الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الكتب الإسلاميّة
المطبعة: مروي
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٥٦
٩ ـ وعنه ، عن أبيه ، عن إسماعيل بن مرار ، عن يونس ، عن داود بن فرقد ، عن المعلى بن خنيس قال قلت لأبي عبد الله عليهالسلام إذا جاء حديث عن أولكم وحديث عن آخركم بأيهما نأخذ فقال خذوا به حتى يبلغكم عن الحي فإن بلغكم عن الحي فخذوا بقوله قال ثم قال أبو عبد الله عليهالسلام إنا والله لا ندخلكم إلا فيما يسعكم وفي حديث آخر خذوا بالأحدث.
١٠ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن محمد بن عيسى ، عن صفوان بن يحيى ، عن داود بن الحصين ، عن عمر بن حنظلة قال سألت أبا عبد الله عليهالسلام ـ عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث فتحاكما إلى السلطان وإلى القضاة أيحل
______________________________________________________
الحديث التاسع مجهول ويدل على لزوم العمل بقول الإمام الحي مع تعارض قول الإمام السابق له ، بل بقول الإمام المتأخر مطلقا كما يدل عليه قوله عليهالسلام : خذوا بالأحدث ، ووجه الأول ظاهر ، لأن الإمام الحي إنما يحكم بما يعلمه صلاحا في زمانه ، فيجب العمل به ، وأما الثاني فلأنه بحكم الإمام الثاني علم تغير المصلحة الأولى ولم يعلم بعد تغير المصلحة المتجددة إلا إذا علم تغيرها بزوال التقية مع العلم بكون الحكم الثاني للتقية.
قوله عليهالسلام فيما يسعكم : أي يجوز لكم القول والعمل به تقية أو لمصلحة أخرى.
الحديث العاشر : موثق تلقاه الأصحاب بالقبول.
قوله عليهالسلام في دين أو ميراث ، لعل ذكرهما على سبيل التمثيل ، ويحتمل التخصيص ، والمراد بالمنازعة في الميراث إما في الوارثية أو في قدر الإرث أو في ثبوته مع عدم علم المدعي ، وفي جميع هذه الصور لا يجوز الأخذ بحكم الجائر ، ويكون المأخوذ حراما بخلاف الأعيان ومنافعها ، مع علم المدعي فإن المشهور أنه وإن حرم الأخذ بحكم الجائر لكن لا يحرم المأخوذ ، وحرمة المأخوذ في تلك الصور لا تنافي صحة المقاصة في الدين المعلوم ثبوته ، والمراد بحرمة المأخوذ كونه غير جائز التصرف
ذلك قال من تحاكم إليهم في حق أو باطل فإنما تحاكم إلى الطاغوت وما يحكم له فإنما يأخذ سحتا وإن كان حقا ثابتا لأنه أخذه بحكم الطاغوت وقد أمر الله أن يكفر به قال الله تعالى ( يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ ) (١)
______________________________________________________
فيه بعد الأخذ ، وبحرمة الأخذ عدم جواز إزالة يد المدعي واستقرار اليد عليه ، فقوله عليهالسلام في الجواب : من تحاكم إليهم. يحتمل العموم والشمول للأعيان والديون والمواريث وغيرها.
وقوله عليهالسلام : فإنما يأخذ سحتا ، إن حمل على أنه يأخذ أخذا سحتا أي حراما فعلى عمومه وإن حمل على أنه يأخذ مالا سحتا فمخصص بما لا يكون المدعى به عينا معلوم الحقية للمدعي ، فإن له التصرف في المأخوذ حينئذ بخلاف ما إذا كان ثابت الحقيقة عنده بحكم الحاكم ، أو مظنون الحقية أو مشكوكها ، أو كان المدعى به دينا ، فالاستحقاق في العين والتعين في الدين بحكم الطاغوت لا يوجب جواز التصرف ، كما ذكره بعض المحققين.
قوله تعالى ( يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ ) الطاغوت مشتق من الطغيان وهو الشيطان أو الأصنام ، أو كل ما عبد من دون الله أو صد من عبادة الله ، والمراد هنا من يحكم بالباطل ويتصدى للحكم ، ولا يكون أهلا له ، سمي به لفرط طغيانه أو لتشبهه بالشيطان أو لأن التحاكم إليه تحاكم إلى الشيطان من حيث أنه الحامل عليه والآية بتأييد الخبر تدل على عدم جواز الترافع إلى حكام الجور مطلقا ، وربما قيل بجواز التوسل بهم إلى أخذ الحق المعلوم اضطرارا مع عدم إمكان الترافع إلى الفقيه العدل ، وبجواز الاستعانة بهم في إجراء حكم الفقيه ، وأيد ذلك بقوله تعالى ( يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا ) فإن الترافع على وجه الاضطرار ليس تحاكما على الإرادة والاختيار ، والمسألة قوية الإشكال.
__________________
(١) سورة النساء : ٦٠.
قلت فكيف يصنعان قال ينظران إلى من كان منكم ممن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فليرضوا به حكما فإني قد جعلته
______________________________________________________
قوله عليهالسلام ممن قد روى حديثنا : أي كلها بحسب الإمكان أو القدر الوافي منها ، أو الحديث المتعلق بتلك الواقعة ، وكذا في نظائره ، والأحوط أن لا يتصدى لذلك إلا من تتبع ما يمكنه الوصول إليه من أخبارهم ليطلع على المعارضات ويجمع بينها بحسب الإمكان.
