مرآة العقول - ج ١

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

مرآة العقول - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الكتب الإسلاميّة
المطبعة: مروي
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٥٦

من لم يتفقه منكم في الدين فهو أعرابي إن الله يقول في كتابه ـ ( لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ) (١).

٧ ـ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ الرَّبِيعِ ، عَنْ مُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ ع يَقُولُ عَلَيْكُمْ بِالتَّفَقُّهِ فِي دِينِ اللهِ وَلَا تَكُونُوا أَعْرَاباً فَإِنَّهُ مَنْ لَمْ يَتَفَقَّهْ فِي دِينِ اللهِ لَمْ يَنْظُرِ اللهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَمْ يُزَكِّ لَهُ عَمَلاً.

٨ ـ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ، عَنِ الْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ ، عَنْ جَمِيلِ بْنِ دَرَّاجٍ ، عَنْ أَبَانِ بْنِ تَغْلِبَ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ ع قَالَ لَوَدِدْتُ أَنَّ أَصْحَابِي ضُرِبَتْ رُءُوسُهُمْ بِالسِّيَاطِ حَتَّى يَتَفَقَّهُوا.

______________________________________________________

قوله عليه‌السلام فهو أعرابي : أي كالأعراب في عدم التفقه وقد ذمهم الله تعالى بقوله ( الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللهُ ) (٢) وقال الجوهري الأعراب سكان البادية خاصة من العرب ، والنسبة إلى الأعراب أعرابي لأنه لا واحد له.

قوله عليه‌السلام إن الله يقول ... لعله استدل بأنه تعالى أوجب الخروج للتفقه ولو لم يكن التفقه واجبا لم يكن الخروج له واجبا.

الحديث السابع ضعيف.

قوله عليه‌السلام لم ينظر الله إليه : النظر هيهنا كناية عن الاختيار والرأفة والعطف ، لأن النظر في الشاهد دليل المحبة وترك النظر دليل البغض والكراهة.

قوله عليه‌السلام ولم يترك له عملا : التزكية الثناء والمدح وهنا كناية عن قبول العمل ، ويحتمل أن يكون من الزكاة بمعنى النمو.

الحديث الثامن مجهول ولكنه في قوة الصحيح لكون محمد بن إسماعيل من مشايخ الإجازة ولا تضر جهالته.

قوله بالسياط : هو بكسر السين جمع السوط.

__________________

(١) سورة التوبة : ١٢٢.

(٢) سورة التوبة : ٩٧.

١٠١

٩ ـ علي بن محمد ، عن سهل بن زياد ، عن محمد بن عيسى عمن رواه ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال له رجل جعلت فداك رجل عرف هذا الأمر لزم بيته ولم يتعرف إلى أحد من إخوانه قال فقال كيف يتفقه هذا في دينه.

باب

صفة العلم وفضله وفضل العلماء

١ ـ محمد بن الحسن وعلي بن محمد ، عن سهل بن زياد ، عن محمد بن عيسى ، عن عبيد الله بن عبد الله الدهقان ، عن درست الواسطي ، عن إبراهيم بن عبد الحميد ، عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام قال دخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله المسجد فإذا جماعة قد أطافوا برجل فقال ما هذا فقيل علامة فقال وما العلامة فقالوا له أعلم الناس بأنساب العرب ووقائعها وأيام الجاهلية والأشعار العربية قال فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ذاك علم لا يضر من جهله ولا ينفع من علمه ثم قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إنما العلم ثلاثة :

______________________________________________________

الحديث التاسع ضعيف.

قوله عليه‌السلام ولم يتعرف ، أي اعتزل الناس ولم يخالطهم أو لم يسأل عنهم ، قال الجوهري : تعرفت ما عند فلان أي تطلبت حتى عرفت.

باب صفة العلم وفضله وفضل العلماء.

الحديث الأول ضعيف.

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما هذا؟ لم يقل من هذا تحقيرا أو إهانة وتأديبا له.

قوله : علامة ، العلامة صيغة مبالغة أي كثير العلم ، والتاء للمبالغة.

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وما العلامة؟ أي ما حقيقة علمه الذي به اتصف بكونه علامة؟

وهو أي نوع من أنواع العلامة ، والتنوع باعتبار أنواع صفة العلم ، والحاصل ما معنى العلامة الذي قلتم وأطلقتم عليه؟

قوله صلوات الله عليه : إنما العلم : أي العلم النافع ثلاثة ، آية محكمة أي

١٠٢

آية محكمة أو فريضة عادلة أو سنة قائمة وما خلاهن فهو فضل.

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن خالد ، عن أبي البختري ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إن العلماء ورثة الأنبياء وذاك أن الأنبياء

______________________________________________________

واضحة الدلالة ، أو غير منسوخة ، فإن المتشابه والمنسوخ لا ينتفع بهما كثيرا من حيث المعنى ، أو فريضة عادلة قال في النهاية : أراد العدل في القسمة أي معدلة على السهام المذكورة في الكتاب والسنة من غير جور ، ويحتمل أن يريد أنها مستنبطة من الكتاب والسنة ، فتكون هذه الفريضة تعدل بما أخذ عنهما « انتهى » والأظهر أن المراد مطلق الفرائض أي الواجبات ، أو ما علم وجوبه من القرآن ، والأول أظهر لمقابلة الآية المحكمة ووصفها بالعادلة ، لأنها متوسطة بين الإفراط والتفريط ، أو غير منسوخة ، وقيل : المراد بها ما اتفق عليه المسلمون ، ولا يخفى بعده ، والمراد بالسنة المستحبات أو ما علم بالسنة وإن كان واجبا ، وعلى هذا فيمكن أن يخص الآية المحكمة بما يتعلق بالأصول أو غيرهما من الأحكام ، والمراد بالقائمة الباقية غير المنسوخة ، وما خلاهن فهو فضل ، أي زائد باطل لا ينبغي أن يضيع العمر في تحصيله أو فضيلة وليس بضروري (١).

