مرآة العقول - ج ١

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

مرآة العقول - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الكتب الإسلاميّة
المطبعة: مروي
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٥٦

٢٠ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن أحمد بن عبد الله العقيلي ، عن عيسى بن عبد الله القرشي قال دخل أبو حنيفة على أبي عبد الله عليه‌السلام فقال له يا أبا حنيفة بلغني أنك تقيس قال نعم قال لا تقس فإن أول من قاس إبليس حين قال ( خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ) فقاس ما بين النار والطين ولو قاس نورية آدم بنورية النار عرف فضل ما بين النورين وصفاء أحدهما على الآخر.

٢١ ـ علي ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن قتيبة قال سأل رجل أبا عبد الله عليه‌السلام عن مسألة فأجابه فيها فقال الرجل أرأيت إن كان كذا وكذا ما يكون القول فيها فقال له مه ما أجبتك فيه من شيء فهو عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لسنا من أرأيت في شيء.

٢٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن أبيه مرسلا قال قال أبو جعفر عليه‌السلام لا تتخذوا من دون الله وليجة فلا تكونوا مؤمنين فإن كل سبب ونسب وقرابة ووليجة وبدعة وشبهة منقطع إلا ما أثبته القرآن

______________________________________________________

الحديث العشرون صحيح.

قوله عليه‌السلام أرأيت : لما كان مراده أخبرني عن رأيك الذي تختاره بالظن والاجتهاد ، نهاه عليه‌السلام عن هذا الشيء من الظن وبين له أنهم لا يقولون شيئا إلا بالجزم واليقين وبما وصل إليهم من سيد المرسلين صلوات الله عليه وعليهم أجمعين.

الحديث الحادي والعشرون مرسل.

قوله عليه‌السلام وليجة ... وليجة الرجل بطانته وخاصته ومن يعتمد عليه في أموره والمراد هنا المعتمد عليه في أمر الدين ، ومن يعتمد في أمر الدين وتقرير الشريعة على غير الله يكون متعبدا لغير الله فلا يكون مؤمنا بالله واليوم الآخر ، وذلك لأن كل ما لم يثبته القرآن من النسب والقرابة والوليجة والبدعة منقطع لا تبقى ولا ينتفع بها في الآخرة فلا يجامع الإيمان بالله واليوم الآخر الاعتماد عليها في أمر الدين.

٢٠١

باب

الرد إلى الكتاب والسنة وأنه ليس شيء من الحلال والحرام

وجميع ما يحتاج الناس إليه إلا وقد جاء فيه كتاب أو سنة

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن حديد ، عن مرازم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إن الله تبارك وتعالى أنزل في القرآن تبيان كل شيء حتى والله ما ترك الله شيئا يحتاج إليه العباد حتى لا يستطيع عبد يقول لو كان هذا أنزل في القرآن ـ إلا وقد أنزله الله فيه.

______________________________________________________

باب الرد إلى الكتاب والسنة وأنه ليس شيء من الحلال والحرام

وجميع ما يحتاج الناس إليه إلا وقد جاء فيه كتاب أو سنة

الحديث الأول ضعيف.

قوله عليه‌السلام يقول : أي قولا صحيحا ، وكلمة « لو » للتمني أو الجزاء محذوف ، أو « أنزل » جزاء لو ، وكان تامة أو ناقصة ، وخبره مقدر أي لو كان هذا الحكم حقا لأنزله الله في القرآن وقوله : إلا وقد أنزله الله ، استثناء من قوله ما ترك الله شيئا ، وتوسيط الغاية بينهما إما رعاية لاتصالها بذي الغاية أو بجعله مفسرا لمثله المحذوف قبل الغاية ، كذا ذكره بعض الأفاضل ، وقيل : جملة حتى الثانية لتأكيد الأولى أو للتعليل والاستثناء من مقدر ، وقيل : الاستثناء من مفعول يقول ، وهو الكلام الدال على تمنى إنزال ما احتيج إليه في القرآن ، وقيل : ألا بفتح الهمزة وتخفيف اللام حرف تنبيه ، والكلام استيناف لتأكيد ما سبق ، والأظهر كون الاستثناء متعلقا بالكلام الأول كما ذكر أولا ، ولا ينافي الفصل بالغاية لأنه ليس بأجنبي ، وحاصل المعنى : ما ترك الله شيئا على حال إلا حال إنزال القرآن فيه.

٢٠٢

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن حسين بن المنذر ، عن عمر بن قيس ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال سمعته يقول إن الله تبارك وتعالى لم يدع شيئا يحتاج إليه الأمة إلا أنزله في كتابه وبينه لرسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله وجعل لكل شيء حدا وجعل عليه دليلا يدل عليه وجعل على من تعدى ذلك الحد حدا.

٣ ـ علي ، عن محمد ، عن يونس ، عن أبان ، عن سليمان بن هارون قال سمعت

______________________________________________________

الحديث الثاني ضعيف.

قوله عليه‌السلام وجعل لكل شيء حدا : قيل : أي منتهى معينا لا يجاوزه ولا يقصر عنه ، والدليل عليه النبي والإمام ، وجعل على من تعدى ذلك الحد ولم يقل به ولم يأخذه من دليله حدا من العقاب والنكال ، والأظهر أن المراد بالدليل الآية التي تدل على الحكم ، والمراد بالحد الحكم المترتب على من خالف مدلول ذلك الدليل مثال ذلك في العبادات أنه جعل للصوم حدا ، وهو الكف عن الأكل والشرب والمباشرة في النهار ، وجعل عليه دليلا وهو قوله تعالى ( فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَ ) إلى قوله ( ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ ) (١) ثم جعل على من تعدى ذلك الحد بأن أكل أو شرب أو باشر حدا ، وهو الكفارة وتعزير الإمام ، ومثاله في المعاملات أنه جعل سبحانه لثبوت الزنا حدا وهو الشهود الأربعة ، وجعل عليه دليلا وهو قوله تعالى : ( فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ ) (٢) ثم جعل على من تعدى ذلك الحد بأن شهد عليها قبل تمام العدد حدا وهو الثمانون جلدة لكن لا يعلم دليل جميع الأحكام من القرآن إلا الإمام عليه‌السلام وربما يستدل به على نفي الاجتهاد ، وعلى أنه لا يجوز العمل إلا مع اليقين بالحكم الواقعي ، وإلا يلزم التعدي عن الحد ، وأجيب : بأن المراد بالتعدي عدم أخذ الحكم من دليله ومأخذه ، أو بأن أحكام الله تعالى قسمان واقعية وواصلية ، فمن تعداهما معا تعدى حد الله تعالى.

