جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٢

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٢

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٤

وتجب الخطبتان بعدها ، وليستا شرطا.

______________________________________________________

وآله » (١) ومثله موثقة سليمان بن خالد (٢) ، وصحيحة أبي بصير عنه عليه‌السلام (٣) وغيرهما (٤).

ولا يعارض ذلك صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « التكبير في العيدين في الأولى سبع قبل القراءة ، وفي الأخرى خمس بعد القراءة » (٥) ومثلها صحيحة إسماعيل بن سعد الأشعري عن الرّضا عليه‌السلام (٦) ، وفي رواية هشام بن الحكم عن الصّادق عليه‌السلام في صلاة العيد : « تصل القراءة بالقراءة » (٧) لأنّ أكثر الأصحاب أعرضوا عن هذه الأخبار ، ولم يعملوا بها ، فترجح الاولى عليها بالشّهرة.

قوله : ( وتجب الخطبتان بعدها وليستا شرطا ).

صرّح بوجوب الخطبتين المصنّف في كتبه (٨) ، وهو مذهب ابن إدريس (٩) ، وصرّح في المعتبر باستحبابهما ، وادّعى عليه الإجماع (١٠) ، وليس في الأخبار تصريح بالوجوب ، قال في الذّكرى : والعمل بالوجوب أحوط (١١).

وفي القول بالوجوب قوة ، لأنّ مداومة النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة عليهم‌السلام عليهما يقتضي الوجوب ، لوجوب التأسي ، ولقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٦٠ حديث ٣ ، التهذيب ٣ : ١٢٩ حديث ٢٧٨ ، الاستبصار ١ : ٤٤٨ حديث ١٧٣٣.

(٢) التهذيب ٣ : ١٣٠ حديث ٢٨١ ، الاستبصار ١ : ٤٤٨ حديث ١٧٣٥.

(٣) التهذيب ٣ : ١٣١ حديث ٢٨٦ ، الاستبصار ١ : ٤٤٩ حديث ١٧٣٦.

(٤) التهذيب ٣ : ١٣٢ حديث ٢٨٨ ـ ٢٩١ ، الاستبصار ١ : ٤٤٩ حديث ١٧٣٧ ـ ١٧٤٢.

(٥) التهذيب ٣ : ١٣١ حديث ٢٨٤ ، الاستبصار ١ : ٤٥٠ حديث ١٧٤٠.

(٦) التهذيب ٣ : ١٣١ حديث ٢٨٥ ، الاستبصار ١ : ٤٥٠ حديث ١٧١٤.

(٧) التهذيب ٣ : ٢٨٤ حديث ٨٤٧ ، الاستبصار ١ : ٤٥٠ حديث ١٧٤٤.

(٨) المنتهى ١ : ٣٤٥ ، التذكرة ١ : ١٥٩.

(٩) السرائر : ٧٠.

(١٠) المعتبر ٢ : ٣٢٤.

(١١) الذكرى : ٢٤٠.

٤٤١

______________________________________________________

« صلّوا كما رأيتموني أصلي » (١) ولم ينقل تركهما عن أحد منهم عليهم‌السلام ، وما هذا شأنه لا يكون إلاّ واجبا ، وروي عن أحدهما عليهما‌السلام أنّه قال : « الصّلاة قبل الخطبتين » (٢) يخطب قائما ويجلس بينهما والأمر للوجوب ، وموضع الخطبتين بعد الصّلاة بإجماع العلماء ، وتقديمهما بدعة.

والمروي أنّ أوّل من قدمهما عثمان ، لأنّه لمّا أحدث أحداثه ، كان إذا فرغ من الصّلاة قام النّاس ، فلما رأى ذلك قدم الخطبتين ، واحتبس النّاس للصّلاة ، رواه محمّد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام أو أبي جعفر عليه‌السلام (٣) ، ونقل عن بني أميّة وابن الزبير أنّهم فعلوا ذلك (٤) ، ثم انعقد الإجماع من المسلمين على تأخيرهما.

وروى العامّة أنّ شخصا أنكر على مروان تقديمهما ، وقال له : خالفت السنة ، فقام أبو سعيد الخدري ، فقال : أمّا هذا المتكلم فقد قضى ما عليه ، قال لنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من رأى منكم منكرا فلينكره بيده ، فمن لم يستطع فلينكره بلسانه فمن لم يستطع فلينكره بقلبه ، وذلك أضعف الإيمان » (٥).

إذا تقرر ذلك فليس الخطبتان شرطا في الصّلاة بخلاف الجمعة ، للأصل ، ولا يجب حضورهما ولا استماعهما اتفاقا ، ولهذا أخرتا عن الصّلاة ، ليتمكن المصلّي من تركهما ، وروى عبد الله بن السائب ، قال : شهدت مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم العيد ، فلما قضى الصّلاة ، قال : « إنّا نخطب ، فمن أحب أن يجلس للخطبة فليجلس ، ومن أحب أن يذهب فليذهب » (٦) لكنه يستحبّ لما فيه من الاتّعاظ وحضور مجالس الذّكر ، وهما كخطبتي الجمعة.

__________________

(١) صحيح البخاري ٨ : ١١.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٨٧ حديث ٨٦٠.

(٣) التهذيب ٣ : ٢٨٧ حديث ٨٦٠.

(٤) نقله الشهيد في الذكرى : ٢٤٠.