قوله عليهالسلام فإني قد جعلته عليكم حاكما : استدل به على أنه نائب الإمام في كل أمر إلا ما أحوجه الدليل ، ولا يخلو من إشكال ، بل الظاهر أنه رخص له في الحكم فيما رفع إليه لا أنه يمكنه جبر الناس على الترافع إليه أيضا ، نعم يجب على الناس الترافع إليه والرضا بحكمه ، وقال بعض الأفاضل : قوله عليهالسلام : فإني قد جعلته عليكم حاكما يحتمل وجهين : الأول : قد صيرته عليكم حاكما ، والثاني : قد وصفته بكونه حاكما عليكم ، وقد حكمت بذلك وسميته بالحاكم ، كقوله تعالى ( وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً ) (١) فعلى الأول يكون حكومة المجتهد بنصبه عليهالسلام لها ، فلا يثبت له حكومة بدون النصب ما لم يدل دليل آخر ، وعلى الثاني تكون المجتهد متصفا بالحكومة ، ويكون قوله عليهالسلام مبينا لاتصافه بها ، والثاني أولى بوجوه : منها أنه لم يكونوا عليهالسلام في تلك الأعصار ينصبون الحكام ، ومنها أنهم لو نصبوا لأعلموا الناس بذلك ولكان هذا من المعلوم عند الإمامية ، ومنها أنه لم يعهد نصب غير المعين. ومنها : أن الضرورة ماسة بحكومة الفقيه أما عند الغيبة فظاهر ، وأما مع ظهور الحجة فلعدم إمكان رجوع الكل في كل الأحكام إلى الحجة لا بواسطة ، ولو حمل على الأول فإما أن يحمل على نصبه عليهالسلام الفقيه في عصره وفي الأعصار بعده ، أو على نصبه في عصره ، وعلى الأول فيكون الفقيه منصوبا ما لم ينعزل بعزله أو بعزل من يقوم مقامه ، وعلى الثاني ينقضي نصبه بانقضاء أيامه
__________________
(١) سورة زخرف : ١٩.
عليكم حاكما فإذا حكم بحكمنا فلم يقبله منه فإنما استخف بحكم الله وعلينا رد والراد علينا الراد على الله وهو على حد الشرك بالله.
قلت فإن كان كل رجل اختار رجلا من أصحابنا فرضيا أن يكونا الناظرين في حقهما واختلفا فيما حكما وكلاهما اختلفا في حديثكم؟
قال الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث وأورعهما ولا
______________________________________________________
عليهالسلام حيث يكون الحكم لغيره بعده ، ويحتمل الحكم بنصبه بعده ما لم ينعزل لاتحاد طريقتهم عليهالسلام ، واستحسان اللاحق ما حسنه السابق منهم ، وكون المتأخر خليفة للمتقدم ، فما لم يظهر منه خلاف ما جاء من المتقدم حكم بإبقائه له ، والظاهر من الحاكم القاضي وهو الذي يحكم في الوقائع الخاصة ، وينفذ الحكم لا المفتي وهو المبين الحكم الشرعي عموما « انتهى ما أفاده ره » ولا يخفى متانته ، ويمكن المناقشة في كثير منها وسنبين تحقيق هذا المطلب في رسالة مفردة إنشاء الله تعالى.
قوله عليهالسلام : فإنما استخف بحكم الله : لأنه لم يرض بحكم أمر الله به « وعلينا رد » حيث رد قضاء من وصفناه بالحكومة « وهو على حد الشرك بالله » أي دخل في الشرك بأحد معانيه حيث أشرك في حكمه تعالى غيره ، أو المعنى أنه في مرتبة من الضلالة لا مرتبة فيها أشد منها ، والمرتبة المتجاوزة منها مرتبة الشرك.
قوله عليهالسلام : فيما حكما : ظاهره أن اختلافهما بحسب اختلاف الرواية لا الفتوى.
قوله عليهالسلام أعدلهما وأفقههما : في الجواب إشعار بأنه لا بد من كونهما عادلين فقيهين صادقين ورعين ، والفقه هو العلم بالأحكام الشرعية كما هو الظاهر ، وهل يعتبر كونه أفقه في خصوص تلك الواقعة أو في مسائل المرافعة والحكم أو في مطلق المسائل؟ الأوسط أظهر معنى ، وإن كان الأخير أظهر لفظا ، والظاهر أن مناط الترجيح الفضل في جميع تلك الخصال ، ويحتمل أن تكون كلمة الواو بمعنى أو ، فعلى الأول لا يظهر الحكم فيما إذا كان الفضل في بعضها ، وعلى الثاني فيما إذا كان أحدهما فاضلا في إحداهما
يلتفت إلى ما يحكم به الآخر قال:
قلت فإنهما عدلان مرضيان عند أصحابنا لا يفضل واحد منهما على الآخر قال فقال ينظر إلى ما كان من روايتهم عنا في ذلك الذي حكما به المجمع عليه من أصحابك فيؤخذ به من حكمنا ويترك الشاذ الذي ليس بمشهور عند أصحابك فإن المجمع عليه لا ريب فيه وإنما الأمور ثلاثة أمر بين رشده فيتبع وأمر بين غيه فيجتنب وأمر مشكل يرد علمه إلى الله وإلى رسوله قال رسول الله صلىاللهعليهوآله حلال بين وحرام بين وشبهات بين ذلك فمن ترك الشبهات نجا من المحرمات ومن أخذ بالشبهات ارتكب المحرمات وهلك من حيث لا يعلم.
قلت فإن كان الخبران عنكما مشهورين قد رواهما الثقات عنكم؟
قال ينظر فما وافق حكمه حكم الكتاب والسنة وخالف العامة فيؤخذ به و
______________________________________________________
والآخر في الأخرى ، والرجحان بالترتيب الذكرى ضعيف ، وفي سؤال السائل إشعار بفهم المعنى الثاني.
قوله عليهالسلام المجمع عليه : استدل به على حجية الإجماع ، وظاهر السياق أن المراد الاتفاق في النقل لا الفتوى ويدل على أن شهرة الخبر بين الأصحاب وتكرره في الأصول من المرجحات وعليه كان عمل قدماء الأصحاب رضوان الله عليهم.
قوله عليهالسلام وشبهات بين ذلك : المراد الأمور التي اشتبه الحكم فيها ، ويحتمل شموله لما كان فيه احتمال الحرمة وإن كان حلالا بظاهر الشريعة.
