الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٤
ولو فقد الجميع صلّى قائما مومئا مع أمن المطلع ، وإلاّ جالسا مومئا.
______________________________________________________
مطلقا ، وفيه ما عرفت.
قوله : ( ولو فقد الجميع صلّى قائما مومئا مع أمن المطّلع ، والا جالسا مومئا ).
لا فرق في صلاته كذلك بين سعة الوقت وضيقه ، وقال المرتضى (١) ، وسلاّر (٢) : يجب التّأخير ، قال في الذّكرى : بناء على أصلهما في أصحاب الاعذار (٣) ، وقرّب تفصيل المعتبر (٤) برجاء زوال العذر ، فيجب التّأخير كالتيمّم ، والمختار هو الأوّل ، وإن كان هذا الأخير أحوط.
والمراد بأمن المطّلع عدمه في الحال وعدم توقّعه عادة ، كالمصلّي في بيت وحده ، أو في موضع منقطع عن النّاس ، ووجوب الصّلاة قائما مع أمن المطلع هو مذهب أكثر الأصحاب (٥) ، وقال المرتضى : تجب الصّلاة جالسا ، وإن أمن (٦).
والمعتمد الأوّل ، لرواية ابن مسكان ، عن الصّادق عليهالسلام في الرّجل يخرج عريانا فيدرك الصّلاة ، قال : « يصلّي عريانا قائما إن لم يره أحد ، فإن رآه أحد صلّى جالسا » (٧) ، وهي حجّة على وجوب الصّلاة جالسا مع المطلع ، مع حسنة زرارة ، عن الباقر عليهالسلام ، في الرّجل والمرأة العاريين : « يجعل كلّ منهما يده على قبله ، ثم يجلسان فيومئان إيماء ، ولا يركعان ولا يسجدان فيبدو ما خلفهما ، تكون صلاتهما إيماء برءوسهما » (٨) ، وأوجب ابن إدريس القيام مطلقا لأنّه ركن (٩) ، والأخبار مع فتوى الأكثر حجّة عليه.
__________________
(١) جمل العلم والعمل : ٨٠.
(٢) المراسم : ٧٦.
(٣) الذكرى : ١٤١.
(٤) المعتبر ٢ : ١٠٨.
(٥) منهم : الشيخ في المبسوط ١ : ٨٧ ، والمحقق في المعتبر ٢ : ١٠٦.
(٦) جمل العلم والعمل : ٨٠.
(٧) التهذيب ٢ : ٣٦٥ حديث ١٥١٦ ، الفقيه ١ : ١٦٨ حديث ٧٩٣.
(٨) الكافي ٣ : ٣٩٦ حديث ١٦ ، التهذيب ٢ : ٣٦٤ حديث ١٥١٢.
(٩) السرائر : ٥٥.
______________________________________________________
ويجب في الإيماء الانحناء بحسب الممكن ، بحيث لا تبدو العورة ، لكن يجعل السّجود أخفض محافظة على الفرق بينه وبين الرّكوع ، وظاهر الرّواية وجوب وضع اليد على السوأة ، وهو ظاهر مع المطلع.
وهل يومئ القائم للسّجود قائما أو قاعدا؟ طاهر إطلاقهم إيماؤه له قائما ، وحكى في الذّكرى عن الفاضل السّيّد عميد الدّين أنّه كان يقوّي جلوسه لأنّه أقرب إلى هيئة السّاجد (١) ، فيتناوله عموم : « فأتوا منه ما استطعتم » (٢) ، وفي تناوله إيّاه بحث.
واستشكله في الذّكرى بأنه تقييد للنّص ، ولو صحّ احتجاجه لكان تقييدا بدليل فلا محذور حينئذ ، وبأنّه معرّض لكشف العورة باعتبار القيام والقعود ، فإن الرّكوع والسّجود إنّما سقطا لذلك (٣) ، والفتوى على إطلاق الأكثر ، ولا يخفى أن الإيماء بالرّأس ، وقد سبق ما يدلّ عليه.
وهل يجب في الإيماء للسّجود وضع اليدين ، والركبتين ، وإبهامي الرّجلين على المعهود؟ احتمله في الذّكرى (٤) ، وهو قويّ الظاهر قوله : فأتوا منه ما استطعتم (٥).
وكذا هل يجب وضع شيء يسجد عليه بجبهته مع الإيماء؟ قال في الذّكرى : لم يتعرّض له الأصحاب هنا ، واعتبر على القول به وضعه على مرتفع ، فان لم يوجد فعلى نحو يد الغير وركبته ، فان لم يوجد فبيده ، ويسقط السّجود عليها (٦) ، وحكي عن المبسوط في حكم المريض ما يقرب من هذا (٧).
وحكي عن المعتبر (٨) الاحتجاج لرفع ما يسجد عليه ، برواية أبي بصير ، عن أبي
__________________
(١) الذكرى : ١٤٢.
(٢) صحيح البخاري ٧ : ١١٧ ، صحيح مسلم ٢ : ٩٧٥ حديث ٤١٢ ، سنن ابن ماجة ١ : ٣ حديث ٢.
(٣) الذكرى : ١٤٢.
(٤) الذكرى : ١٤٢.
(٥) صحيح البخاري ٧ : ١١٧ ، صحيح مسلم ٢ : ٩٧٥ حديث ٤١٢ ، سنن ابن ماجة ١ : ٣ حديث ٢.
(٦) الذكرى : ١٤٢.
(٧) المبسوط ١ : ١٢٩.
(٨) المعتبر ٢ : ١٦١.
ولو ستر العورتين وفقد الثوب استحب أن يجعل على عاتقه شيئا ، ولو خيطا.
وليس الستر شرطا في صلاة الجنازة.
______________________________________________________
عبد الله عليهالسلام قال : سألته عن المريض ، هل تمسك له المرأة شيئا فيسجد عليه؟ قال : « لا ، إلاّ أن يكون مضطرا ليس عنده غيرها » (١) الحديث ، ثم أورد هو حديث سماعة ، قال : سألته عن المريض لا يستطيع الجلوس ، قال : « فليصل وهو مضطجع ، وليضع على جبهته شيئا إذا سجد ، فإنّه يجزئ عنه » (٢) فهاتان الرّوايتان تنبهان على ما سبق.
قوله : ( ولو ستر العورتين وفقد الثّوب استحبّ أن يجعل على عاتقه شيئا ولو خيطا ).
لقول الصّادق عليهالسلام : « إذا لبس السّراويل جعل على عاتقه شيئا ، ولو حبلا » (٣).
قوله : ( وليس السّتر شرطا في صلاة الجنازة ).
لأن اسم الصّلاة لا يقع عليها إلاّ بطريق المجاز عنده ، ومن ثم لم يعدها في الصّلاة الواجبة في أوّل كتاب الصّلاة ، نظرا إلى أنّها دعاء.
