مرآة العقول - ج ١

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

مرآة العقول - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الكتب الإسلاميّة
المطبعة: مروي
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٥٦

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن سنان ، عن ابن مسكان ، عن حسين الصيقل قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول لا يقبل الله عملا إلا بمعرفة ولا معرفة إلا بعمل فمن عرف دلته المعرفة على العمل ومن لم يعمل فلا معرفة له ألا إن الإيمان بعضه من بعض.

٣ ـ عنه ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن فضال عمن رواه ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من عمل على غير علم كان ما يفسد أكثر مما يصلح.

______________________________________________________

الحديث الثاني ضعيف على المشهور.

قوله عليه‌السلام : إلا بمعرفة : أي معرفة أصول العقائد ، فلا يقبل أعمال المشركين والمخالفين ، ومن لا يؤمن بالمعاد والمجسمة والمجبرة وأشباههم أو الأعم منها ومن معرفة طريق العمل ، وكيفيته وشرائطه بالاجتهاد أو التقليد ، وقوله عليه‌السلام : ولا معرفة إما معطوف على عملا و « لا » مؤكدة للنفي أو معطوف على قوله : لا يقبل الله و « لا » لنفي الجنس.

قوله عليه‌السلام فمن عرف : أي أصول الدين بالعلم اليقيني ، دلته أي حثته على العمل ورغبته فيه أو فروعه ، فتدله على كيفية العمل أو الأعم منهما ، ومن لم يعمل فلا معرفة له بالأصول ، لأن العلم اليقيني يبعثه لا محالة على العمل كما عرفت ، أو كمال اليقين إنما يكون بالعمل كما ورد : من عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم ، بل يذهب عنه العلم الحاصل مع ترك العمل كما سيأتي.

قوله عليه‌السلام إن الإيمان ... إما أن يراد بالإيمان نفس المعرفة ، أي كل مرتبة من مراتب الإيمان في القوة والكمال يحصل من مرتبة أخرى منه سابقه لأجل العمل بها ، أو مجموع العلم والمعرفة والعمل والطاعة كما هو المستفاد من أكثر الأخبار فالمراد أن كلا من جزئية العلمي والعملي يحصل من الآخر ولعله أظهر.

الحديث الثالث مرسل.

قوله عليه‌السلام كان ما يفسد : قيل أي كان الفساد في عمله الذي لم يكن من علم أكثر من الصلاح فيه ، وكلما كان كذلك كان قبيحا غير مطلوب للحكيم.

١٤١

باب استعمال العلم

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن حماد بن عيسى ، عن عمر بن أذينة ، عن أبان بن أبي عياش ، عن سليم بن قيس الهلالي قال سمعت أمير المؤمنين عليه‌السلام يحدث ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال في كلام له العلماء رجلان رجل عالم آخذ بعلمه فهذا ناج وعالم تارك لعلمه فهذا هالك وإن أهل النار ليتأذون من ريح العالم التارك لعلمه وإن أشد أهل النار ندامة وحسرة رجل دعا عبدا إلى الله فاستجاب له وقبل منه فأطاع الله فأدخله الله الجنة وأدخل الداعي النار بتركه علمه واتباعه الهوى وطول الأمل أما اتباع الهوى فيصد عن الحق وطول الأمل ينسي الآخرة.

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن سنان ، عن إسماعيل بن جابر ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال العلم مقرون إلى العمل فمن علم عمل ومن عمل علم و

______________________________________________________

باب استعمال العلم

الحديث الأول ضعيف على المشهور ، معتبر عندي.

الحديث الثاني ضعيف على المشهور.

قوله عليه‌السلام : مقرون إلى العمل : أي قرن العلم مع العمل في كتاب الله كقوله تعالى ( الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ) وعلق المغفرة والنجاة عليهما ، فمن علم عمل ، ومن عمل علم ، أمر في صورة الخبر أي يجب أن يكون العلم مع العمل بعده ، والعمل مع العلم ، وقوله : والعلم يهتف ، بالعمل أي يصيح ويدعو صاحبه بالعمل على طبقه ، فإن أجابه وعمل استقر فيه ، وتمكن ، وإلا ارتحل عنه بدخول الشك والشبهة عليه أو بنسيانه ، ويحتمل أن يكون المراد بمقرونية العلم مع العمل عدم افتراق الكامل من العلم عن العمل بحسب مراتب كما له وعدم افتراق بقاء العلم واستكماله عن العمل على وفق العلم ، فقوله : فمن علم. أي علما كاملا باقيا عمل ، ومن عمل علم

١٤٢

العلم يهتف بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل عنه.

٣ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن علي بن محمد القاساني عمن ذكره ، عن عبد الله بن القاسم الجعفري ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إن العالم إذا لم يعمل بعلمه زلت موعظته عن القلوب كما يزل المطر عن الصفا.

٤ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن القاسم بن محمد ، عن المنقري ، عن علي بن هاشم بن البريد ، عن أبيه قال جاء رجل إلى علي بن الحسين عليه‌السلام فسأله عن مسائل فأجاب ثم عاد ليسأل عن مثلها فقال علي بن الحسين عليه‌السلام مكتوب في الإنجيل لا تطلبوا علم ما لا تعلمون ولما تعملوا بما علمتم فإن العلم إذا لم يعمل به

______________________________________________________

أي أبقى علمه واستكمله ، تفصيل لما أجمل قبله ، وقوله : والعلم يهتف ، أي مطلقا فإن أجابه وعمل قوي واستقر وتمكن في قلبه وإلا ضعف وزال عن قلبه ، ذكرهما بعض الأفاضل والأخير أظهر.

الحديث الثالث ضعيف على المشهور.

قوله عليه‌السلام عن الصفا ، هو مقصورا جمع الصفاة وهي الحجر الصلد الذي لا ينبت ، شبه العلم والموعظة بماء المطر وعدم تأثيره وثباته في القلوب بعدم استقرار المطر في الحجر الأملس ، ولعله محمول على عدم التأثير التام غالبا لئلا ينافي ما مر من شدة حسرة من دعا إلى خير ولم يعمل به ، أو على ما عرف السامع من حاله عدم العمل به ، والسابق على عدمه ، ويمكن حمل السابق على ما إذا كان عاملا وقت الدعوة فترك بعده والأول أظهر.

