مرآة العقول - ج ١

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

مرآة العقول - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الكتب الإسلاميّة
المطبعة: مروي
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٥٦

قضيت حاجتك يا روح الله فقام فغسل أقدامهم فقالوا كنا نحن أحق بهذا يا روح الله فقال إن أحق الناس بالخدمة العالم إنما تواضعت هكذا لكيما

______________________________________________________

خاصتي من أصحابي وناصري ، ومنه الحواريون : أصحاب عيسى عليه‌السلام أي خلصائه وأنصاره وأصله من التحوير : التبييض ، قيل : إنهم كانوا قصارين يحورون الثياب أي يبيضونها ، قال الأزهري : الحواريون خلصان الأنبياء ، وتأويله : الذين أخلصوا ونقوا من كل عيب.

قوله عليه‌السلام قضيت : على بناء المجهول رعاية للأدب وقيل : يحتمل الدعاء ، ثم اعلم أنه عليه‌السلام أدى في فعله ذلك أقصى مراتب التواضع ، حيث أراد غسل الأقدام أو تقبيلها على اختلاف النسخ ، ثم جعل ذلك مطلوبا له وسماه حاجة ، ثم استأذن فيه عليه‌السلام ثم صنع مثل ذلك بتلامذته وتابعيه ، ثم قال : إنه أحق بذلك ، وقد ذكر لفعله غايتين متعدية ولازمة ، ومثل لأحدهما تمثيلا جميلا حيث شبه المتواضع بالسهل والمتكبر بالجبل ، وبين فضل السهل على الجبل وكونه أكثر منفعة.

قوله عليه‌السلام إن أحق الناس ... لأنه أعرف بحسنها وثمرتها ، والعمل بالمكارم أوجب على العالم ، وقيل : ذلك لشدة استعداده للفيضان من المبدأ ولفضله وشرفه وعزه بالعلم ، فبتواضعه وتذلله بالخدمة يفاض عليه ما يليق به ، ويتزين عزه وشرفه بالتواضع ، ولا يلحقه ذل بذلك ، بخلاف الجاهل فإنه لقلة استعداده إنما يفاض عليه ما يليق به ، ولذلة ومنقصته بالجهل يكون مناسبا للخدمة ، فلا يكون في خدمته تواضعا ، فلا يزداد به إلا ذلا وقيل : لأن نسبة العالم إلى الناس كنسبة الراعي إلى القطيع ، وكما أن الراعي حقيق بخدمة الغنم ، وأكمل الرعاة من هو أكثر خدمة لها ، كذلك العالم حقيق بخدمة الناس ، بأن يصلح أمور معادهم ومعاشهم بتعليمهم وإرشادهم إلى الحق فأكمل العلماء أشفقهم بالناس ، وكمال الشفقة يفضيه إلى الخدمة العرفية أيضا ، فهو أحق الناس بالخدمة ، أو لأنه لما كان العالم يقتدي به الناس في أفعاله الحسنة فكلما فعله يصير عادة مستمرة متبعة بخلاف غيره ، و

١٢١

تتواضعوا بعدي في الناس كتواضعي لكم ثم قال عيسى ع بالتواضع تعمر الحكمة لا بالتكبر وكذلك في السهل ينبت الزرع لا في الجبل.

٧ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن علي بن معبد عمن ذكره ، عن معاوية بن وهب ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال كان أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول يا طالب العلم إن للعالم ثلاث علامات العلم والحلم والصمت وللمتكلف ثلاث علامات ينازع من فوقه بالمعصية ويظلم من دونه بالغلبة ويظاهر الظلمة.

______________________________________________________

الخدمة من الأفعال الحسنة فهو أولى وأحق بها من الجاهل ، ليتبعه الناس ويؤيده قوله عليه‌السلام لكيما تتواضعوا بعدي ، وذلك لا ينافي كونه أحق بالمخدومية من جهة أخرى ، أو يقال : يجب للعالم زرع بذر الحكمة في قلوب الناس وإرشادهم وهدايتهم إلى الحق ، وذلك لا يؤثر حق التأثير غالبا في قلوبهم القاسية ، لغلبة قوتي الشهوية والغضبية ، فينبغي له أولا أن يرقق قلوبهم بالتواضع والخدمة والملاطفة ، ثم يرشدهم إلى الحق وهذا مجرب.

الحديث السابع مرسل.

قوله عليه‌السلام إن للعالم : المراد بالعالم العالم العامل الكامل الذي استقر العلم في قلبه ، ومن جملة علاماته العلم الظاهر والعمل به ، والمراد بالمتكلف من يدعي مثل هذا العلم تكلفا ، وليس به متصفا ، والمراد بمن فوقه كل من هو فوقه شرعا ، ويجب عليه إطاعته كالواجب تعالى والأنبياء والأئمة والعلماء والأب والمالك وغيرهم ، والمراد بالمعصية إما معصية الله تعالى أو معصية من فوقه ، والأخير أظهر وإن كان الأول أفيد.

قوله عليه‌السلام بالغلبة ... أي بأن يغلب ويستولي عليه أو بسبب غلبته عليه ، وهذا يشمل ما إذا كان المعلم أقوى في المناظرة من المتعلم ، فلا يقبل منه الحق لاستيلائه عليه في قوة المناظرة ، وما إذا كانت غلبته عليه للعزة الدنيوية ، والمظاهرة المعاونة أي يعاونهم بالفتاوى الفاسدة ، والتوجيهات لأعمالهم الباطلة.