والقول بالوجوب قويّ ، كما نبّهنا عليه في أحكام الجنائز ، للقطع بإطلاق اسم الصّلاة عليها ، وفقد ما يدلّ على كون الإطلاق مجازا ، واشتمالها على الدّعاء لا يكفي في ذلك ، وإن كان معظم أفعالها ، فإن تكبيرة الإحرام معتبرة فيها ، ومقتضاها تحريم المنافيات لمطلق الصلاة ، لمطلق الصلاة ، ومن جملتها كشف العورة ، وللتأسي ، ولتوقف الخروج من العهدة ويقين البراءة على ذلك ، ثم تعارضه بوجوب القيام والاستقبال ، وعدم جوازها على الراحلة اختيارا وقد سبق.
__________________
(١) التهذيب ٣ : ١٧٧ حديث ٣٩٧.
(٢) التهذيب ٣ : ٣٠٦ حديث ٩٤٤.
(٣) الكافي ٣ : ٣٩٥ حديث ٥ ، الفقيه ١ : ١٦٦ حديث ٧٨٢ مع اختلاف فيهما.
ولو كان الثوب واسع الجيب تنكشف عورته عند الركوع بطلت حينئذ لا قبله ، وتظهر الفائدة في المأموم.
______________________________________________________
قوله : ( ولو كان الثّوب واسع الجيب تنكشف عورته عند الرّكوع بطلت حينئذ لا قبله ، وتظهر الفائدة في المأموم ).
لا ريب في وجوب السّتر المعتبر من أوّل الصّلاة إلى آخرها ، بحيث لا تبدو منه العورة في حال من الأحوال ، فلو كان الثوب واسع الجيب تبدو منه العورة عند بعض الانتقالات ، كما في حال الرّكوع وجب زره ، ولو بنحو شوكة لتوقف السّتر الواجب عليه ، بخلاف غير الواسع فان زره غير واجب ، لقول الباقر عليهالسلام : « لا بأس أن يصلّي أحدكم في الثّوب الواحد وأزراره محلولة ، إن دين محمّد حنيف » (١).
فلو أهمل زرّه فبدت العورة عند الرّكوع مثلا بطلت الصّلاة حينئذ لفقد الشّرط وهو السّتر ، لا قبله ، لتحقق السّتر المعتبر فيما سبق ، وكونه بحيث تبدو العورة لو ترك بحاله لا يقدح ، لإمكان التّحفظ في حال الصّلاة بدون فعل مناف.
ويحتمل لعدم صحّة الصّلاة من رأس ، كما يقول بعض العامة (٢) ، لعدم حصول الصّلاة في ساتر معتبر من أوّلها ، لأن ما هو بمعرض بروز العورة منه لا يعد ساترا.
وضعفه ظاهر ، لأن عروض الانكشاف غير لازم ، لإمكان التحفّظ منه في حال الصّلاة ، فقول المصنّف : ( بطلت حينئذ ) أي : حين انكشاف العورة لا قبله ، أي : لا قبل الانكشاف المذكور ، ويراد به عدم الصحّة من أوّل الصّلاة ، إشارة إلى ردّ الاحتمال السّابق الّذي هو قول لبعض العامّة ، فقوله : ( وتظهر الفائدة ) تنبيه على ما يترتّب على القولين المذكورين.
وتحقيقه : أنّه لو اقتدى بهذا المصلّي آخر قبل الرّكوع عالما بالحال ، ثم نوى الانفراد حين الرّكوع ، فعلى المختار تصحّ صلاته لعدم المنافي ، وعلى الآخر لا تصحّ لعدم صحّة صلاة إمامة من أوّلها.
وكذا تظهر الفائدة فيما لو تحفظ المصلّي من الانكشاف بعد التّحريم ، بحيث لم
__________________
(١) الكافي ٣ : ٣٩٥ حديث ٨ ، الفقيه ١ : ١٧٤ حديث ٨٢٣ ، الاستبصار ١ : ٣٩٢ حديث ١٤٩٢.
(٢) الوجيز ١ : ٤٨ ، فتح العزيز ٤ : ٩٦.
خاتمة : لا تجوز الصلاة فيما يستر ظهر القدم كالشمشك ، وتجوز فيما له ساق كالخف ،
______________________________________________________
ينكشف بعد ، فعلى الأوّل يصحّ بخلاف الثّاني.
ولا فرق في البطلان بانكشاف العورة بين بروزها ، بحيث يراها غير المصلّي ، أو يراها هو فقط إذا قدر رؤية الغير لها عند محاذاة الموضع على الأصح في الثّاني ، وفاقا لشيخنا في الذّكرى (١) ، لصدق انكشاف العورة في الحالين.
وأطلق في المعتبر الصحّة إذا بانت له حال الرّكوع (٢) ، لكن اجتزأ في الذّكرى بكثافة اللّحية المانعة من الرؤية ، واحتمل المنع لأنّها خلاف المعهود في السّتر ، مع اعترافه بأنه لو كان في الثّوب خرق فستره بيده لم تصحّ ، لعدم فهم السّتر ببعض البدن من إطلاق اللّفظ ، بخلاف ما لو جمع الثّوب أو ستر الموضع بشيء آخر (٣) ، وهذا مناف لمختاره في هذه المسألة ، والظاهر عدم الإجزاء في الموضعين.
واعلم أن السّتر يراعى من الجوانب كلّها ومن فوق ، ولا يراعى من تحت ، إلاّ أن يصلّي على مرتفع ترى عورته من تحته على الأقرب ، والفرق أنّه إذا صلّى على وجه الأرض تعسر التطلع حينئذ ، مع أنّ العادة لم تجر بمثله بخلاف المرتفع ، لأنّ الأعين تبتدر لإدراك العورة.
قوله : ( خاتمة : لا تجوز الصّلاة فيما يستر ظهر القدم ـ كالشّمشك ـ وتجوز فيما له ساق ).
هذا قول الشّيخين (٤) ، أسنده إليهما في المعتبر (٥) والتّذكرة (٦) ، وبه قال جماعة من الأصحاب (٧) ، وعلّل بأن النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يفعله ، وكذا الأئمة صلوات الله عليهم والصحابة ومن بعدهم. ولا يخفى ضعف هذا الاحتجاج ، فإنّه شهادة على
__________________
(١) الذكرى : ١٤١.
(٢) المعتبر ٢ : ١٠٦.
(٣) الذكرى : ١٤١.
(٤) الشيخ المفيد في المقنعة : ٢٥ ، والشيخ الطوسي في النهاية : ٩٨.
(٥) المعتبر ٢ : ٩٣.
(٦) التذكرة ١ : ٩٨.
(٧) منهم : المحقق في المعتبر ٢ : ٩٣ ، والشهيد في البيان : ٥٨ ، واللمعة : ٢٩.
______________________________________________________
النّفي ، مع أن متعلّقه غير محصور ، ومن الّذي تتبع ذلك في الأوقات المتفرقة حتّى أحاط علما بأنّهم لم يصلّوا فيه.