الحديث الثالث : مجهول.

__________________

(١) سورة البقرة : ١٨٧.

(٢) سورة النساء : ١٥.

٢٠٣

أبا عبد الله عليه‌السلام يقول ما خلق الله حلالا ولا حراما إلا وله حد كحد الدار فما كان من الطريق فهو من الطريق وما كان من الدار فهو من الدار حتى أرش الخدش فما سواه والجلدة ونصف الجلدة.

٤ ـ علي ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن حماد ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال سمعته يقول ما من شيء إلا وفيه كتاب أو سنة.

٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن حماد ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي الجارود قال قال أبو جعفر عليه‌السلام إذا حدثتكم بشيء فاسألوني من كتاب الله ثم قال في بعض حديثه إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن القيل والقال وفساد

______________________________________________________

قوله عليه‌السلام حتى أرش الخدش : الخدش تقشير الجلد بعود ونحوه وأرشه ما يجبر نقصه من الدية ، والجلدة : الضربة بالسوط ، ونصفها أن يؤخذ من وسط السوط فيضرب.

الحديث الرابع : صحيح.

الحديث الخامس : ضعيف.

قوله عليه‌السلام عن القيل والقال : قيل : هما فعلان ماضيان خاليان عن الضمير ، جاريان مجرى الأسماء ، مستحقان للإعراب وإدخال حرف التعريف عليهما ، وقيل هما مصدران ، قال الفيروزآبادي : القول في الخير ، والقيل والقال والقالة في الشر أو القول مصدر ، والقال والقيل اسمان له ، ثم قال : والقال : الابتداء والقيل بالكسر الجواب ، وعلى التقادير : المراد به فضول الكلام وما لا فائدة فيها ولا طائل تحتها ، وقيل : نهى عن الأقوال التي توجب الخصومة ، وقيل : من المناظرات المنتهية إلى المراء ، والتعميم كما اخترناه أولى ، والمراد بفساد المال صرفه في غير الجهات المشروعة أو ترك ضبطه وحفظه ، أو القرض من غير شهود وائتمان الخائن والفاسق ، وأمثال ذلك مما يورث إفساده ، والمراد بكثرة السؤال كثرته فيما لا فائدة فيه ، إذا السؤال عن الأمور اللازمة واجب كما مر ، والنجوى : السر بين اثنين أو أكثر ، والمعروف كلما

٢٠٤

المال وكثرة السؤال فقيل له يا ابن رسول الله أين هذا من كتاب الله قال إن الله عز وجل يقول ـ ( لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ) (١) وقال ( وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِياماً ) (٢) وقال ( لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ ) (٣).

٦ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن فضال ، عن ثعلبة بن ميمون عمن حدثه ، عن المعلى بن خنيس قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام ما من أمر يختلف فيه اثنان إلا وله أصل في كتاب الله عز وجل ولكن لا تبلغه عقول الرجال.

٧ ـ محمد بن يحيى ، عن بعض أصحابه ، عن هارون بن مسلم ، عن مسعدة بن صدقة

______________________________________________________

يستحسنه الشرع ، وقد فسر هنا بالقرض وإعانة الملهوف وصدقة التطوع وغير ذلك ، وأما قوله تعالى ( وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ ) فالمشهور أن الخطاب للأولياء ، نهوا أن يؤتوا السفهاء الذين لا رشد لهم أموالهم فيفسدونها ، وأضاف الأموال إلى الأولياء لأنها في تصرفهم ، وقيل : نهى كل أحد أن يعمد إلى ما خوله الله من المال ، فيعطي امرأته وأولاده ، ثم ينظر إلى أيديهم ، ويدل بعض الأخبار على أنها تشمل ما إذا ائتمن فاسقا وشارب خمر على ماله ، وقوله تعالى : ( قِياماً ) أي ما تقومون وتتعيشون بها ، وفي الآية الثالثة الجملة الشرطية صفة للأشياء وقيل : المعنى لا تسألوا عن تكاليف شاقة عليكم ، إن كلفكم بها شقت عليكم وندمتم عن السؤال عنها ، كما روي في سؤال بني إسرائيل عن البقرة ، وقيل : كان أحد يسأل عن أبيه فيجاب : أنه في النار فيسوءه ، ويسأل آخر عن نسبه فيجاب أنه لغير أبيه فيفتضح ، فنهوا عن أمثال ذلك والتعميم أولى.

الحديث السادس : مرسل.

الحديث السابع : ضعيف.

__________________

(١) سورة النساء : ١١٤.

(٢) سورة النساء : ٥.

(٣) سورة المائدة : ١٠١.