الحديث الرابع ضعيف.

قوله عليه‌السلام ولما تعلموا : الواو للحال ، أي إذا كان من شأن علمكم وعرفتم ذلك من أنفسكم بترك العمل بما علمتم ، فالأصلح لكم ترك طلب العلم ، فإن ترك العمل مع العلم جحود بما عرفه وكفر به ، والجاهل لا يلزمه الإنكار ولا يكون منه الجحود ، كذا قيل ، ولعله عليه‌السلام إنما قال ذلك للمخالفين الذين كانوا في زمانه عليه‌السلام ، وكانوا

١٤٣

لم يزدد صاحبه إلا كفرا ولم يزدد من الله إلا بعدا.

٥ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن سنان ، عن المفضل بن عمر ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قلت له بم يعرف الناجي قال من كان فعله لقوله موافقا فأثبت له الشهادة ومن لم يكن فعله لقوله موافقا فإنما ذلك مستودع.

٦ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن أبيه رفعه قال قال أمير المؤمنين عليه‌السلام في كلام له خطب به على المنبر أيها الناس إذا علمتم فاعملوا

______________________________________________________

لا ينفعهم العلم ولا العمل لكفرهم وضلالهم ، وأول العلوم التي كانت حصلت لهم العلم بأحقية أهل البيت عليه‌السلام للخلافة ولم يعملوا به ، ويحتمل أن يكون الغرض الحث على العمل والإخلاص في طلب العلم لا ترك التعلم ، فإنه واجب ، والعمل واجب آخر مكمل للأول ، والله يعمل.

الحديث الخامس ضعيف على المشهور.

قوله عليه‌السلام فأبث له الشهادة : في بعض النسخ هكذا بالباء الموحدة والثاء المثلثة من البث بمعنى النشر ، ويمكن أن يقرأ بصيغة المضارع المعلوم وبصيغة الأمر وبصيغة الماضي المعلوم ، وفي بعضها بالموحدة أولا ثم المثناة من البت بمعنى القطع ، وفي بعضها فأثبت بالمثلثة ثم الموحدة ثم المثناة من الإثبات ، ويحتمل الوجوه الثلاثة أيضا كسابقه ، وفي بعضها فإنما بث له الشهادة ، وسيأتي هذا الحديث في باب المستودع والمعار ، وفيه فأتت له الشهادة بالنجاة ، وهو أظهر.

قوله عليه‌السلام فإنما ذلك مستودع : أي إيمانه غير مستقر وثابت في قلبه ، بل يزول بأدنى شبهة ، فهو كالوديعة عنده يؤخذ عنه ، أو أنه مع عدم العمل بالعلم يحكم بإيمانه ظاهرا بمقتضى إقراره ، لكن لا ينفعه في الآخرة كثيرا لأنه كالمنافق ، فكأنه سلب عنه في الآخرة لزوال حكمه عنه.

الحديث السادس مرفوع.

١٤٤

بما علمتم لعلكم تهتدون إن العالم العامل بغيره كالجاهل الحائر الذي لا يستفيق عن جهله بل قد رأيت أن الحجة عليه أعظم والحسرة أدوم على هذا العالم المنسلخ من علمه منها على هذا الجاهل المتحير في جهله وكلاهما حائر بائر لا ترتابوا فتشكوا ولا تشكوا فتكفروا ولا ترخصوا لأنفسكم فتدهنوا ولا تدهنوا في الحق

______________________________________________________

قوله عليه‌السلام : العامل بغيره : أي بغير العلم أو بغير ما علم وجوب العمل به من الأعمال ، والباء صلة والحائر هو الذي لا يهتدي لجهة أمره ، والاستفاقة الرجوع إلى ما شغل عنه وشاع استعماله في الرجوع عن السقم إلى الصحة ، ومنه استفاقة المريض والمجنون والمغمى عليه ، وفيه إشعار بأن الجهل كالجنون والسكر والمرض.

قوله عليه‌السلام والحسرة أدوم : مبتدأ وخبر ويحتمل أن يكون عطفا على قوله الحجة عليه أعظم ، ويكون قوله هذا العالم بدلا من قوله عليه ، والضمير في منها راجعا إلى الحجة والحسرة جميعا باعتبار كل واحدة منهما ، والأول أولى ، والبائر الهالك.

قوله عليه‌السلام لا ترتابوا : أي لا تمكنوا الريب والشك من قلوبكم ، بل ادفعوه عن أنفسكم لكيلا تعتادوا به وتصيروا من أهل الشك والوسواس ، فتكونوا من الكافرين ، والحاصل النهي عن التفكر في الشكوك والشبهات فإنها توهن اليقين وينتهي إلى حد الشك ، قال بعض الأفاضل : الريب مصدر رابني الشيء إذا حصل فيك الريبة وحقيقة الريبة فلق النفس واضطرابها ، والارتياب الوصول إلى الريبة والوقوع فيها ، وليس الريب في هذا الحديث مستعملا في الشك أو التهمة أو غيرهما من لوازم معناه الأصلي أو ملزوماته التي شاع استعماله فيها ، والمراد لا توقعوا أنفسكم في القلق والاضطراب بالتوغل في الشبهات ، أو بمعارضة العلم في مقتضاه من العمل فينتهي أمركم إلى أن تشكوا في المعلوم ، والمتيقن لكم ، وقوله : لا تشكوا أي لا توقعوا أنفسكم في الشك واحذروا من طريانه على العلم فيوصلكم إلى الكفر وينتهي إلى الشك فيما يكون الشك فيه كفرا.

قوله عليه‌السلام ولا ترخصوا لأنفسكم : أي لا تسهلوا لأنفسكم أمر الإطاعة والعصيان

١٤٥

فتخسروا وإن من الحق أن تفقهوا ومن الفقه أن لا تغتروا وإن أنصحكم لنفسه أطوعكم لربه وأغشكم لنفسه أعصاكم لربه ومن يطع الله يأمن ويستبشر ومن يعص الله يخب ويندم.