على أنّه لو علم ذلك لم يكن دليلا على عدم الجواز ، فإن الملابس إنّما يتبع فيها المتعارف ، ومعلوم أنّ أهل الحجاز ، وأكثر العرب ما كانوا يلبسون مثل هذا لأنه خلاف عادتهم ، بل لو علم أنّهم كانوا يلبسونه وإذا أرادوا الصّلاة نزعوه لم يكن ذلك دليلا على المنع ، لعدم العلم بأن نزعهم له كان على اعتقاد الوجوب أو الاستحباب ، ولو حرم لبس هذا في الصّلاة لزم تحريم كل ما لم يصلّ فيه النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، والأئمة عليهمالسلام بعين الدّليل السّابق ، والمعتمد الجواز ، لكن يكره لخلاف كبراء الأصحاب.
ومنع سلاّر من الصّلاة في الشمشك والنّعل السّندي إلا صلاة الجنازة (١). وجوزوا ذا الساق ، وهو ما تجاوز المفصل بين السّاق والقدم بحيث يغطّي بعض السّاق ، كذا سمعناه مذاكرة كالخفّين والجرموقين ، قال في الذّكرى والجرموق : خف واسع قصير ، يلبس فوق الخف (٢).
والّذي نعرفه ووجدناه في كلام بعض المعتبرين ، أن الجرموق : هو ما يلبس فوق الخف ، يقال له بالفارسيّة : ( سرموزه ) (٣) وهذا ليس بخف ، بل هو قريب من الشمشك ، فجواز الصّلاة فيه يقتضي الصّلاة في الشّمشك ونحوه.
ويدلّ على الجواز في الخفّ ما رواه البزنطي ، عن الرّضا عليهالسلام (٤) وما رواه الحلبي ، عن أبي عبد الله عليهالسلام (٥) ، وفي الجرموق ما رواه إبراهيم بن مهزيار قال : سألته عن الصّلاة في جرموق ، وبعثت اليه به فقال : « يصلّي فيه » (٦).
__________________
(١) المراسم : ٦٥.
(٢) الذكرى : ١٤٦.
(٣) انظر : فرهنك آنندراج ٣ : ٢٤١٥ و ٦ : ٤١٨٨ ، البرهان القاطع : ١١٠١ و ٦٤٣.
(٤) التهذيب ٢ : ٣٧١ حديث ١٥٤٥ ، قرب الاسناد : ١٧٠.
(٥) الكافي ٣ : ٤٠٣ حديث ٢٨ ، التهذيب ٢ : ٢٣٤ حديث ٩٢٠.
(٦) الكافي ٣ : ٤٠٣ حديث ٣٢ ، التهذيب ٢ : ٢٣٤ حديث ٩٢٣.
وتستحب في العربية.
وتكره الصلاة في الثياب السود عدا العمامة والخف ، وفي الرقيق فإن حكى لم يجز ،
______________________________________________________
قوله : ( وتستحبّ في العربيّة ).
أي : في النّعل العربيّة باتّفاق علمائنا ، لما رواه عبد الرّحمن بن أبي عبد الله ، عن أبي عبد الله عليهالسلام : « إذا صلّيت فصلّ في نعليك إذا كانت طاهرة ، فإنّ ذلك من السّنة » (١) ، ورواه معاوية بن عمّار ، عن فعله عليهالسلام (٢) ، والظّاهر أنّه يجب أن يحرّف إبهاميه ليسجد عليهما ، ولو تعذّر أمكن السّقوط.
قوله : ( وتكره الصّلاة في الثياب السّود عدا العمامة والخفّ ).
وكذا الكساء ، لما رواه الكليني ، عمّن رفعه إلى أبي عبد الله عليهالسلام : « يكره السواد إلا في ثلاثة : الخف ، والعمامة ، والكساء » (٣). وقال ابن بابويه : ولا يصلّى في السّواد ، فإن النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : « لا تلبسوا لباس أعدائي ، ولا تسلكوا مسالك أعدائي ، فتكونوا أعدائي » (٤).
ويلوح من اقتصاره في الكراهة على السود عدم كراهيّة غيره ، كما حكاه في الذّكرى عن كثير من الأصحاب (٥) ، وصرّح في التّذكرة بكراهيّة المعصفر ، والمزعفر ، والثّوب الأحمر إذا كان مشبعا بالصّبغ ، استنادا إلى بعض الأخبار (٦) ، وجوّزه مع عدم الشّبع ، وكذا جوّز ما عدا ذلك من الألوان للأصل (٧).
قوله : ( وفي الرّقيق ، فان حكى ما تحته لم يجز ).
أي : وتكره الصّلاة في الرّقيق ، إذا كان لا يحكي تحصيلا لكمال السّتر ، إلاّ أن
__________________
(١) التهذيب ٢ : ٢٣٣ حديث ٩١٩ ، الفقيه ١ : ٣٥٨ حديث ١٥٧٣.
(٢) التهذيب ٢ : ٢٣٣ حديث ٩١٦.
(٣) الكافي ٣ : ٤٠٣ حديث ٢٩ ، الفقيه ١ : ١٦٣ حديث ٧٦٧ ، التهذيب ٢ : ٢١٣ حديث ٨٣٥.
(٤) الفقيه ١ : ١٦٣ حديث ٧٦٩.
(٥) الذكرى : ١٤٧.
(٦) الكافي ٣ : ٤٠٢ حديث ٢٢ ، التهذيب ٢ : ٣٧٣ حديث ١٥٤٩ ، ١٥٥٠.
(٧) التذكرة ١ : ٩٩.
واشتمال الصماء ، واللثام ، والنقاب للمرأة ، فإن منعا القراءة حرما ،
______________________________________________________
يكون تحته ثواب آخر فلا يكره ، إذ الأسفل ساتر للعورة ، ولو حكى ما تحته لم يجز قطعا.
أمّا الثّوب الواحد الصفيق فلا تكره فيه ، أسنده في الذّكرى إلى ظاهر الأصحاب (١) ، وروى محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليهالسلام ، أنّه رآه يصلّي في إزار واحد قد عقده على عنقه (٢).
قوله : ( واشتمال الصّماء ).
أي : يكره ذلك وهو إجماعيّ ، واختلف النّاس في تفسيره ، ففسّره في المبسوط (٣) والنّهاية (٤) بأن يلتحف بالإزار ويدخل طرفيه تحت يده ، ويجمعهما على منكب واحد ، كفعل اليهود.
وهذا اللّفظ يحتمل الأمرين : أن يجعل الإزار على المنكبين جميعا ، ثم يأخذ طرفيه من قدامه ويدخلهما تحت يده ، ويجمعهما على منكب واحد ، وهو المتبادر من يلتحف ، وأن يجعله على أحد الكتفين مع المنكب بحيث يلتحف به من أحد الجانبين ، ويدخل كلاّ من طرفيه تحت اليد الأخرى ويجمعهما على أحد المنكبين ، وروى زرارة ، عن أبي جعفر عليهالسلام : « إياك والتحاف الصماء بأن تدخل الثّوب من تحت جناحك ، فتجعله على منكب واحد » (٥).