١٢٢

باب حق العالم

١ ـ علي بن محمد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن خالد ، عن سليمان بن جعفر الجعفري عمن ذكره ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال كان أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول إن من حق العالم أن لا تكثر عليه السؤال ولا تأخذ بثوبه وإذا دخلت عليه وعنده قوم فسلم عليهم جميعا وخصه بالتحية دونهم واجلس بين يديه ولا تجلس خلفه ولا تغمز بعينك ولا تشر بيدك ولا تكثر من القول قال فلان وقال فلان خلافا لقوله

______________________________________________________

باب حق العالم

الحديث الأول مرسل.

قوله عليه‌السلام وأن لا تكثر عليه السؤال : قال بعض الأفاضل : يحتمل أن يكون المراد بالإكثار عليه ، الإكثار المتضمن للضرر بأن يكثر لينفد ما عنده ليظهر خطاءه أو عجزه ، ويحتمل أن يكون المراد بالإكثار الزيادة على القدر الذي يعمل به ، أو يحفظه ويضبطه ، ويحتمل أن يكون الظرف متعلقا بالسؤال ، ويكون المراد بالسؤال عليه الإيراد والرد عليه أو لا يراد بعلى مفادها ، ويراد به السؤال منه كما في احتمال الثاني « انتهى ».

قوله عليه‌السلام ولا تأخذ بثوبه : كأنه كناية عن الإلحاح في الطلب ويحتمل أن يكون المراد عدم النظر إلى ثوبه ولباسه في إكرامه كما قيل ، ولا يخفى بعده.

قوله عليه‌السلام واجلس بين يديه : أي حيث تواجهه ولا يحتاج في الخطاب والمواجهة إلى انحراف ، والمراد بالجلوس خلفه ما يكون بخلاف ذلك ، ويحتمل أن يكون المراد بالجلوس بين يديه ما يقابل الجلوس خلفه ، فيشمل اليمين واليسار ، ويحتمل أن يكون المراد بكل منهما معناه الحقيقي ، ولا يكون اليمين واليسار داخلين في المأمور به ولا في المنهي عنه.

قوله عليه‌السلام ولا تغمز : الغمز بالعين الإشارة بها ، ولعل في حذف المفعول إشارة

١٢٣

ولا تضجر بطول صحبته فإنما مثل العالم مثل النخلة تنتظرها حتى يسقط عليك منها شيء والعالم أعظم أجرا من الصائم القائم الغازي في سبيل الله.

باب فقد العلماء

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن عثمان بن عيسى ، عن أبي أيوب الخزاز ، عن سليمان بن خالد ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ما من أحد يموت من المؤمنين أحب إلى إبليس من موت فقيه.

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إذا مات المؤمن الفقيه ثلم في الإسلام ثلمة لا يسدها شيء

______________________________________________________

إلى أن الغمز إلى المعلم وإلى غيره مناف لحقه ، وأما الإشارة باليد فتحتمل التعميم للعلة المذكورة ، والتخصيص بالمعلم بأن يبسط يده إليه عند مناظرته كما هو المتعارف ، أو يشير إليه بيده إذا تكلم مع غيره لتعيينه ، وكل ذلك من سوء الأدب.

قوله عليه‌السلام من الصائم ... أي في نهاره ، القائم أي في ليله بالعبادة طول دهره وإنما كان أفضل منهما لأن الصائم إنما يكف نفسه عما أمر بالكف عنه في زمان يسير ، وكذا القائم إنما ينفع نفسه في بعض الأزمان ، والعالم يكف نفسه ونفوس أصحابه ومن اتبعه مدى الأعصار ، عن الاعتقادات الباطلة والآراء الفاسدة بالدلائل القاطعة ، ويوجب إقدام جم غفير في الأزمان المتطاولة بالصيام والقيام وغيرهما من الطاعات ، والمجاهد يدفع غلبة الكفار على أبدان الخلق في زمان قليل والعالم يدفع استيلاء الشياطين وأهل الضلال على أديانهم إلى يوم القيامة فلذا كان العالم الرباني الهادي للخلق إلى الحق والصواب أعظم أجرا من الصائم القائم الغازي في سبيل الله.

باب فقد العلماء

الحديث الأول موثق.

الحديث الثاني حسن.

قوله عليه‌السلام ثلمة : هي بالضم : فرجة المكسور والمهدوم.

١٢٤

٣ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن علي بن أبي حمزة قال سمعت أبا الحسن موسى بن جعفر عليه‌السلام يقول إذا مات المؤمن بكت عليه الملائكة وبقاع الأرض التي كان يعبد الله عليها وأبواب السماء التي كان يصعد فيها بأعماله وثلم في الإسلام ثلمة لا يسدها شيء لأن المؤمنين الفقهاء حصون الإسلام كحصن سور المدينة لها.

______________________________________________________

الحديث الثالث : ضعيف على المشهور وربما يعد موثقا.