٢٠٥

عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال أمير المؤمنين عليه‌السلام أيها الناس إن الله تبارك وتعالى أرسل إليكم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وأنزل إليه الكتاب بالحق وأنتم أميون عن الكتاب ومن أنزله وعن الرسول ومن أرسله على حين ( فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ ) وطول هجعة من الأمم وانبساط من الجهل واعتراض من الفتنة وانتقاض من المبرم وعمى عن الحق واعتساف من الجور وامتحاق من الدين وتلظ من الحروب على حين اصفرار من رياض جنات الدنيا ويبس من أغصانها وانتثار من ورقها ويأس من ثمرها واغورار من

______________________________________________________

قوله عليه‌السلام وأنتم أميون : قال في النهاية فيه إنا أمه أمية لا نكتب ولا نحسب أراد أنهم على أصل ولادة أمهم لم يتعلموا الكتاب والحساب فهم على جبلتهم الأولى ، وقيل الأمي الذي لا يكتب ، ومنه الحديث : بعثت إلى أمة أمية ، قيل : للعرب أميون ، لأن الكتابة كانت فيهم عزيزة أو عديمة « انتهى » والمراد هنا من لا يعرف الكتابة والخط والعلوم والمعارف ، وضمن ما يعدى بعن كالنوم والغفلة ، والتلظي :اشتعال النار ، واغورار الماء : ذهابه في باطن الأرض ، والظاهر أن هذه الاستعارات والترشيحات لبيان خلو الدنيا حينئذ عن آثار العلم والهداية ، وما يوجب السعادات الأخروية ، ويحتمل أن يكون المراد بها بيان خلوها عن الأمن والرفاهية والمنافع الدنيوية ليكون ما يذكر بعيدها تأسيسا ، ويحتمل التعميم أيضا والدروس : الإمحاء والردى الهلاك ، وقوله عليه‌السلام : متهجمة في بعض النسخ بتقديم الجيم على الهاء وهو الصواب ، يقال : فلان يتجهمني أي يلقاني بغلظة ووجه كريه ، وفي أكثر النسخ بتقديم الهاء وهو الدخول بغتة وانهدام البيت ، ولا يخلوان من مناسبة أيضا ، والمكفهر من الوجوه : القليل اللحم ، الغليظ الذي لا يستحيي ، والمتعبس ، والمراد بالجيفة : الميتة أو مطلق الحرام والشعار ما يلي شعر الجسد من الثياب ، والدثار ما فوق الشعار منها ومناسبة الخوف بالشعار والسيف بالدثار غير خفية على ذوي الأنظار ، والتمزيق التخريق والتقطيع والتفريق والممزق كمعظم أيضا مصدر ، والمراد به تفرقهم في البلدان للخوف ، أو تفرقهم في الأديان والأهواء ، والموءودة البنت المدفونة حية ، وكانوا يفعلون ذلك في الجاهلية ببناتهم لخوف

٢٠٦

مائها قد درست أعلام الهدى فظهرت أعلام الردى فالدنيا متهجمة في وجوه أهلها مكفهرة مدبرة غير مقبلة ثمرتها الفتنة وطعامها الجيفة وشعارها الخوف ودثارها السيف مزقتم كل ممزق وقد أعمت عيون أهلها وأظلمت عليها أيامها قد قطعوا أرحامهم وسفكوا دماءهم ودفنوا في التراب الموءودة بينهم من أولادهم يجتاز دونهم طيب العيش ورفاهية خفوض الدنيا لا يرجون من الله ثوابا ولا يخافون والله منه عقابا حيهم أعمى نجس وميتهم في النار مبلس فجاءهم بنسخة ما في الصحف

______________________________________________________

الإملاق أو العار كما قال تعالى ( وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ ، بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ ) (١) وقوله عليه‌السلام بينهم متعلق بالدفن أو بالوأد بتضمين معنى الشيوع.

قوله عليه‌السلام يجتاز دونهم : في أكثر النسخ بالجيم والزاء المعجمة من الاجتياز بمعنى المرور ، والرفاهية : الخصب والسعة في المعاش ، والخفوض جمع الخفض وهو الدعة والراحة أي يمر طيب العيش والرفاهية التي هي خفض الدنيا ، أو في خفوضها متجاوزا عنهم من غير تلبث عندهم ، وفي بعض النسخ بالحاء المهملة والزاء المعجمة من الحيازة أي يجمع ويمسك وراءهم طيب العيش والرفاهية ، وفي بعضها : بالخاء المعجمة والراء المهملة أي كان يختار طيب العيش والرفاهية يجتنبهم ولا يجاورهم ، وقيل : يعني أرادوا بدفن البنات طيب العيش ولا يخفى أن تذكير الضمير لا يلائمه ، وربما يقرأ دونهم بالرفع أي خسيسهم بهذا المعنى ، ولا يخفى ما فيه أيضا.

قوله عليه‌السلام أعمى نجس ، بالنون والجيم ، وفي بعض النسخ بالحاء المهملة من النحوسة ، وربما يقرأ بالباء الموحدة والخاء المعجمة المكسورة من البخس بمعنى نقص الحظ وهو تصحيف ، والإبلاس الغم والانكسار والحزن ، والإياس من رحمة الله تعالى.

قوله عليه‌السلام : ما في الصحف الأولى : أي التوراة والإنجيل والزبور وغيرهما مما نزل على الأنبياء عليه‌السلام وهي المراد بالذي بين يديه وكل أمر تقدم أمرا منتظرا قريبا منه يقال : إنه جاء بين يديه ، وقيل : المراد بالصحف الأولى الألواح السماوية ، ويحتمل أن يكون المراد بالذي بين يديه ما يكون بعده من أحوال المعاد ، والأول

__________________

(١) سورة التكوير : ٨.

٢٠٧

الأولى وتصديق الذي بين يديه وتفصيل الحلال من ريب الحرام.

ذلك القرآن فاستنطقوه ولن ينطق لكم أخبركم عنه إن فيه علم ما مضى وعلم ما يأتي إلى يوم القيامة وحكم ما بينكم وبيان ما أصبحتم فيه تختلفون فلو سألتموني عنه لعلمتكم.

٨ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن ابن فضال ، عن حماد بن عثمان ، عن عبد الأعلى بن أعين قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول قد ولدني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأنا أعلم كتاب الله وفيه بدء الخلق وما هو كائن إلى يوم القيامة وفيه خبر السماء وخبر الأرض وخبر الجنة وخبر النار وخبر ما كان وخبر ما

______________________________________________________

أظهر ، ويؤيده قوله تعالى ( مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ ( وَأَنْزَلَ ) التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ ) وريب الحرام شبهته ، أي فضلا عن صريحه وقوله : فاستنطقوه ، أمر للتعجيز أي استعلموا أو استنبطوا منه الأخبار والأحكام.