(٥) سنن الترمذي ٣ : ٣١٧ حديث ٢٢٦٣.

(٦) سنن ابن ماجة ١ : ٤١٠ حديث ١٢٩٠.

٤٤٢

ويستحب الإصحار إلاّ بمكة ، ومع المطر وشبهه ،

______________________________________________________

لكن ينبغي أن يذكر في خطبة الفطر ما يتعلق بالفطرة ووجوبها وشرائطها وقدر المخرج وجنسه ومستحقّه ووقته ، وفي الأضحى أحكام الأضحيّة.

وهل يجب القيام فيهما والجلوس بينهما؟ فيه نظر ، وظاهر قوله عليه‌السلام في الرّواية السّابقة : « يخطب قائما ، ويجلس بينهما » (١) الوجوب ، وفيه قوّة.

ويستحب له إذا صعد أن يبدأ بالسّلام ، وهل يستحبّ الجلوس قبلهما كما في الجمعة؟ تردّد فيه في التّذكرة (٢) ونفاه في المنتهى (٣) لأنّ استحبابه في الجمعة لأجل الأذان ، ولا أذان هنا. ولا يبعد القول بالاستحباب ، لما فيه من الاستراحة عن تعب الصّعود والتأهب للخطبة.

وظاهر كلام الأصحاب ـ أنّهما كخطبة الجمعة على ما ذكره في التّذكرة (٤) عدم استحباب التّكبير فيهما ، لا بمعنى أنّ التّكبير من حيث هو ذكر لا يستحبّ ، بل بمعنى أنّه لم يوظف بخصوصه ، فعلى هذا لو أتى به على قصد التّوظيف كان بدعة.

قوله : ( ويستحبّ الأسحار إلاّ بمكة ومع المطر وشبهه ).

أجمع علمائنا وأكثر العامة على استحباب فعلها في الصحراء (٥) ، تأسيا بالنّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإنّه كان يصليها خارج المدينة (٦) ، روى معاوية بن عمّار ، عن الصّادق عليه‌السلام : « يخرج الإمام إلى البرّ حيث ينظر الى آفاق السّماء وقد كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يخرج الى البقيع ، فيصلّي بالنّاس » (٧) ولا يستثني من ذلك إلاّ مكة ، ـ زادها الله شرفا ـ ففي مرفوعة محمّد بن يحيى ، عن الصّادق عليه‌السلام قال : « السنة على أهل الأمصار أن يبرزوا من أمصارهم في‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٦٠ حديث ٣ ، التهذيب ٣ : ٢٠ ، ٢٨٧ حديث ٧٤ ، ٨٦٠.

(٢) التذكرة ١ : ١٥٩.

(٣) المنتهى ١ : ٣٤٥.

(٤) التذكرة ١ : ١٥٩.

(٥) سنن الترمذي ٢ : ٢١ ، المجموع ٥ : ٥ ، المغني ٣ : ٢٢٩.

(٦) صحيح البخاري ٢ : ٢٢ ، سنن ابن ماجة ١ : ٤١٤ حديث ١٣٠٦.

(٧) الكافي ٣ : ٤٦٠ حديث ٣.

٤٤٣

وخروج الإمام حافيا ماشيا بسكينة ووقار ذاكرا ،

______________________________________________________

العيد ، إلاّ أهل مكة فإنّهم يصلّون في المسجد الحرام » (١).

وألحق ابن الجنيد مسجد النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) ، وهو ضعيف ، وفعل النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يدفعه. ولو كان هناك مطر أو وحل أو خوف أو نحو ذلك صلّيت في المسجد ، لما روي من أن النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلى في مسجده في يوم مطر (٣).

ولا ينبغي للإمام إذا أراد الخروج أن يخلف أحدا يصلّي العيدين في المساجد ، لضعفة النّاس ، خلافا للشّافعي (٤) ، لسقوطها عنهم ، ولقول الباقر عليه‌السلام : « قال النّاس لأمير المؤمنين عليه‌السلام ألا تخلّف رجلا فيصلّي العيدين بالنّاس؟ فقال : لا أخالف السّنة » (٥) وصرّح الشّيخ في الخلاف بعدم جوازه (٦) ، وتابعه في المعتبر (٧).

قوله : ( وخروج الإمام حافيا بسكينة ووقار ذاكرا ).

روي أنّ النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يركب في عيد ولا جنازة (٨) ، وأنّ عليّا عليه‌السلام قال : « من السنة أن تأتي العيد ماشيا ، وترجع ماشيا » (٩).

ويستحبّ التحفي حال الخروج ، لأنّه أبلغ في الخضوع ، ولأنّ الرّضا عليه‌السلام لمّا خرج لصلاة العيد في عهد المأمون خرج حافيا (١٠) ، وروي عن النّبي‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٦١ حديث ١٠ ، التهذيب ٣ : ١٣٨ حديث ٣٠٧ ، وفيهما : في العيدين.

(٢) نقله عنه في الذكرى : ٢٣٩.

(٣) سنن ابن ماجة ١ : ٤١٦ حديث ١٣١٣.

(٤) المجموع ٥ : ٤ ـ ٥.

(٥) التهذيب ٣ : ١٣٧ حديث ٣٠٢.

(٦) الخلاف ١ : ١٥٥ مسألة ١٨ صلاة العيدين.

(٧) المعتبر ٢ : ٣٢٧ ـ ٣٢٨.