قوله عليه‌السلام بكت عليه الملائكة ... أي الموكلون به أو الأعم ، وقوله عليه‌السلام : يعبد الله على بناء المعلوم وما قيل : من احتمال بناء المجهول بعيد ، وبكاء البقاع إما على المجاز والتمثيل كما هو الشائع بين العرب والعجم حيث يعبرون عن شدة المصيبة بأنه بكى لها السماء والأرض ، أو بحذف المضاف أي بكى عليه أهل البقاع من الملائكة والجن والأرواح والمؤمنون ، وكذا بكاء أبواب السماء يحتمل الوجهين ويحتمل أن يكون كناية عن أن يفقده بسوء حال العالم ، وحال أجزائه ، إذ به نظام العالم ، وبفقده تنقص بركات السماء والأرض ، لا سيما ما يتعلق من العالم بالمؤمن نفسه من الملائكة التي كانت مسرورة بخدمته وحفظه ، والبقاع التي كانت معمورة بحركاته وسكناته ، وأبواب السماء كانت مفتوحة لصعود أعماله وحسناته ، وقيل : لعل المراد بأبواب السماء ما يوصل الأعمال إلى مقرها من العلويات ، ويكون وسيلة لوصولها ودخولها وانضباطها فيها ، ملكا كان أو روحا أو نفوسا كاملة شريفة قدسية ، أو قوة أو نفسا علوية ، وبالجملة يراد بالبكاء الحزن الموجب لجري الدموع فينا ، سواء كان هناك مع الحزن جرى الدموع أو لا « انتهى ».

قوله عليه‌السلام كحصن : لعل المراد بالحصن أجزاء السور والمراد بالسور سور البلد وبالحصن الموضع الذي يتحصن فيه أهل البلد ، وحمله على المعنى المصدري لا يخلو من بعد لفظا ومعنى.

١٢٥

٤ ـ وعنه ، عن أحمد ، عن ابن محبوب ، عن أبي أيوب الخزاز ، عن سليمان بن خالد ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ما من أحد يموت من المؤمنين أحب إلى إبليس من موت فقيه.

٥ ـ علي بن محمد ، عن سهل بن زياد ، عن علي بن أسباط ، عن عمه يعقوب بن سالم ، عن داود بن فرقد قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام إن أبي كان يقول إن الله عز وجل لا يقبض العلم بعد ما يهبطه ولكن يموت العالم فيذهب بما يعلم فتليهم الجفاة فيضلون ويضلون ولا خير في شيء ليس له أصل.

٦ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن علي عمن ذكره ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال كان علي بن الحسين عليه‌السلام يقول إنه يسخي

______________________________________________________

الحديث الرابع : صحيح.

الحديث الخامس : ضعيف على المشهور.

قوله عليه‌السلام لا يقبض العلم : أي إذا أفاض الله العلم الحقيقي على العالم الرباني لا يسلبه منه ، فلا يكون فقد العلم بذهابه وبقاء محله ، بل إنما يذهب بذهاب محله وبذلك ظهر أن ذهاب العالم أعظم المصائب لا هل العالم ، إذ به يذهب العلم من بينهم.

قوله عليه‌السلام فتليهم الجفاة : أي تتصرف في أمورهم ، من الولاية بالكسر وهي الإمارة ، والجفاة البعداء عن الآداب الحسنة وأهل النفوس الغليظة ، والقلوب القاسية التي ليست قابلة لاكتساب العلم والكمال.

قوله عليه‌السلام ولا خير : أي لما كان بناء الولاية والسياسة على العلم ولا خير في ولاية لا علم لصاحبها ولم يؤمر الناس بمتابعته وأخذ العلم عنه ، أو المراد أن علومهم كلها جهل لا أصل لها أو أعمالهم بغير علم باطلة لا حقيقة لها.

الحديث السادس : مرسل.

قوله عليه‌السلام يسخى : في بعض النسخ يسخى من باب التفعيل ، وفي بعضها تسخى من المجرد ، وعلى النسخة الأولى فاعله : قول الله ومفعوله نفسي ، وقوله : فينا متعلق بسرعة

١٢٦

نفسي في سرعة الموت والقتل فينا قول الله ـ ( أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها ) وهو ذهاب العلماء.

باب مجالسة العلماء وصحبتهم

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس رفعه قال قال لقمان لابنه يا بني اختر المجالس على عينك فإن رأيت قوما يذكرون الله جل وعز فاجلس معهم فإن تكن عالما نفعك علمك وإن تكن جاهلا علموك ولعل الله أن يظلهم برحمته فيعمك معهم وإذا رأيت قوما لا يذكرون الله فلا تجلس معهم فإن تكن

______________________________________________________

الموت والقتل ، ويحتمل تعلقه بالقول ، وعلى الثانية فاعله نفسي وقوله « فينا » خبر لقوله قول الله ، فعلى الأول كان المراد التهديد والتخويف ، بأن الأمة صاروا مستحقين لقبائح أعمالهم لا ذهابنا من بينهم ووقوع العذاب عليهم ، وعلى الثاني الظاهر أن المراد إنا لا نخاف من الموت والقتل ، لكن لا نطلبه من الله تعالى ، لأنه سبب لعذاب الناس وسلب الرحمة منهم ، فيكون تقدير الكلام لكن فينا قول الله ، ويحتمل أن يكون على هذا الوجه أيضا تعليلا للتسخية.

باب مجالسة العلماء وصحبتهم

الحديث الأول : مرفوع.

قوله عليه‌السلام على عينك : أي على بصيرة منك أو بعينك ، فإن على قد تأتي بمعنى الباء كما صرح به الجوهري ، أو المراد رجحه على عينك ، أي ليكن المجالس أعز عندك من عينك.

قوله عليه‌السلام نفعك علمك : إما بأن تعلمهم أو تستفيد منهم تذكيرا وتأييدا لما تعلم ، وما قيل : إن علمك بدل من الضمير البارز في نفعك ، أي نفع الجلوس معهم علمك ، تكلف مستغنى عنه.

