإحاطته بها يقال لم يعض فلان على الأمر الفلاني بضرس : إذا لم يحكمه.

قوله عليه‌السلام يذري الروايات ذرو الريح الهشيم : قال الفيروزآبادي : ذرت الريح الشيء ذروا وأذرته وذرته أطارته وأذهبته ، وقال : الهشيم : نبت يابس متكسر ، أو يابس كل كلاء وكل شجر ، ووجه التشبيه صدور فعل بلا روية من غير أن يعود إلى الفاعل نفع وفائدة ، فإن هذا الرجل المتصفح للروايات ليس له بصيرة بها ولا شعور بوجه العمل بها ، بل هو يمر على رواية بعد أخرى ، ويمشي عليها من غير فائدة كما أن الريح التي تذري الهشيم لا شعور لها بفعلها ، ولا يعود إليها من ذلك نفع ، وإنما أتى الذر ومكان الإذراء لاتحاد معنييهما ، وفي بعض الروايات يذر الرواية قال الجزري : يقال ذرته الريح وأذرته تذروه وتذريه إذا أطارته ومنه حديث علي عليه‌السلام يذروا الرواية ذرو الريح الهشيم ، أي يسرد الرواية كما تنسف الريح هشيم النبت ، وأما بكاء المواريث وصراخ الدماء فالظاهر أنهما على الاستعارة ولطفهما ظاهر ، فيحتمل حذف المضاف أي أهل المواريث وأهل الدماء.

قوله عليه‌السلام لا مليء : المليء بالهمز : الثقة الغني ، والإصدار الإرجاع ، أي ليس له من العلم والثقة قدر ما يمكن أن يصدر عنه انحلال ما ورد عليه من الإشكالات والشبهات قال الجزري : المليء بالهمزة الثقة الغني ، وقد ملؤ فهو مليء بين الملاءة بالمد ، وقد أولع الناس بترك الهمزة وتشديد الياء ، ومنه حديث علي عليه‌السلام لا مليء والله بإصدار ما عليه ورد.

قوله عليه‌السلام ولا هو أهل لما منه فرط : فرط ـ بالتخفيف ـ بمعنى سبق وتقدم ، أي

١٩١

٧ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الحسن بن علي الوشاء ، عن أبان بن عثمان ، عن أبي شيبة الخراساني قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول إن أصحاب المقاييس طلبوا العلم بالمقاييس فلم تزدهم المقاييس من الحق إلا بعدا وإن دين الله لا يصاب بالمقاييس.

______________________________________________________

ليس هو أهل لما ادعاه من علم الحق الذي من أجله سبق الناس ، وتقدم عليهم بالرئاسة والحكومة وربما يقرأ بالتشديد أي ليس هو من أهل العلم كما يدعيه لما فرط فيه وقصر عنه ، وفي الإرشاد : ولا يندم على ما منه فرط ، وليست هذه الفقرة في النهج أصلا ، وقال ابن أبي الحديد : في كتاب ابن قتيبة ولا أهل لما فرط به ، أي ليس بمستحق للمدح الذي مدح به ، وقال : فإن قيل : تبينوا الفرق بين الرجلين الذين أحدهما وكله الله إلى نفسه والآخر رجل قمش جهلا؟ قيل أما الرجل الأول فهو الضال في أصول العقائد كالمشبه والمجبر ونحوهما ، ألا تراه كيف قال : مشغوف بكلام بدعة ودعاء ضلالة ، وهذا يشعر بما قلناه من أن مراده به التكلم في أصول الدين وهو ضال عن الحق ، ولهذا قال : إنه ضال عن هدى من كان قبله ، وأما الرجل الثاني فهو المتفقة في فروع الشرعيات وليس بأهل لذلك ، ألا تراه كيف يقول : جلس بين الناس قاضيا « انتهى » أقول : ويمكن الفرق بأن يكون المراد بالأول من نصب نفسه لمناصب الإفادة والإرشاد ، وبالثاني من تعرض للقضاء والحكم بين الناس ، ولعله أظهر ، ويحتمل أيضا أن يكون المراد بالأول العباد المبتدعين في العمل والعبادة كالمتصوفة والمرتاضين بالرياضات الغير المشروعة ، وبالثاني علماء المخالفين ومن يحذو حذوهم حيث يفتون الناس بالقياسات الفاسدة والآراء الواهية ، وفي الإرشاد وأن أبغض الخلق عند الله رجل وكله إلى نفسه ، إلى قوله رهين بخطيئته قد قمش جهلا فالأكل صفة لصنف واحد.