الحديث الثاني ضعيف.

قوله عليه‌السلام العلماء ورثة الأنبياء : أي يرثون منهم العلوم والمعارف والحكم ، إذ هذه عمدة ما يتمتعون به في دنياهم ، ولذا علله بقوله : إن الأنبياء لم يورثوا درهما ولا دينارا ، أي لم يكن عمدة ما يحصلون في دنياهم وينتفع الناس به منهم في حياتهم

__________________

(١) والحاصل أن المراد بالآية إما مطلق ما يسنبط من التنزيل الحكيم أصولا وفروعا وبالفريضة : الواجبات المستنبطة من غيرها ، وبالسنة النوافل كذلك ، أو المراد بالآية المحكمة البراهين العقلية المستنبطة من القرآن على أصول الدين فإنها محكمة لا تزول بالشكوك والشبهات وبالفريضة ساير الأحكام الواجبة وبالسنة الأحكام المستحبة سواء أخذنا من القرآن أو من غيرها ، أو بالفريضة الأحكام الخمسة المستفادة من السنة المطهرة ( منه ره ).

١٠٣

لم يورثوا درهما ولا دينارا وإنما أورثوا أحاديث من أحاديثهم فمن أخذ بشيء منها فقد أخذ حظا وافرا فانظروا علمكم هذا عمن تأخذونه فإن فينا

______________________________________________________

وبعد وفاتهم الدينار والدرهم ، ولا ينافي أن يرث وارثهم الجسماني منهم ما يبقى بعدهم من الأموال الدنيوية ، أو يقال وارثهم من حيث النبوة المختصة بهم العلماء فلا ينافي ذلك كون وارثهم من جهة الأنساب الجسمانية يرث أموالهم الظاهرة ، فأهل البيت عليه‌السلام ورثوا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الجهتين معا ، على أنه يحتمل أن يكون الأنبياء عليهم‌السلام لم يبق منهم خصوص الدينار والدرهم بعد وفاتهم ، لكن الظاهر أنه ليس المراد حقيقة هذا الكلام ، بل المراد ما أومأنا إليه من أن عمدة أموالهم وما كانوا يعتنون به ويورثونه هو العلم ، دون المال وذكر الدينار والدرهم على المثال.

ويخطر بالبال وجه آخر وهو أن يكون المراد بقوله عليه‌السلام : أن الأنبياء لم يورثوا بيان الموروث فيه ، لأنه عليه‌السلام لما قال إن العلماء ورثة الأنبياء فكأن سائلا يسأل أي شيء أورثوا لهم؟ فأجاب بأنه لم يورثوا لهم الدرهم والدينار ولكن أورثوا لهم الأحاديث ، ولذا قال أحاديث من أحاديثهم ، لأن جميع علومهم لم يصل إلى جميع العلماء ، بل كل عالم أخذ منها بحسب قابليته واستعداده ، ففي الكلام تقدير : أي لم يورثوا لهم ، فيشعر بأن لهم ورثة يرثون أموالهم ولكن العلماء من حيث العلم لا يرثون إلا أحاديثهم ، وهذا وجه وجيه وإن كان قريبا مما مر.

قوله عليه‌السلام فقد أخذ حظا وافرا : أي فقد أخذ أمرا عظيما شريفا على سياق قوله سبحانه ( وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً ) أو فليأخذ حظا وافرا [ منهم ] لما قد تبين أنه شيء شريف ، وينبغي الإكثار من مثل هذا الشيء والمبالغة في طلبه ، والتفريع في قوله : فانظروا [ في ] علمكم هذا إما لأنه أمر شريف عظيم فينبغي التفكر والتدبر في مأخذه حتى لا يكون ما يؤخذ منه ناقصا أو مشوبا بغيره ، أو لأنه لما تبين أنه ميراث الأنبياء فينبغي أن يؤخذ ممن يكون علمه مأخوذا منهم ، ويكون وارثهم وأحق الخلق بهم ، وهم أهل بيت النبوة صلوات الله عليهم وقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

١٠٤

أهل البيت في كل خلف عدولا ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين

______________________________________________________

فيهم : إني تارك فيكم الثقلين ، وغير ذلك مما قال فيهم ، ولذا علله بقوله عليه‌السلام : فإن فينا أهل البيت في كل خلف عدولا أي في كل قرن فإن الخلف للمرء من يكون بعده ، وكل قرن خلف للقرن السابق ، قال في النهاية : فيه : يحمل هذا العلم من كل خلف عدول ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأول الجاهلين ، الخلف بالتحريك والسكون : كل من يجيء بعد من مضى إلا أنه بالتحريك في الخير ، وبالتسكين في الشر ، يقال : خلف صدق وخلف سوء ، ومعناهما جميعا القرن من الناس ، والمراد من الحديث المفتوح ، وقال الجوهري : الخلف القرن ، وقال : الخلف والخلف ما جاء من بعد ، يقال : هو خلف سوء من أبيه وخلف صدق من أبيه بالتحريك إذا قام مقامه ، انتهى ، ويحتمل أن يكون المراد بالخلف كل طبقة من أولاد الأئمة عليه‌السلام وبالعدول الأئمة عليه‌السلام باعتبار الأزمان ، فإنهم فسروا الخلف بالقرن ، والقرن قد يطلق على أربعين سنة وعلى ثمانين سنة وعلى مائة سنة كما روي أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مسح رأس غلام ، وقال : عش قرنا فعاش مائة سنة كما ذكره في النهاية ومعلوم أن كل مائة من الأزمان بعده صلوات الله عليه كان مشتملا على اثنين وأكثر من الأئمة عليه‌السلام إلى الغيبة الكبرى ، ويمكن توسيع القرن بحيث يشمل زمان العسكريين إلى انقراض العالم فإنه أيضا جزء من الزمان فيدل على أن القائم عليه‌السلام في غيبته الكبرى يهدي الناس إلى مراشدهم ويسدد الدين ويقومه بما يصل من فيوضه إلى خواص شيعته ورواة أحاديث آبائه الطاهرين وأحاديثه أو يكون المراد بالعدول العدل للمبالغة أو باعتبار بعض القرون ، أو يراد بالعدول كل إمام مع الصادقين من أصحابه ، ويحتمل أن يكون المراد بالعدول الصادقين من رواتهم وحملة علومهم ، فتكون كلمة في بمعنى اللام ، أي لنا أهل البيت في كل خلف عدول ، أو يقدر مضاف أي في شيعتنا ، والتحريف : صرف الكلام عن وجهه ، والغالين المجاوزين الحد والانتحال أن يدعى لنفسه ما لغيره ، كان يدعي الآية أو الحديث الوارد في