قوله : ( واللّثام والنّقاب للمرأة ، فإن منعا القراءة حراما ).
قال المصنّف في التّذكرة : لا يجوز أن يصلّي الرّجل وعليه لثام يمنعه من القراءة أو سماعها ، وكذا النقاب للمرأة إن منعها شيئا من ذلك (٦) ، وفي الذّكرى اقتصر في التحريم على منع القراءة ، ولم يذكر منع سماعها (٧).
__________________
(١) الذكرى : ١٤٦.
(٢) الكافي ٣ : ٣٩٤ حديث ٢ ، التهذيب ٢ : ٢١٧ حديث ٨٥٥.
(٣) المبسوط ١ : ٨٣.
(٤) النهاية : ٩٧.
(٥) الكافي ٣ : ٣٩٤ حديث ٤ ، الفقيه ١ : ١٦٨ حديث ٧٩٢ وفيه : « قلت : وما الصماء؟ » وحذفت كلمة ( التحاف ) ، التهذيب ٢ : ٢١٤ حديث ٨٤١.
(٦) التذكرة ١ : ٩٨.
(٧) الذكرى : ١٤٨.
والقباء المشدود في غير الحرب ،
______________________________________________________
ورواية الحلبي ، عن الصّادق عليهالسلام ، وقد سأله هل يقرأ الرّجل في صلاته وثوبه على فيه؟ فقال : « لا بأس بذلك إذا سمع الهمهمة » (١) [ ما يشهد بقوله في التّذكرة (٢) ] (٣). وفي مضمر سماعة في الرّجل يصلّي فيتلو القرآن ، وهو متلثّم فقال : « لا بأس به ، وإن كشف عن فيه فهو أفضل » ، قال : وسألته عن المرأة تصلّي متنقبة؟ قال : « إذا كشفت عن موضع السّجود فلا بأس به ، وإن أسفرت فهو أفضل » (٤).
وذكر القراءة في العبارة خرج مخرج المثال ، فإن جميع الأذكار الواجبة أيضا كذلك.
قوله : ( والقباء المشدود في غير الحرب ).
ذكر ذلك الشيخان (٥) ، والمرتضى (٦) ، وكثير من الأصحاب (٧) ، قال الشّيخ في التّهذيب : ذكر هذا علي بن الحسين بن بابويه ، وسمعناه من الشّيوخ مذاكرة ، ولم أجد به خبرا مسندا (٨). قال في الذّكرى : قد روى العامة أن النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : « لا يصلّي أحدكم وهو محزم » (٩) ، وهو كناية عن شد الوسط (١٠).
وحكي القول بكراهته عن المبسوط (١١) وكأنه يحاول بذلك ما يدل على كراهة القباء المشدود من النصوص ، وهو استدلال بعيد.
__________________
(١) التهذيب ٢ : ٢٢٩ حديث ٩٠٣ ، الاستبصار ١ : ٣٩٨ حديث ١٥١٩.
(٢) التذكرة ١ : ٩٩.
(٣) هذه الزيادة وردت في « ح » و « ن ».
(٤) التهذيب ٢ : ٢٣٠ حديث ٩٠٤.
(٥) الشيخ المفيد في المقنعة : ٢٥ ، والشيخ الطوسي في المبسوط ١ : ٨٣ ، والنهاية : ٩٨.
(٦) قال السيد العاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ١٨٥ : حكي عن السيد المرتضى.
(٧) منهم : الشيخ المفيد في المقنعة : ٢٥ ، وابن البراج في المهذب ١ : ٧٤ ، والمحقق في الشرائع ١ : ٧٠ ، والشهيد في في اللمعة : ٣٠.
(٨) التهذيب ٢ : ٢٣٢.
(٩) سنن البيهقي ٢ : ٢٤٠.
(١٠) الذكرى : ١٤٨.
(١١) المبسوط ١ : ٨٣.
وترك التحنك ، وترك الرداء
______________________________________________________
ولو اضطر الى ذلك فلا كراهة قطعا.
قوله : ( وترك التحنك ).
المراد به : إدارة العمامة تحت الحنك وهو مستحب ، وقال ابن بابويه (١) : لا يجوز تركه ، لمرسل ابن أبي عمير ، عن الصّادق عليهالسلام : « من تعمّم فلم يتحنّك فأصابه داء لا دواء له ، فلا يلومن إلاّ نفسه » (٢) ، ومثله رواية عيسى بن حمزة ، عنه عليهالسلام (٣). ولا دلاة فيهما على منع التّرك ، نعم تدلان على تأكيد الاستحباب ، قال في الذّكرى : استحباب التحنك عام (٤).
قال الصّدوق : روى عمّار ، عن الصّادق عليهالسلام أنّه قال : « من خرج في سفره فلم يدر العمامة تحت حنكه ، فأصابه ألم لا دواء له ، فلا يلومن إلاّ نفسه » (٥) وقال عليهالسلام : « ضمنت لمن خرج من بيته معتما أن يرجع إليهم سالما » (٦) ، وقال عليهالسلام : « عجبت ممن يأخذ في حاجة وهو معتم تحت حنكه ، كيف لا تقضى حاجته » (٧) ، وقال النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : « الفرق بين المسلمين والمشركين التّلحي [ بالعمائم ] » (٨) ، وهو : تطويق العمامة تحت الحنك. وتتأدّى هذه السّنة بجعل شيء من العمامة تحت الحنك ، ولو دار غيرها ففي تأدي السّنة به هذه السّنة بجعل شيء من العمامة تحت الحنك ، ولو دار غيرها ففي تأدي السّنة به تردّد ، لأنه خلاف المعهود ، وكذا تردّد في الذّكرى (٩).
قوله : ( وترك الرداء للإمام ).
__________________
(١) الفقيه ١ : ١٧٢ ذيل حديث ٨١٣.
(٢) الكافي ٦ : ٤٦٠ حديث ١ ، التهذيب ٢ : ٢١٥ حديث ٨٤٦.
(٣) الكافي ٦ : ٤٦١ حديث ٧ ، التهذيب ٢ : ٢١٥ حديث ٨٤٧.
(٤) الذكرى : ١٤٩.
(٥) الفقيه ١ : ١٧٣ حديث ٨١٤.
(٦) الفقيه ١ : ١٧٣ حديث ٨١٥.
(٧) الفقيه ١ : ١٧٣ حديث ٨١٦ وفيه : « إني لأعجب ممن يأخذ في حاجة وهو معتم تحت حنكه كيف لا تقضى حاجته ».
(٨) الفقيه ١ : ١٧٣ حديث ٨١٧ ، وبين المعقوفين زيادة منه.