قوله عليه‌السلام أن يظلهم : قال الفيروزآبادي : أظلني الشيء أي غشيني ، والاسم

١٢٧

عالما لم ينفعك علمك وإن كنت جاهلا يزيدوك جهلا ولعل الله أن يظلهم بعقوبة فيعمك معهم.

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ومحمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى جميعا ، عن ابن محبوب ، عن درست بن أبي منصور ، عن إبراهيم بن عبد الحميد ، عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليه‌السلام قال محادثة العالم على المزابل خير من محادثة الجاهل على الزرابي.

٣ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد البرقي ، عن شريف بن سابق ، عن الفضل بن أبي قرة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قالت الحواريون لعيسى يا روح الله من نجالس قال من يذكركم الله رؤيته ويزيد في علمكم منطقه ويرغبكم في الآخرة عمله.

٤ ـ محمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن ابن أبي عمير ، عن منصور بن حازم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مجالسة أهل الدين شرف الدنيا والآخرة.

٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن القاسم بن محمد الأصبهاني ، عن سليمان

______________________________________________________

الظل أو دنا مني حتى ألقى على ظله.

الحديث الثاني : ضعيف.

وقال في القاموس : الزرابي النمارق والبسط ، أو كل ما بسط واتكأ عليه ، الواحد زربي بالكسر ويضم.

الحديث الثالث : ضعيف.

الحديث الرابع : مجهول كالصحيح.

قوله عليه‌السلام أهل الدين : أي العلماء العاملين بعلمهم ، ويحتمل شموله للعباد والزهاد أيضا.

الحديث الخامس ضعيف.

١٢٨

بن داود المنقري ، عن سفيان بن عيينة ، عن مسعر بن كدام قال سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول لمجلس أجلسه إلى من أثق به أوثق في نفسي من عمل سنة.

باب سؤال العالم وتذاكره

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال سألته عن مجدور أصابته جنابة فغسلوه فمات قال قتلوه ألا سألوا فإن دواء العي السؤال.

______________________________________________________

ومسعر بكسر الميم وفتح العين بين السين الساكنة والراء غير المعجمات وقد يفتح ميمه تفألا ، وكدام بالكاف المكسورة والدال الغير المعجمة الخفيفة ، ومسعر شيخ السفيانيين سفيان الثوري وسفيان بن عيينة.

قوله عليه‌السلام : لمجلس ، وفي بعض النسخ المجلس ويحتمل أن يكون مصدرا ميميا ، ويكون المنصوب في أجلسه في موضع المفعول المطلق كما قيل ، ويحتمل أن يكون اسم مكان وتقدير الكلام أجلس فيه ، وإلى بمعنى مع ، أي مع من أثق به أو فيه تضمين والوثوق بعدم التقية ، وكونه محلا للإسرار حافظا لها.

باب سؤال العالم وتذاكره

الحديث الأول : حسن.

قوله عليه‌السلام عن مجدور ...هو من به الجدري وهو بفتحتين وبضم الجيم داء معروف.

قوله عليه‌السلام قتلوه : إذ كان فرضه التيمم فمن أفتى بغسله أو تولى ذلك منه فقد أعان على فتله ، وقوله عليه‌السلام ألا سئلوا؟ بتشديد اللام حرف تحضيض ، وإذا استعمل في الماضي فهو للتوبيخ واللوم ، ويحتمل أن يكون بالتخفيف استفهاما إنكاريا ، والعي بكسر المهملة وتشديد الياء : الجهل وعدم الاهتداء لوجه المراد والعجز عنه ، وفي بعض النسخ بالغين المعجمة ولعله تصحيف.

١٢٩

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن حماد بن عيسى ، عن حريز ، عن زرارة ومحمد بن مسلم وبريد العجلي قالوا قال أبو عبد الله عليه‌السلام لحمران بن أعين في شيء سأله إنما يهلك الناس لأنهم لا يسألون.

٣ ـ علي بن محمد ، عن سهل بن زياد ، عن جعفر بن محمد الأشعري ، عن عبد الله بن ميمون القداح ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال إن هذا العلم عليه قفل ومفتاحه المسألة.

علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام مثله.

٤ ـ علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى بن عبيد ، عن يونس بن عبد الرحمن ، عن أبي جعفر الأحول ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال لا يسع الناس حتى يسألوا ويتفقهوا ويعرفوا إمامهم ويسعهم أن يأخذوا بما يقول وإن كان تقية.

٥ ـ علي ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس عمن ذكره ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام

______________________________________________________

الحديث الثاني : صحيح.

الحديث الثالث : ضعيف على المشهور وسنده الثاني أيضا ضعيف على المشهور.

قوله عليه‌السلام : هذا العلم ... إما إشارة إلى مطلق العلم أو إلى العلم الذي يحتاج الناس إليه من علوم الدين ولعله أظهر.

الحديث الرابع : صحيح.

قوله عليه‌السلام : أن يأخذوا ، أي قولا واعتقادا في كل زمان بما يقول الإمام في ذلك الزمان وإن كان تقية فإن ما يقوله الإمام تقية يسع السائل أن يعتقده ويقول به ، إذا لم يتنبه للتقية وأما العمل به والأمر بالعمل به مع التنبه للتقية أيضا لازم عند التقية ، ولا يسعهم ولا يكفيهم أن يأخذوا بما لم يتفقهوا فيه ، ولم يعرفوه عن إمامهم وإن وافق الحق الصريح الذي لا تقية فيه.

الحديث الخامس : مرسل.

١٣٠

قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أف لرجل لا يفرغ نفسه في كل جمعة لأمر دينه فيتعاهده ويسأل عن دينه وفي رواية أخرى لكل مسلم.