١٠٥

وتأويل الجاهلين.

٣ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الحسن بن علي الوشاء ، عن حماد بن عثمان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إذا أراد الله بعبد خيرا فقهه في الدين.

٤ ـ محمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن حماد بن عيسى ، عن ربعي بن عبد الله ، عن رجل ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال قال الكمال كل الكمال التفقه في الدين والصبر على النائبة وتقدير المعيشة.

٥ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن سنان ، عن إسماعيل

______________________________________________________

غيره أنه فيه أو يدعي العلم ولم يكن عالما ، أو يدعي التقوى ولم يكن متقيا ، أو يظهر الصدق وكان كاذبا ، والمبطلين : الذين جاءوا بالباطل ، وقرروه وذهبوا بالحق وضيعوه وأخفوه.

« وتأويل الجاهلين » التأويل : تنزيل الكلام على غير الظاهر وتبيين مرجعه ، وهذا إنما يجوز ويصح من العالم بل الراسخ في العلم.

الحديث الثالث ضعيف على المشهور.

الحديث الرابع مرسل.

قوله عليه‌السلام على النائبة : أي الصبر على نوازل الدهر وحوادثه ، وقد يطلق (١) على تحمل ما يلزم القوم من الديات وغيرها ، والأول أظهر قال الجزري : النائبة هي ما ينوب الإنسان أي ينزل به من المهمات والحوادث.

قوله عليه‌السلام وتقدير المعيشة : أي ترك الإسراف والتقتير ولزوم الوسط أي جعلها بقدر معلوم يوافق الشرع والعقل ، وقد يطلق التقدير على التقتير كما قال تعالى ( وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ ) (٢) وحمله عليه هيهنا بعيد.

الحديث الخامس ضعيف على المشهور بمحمد بن سنان ومعتبر عندي.

__________________

(١) أي الصبر على النائبة لا نفس النائبة.

(٢) سورة الطلاق : ٧.

١٠٦

ابن جابر ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال العلماء أمناء والأتقياء حصون والأوصياء سادة.

وفي رواية أخرى العلماء منار والأتقياء حصون والأوصياء سادة.

٦ ـ أحمد بن إدريس ، عن محمد بن حسان ، عن إدريس بن الحسن ، عن أبي إسحاق الكندي ، عن بشير الدهان قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام لا خير فيمن لا يتفقه من أصحابنا يا بشير إن الرجل منهم إذا لم يستغن بفقهه احتاج إليهم فإذا احتاج إليهم أدخلوه في باب ضلالتهم وهو لا يعلم.

٧ ـ علي بن محمد ، عن سهل بن زياد ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، عن آبائه قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لا خير في العيش إلا لرجلين

______________________________________________________

قوله عليه‌السلام أمناء : أي ائتمنهم الله على ما آتاهم من علومه ومعارفه ، وأمرهم بأن يحفظوها عن التضييع ويوصلوها إلى مستحقها.

قوله عليه‌السلام والأتقياء حصون : أي بهم يدفع الله العذاب عن الأمة ، كما أن بالحصون يدفع البلايا عن أهلها كما سيأتي في الأخبار الكثيرة إنشاء الله تعالى قيل : أي إنهم حصون للشريعة يدفعون عنها الفساد ، لأن بمشاهدة أحوالهم واستعمال أقوالهم يرتدع أهل المعاصي عنها ويميلون إلى الطاعات والأول أظهر.

قوله عليه‌السلام سادة : السيد : الجليل العظيم الذي له الفضل على غيره ، وهو الرئيس الذي يعظم ويطاع في أمره ونواهيه ، ولم يكن لأحد الخروج من طاعته.

قوله عليه‌السلام منار : هي موضع النور وعلم الطريق والمراد به المهتدي به.

الحديث السادس ضعيف.

قوله عليه‌السلام احتاج إليهم : أي إلى المخالفين.

قوله في باب ضلالتهم : أي في دينهم أو يضلونه في خصوص تلك المسألة فيفتونه بما يوافق مذهبهم ، والأول أظهر.

الحديث السابع ضعيف على المشهور.

١٠٧

عالم مطاع أو مستمع واع.

٨ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ومحمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن أبي عمير ، عن سيف بن عميرة ، عن أبي حمزة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال عالم ينتفع بعلمه أفضل من سبعين ألف عابد.

٩ ـ الحسين بن محمد ، عن أحمد بن إسحاق ، عن سعدان بن مسلم ، عن معاوية بن عمار قال قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام رجل راوية لحديثكم يبث ذلك في الناس ويشدده في قلوبهم وقلوب شيعتكم ولعل عابدا من شيعتكم ليست له هذه الرواية أيهما أفضل قال الراوية لحديثنا يشد به قلوب شيعتنا أفضل من ألف عابد.