قوله عليه‌السلام : أخبركم عنه : استيناف لبيان أنه عليه‌السلام هو الذي يستنطق القرآن وينطق عنه ، ويحتمل أن يكون المخبر عنه قوله : إن فيه علم ما مضى ، ويؤيد الأول أن في النهج ولكن أخبركم عنه ، قيل : وأشار عليه‌السلام بإيراد كلمة « لو » دون « إذا » إلى فقد من يسأله عن غوامض مقاصد القرآن وأسرار علومه.

الحديث الثامن : مجهول.

قوله عليه‌السلام : قد ولدني : يدل على ما ذهب إليه السيد (ره) من أن ولد البنت والد حقيقة ، وقيل : الولادة المشار إليها تشمل الولادة الجسمانية والروحانية فإن علمه ينتهي إليه كما أن نسبه يرجع إليه فهو وارث علمه كما هو وارث ماله.

قوله عليه‌السلام وفيه بدء الخلق : أي أوله وكيفية إيجاده وإنشائه وكيفية خلق الملائكة والثقلين وغيرها ، وقيل : أي ذكر فيه أول خلق بدء الله منه الخلق ، والمراد كل ما اتصف بالوجود فيما مضى وما هو كائن أي ما يتصف بالوجود في الحال والمستقبل إلى يوم القيامة ، وذكر فيه خبر السماء والأرض أي أحوالهما وخبر الجنة وخبر النار

٢٠٨

هو كائن أعلم ذلك كما أنظر إلى كفي إن الله يقول فيه تبيان كل شيء.

٩ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن النعمان ، عن إسماعيل بن جابر ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم وفصل ما بينكم ونحن نعلمه.

١٠ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن إسماعيل بن مهران ، عن سيف بن عميرة ، عن أبي المغراء ، عن سماعة ، عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام قال قلت له أكل شيء في كتاب الله وسنة نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله أو تقولون فيه قال بل كل شيء في كتاب الله وسنة نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله

______________________________________________________

وخبر ما كان وما هو كائن أي ذكر أحوالهما وهذا من التعميم بعد ذكر الخاص فذكر أولا اشتمال الكتاب على المخلوقات ، ثم ذكر اشتماله على أخبارها وذكر أحوالها مبتدأ بالعمدة الظاهر منها في الدنيويات أعني السماء والأرض وفي الأخرويات أعني الجنة والنار ثم عمم بقوله : وخبر ما كان وما هو كائن.

الحديث التاسع : صحيح.

قوله عليه‌السلام نبأ ما قبلكم : قيل يحتمل أن يكون المراد بنبإ ما قبلكم علم المبدأ من العلم بالله وملائكته وكتبه ورسله ، وبخبر ما بعدكم علم المعاد من العالم باليوم الآخر وأحواله وأهواله والجنة والنار ، وبفصل ما بينكم : علم الشرائع والأحكام بأن تحمل القبلية والبعدية على الذاتيتين أو ما يعمهما والزمانيتين وضمير نعلمه راجع إلى الكتاب أو الجميع.

الحديث العاشر : موثق.

قوله عليه‌السلام أو تقولون فيه : بصيغة الخطاب أي تحكمون فيه بآرائكم ، وقرأ بعض الأفاضل بصيغة الغيبة وقال : أي أو يقول الناس كل شيء في كتاب الله وليس كل شيء فيه.

٢٠٩

باب اختلاف الحديث

١ ـ علي بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن حماد بن عيسى ، عن إبراهيم بن عمر اليماني ، عن أبان بن أبي عياش ، عن سليم بن قيس الهلالي قال قلت لأمير المؤمنين عليه‌السلام إني سمعت من سلمان والمقداد وأبي ذر شيئا من تفسير القرآن وأحاديث عن نبي الله ص غير ما في أيدي الناس ثم سمعت منك تصديق ما سمعت منهم ورأيت في أيدي الناس أشياء كثيرة من تفسير القرآن ومن الأحاديث عن نبي الله ص أنتم تخالفونهم فيها وتزعمون أن ذلك كله باطل أفترى الناس يكذبون على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله متعمدين ويفسرون القرآن بآرائهم قال فأقبل علي فقال قد سألت فافهم الجواب:

إن في أيدي الناس حقا وباطلا وصدقا وكذبا وناسخا ومنسوخا وعاما وخاصا ومحكما ومتشابها وحفظا ووهما وقد كذب على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على عهده

______________________________________________________

باب اختلاف الحديث

الحديث الأول : ضعيف على المشهور ، معتبر عندي ، وكتاب سليم عندي موجود ، وأرى فيه ما يورث الظن القوي بصحته.

قوله عليه‌السلام وصدقا وكذبا ، ذكر الصدق والكذب بعد الحق والباطل من قبيل ذكر الخاص بعد العام لأن الصدق والكذب من خواص الخبر ، والحق والباطل يصدقان على الأفعال أيضا ، وقيل : الحق والباطل هنا من خواص الرأي والاعتقاد ، والصدق والكذب من خواص النقل والرواية.

قوله عليه‌السلام ومحكما ومتشابها : المحكم في اللغة هو المضبوط المتقن ، ويطلق في الاصطلاح على ما اتضح معناه ، وعلى ما كان محفوظا من النسخ أو التخصيص أو منهما معا ، وعلى ما كان نظمه مستقيما خاليا عن الخلل ، وما لا يحتمل من التأويل إلا وجها واحدا ، ويقابله بكل من هذه المعاني المتشابه.