(٩) الذكرى : ١٤٩.
للإمام ، واستصحاب الحديد ظاهرا ،
______________________________________________________
وهو الثّوب الّذي يجعل على المنكبين ، لأن سليمان بن خالد سأل الصّادق عليهالسلام عن رجل أم قوما في قميص ليس عليه رداء؟ فقال : « لا ينبغي إلاّ أن يكون عليه رداء ، أو عمامة يرتدي بها » (١) ، ولأنّه مميّز عنهم بفضيلة الإمامة فينبغي أن يمتاز عنهم في رأي العين.
ومقتضى كلام الذّكرى استحباب الرداء مطلقا (٢) ، وليس منافيا لما هنا ، لأن كراهية تركه للإمام لا يقتضي عدم استحبابه لغيره ، لكن التعليل بتميز الامام به يشعر باختصاص الاستحباب به إن تم.
وتتأدى السّنة بمسمّى الرداء ، روى زرارة ، عن الباقر عليهالسلام : « أدنى ما يجزئك أن تصلّي فيه أن يكون على منكبيك مثل جناحي خطّاف » (٣). وروي عن جميل ، قال : سأل مرازم أبا عبد الله عليهالسلام وأنا معه حاضر عن الرّجل يصلّي في إزار مرتديا به قال : « يجعل على رقبته منديلا ، أو عمامة يرتدي به » (٤).
قوله : ( واستصحاب الحديد ظاهرا ).
ولو كان مستورا جاز من غير كراهة ، روى موسى بن أكيل ، عن الصّادق عليهالسلام : « لا بأس بالسّكين والمنطقة للمسافر في وقت ضرورة » (٥) ، ولا بأس بالسّيف ، وكل آلة سلاح في الحرب ، وفي غير ذلك لا يجوز في شيء من الحديد فإنّه مسخ نجس ، وروى عمّار : إذا كان الحديد في غلاف فلا بأس به ، أوردها الشّيخ في التّهذيب (٦) ، والجمع بينهما بحمل المطلق على المقيّد ، والتعليل بنجاسته محمول على كراهية استصحابه مجازا ، كما أشار إليه المحقق (٧) ، لأنّه طاهر باتّفاق الطوائف ، ويقتصر في الحكم على موضع الاتفاق.
__________________
(١) الكافي ٣ : ٣٩٤ حديث ٣ ، التهذيب ٢ : ٣٦٦ حديث ١٥٢١.
(٢) الذكرى : ٢٧٨.
(٣) الفقيه ١ : ١٦٦ حديث ٧٨٣.
(٤) الكافي ٣ : ٣٩٥ حديث ٦ ، التهذيب ٢ : ٣٦٦ حديث ١٥١٨.
(٥) الكافي ٣ : ٤٠٠ حديث ١٣ ، التهذيب ٢ : ٢٢٧ حديث ٨٩٤.
(٦) التهذيب ٢ : ٢٢٧ حديث ٨٩٤.
(٧) المعتبر ٢ : ٩٨.
وفي ثوب المتهم ، والخلخال المصوت للمرأة ،
______________________________________________________
قوله : ( وفي ثوب المتّهم ).
المراد به : المتّهم بالتّساهل في النّجاسة ، كما فسر في غير هذا الكتاب احتياطا للعبادة ، روى الشّيخ في الصّحيح ، عن العيص بن القاسم قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الرّجل يصلّي في ثوب المرأة الحائض ، وفي إزارها ، ويعتم بخمارها قال : « نعم إذا كانت مأمونة » (١) ، وفي معناها روايات اخرى (٢). ولا يحرم ، وإن كان في صحيحة عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليهالسلام أن أباه سأله عمن يعير ثوبه لمن يعلم أنّه يشرب الخمر ، فنهى عليهالسلام عن الصّلاة فيه حتّى يغسله (٣) ، لأن في صحيحة أخرى لعبد الله بن سنان ، عن الصّادق عليهالسلام الإذن بالصّلاة في ثوب أعير لمن علم أنّه يشرب الخمر ، ويأكل لحم الخنزير ، ولا يغسل من أجل ذلك ، معلّلا بأنّه لم يستيقن نجاسته (٤) ، وفي صحيحة الحلبي عنه ، عليهالسلام الاذن بشراء الخفاف الّتي تباع في السّوق والصّلاة فيها ، إلى أن يعلم أنّه ميّت بعينه (٥) ، وغير ذلك من الأخبار (٦) ، فيكون المراد بالنّهي الكراهيّة.
وفي الذّكرى أثبت الكراهة في ثوب من لا يتوقى المحرّمات في ملابسه (٧) ، وينبه عليه كراهية أخذ أموال الظّالم ومعاملته.
قوله : ( والخلخال المصوت للمرأة ).
أي : الّذي له صوت واحترز به عن الأصم ، فإنّه لا بأس به ، وعلّل الحكم بأنّه ربّما اشتغلت به ، وروي عن علي بن جعفر ، عن أخيه موسى عليهالسلام أنّه سأله عن الخلاخل ، هل يصلح لبسها للنساء والصّبيان؟ قال : « إن كنّ صما فلا بأس ، وإن
__________________
(١) الكافي ٣ : ٤٠٢ حديث ١٩ ، الفقيه ١ : ١٦٦ حديث ٧٨١ ، التهذيب ٢ : ٣٦٤ حديث ١٥١١.
(٢) منها ما رواه الصدوق في الفقيه ١ : ١٦٨ حديث ٧٩٤.
(٣) التهذيب ٢ : ٣٦١ حديث ١٤٩٤ ، الاستبصار ١ : ٣٩٣ حديث ١٤٩٨.
(٤) التهذيب ٢ : ٣٦١ حديث ١٤٩٥ ، الاستبصار ١ : ٣٩٢ حديث ١٤٩٧.
(٥) الكافي ٣ : ٤٠٣ حديث ٢٨ ، التهذيب ٢ : ٢٣٤ حديث ٩٢٠.
(٦) الكافي ٣ : ٤٠٤ حديث ٣١ ، التهذيب ٢ : ٢٣٤ حديث ٩٢١ ، ٩٢٢.
(٧) الذكرى : ١٤٨.
والصلاة في ثوب فيه تمثال ، أو خاتم فيه صورة.
______________________________________________________
كان لها صوت فلا يصلح » (١) ، ومقتضاه ثبوت كراهة المصوت مطلقا.
قوله : ( والصّلاة في ثوب فيه تمثال ، أو خاتم فيه صورة ).
وكذا الخاتم والسّيف الممثلان سواء الرّجل والمرأة ، والمراد بالتّمثال والصورة : ما يعم مثال الحيوان وغيره ، صرّح بذلك المصنف في المختلف (٢) ، وأسند القول به إلى الأصحاب نظرا إلى إطلاق عباراتهم ، وابن إدريس خصّ الكراهة بما عليه الصور والتّماثيل من الحيوان (٣).