______________________________________________________

الحديث الثامن صحيح.

الحديث التاسع مجهول على المشهور بسعدان وربما يعد حسنا لأن الشيخ قال : له أصل.

قوله راوية ... الراوية كثير الرواية والتاء للمبالغة والمراد ببث الحديث في الناس نشره بينهم بإيصاله إليهم.

قوله عليه‌السلام ويشدده ... أي يوثقه ويجعله مستحكما في قلوبهم ، وفي بعض النسخ بالسين المهملة من السداد وهو الاستقامة وعدم الميل أي يقرره سديدا بتضمين معنى التقرير في قلوب الناس ، وقلوب شيعتكم من عطف الخاص على العام لزيادة الاهتمام أو المراد بالناس العامة كما يطلق عليهم كثيرا في الأخبار.

قوله عليه‌السلام يشد به : قيل فيه إشعار بأن الفضيلة باعتبار النشر بين الشيعة وإخبارهم به ، لا بالنشر بين غيرهم وإن لم يكن فيه الإخلال بالواجب من التقية.

قوله عليه‌السلام من ألف عابد : لعل اختلاف مراتب الفضل باعتبار اختلاف العلماء والعباد في مراتبهم ومنازلهم ، ويؤيده أنه بين عليه‌السلام في هذا الحديث النسبة بين الراوي والعابد ، وفي الحديث السابق النسبة بين العالم والعابد ، وقد يكون الراوي غير عالم بما يرويه ، فرب حامل فقيه غير فقيه ، ورب حامل فقيه إلى من هو

١٠٨

( باب أصناف الناس )

١ ـ علي بن محمد ، عن سهل بن زياد ومحمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى جميعا ، عن ابن محبوب ، عن أبي أسامة ، عن هشام بن سالم ، عن أبي حمزة ، عن أبي إسحاق السبيعي عمن حدثه ممن يوثق به قال سمعت أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول إن الناس آلوا ـ بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى ثلاثة آلوا إلى عالم على هدى من الله قد أغناه الله بما علم عن علم غيره وجاهل مدع للعلم لا علم له معجب بما عنده قد

______________________________________________________

أفقه منه ، فيفهم منهما أن العالم بعلمه أفضل من سبعين راوية للحديث ، يشد به قلوب الشيعة ، ويمكن أن يكون المراد بذكر هذه الأعداد بيان البون البعيد بينهما ، لا خصوص تلك الأعداد والأول أظهر.

باب أصناف الناس

الحديث الأول مجهول.

قوله عليه‌السلام آلوا : أي رجعوا.

قوله على هدى ...تمثيل لتمكنه من الهدى واستقراره عليه بحال من اعتلى الشيء وركبه.

قوله عليه‌السلام قد أغناه الله : أي علمه موهبي وليس بكسبي والمراد بهذا القسم الإمام عليه‌السلام ، وبالقسم الثاني أعداء الإمام ومخالفوه ، ومن استبد برأيه ولم يرجع إليه فيما التبس عليه وبالثالث أتباع الإمام ومن يأخذ العلم منه إما بواسطة أو بغير واسطة ، والمستضعفون إما داخلون في القسم الثاني بنوع تكلف ، أو خارجون عن المقسم بأن يكون المراد بالناس من له أهلية الفهم والتميز بين الحق والباطل ، فقوله عليه‌السلام : ثم هلك من ادعى ، بيان لهلاك القسم الثاني من الأقسام الثلاثة فإنه الذي ادعى العلم وليس بعالم ، أو الإمامة وليس بأهل لها ، وخاب بافترائه على الله في بيان علم ما لم يعلم ، أو ادعاء الرئاسة والإمامة ، ولعل كل واحد من أتباع أئمة الضلال

١٠٩

فتنته الدنيا وفتن غيره ومتعلم من عالم على سبيل هدى من الله ونجاة ثم هلك من ادعى و ( خابَ مَنِ افْتَرى ).

٢ ـ الحسين بن محمد الأشعري ، عن معلى بن محمد ، عن الحسن بن علي الوشاء ، عن أحمد بن عائذ ، عن أبي خديجة سالم بن مكرم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال الناس ثلاثة عالم ومتعلم وغثاء.

______________________________________________________

داخل في هذا القسم إذ هو أيضا مدع للعلم بما تعلمه من إمام الضلال ومعجب به ، ويدعو الناس أيضا إلى هذا التقليد الباطل أو يقال : اكتفى عليه‌السلام بذكر ضلالتهم من ذكر ضلال أتباعهم ، فإن الأئمة أيضا إذا كانوا ضالين فأتباعهم كذلك بالطريق الأولى ، مع أنه عليه‌السلام أومأ إليهم بقوله : وفتن غيره ، وربما يوجه الخبر بوجه آخر وهو أن الناس اتبعوا ورجعوا في دينهم بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى ثلاثة أصناف فبعضهم اتبعوا أئمة الهدى عليه‌السلام ، وبعضهم اتبعوا أئمة الضلال ، وبعضهم اتبعوا العلماء المحقة من الفرقة الناجية ، فالفرقة الثانية هالكة لهلاك أئمتهم ، والفرقتان الباقيتان ناجيتان لانتهاء علمهم إلى إمام الحق بواسطة أو بدونها والأول أظهر.

الحديث الثاني ضعيف على المشهور.