قوله عليهالسلام ارتكب المحرمات : أي الحرام واقعا ، فيكون محمولا على الأولوية والفضل ، ويحتمل أن يكون المراد الحكم في المشتبهات ، ويكون الهلاك من حيث الحكم بغير علم ، ويدل على رجحان الاحتياط بل وجوبه.
قوله عليهالسلام عنكما : أي الباقر والصادق عليهماالسلام ، وفي الفقيه عنكم وهو أظهر.
قوله عليهالسلام فما وافق حكمه حكم الكتاب والسنة : قيل المراد بالموافقة احتمال
يترك ما خالف حكمه حكم الكتاب والسنة ووافق العامة.
قلت جعلت فداك أرأيت إن كان الفقيهان عرفا حكمه من الكتاب والسنة ووجدنا أحد الخبرين موافقا للعامة والآخر مخالفا لهم بأي الخبرين يؤخذ؟
قال ما خالف العامة ففيه الرشاد.
فقلت جعلت فداك فإن وافقهما الخبران جميعا.
قال ينظر إلى ما هم إليه أميل حكامهم وقضاتهم فيترك ويؤخذ بالآخر.
قلت فإن وافق حكامهم الخبرين جميعا؟
قال إذا كان ذلك فأرجه حتى تلقى إمامك فإن الوقوف عند الشبهات خير
______________________________________________________
دخوله في المراد من الكتاب والسنة الثابتة والكون من محاملهما فتأمل.
قوله قد رواهما الثقات عنكم : استدل به على جواز العمل بالخبر الموثق وفيه نظر ، لانضمام قيد الشهرة ، ولعل تقريره صلىاللهعليهوآلهوسلم لمجموع القيدين على أنه يمكن أن يقال : الكافر لا يوثق بقوله شرعا لكفره ، وإن كان عادلا بمذهبه.
قوله والسنة : أي السنة المتواترة.
قوله عليهالسلام فأرجه : بكسر الجيم والهاء من أرجيت الأمر بالياء أو من أرجأت الأمر بالهمزة ، وكلاهما بمعنى أخرته فعلى الأول حذفت الياء في الأمر وعلى الثاني أبدلت الهمزة ياء ، ثم حذفت ، والهاء ضمير راجع إلى الأخذ بأحد الخبرين أو بسكون الهاء لتشبيه المنفصل بالمتصل ، أو من أرجه الأمر أي أخره عن وقته ، كما ذكره الفيروزآبادي لكنه تفرد به ولم أجد في كلام غيره.
وورد في خبر آخر في الجمع بين الأخبار ، رواه ابن جمهور في كتاب غوالي اللئالي عن العلامة مرفوعا إلى زرارة بن أعين قال : سألت الباقر عليهالسلام فقلت : جعلت فداك يأتي عنكم الخبران أو الحديثان المتعارضان فبأيهما آخذ؟ فقال عليهالسلام : يا زرارة خذ بما اشتهر [ به ] بين أصحابك ، ودع الشاذ النادر ، فقلت : يا سيدي إنهما معا مشهوران مرويان مأثوران عنكم؟ فقال عليهالسلام : خذ بقول أعدلهما عندك وأوثقهما في نفسك ، فقلت : إنهما
من الاقتحام في الهلكات.
باب الأخذ بالسنة وشواهد الكتاب
١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال قال رسول الله صلىاللهعليهوآله إن على كل حق حقيقة وعلى كل صواب
______________________________________________________
معا عدلان مرضيان موثقان؟ فقال : انظر ما وافق منهما مذهب العامة فاتركه ، وخذ بما خالفهم ، قلت : ربما كانا موافقين لهم أو مخالفين فكيف أصنع؟ فقال عليهالسلام : إذن فخذ بما فيه الحائطة لدينك واترك ما خالف الاحتياط ، فقلت : إنهما معا موافقان للاحتياط أو مخالفان له فكيف أصنع؟ فقال عليهالسلام : إذن فتخير أحدهما فتأخذ به وتدع الآخر ، ويدل على أن المراد بالمجمع عليه المشهور في النقل والرواية ، وعلى أن موافقة الاحتياط أيضا من مرجحات الخبر ، ويدل على التخيير أيضا.
باب الأخذ بالسنة وشواهد الكتاب
أي السنة المتواترة المعلومة ودلائل الكتاب والمراد الاستناد إليهما أو إلى أحدهما بواسطة أو بدونها ، والعمل بأخبار الأئمة عليهالسلام متواترة وآحادا داخلة فيهما ، إذ الكتاب والسنة دلا على وجوب الأخذ بقولهم والرجوع إليهم ، وعلى جواز العمل بأخبار الآحاد وجواز العمل بها هو المشهور بيننا وبين من خالفنا ، ومنعه المرتضى وابن زهرة وابن البراج وابن إدريس وجماعة ، والأول أقوى لتواتر العمل بها معنى في أعصار أئمتنا عليهمالسلام ، وعدم إنكارهم بل تجويزهم عليهمالسلام ، وهذا مما لا يخفى على المستأنس بالأخبار.
الحديث الأول : ضعيف على المشهور.
قوله عليهالسلام إن على كل حق حقيقة : أي على كل أمر ثابت في نفس الأمر من الأمور الدينية وغيرها أو الدينية فقط حقيقة ، أي ما يكون مصيره إليه ، وبه يثبت ويتبين حقيقته « وعلى كل صواب » أي كل اعتقاد مطابق لما في نفس الأمر « نورا » أي
نورا فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فدعوه.