٧ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن أبيه عمن ذكره ، عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن أبيه قال سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول إذا سمعتم العلم فاستعملوه ولتتسع قلوبكم فإن العلم إذا كثر في قلب رجل لا يحتمله قدر

______________________________________________________

ولا تخففوا عليها من الحقوق ، فتقعوا في المداهنة في أمر الدين والمساهلة في باب الحق واليقين ، فتكونوا من الخاسرين ، أو لا ترخصوا لأنفسكم في ارتكاب المكروهات وترك المسنونات ، والتوسع في المباحات فإنها طرق إلى المحرمات ، ويؤيده بعض الروايات وهذا في باب العمل كما أن سابقه كان في باب العلم.

قوله عليه‌السلام وإن من الحق أن تفقهوا : أي من حقوق الله الواجبة عليكم أن تتفقهوا والتفقه تحصيل المعرفة بجميع ما هو معدود من العلوم الشرعية ، أصولها وفروعها.

قوله عليه‌السلام أن لا تغتروا : أي بعلمكم وعملكم أو تنخدعوا من النفس والشيطان والنصيحة إرادة الخير للمنصوح له ، والغش إظهار خلاف ما أضمر ، والاسم منه الغش بالكسر كما ذكره في مصباح اللغة ، والخيبة : الحرمان والخسران ، وفي بعض النسخ بالجيم من الوجوب بمعنى السقوط أو من الوجيب بمعنى الخوف ، والحاصل أن من يطع الله يأمن من العقوبات ، ويستبشر بالمثوبات ، ومن يعص الله يخب من الدرجات العلى ويندم على تفويت الفريضة وتضييع العمر.

الحديث السابع : ضعيف.

قوله عليه‌السلام إذا سمعتم العلم : المراد بالعلم المذعن به لا نفس التصديق ، والمقصود أنه بعد حصول العلم ينبغي الاشتغال بأعماله والعمل على وفقه عن طلب علم آخر ، وقوله عليه‌السلام : ولتتسع قلوبكم ، أي يجب أن يكون طلبكم للعلم بقدر تتسعه قلوبكم ، ولا تستكثروا منه ، ولا تطلبوا ما لا تقدرون على الوصول إلى كنهه ، فإنه حينئذ يستولي

١٤٦

الشيطان عليه فإذا خاصمكم الشيطان فأقبلوا عليه بما تعرفون فـ ( إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً ) فقلت وما الذي نعرفه قال خاصموه بما ظهر لكم من قدرة الله عز وجل.

باب المستأكل بعلمه والمباهي به

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى وعلي بن إبراهيم ، عن أبيه جميعا ، عن حماد بن عيسى ، عن عمر بن أذينة ، عن أبان بن أبي عياش ، عن سليم بن

______________________________________________________

الشيطان عليكم ويوقعكم في الشبهات ، وقيل : يعني ينبغي أن يكون اهتمامكم بالعمل لا بكثرة السماع والحفظ إلى حد يضيق قلوبكم عن احتماله ، وذلك إنما يكون بترك العمل ، لأن العالم إذا عمل بعلمه لا يضيق قلبه عن احتمال العلم ، وقوله عليه‌السلام فإذا خاصمكم ، تنبيه على دفع ما يتوهم من أن القناعة من العلم بما يسعه القلب يؤدي إلى العجز عن مخاصمة الشيطان بأن الإقبال على الشيطان بما تعرفون من العقائد المعتبرة في أصل الإيمان يكفي في رفعه ، فإن كيد الشيطان كان ضعيفا ، والمراد بقوله : خاصموا (١) بما ظهر لكم من قدرة الله عز وجل : خاصموه بآثار قدرته الظاهرة في الرسول أو على يده الدالة على رسالته وبآثار قدرته الظاهرة في الوصي من فطانته وعلمه وصلاحه بعد تنصيص النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على عينه أو صفاته وبما ظهر من قدرته تعالى في كل شيء ، فإنه يدل على قدرته علي إنشاء النشأة الآخرة وأثابه المطيع وتعذيب العاصي ، فإن بهذه المعرفة تنبعث النفس على فعل الطاعات وترك السيئات ثم كلما ازداد عملا وسيعا ازداد بصيرة ويقينا.

باب المستأكل بعلمه والمباهي به

أقول : أراد بالمستأكل بعلمه من يجعل العلم (٢) وسيلة لتحصيل الدنيا ، والأكل هنا أعم من الأكل بالمعنى اللغوي وهذا مجاز شائع.

الحديث الأول : ضعيف على المشهور ، معتمد عندي.

__________________

(١) كذا في النسخ لكن في المتن « خاصموه » ، والأمر سهل.

(٢) في نسخة : علمه.

١٤٧

قيس قال سمعت أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله منهومان لا يشبعان طالب دنيا وطالب علم فمن اقتصر من الدنيا على ما أحل الله له سلم ومن تناولها من غير حلها هلك إلا أن يتوب أو يراجع ومن أخذ العلم من أهله وعمل بعلمه نجا ومن أراد به الدنيا فهي حظه.

٢ ـ الحسين بن محمد بن عامر ، عن معلى بن محمد ، عن الحسن بن علي الوشاء ، عن أحمد بن عائذ ، عن أبي خديجة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال من أراد الحديث لمنفعة

______________________________________________________

قوله عليه‌السلام منهومان : النهمة بالفتح إفراط الشهوة وبلوغ الهمة في الشيء وقد نهم بكذا فهو منهوم أي مولع به حريص عليه ، وقيل : ليس في الحديث دلالة على أن الحرص في تحصيل العلم والإكثار منه مذموم ، وأن المراد به غير علم الآخرة كما ظن ، بل المراد من صدره أن من خاصية الدنيا والعلم أن من ذاق طعمهما لا يشبع منهما ، ثم بين الممدوح من ذلك والمذموم منه ، وذكر أن من اقتصر على الحلال من الدنيا فهو ناج أكثر منه أو أقل ، ومن تناولها من غير حلها فهو هالك أكثر منها أو أقل ، وكذلك من أخذ العلم من أهله وعمل به فهو ناج أكثر من تحصيله أو أقل ، ومن أراد به الدنيا فليس له في الآخرة نصيب أكثر منه أو أقل ، وقيل : المراد بطالب العلم من يكون شهوته في طلب العلم لحصول العلم له ، فلذا ذم حرصه ، والأول أظهر.