يدلّ على الأوّل ما رواه عمّار بن موسى ، عن الصّادق عليهالسلام أنّه سأله عن الصّلاة في ثوب يكون في علمه مثال طير ، أو غير ذلك ، قال : « لا » ، وفي الخاتم فيه مثال الطير أو غير ذلك لا يجوز الصّلاة فيه (٤) ، وعن الرّضا عليهالسلام أنّه كره الثّوب الّذي فيه التّماثيل (٥) ، ولان المراد ترك الاشتغال بالنظر إلى ذلك حالة الصّلاة ، وهو شامل للحيوان وغيره.
ويدلّ على الثّاني قوله تعالى ( يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ ) (٦). فعن أهل البيت عليهمالسلام إنّها كصور الأشجار (٧) ، وفي صحاح العامة ، عن ابن عبّاس ، أنّه قال للمصور : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : « كل مصوّر في النّار يجعل له بكل صورة صورها نفسا ، تعذبه في جهنّم » ، وقال : إن كنت لا بدّ فاعلا فاصنع الشّجر وما لا نفس له (٨).
وعن الباقر ، والصّادق عليهماالسلام قالا : « قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : إن جبرئيل أتاني ، فقال : إنا معاشر الملائكة لا ندخل بيتا فيه كلب ، ولا تمثال
__________________
(١) قرب الاسناد : ١٠١.
(٢) المختلف : ٨١.
(٣) السرائر : ٥٨.
(٤) الفقيه ١ : ١٦٥ حديث ٧٧٦ ، التهذيب ٢ : ٣٧٢ حديث ١٥٤٨.
(٥) الفقيه ١ : ١٧٢ حديث ٨١٠.
(٦) سبأ : ١٢.
(٧) المحاسن : ٦١٨ حديث ٥٣ ، الكافي ٦ : ٤٧٦ حديث ٣.
(٨) صحيح مسلم ٣ : ١٦٧١ حديث ٢١١٠.
الفصل الخامس : في المكان : وفيه مطالب :
الأول : كل مكان مملوك أو في حكمه خال من نجاسة متعدية تصح الصلاة فيه.
______________________________________________________
جسد » (١) ، وهذه كلّها تشعر بما قاله ابن إدريس (٢) ، وبعضها صريح في ذلك.
والتّحقيق انّه لا يلزم من جواز عملها عدم كراهية الصّلاة فيها ، فالمعتمد ما عليه الأكثر ، وكيف كان فلا تحرم الصّلاة بذلك خلافا للشيخ (٣) ، لأن ذكر الكراهية في بعض الأخبار يقتضي حمل ما عداه عليها توفيقا ، ولأن رواية عمّار ضعيفة به ، فتحمل على الكراهيّة اقتصارا على موضع الوفاق.
ومتى غيرت الصّورة زالت الكراهية لانتفاء المقتضي ، ولنفي البأس عن الثّوب الّذي فيه تماثيل إذا غيرت الصّورة في صحيحة محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليهالسلام (٤).
قوله : ( الفصل الخامس في المكان :
وفيه مطالب :
الأوّل : كل مكان مملوك ، أو في حكمه خال من نجاسة متعدّية تصحّ الصّلاة فيه ).
المراد به : مكان المصلّي ، ومن شروط الصّلاة المكان المخصوص بالاتفاق ، ويراد به باعتبار إباحة الصّلاة فيه ، وعدمها الفراغ الّذي يشغله بدن المصلّي أو يستقرّ عليه ولو بوسائط ، وباعتبار اشتراط طهارته وعدمه ما سنذكره بعد إن شاء الله تعالى.
والشّارح الفاضل ولد المصنّف عرّف المكان باعتبار الأوّل في نظر الفقهاء ، بأنّه ما يستقر عليه المصلّي ولو بوسائط ، وما يلاقي بدنه وثيابه ، وما يتخلل بين مواضع
__________________
(١) المحاسن : ٦١٥ حديث ٣٩ ، ٤٠ ، الكافي ٣ : ٣٩٣ حديث ٢٦ ، ٢٧ ، التهذيب ٢ : ٣٧٧ حديث ١٥٦٩ ، ١٥٧٠.
(٢) السرائر : ٥٨.
(٣) المبسوط ١ : ٨٤ ، النهاية : ٩٩.
(٤) التهذيب ٢ : ٣٦٣ حديث ١٥٠٣.
ولو صلى في المغصوب عالما بالغصب اختيارا بطلت وإن جهل الحكم.
______________________________________________________
الملاقاة من موضع الصّلاة كما يلاقي مساجده ، ويحاذي بطنه وصدره (١).
ويشكل عليه : عدّ ما يلاقي ثياب المصلّي من المكان الّذي تعتبر إباحته لصحّة الصّلاة ، وكذا ما يتخلّل بين مواضع الملاقاة إذا لم يكن له هواء يتبعه ، كثوب طرح محاذيا لصدره بين ركبتيه وجبهته ، فانّ عدّ ذلك من المكان غير واضح ، حتّى لو كان مغصوبا ، ووضع صدره عليه لا يتّجه البطلان حينئذ ، لعدم اعتبار هذا الوضع في الصّلاة ، فهو فعل خارج عنها لا يبطلها النّهي عنه ، لأن الفعل الخارج إنّما يبطل إذا بلغ الكثرة.
ولا يشكل على عكس كل منهما السّقف لو كان مغصوبا ، وكذا الخمية ونحوها ، من حيث أنّه على التّعريفين لا تبطل صلاة المصلّي تحت السّقف والخيمة المغصوبين ، مع أن المصلّي متصرف بكلّ منهما ومنتفع به ، فإن التّصرف في كل شيء بحسب ما يليق به ، والانتفاع به بحسب ما أعدّ له ، لأن ذلك لا يعدّ مكانا بوجه من الوجوه.
لكن هل تبطل الصّلاة بهذا القدر من التّصرف؟ لا أعلم لأحد من الأصحاب المعتبرين تصريحا في ذلك بصحّة ولا فساد ، والتوقّف موضع السّلامة إلى أن يتضح الحال. إذا عرفت هذا فاعلم أن إطلاق المكان على المعنى السّابق ، وعلى ما سيأتي بالاشتراك اللّفظي.
وأراد بما في حكم المملوك المستأجر والمستعار ونحوهما ، كالمعمر والمأذون فيه من مالكه إباحة عموما أو خصوصا ، صريحا كالإذن في الصّلاة أو الكون فيه ، أو فحوى كإدخال الضّيف منزله ، أو بشاهد الحال كما في الصّحاري الخالية من أمارات الضّرر ، ونهي المالك ، والمساجد ، والربط ونحوهما ، ومباح الأصل.
قوله : ( ولو صلّى في المغصوب عالما بالغصب اختيارا بطلت صلاته وإن جهل الحكم ).
__________________
(١) إيضاح الفوائد ١ : ٨٦.