(٨) ذكره المحقق في المعتبر ٢ : ٣١٧.

(٩) المصدر السابق.

(١٠) أصول الكافي ١ : ٤٠٨ حديث ٧ ، عيون أخبار الرضا ٢ : ١٤٩ حديث ٢١.

٤٤٤

وقراءة الأعلى في الاولى والشمس في الثانية ،

______________________________________________________

صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : « من اغبرت قدماه في سبيل الله حرّمهما الله على النّار » (١).

ولو كان موطنه بعيدا عن المصلّى ، أو كان عاجزا ، أو به علة ونحو ذلك جاز الركوب قطعا ، ويستحبّ السكينة في أعضائه والوقار في نفسه ، بمعنى طمأنينة النّفس وثباتها.

ومقتضى العبارة اختصاص استحباب المشي والحفاء بالإمام عليه‌السلام ، لأنّ التقييد به يشعر بذلك ، لكن دلائل الاستحباب تقتضي العموم ، وعبارة النّهاية للمصنّف غير مقيّدة ، فإنّه قال : يستحبّ الخروج ماشيا الى آخره (٢) ، وهو المناسب وقد روي أنّ المأمون تبع الرّضا عليه‌السلام في فعله ، ويستحبّ أن يكون ذاكرا لله تعالى في حال خروجه ، كما نقل عن الرّضا عليه‌السلام.

قوله : ( وقراءة الأعلى في الاولى ، والشّمس في الثّانية ).

هذا قول الشّيخ في المبسوط (٣) والنّهاية (٤) ومحمّد بن بابويه (٥) وابن إدريس (٦) وابن حمزة (٧). تدلّ عليه رواية إسماعيل الجعفي ، عن أبي جعفر عليه‌السلام : « تقرأ في الاولى مع أم القرآن( سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ) ، وفي الثّانية والشّمس » (٨) ومثله رواية أبي الصّباح عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٩).

__________________

(١) صحيح البخاري ٢ : ٩ ، سنن الترمذي ٣ : ٩٣ حديث ١٦٨٢ ، سنن النسائي ٦ : ١٤ ، سنن الدارمي ٢ : ٢٠٢ ، مسند أحمد ٣ : ٣٦٧ ، وفي الجميع اختلاف بسيط في اللفظ.

(٢) نهاية الأحكام ٢ : ٦٤.

(٣) المبسوط ١ : ١٧٠.

(٤) النهاية : ١٣٥.

(٥) الفقيه ١ : ٣٢٤.

(٦) السرائر : ٧٠.

(٧) الوسيلة : ١١٦.

(٨) التهذيب ٣ : ١٣٢ حديث ٢٨٨ ، الاستبصار ١ : ٤٤٩ حديث ١٧٣٨ ، وفيه : ( الجبلي ) بدل ( الجعفي ).

(٩) الفقيه ١ : ٣٢٤ حديث ١٤٨٥ ، التهذيب ٣ : ١٣٢ حديث ٢٩٠ ، الاستبصار ١ : ٤٥٠ حديث ١٧٤٣.

٤٤٥

والسجود على الأرض.

______________________________________________________

وقال في الخلاف : يقرأ في الأولى الحمد وو الشّمس ، وفي الثّانية الحمد والغاشية (١) ، وهو قول المفيد (٢) والمرتضى (٣) وابي الصّلاح (٤) وابن البرّاج (٥) وابن زهرة (٦) ، تدلّ عليه صحيحة جميل عن الصّادق عليه‌السلام وقد سأله : ما يقرأ فيهما؟ قال : « ( وَالشَّمْسِ وَضُحاها ) و ( هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ ) ، وأشباههما » (٧) وصحيحة معاوية بن عمّار عنه عليه‌السلام : « تقرأ في الأولى الحمد و ( وَالشَّمْسِ وَضُحاها ) ، وفي الثّانية الحمد و ( هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ ) » (٨).

وليس البحث في الجواز بل في الأفضلية ، وهذان القولان مشهوران ، وقيل : يقرأ في الأولى الغاشية ، وفي الثّانية الأعلى (٩) ، وقيل : الغاشية في الاولى ، والشّمس في الثّانية (١٠).

قوله : ( والسّجود على الأرض ).

أي : مباشرتها بجميع بدنه بحيث لا يصلّي على نحو بساط ، ففي صحيحة معاوية بن عمّار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « ولا يصلّي على حصير ولا يسجد عليه » (١١) وفي صحيحة الفضيل ، عنه عليه‌السلام أنّه اتي بخمرة يوم الفطر ، فأمر بردها ، وقال : « هذا يوم كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحب أن ينظر إلى‌

__________________

(١) الخلاف ١ : ١٥٣ مسألة ١٢ صلاة العيدين.

(٢) المقنعة : ٣٢.

(٣) جمل العلم والعمل : ٧٤.

(٤) الكافي في الفقه : ١٥٣ ـ ١٥٤.

(٥) المهذب ١ : ١٢٢.

(٦) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٤٩٩ ـ ٥٠٠.

(٧) التهذيب ٣ : ١٢٧ حديث ٢٧٠ ، الاستبصار ١ : ٤٤٧ حديث ١٧٢٩.

(٨) التهذيب ٣ : ١٢٩ حديث ٢٧٨ ، الاستبصار ١ : ٤٤٨ حديث ١٧٣٣.