٢ ـ محمد بن يحيى ، عن عبد الله بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن أبان بن عثمان ، عن عبد الله بن أبي يعفور قال وحدثني حسين بن أبي العلاء أنه حضر ابن أبي يعفور في هذا المجلس قال سألت أبا عبد الله عليهالسلام ـ عن اختلاف الحديث يرويه من نثق به ومنهم من لا نثق به قال إذا ورد عليكم حديث فوجدتم له شاهدا من كتاب
______________________________________________________
موضحا ومبينا يهدى إليه ، وما وافق كتاب الله أي ينتهي في البيان والاستدلال إليه أو إلى ما يوافقه فخذوه وما خالف كتاب الله أي ينتهي بيانه إلى ما يخالف كتاب الله ولا ينتهي إليه ولا إلى ما يوافقه فدعوه.
الحديث الثاني : مجهول.
قوله وحدثني حسين بن أبي العلاء : هذا الكلام يحتمل وجوها : « الأول » أن يكون كلام علي بن الحكم يقول حدثني حسين بن أبي العلاء أنه أي الحسين حضر ابن أبي يعفور في المجلس الذي سمع منه أبان « الثاني » أن يكون كلام أبان ، بأن بأن يكون الحسين حدثه أنه كان حاضرا في مجلس سؤال ابن أبي يعفور عنه عليهالسلام
الثالث : أن يكون أيضا من كلام أبان وحدثه الحسين أن ابن أبي يعفور حضر مجلس السؤال عنه عليهالسلام ، وكان السائل غيره ، ولعل الأوسط أظهر.
قوله ومنهم من لا نثق به : ظاهره جواز العمل بخبر من لا يوثق به ، إذا كان له شاهد من الكتاب ، ويحتمل أن يكون المراد أنه يرد علينا الخبر من جهة من نثق به ومن جهة من لا نثق به ، فأما الثاني فلا يشكل علينا الأمر فيه لأنا لا نعمل به ، وأما الأول فكيف نصنع فيه؟ أو المعنى : إذا وقع الاختلاف والتعارض في مضمون حديث بسبب اختلاف نقل الراوي ، بأن ينقله أحد الراويين بنحو والآخر بنحو آخر ، ويكونا عدلين ويكون من جملة رواة أحد الطرفين غير الثقة أيضا أيصلح هذا الترجيح أحد الطرفين؟ فأجاب عليهالسلام بأن هذا لا يصلح للترجيح ، بل الترجيح بموافقة الكتاب والسنة المتواترة وهما بعيدان.
قوله عليهالسلام إذا ورد عليكم : جزاء الشرط محذوف أي فاقبلوه ، وقوله : فالذي
الله أو من قول رسول الله صلىاللهعليهوآله وإلا فالذي جاءكم به أولى به.
٣ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن أبيه ، عن النضر بن سويد ، عن يحيى الحلبي ، عن أيوب بن الحر قال سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول كل شيء مردود إلى الكتاب والسنة وكل حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف.
٤ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن ابن فضال ، عن علي بن عقبة ، عن أيوب بن راشد ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال ما لم يوافق من الحديث القرآن فهو زخرف.
٥ ـ محمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن الحكم وغيره ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال خطب النبي صلىاللهعليهوآله بمنى فقال أيها الناس ما جاءكم عني يوافق كتاب الله فأنا قلته وما جاءكم يخالف كتاب الله فلم أقله.
٦ ـ وبهذا الإسناد ، عن ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابه قال سمعت أبا عبد الله
______________________________________________________
جاءكم أولى به أي ردوه عليه ولا تقبلوا منه ، فإنه أولى بروايته ، وأن يكون عنده لا يتجاوزه.
الحديث الثالث صحيح.
قوله عليهالسلام كل شيء : أي من الأمور الدينية مردود إلى الكتاب والسنة ، وأن يكون مأخوذا منهما بواسطة أو بدونها ، وكل حديث لا يوافق كتاب الله أي لا بواسطة ولا بدونها ، وما وافق السنة فهو موافق للكتاب أيضا ، فإنه يدل على حقيقتها مع أن جميع الأحكام مأخوذ من الكتاب كما يدل عليه الأخبار ، والزخرف : المموه المزور والكذب المحسن المزين.
الحديث الرابع مجهول.
الحديث الخامس. مجهول كالصحيح.
الحديث السادس : مجهول كالصحيح.
عليهالسلام يقول من خالف كتاب الله وسنة محمد صلىاللهعليهوآله فقد كفر.
٧ ـ علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى بن عبيد ، عن يونس رفعه قال قال علي بن الحسين عليهالسلام إن أفضل الأعمال عند الله ما عمل بالسنة وإن قل.
٨ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن إسماعيل بن مهران ، عن أبي سعيد القماط وصالح بن سعيد ، عن أبان بن تغلب ، عن أبي جعفر عليهالسلام أنه سئل عن مسألة فأجاب فيها قال فقال الرجل إن الفقهاء لا يقولون هذا فقال يا ويحك وهل رأيت فقيها قط إن الفقيه حق الفقيه الزاهد في الدنيا الراغب
______________________________________________________
قوله عليهالسلام من خالف : أي في القول والاعتقاد ، عالما عامدا فهو حينئذ كافر ، وأما إذا خالف في العمل أو في القول والاعتقاد خطأ فليس بكافر ، أو هو محمول على مخالفة ما علم من الدين ضرورة ، كالصلاة والإمامة والمعاد وأمثالها ، ويمكن حمله على ما إذا قصر في تحصيل الحكم أو أخذه من غير المأخذ الشرعي ، أو أفتى بخلاف معتقده للأغراض الدنيوية ، فيكون الكفر بالمعنى الذي يطلق على أصحاب الكبائر.
الحديث السابع : مرفوع.
قوله عليهالسلام ما عمل بالسنة : أي العمل بما جاء في السنة عالما بذلك ، لمجيئه فيها بأن تكون كلمة ما مصدرية أو ما عمل فيه بالسنة ، والمراد الأعمال التي عملت ولعله أظهر.
قوله عليهالسلام وإن قل : أي وإن كان ذلك العمل قليلا كما ورد : قليل في سنة خير من كثير في بدعة ، أو وإن كان العمل بالسنة قليلا بين الناس.