______________________________________________________
تحرم الصّلاة في المكان المغصوب بإجماع العلماء إلاّ من شذّ ، وتبطل عندنا وعند بعض العامة (١) ، لأن النّهي في العبادة يدلّ على الفساد ، ومتعلّق النّهي هنا مكان الصّلاة وهو شرط فيها ، والطّمأنينة ونحوها ، وهي جزء.
والتقييد بالعالم للاحتراز عن غيره ، وسيأتي ، وبالاختيار ، ليخرج حال الاضطرار كالمحبوس في مكان مغصوب ، والمتوسّط أرضا مغصوبة عالما أو جاهلا إذا أراد الخروج منها تخلصا من المغصوب ، ومن يخاف على نفسه التّلف بخروجه.
والضّابط زوال المنع من التصرف للضّرورة ، فإنّ الصّلاة في هذه المواضع كلّها صحيحة لقبح التّحريم حينئذ ، إذ هو تكليف بما لا يطاق ، إلا أن المحبوس ونحوه يصلّي بحسب تمكنه ، والخارج من المغصوب مع ضيق الوقت يراعي الجمع بين الحقّين ، فيخرج على العادة مصلّيا.
وعطف جاهل الحكم بـ ( أن ) الوصلية يقتضي اندراجه في العالم ، وكذا ناسية فتبطل صلاتهما ، لأن جهل الحكم الواجب معرفته تقصير من المكلّف فلا يعد عذرا ، وكذا نسيانه لوجوب تعلّمه بعد.
ولا فرق في هذه الأحكام بين الغاصب وغيره ، سواء كان المغصوب صحراء أم لا ، وللمرتضى وجه بصحّة الصّلاة في الصّحراء استصحابا لما كان قبل الغصب من شاهد الحال ، حكاه في الذّكرى (٢) ، ويضعف بأن شاهد الحال لضعفه يزول بأدنى سبب ، وعلى القول به فينبغي أن يكون الجواز لغير الغاصب عملا بالظّاهر.
ولا فرق في الغصب بين غصب العين وهو ظاهر ، وغصب المنفعة كما في إنكار الإجارة كذبا.
ولو أخرج روشنا (٣) أو ساباطا (٤) في موضع لا يحلّ له أو بين بآلاته في هواء الغير فكالمغصوب.
__________________
(١) شرح الكبير على متن المقنع ١ : ٥١٣ ، شرح الأزهار ١ : ١٨٤ ، المجموع ٣ : ١٦٤.
(٢) الذكرى : ١٥٠.
(٣) الروشن : الكوّة ، الصحاح ( رشن ) ٥ : ٢١٢٤.
(٤) الساباط : سقيفة بين دارين تحتها طريق ، القاموس ( سبط ) ٢ : ٣٦٣.
ولو جهل الغصب صحت صلاته ، وفي الناسي إشكال ، ولو أمره المالك الآذن بالخروج تشاغل به ، فان ضاق الوقت خرج مصليا ولو صلى من غير خروج لم تصح ، وكذا الغاصب.
______________________________________________________
قوله : ( ولو جهل الغصب صحّت صلاته ، وفي النّاسي إشكال ).
أمّا صحّة صلاة الجاهل ، فلعموم قوله عليهالسلام : « النّاس في سعة ما لم يعلموا » (١) وأمّا النّاسي فوجه الاشكال فيه يظهر من الكلام في ناسي غصب الثّوب ، وهذا رجوع من المصنّف عن الجزم إلى التردّد ، فان الكلام على المسألة هنا كالكلام هناك ، والفتوى في الموضعين سواء.
قوله : ( ولو أمره المالك الآذن بالخروج تشاغل به ).
معلوم أن الجارّ الأوّل متعلق بأمر ، والآذن اسم فاعل ، والمأذون فيه محذوف يستفاد من سياق العبارة ، يصحّ تصويره بالصّلاة وبالكون ، أي : الآذن في الصّلاة ، أو الآذن في الكون.
ووجوب التّشاغل حينئذ بالخروج على الفور ظاهر لمنع التّصرف في مال الغير بغير إذنه ، فكيف مع تصريحه بما يقتضي النّهي؟.
قوله : ( فان ضاق الوقت خرج مصلّيا ).
لأنّهما حقّان مضيّقان فيجب الجمع بينهما بحسب الإمكان ، ويومئ للرّكوع والسّجود بحيث لا يتشاغل (٢) في الخروج عن المشي المعتاد.
قوله : ( ولو صلّى من غير خروج لم تصحّ ).
لتّوجه النّهي إلى العبادة فتفسد.
قوله : ( وكذا الغاصب ).
أي : وجوب التّشاغل بالخروج من المغصوب وما بعده ، وبهذا يخرج عن التّكرار اللازم من اختصاص التّشبيه بالمأذون ، إذا صلّى غير متشاغل بالخروج بعد أمره به في عدم الصحّة ، من حيث أنّ هذا الحكم قد سبق أول الكلام.
__________________
(١) عوالي اللآلي ١ : ٤٢٤ حديث ١٠٩.
(٢) في « ع » : يتشاغل.
ولو أمره بعد التلبس مع الاتساع احتمل الإتمام ، والقطع ، والخروج مصليا
______________________________________________________
قوله : ( ولو أمره بعد التّلبس مع الاتّساع ، احتمل الإتمام ، والقطع والخروج مصلّيا ).
قال الشّارح الفاضل : إن البحث إنّما هو فيما إذا أذن له في الاستقرار بقدر زمان الصّلاة ، وإلاّ لم يحتمل الإتمام مستقرا بل ولا خارجا (١) ، وما ذكره لا تدلّ عليه العبارة ، ولا يرشد اليه الدليل ، والملازمة فيما ادّعاه غير ظاهرة.
والظاهر من العبارة : أنّه إذا أذن له المالك بحيث ساغ له الدّخول في الصّلاة ، ثم بعد التّلبس بها والدّخول فيها أمره بالخروج ، فإنّه يأتي ما ذكره المصنّف من الاحتمالات.
ووجه الأوّل : أنّه شرع في صلاة صحيحة بإذن المالك فيحرم قطعها ، ودليل الكبرى قوله تعالى ( وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ ) (٢). ويمكن المعارضة بقوله عليهالسلام : « لا يحل مال امرئ مسلم إلاّ عن طيب نفس منه » (٣) ، وحق العباد مبني على التضيّق المحض ، فيقدم على حقّ الله تعالى ، ولأنّه أمر بالمنكر لأن إبطال الصّلاة حرام.
كذا قيل (٤) ، وفيه نظر لأن المنكر قطع الصّلاة على ما بينه فيه لا الخروج من ملك الغير ، والمأمور به هو الثّاني ، وكون الثّاني لازما له لا يصيّره منكرا.