قوله عليه‌السلام أو يراجع : في بعض نسخ الحديث ويراجع ، فالمعنى إلا أن يتوب إلى الله ويراجع الناس فيؤدي الحقوق إلى أهلها وهنا أيضا يحتمل أن تكون أو بمعنى الواو وربما يقال الترديد من الراوي ، ويحتمل تخصيص التوبة بما إذا لم يقدر على رد المال الحرام إلى صاحبه ، والمراجعة بما إذا قدر عليه ، وقرأ هنا يراجع على بناء المجهول أي يراجعه الله بفضله أو على بناء الفاعل أي يراجع الله ذلك المتناول من غير الحل في الجملة ، كثيرا بالطاعات وترك أكثر الكبائر من المعاصي ، فيرجع الله عليه بفضله واستحقاقه له بمراجعته إلى الله والأول أظهر.

الحديث الثاني ضعيف على المشهور لكنه معتبر.

١٤٨

الدنيا لم يكن له في الآخرة نصيب ومن أراد به خير الآخرة أعطاه الله خير الدنيا والآخرة.

٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن القاسم بن محمد الأصبهاني ، عن المنقري ، عن حفص بن غياث ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال من أراد الحديث لمنفعة الدنيا لم يكن له في الآخرة نصيب.

٤ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن القاسم ، عن المنقري ، عن حفص بن غياث ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إذا رأيتم العالم محبا لدنياه فاتهموه على دينكم فإن كل محب لشيء يحوط ما أحب وقال ص أوحى الله إلى داود ع لا تجعل بيني وبينك عالما مفتونا بالدنيا فيصدك عن طريق محبتي فإن أولئك قطاع طريق عبادي المريدين إن أدنى ما أنا صانع بهم أن أنزع حلاوة مناجاتي عن قلوبهم.

٥ ـ علي ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الفقهاء أمناء الرسل ما لم يدخلوا في الدنيا قيل يا رسول الله

______________________________________________________

الحديث الثالث ضعيف.

الحديث الرابع ضعيف.

قوله عليه‌السلام يحوط ما أحب : أي يحفظ ويتعهد من هذا الشيء ومن مقابله ما أحب ، ومحبة المقابل للشيء المنافي له لا يجامع حب ذلك الشيء فمن أحب الدنيا لم يحب الآخرة.

قوله عليه‌السلام لا تجعل بيني وبينك : أي لا تجعل المفتون بالدنيا المعجب بها وسيلة بيني وبينك إلى حصول معرفتي ومعرفة ديني وشريعتي ، فيمنعك عن طريق محبتي أي عن الطريق إلى حصول معرفتي ومعرفة ديني وشريعتي ، فيمنعك عن طريق محبتي أي عن الطريق إلى ما أحبه أو يمنعك عن الوصول إلى درجة محبتي لك أو محبتك لي.

الحديث الخامس ضعيف على المشهور.

قوله عليه‌السلام أمناء الرسل : لأنهم مستودعو علومهم ، وقد أمروا بأخذ علومهم

١٤٩

وما دخولهم في الدنيا قال اتباع السلطان فإذا فعلوا ذلك فاحذروهم على دينكم.

٦ ـ محمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن حماد بن عيسى ، عن ربعي بن عبد الله عمن حدثه ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال من طلب العلم ليباهي به

______________________________________________________

منهم ، واتباع السلطان يشمل قبول (١) الولاية منهم على القضاء ونحوه ، والخلطة بهم والمعاشرة معهم اختيارا والرضا بها.

قوله عليه‌السلام فاتهموه على دينكم ، أي لا تعتمدوا على فتاويهم وقضاياهم في الدين ولا تسألوهم عن شيء من المسائل.

الحديث السادس مرسل.

قوله عليه‌السلام ليباهي : المباهاة والمماراة : المجادلة ، والمراد أن من طلب العلم لتحصيل الرئاسة ومن وجوهها التي يناسب طلب العلم المفاخرة وادعاء الغلبة به وذلك مع العلماء لا يصل إلى النزاع والجدال ، حيث لا يمارون لعلمهم بقبحه ومع الجهال المتلبسين بلباسهم يورث النزاع والجدال ، ومنها صرف وجوه الناس إليه من العالم الرباني فتحصل له الرئاسة (٢).

قوله عليه‌السلام فليتبوأ مقعده من النار : أي يتخذها منزلا والأمر للتهكم قال الجزري معناه لينزل منزله في النار ، يقال : بوأه الله منزلا أسكنه إياه وتبوأت منزلا : اتخذته ، وقوله عليه‌السلام : إن الرئاسة لا تصلح إلا لأهلها دليل لما قبله ، وأهل الرئاسة من أوجب الله على عباده المراجعة إليهم ، والأخذ عنهم والتسليم لهم من أئمة الحق صلوات الله عليهم.

وروى الصدوق في كتاب معاني الأخبار بإسناده عن عبد السلام بن صالح الهروي قال : سمعت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام يقول : رحم الله عبدا أحيى أمرنا ، فقلت له : وكيف يحيي أمركم؟ قال : يتعلم علومنا ويعلمه الناس فإن الناس لو علموا محاسن كلامنا لا تبعونا ، قال : فقلت له : يا بن رسول الله فقد روي لنا عن أبي عبد الله عليه‌السلام

__________________

(١) في نسخة : قبوله الولاية.

(٢) وفي نسخة : لتحصل به الرياسة.

١٥٠

العلماء أو يماري به السفهاء أو يصرف به وجوه الناس إليه فليتبوأ مقعده من النار إن الرئاسة لا تصلح إلا لأهلها.