(٩) نسب العلامة هذا القول الى علي بن بابويه في رسالته الى ولده كما في المختلف : ١١٢.

(١٠) قاله ابن أبي عقيل ونقله عنه في المختلف : ١١٢.

(١١) الكافي ٣ : ٤٦٠ حديث ٣ ، التهذيب ٣ : ١٢٩ حديث ٢٧٨.

٤٤٦

وأن يطعم قبل خروجه في الفطر ، وبعد عوده في الأضحى مما يضحي به.

______________________________________________________

آفاق السّماء ، ويضع جبهته على الأرض » (١) وتخصيص الجبهة في آخر هذا الحديث بالذكر لشرفها ، فإذا وضعت على الأرض فغيرها أولى.

قوله : ( وأن يطعم قبل خروجه في الفطر ، وبعد عوده في الأضحى مما يضحي به ).

أما الفطر ، فلأنّ الإفطار فيه مطلوب ، للفصل بينه وبين الصّوم ، فيستحب المبادرة إليه ، بخلاف الأضحى فإن المبادرة إلى الصّلاة أولى ، روى جرّاح المدائني ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « اطعم يوم الفطر قبل أن تصلّي ، ولا تطعم يوم الأضحى حتّى ينصرف الإمام » (٢).

ويستحبّ في الفطر الإفطار على الحلو ، كما صرّح به كثير من الأصحاب (٣) ، لما روي أنّ النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يأكل قبل خروجه في الفطر تمرات ثلاثا أو خمسا أو سبعا أو أقل أو أكثر (٤).

ولو أفطر على التّربة الحسينيّة صلوات الله على مشرفها ، فقد شرط في الذّكرى لجوازه أن يكون به علة ، وبدونها يحرم ، محتجّا بتحريم الطين على الإطلاق ، إلاّ ما خرج لدليل من الاستشفاء بالتّربة الشريفة ، وإنّ الرّواية الواردة بالإفطار عليها شاذة (٥) ، ومتى جاز التّناول فلا يتجاوز قدر الحمصة ، وقال أيضا : إنّ أفضل الحلاوة السكر (٦). وفي الأضحى يستحبّ الأكل من أضحيته ، لما روى زرارة عن‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٦١ حديث ٧ ، التهذيب ٣ : ٢٨٤ حديث ٨٤٦ ، وفيهما : ( الفضل ) بدل ( الفضيل ).

(٢) الكافي ٤ : ١٦٨ حديث ٢ ، التهذيب ٣ : ١٣٨ حديث ٣١٠.

(٣) منهم : الشيخ في النهاية : ١٣٤ ، والعلامة في المنتهى ١ : ٣٤٥ ، والشهيد في الذكرى : ٢٤٠.

(٤) سنن الترمذي ٢ : ٥٧ حديث ٥٤١.

(٥) الفقيه ١ : ١١٣ حديث ٤٨٥ ، الكافي ٣ : ١٧٠ حديث ٤ ، وفيه : «. إني فطرت يوم الفطر على تين وتمرة. » والظاهر انه خطأ حيث أن الصحيح ( على طين ) كما نقله الحر العاملي في الوسائل عن الكافي.

(٦) الذكرى : ٢٤٠.

٤٤٧

والتكبير في الفطر عقيب أربع ، أولها المغرب ليلة الفطر وآخرها العيد.

يقول : الله أكبر ـ ثلاثا ـ لا إله إلاّ الله والله أكبر ، الحمد الله على ما هدانا وله الشكر على ما أولانا.

وفي الأضحى عقيب خمس عشرة ، أولها ظهر العيد إن كان بمنى ، وعقيب عشر إن كان بغيرها ، ويزيد : ورزقنا من بهيمة الأنعام.

______________________________________________________

الباقر عليه‌السلام قال : « لا تأكل يوم الأضحى إلاّ من أضحيتك إن قويت ، وإن لم تقو فمعذور » (١).

فرع : اختار المصنّف في النّهاية في الفطر استحباب الإصباح بها أكثر ، لأنّ من المسنون يوم الفطر أن يفطر أوّلا على شي‌ء من الحلاوة ويصلّي ، وفي الأضحى لا يطعم شيئا حتّى يصلّي ، ويضحي ، ولأنّ الأفضل إخراج الفطرة قبل الصّلاة ، فيؤخرها ليتسع الوقت لذلك (٢) ، ولا بأس بما اختاره.

قوله : ( والتّكبير في الفطر عقيب أربع صلوات ، أوّلها المغرب ليلة الفطر ، وآخرها العيد ، يقول : الله أكبر ثلاثا ، لا إله إلاّ الله والله أكبر ، الحمد لله على ما هدانا ، وله الشّكر على ما أولانا ، وفي الأضحى عقيب خمس عشرة ، إلى قوله ـ ورزقنا من بهيمة الأنعام ).

أي : يستحبّ التكبير في العيدين ، ولا يجب عند أكثر الأصحاب ، لرواية سعيد النقاش ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « أما إنّ في الفطر تكبيرا ، ولكنّه مسنون » قال : « قلت : وأين هو؟ قال : « في ليلة الفطر في المغرب والعشاء الآخرة ، وفي صلاة الفجر ، وصلاة العيد » (٣).

وإذا ثبت الاستحباب في الفطر ، ثبت في الأضحى ، لعدم القائل بالفرق.

__________________

(١) الفقيه ١ : ٣٢١ حديث ١٤٦٩ ، وفيه : من هديتك وأضحيتك.