الحديث السابع : ضعيف على المشهور ويشمل جميع أنواع القياس حتى منصوص العلة والقياس بطريق الأولى ، وأكثر الأصحاب أخرجوهما ، والكلام فيه موكول إلى آخر مجلدات كتابنا الكبير إن شاء الله القدير.

١٩٢

٨ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ومحمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان رفعه ، عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليه‌السلام قالا كل بدعة ضلالة وكل ضلالة سبيلها إلى النار.

٩ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن محمد بن حكيم قال قلت لأبي الحسن موسى عليه‌السلام جعلت فداك فقهنا في الدين وأغنانا الله بكم عن الناس حتى إن الجماعة منا لتكون في المجلس ما يسأل رجل صاحبه تحضره المسألة ويحضره جوابها فيما من الله علينا بكم فربما ورد علينا الشيء لم يأتنا فيه عنك ولا عن آبائك شيء فنظرنا إلى أحسن ما يحضرنا وأوفق الأشياء لما جاءنا عنكم فنأخذ به فقال

______________________________________________________

الحديث الثامن : مرفوع.

قوله عليه‌السلام كل بدعة ضلالة : يدل على أن قسمة بعض أصحابنا البدعة إلى أقسام خمسة تبعا للعامة باطل ، فإنها إنما تطلق في الشرع على قول أو فعل أو رأي ، قرر في الدين ، ولم يرد فيه من الشارع شيء لا خصوصا ولا عموما ، ومثل هذا لا يكون إلا حراما أو افتراء على الله ورسوله.

الحديث التاسع : حسن.

قوله عليه‌السلام فقهنا : على بناء المعلوم من فقه ككرم أي صار فقيها ، أو على بناء المجهول من باب التفعيل وهو أظهر.

قوله ما يسأل ... ما موصولة وهي مع صلتها مبتدأ والعائد إليه محذوف ويحضره خبره ، والجملة مستأنفة وقيل : ما موصولة والجملة صفة للمجلس ، وقيل :الجملة حال من فاعل تكون ، وقيل : « ما » زائدة ويسأل حال من المجلس ، ويحضره حال من صاحبه ، وقيل : « ما » نافية أي لا حاجة له إلى سؤال ، فقوله : يحضره استيناف بياني والضميران لرجل وفي بعض نسخ المحاسن : إلا وتحضره المسألة ، فكلمة ما نافية ، ويستقيم الكلام بلا تكلف ، وكلمة في في قوله فيما من الله ظرفية أو سببية.

قوله عليه‌السلام إلى أحسن ما يحضرنا : أي ما يكون أقوى سندا وأبعد من التقية وأصرح في المطلوب ، وما قيل : من أنه إشارة إلى القياس بطريق أولى فلا يخفى بعده

١٩٣

هيهات هيهات في ذلك والله هلك من هلك يا ابن حكيم قال ثم قال لعن الله أبا حنيفة كان يقول قال علي وقلت.

قال محمد بن حكيم لهشام بن الحكم والله ما أردت إلا أن يرخص لي في القياس.

١٠ ـ محمد بن أبي عبد الله رفعه ، عن يونس بن عبد الرحمن قال قلت لأبي الحسن الأول ع بما أوحد الله فقال يا يونس لا تكونن مبتدعا من نظر

______________________________________________________

وأوفق الأشياء أي أوفق الأجوبة عن تلك المسألة ، لما جاءنا عنكم من أحسن أحاديثكم قياسا عليه أو أوفق الأحاديث للعمومات المروية عنكم ، هيهات : أي بعد عن الطريق المستقيم وإصابة الحق في ذلك ، أي في الأخذ بالقياس الذي تستأذنني فيه.