قوله عليه‌السلام غثاء : الغثاء بضم الغين المعجمة والثاء المثلثة والمد ما يجيء فوق السيل مما يحمله من الزبد والوسخ وغيره ، وتشبيه غير العالم والمتعلم به إما من جهة عدم الانتفاع به وعدم الاعتناء بشأنه كما أن الغثاء لا ينتفع به ولا يعتنى بشأنه ، أو من جهة أنه في أعماله وأفعاله لا يدري إلى ما يؤول أمره ، كما أن الغثاء يتحرك فوق الماء ولا يدري مئال أمره أو من جهة أنه يتحرك بتحريك الشهوات النفسانية والتسويلات الشيطانية ، كالغثاء الذي يتحرك بحركة الماء من غير اختيار للامتناع منها ، أو من جهة أن وجوده بالعرض والتبع ، وليس مقصودا بالذات في الإيجاد ، كما أن الغثاء ليست حركته إلا بتبعية حركة السيل وبالعرض ، ويحتمل أن يكون التشبيه من جميع تلك الجهات فيكون أتم وأكمل.

١١٠

٣ ـ محمد بن يحيى ، عن عبد الله بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن العلاء بن رزين ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي حمزة الثمالي قال قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام اغد عالما أو متعلما أو أحب أهل العلم ولا تكن رابعا فتهلك ببغضهم.

٤ ـ علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن جميل ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال سمعته يقول يغدو الناس على ثلاثة أصناف عالم ومتعلم وغثاء فنحن العلماء وشيعتنا المتعلمون وسائر الناس غثاء.

( باب ثواب العالم والمتعلم )

١ ـ محمد بن الحسن وعلي بن محمد ، عن سهل بن زياد ومحمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد جميعا ، عن جعفر بن محمد الأشعري ، عن عبد الله بن ميمون القداح

______________________________________________________

الحديث الثالث مجهول.

قوله عليه‌السلام اغد عالما ... أي كن في كل غداة إما عالما أو طالبا للعلم وإن لم تكن كذلك فأحب العلماء فإن حبك لهم سيدعوك إلى التعلم منهم ، ولا تبغضهم فإن بغض العلماء سبب للهلاك في نفسه ، وأيضا يصير سببا لترك السؤال عنهم والتعلم منهم ، وبذلك تستقر في الجهالة ، وتكون من الهالكين ، وقوله : فتهلك ببغضهم إضافة إلى المفعول ، ويحتمل الإضافة إلى الفاعل أي من لم يحب العلم وأهله يبغضهم العلماء وهو سبب لهلاكك ، وقيل : يحتمل أن يكون المراد بالمتعلم من يكون التعلم كالصنعة له ، ومن لم يكن عالما من الله ولا متخذ التعلم صنعة له وأحب أهل العلم يأخذ منهم ، ويدخل في المتعلم بالمعنى الأعم ولا يخفى بعده.

الحديث الرابع صحيح على الأظهر.

والمراد بالمتعلم هنا ما هو أعم مما ذكر في الخبر السابق كما لا يخفى.

باب ثواب العالم والمتعلم

الحديث الأول له سندان : الأول مجهول ، والثاني حسن أو موثق لا يقصران عن الصحيح.

١١١

وعلي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حماد بن عيسى ، عن القداح ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من سلك طريقا يطلب فيه علما سلك الله به طريقا إلى الجنة وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا به وإنه يستغفر

______________________________________________________

قوله صلوات الله عليه : من سلك طريقا ... أي للوصول إلى العالم والأخذ منه ، أو الوصول إلى موضع يتيسر له فيه طلب العلم ، وقيل : الطريق إلى الشيء : ما الدخول فيه وطيه يوصل إليه ومن طرق العلم الفكرة ومنها الأخذ من العالم ابتداء أو بواسطة أو وسائط.

قوله صلوات الله عليه : يطلب فيه علما ، الجملة صفة أو حال والضمير فيها للطريق أو السلوك ، والباء في قوله : سلك الله به للتعدية أي أسلكه الله في طريق موصل إلى الجنة في الآخرة أو في الدنيا بتوفيق عمل من أعمال الخير يوصله إلى الجنة ، وفي طرق العامة سهل الله له طريقا من طرق الجنة.

قوله عليه‌السلام لتضع أجنحتها : أي لتكون وطأ له إذا مشى ، وقيل : هو بمعنى التواضع تعظيما لحقه أو التعطف لطفا له ، إذ الطائر يبسط جناحيه على أفراخه ، وقال تعالى ( وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ ) (١) وقال سبحانه ( وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ ) (٢) وقيل : المراد نزولهم عند مجالس العلم وترك الطيران ، وقيل : أراد به إظلالهم بها ، وقيل : معناه بسط الجناح لتحمله عليها وتبلغه حيث يريد من البلاد ، ومعناه المعونة في طلب العلم ويؤيد الأول ما رواه في كتاب غوالي اللئالي عن المقداد رضي‌الله‌عنه أنه قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم حتى يطأ عليها رضي به ، ويؤيد الثالث ما رواه الشيخ في أماليه عن الرضا عن آبائهم عليه‌السلام أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : في فضائل طلبة العلم وترغب الملائكة في خلتهم وبأجنحتها تمسحهم ، وفي صلاتها تبارك عليهم ، الخبر ، وما رواه ابن

__________________

(١) سورة الحجر : ٨٨.

(٢) سورة الإسراء : ٢٤.

١١٢

لطالب العلم من في السماء ومن في الأرض حتى الحوت في البحر وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر النجوم ليلة البدر وإن العلماء ورثة الأنبياء إن

______________________________________________________

جمهور في الغوالي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : من خرج من بيته ليلتمس بابا من العلم لينتفع به ويعلمه غيره كتب الله له بكل خطوة ألف سنة صيامها وقيامها ، وحفته الملائكة بأجنحتها « الخبر ».

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رضا به : مفعول لأجله ويحتمل أن يكون حالا بتأويل : أي راضين غير مكرهين ، وأما ما ذكره بعض الأفاضل حيث قال : لأنه يرتضيه أو لإرضائه فلا يخفى عدم استقامته إلا بتكلف بعيد.