٦ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إن الله عز وجل يقول تذاكر العلم بين عبادي مما تحيا عليه القلوب الميتة إذا هم انتهوا فيه إلى أمري.

______________________________________________________

قوله عليه‌السلام أف لرجل : أف بضم الهمزة وكسر الفاء المشددة منونا والتنوين للتكثير ، وقيل للتنكير ، ويجوز حذف التنوين ويجوز أيضا فتح الفاء مع التنوين وبدونه ، ويجوز الضم بالوجهين وهو كلمة تكره وتضجر ، وقوله : لا يفرغ إما من المجرد ونفسه فاعله ، أو على بناء التفعيل ونفسه مفعوله ، والمراد بالجمعة أما اليوم المعهود ، أو الأسبوع بتقدير يوما ، والأول أظهر ، والمراد بالتفريغ ترك الشواغل الدنيوية والضمير في قوله فيتعاهده إما راجع إلى اليوم أو إلى الدين وعلى الأول المراد بتعاهده الإتيان بالصلاة والوظائف المقررة فيه ، ومن جملتها تعلم المسائل واستماع المواعظ من الإمام عليه‌السلام أو نائبه الخاص أو نائبه العام.

الحديث السادس : حسن.

قوله عليه‌السلام تذاكر العلم ... أي تذاكر العباد وتشاركهم في ذكر العلم ، بأن يذكر كل منهم للآخر شيئا من العلم ويتكلم فيه مما يحيى القلوب الميتة ، حالكونها ثابتة عليه وحاصله أنه من الأحوال التي تحيي عليها القلوب الميتة ويحتمل أن يكون على بمعنى الباء ، وعلى التقديرين تحيي إما من المجرد المعلوم أو المزيد فيه المجهول ، وقوله تعالى : إذا هم انتهوا فيه إلى أمري ، يحتمل أن يكون المراد بالأمر فيه مقابل النهي ، أي إذا كان تذاكرهم على الوجه الذي أمرت به من أخذ العلم من معدنه والاقتباس من مشكاة النبوة ، ويحتمل أن يكون المراد بالأمر مطلق الشأن فيكون المراد بالانتهاء إلى أمره الوصول إلى صفاته وأسمائه وأو أمره ونواهيه ، بالمعرفة والإطاعة والانقياد ، وقيل : يحتمل أن يكون المراد بالأمر الذي كان مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة عليه‌السلام

١٣١

٧ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن سنان ، عن أبي الجارود قال سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول رحم الله عبدا أحيا العلم قال قلت وما إحياؤه قال أن يذاكر به أهل الدين وأهل الورع.

٨ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن عبد الله بن محمد الحجال ، عن بعض أصحابه رفعه قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله تذاكروا وتلاقوا وتحدثوا فإن الحديث جلاء للقلوب إن القلوب لترين كما يرين السيف جلاؤها الحديث.

______________________________________________________

كما قال تعالى ( وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ) (١) فيكون الانتهاء إليه عبارة عن استناد ما يتذاكرونه من العلوم الدينية إليهم عليه‌السلام ولا يخفى بعده.

الحديث السابع : ضعيف.

قوله عليه‌السلام أن يذاكر به أهل الدين : لعل التخصيص بأهل الدين وأهل الورع لأن غيرهم مظنة أن يغيروه ويفسدوه ، فلا يوجب الذكر لهم والنقل عنهم حفظا ، ولا يكون فيه إحياء ، وقيل : إنما قيد بأهل الورع لأن العلم المحيي إنما هو علم الدين وطهارة القلب بالورع والتقوى شرط لحصوله ، كما قال سبحانه : ( وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ ) (٢).

الحديث الثامن : مرفوع.

قوله عليه‌السلام تذاكروا : قيل أمر عليه‌السلام بتذاكر العلم ، ولما لم يكن صريحا في المراد وهو التحديث بالعلم عقبه بقوله وتلاقوا وتحدثوا ، أي بالعلم بيانا للمراد من التذاكر أقول : ويحتمل أن يكون المعنى تذاكروا العلماء وبعد تحقيق الحق تلاقوا سائر الناس وعلموهم ، والجلاء بالكسر هو الصقل مصدر ، وقد يستعمل لما يجلي به وهو المراد هيهنا ، أو حمل على الحديث مبالغة ، والرين الدنس والوسخ ، وقوله جلاؤه الحديد أي جلاء السيف ، وفي بعض النسخ وجلاؤها الحديث وهو أظهر.

__________________

(١) سورة الشورى : ٥٢.

(٢) سورة البقرة : ٢٨٢.

١٣٢

٩ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن أبيه ، عن فضالة بن أيوب ، عن عمر بن أبان ، عن منصور الصيقل قال سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول تذاكر العلم دراسة والدراسة صلاة حسنة.

باب بذل العلم

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع ، عن منصور بن حازم ، عن طلحة بن زيد ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قرأت في كتاب علي عليه‌السلام إن الله لم يأخذ على الجهال عهدا بطلب العلم حتى أخذ على العلماء عهدا ببذل العلم للجهال لأن العلم كان قبل الجهل.

______________________________________________________

الحديث التاسع : مجهول.