الحديث الثامن : صحيح.
قوله : ويحك : كلمة ترحم ، ونصبه بتقدير أي ألزمك الله ويحا ، وقد يطلق ويح مكان ويل في العذاب « وهل رأيت فقيها » أي من العامة أو مطلقا ، لندور الفقيه الكامل ، وحق الفقيه منصوب على أنه بدل الكل من الفقيه ، وحاصل الحديث أن
في الآخرة المتمسك بسنة النبي ص.
٩ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن أبيه ، عن أبي إسماعيل إبراهيم بن إسحاق الأزدي ، عن أبي عثمان العبدي ، عن جعفر ، عن آبائه ، عن أمير المؤمنين عليهالسلام قال قال رسول الله صلىاللهعليهوآله لا قول إلا بعمل ولا قول ولا عمل إلا بنية ولا قول ولا عمل ولا نية إلا بإصابة السنة.
١٠ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن أحمد بن النضر ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليهالسلام قال قال ما من أحد إلا وله شرة وفترة فمن
______________________________________________________
من استقر العلم في قلبه كان عاملا بمقتضى علمه ، والعلم يقتضي الزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة ، والتمسك بسنة النبي صلىاللهعليهوآله ، سواء كان بلا واسطة أو بها.
الحديث التاسع : مجهول.
قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم لا قول إلا بعمل : أي لا يجدي القول والإقرار والاعتقاد في العمليات أو مطلقا إلا بعمل ولا يجدي القول والعمل إلا بنية خالصة لله تعالى ، غير مشوبة بالرياء وغير ذلك ، ولا ينفع القول والعمل والنية جميعا إلا بإصابة السنة ، أي بالأخذ من السنة ، والإتيان بما يوافقها.
الحديث العاشر : ضعيف.
قوله عليهالسلام إلا وله شرة ، قال في النهاية : فيه أن لهذا القرآن شرة ، ثم إن للناس عنه فترة ، الشره النشاط والرغبة ، ومنه الحديث الآخر : أن بكل عابد شرة « انتهى » وقيل فيه وجوه : « الأول » أنه ما من أحد إلا وله نشاط يتحرك بسببه إلى جوانب مختلفة وفترة وسكون إلى ما يستقر عنده ويسكن إليه فبنشاطه يتوجه إلى كل جانب ، ويتحرك إليه في أخذ دينه وينظر في كل ما يجوز كونه مأخذا ، ثم يستقر عند ما يعتقد صلوحه للمأخذية دون غيره فيفتر به ويسكن إليه فمن كان سكونه إلى السنة وما ينتهي إليها ويجعلها مأخذا ومنتها في الأمور الدينية فقد اهتدى ، ومن كان سكونه إلى ما لا يوافق السنة بل يخالفها من البدع فقد غوى « الثاني » أن المراد به
كانت فترته إلى سنة فقد اهتدى ومن كانت فترته إلى بدعة فقد غوى.
١١ ـ علي بن محمد ، عن أحمد بن محمد البرقي ، عن علي بن حسان ومحمد بن يحيى ، عن سلمة بن الخطاب ، عن علي بن حسان ، عن موسى بن بكر ، عن زرارة بن أعين ، عن أبي جعفر عليهالسلام قال كل من تعدى السنة رد إلى السنة.
١٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد الله ، عن آبائه عليهمالسلام قال قال أمير المؤمنين عليهالسلام السنة سنتان سنة في فريضة الأخذ بها هدى وتركها ضلالة وسنة في غير فريضة
______________________________________________________
أن كل واحد من أفراد الناس له قوة وصولة وحركة ونشاط وحرص على تحصيل كماله اللائق به في وقت من أوقات عمرة كما يكون للأكثرين في أيام شبابهم ، وله فتور وضعف وسكون وتقاعد عن ذلك في وقت آخر كما يكون للأكثرين في أوان مشيهم ، فمن كان فتوره وقراره وسكونه وختام أمره في عبادته إلى سنة فقد اهتدى ، وهذا وجه ظاهر ، وربما يقرأ شره بالتحريك والتخفيف والهاء فيؤول إلى هذا المعنى : « الثالث » أن يكون الشره إشارة إلى زمان التكليف ، والفترة إلى ما قبله ، والمعنى : من كانت فترته إلى السنة واستعد للتمسك بها عند البلوغ فقد اهتدى « الرابع » أن من كانت فترته وضعفه لأجل تحمل المشاق الدينية والطاعات الشرعية فقد اهتدى ، ولا يخفى بعد الوجهين الأخيرين.
الحديث الحادي عشر : ضعيف.
قوله عليهالسلام رد إلى السنة ، أي يجب على العلماء إظهار بدعته ونهيه عن تلك البدعة لينتهي عنها ، ويعمل بما يوافق السنة أو يعمل به ما ورد في السنة من الحدود والتعزيرات والتأديبات كما قيل.
الحديث الثاني عشر : ضعيف على المشهور.
قوله عليهالسلام سنة في فريضة : السنة الطريقة المنسوبة إلى النبي صلىاللهعليهوآله أو الحديث المروي عنه عليهالسلام وعلى الأول كونها في فريضة كون العام في خاص من خواصها ، أي سنة تكون فريضة ، وعلى الثاني فكونها فريضة كونها في بيانها ، وقوله : الأخذ بها
الأخذ بها فضيلة وتركها إلى غير خطيئة.
تم كتاب فضل العلم والحمد لله رب العالمين
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
______________________________________________________
أي العمل على وفقها ، والقول بوجوبها أو مفادها هدى ، وتركها قولا وفعلا ضلالة ، وقوله وسنة في غير فريضة ، يحتمل المعنيين الأولين ، وقوله إلى غير خطيئة أي ينتهي إلى غير خطيئة أو هو من غير خطيئة أو هو غير خطيئة لأنه ترك ما جوز الشارع تركه ، ولم يوجب فعله ، وأما عدم القول به لعدم الاطلاع عليه فليس بخطيئة ، وأما عدم القول للإنكار بعد ما اطلع على السنة فهو على حد الشرك بالله ، كذا ذكره بعض الأفاضل.
بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب التوحيد
______________________________________________________
كتاب التوحيد
اعلم أن التوحيد يطلق على معان أحدها نفي الشريك في الإلهية أي استحقاق العبادة وهي أقصى غاية التذلل والخضوع ولذلك لا يستعمل إلا في التذلل لله تعالى ، لأنه المولى لأعظم النعم بل جميعها ولو بواسطة ووسائط فهو المستحق لأقصى الخضوع وغايته ، وأكثر الآيات والأخبار تدل على ذلك ، والمخالف في ذلك مشركو العرب وأضرابهم فإنهم بعد علمهم بأن صانع العالم واحد كانوا يشركون الأصنام في عبادته كما قال تعالى ( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ ) (١). وثانيها : نفي الشريك في صانعية العالم كما قال تعالى ( رَبِّ الْعالَمِينَ ) وقال تعالى : ( وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ ) (٢) وأمثالها وخالف في ذلك الثنوية وأضرابهم ، وثالثها : ما يشمل المعنيين المتقدمين وتنزيهه عما لا يليق بذاته وصفاته تعالى ، من النقص والعجز والجهل والتركب والاحتياج والمكان وغير ذلك من الصفات السلبية وتوصيفه بالصفات الثبوتية الكمالية ، ورابعها : ما يشمل تلك المعاني وتنزيهه سبحانه عما يوجب النقص في أفعاله أيضا من الظلم وترك اللطف وغيرهما ، وبالجملة كل ما يتعلق به سبحانه ذاتا وصفاتا وأفعالا إثباتا ونفيا ، والظاهر أن المراد هنا هذا المعنى.
__________________
(١) ـ سورة لقمان : ٢٥.
(٢) ـ سورة الإسراء : ١١١.
باب
حدوث العالم وإثبات المحدث
١ ـ أخبرنا أبو جعفر محمد بن يعقوب قال حدثني علي بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن الحسن بن إبراهيم ، عن يونس بن عبد الرحمن ، عن علي بن منصور
______________________________________________________
باب حدوث العالم وإثبات المحدث
أقول : أراد بالعالم ما سوى الله تعالى ، والمراد بحدوثه كونه مسبوقا بالعدم وكون زمان وجوده متناهيا في جانب الأول ، وقد اختلف الناس فيه فذهب جميع المليين من المسلمين واليهود والنصارى والمجوس إلى أنها حادثة بذواتها وصفاتها وأشخاصها وأنواعها ، وذهب أكثر الفلاسفة إلى قدم العقول والنفوس والأفلاك بموادها وصورها وقدم هيولى العناصر ، وإليه ذهبت الدهرية والناسخية ولما لم يكن في صدر الإسلام مذاهب الفلاسفة شايعة بين المسلمين ، وكان معارضة المسلمين في ذلك مع الملاحدة المنكرين للصانع كانوا يكتفون غالبا في إثبات هذا المدعى بإثبات الصانع ، مع أنه كان مقررا عندهم أن التأثير لا يعقل في القديم ، ويحتمل أن يكون غرضه من عقد هذا الباب حدوث العالم ذاتا ، واحتياجه بجميع أجزائه إلى المؤثر لكن هذا لا يدل على عدم قولهم بالحدوث الزماني ، بمعنى نفي عدم تناهي وجود العالم من طرف الأزل ، ولا على عدم ثبوته بالدلائل ، فإن ذلك مما أطبق عليه المليون ودلت عليه الآيات المتكاثرة والأحاديث المتواترة الصريحة في ذلك ، وعدم القول بذلك مستلزم لإنكار ما ورد في الآيات والأخبار من فناء الأشياء وخرق السماوات وانتشار الكواكب بل المعاد الجسماني ، وقد فصلنا الكلام في ذلك في كتاب السماء والعالم من كتاب بحار الأنوار ، وسنشير في ضمن الأخبار الدالة على هذا المطلوب عند شرحها إلى ذلك.
الحديث الأول مجهول.
قال قال لي هشام بن الحكم كان بمصر زنديق تبلغه عن أبي عبد الله عليهالسلام أشياء فخرج إلى المدينة ليناظره فلم يصادفه بها وقيل له إنه خارج بمكة فخرج إلى مكة ونحن مع أبي عبد الله فصادفنا ونحن مع أبي عبد الله عليهالسلام في الطواف وكان اسمه عبد الملك وكنيته أبو عبد الله فضرب كتفه كتف أبي عبد الله عليهالسلام فقال له أبو عبد الله عليهالسلام ما اسمك فقال اسمي عبد الملك قال فما كنيتك قال كنيتي أبو عبد الله فقال له أبو عبد الله عليهالسلام فمن هذا الملك الذي أنت عبده أمن ملوك الأرض أم من ملوك
______________________________________________________
قوله : كان بمصر زنديق : قال في القاموس الزنديق بالكسر من الثنوية القائل بالنور والظلمة أو من لا يؤمن بالآخرة وبالربوبية أو من يبطن الكفر ويظهر الإيمان أو هو معرب زن دين ، أي دين المرأة « انتهى » وقيل : إنه معرب زنده لأنهم يقولون بدوام الدهر ، وقيل : معرب زندي منسوب إلى زند كتاب زردشت ، والظاهر أن المراد به هنا من لا يقر بالصانع تعالى.
قوله : أشياء : أي مما يدل على كمال علمه واحتجاجه على الزنادقة وغيرهم وعجزهم عن مقاومته.
قوله : بمكة : أي مقيما بها ، أو الباء بمعنى « إلى » وقوله عليهالسلام كتفه ، منصوب بنزع الخافض ، أي بكتفه.