قوله عليه‌السلام قال علي وقلت : أي وقلت خلاف قوله ، أراد أنه رأى في المسألة رأيا وأنا رأيت فيها رأيا بخلافه وقيل : أراد أنه قال علي قياسا وقلت أنا أيضا بالقياس وإن وافقه أو يخالف ما روي عن علي عليه‌السلام لأن من مذهبه ترجيح القياس على الخبر الواحد ، وقيل : كان يقيس حكما على حكم روي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام والأول أظهر ، وليس ببديع منه ، قال الزمخشري في ربيع الأبرار : قال يوسف بن أسباط رد أبو حنيفة على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أربعمائة حديث وأكثر ، قيل : مثل ما إذا قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : للفرس سهمان وللرجل سهم ، قال أبو حنيفة : لا أجعل سهم البهيمة أكثر من سهم المؤمن ، وأشعر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأصحابه البدن وقال أبو حنيفة : الإشعار مثلة ، وقال : البيعان بالخيار ما لم يفترقا ، وقال أبو حنيفة : إذا وجب البيع فلا خيار ، وكان عليه‌السلام يقرع بين نسائه إذا أراد سفرا وأقرع أصحابه ، وقال أبو حنيفة : القرعة قمار.

الحديث العاشر : مرفوع.

قوله عليه‌السلام بما أوحد الله : أي بأي طريق أعبد الله بالوحدانية ، وقيل : أي بما استدل على التوحيد كأنه يريد الدلائل الكلامية فنهاه عن غير السمع ، وقوله : ومن

١٩٤

برأيه هلك ومن ترك أهل بيت نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله ضل ومن ترك كتاب الله وقول نبيه كفر.

١١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الوشاء ، عن مثنى الحناط ، عن أبي بصير قال قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام ترد علينا أشياء ليس نعرفها في كتاب الله ولا سنة فننظر فيها فقال لا أما إنك إن أصبت لم تؤجر وإن أخطأت كذبت على الله عز وجل.

______________________________________________________

ترك كتاب الله مكن أن يكون تعليلا وتبيينا للجملة السابقة ، فإن من ترك اتباع أهل بيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقد ترك ما ورد بالكتاب والسنة في وجوب متابعتهم ، وقيل : قوله : من نظر برأيه هلك ، أي من نظر في العلوم الدينية برأيه وبدعته وجعل الرأي والقياس مأخذه فقد ضل لأن ذلك مسبب عن ترك أهل البيت عليه‌السلام وإنكار إمامتهم وعدم أخذ المعارف والأحكام عنهم ، فاحتاج إلى القياس والرأي ، فهو تارك لأهل البيت عليهم‌السلام ، ومن تركهم عليه‌السلام ولم يأخذ العلوم عنهم أولا أو بواسطة ضل ، لعدم تمكنه من الوصول إلى الحق فيها ، فينتج من نظر برأيه ضل ، فهذا قياس على هيئة الشكل الأول وصغراه مطوي لظهوره وملخص الدليل أنه من نظر برأيه فقد ترك أهل بيت نبيه ، ومن تركهم ضل فمن نظر برأيه ضل ، وقوله عليه‌السلام : من ترك كتاب الله وقول نبيه كفر ، قياس آخر وصغراه مطوي لظهوره وهو أنه من ترك أهل بيت نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله فقد ترك كتاب الله وقول نبيه ، لدلالتهما على إمامتهم ووجوب طاعتهم وأخذ العلوم عنهم ، ومن ترك كتاب الله وقول نبيه كفر ، فمن ترك أهل بيت نبيه كفر ، ومن كلا القياسين يتلخص قياس ثالث ينتج : من نظر برأيه كفر.

الحديث الحادي عشر : حسن.

قوله عليه‌السلام فإن أصبت لم توجر : ظاهره أنه مع إصابة الحكم لا يكون آثما وهو خلاف المشهور ، ويمكن أن يكون على سبيل التنزيل ، وقال بعض الأفاضل : يحتمل أن يكون المراد النظر بالقياس ، والمراد بقوله : إن أصبت لم توجر ، الإصابة في

١٩٥

١٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن الحكم ، عن عمر بن أبان الكلبي ، عن عبد الرحيم القصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.

١٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى بن عبيد ، عن يونس بن عبد الرحمن ، عن سماعة بن مهران ، عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام قال قلت أصلحك الله إنا نجتمع فنتذاكر ما عندنا فلا يرد علينا شيء إلا وعندنا فيه شيء مسطر وذلك مما أنعم الله به علينا بكم ثم يرد علينا الشيء الصغير ليس عندنا فيه شيء فينظر بعضنا إلى بعض وعندنا ما يشبهه فنقيس على أحسنه فقال وما لكم وللقياس إنما هلك من هلك من قبلكم بالقياس ثم قال إذا جاءكم ما تعلمون فقولوا به وإن جاءكم ما لا تعلمون فها وأهوى بيده إلى فيه ثم قال لعن الله أبا حنيفة كان يقول قال علي وقلت أنا وقالت الصحابة وقلت ثم قال أكنت تجلس إليه فقلت لا ولكن هذا كلامه فقلت أصلحك الله أتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الناس بما يكتفون به في عهده قال نعم وما يحتاجون إليه إلى يوم القيامة فقلت فضاع من ذلك شيء فقال لا هو عند أهله.

______________________________________________________

أصل الحكم وعلته ، ويحتمل أن يكون المراد النظر في الكتاب والسنة ، والاستنباط من العمومات لا بطريق القياس ، فربما يكون مصيبا في الحكم والاستنباط كليهما ، ولم يكن مأجورا لتقصيره في تتبع الأدلة ، وتحصيل الظن ، وعدم دليل آخر والمصنف حملها على الأول فأوردها في هذا الباب « انتهى » وفيه ما لا يخفى.

الحديث الثاني عشر : مجهول.

الحديث الثالث عشر : موثق.

قوله عليه‌السلام فها : الظاهر أنه إشارة إلى السكوت ، و « ها » حرف تنبيه ، وقيل : هو اسم فعل بمعنى خذ ، ويحتمل أن يكون فها للمفرد ، ويحتمل أن يكون فهاؤا للجمع وقوله : وأهوى على الأول كهوي على الثاني للحال بتقدير « قد » والباء في بيده للتعدية ، والمعنى إذا جاءكم ما لا تعلمون فخذوا من أفواهنا ، والأول أظهر.

١٩٦

١٤ ـ عنه ، عن محمد ، عن يونس ، عن أبان ، عن أبي شيبة قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول ضل علم ابن شبرمة عند الجامعة إملاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وخط علي عليه‌السلام بيده إن الجامعة لم تدع لأحد كلاما فيها علم الحلال والحرام إن أصحاب القياس طلبوا العلم بالقياس فلم يزدادوا من الحق إلا بعدا إن دين الله لا يصاب بالقياس.

١٥ ـ محمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن صفوان بن يحيى ، عن عبد الرحمن بن الحجاج ، عن أبان بن تغلب ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إن السنة لا تقاس ألا ترى أن امرأة تقضي صومها ولا تقضي صلاتها يا أبان إن السنة إذا قيست

______________________________________________________

الحديث الرابع عشر : مجهول.

قوله عليه‌السلام ضل علم ابن شبرمة : قيل : المراد بالعلم أما المأخوذ من مأخذه من المسائل ، وأما ما يظن ويراه بأي طريق كان سواء كان مأخوذا من المأخذ الشرعية أو من الرأي والقياس والضلال إما بمعنى الخفاء والغيبوبة حتى لا يرى ، أو بمعنى الضياع والهلاك والفساد ، أو مقابل الهدي ، فإن حمل العلم على الأول ناسبه الأول من معاني الضلال ، لأنه من قلته بالنسبة إلى ما في الجامعة من جميع المسائل مما لا يرى ولا يكون له قدر بالنسبة إليه وفي جنبه ، وإن حمل العلم على الثاني ويشمل جميع ظنونه وآرائه ناسبه أحد الأخيرين من معاني الضلال ، فإنه ضائع هالك عند ما أتى به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمخالفته له ، وضل هذا العلم أي ظهر ضلاله وخروجه عن الطريقة المستقيمة عند ما ثبت من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو منهاج الهدى لمخالفته إياه.