قوله عليه‌السلام دراسة : أي تعهد له وحفظ له عن الاندراس ، وقال الجزري في الحديث : تدارسوا القرآن أي اقرءوه وتعهدوه لئلا تنسوه « انتهى » وقوله : والدراسة صلاة حسنة ، يعني أن ثوابها ثواب صلاة حسنة كاملة ، وقيل : المراد بالصلاة الدعاء أي يترتب عليها ما يترتب على أكمل الأدعية ، وهو الدعاء الذي يطلب فيه جميع الخيرات من المطالب الدنيوية والأخروية فيستجاب [ ولا يخفى بعده ].

باب بذل العلم

الحديث الأول : ضعيف كالموثق.

قوله عليه‌السلام لأن العلم كان قبل الجهل : هذا دليل على سبق أخذ العهد على العالم ببذل العلم على أخذ العهد على الجاهل بطلبه ، أو بيان لصحته وإنما كان العلم قبل الجهل مع أن الجاهل إنما يكتسبه بعد جهله بوجوه :

الأول : أن الله سبحانه قبل كل شيء ، والعلم عين ذاته فطبيعة العلم متقدمة على طبيعة الجهل.

والثاني : أن الملائكة واللوح والقلم وآدم لهم التقدم على الجهال من أولاد آدم.

١٣٣

٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد البرقي ، عن أبيه ، عن عبد الله بن المغيرة ومحمد بن سنان ، عن طلحة بن زيد ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في هذه الآية ـ ( وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ ) (١) قال ليكن الناس عندك في العلم سواء.

______________________________________________________

والثالث : أن العلم غاية الخلق والغاية متقدمة على ذي الغاية لأنها سبب له.

والرابع : أن الجهل عدم العلم والإعدام إنما تعرف بملكاتها وتتبعها ، فالعلم متقدم على الجهل بالحقيقة والماهية.

والخامس : أنه أشرف فله التقدم بالشرف والرتبة.

والسادس : أن الجاهل إنما يتعلم بواسطة العالم وتعليمه ، يقال علمه فتعلم.

وقال بعض الأفاضل ونعم ما قال : لو حمل القبلية على الزمانية حيث كان خلق الجاهل من العباد بعد وجود العالم كالقلم واللوح والملائكة وآدم بالنسبة إلى أولاده ، فيصح كون الأمر بالطلب بعد الأمر ببذل العلم ، حيث يأمر الله تعالى بما تقتضيه حكمته البالغة وبما هو الأصلح عند وجود من يستحق أن يخاطب به ، ولأن من لم يسبق الجهل على علمه يعلم باطلاع منه سبحانه حسن أن يبذل العلم ومطلوبيته له تعالى ، وهذا أخذ العهد ببذل العلم ، ولو حمل على القبلية بالرتبة والشرف فيمكن توجيهه بأن يقال : العلم لما كان أشرف من الجهل والعالم أقرب من جنابه سبحانه في الرتبة ، ولا يصل العهد منه سبحانه إلى الجاهل إلا بوساطة يعلم العالم من ذلك أن عليه البذل عند الطلب ، أو يقال من جملة علمه وجوب البذل عند الطلب.

الحديث الثاني : ضعيف كالموثق.

قوله تعالى ( وَلا تُصَعِّرْ ) تصعير الخد إمالته تكبرا ، ومعنى الآية لا تعرض بوجهك عن الناس تكبرا ، ولعل معنى الحديث أن العالم إذا رجح بعض تلامذته على بعض في النظر وحسن المعاشرة ، أو تكبر واستنكف عن تعليم بعضهم أو نصحه ، فكأنه مال بوجهه عنه أو تكبر ، ويؤيده أن هذا الخطاب كان من لقمان عليه‌السلام لابنه

__________________

(١) سورة لقما : ١٨.

١٣٤

٣ ـ وبهذا الإسناد ، عن أبيه ، عن أحمد بن النضر ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال زكاة العلم أن تعلمه عباد الله.

٤ ـ علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى بن عبيد ، عن يونس بن عبد الرحمن عمن ذكره ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قام عيسى ابن مريم عليه‌السلام خطيبا في بني إسرائيل فقال يا بني إسرائيل لا تحدثوا الجهال بالحكمة فتظلموها ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم

______________________________________________________

وأصحابه لم يكونوا إلا طلاب العلوم ، فكأنه نصحه أن يسوي بينهم في الإفادة والإرشاد وقيل : إنما أولها بذلك لأن المقصد الأقصى من بعثة الرسل تبليغ الشريعة القويمة ، وتعليم الدين المبين ، فالظاهر كونه نهيا عما يخل بما هو المقصود الأصلي والأول أوجه.

الحديث الثالث : ضعيف.

قوله عليه‌السلام زكاة العلم.

التشبيه من وجوه :

الأول : أن الزكاة حق الله تعالى في المال بإزاء الإنعام به فكذا التعلم.

الثاني : أن الزكاة يوجب نمو المال فكذا تعليم العلم يوجب نموه وزيادته لأنه شكر لنعمة العلم ، وقد قال تعالى : ( لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ) (١) ولذا سمي زكاة لأن أحد معانيها النمو.

الثالث : أن الزكاة توجب طهارة المال عن الشبهات ، فكذا تعليم العلم يوجب طهارته عن الشكوك والشبه بفضله سبحانه ، مع أن مذاكرة العلم توجب قوته وزيادة اليقين فيه.

الرابع : أن الزكاة توجب حفظ المال عن التلف وكذا التعليم يوجب حفظه عن الزوال ، فإن الضنة بالعلم يوجب أن يسلب الله علمه.

الحديث الرابع : مرسل.

قوله عليه‌السلام لا تحدثوا الجهال : لعل المراد بالجهال من لا يحب العلم ولا يطلبه ولا يرغب فيه أو المراد بالجهل ما يقابل العقل كما مر.