قوله عليه‌السلام وحفظا أي محفوظا عند الراوي ومستيقنا له أنه سمعه كذلك أو

٢١٠

حتى قام خطيبا فقال أيها الناس قد كثرت علي الكذابة فمن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ثم كذب عليه من بعده وإنما أتاكم الحديث من أربعة ليس لهم خامس رجل منافق يظهر الإيمان متصنع بالإسلام لا يتأثم ولا يتحرج

______________________________________________________

موافقا لما سمعه واقعا مع علمه به ، ووهما بفتح الهاء مصدر قولك : وهمت بالكسر أي غلطت وسهوت ، وقد روي وهما بالتسكين مصدر وهمت بالفتح ، إذا ذهب وهمك إلى شيء وأنت تريد غيره ، والمعنى متقارب ، والمراد ما شك فيه ولم يستيقن أو سها وإن تيقنه عند الرواية.

قوله عليه‌السلام قد كثرت على الكذابة : بكسر الكاف وتخفيف الذال مصدر كذب يكذب أي كثرت علي كذبة الكذابين ، ويصح أيضا جعل الكذاب بمعنى المكذوب ، والتاء للتأنيث أي الأحاديث المفتراة ، أو بفتح الكاف وتشديد الذال بمعنى الواحد الكثير الكذب ، والتاء لزيادة المبالغة ، والمعنى كثرت على أكاذيب الكذابة أو التاء للتأنيث ، والمعنى كثرة الجماعة الكذابة ولعل الأخير أظهر ، وعلى التقادير الظاهر أن الجار متعلق بالكذابة ، ويحتمل تعلقه بكثرت على تضمين أجمعت ونحوه ، وهذا الخبر على تقديري صدقه وكذبه يدل على وقوع الكذب عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقوله عليه‌السلام : فليتبوأ ، صيغته الأمر ومعناه الخبر ، كقوله تعالى ( قُلْ مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا ) (١).

قوله عليه‌السلام ثم كذب عليه : على بناء المجهول و « من بعده » بكسر الميم أو على بناء المعلوم وفتح الميم اسم موصول.

قوله عليه‌السلام متصنع بالإسلام : أي متكلف ومتدلس به غير متصف به في نفس الأمر.

قوله عليه‌السلام لا يتأثم : أي لا يكف نفسه عن موجب الإثم أو لا يعد نفسه آثما بالكذب على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكذا قوله : لا يتحرج من الحرج بمعنى الضيق ، أي

__________________

(١) سورة مريم : ٧٥.

٢١١

أن يكذب على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله متعمدا فلو علم الناس أنه منافق كذاب لم يقبلوا منه ولم يصدقوه ولكنهم قالوا هذا قد صحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ورآه وسمع منه وأخذوا عنه وهم لا يعرفون حاله ـ وقد أخبره الله عن المنافقين بما أخبره ووصفهم بما وصفهم فقال عز وجل ( وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ) (١) ثم بقوا بعده فتقربوا إلى أئمة الضلالة والدعاة إلى النار بالزور والكذب والبهتان فولوهم الأعمال وحملوهم على رقاب الناس وأكلوا بهم الدنيا وإنما الناس مع الملوك

______________________________________________________

لا يضيق صدره بالكذب وأراد بأئمة الضلالة الثلاثة ومن يحذو حذوهم من بني أمية وأشباههم ، وقوله بالزور متعلق بتقربوا ، ونقل العتائقي (٢) في شرح نهج البلاغة أنه قال في كتاب الأحداث إن معاوية لعنه الله كتب إلى عماله أن ادعوا الناس إلى الرواية في فضائل الصحابة ولا تتركوا خبرا يرويه أحد في أبي تراب إلا وأتوني بمناقض له في الصحابة ، فرويت أخبارا كثيرة مفتعلة لا حقيقة لها حتى أشاروا بذكر ذلك على المنابر وروى ابن أبي الحديد أن معاوية لعنه الله أعطى صحابيا مالا كثيرا ليصنع حديثا في ذم علي عليه‌السلام ويحدث به على المنبر ففعل ويروى عن ابن عرفة أكثر الأحاديث الموضوعة في فضائل الصحابة افتعلت في أيام بني أمية تقربا إليهم بما يظنون أنهم يرغمون بها أنف بني هاشم « انتهى » وقد أشبعنا الكلام في ذلك في كتابنا الكبير.

قوله عليه‌السلام وقد أخبر الله عز وجل عن المنافقين : أي كان ظاهرهم ظاهرا حسنا وكلامهم كلاما مزيفا مدلسا يوجب اغترار الناس بهم ، وتصديقهم فيما ينقلونه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويرشد إلى ذلك أنه سبحانه خاطب نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله : ( وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ ) أي بصباحتهم وحسن منظرهم ، ( وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ) أي تصغي إليه لذلاقة ألسنتهم.

قوله عليه‌السلام فولوهما الأعمال : أي أئمة الضلال بسبب وضع الأخبار أعطوا هؤلاء

__________________

(١) سورة المنافقون : ٤.

(٢) كذا في النسخ ، والظاهر « ابن العتايقي » وهو الشيخ كمال الدين عبد الرحمن بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن يوسف بن العتايقي الحلي وقد توفي في حدود سنة ٧٩٠ ، وهو تلميذ العلامة الحلي (ره) على ما يظهر من كلمات شيخنا المعظم المبرور في كتاب الذريعة إلى تصانيف الشيعة فراجع ج ١٤ ص ١٣١.

٢١٢

والدنيا إلا من عصم الله فهذا أحد الأربعة.

ورجل سمع من رسول الله شيئا لم يحمله على وجهه ووهم فيه ولم يتعمد كذبا فهو في يده يقول به ويعمل به ويرويه فيقول أنا سمعته من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فلو علم المسلمون أنه وهم لم يقبلوه ولو علم هو أنه وهم لرفضه.

ورجل ثالث سمع من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله شيئا أمر به ثم نهى عنه وهو لا يعلم أو سمعه ينهى عن شيء ثم أمر به وهو لا يعلم فحفظ منسوخه ولم يحفظ الناسخ ولو علم أنه منسوخ لرفضه ولو علم المسلمون إذ سمعوه منه أنه منسوخ لرفضوه.