قوله صلوات الله عليه : من في السماء ومن في الأرض ، يحتمل أن يكون المراد بالموصول جميع الحيوانات كما يظهر من بعض الأخبار : أن لسائر الحيوانات تسبيحا وتقديسا ويمكن أن يكون الله تعالى ألهمهم الاستغفار لطالب العلم ، ويحتمل أن يكون المراد ما يشمل الجمادات أيضا بأن يكون لها شعور ضعيف ، كما يدل عليه بعض الآيات والأخبار ، لكن السيد المرتضى رضي‌الله‌عنه ادعى إجماع المسلمين على خلافه فعلى عدم القول بشعورها يمكن أن يوجه بوجوه :

الأول : أن يكون استعارة تمثيلية لبيان رفعة شأنه وعلو أمره وانتشار ذكره في السماء والأرض ، فكأنه يستغفر له كل شيء كما يقال : بلغ صيته الآفاق ويقال : بكت عليه السماء والأرض ، وأمثال ذلك كثيرة.

الثاني : أن يكون كناية عن أنه تعالى يعطيه الثواب بعدد كل شيء ويغفر له من السيئات بعددها ، إذ له مدخلية في وجودها ، لأنه هو المحصل لغاية الإيجاد وثمرته.

الثالث : أن يكون إسناد ذلك إلى غير ذوي العقول بتبعية ذوي العقول ، ويكون المراد بها ذوي العقول فقط.

الرابع ، ما ذكره بعض المحققين من المعاصرين ، وهو أن الاستغفار طلب ستر

١١٣

الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما ولكن ورثوا العلم فمن أخذ منه أخذ بحظ وافر

______________________________________________________

الذنوب وطالب العلم يطلب ستر ذنب جهله الذي هو رئيس جنود المعاصي بنور العلم ويشركه في هذا الطلب كل من في السماء والأرض وما بينهما ، لأن عقله وفهمه وإدراكه لا يقوم إلا ببدنه ، وبدنه لا يقوم إلا بالغذاء والغذاء لا يقوم إلا بالأرض والسماء والغيم والهواء وغير ذلك ، إذ العالم كله كالشخص الواحد يرتبط البعض منه بالبعض ، فالكل مستغفر له ، ويحتمل وجوها وتعبيرات أخرى ، لا نطيل الكلام بذكرها (١) وعلى التقادير التعبير بلفظة « من » لتغليب ذوي العقول ، أو لأن ما أسند إليها وهو الاستغفار مما يسند إلى ذوي العقول.

__________________

(١) كما قيل إنه يستغفر له الملائكة الموكلة بالسماء والأرض والبحار وحيتانها ، أو يقرأ يستغفر على البناء للمفعول ويقدر قبل « من في السماء » « بعدد » أي بعدد من فيها ، أو يقال لما كانت غاية وجود الإنس والجن المعرفة أو العبادة المستلزمة لها ولو لم يكن التعليم وو التعلم لما بقوا طرفة عين كما دلت عليه الآيات والأخبار وكان بقاء سائر الحيوانات ببركة بقاء العالمين العابدين كما يظهر من الأخبار وكل ذي شعور سواء كان عاقلا أم لا ، يريد بقائه وصلاح حاله وسقوط ما ينجرّ إلى زواله وسوء حاله وكلما يتوقف عليه ذلك المطلوب يكون مرادا ومطلوبا له سواء كان مشعورا به له أم لا فطلب ذلك المطلوب ورغبته وإرادته من الجن والإنس وساير الحيوانات متضمن لطلب ما يتوقف عليه حصول ذلك المطلوب لهم من إبقاء طالب العلم وإصلاح حاله وإن كان من حيث لا يشعر فظهر من هذا أن كل ذي شعور يطلب المغفرة يعني إصلاح الحال الحاصل من ستر الزلات والتجاوز عن السيئات والتثبت على الصراط المستقيم المفضي إلى البقاء والنجاة لطالب العلم وإن كان طلب بعضهم بل كلهم في بعض الأوقات من حيث لا يدرى ثم الملائكة أيضا يستغفرون له بأمره تعالى ولحبهم العلماء ولإرادتهم بقاء ذلك الأنواع ، فكل عاقل كامل من ذوي العقول علويا كان أو سفليا يطلب العلم من حيث يدري ، وكل جاهل ناقص العقل من ذوي العقول وكل ما لا يعقل من حيث لا يدري ( منه ره ).

١١٤

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسن بن محبوب ، عن جميل بن صالح ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال إن الذي يعلم العلم منكم له أجر مثل أجر المتعلم وله الفضل عليه فتعلموا العلم من حملة العلم وعلموه إخوانكم كما علمكموه العلماء.

٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن أحمد بن محمد البرقي ، عن علي بن الحكم ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول من علم خيرا فله مثل أجر من عمل به قلت فإن علمه غيره يجري ذلك له قال إن علمه الناس

______________________________________________________

الحديث الثاني صحيح.

قوله عليه‌السلام مثل أجر المتعلم : أي له مثل أجره مع زيادة أو له بسبب التعليم مثل أجره وإن كان له بسبب التعلم أجر آخر والأول أظهر.

قوله عليه‌السلام كما علموكم العلماء : العلماء بدل من ضمير الجمع ، والكاف إما للتعليل أو للتشبيه بأن يكون المراد عدم التغيير في النقل أو في كيفية التعليم وآدابه أو فيهما معا.

الحديث الثالث ضعيف على المشهور وربما يعد موثقا.

قوله عليه‌السلام فإن علمه : يحتمل وجوها :

الأول : أن يكون المراد أن التعليم هل يجري فيه ما يجري في العمل فيكون له مثل علمه كما أن له مثل أجر من عمل به ، فالجواب أن له مثل أجر تعليم المتعلم كما أن له مثل أجر عمله.