باب

لزوم الحجة على العالم وتشديد الأمر عليه

١ ـ علي بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن القاسم بن محمد ، عن المنقري ، عن حفص بن غياث ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال يا حفص يغفر للجاهل سبعون ذنبا قبل أن يغفر للعالم ذنب واحد

______________________________________________________

أنه قال : من تعلم علما يماري به السفهاء أو يباهي به العلماء أو ليقبل بوجوه الناس إليه فهو في النار! فقال عليه‌السلام : صدق جدي أفتدري من السفهاء؟ فقلت : لا يا بن رسول الله قال : هم قصاص مخالفينا ، وتدري من العلماء؟ فقلت : لا يا بن رسول الله ، قال : هم آل محمد ، الذين فرض الله طاعتهم وأوجب مودتهم ، ثم قال : وتدري ما معنى قوله أو ليقبل بوجوه الناس إليه؟ قلت : لا ، قال : يعني بذلك والله ادعاء الإمامة بغير حقها ، ومن فعل ذلك فهو في النار.

وبإسناده عن حمزة بن حمران قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : من استأكل بعلمه افتقر ، فقلت له : جعلت فداك إن في شيعتك ومواليك قوما يتحملون علومكم ويبثونها في شيعتكم ولا يعدمون على ذلك منهم البر والصلة والإكرام فقال عليه‌السلام : ليس أولئك المستأكلين إنما المستأكل بعلمه الذي يفتي بغير علم ولا هدى من الله عز وجل ليبطل به الحقوق طمعا في حطام الدنيا.

أقول : يمكن حمل الخبرين على بيان الفرد الكامل منها لكن لا ضرورة تدعو إليه.

باب لزوم الحجة على العالم وتشديد الأمر عليه

الحديث الأول ضعيف.

ولعل للعالم ههنا بحسب ما يعلمه من المسائل كما أو كيفا كاليقيني والظني والاجتهادي والتقليدي مراتب لا يتناهى ، وكذا الجاهل يقابله بحسب تلك المراتب ،

١٥١

٢ ـ وبهذا الإسناد قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام قال عيسى ابن مريم على نبينا وآله وعليه‌السلام ويل للعلماء السوء كيف تلظى عليهم النار.

٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ومحمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان جميعا ، عن ابن أبي عمير ، عن جميل بن دراج قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول إذا بلغت النفس هاهنا وأشار بيده إلى حلقه لم يكن للعالم توبة.

______________________________________________________

فلكل عالم شدة تكليف بالنسبة إلى الجاهل الذي يقابله.

الحديث الثاني ضعيف.

قوله عليه‌السلام للعلماء السوء : قال الجوهري : ساءه يسوؤه سوءا بالفتح نقيض سره والاسم السوء بالضم ، وتقول : هذا رجل سوء بالإضافة ، ثم تدخل عليه الألف واللام ، فتقول : هذا رجل السوء قال الأخفش : ولا يقال : الرجل السوء ، ولا هذا رجل السوء بالضم « انتهى » والظاهر أن السوء هنا بالفتح مجرورا بالإضافة كالضارب الرجل ، وليس السوء في مثل هذا الموضع صفة بل مضاف إليه ، لكن الإضافة ههنا في معنى التوصيف ، أي المضاف موصوف بما أضيف إليه والمشتق منه محمول على المضاف ، وقوله : كيف تلظى أي تتلهب وتشتعل.

الحديث الثالث : حسن كالصحيح.

قوله عليه‌السلام : إذا بلغت النفس ... قيل : المراد بالنفس الروح الحيواني فإنه قد يطلق عليه كما يطلق على النفس الناطقة ، وقيل : المراد ببلوغ النفس إلى الحلق قطع تعلقها عن الأعضاء ، والانتهاء في قطع التعلق إلى الحلق والرأس ، وهو في آخر ساعة من الحياة الدنيوية ، قال بعض المفسرين : من لطف الله بالعباد أن أمر قابض الأرواح بالابتداء في نزعها من أصابع الرجلين ، ثم يصعد شيئا فشيئا إلى أن يصل إلى الصدر ، ثم ينتهي إلى الحلق ليتمكن في هذه المهلة من الإقبال بالقلب على الله تعالى والوصية والتوبة ، ما لم يعاين ، والاستحلال من أرباب الحقوق وذكر الله سبحانه ، فيخرج روحه وذكر الله على لسانه فيرجى بذلك حسن خاتمته رزقنا الله ذلك بمنه وفضله.

قوله عليه‌السلام لم يكن للعالم : أي العالم بأمور الآخرة فيكون المراد بعد ظهور

١٥٢

ثم قرأ ( إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ) (١).

٤ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، عن

______________________________________________________

أحوال الآخرة ، لأنه حينئذ عالم بعلم العيان لا ينفعه التوبة ، ويحتمل أن يكون المراد قبل ظهور أحوال الآخرة ، وبالعالم العالم مطلقا لا بهذا الأمر المخصوص ، ويكون المراد أن الجاهل تقبل توبته في هذه الساعة بخلاف العالم ، فإنه لا بد له من تدارك لما فاته في الجملة ، وهو خلاف المشهور إلا أن تحمل على التوبة الكاملة.

قوله عليه‌السلام « إنما التوبة » أي قبول التوبة الذي أوجبه الله على نفسه بمقتضى وعده ، والتوبة هي الرجوع والإنابة ، إذا نسبت إلى الله سبحانه تعدت بعلى ، وإذا نسبت إلى العبد تعدت بإلى ، ومعنى التوبة من العبد رجوعه إلى الله بالطاعة والانقياد بعد عصيانه ، والتوبة من الله رجوعه بالعطف على عبده بإلهامه التوبة أولا ثم قبوله إياها منه آخرا ، فلله توبتان وللعبد واحدة بينهما ، قال الله تعالى ( ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا ) (٢) فالتوبة في قوله سبحانه ( إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ ) من تاب عليه إذا قبل توبته ، إلا أن « على » هذه ليست هي « على » في قولهم : تاب عليه ، وقوله تعالى ( بِجَهالَةٍ ) أي متلبسين بها ، قيل : المراد بالجهالة هنا هي السفاهة التي تلزم المعصية ولذا قيل : من عصى الله فهو جاهل ، وأما قوله سبحانه ( ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ ) فيعني به من قبل أن يشرب في قلوبهم حبه فيتعذر عليهم الرجوع ، وأما الحصر المدلول بلفظة « إنما » فلا ينافي قبولها ممن أخرها إلى قبيل المعاينة كما ورد في الأخبار لأن وجوب القبول غير التفضل به كذا قيل ، ويحتمل أن يكون المراد بقوله ( مِنْ قَرِيبٍ ) قبل حضور الموت كما يومئ إليه آخر الرواية.