__________________

(١) سورة سورة إبراهيم : ٧.

١٣٥

باب النهي عن القول بغير علم

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد وعبد الله ابني محمد بن عيسى ، عن علي بن الحكم ، عن سيف بن عميرة ، عن مفضل بن يزيد قال قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام أنهاك عن خصلتين فيهما هلاك الرجال أنهاك أن تدين الله بالباطل وتفتي الناس بما لا تعلم.

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى بن عبيد ، عن يونس بن عبد الرحمن ، عن عبد الرحمن بن الحجاج قال قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام إياك وخصلتين ففيهما هلك من هلك إياك أن تفتي الناس برأيك أو تدين بما لا تعلم.

______________________________________________________

باب النهي عن القول بغير علم

الحديث الأول مجهول.

قوله عليه‌السلام أن تدين الله بالباطل ، أي تتخذ الباطل دينا بينك وبين الله تعبد الله عز وجل به ، سواء كان في القول والاعتقاد أو في العمل ، والمراد بالباطل ما لم يؤخذ من مأخذه الذي أمر الله تعالى بالأخذ منه ، والمراد بالإفتاء بما لا يعلم ، الإفتاء بما لم يؤخذ من الكتاب والسنة على وجه يجوز الأخذ منهما على هذا الوجه ، أو إفتاء من لا يكون أهلا لاستنباط ذلك منهما.

الحديث الثاني : صحيح.

قوله عليه‌السلام برأيك : أي لا بالأخذ من الكتاب والسنة على منهاجه.

قوله عليه‌السلام : أو تدين بما لا تعلم : قال بعض الأفاضل أي أن تعبد الله بما لا تعلمه بثبوته بالبراهين والأدلة العقلية ، أو بالكتاب والسنة ، والأدلة السمعية ، ويحتمل أن يكون من دان به أي اتخذه دينا ، يعني إياك أن تتخذ ما لا تعلم دينا ، وأن يكون تدين من باب التفعل أي تتخذ الدين متلبسا بالقول فيه بما لا تعلم ، والدين اسم لجميع ما يتعبد الله به والملة.

١٣٦

٣ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن علي بن رئاب ، عن أبي عبيدة الحذاء ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال من أفتى الناس بغير علم ولا هدى لعنته ملائكة الرحمة وملائكة العذاب ولحقه وزر من عمل بفتياه.

٤ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن الحسن بن علي الوشاء ، عن أبان الأحمر ، عن زياد بن أبي رجاء ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال ما علمتم فقولوا وما لم تعلموا فقولوا الله أعلم إن الرجل لينتزع الآية من القرآن يخر فيها أبعد ما بين السماء والأرض.

______________________________________________________

الحديث الثالث صحيح.

قوله عليه‌السلام بغير علم : أي من الله كما للنبي والأئمة عليه‌السلام أو هدي من ذي العلم كالعلماء من شيعتهم.

قوله عليه‌السلام : لعنته ملائكة الرحمة : لأنه جعل الناس محرومين عن رحمة الله ، وملائكة العذاب لأنه جعلهم مستحقين لها.

قوله عليه‌السلام ولحقه وزر من عمل بفتياه : سواء كان العامل وازرا أو معذورا ، ولا ينقص من وزر الوازر شيء ، والفتيا والفتوى ويفتح : ما أفتى به الفقيه.

الحديث الرابع موثق.

قوله عليه‌السلام ما علمتم : هذا خطاب مع العلماء من شيعته وأصحابه ، وهم العالمون بكثير من المسائل أو أكثرها بالفعل أو بالقوة القريبة منه.

قوله عليه‌السلام إن الرجل : هو كالتعليل لما تقدم وقوله عليه‌السلام لينزع (١) الآية ، أي يستخرجها ليستدل بها على مطلوبه ، وقوله عليه‌السلام يخر إما حال من الضمير في ينزع أو خبر بعد خبر ، والمعنى أنه يبعد عن رحمة الله أبعد مما بين السماء والأرض ، أو يتضرر به أكثر من الضرر الذي يصل إلى من سقط من السماء إلى الأرض ، وقيل : المعنى أنه يقع في الآية أي في تفسيرها ساقطا على ما هو أبعد عن المراد منها مما بين السماء والأرض.

__________________

(١) كذا في النسخ وفي المتن « لينتزع » كما هو بعينك.

١٣٧

٥ ـ محمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن حماد بن عيسى ، عن ربعي بن عبد الله ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال للعالم إذا سئل عن شيء وهو لا يعلمه أن يقول الله أعلم وليس لغير العالم أن يقول ذلك.

٦ ـ علي بن إبراهيم ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن حماد بن عيسى ، عن حريز بن عبد الله ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إذا سئل الرجل منكم عما لا يعلم فليقل لا أدري ولا يقل الله أعلم فيوقع في قلب صاحبه شكا وإذا قال المسئول لا أدري فلا يتهمه السائل.

٧ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن علي بن أسباط ، عن جعفر بن سماعة ، عن غير واحد ، عن أبان ، عن زرارة بن أعين قال سألت أبا جعفر عليه‌السلام

______________________________________________________

الحديث الخامس : مجهول كالصحيح.

قوله عليه‌السلام وليس لغير العالم : وذلك لأن مقتضى صيغة التفضيل أن يكون للمفضل عليه شركة فيما فيه الفضل وليس للجاهل ذلك ، وأما العالم فلما كان له نصيب من جنس العلم صح له هذا القول وإن كان حكمه حكم الجاهل فيما سئل عنه ، وهذا لا ينافي الخبر السابق إذ حملناه على العالم ، والمراد بالعالم ما فسرناه في ذلك الخبر ، ويعبر عنه في هذه الأعصار بالمجتهد.