ووجه الثّاني : أن العارية غير لازمة ، ولم يثبت كون الشّروع في الصّلاة مقتضيا له ، فيكون النّهي موجبا للخروج المقتضي لإبطال الصّلاة ، لأنّه فعل كثير ، ولإمكان استدراك الصّلاة بخلاف حق الآدمي فالمفسدة فيه أكثر ، ومع تعارض المفسدتين يتعيّن أخفّهما ، ولامتناع التّكليف بإكمال الصّلاة لأن شرطه الخلو عن المفسدة ، والتصرف في مال الغير بغير حقّ مفسدة.
ووجه الثّالث : أنّ الجمع بين الواجبين أولى من تضييع أحدهما. ويشكل بأن
__________________
(١) إيضاح الفوائد ١ : ٨٧.
(٢) محمد (ص) : ٣٢.
(٣) الكافي ٧ : ٢٧٣ حديث ١٢ ، الفقيه ٤ : ٦٦ حديث ١٩٥.
(٤) قاله الشهيد في الذكرى : ١٥٠.
ولو كان الإذن في الصلاة فالإتمام متلبسا.
وفي جواز صلاته وإلى جانبه أو أمامه امرأة تصلي قولان ، سواء صلّت بصلاته أو منفردة ، وسواء كانت زوجته أو مملوكته أو محرما أو أجنبية ، والأقرب الكراهية.
______________________________________________________
الجمع غير ممكن إلاّ بفوات أكثر أركان الصّلاة ، وإجزاؤه مع إمكان الصّلاة المعتبرة غير معلوم ، فتعيّن القطع والصّلاة خارجا إلا مع الضيق ، فيخرج مصليا.
وممّا يؤيّد الإبطال أنّ لزوم العارية إنّما يكون بسبب من المالك ، والشّروع في الصّلاة ليس من فعله ، وإذنه في الاستقرار لا يدلّ عليه بإحدى الدّلالات الثلاث ، فإن الاذن في الاستقرار أعمّ من الصّلاة ، والعام لا يدلّ على الخاص وإذا انتفى سبب اللّزوم انتفى اللّزوم لا محالة.
ومن هذا البيان يعلم أن موضوع المسألة هنا ما إذا لم يأذن المالك في فعل الصّلاة ، وكذا يعلم من عبارة المصنّف الاتية بغير فصل.
قوله : ( ولو كان الاذن في الصّلاة فالإتمام ).
أي : فالإتمام واجب أو متعيّن ، ونحو ذلك ، فالخبر محذوف لأن إذن المالك في الأمر اللازم شرعا يفضي إلى اللّزوم ، فلا يجوز له الرّجوع بعد التّحريم ، كما لو أذن في دفن الميّت في أرضه ، أو أذن في رهن ماله على دين الغير ، فإنّه لا يجوز له الرّجوع بعدهما.
قوله : ( وفي جواز صلاته والى جانبه أو أمامه امرأة تصلّي قولان ، سواء صلّت بصلاته أو منفردة ، وسواء كانت زوجته أو مملوكته ، أو محرما أو أجنبيّة ، والأقرب الكراهيّة ).
الضّمير في ( صلاته ) لا مرجع له ظاهر في العبارة ، لأنّ الضّمائر الّتي قبله من أوّل الباب بمقتضى السياق عودها إلى المكلّف الصادق على الرّجل ، والمرأة ، والخنثى ، ولا يستقيم عود هذا إليه كما هو ظاهر ، إلاّ أن يتكلّف عودها إليه ، باعتبار كونه رجلا أو خنثى بمعونة قوله : ( وإلى جانبه أو أمامه امرأة تصلّي ).
وتحرير المبحث أنّه : هل يجوز لكلّ من الرّجل والمرأة أن يصلّي الى جانب الآخر ، أو مع تقدّم المرأة بحيث لا يكون بينهما حائل ، أو بعد عشر أذرع؟ فيه قولان :
______________________________________________________
أحدهما : ـ وبه قال الشيخان (١) ، وابن حمزة (٢) ، وجماعة ـ لا يجوز (٣) ، وتبطل صلاتهما معا ، لما روي عن النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه قال : « أخروهنّ من حيث أخرهنّ الله » (٤) ، والأمر للوجوب ، وحيث للمكان ، ولإمكان يتعلّق به وجوب التّأخير إلا في المتنازع إجماعا ، فتعيّن التّأخير فيه ، والأمر بالشّيء يستلزم النّهي عن ضدّه المقتضي لفساد العبادة ، وفي بعض هذه المقدّمات نظر.
ولما رواه عمّار ، عن أبي عبد الله عليهالسلام وقد سئل : عن الرّجل له أن يصلّي وبين يديه امرأة تصلّي؟ قال : « لا يصلّي حتّى يجعل بينه وبينها أكثر من عشرة أذرع ، وإن كانت عن يمينه أو عن يساره جعل بينه وبينها مثل ذلك ، وإن كانت تصلّي خلفه فلا بأس وإن كانت تصيب ثوبه ، وإن كانت المرأة قاعدة أو نائمة أو قائمة في غير صلاة فلا بأس » (٥) ، وترك الاستفصال عن المرأة في السؤال يدلّ على العموم في الزّوجة وغيرها. ويراد بصلاتها خلفه : تأخرها بحيث لا تحاذي بشيء منها بدنه.
ويرد على الرّواية ضعفها بعمار ، فإنّه فطحي ، وعدم مطابقتها للقول بالتّحريم لاشتمالها على اعتبار زيادة على عشر أذرع في التّباعد ، ولم يقل به أحد.
والثّاني : ـ وبه قال السيّد المرتضى (٦) ، وابن إدريس (٧) ، وأكثر المتأخّرين ـ يكره (٨) ، وهو الأصحّ ، لرواية جميل بن درّاج ، عن الصّادق عليهالسلام في الرّجل يصلّي والمرأة بحذائه قال : « لا بأس » (٩).
لا يقال : لا دلالة فيه على أن المرأة تصلّي ، لأنا نقول : ترك الاستفصال دليل العموم.
__________________
(١) الشيخ المفيد في المقنعة : ٢٥ ، والشيخ الطوسي في النهاية : ١٠٠.
(٢) الوسيلة : ٨٧.
(٣) منهم : ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٤٩٦.
(٤) جامع الأصول ١١ : ١٦ حديث ٨٤٨٠.
(٥) التهذيب ٢ : ٢٣١ ، حديث ٩١١ ، الاستبصار ١ : ٣٩٩ حديث ١٥٢٦.
(٦) ذكره في المصباح ونقل ذلك عنه ابن إدريس في السرائر : ٥٧ ، والعلامة في المختلف : ٨٥.
(٧) السرائر : ٥٧.
(٨) منهم : المحقق في الشرائع ١ : ٧١ ، والمعتبر ٢ : ١١٠ ، والشهيد في اللمعة : ٣١.
(٩) التهذيب ٢ : ٢٣٢ حديث ٩١٢ ، الاستبصار ١ : ٤٠٠ حديث ١٥٢٧.