الحديث الخامس عشر : مجهول كالصحيح.

قوله عليه‌السلام إن السنة لا تقاس : أي لا تعرف بالقياس لما فيها من ضم المختلفات في الصفات الظاهرة وتفريق المتشابهات في الأحكام الواضحة ، كما في قضاء صوم الحائض وعدم قضاء صلاتها مع أن مقتضى عقول أكثر الخلق إما اشتراكهما فيه أو اختصاص الصلاة به ، والحاصل أن ما يقع فيه الخطأ غالبا لا يصلح أن يكون مدركا للأحكام الشرعية.

١٩٧

محق الدين.

١٦ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن عثمان بن عيسى قال سألت أبا الحسن موسى عليه‌السلام عن القياس فقال ما لكم والقياس إن الله لا يسأل كيف أحل وكيف حرم.

١٧ ـ علي بن إبراهيم ، عن هارون بن مسلم ، عن مسعدة بن صدقة قال حدثني جعفر ، عن أبيه ع أن عليا ص قال من نصب نفسه للقياس لم يزل دهره في التباس ومن دان الله بالرأي لم يزل دهره في ارتماس ـ قال وقال أبو جعفر عليه‌السلام من أفتى الناس برأيه فقد دان الله بما لا يعلم ومن دان الله بما لا يعلم فقد ضاد الله حيث أحل وحرم فيما لا يعلم.

______________________________________________________

قوله : محق الدين : على بناء المجهول أي محي ، وأبطل الدين شيئا فشيئا بإدخال ما ليس فيه وإخراج ما يكون منه عنه حتى يؤدي إكثار ذلك إلى تركه بالكلية.

الحديث السادس عشر موثق.

قوله عليه‌السلام لا يسأل : أي لم يبين لنا علل كل الأحكام وليس لنا أن نسأله عنها حتى يتبين لنا فكيف يتأتى حقيقة القياس مع خفاء العلة ، وقيل : أي لا يأتي في التحليل والتحريم بما يوافق مدارك عامة العباد من المصالح والحكم ، حتى لو سئل عنه أجاب بما هو مرغوب مداركهم ومستحسن طباعهم بل في أحكامه حكم ومصالح لا يصل إليها أفهام أكثر الناس.

الحديث السابع عشر ضعيف.

قوله عليه‌السلام دهره : منصوب على الظرفية ورفعه بالإسناد المجازي بعيد ، والارتماس الاغتماس في الباطل والدخول فيه ، بحيث يحيط به إحاطة تامة.

قوله : برأيه ، أي بظنونه المأخوذة لا من الأدلة والمأخذ المنتهية إلى الشارع بل من الاستحسانات العقلية والقياسات الفقهية.

قوله : فقد ضاد الله : أي جعل نفسه شريكا لله تعالى في وضع الشريعة لعباده.

١٩٨

١٨ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسن بن علي بن يقطين ، عن الحسين بن مياح ، عن أبيه ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إن إبليس قاس نفسه بآدم

______________________________________________________

الحديث الثامن عشر ضعيف.