الحديث السادس صحيح.

قوله عليه‌السلام : فليقل لا أدري ، يمكن حمله على غير العالم لئلا ينافي الخبر السابق وحينئذ يحتمل أن يكون المراد بالشك الشك في كونه عالما إذ قول الله أعلم من شأن العلماء كما مر ويمكن أن يعم العالم وغيره ويكون المراد بإيقاع الشك الشك في كونه عالما بالمسؤول عنه معرضا عن الجواب لضنته ويخص النهي بهذه الصورة ، وذلك في العالم نادر ، وفي غيره يكون غالبا ، فإن العالم همه في نشر العلم وإذا عته ، كما أن الجاهل همه في إخفاء ما اطلع عليه وإضاعته.

الحديث السابع ضعيف.

١٣٨

ما حق الله على العباد قال أن يقولوا ما يعلمون ويقفوا عند ما لا يعلمون.

٨ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن يونس بن عبد الرحمن ، عن أبي يعقوب إسحاق بن عبد الله ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إن الله خص عباده بآيتين من كتابه أن لا يقولوا حتى يعلموا ولا يردوا ما لم يعلموا وقال عز وجل ( أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلاَّ الْحَقَ ) (١) وقال ( بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ ) (٢)

______________________________________________________

قوله عليه‌السلام : ما حق الله على العباد؟ أي فيما آتاهم من العلم وأخذ عليهم من الميثاق ، وإلا فحقوقه تعالى عليهم كثيرة ، وقيل : أي الحق الواجب الثابت الذي يطالب به صاحبه ، وسؤاله عن الحقيق بهذا الاسم من بين الفرائض والواجبات.

الحديث الثامن حسن على الظاهر.

قوله عليه‌السلام إن الله خص : في بعض النسخ بالمعجمة بعد المهملة من الحض بمعنى الحث والترغيب ، فيقدر كلمة على في أن لا يقولوا أي حث عباده بالآيتين على أن لا يقولوا قبل العلم ، ولا يردوا إلا بعد العلم ، ويحتمل أن يكون أن لا يقولوا تفسيرا لحثه تعالى و « لا » في الموضعين حينئذ للنهي ، وعلى الأول للنفي وفي أكثر النسخ خص بالمهملة بعد المعجمة أي خص هذه الأمة ، والتعبير عنهم بوصف العبودية مضافا إليه سبحانه لتشريفهم وتعظيمهم من بين الأمم بإنزال آيتين من كتابه وإعلامهم بمضمونها ، دون سائر الأمم ، وقوله : أن لا يقولوا بدل من آيتين وعطف قوله وقال عز وجل على « خص » من عطف أحد التعبيرين عن الشيء على آخر ، لمغايرة بينهما على بعض الوجوه ، ويحتمل أن يكون الباء في قوله : بآيتين للسببية ، وحرف الصلة في أن لا يقولوا مقدرا ، وعلى التقديرين لا يخلو من تكلف ، ويحتمل تقدير اللام في أن لا يقولوا ، ولعله أظهر ، ثم اعلم أن الظاهر أن المراد بالرد التكذيب والإنكار ، لما لم يبلغ علمهم إليه مما وصل إليهم من الله تعالى ، أو من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة عليه‌السلام وحمله على رد الجواب بعيد.

__________________

(١) سورة الأعراف : ١٦٩.

(٢) سورة يونس : ٣٠.

١٣٩

٩ ـ علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن داود بن فرقد عمن حدثه ، عن ابن شبرمة قال ما ذكرت حديثا سمعته عن جعفر بن محمد ع إلا كاد أن يتصدع قلبي قال حدثني أبي عن جدي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال ابن شبرمة وأقسم بالله ما كذب أبوه على جده ولا جده على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من عمل بالمقاييس فقد هلك وأهلك ومن أفتى الناس بغير علم وهو لا يعلم الناسخ من المنسوخ والمحكم من المتشابه فقد هلك وأهلك.

باب من عمل بغير علم

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن أبيه ، عن محمد بن سنان ، عن طلحة بن زيد قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول العامل على غير بصيرة كالسائر على غير الطريق لا يزيده سرعة السير إلا بعدا.

______________________________________________________

الحديث التاسع ضعيف وابن شبرمة هو عبد الله بن شبرمة الضبي الكوفي بضم المعجمة وسكون الموحدة وضم الراء كان قاضيا لأبي جعفر المنصور على سواد الكوفة ، والانصداع : الانشقاق ، والتصدع التفرق.

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله بالمقائيس : قال بعض الأفاضل المقياس ما يقدر به الشيء على مثال والمراد به ما جعلوه معيار إلحاق الفرع بالأصل ، من الاشتراك في المظنون عليته للحكم وعدم الفارق ، والمراد من العمل به اتخاذه دليلا شرعيا معولا عليه ، واستعماله في استخراج الحكم الشرعي والقول بموجبه ومقتضاه ، وقوله عليه‌السلام : ومن أفتى الناس. أي بما يأخذه عن الكتاب والسنة.

باب من عمل بغير علم

الحديث الأول ضعيف على المشهور.

قوله عليه‌السلام : على غير بصيرة : أي على غير معرفة بما يعلمه بما هو طريق المعرفة في العمليات.

١٤٠