الحديث الرابع ضعيف.

__________________

(١) سورة النساء : ١٧.

(٢) سورة التوبة : ١١٨.

١٥٣

النضر بن سويد ، عن يحيى الحلبي ، عن أبي سعيد المكاري ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه‌السلام في قول الله عز وجل ـ ( فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ وَالْغاوُونَ ) (١) قال هم قوم وصفوا عدلا بألسنتهم ثم خالفوه إلى غيره.

باب النوادر

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حفص بن البختري رفعه قال كان أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول روحوا أنفسكم ببديع الحكمة فإنها

______________________________________________________

قوله عليه‌السلام فكبكبوا : يقال كبه على وجهه أي صرعه فأكب ، والكبكبة : تكرير الكب ، جعل التكرير في اللفظ دليلا على التكرير في المعنى ، وقوله عليه‌السلام : هم قوم ، تفسير لضمير « هم » أو للغاوون ، والأول أظهر ، وذكر أكثر المفسرين أن ضمير « هم » راجع إلى الآلهة ، ولا يخفى أن ما ذكره عليه‌السلام أنسب لفظا ومعنى ، والعدل كل أمر حق يوافق العدل والحكمة من العقائد الحقة والعبادات والأخلاق الحسنة.

باب النوادر

أي أخبار متفرقة مناسبة للأبواب السابقة ولا يمكن إدخالها فيها ، ولا عقد باب لها لأنها لا يجمعها باب ، ولا يمكن عقد باب لكل منها.

الحديث الأول مرفوع.

قوله عليه‌السلام روحوا : من الروح بمعنى الراحة أو بمعنى نسيم الريح ورائحتها الطيبة ، والأول أظهر أي صيروا أنفسكم في راحة طيبة ببديع الحكمة ، أي ما يكون مبتدعا غير متكرر من الحكمة بالنسبة إلى أنفسكم فإن النفوس تكل وتعيا بالمتكرر من المعرفة ، وتكرار تذكرها ، كما تكل الأبدان بالمتكرر من الفعل ، ويحتمل أن يكون المراد ببديع الحكمة نفائسها وجلائلها ، وبكلال النفوس ما يحصل

__________________

(١) سورة الشعراء : ٩٤.

١٥٤

تكل كما تكل الأبدان.

٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن نوح بن شعيب النيسابوري ، عن عبيد الله بن عبد الله الدهقان ، عن درست بن أبي منصور ، عن عروة ابن أخي شعيب العقرقوفي ، عن شعيب ، عن أبي بصير قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول كان أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول يا طالب العلم إن العلم ذو فضائل كثيرة فرأسه التواضع وعينه

______________________________________________________

لها من الفتور عن الطاعات وعدم الرغبة إلى الحق بسبب الاشتغال بالشهوات ، أو الكسل الذي يحصل لها بكثرة الطاعات ، فإن نفائس الحكمة ينبه النفس وينشطها بل يحييها بعد موتها كما هو المجرب.

الحديث الثاني ضعيف.

قوله عليه‌السلام إن العلم ذو فضائل كثيرة : أقول : لما أراد عليه‌السلام التنبيه على فضائل العلم شبهه بشخص كامل روحاني له أعضاء وقوي كلها روحانية بعضها ظاهرة وبعضها باطنة ، فالظاهرة كالرأس والعين والأذن واللسان واليد والرجل ، والباطنة كالحفظ والقلب والعقل والهمة والحكمة ، وله مستقر روحاني ومركب وسلاح وسيف وقوس وجيش ومال وذخيرة وزاد ومأوى ودليل ورفيق كلها معنوية روحانية ثم إنه عليه‌السلام بين انطباق هذا الشخص الروحاني بجميع أجزائه على هذا الهيكل الجسماني إكمالا للتشبيه ، وإيماء إلى أن العلم إذا استقر في قلب إنسان يملك جميع جوارحه ، ويظهر آثاره من كل منها ، فرأس العلم وهو التواضع يملك هذا الرأس الجسداني ويخرج منه التكبر والنخوة التي هو مسكنها ، ويستعمله فيما يقتضيه التواضع من الانكسار والتخشع وكما أن الرأس البدني بانتفائه ينتفي حياة البدن فكذا بانتفاء التواضع عند الخالق والخلائق تنتفي حياة العلم فهو كجسد بلا روح لا يصير مصدرا لأثر وهاتان الجهتان ملحوظتان في جميع الفقرات ، وذكره يوجب الإطناب وما ذكرناه كاف لأولي الألباب.

قوله عليه‌السلام وعينه البراءة من الحسد : لأن العالم إذا حسد يخفى علمه عن

١٥٥

البراءة من الحسد وأذنه الفهم ولسانه الصدق وحفظه الفحص وقلبه حسن النية وعقله معرفة الأشياء والأمور ويده الرحمة ورجله زيارة العلماء وهمته السلامة

______________________________________________________

غيره ، وذلك يوجب عدم تذكره ونقص علمه ، وكذا يوجب عدم استعلامه ما لا يعلمه عمن يعلمه لأنه يبغضه بحسده ولا يريد أن يعلم الناس أنه قابل للتعليم ، فالحاسد علمه أعمى ، ولما كان الحسد بالعين نسب إليها ، « وأذنه الفهم » أي فهم المراد والمقصود ، لأن الذهن إذا لم يفهم المعنى المقصود كان كالذي يخاطب بما لا يسمع ، وأيضا الأذن آلة للفهم فناسبه « ولسانه الصدق » لأنه إذا لم يكن مع العلم الصدق كان كالأبكم ، إذ كما أن الأبكم لا ينتفع الناس بمنطقة فكذا العالم الكاذب لا ينتفع الناس بإفاداته ، لعدم اعتمادهم عليه « وحفظه الفحص » هو البحث والكشف عن الشيء والعلم بدون الفحص كالذي لا حفظ له فيغفل عن كثير وينسى كثيرا.