(٢) نهاية الأحكام ٢ : ٥٦.

(٣) الكافي ٤ : ١٦٦ حديث ١ ، وفيه : ( مستور ) بدل ( مسنون ) ، الفقيه ٢ : ١٠٨ حديث ٤٦٤ ، التهذيب ٣ : ١٣٨ حديث ٣١١.

٤٤٨

______________________________________________________

وقال المرتضى بالوجوب ، محتجّا بالإجماع ، وبقوله تعالى ( وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ ) (١) ( وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيّامٍ مَعْدُوداتٍ ) (٢) والأمر للوجوب.

فأما الإجماع ، فكيف يحتجّ به في مثل هذه المسألة الّتي يمكن ادعاء الإجماع في القول المقابل؟

وأمّا الأمر ، فقد يرد للندب ، فيحمل عليه هاهنا ، لضعف القول بالوجوب وندوره ، واشتهار القول بالاستحباب عند أكثر العلماء ، على أن قوله تعالى : ( وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ ) ليس أمرا.

إذا تقرّر هذا فالتكبير في الفطر عقيب أربع صلوات ، كما تضمنته رواية سعيد ، وفي الأضحى لمن كان بمنى عقيب خمس عشرة ، وفي الأمصار عقيب عشر. روى حريز ، عن محمّد بن مسلم ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عزّ وجلّ ( وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيّامٍ مَعْدُوداتٍ ) قال : « التّكبير في أيّام التّشريق عقيب صلاة الظّهر من يوم النّحر إلى صلاة الفجر يوم الثّالث ، وفي الأمصار عشر صلوات » (٣) ومثله رواه زرارة عن الباقر عليه‌السلام (٤).

ويستحبّ رفع الصّوت به لغير المرأة والخنثى ، حذرا من سماع الأجانب ، لأنّ فيه إظهارا لشعائر الإسلام.

ويستحبّ للمنفرد والجامع ، الحاضر والمسافر ، سواء كان في بلد أو قرية ، صغيرة أو كبيرة ، ذكرا كان أو أنثى ، حرّا كان أو عبدا ، لعموم الأخبار (٥).

__________________

(١) البقرة : ١٨٥.

(٢) البقرة : ٢٠٣.

(٣) الكافي ٤ : ٥١٦ حديث ١ ، التهذيب ٥ : ٢٦٩ حديث ٩٢٠.

(٤) الكافي ٤ : ٥١٦ حديث ٢ ، التهذيب ٥ : ٢٦٩ حديث ٩٢١.

(٥) الكافي ٤ : ١٦٦ ، حديث ١ : ٥١٦ حديث ١ ، ٢ ، الفقيه ٢ : ١٠٨ حديث ٤٦٤ ، التهذيب ٣ : ١٣٨ حديث ٣١١ ، و ٥ : ٢٦٩ حديث ٤٦٤.

٤٤٩

______________________________________________________

ولو ترك الإمام التكبير أتى به المأموم ، ولو فاتته صلاة من هذه الصّلوات فقضاها كبّر عقيبها ، وإن خرجت أيام التّشريق ، لقوله عليه‌السلام : « فليقضها كما فاتته » (١) ولو نسي التكبير أتى به حيث ذكر ، صرّح به المصنّف في النّهاية (٢) وغيرها (٣).

ولا يستحبّ عقيب النّوافل ، ورواية حفص بن غياث ضعيفة (٤) ، والأشهر في صورته : الله أكبر مرّتين ، لا إله إلاّ الله والله أكبر ، الله أكبر على ما هدانا ، وله الحمد على ما أولانا ـ ويزيد في الأضحى ـ ورزقنا من بهيمة الأنعام.

قال الشّيخ في النّهاية : يقول : الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلاّ الله ، والله أكبر ، الحمد لله على ما هدانا ، وله الشّكر على ما أولانا ، وزاد في الأضحى بعد قوله : وله الشّكر على ما أولانا : ورزقنا من بهيمة الانعام (٥).

وحكى في الذّكرى عن النّهاية التّكبير ثلاثا (٦) ، والظّاهر أنّه يريد نهاية الشّيخ ، والّذي وجدته في النّهاية هو ما ذكرته ، وهو الّذي حكاه المصنّف عنها في المنتهى (٧) والمختلف (٨) إلاّ أنّه زاد في المختلف في الحكاية : ولله الحمد ، وكذا فعل في الذّكرى ولم أجده كذلك. وفي المبسوط (٩) قريب مما في النّهاية ، وأطلق في الخلاف التّكبير مرّتين ، ثم يقول : لا إله إلاّ الله ، والله أكبر ، الله أكبر ، ولله الحمد ، ولم يفصل بين العيدين (١٠).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٣٥ حديث ٧ ، التهذيب ٣ : ١٦٢ حديث ٣٥٠ ، وفيهما : يقضي ما فاته كما فاته.

(٢) نهاية الأحكام ٢ : ٦٨.

(٣) المنتهى ١ : ٣٤٨.

(٤) التهذيب ٣ : ٢٨٩ حديث ٨٦٩.

(٥) النهاية : ١٢٠.

(٦) الذكرى : ٢٤١.

(٧) المنتهى ١ : ٣٤٧.

(٨) المختلف : ١١٦.

(٩) المبسوط ١ : ١٧١.