الثاني : أن يكون السؤال عن العمل بتعليم غيره من متعلميه ، أي عمل المتعلم بواسطة فأجاب عليه‌السلام بأنه يجري له ذلك فيه لكونه بتعليمه ولو بواسطة.

الثالث : أن يكون المراد إن علم المعلم ذلك الخير غير من عمل به يجري له ذلك الأجر أي أجر التعلم فقط للمعلم أو مخصوص بالعمل فأجاب بأنه لو علم المعلم ذلك الخير كل الناس ، وظاهر أن من جملتهم من لا يعمل به جرى باعتبار تعليم كل واحد

١١٥

كلهم جرى له قلت فإن مات قال وإن مات.

٤ ـ وبهذا الإسناد ، عن محمد بن عبد الحميد ، عن العلاء بن رزين ، عن أبي عبيدة الحذاء ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال من علم باب هدى فله مثل أجر من عمل به ولا ينقص أولئك من أجورهم شيئا ومن علم باب ضلال كان عليه مثل أوزار من عمل به ولا ينقص أولئك من أوزارهم شيئا.

٥ ـ الحسين بن محمد ، عن علي بن محمد بن سعد رفعه ، عن أبي حمزة ، عن علي بن الحسين عليه‌السلام قال لو يعلم الناس ما في طلب العلم لطلبوه ولو بسفك المهج

______________________________________________________

منهم ذلك الأجر.

الرابع : أن يكون مراد السائل أن الشركة في ثواب العالمين والمعلمين سواء كان بواسطة أو بدونها هل هو مخصوص بأول معلم أو يجري ذلك في الوسائط أيضا ، فأجاب بالجريان.

قوله : قلت : فإن مات.

يعني إن مات المعلم وعمل المتعلم أو علمه غيره بعد موته يجري له ذلك الأجر؟ قال : وإن مات يجري له الثواب إلى يوم القيامة.

الحديث الرابع : صحيح.

قوله عليه‌السلام باب هدى : لعل المراد بباب الهدى وباب الضلالة نوعان منهما وقبل : المراد بهما تعليم طريق السلوك إلى أحدهما والدخول فيه ، ويجري في هذا الحديث ما ذكر في الحديث السابق من الحمل على المعلم ابتداء ويكون له مثل ما لكل عامل ولو لم يكن بتعليمه ، والحمل على كل معلم ويكون له مثل ما لكل عامل ينتهي عمله إلى تعليمه ولو بواسطة.

الحديث الخامس : مرفوع.

قوله : ولو بسفك المهج ...هو جمع مهجة وهي الدم ، أو دم القلب خاصة ، أي بما يتضمن إراقة دمائهم.

١١٦

وخوض اللجج إن الله تبارك وتعالى أوحى إلى دانيال أن أمقت عبيدي إلي الجاهل المستخف بحق أهل العلم التارك للاقتداء بهم وأن أحب عبيدي إلي التقي الطالب للثواب الجزيل اللازم للعلماء التابع للحلماء القابل عن الحكماء.

٦ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن القاسم بن محمد ، عن سليمان بن داود المنقري ، عن حفص بن غياث قال قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام من تعلم العلم وعمل به وعلم لله دعي في ملكوت السماوات عظيما فقيل تعلم لله وعمل لله وعلم لله

______________________________________________________

قوله عليه‌السلام وخوض اللجج : أي دخولها ، واللجة معظم الماء.

قوله عليه‌السلام الطالب للثواب الجزيل : يدل على أن العبادة إذا كان المقصود فيها الثواب لا ينافي كمالها ، وإن أمكن أن يكون المراد تحصيل أمر يوجب الثواب وإن لم يكن غرضه ذلك لكنه بعيد ، ويحتمل أن يعم الثواب بحيث يشتمل ما هو مقصود المقربين من قربه سبحانه وحبه ومعرفته ووصاله والعلوم الحقة النافعة.

قوله عليه‌السلام للحلماء : أي العقلاء ومتابعتهم سلوك طريقتهم التي سلكوها ، والقابل عن الحكماء هو الأخذ عنهم ولو بواسطة أو وسائط وقيل : أي ينعكس فيه صفاتهم فيقبلها ، كأنه مرآة لها ، والمراد بالحكماء العدول الآخذون بالحق والصواب قولا وعملا ، والظاهر أن المراد بالعلماء والحكماء الأنبياء والأوصياء ومن قرب منهم في الكمال ، فإن كمال العقل والحكمة لهم ، والعلماء يشمل غيرهم من أهل العلم.

الحديث السادس : ضعيف.

قوله عليه‌السلام وعلم لله : الظرف متعلق بالأفعال الثلاثة بقرينة ما بعده.

قوله عليه‌السلام دعي في ملكوت السماوات : أي سمي عظيما وذكر بالعظمة بين أهل السماوات ، وملكوت السماوات ملكها أو الملائكة والأرواح المخلوقون فيها.

١١٧

باب صفة العلماء

١ ـ محمد بن يحيى العطار ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن معاوية بن وهب قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول اطلبوا العلم وتزينوا معه بالحلم والوقار وتواضعوا لمن تعلمونه العلم وتواضعوا لمن طلبتم منه العلم ولا تكونوا علماء جبارين فيذهب باطلكم بحقكم.

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن حماد بن عثمان ، عن الحارث بن المغيرة النصري ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قول الله عز وجل ـ ( إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ ) (١) قال يعني بالعلماء من صدق فعله قوله ومن لم يصدق

______________________________________________________

باب صفة العلماء

الحديث الأول : صحيح.

قوله عليه‌السلام لمن تعلمونه العلم : أي في أوان اشتغاله بالطلب كما قيل ويحتمل الأعم.