« وقلبه حسن النية » وهو أن لا يكون له مقصود في طلب العلم وبذله إلا رضى الرب سبحانه ، حتى يترتب عليه الحياة الأبدية ، فالعلم العاري عن ذلك كمن لا قلب له فلا حياة له ، والمناسبة ظاهرة ، و « عقله » أي ما هو فيه بمنزلة النفس للبدن ، أو بمنزلة القوة المميزة بين الحسن والقبيح ، والمراد بمعرفة الأشياء والأمور إما معرفة جميع الأمور التي لا بد من معرفتها أو معرفة الدنيا وفنائها ، وما يوجب الزهد فيها والإعراض عنها والتوجه إلى جناب الحق تعالى ومعرفة من يجب متابعته ، ويجوز أخذ العلم عنه ، فإن معرفة هذه الأشياء يوجب حصول العلم الكامل ، وتحصيله من معدنه وإفاضة العلوم الربانية عليه ، فهي بالنسبة إلى مجموع العلم كالنفس أو كالقوة المميزة في أن العلم لا يحصل إلا بها ، ولها تعلق تام بالقلب المتقدم ذكره ، ويمكن حمله على معرفة مبادئ العلوم الحقة وما يتوقف تحصيلها عليه ، والأوسط أظهر.

« ويده الرحمة » أي الرحمة على المحتاجين إليه من العلم أو الأعم منه ومن غيره ، والعلم مع عدمها كالذي لا يدله ، وكذا زيارة العلماء كالرجل له ، إذ لولاها لما انتقل

١٥٦

وحكمته الورع ومستقره النجاة وقائده العافية ومركبه الوفاء وسلاحه لين الكلمة وسيفه الرضا وقوسه المداراة وجيشه محاورة العلماء وماله الأدب

______________________________________________________

العلم من أحد إلى آخر ، والمراد بالسلامة إما سلامته من المعاصي أو سلامة الناس من شره.

قوله عليه‌السلام : وحكمته ، أي ما به اختياره للصدق والصواب ، والورع اجتناب المحرمات والشبهات ، أي ما به يختار الصدق والصواب ، وهو التحرز عن ارتكاب ما لا يليق من القول والاعتقاد والفعل والنية ويمكن أن يراد بالحكمة ما تقتضيه حكمته ، وربما يقرأ بفتح الحاء والكاف ، وهو المحيط من اللجام بحنك الدابة ، أي المانع لمركبه من الخروج عن طريقه والتوجه إلى خلاف مقصده « ومستقره » أي محل استقراره ومسكنه الذي إذا وصل إليه سكن ، واستقر فيه النجاة والتخلص عن الشكوك والشبهات ، فإن العلم والعالم لا يستقران ولا يطمئنان إلا إذا وصلا إلى حد اليقين ، أو لا يترك الحركة والسعي في تحصيل النجاة إلا مع حصولها بعد الموت ، فما دام في الدنيا لا يفتر عن السعي ، لتحصيل النجاة الأخروية ، ويحتمل أن يكون المستقر مصدرا ميميا أي استقراره في قلب العالم يوجب النجاة عن الجهل والعقوبات والحمل على المبالغة.

« وقائده » ... أي ما يقوده ويجره نحو مستقره الذي هو النجاة : العافية من الآفات والعاهات والأمراض النفسانية « وسيفه الرضا » أي الرضا بالقضاء ، أو بما وقع من العدو بالنسبة إليه ، وعدم التعرض لدفعه ، ولعله عليه‌السلام إنما شبه الرضا بالسيف والمداراة بالقوس لأن بالسيف يدفع العدو القريب ، وبالقوس يدفع العدو البعيد ، والرضا والصبر يدفعان المضرة العاجلة ، والمداراة وحسن الخلق يدفعان المضرات المتوقعة ، ومحاورة العلماء : مكالمتهم ومجاوبتهم ، فإنها تقوية وتعينه كتقوية الأعوان والأنصار ، والمراد بالمال البضاعة التي يتجر بها ، وبالذخيرة ما يحرز لوقت الحاجة ، فالأدب كالبضاعة للعلم ، واجتناب الذنوب كالذخيرة له لتقوي العلم به

١٥٧

وذخيرته اجتناب الذنوب وزاده المعروف وماؤه الموادعة ودليله الهدى ـ ورفيقه محبة الأخيار.

٣ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن حماد بن عثمان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله نعم وزير الإيمان العلم ونعم وزير العلم الحلم ونعم وزير الحلم الرفق ونعم وزير الرفق الصبر.

٤ ـ علي بن محمد ، عن سهل بن زياد ، عن جعفر بن محمد الأشعري ، عن عبد الله بن ميمون القداح ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، عن آبائه عليهم‌السلام قال جاء رجل إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال يا رسول الله ما العلم قال الإنصات قال ثم مه قال :

______________________________________________________

يوما فيوما ، وينتفع به عند الحاجة.

« ودليله » أي ما يدله ويرشده إلى الحق والنجاة الهدي أي هدى الله تعالى بتوسط الأنبياء والأوصياء عليه‌السلام ، وتوفيقه وتسديده ، « ورفيقه » أي ما يؤمن بمرافقته من قطع طريقه إلى النجاة « محبة الأخيار » وفي تحف العقول « صحبة الأخيار » ولعله أنسب.

الحديث الثالث صحيح.

قوله عليه‌السلام نعم وزير الإيمان : الوزير الذي يلتجئ الأمير إلى رأيه وتدبيره ، ويحمل عنه ما حمله من الأثقال ، والمراد بالإيمان التصديق بإلهيته سبحانه ووحدانيته وصفاته الكمالية ، وبالرسول وبما جاء به ، وبالعلم معرفة المعارف بأدلتها معرفة يوجب مراعاتها اضمحلال الشبه والشكوك وبالحلم الأناة ، وأن لا يزعجه هيجان الغضب وهي حالة نفسانية توجب ترك المراء والجدال ، وأن لا يستفزه الغضب ، والرفق الميل إلى التلطف ، وتسهيل الأمر والإعانة ، ويحتمل أن يكون المراد بالرفق إعمال الحلم ، والعبرة هي العبور العلمي من الأشياء إلى ما يترتب عليها وتنتهي إليه ، وتقوية كل سابق مما ذكر بلا حقه لا يحتاج إلى البيان.