(١٠) الخلاف ١ : ١٥٥ مسألة ٢١ صلاة العيدين.

٤٥٠

ووقتها من طلوع الشمس إلى الزوال ، فان فاتت سقطت.

______________________________________________________

وقال ابن أبي عقيل : في الأضحى الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله الله ، والله أكبر ولله الحمد على ما هدانا ، الله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام ، والحمد لله على ما أبلانا (١) ، ولم يذكر تكبير الفطر.

وقال ابن الجنيد : في الفطر : الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلاّ الله ، والله أكبر ولله الحمد على ما هدانا ، وفي الأضحى الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، ثلاثا ، لا إله إلاّ الله ، والله أكبر ولله الحمد ، الله أكبر على ما هدانا ، الله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام » (٢) ، وفي حسنة زرارة ، عن الباقر عليه‌السلام في الأضحى « الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلاّ الله ، والله أكبر ، الله أكبر على ما هدانا ، الله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام » (٣) وفي رواية سعيد النقّاش ، عن ابي عبد الله عليه‌السلام في صفة تكبير الفطر : « يقول : الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلاّ الله ، والله أكبر ولله الحمد ، الله أكبر على ما هدانا » (٤).

وقال البزنطي : يكبر في الأضحى ثلاثا (٥) ، ومثله قال ابن بابويه في المقنع (٦) وقال في الذّكرى : إنّ في رواية سعيد في الفطر الله أكبر ثلاثا (٧) ، والكل حسن.

قوله : ( ووقتها من طلوع الشّمس إلى الزّوال ، فان فاتت سقطت ).

أجمع أصحابنا على أنّ وقت العيد من الطلوع إلى الزّوال ، وبه وردت الأخبار (٨).

__________________

(١) نقله عنه في المختلف : ١١٥.

(٢) المختلف : ١١٥.

(٣) الكافي ٤ : ٥١٦ حديث ٢ ، التهذيب ٥ : ٢٦٩ حديث ٩٢١.

(٤) الكافي ٤ : ١٦٦ حديث ١ ، الفقيه ٢ : ١٠٨ حديث ٤٦٤ ، التهذيب ٢ : ١٠٨ حديث ٤٦٤ ، التهذيب ٣ : ١٣٨ حديث ٣١١.

(٥) نقله في الذكرى : ٢٤١.

(٦) المقنع : ٤٦.

(٧) الذكرى : ٢٤١.

(٨) الفقيه ١ : ٣٢٠ حديث ١٤٥٨ ، التهذيب ٣ : ٢٨٧ حديث ٨٥٩ ، الاستبصار ١ : ٤٤٤ حديث ١٧١٢.

٤٥١

______________________________________________________

وقال بعض العامة : من حين ارتفاع الشّمس كرمح ، بناء على أنها نافلة ، وأنّ النّافلة تكره قبل ذلك (١) ، وكلاهما باطل.

ويستحبّ تأخيرها الى أن تنبسط الشّمس ، ليتوفر النّاس على الحضور وفي المبسوط : وقت صلاة العيد إذا طلعت الشّمس وارتفعت وانبسطت (٢).

ولا تقضى لو فاتت عند أكثر أصحابنا (٣) ، سواء كانت فرضا أو نفلا ، عمدا كان الفوات أو لا ، لأنّ القضاء منفي بالأصل ، ولقول الباقر عليه‌السلام : « من لم يصلّ مع الإمام في جماعة فلا صلاة له ولا قضاء عليه » (٤).

وقال الشّيخ : من فاتته الصّلاة يوم العيد لا يجب عليه القضاء ، ويجوز له أن يصلّي ، إن شاء ركعتين ، وإن شاء أربعا من غير أن يقصد بها القضاء (٥) ، وقال ابن إدريس : يستحبّ قضاؤها (٦) ، وقال أبو الصّلاح : لا يجوز قضاؤها واجبة ولا مسنونة (٧). وفي رواية أبي البختري ، عن الصّادق عليه‌السلام : « من فاتته صلاة العيد فليصلّ أربعا » (٨) وهي ضعيفة ، وابن الجنيد قال : يصلّي الأربع مفصولات (٩) ، يعني بتسليمتين ، وقال علي بن بابويه : يصليها بتسليمة (١٠) ، ولم ينقل لهما دليل ، وهذه الرّواية مع ضعفها لا دلالة فيها.

__________________

(١) قاله الشافعي كما في المجموع ٥ : ٣ ـ ٤.

(٢) المبسوط ١ : ١٦٩.

(٣) منهم : الشيخ في الخلاف ١ : ١٥٥ مسألة ١٩ صلاة العيدين ، وأبو الصلاح في الكافي في الفقه : ١٥٥ ، والشهيد في الذكرى : ٢٣٩.

(٤) الكافي ٣ : ٤٥٩ حديث ١ ، التهذيب ٣ : ١٢٨ حديث ٢٧٣ ، الاستبصار ١ : ٤٤٤ حديث ١٧١٤ ، وفي المصادر كافة : في جماعة العيد فلا صلاة.

(٥) النهاية : ١٣٣.

(٦) السرائر : ٧٠.

(٧) الكافي في الفقه : ١٥٥.

(٨) التهذيب ٣ : ١٣٥ حديث ٢٩٥ ، الاستبصار ١ : ٤٤٦ حديث ١٧٢٥.

(٩) نقله عنه في المختلف : ١١٤.