قوله عليه‌السلام لمن طلبتم منه العلم ، أي عند الطلب وبعده.

قوله عليه‌السلام جبارين.

أي متكبرين.

قوله عليه‌السلام فيذهب باطلكم : أي تكبركم بحقكم أي بعلمكم ولا يبقى العلم عندكم أو بفضلكم وشرفكم بالعلم ، أو بثوابكم على التعليم والتعلم ولعل الأوسط أظهر

الحديث الثاني : صحيح.

قوله تعالى ( إِنَّما يَخْشَى اللهَ ) صريح الآية أن الخشية لا يصدر من غير العالم لكن يدل بحسب السياق أن الخشية من لوازم العلم لا تنفك عنه وعليه بناء الخبر كما تدل عليه الأخبار.

قوله عليه‌السلام : من صدق فعله ، قيل : المراد بمن صدق فعله قوله من يكون

__________________

(١) سورة فاطر : ٢٨.

١١٨

فعله قوله فليس بعالم.

٣ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد البرقي ، عن إسماعيل بن مهران ، عن أبي سعيد القماط ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال أمير المؤمنين عليه‌السلام ألا أخبركم بالفقيه حق الفقيه من لم يقنط الناس من رحمة الله ولم يؤمنهم من عذاب الله ولم يرخص لهم في معاصي الله ولم يترك القرآن رغبة عنه إلى غيره ألا لا خير في علم ليس فيه تفهم ألا لا خير في قراءة ليس فيها تدبر ألا لا خير في عبادة

______________________________________________________

ذاعلم ومعرفة ثابتة مستقرة ، استقرارا لا يغلبه معه هواه والمعرفة الثابتة المستقرة كما تدعو إلى القول والإقرار باللسان تدعو إلى الفعل والعمل بالأركان ، والعالم بهذا المعنى له خشية من ربه تؤديه إلى الإطاعة والانقياد قولا وفعلا.

الحديث الثالث : صحيح.

قوله عليه‌السلام حق الفقيه : هو إما بدل من الفقيه أو صفة له ، وما بعده خبر مبتدإ محذوف أو مبتدأ وما بعده خبره ، وقيل : أو منصوب بتقدير أعني.

قوله عليه‌السلام : من لم يقنط الناس : أي لا يبالغ في ذكر آيات العذاب وأخبار الوعيد مقتصرا عليها والفقرة الثانية بعكس ذلك وقيل : الفقرة الأولى إشارة إلى إبطال مذهب المعتزلة القائلة بإيجاب الوعيد وتخليد صاحب الكبيرة في النار ، ومذهب الخوارج المضيقين في التكاليف الشرعية ، والثانية إشارة إلى إبطال مذهب المرجئة ومن يجري مجراهم من المغترين بالشفاعة ، وصحة الاعتقاد ، والثالثة إلى إبطال مذهب الحنابلة والأشاعرة ومن يشبههم كأكثر المتصوفة ، والرابعة إلى إبطال مذهب المتفلسفة الذين أعرضوا عن القرآن وأهله ، وحاولوا اكتساب العلم والعرفان من كتب قدماء الفلاسفة ومذهب الحنفية الذين عملوا بالقياس وتركوا القرآن.

قوله عليه‌السلام ليس فيه تفهم : كالعلم الظني والتقليدي ، أو مجرد حفظ الأقوال والروايات.

١١٩

ليس فيها تفكر وفي رواية أخرى ألا لا خير في علم ليس فيه تفهم ألا لا خير في قراءة ليس فيها تدبر ألا لا خير في عبادة لا فقه فيها ألا لا خير في نسك لا ورع فيه.

٤ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ومحمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان النيسابوري جميعا ، عن صفوان بن يحيى ، عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام قال إن من علامات الفقه الحلم والصمت.

٥ ـ أحمد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد البرقي ، عن بعض أصحابه رفعه قال قال أمير المؤمنين عليه‌السلام لا يكون السفه والغرة في قلب العالم.

٦ ـ وبهذا الإسناد ، عن محمد بن خالد ، عن محمد بن سنان رفعه قال قال عيسى ابن مريم عليه‌السلام يا معشر الحواريين لي إليكم حاجة اقضوها لي قالوا :

______________________________________________________

قوله عليه‌السلام : ليس فيها تفكر ، أي لا يتفكر في أسرار العبادة وفي معاني ما يتكلم به من الدعاء والتلاوة ، وقيل : المراد عدم التفكر في مأخذ العبادة وما تستنبط من الكتاب والسنة ، والأول أظهر والمراد بالنسك مطلق العبادة ، وكثيرا ما يطلق على أعمال الحج وعلى الهدى (١).

الحديث الرابع صحيح.

الحديث الخامس مرفوع.

قوله عليه‌السلام لا يكون السفه : السفه قلة الحلم والغرة بكسر الغين المعجمة : الغفلة أو الاغترار بالأعمال الفاسدة والآراء الباطلة ، أو الانخداع من النفس والشيطان وفي بعض النسخ ، والعز بالعين المهملة والزاي المعجمة ، أي التكبر.

الحديث السادس ضعيف على المشهور.

قوله عليه‌السلام يا معشر الحواريين : قال في النهاية : وحواريي من أمتي أي

__________________

(١) يحتمل أن يكون قوله عليه‌السلام « ألا لا خير في علم » إشارة إلى الفقرات الثلاثة الأول فإن التقنيط وأخويه إما ينشأ من عدم التفهم في العلم ، وقوله « ألا لا خير في قراءة » إلى قوله : ولم يترك القرآن .... فإن عدم التمسك بالقرآن إنما ينشأ من عدم التدبر فيه وما مرّ كان باعتبار العلم ، وقوله « ألا لا خير في عبادة » إشارة إلى صفات الفقيه باعتبار العمل ( منه ره ).

١٢٠