وآخر رابع لم يكذب على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مبغض للكذب خوفا من الله وتعظيما لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لم ينسه بل حفظ ما سمع على وجهه فجاء به كما سمع ـ لم يزد فيه ولم ينقص منه وعلم الناسخ من المنسوخ فعمل بالناسخ ورفض المنسوخ فإن أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مثل القرآن ناسخ ومنسوخ وخاص وعام ومحكم ومتشابه قد كان يكون من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الكلام له وجهان كلام عام وكلام خاص مثل القرآن وقال الله عز وجل في كتابه ـ ( ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ

______________________________________________________

المنافقين الولايات وسلطوهم على الناس ، ويحتمل العكس أيضا أي بسبب مفتريات هؤلاء المنافقين صاروا والين على الناس ، وصنعوا ما شاءوا وابتدعوا ما أرادوا ، ولكنه بعيد.

قوله عليه‌السلام ناسخ ومنسوخ : قال الشيخ البهائي (ره) خبر ثان لأن أو خبر مبتدإ محذوف أي بعضه ناسخ وبعضه منسوخ ، أو بدل من مثل وجره على البدلية من القرآن ممكن ، فإن قيام البدل مقام المبدل منه غير لازم عند كثير من المحققين.

قوله عليه‌السلام وقد كان يكون : اسم كان ضمير الشأن ويكون تامة وهي مع اسمها الخبر ، وله وجهان نعت للكلام لأنه في حكم النكرة ، أو حال منه ، وإن جعلت يكون ناقصة فهو خبرها.

قوله عليه‌السلام وقال الله : لعل المراد أنهم لما سمعوا هذه الآية علموا وجوب

٢١٣

ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) (١) فيشتبه على من لم يعرف ولم يدر ما عنى الله به ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله وليس كل أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يسأله عن الشيء فيفهم وكان منهم من يسأله ولا يستفهمه حتى إن كانوا ليحبون أن يجيء الأعرابي والطارئ فيسأل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حتى يسمعوا.

وقد كنت أدخل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كل يوم دخلة وكل ليلة دخلة فيخليني فيها

______________________________________________________

اتباعه عليه‌السلام ولما اشتبه عليهم مراده عملوا بما فهموا منه ، وأخطأوا فيه ، فهذا بيان لسبب خطاء الطائفة الثانية والثالثة ، ويحتمل أن يكون ذكر الآية لبيان أن هذه الفرقة الرابعة المحقة إنما تتبعوا جميع ما صدر عنه من الناسخ والمنسوخ ، والعام والخاص ، لأن الله تعالى أمرهم باتباعه في كل ما يصدر عنه.

قوله عليه‌السلام فيشتبه : متفرع على ما قبل الآية أي كان يشتبه كلام الرسول على من لا يعرف ، ويحتمل أن يكون المراد أن الله تعالى إنما أمرهم بمتابعة الرسول فيما يأمرهم به من اتباع أهل بيته والرجوع إليهم ، فإنهم كانوا يعرفون كلامه ويعلمون مرامه فاشتبه ذلك على من لم يعرف مراد الله تعالى وظنوا أنه يجوز لهم العمل بما سمعوا منه بعده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من غير رجوع إلى أهل بيته.

قوله عليه‌السلام ما عنى الله به : الموصول مفعول لم يدر ، ويحتمل أن يكون فاعل يشتبه.

قوله عليه‌السلام ولا يستفهمه : أي إعظاما.

قوله عليه‌السلام والطاري : أي الغريب الذي أتاه عن قريب من غير أنس به وبكلامه وإنما كانوا يحبون قدومهما إما لاستفهامهم وعدم استعظامهم إياه أو لأنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يتكلم على وفق عقولهم فيوضحه حتى يفهم غيرهم.

قوله عليه‌السلام فيخليني فيها : من الخلوة يقال استخلى الملك فأخلاه أي سأله أن يجتمع به في خلوة ففعل ، أو من التخلية أي يتركني أدور معه.

__________________

(١) سورة الحشر : ٧.

٢١٤

أدور معه حيث دار وقد علم أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه لم يصنع ذلك بأحد من الناس غيري فربما كان في بيتي يأتيني ـ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أكثر ذلك في بيتي وكنت إذا دخلت عليه بعض منازله أخلاني وأقام عني نساءه فلا يبقى عنده غيري وإذا أتاني للخلوة معي في منزلي لم تقم عني فاطمة ولا أحد من بني وكنت إذا سألته أجابني وإذا سكت عنه وفنيت مسائلي ابتدأني فما نزلت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله آية من القرآن إلا أقرأنيها وأملاها علي فكتبتها بخطي وعلمني تأويلها وتفسيرها وناسخها ومنسوخها ومحكمها ومتشابهها وخاصها وعامها ودعا الله أن يعطيني فهمها وحفظها فما نسيت آية من كتاب الله ولا علما أملاه علي وكتبته منذ دعا الله لي بما دعا وما ترك شيئا علمه الله من حلال ولا حرام ولا أمر ولا نهي كان أو يكون ولا كتاب منزل على أحد قبله من طاعة أو معصية إلا علمنيه وحفظته فلم أنس حرفا واحدا ثم وضع يده على صدري ودعا الله لي أن يملأ قلبي علما وفهما وحكما ونورا فقلت يا نبي الله بأبي أنت وأمي منذ دعوت الله لي بما دعوت لم أنس شيئا ولم يفتني شيء لم أكتبه أفتتخوف علي النسيان فيما بعد فقال لا لست أتخوف عليك النسيان والجهل.

٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن عثمان بن عيسى ، عن أبي أيوب الخزاز ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قلت له ما بال أقوام يروون عن فلان وفلان عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لا يتهمون بالكذب فيجيء منكم خلافه قال

______________________________________________________

قوله عليه‌السلام أدور معه حيث ما دار : أي لا أمنع عن شيء من خلواته أدخل معه أي مدخل يدخله فيه ، وأسير معه أينما سار ، أو المراد إني كنت محرما لجميع إسراره قابلا لعلومه أخوض معه في كل ما يخوض فيه من العارف ، وكنت أوافقه في كل ما يتكلم فيه ، وأفهم مراده.