(١٠) ذكر العلامة في المختلف : ١١٤ ، ان علي بن بابويه قال : ( إذا صليت بغير خطبة صليت أربع ركعات بتسليمة ).

٤٥٢

المطلب الثاني : في الأحكام :

شرائط العيدين هي شرائط الجمعة إلاّ الخطبتين ، ومع اختلاف بعضها تستحب جماعة وفرادى.

______________________________________________________

قوله : ( المطلب الثاني : في الأحكام : شرائط العيدين هي شرائط الجمعة إلا الخطبتين ).

هذا اتفاقي للأصحاب ، وقال في المبسوط : شرائطها شرائط الجمعة ، سواء في العدد والخطبة وغير ذلك (١) ، قال المصنف في التذكرة : وفي هذه العبارة نظر (٢) ، وهو حق ، لأنّ الخطبتين تتأخران عن الصلاة ، فكيف تكونان شرطا؟

إذا تقرر هذا ، فمع الشرائط لو امتنع المكلف من إقامتها مع الشرائط قهر عليها ، ولو امتنع قوم منها قوتلوا لأنها واجبة.

قوله : ( ومع اختلال بعضها تستحب جماعة وفرادى ).

والجماعة أفضل ، وكذا يصليها من لم تجب عليه من المسافر والعبد والمرأة ندبا ، وإن أقيم فرضها في البلد مع الامام.

وقال السيد المرتضى : يصلي عند فقد الإمام واختلال بعض الشرائط فرادى (٣) ، وقريب منه قول أبي الصّلاح ، فإنه قال : يقبل الجمع فيها مع اختلال الشرائط (٤) ، وأكثر الأصحاب على جواز فعلها جماعة (٥) ، وفي رواية عمار ، عن الصادق عليه‌السلام النهي عن إمامة الرجل بأهله في صلاة العيدين في السطح أو بيت (٦) ، ويمكن حملها على ما إذا خوطب بفعلها مع الجماعة. وفي رواية سماعة عنه‌

__________________

(١) المبسوط ١ : ١٦٩.

(٢) التذكرة ١ : ١٥٧.

(٣) جمل العلم والعمل : ٧٤.

(٤) الكافي في الفقه : ١٥٤.

(٥) منهم : المحقق في الشرائع ١ : ١٠٠ ، والشهيد في الذكرى : ٢٣٨ وفيه : مع عدم الشرائط تصلى سنة جماعة.

(٦) التهذيب ٣ : ٢٨٩ حديث ٨٧٢.

٤٥٣

وتجب على كلّ من تجب عليه.

______________________________________________________

عليه‌السلام : « لا صلاة في العيدين إلا مع إمام ، فإن صلّيت وحدك فلا بأس » (١) وربما أشعرت بمنع الجماعة مع عدم الإمام.

والحق أنه لا صراحة فيها مع معارضتها لمرسلة عبد الله بن المغيرة عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن صلاة الفطر والأضحى فقال : « صلّهما ركعتين ، في جماعة وغير جماعة » (٢) وهو مطلق.

وظاهر التخيير يقتضي أن يكون ذلك مع اختلال الشرائط ، والمعتمد ما عليه الأكثر ، فإن صلاها في جماعة والحال هذه استحبت الخطبة ، كما يجب في الواجبة ، ولو صلاها منفردا لم يخطب على الأقرب ، وفاقا للمصنف في التذكرة (٣) والشيخ في المبسوط (٤) لانتفاء المقتضي.

فرع : هل يشترط لجواز فعلها هنا مع اختلال الشرائط خلو الذمة من قضاء واجب؟ الأصح لا ، لما سيأتي في باب القضاء ، وقد سبق في المواقيت أنه لا يشترط خلو الذمّة من الصلاة الواجبة لفعل المندوبة.

قوله : ( وتجب على كل من تجب عليه ).

وتسقط عمن تسقط عنه بإجماعنا وفي رواية عن الصادق عليه‌السلام : « إنّ على الإمام أن يخرج المحبسين في الدّين يوم الجمعة ويوم العيد إلى العيد ، ويرسل معهم ، فإذا قضوا الصّلاة ردّهم إلى السجن » (٥) وظاهره الوجوب ، لاستفادته من لفظة « على » وفيه إشعار بأنّ المحبوس فيما هو أشد من الدّين لا يخرج ، ويستفاد منه إخراج المحبوس لما هو أخف منه بطريق أولى.

__________________

(١) الفقيه ١ : ٣٢٠ حديث ١٤٥٩ ، التهذيب ٣ : ١٢٨ ، حديث ٢٧٤ ، الاستبصار ١ : ٤٤٥ حديث ١٧١٩.

(٢) الفقيه ١ : ٣٢٠ حديث ١٤٦١ ، التهذيب ٣ : ١٣٥ حديث ٢٩٤ ، الاستبصار ١ : ٤٤٦ حديث ١٧٢٤.

(٣) التذكرة ١ : ١٥٧.

(٤) المبسوط ١ : ١٦٩.

(٥) التهذيب ٣ : ٢٨٥ حديث ٨٥٢.

٤٥٤

والأقرب وجوب التكبيرات الزائدة ، والقنوت بينها.

______________________________________________________

قوله : ( والأقرب وجوب التكبيرات الزائدة والقنوت بينها ).