قوله عليهالسلام فمن هذا الملك : لعله عليهالسلام سلك في الاحتجاج عليه أولا مسلك الجدال ، لكسر سورة إنكاره ، ثم نزله عن الإنكار إلى الشك ، ثم أقام البرهان له عملا بما أمر الله تعالى به نبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم في قوله : ( وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) (١) فهذا هو الجدال لابتنائه على ما هو المشهور عند الناس من أن الاسم مطابق للمسمى ، ويحتمل أن يكون على سبيل المطايبة والمزاح لبيان عجزه عن فهم الواضحات ، وقصوره عن رد أو هن الشبهات ، ويمكن أن يكون منبها على ما ارتكز في العقول من الإذعان بوجود الصانع وإن أنكروه ظاهرا للمعاندة والأغراض الفاسدة ، لأن كل
__________________
(١) سورة النحل : ١٢٥.
السماء وأخبرني عن ابنك عبد إله السماء أم عبد إله الأرض قل ما شئت تخصم قال هشام بن الحكم فقلت للزنديق أما ترد عليه قال فقبح قولي فقال أبو عبد الله
______________________________________________________
أحد إذا خلى نفسه عن الأغراض الفاسدة والوساوس الشيطانية عرف أن له من يفزع إليه ويتكل عليه في الشدائد والمضايق ويرجو منه النجاة في المحن والمصائب ، وذلك إلهه وعلته الأولى ، وموجده وصانع السماوات والأرضين وما فيهن ، إلا أنه لضعف علمه لا يعلمه إلا بآنيته على سبيل الإجمال ، ولا يعرف ما له من صفات الكمال ، كما نبه الله سبحانه عباده بذلك حيث قال ( إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكانَ الْإِنْسانُ كَفُوراً ) (١) ونبه الصادق عليهالسلام زنديقا ثم شرع عليهالسلام في إزالة إنكار الخصم وإخراجه منه إلى الشك لتستعد نفسه لقبول الحق فأزال إنكاره بأنه غير عالم بما في تحت الأرض ، وليس له سبيل إلى الجزم بأن ليس تحتها شيء ثم زاده بيانا بأن السماء التي لم يصعدها كيف تكون له المعرفة بما فيها وما ليس فيها ، وكذا المشرق والمغرب ، فلما عرف قبح إنكاره وتنزل عنه وأقر بالشك بقوله : ولعل ذلك ، أخذ عليهالسلام في هدايته وقال : ليس للشاك دليل ، ولا للجاهل حجة ، فليس لك إلا طلب الدليل فأقام له الدليل والبرهان ، وبين الحق له بأوضح البيان والمراد بملوك السماء الملائكة أو من كان خارجا عن السماء والأرض مدبرا لهما ، والإتيان بصيغة الجمع لأنه ليس المقام مقام إثبات التوحيد بل إثبات الصانع ، أو الغرض رد الاحتمالات المحتملة في بادئ النظر ، ولا يلزم تحقق كلها.
قوله عليهالسلام تخصم : على بناء المفعول أي إن تقل ما شئت تصير مخصوما مغلوبا بقولك وقراءته على بناء الفاعل أي تخصم نفسك لأن في نفسك ليس شيء من الشقين كما قيل بعيد.
قوله فقبح قولي : على بناء المجرد أي كان كلامي حضوره عليهالسلام بغير إذنه قبيحا أو على بناء التفعيل أي عد الزنديق قولي قبيحا ، ويحتمل حينئذ إرجاع ضمير
__________________
(١) سورة الإسراء : ٦٧.
إذا فرغت من الطواف فأتنا فلما فرغ أبو عبد الله أتاه الزنديق فقعد بين يدي أبي عبد الله ونحن مجتمعون عنده فقال أبو عبد الله عليهالسلام للزنديق أتعلم أن للأرض تحتا وفوقا قال نعم قال فدخلت تحتها قال لا قال فما يدريك ما تحتها قال لا أدري إلا أني أظن أن ليس تحتها شيء فقال أبو عبد الله عليهالسلام فالظن عجز لما لا تستيقن ثم قال أبو عبد الله أفصعدت السماء قال لا قال أفتدري ما فيها قال لا قال عجبا لك لم تبلغ المشرق ولم تبلغ المغرب ولم تنزل الأرض ولم تصعد السماء ولم تجز هناك فتعرف ما خلفهن وأنت جاحد بما فيهن وهل يجحد العاقل ما لا يعرف قال الزنديق ما كلمني بهذا أحد غيرك فقال أبو عبد الله عليهالسلام فأنت من ذلك في شك فلعله هو ولعله ليس هو فقال الزنديق ولعل ذلك فقال أبو عبد الله عليهالسلام:
______________________________________________________
الفاعل إليه عليهالسلام.
قوله عليهالسلام لما لا تستيقن : كذا في بعض النسخ بصيغة الخطاب وفي بعضها بصيغة الغيبة ، وفي بعضها لمن لا يستيقن ، وفي توحيد الصدوق ما لم تستيقن بصيغة الخطاب فعلى الأول نسبة العجز إلى الموصول على المجاز ، وعلى الثاني إما على بناء الفاعل بإرجاع الضمير إلى الظان المعلوم بقرينة المقام والإسناد كما تقدم ، أو على بناء المفعول وهو أظهر ، وعلى الثالث قيل : يعني من استيقن شيئا فيقول أظنه لمصلحة تقتضي ذلك فليس بعاجز في معرفته ، إنما العجز لغير المتيقن ولا يخفى عدم الحاجة إلى هذا التكلف.
قوله عليهالسلام عجبا لك ...نصبه على المصدر أي عجبت عجبا لك ، أو على النداء أي يا عجبا لك.
قوله عليهالسلام ولم تجز هناك : أي لم تجز السماوات فتعرف الذي خلقهن ، وما قيل : من أنه إشارة إلى مكة أي هي غاية سفرك أو المعمور من الأرض فلا يخفى بعدهما.