قوله عليه‌السلام تأويلها وتفسيرها : أي بطنها وظهرها.

الحديث الثاني : موثق.

٢١٥

إن الحديث ينسخ كما ينسخ القرآن.

٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي نجران ، عن عاصم بن حميد ، عن منصور بن حازم قال قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام ما بالي أسألك عن المسألة فتجيبني فيها بالجواب ثم يجيئك غيري فتجيبه فيها بجواب آخر فقال إنا نجيب الناس على الزيادة والنقصان قال قلت فأخبرني عن أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله صدقوا على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله أم كذبوا قال بل صدقوا قال قلت فما بالهم اختلفوا فقال أما تعلم أن الرجل كان يأتي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فيسأله عن المسألة فيجيبه فيها بالجواب ثم يجيبه بعد ذلك ما ينسخ ذلك الجواب فنسخت الأحاديث بعضها بعضا.

٤ ـ علي بن محمد ، عن سهل بن زياد ، عن ابن محبوب ، عن علي بن رئاب ، عن أبي عبيدة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال قال لي يا زياد ما تقول لو أفتينا رجلا ممن

______________________________________________________

قوله عليه‌السلام إن الحديث ينسخ : لما علم عليه‌السلام أنه يسأل عن غير المنافقين وغير من وقع منه الخطأ لسوء فهمه أجاب بالنسخ ، ويحتمل أن يكون ذلك للتقية من المخالفين في نسبة الصحابة إلى النفاق والكذب والوهم ، فإنهم يتحاشون عنها.

الحديث الثالث : حسن.

قوله عليه‌السلام على الزيادة ، أي على الزيادة والنقصان في الكلام على حسب تفاوت مراتب الأفهام فيقع في وهمكم الاختلاف لذلك ، وليس حقيقة بينهما اختلاف أو زيادة حكم عند التقية ونقصانه عند عدمها ، أو المعنى إنا نجيب على حسب زيادة الناس ونقصانهم في الاستعداد والإيمان ، فيشمل الوجهين.

قوله عليه‌السلام بل صدقوا : يحتمل أن يكون مراد السائل السؤال عن أخبار جماعة من الصحابة علم عليه‌السلام صدقهم ، أو أراد عليه‌السلام صدق بعضهم ، أي ليس اختلافهم مبنيا على الكذب فقط ، بل قد يكون من النسخ ، والأظهر حمله على التقية.

الحديث الرابع : ضعيف على المشهور وآخره مرسل.

٢١٦

يتولانا بشيء من التقية قال قلت له أنت أعلم جعلت فداك قال إن أخذ به فهو خير له وأعظم أجرا ـ وفي رواية أخرى إن أخذ به أوجر وإن تركه والله أثم.

٥ ـ أحمد بن إدريس ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن الحسن بن علي ، عن ثعلبة بن ميمون ، عن زرارة بن أعين ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال سألته عن مسألة فأجابني ثم جاءه رجل فسأله عنها فأجابه بخلاف ما أجابني ثم جاء رجل آخر فأجابه بخلاف ما أجابني وأجاب صاحبي فلما خرج الرجلان قلت يا ابن رسول الله رجلان من أهل العراق من شيعتكم قدما يسألان فأجبت كل واحد منهما بغير ما أجبت به صاحبه فقال يا زرارة إن هذا خير لنا وأبقى لنا ولكم ولو اجتمعتم على أمر واحد لصدقكم الناس علينا ولكان أقل لبقائنا وبقائكم.

قال ثم قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام ـ شيعتكم لو حملتموهم على الأسنة أو على النار لمضوا وهم يخرجون من عندكم مختلفين قال فأجابني بمثل جواب أبيه.

٦ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن سنان ، عن نصر

______________________________________________________

قوله : فهو خير له وأعظم أجرا : أي من العمل بالحكم الواقعي في غير حال التقية على ما هو المشهور من بطلان العمل بالحكم الواقعي في حال التقية إن قلنا بصحته ، وعلى هذا يكون الإثم الوارد في الخبر المرسل لترك التقية ، لا لعدم الإتيان بما أمر به في أصل الحكم وهو بعيد.

الحديث الخامس : موثق كالصحيح.

قوله عليه‌السلام لصدقكم الناس علينا : بالتشديد أي لحكموا بصدقكم في نسبة هذا الحكم إلينا لتوافقكم أو فيما يظنون من أحوالكم وأقوالكم من ولايتنا ومتابعتنا ، وفي علل الشرائع لقصدكم الناس ولكان وهو أظهر.

قوله عليه‌السلام على الأسنة : هو جمع سنان أي على أن يمضوا مقابل الأسنة أو في النار.

الحديث السادس : ضعيف على المشهور.

٢١٧

الخثعمي قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول من عرف أنا لا نقول إلا حقا فليكتف بما يعلم منا فإن سمع منا خلاف ما يعلم فليعلم أن ذلك دفاع منا عنه.

٧ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عثمان بن عيسى والحسن بن محبوب جميعا ، عن سماعة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال سألته عن رجل اختلف عليه رجلان من أهل دينه في أمر كلاهما يرويه أحدهما يأمر بأخذه والآخر ينهاه عنه كيف يصنع فقال يرجئه حتى يلقى من يخبره فهو في سعة حتى يلقاه.

وفي رواية أخرى بأيهما أخذت من باب التسليم وسعك

______________________________________________________

قوله عليه‌السلام : إن ذلك دفاع : أي قولنا بخلاف ما يعلمه منا دفع للضرر والفتنة منا عنه ، وليرض بذلك ويعمل به.

الحديث السابع : حسن أو موثق.

قوله عليه‌السلام : رجلان من أهل دينه : ظاهره أنه يكفي في جواز العمل بروايته كونه من أهل دينه ، والظاهر أن المراد بهما الراويين ، والحمل على المفتيين كما توهم بعيد.