الحديث الرابع ضعيف على المشهور.

قوله : ما العلم؟ ... لعل سؤال السائل كان عما يوجب العلم أو عن آداب طلبه أو

١٥٨

الاستماع قال ثم مه قال الحفظ قال ثم مه قال العمل به قال ثم مه يا رسول الله قال نشره.

٥ ـ علي بن إبراهيم رفعه إلى أبي عبد الله عليه‌السلام قال طلبة العلم ثلاثة فاعرفهم بأعيانهم وصفاتهم صنف يطلبه للجهل والمراء وصنف يطلبه للاستطالة والختل

______________________________________________________

عما يدل على حصوله ، ويحتمل أن يكون غرضه استعلام حقيقته فأجابه عليه‌السلام ببيان ما يوجب حصوله أو يدل على ثبوته ، لأنه الذي ينفعه ، فالحمل على المبالغة ، والإنصات السكوت عند الاستماع فإن كثرة المجادلة عند العالم يوجب الحرمان عن علمه.

قوله : ثم مه؟ أصلها « ما » قلبت الألف هاء أو حذفت وزيدت الهاء للسكت.

الحديث الخامس مرفوع ، وسنده الثاني مجهول ، ورواه الصدوق (ره) في الأمالي عن جعفر بن محمد بن مسرور ، عن محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري عن أبيه عن محمد بن عبد الجبار عن محمد بن زياد ، عن أبان بن عثمان ، عن أبان بن تغلب ، عن عكرمة عن ابن عباس ، عن أمير المؤمنين عليه‌السلام بأدنى تغيير ، ورواه أيضا في الخصال عن محمد بن موسى بن المتوكل ، عن علي بن الحسين السعدآبادي ، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي عن أبيه ، عن محمد بن سنان ، عن أبي الجارود عن سعيد بن علاقة عنه عليه‌السلام مثله.

قوله عليه‌السلام بأعيانهم : أي بخواصهم وأفعالهم المخصوصة بهم ، أو بالشاهد والحاضر من أفعالهم كما قيل ، وقال في القاموس : العين الحاضر من كل شيء ، فالمراد بصفاتهم ما عدا أفعالهم من صفاتهم المتصفين بها ، وقيل : فاعرفهم بأعيانهم أي أقسامهم ومفهومات أصنافهم ، وهي ما ذكره بقوله عليه‌السلام : صنف ، إلى قوله : والعقل وصفاتهم أي علاماتهم التي يعرف بها كل صنف من غيره ، وهو ما ذكره بقوله : فصاحب الجهل إلى آخره ، وقيل : المراد بأعيانهم مناظرهم من هيئاتهم وأوضاعهم كالتسربل بالخشوع والتخلي من الورع ، قال في القاموس : العين منظر الرجل ، وبصفاتهم علاماتهم من أفعالهم وهو قريب من الأول ، وقيل : المعنى أعرفهم بسبب الحاضر من أفعالهم وعلاماتهم و

١٥٩

وصنف يطلبه للفقه والعقل فصاحب الجهل والمراء موذ ممار متعرض للمقال في أندية الرجال بتذاكر العلم وصفة الحلم قد تسربل بالخشوع وتخلى من الورع فدق الله من

______________________________________________________

يكون الواو في قوله : وصفاتهم بمعنى مع ، أي مع صفاتهم وخواصهم التي خصهم الله تعالى بها مما فعله بهم من العقاب على الأولين ، والإثابة على الثالث على الوجه الذي ذكره عليه‌السلام بعد ذكر علامة كل واحد من الأصناف الثلاثة ، وحينئذ يكون الكلام على سياقة اللف والنشر المرتب أو بالعكس ، بأن يكون المراد بأعيانهم خواصهم التي خصهم الله تعالى بها من العقاب والثواب ، وبصفاتهم علاماتهم ، والباء للإلصاق ، والواو بمعنى مع أو للعطف ، واللف على خلاف ترتيب النشر ، والجهل السفاهة وترك الحلم ، وقيل : ضد العقل ، والمراء المجادلة من غير غرض ديني والاستطالة : العلو والترفع والختل بالمعجمة المفتوحة والمثناة الفوقانية الساكنة : الخداع كما ذكره في النهاية ، في شرح هذا الخبر ، والفقه : معرفة الأمور الدينية ، والمراد بالعقل تعقل الأمور وفهمها ، أو المعنى أنه يطلب العلم ليستعمله العقل ، ويعمل بمقتضاه أو لتكميل العقل الفطري ، والأندية جمع النادي وهو مجتمع القوم ومجلسهم ومتحدثهم ما داموا فيه مجتمعين ، فإذا تفرقوا فليس بنادي ، وقوله عليه‌السلام : بتذاكر العلم متعلق بالمقال ، أي يصف العلم والحلم ، ولا يتصف بهما ، أو يصف نفسه بهما مع خلوه عنهما ، ويذكر المسائل المشكلة ويتكلم فيها ، ليظهر علمه وليس بعالم ، ويظهر الحلم أحيانا وليس بحليم ، والتسربل تفعلل من السربال وهو القميص أي أظهر الخشوع للتشبه بالخاشعين والتزيي بزيهم مع خلوه عنه لخلوه من الورع اللازم له.

قوله عليه‌السلام فدق الله من هذا : دعاء عليه أو خبر عما سيلحقه ، وكذا نظائره وقوله من هذا : أي بسبب كل واحدة من تلك الخصال ، ويحتمل أن تكون الإشارة إلى الشخص فكلمة « من » تبعيضية ، والمراد بدق الخيشوم وهو أعلى الأنف وأقصاه : إذلاله وإبطال أمره ، ورفع الانتظام عن أحواله وأفعاله ، وبقطع الحيزوم بفتح الحاء المهملة وضم الزاء المعجمة ، وهو ما استدار بالظهر والبطن ، أو ضلع الفؤاد أو ما اكتنف

١٦٠