قوله عليهالسلام لعل ذلك : تصديق للشك على سبيل الشك للمصلحة ، أو المراد أنه لعله لا يكون الصانع أي الشك لا ينفعكم توهما منه أنه عليهالسلام يكتفي بذلك
أيها الرجل ليس لمن لا يعلم حجة على من يعلم ولا حجة للجاهل يا أخا أهل مصر تفهم عني فإنا لا نشك في الله أبدا أما ترى الشمس والقمر والليل والنهار يلجان
______________________________________________________
لإثبات الصانع تعالى.
قوله عليهالسلام أما ترى الشمس والقمر؟ : استدل عليهالسلام على إثبات الصانع المجرد المنزه عن مشابهة المصنوعات بوجوه ثلاثة : هذا أو لها ، وهو لبيان إبطال ما زعموه من استناد الحوادث السفلية إلى الدورات الفلكية وعدم احتياجها إلى علة أخرى سوى ذواتها.
قوله عليهالسلام والليل والنهار : الظاهر أن الواو في قوله والليل للعطف ، والولوج والرجوع متعلقان بالشمس والقمر والليل والنهار جميعا ، إما على البدلية أو بأخذ الأولين واحدا والثانيين واحدا ، ويلجان ثاني مفعولي ترى ، أو حال وقد اضطرا مفعول وعلى الأول قد اضطرا حال ، ويحتمل الحالية فيهما بأن يكون الرؤية بمعنى النظر ، ويحتمل أن يكون الواو في قوله : والليل ، للحال فيكون قد اضطرا مفعولا ثانيا والمراد بولوج الشمس والقمر غروبهما أو دخولهما بالحركات الخاصة في بروجهما ، وبولوج الليل والنهار دخول تمام كل منهما في الآخر ، أو دخول بعض من كل منهما في الآخر بحسب الفصول ، وقوله فلا يشتبهان أي لا يشتبه قدرهما بالدخول والخلط بل محفوظ على نسق واحد حتى يعودا مثل ما كانا عليه ، وحاصل الاستدلال أن لهذه الحركات انضباطا واتساقا واختلافا وتركبا ، فالانضباط يدل على عدم كونها إرادية كما هو المشاهد من أحوال ذوي الإرادات من الممكنات ، والاختلاف يدل على عدم كونها طبيعية فإن الطبيعة العادمة للشعور لا تختلف مقتضياتها ، كما نشاهد من حركات العناصر ، كما قالوا إن الطبيعة الواحدة لا تقتضي التوجه إلى جهة والانصراف عنها ، ويمكن أن يقال حاصل الدليل راجع إلى ما يحكم به الوجدان من أن مثل تلك الأفعال المحكمة المتقنة الجارية على قانون الحكمة لا يمكن صدورها عن الدهر والطبائع العادمة للشعور والإرادة ، وهذا أظهر معنى ، وإن كان الأول
فلا يشتبهان ويرجعان قد اضطرا ليس لهما مكان إلا مكانهما فإن كانا يقدران على أن يذهبا فلم يرجعان وإن كانا غير مضطرين فلم لا يصير الليل نهارا والنهار
______________________________________________________
أظهر لفظا ، وحاصل الاستدلال على الأول على ما ذكره بعض المحققين أنه لا شك في حركات المتحركات من العلويات حركات ليست طبيعية للمتحرك بها (١) للانصراف عما يتحرك إليه ، ولا إرادية للمتحرك لانضباطها ودوامها وانخفاضها الدالة على عدم اختلاف أحوال المتحرك بالحركة من النشاط والكلال ، وحدوث ميل وغيرها التي يتحدس منها بكونها غير إرادية للمتحرك ، وكلما وجدت الحركة كان المحرك لها موجودا لأن ما يخرج من العدم إلى الوجود لا يمكن أن يخرج بنفسه ، بل يحتاج إلى موجد موجود مباين له ، لأن ما لا يكون موجودا فيصير موجودا لا يمكن أن يحصل له الوجود إلا بمحصل وسبب لاتصافه به ولا يجوز أن يكون ذلك المحصل للوجود ماهيته الخالية عن الوجود ، لأن إعطاء الوجود لا يتصور من غير الموجود ، وإذ ليست طبيعية ، أو إرادية للمتحرك فلهما محرك يضطره إلى الحركة ، والقاهر الذي أضطره إلى الحركة أقوى منه وأحكم ، لأن الضعيف لا يمكنه قهر القوي فلا يكون حالا في المتحرك محتاجا إليه وأكبر من أن يحاط بالمتحرك أو يحصر فيه ، أو أن يتصف بمثل صفته الاضطرارية ولا بد أن ينتهي إلى محرك لا يكون جسما ، لأن الجسم لا يحرك الجسم إلا بالمجاورة والحركة ، أو إحداث محرك في المتحرك ، وإذ قد عرفت أن المحرك ليس في المتحرك
__________________
(١) توضيحه أنّ للحركة الطبيعية هرب عن حالة منافرة وطلب لحالة ملائمة ، وكلّ من الطلب والهرب في الحركة المستديرة محال ، أمّا أنّه لا يمكن أن يكون تلك الحركة هربا فلأنّ ترك كلّ نقطة أو وضع في الحركة المستديرة وهربه عن كلّ منهما عين التوجه إلى تلك النقطة أو إلى مثل ذلك الوضع والهرب عن الشيء بالطبع استحال أن يكون توجها إليه وأمّا أنّه لا يكون طلبا لحالة ملائمة فلأنّ طلب كلّ نقطة أو وضع في الحركة المستديرة والتوجه إلى كلّ منهما عين تركه وهربه عن تلك النقطة أو عن مثل ذلك الوضع والتوجه إلى الشيء بالطبع استحال أن يكون هربا عنه ، ولأن الطبيعة إذا وصلت الجسم بالحركة إلى الحالة المطلوبة سكنته وحينئذ يلزم دوام الليل أو دوام النهار وصيرورة أحدهما .... ( كذا ) ( منه ره ).