قوله عليه‌السلام يرجئه : أي يؤخر العمل والأخذ بأحدهما ، أو يؤخر الترجيح والفتيا حتى يلقى من يخبره أي من أهل القول والفتيا فيعمل حينئذ بفتياه أو من أهل الرواية فيخبره بما يرجح إحدى الروايتين على الأخرى فيقول ويفتي بالراجح ، والظاهر أن المراد بمن يخبره الحجة ، وذلك في زمان ظهور الحجة ، وقوله عليه‌السلام في سعة : أي في العمل حتى يلقى من يعمل بقوله.

قوله عليه‌السلام من باب التسليم : أي الرضا والانقياد ، أي بأيتهما أخذت رضا بما ورد من الاختلاف وقبولا له أو انقيادا للمروي عنه من الحجج ، لا من حيث الظن بكون أحدهما حكم الله ، أو كونه بخصوصه متعينا للعمل وسعك وجاز لك ، ثم اعلم أنه يمكن رفع الاختلاف الذي يتراءى بين الخبرين بوجوه قد أومأنا إلى بعضها :

الأول : أن يكون الإرجاء في الحكم والفتوى ، والتخيير في العمل كما يومئ إليه

٢١٨

______________________________________________________

الخبر الأول.

الثاني : أن يكون الإرجاء فيما إذا أمكن الوصول إلى الإمام عليه‌السلام والتخيير فيما إذا لم يمكن كهذا الزمان.

الثالث : أن يكون الإرجاء في المعاملات والتخيير في العبادات إذ بعض أخبار التخيير ورد في المعاملات.

الرابع : أن يخص الإرجاء بما يمكن الإرجاء فيه ، بأن لا يكون مضطرا إلى العمل بأحدهما ، والتخيير بما إذا لم يكن له بد من العمل بأحدهما.

ويؤيده ما رواه الطبرسي في كتاب الاحتجاج عن سماعة بن مهران قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام قلت : يرد علينا حديثان ، واحد يأمرنا بالأخذ به ، والآخر ينهانا عنه ، قال : لا تعمل بواحد منهما حتى تلقى صاحبك فتسأله ، قال : قلت : لا بد من أن نعمل بأحدهما؟ قال : خذ بما فيه خلاف العامة.

الخامس : أن يحمل الإرجاء على الاستحباب والتخيير على الجواز ، وروى الصدوق (ره) في كتاب عيون أخبار الرضا عليه‌السلام عن أبيه ، ومحمد بن الحسن بن الوليد عن سعد بن عبد الله عن محمد بن عبد الله المسمعي عن أحمد بن الحسن الميثمي عن الرضا عليه‌السلام في حديث طويل ذكر في آخره : وإن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن أشياء ليس نهي حرام بل إعافة وكراهة ، وأمر بأشياء ليس أمر فرض ولا واجب بل أمر فضل ورجحان في الدين ، ثم رخص في ذلك للمعلول أو غير المعلول ، فما كان عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله نهي إعافة أو أمر فضل ، فذلك الذي يسمع استعمال الرخص فيه إذا ورد عليكم عنا فيه الخبر باتفاق يرويه من يرويه في النهي ، ولا ينكره ، وكان الخبران صحيحين معروفين باتفاق الناقلة فيهما يجب الأخذ بأحدهما أو بهما جميعا ، أو بأيهما شئت وأحببت موسع ذلك لك من باب التسليم لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله والرد إليه وإلينا وكان تارك ذلك من باب الفساد والإنكار وترك التسليم لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مشركا بالله العظيم

٢١٩

٨ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عثمان بن عيسى ، عن الحسين بن المختار ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال أرأيتك لو حدثتك بحديث العام ثم جئتني من قابل فحدثتك بخلافه بأيهما كنت تأخذ قال قلت كنت آخذ بالأخير فقال لي رحمك الله

______________________________________________________

فما ورد عليكم من خبرين مختلفين فأعرضوهما على كتاب الله ، فما كان في كتاب الله موجودا حلالا أو حراما فاتبعوا ما وافق الكتاب ، وما لم يكن في الكتاب فاعرضوه على سنن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فما كان في السنة موجودا منهيا عنه نهي حرام أو مأمورا به عن عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أمر إلزام فاتبعوا ما وافق نهي رسول الله وأمره ، وما كان في السنة نهي إعافة أو كراهة ، ثم كان الخبر الآخر خلافه ، فذلك رخصة فيما عافه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكرهه ، ولم يحرمه فذلك الذي يسع الأخذ بهما جميعا أو بأيهما شئت وسعك الاختيار من باب التسليم والاتباع والرد إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وما لم تجدوه في شيء من هذه الوجوه فردوا إلينا علمه ، فنحن أولى بذلك ولا تقولوا فيه بآرائكم وعليكم بالكف والتثبت والوقوف وأنتم طالبون باحثون حتى يأتيكم البيان من عندنا ، ومن هذا الخبر يظهر وجه جمع آخر.

ولنذكر بعض الأخبار الدالة على التخيير :

فمنها : ما رواه الشيخ أحمد بن أبي طالب الطبرسي في كتاب الاحتجاج مرسلا عن الحسن بن الجهم ، قال : قلت للرضا عليه‌السلام : تجيئنا الأحاديث عنكم مختلفة؟ قال : ما جاءك عنا فقسه على كتاب الله عز وجل وأحاديثنا ، فإن كان يشبههما فهو منا ، وإن لم يشبههما فليس منا ، قلت : يجيئنا الرجلان وكلاهما ثقة بحديثين مختلفين فلا نعلم أيهما الحق؟ قال : إذا لم تعلم فموسع عليك بأيهما أخذت.

ومنها : ما رواه أيضا فيه عن الحارث بن المغيرة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : إذا سمعت من أصحابك الحديث وكلهم ثقة فموسع عليك حتى ترى القائم فترده إليه ومن أراد الاطلاع على سائر أخبار هذا الباب فعليه بالرجوع إلى كتاب بحار الأنوار.

الحديث الثامن مرسل ويدل على وجوب العمل بالحكم المتأخر مع التعارض

٢٢٠