قوله عليه‌السلام قاس نفسه ، يحتمل أن يكون المراد بالقياس هنا ما هو أعم من القياس الفقهي من الاستحسانات العقلية ، والآراء الواهية التي لم تؤخذ من الكتاب والسنة ، ويكون المراد أن طريق العقل مما يقع فيه الخطأ كثيرا فلا يجوز الاتكال عليه في أمور الدين ، بل يجب الرجوع في جميع ذلك إلى أوصياء سيد المرسلين صلوات الله عليهم أجمعين ، وهذا هو الظاهر في أكثر أخبار هذا الباب فالمراد بالقياس هنا القياس اللغوي ، ويرجع قياس إبليس إلى قياس منطقي مادته مغالطة ، لأنه استدل أولا على خيريته بأنه من نار ومادة آدم من طين ، والنار خير من الطين ، فاستنتج من ذلك أن مادته خير من مادة آدم ، ثم جعل ذلك صغرى ، ورتب القياس هكذا ، مادته خير من مادة آدم ، وكل من كان مادته خيرا من مادة غيره يكون خيرا منه ، فاستنتج أنه خير من آدم ، ويرجع كلامه عليه‌السلام إلى منع كبرى القياس الثاني ، بأنه لا يلزم من خيرية مادة أحد من غيره كونه خيرا منه ، إذ لعله تكون صورة الغير في غاية الشرافة ، وبذلك يكون ذلك الغير أشرف ، كما أن آدم لشرافة نفسه الناطقة التي جعلها الله محل أنواره ومورد إسراره أشد نورا وضياء من النار ، إذ نور النار لا يظهر إلا المحسوسات ومع ذلك ينطفئ بالماء والهواء ، ويضمحل بضوء الكواكب ونور آدم نور به يظهر عليه أسرار الملك والملكوت ولا ينطفئ بهذه الأسباب والدواعي ، ويحتمل أن يكون المراد بنور آدم عقله الذي به نور الله نفسه ، وبه شرفه على غيره ، ويحتمل إرجاع كلامه إلى إبطال كبرى القياس الأول بأن إبليس نظر إلى النور الظاهر في النار ، وغفل عن النور الذي أودعه الله في طين آدم لتواضعه ومذلته ، فجعله لذلك محل رحمته ومورد فيضه ، وأظهر منه أنواع النباتات والرياحين والثمار والمعادن والحيوان ، وجعله قابلا لإفاضة الروح عليه ، وجعله محلا لعلمه وحكمته ، فنور

١٩٩

فقال خلقتني من نار وخلقته من طين ولو قاس الجوهر الذي خلق الله منه آدم بالنار كان ذلك أكثر نورا وضياء من النار.

١٩ ـ علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى بن عبيد ، عن يونس ، عن حريز ، عن زرارة قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام ـ عن الحلال والحرام فقال حلال محمد حلال أبدا إلى يوم القيامة وحرامه حرام أبدا إلى يوم القيامة لا يكون غيره ولا يجيء غيره وقال قال علي عليه‌السلام ما أحد ابتدع بدعة إلا ترك بها سنة

______________________________________________________

التراب نور خفي لا يطلع عليه إلا من كان له نور ، ونور النار نور ظاهر بلا حقيقة ولا استقرار وثبات ، ولا يحصل منها إلا الرماد ، وكل شيطان مريد ، ويمكن حمل القياس هنا على القياس الفقهي أيضا ، لأنه لعنه الله استنبط أو لا علة إكرام آدم ، فجعل علة ذلك كرامة طينته ثم قاس بأن تلك العلة فيه أكثر وأقوى ، فحكم بذلك أنه بالمسجودية أولى من الساجدية فأخطأ العلة ولم يصب ، وصار ذلك سببا لكفره وشركه ، ويدل على بطلان القياس بطريق أولى على بعض معانيه.

الحديث التاسع عشر صحيح.

قوله عليه‌السلام ترك بها سنة : لأنه لما كان في كل مسألة بيان من الشارع وحكم فيها ، فمن قال بما لم يكن في الشرع وابتدع شيئا ترك به سنة وحكما من أحكام الله تعالى ، والحاصل نفي مذهب المصوبة الذين يقولون ليس للشارع حكم معين في كل فرع بل فوض الأحكام إلى آراء المجتهدين فحكم كل مجتهد في كل فرع هو حكم الله الواقعي في حقه وفي حق مقلده ، وتصويب لمذهب المخطئة القائلين بأن الشارع قد حكم في كل فرع بحكم معين والمجتهد بعد استفراغ الوسع قد يصيب وقد يخطئ ، والمخطئ مصاب لبذل جهده وخطأه مغتفر ، وللمصيب أجران أحدهما لإصابته والآخر لاجتهاده ، وربما يقال هذه الأخبار تدل على نفي الاجتهاد مطلقا وفيه : أن للمحدثين أيضا نوعا من الاجتهاد يقع منهم الخطأ والصواب ولا محيص لهم عن ذلك

٢٠٠