المراد بالتكبيرات الزائدة : هي ما زاد على تكبيرة الإحرام ، وتكبيرتي الركوع ، وتحقيق ما هنا يتم ببحثين :

الأول : اختلف الأصحاب في التكبيرات الزائدة في صلاة العيد ، فقال الأكثر ، كالسيد المرتضى (١) وأبي الصلاح (٢) وابن الجنيد بالوجوب (٣) ، واختاره المصنف ، وهو الأصح ، للتأسي بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة عليهم‌السلام ، ولقوله عليه‌السلام : « صلّوا كما رأيتموني أصلي » (٤) ولأنهم عليهم‌السلام نصوا على وجوب صلاة العيد ، ثم بينوا كيفيتها ، وذكروا التكبيرات الزائدة ، وبيان الواجب واجب.

وقال الشيخ : إنه مستحب (٥) ، واختاره نجم الدين بن سعيد (٦) ، لصحيحة زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام انّ عبد الملك بن أعين سأله عن الصلاة في العيدين فقال : « الصلاة فيهما سواء يكبّر الإمام تكبيرة الصلاة قائما كما يصنع في الفريضة ، ثم يزيد في الركعة الأولى ثلاث تكبيرات ، وفي الأخرى ثلاثا ، سوى تكبيرة الصلاة والركوع والسجود ، إن شاء ثلاثا وخمسا ، وإن شاء خمسا وسبعا ، بعد أن يلحق ذلك إلى وتر » (٧) وجوّز الاقتصار على الثلاث ، فيكون الزائد مستحبا ، إذ لا قائل بوجوب الثلاث فقط.

وحمل الشيخ هذه الرواية في الاستبصار على التقية ، لموافقتها لمذاهب كثير‌

__________________

(١) الانتصار : ٥٦ ، جمل العلم والعمل : ٧٤.

(٢) الكافي في الفقه : ١٥٣ ـ ١٥٤.

(٣) نقله عنه في المختلف : ١١٢.

(٤) صحيح البخاري ١ : ١٦٢.

(٥) المبسوط ١ : ١٧٠ ، النهاية : ١٣٥.

(٦) شرائع الإسلام ١ : ١٠٢.

(٧) التهذيب ٣ : ١٣٤ حديث ٢٩١ ، الاستبصار ١ : ٤٤٨ حديث ١٧٣٢.

٤٥٥

ويحرم السفر بعد طلوع الشمس قبلها على المكلّف بها.

______________________________________________________

من العامة (١) ، ولأنّ فيه جمعا بينها وبين ما دلّ على الوجوب ، كما ورد في الصحيح من قول موسى عليه‌السلام : « ثم يقرأ ، ويكبر خمسا ، ويدعو بينها ، ثم يكبر اخرى ، ويركع بها ، فذلك سبع تكبيرات بالتي افتتح بها ، ثم يكبر في الثانية خمسا ، يقوم فيقرأ ، ثم يكبر أربعا ، ويدعو بينهن ، ثم يركع بالتكبيرة الخامسة » (٢) فإنّ الأمر للوجوب ، ولأنّ ذلك وقع بيانا للواجب ، ولأنّ تميز العيد عن اليومية إنّما هو بالتكبير ، فناسب وجوبه.

الثاني : اختلفوا في وجوب القنوت بينها ، فالأكثر على الوجوب (٣) ، لما سبق من الدلائل ، وهو الأصح.

والشيخ (٤) ومن تبعه على الاستحباب (٥) ، للأصل ، ولأن استحباب التكبير يقتضي استحباب القنوت بطريق أولى.

وجوابه : أنّ الأصل متروك بالدليل ، وقد بيناه ، ووجوب التكبير بيناه فيما سبق.

واعلم أنّ في قول المصنف : ( والقنوت بينها ) توسعا ، لأنّ القنوت الأخير ليس بين التكبيرات.

قوله : ( ويحرم السفر بعد طلوع الشمس قبلها على المكلف بها ).

لاستلزامه الإخلال بالواجب ، كذا عللوه ، فعلى هذا لو لم يلزم من السفر الإخلال بها لم يحرم.

ولا يخفى أنّ من ليس مكلّفا بها لا يحرم عليه السفر بحال ، ولا فرق في السفر بين كونه إلى مسافة أو لا.

__________________

(١) المجموع ٥ : ١٩ ـ ٢٠.

(٢) التهذيب ٣ : ١٣٢ حديث ٢٨٧ ، الاستبصار ١ : ٤٤٩ حديث ١٧٣٧.

(٣) منهم : الصدوق في الفقيه ١ : ٣٢٤ ، والمقنع : ٤٦ ، والسيد المرتضى في الانتصار : ٥٧ ، وجمل العلم والعمل : ٧٥ ، وأبو الصلاح في الكافي في الفقه : ١٥٤.

(٤) المبسوط ١ : ١٧٠ ، النهاية : ١٣٥.

(٥) منهم : المحقق في شرائع الإسلام ١ : ١٠٢.

٤٥٦

ويكره بعد الفجر ، والخروج بالسلاح لغير حاجة ، والتنفل قبلها وبعدها إلاّ في مسجد النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإنه يصلّي قبلها فيه ركعتين.

______________________________________________________

قوله : ( ويكره بعد الفجر ).

لأنّ فيه تفويت الوجوب ، ولمّا لم يتحقق الوجوب لم يحرم ، ورواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « إذا أردت الشخوص في يوم عيد فانفجر الصبح وأنت في البلد ، فلا تخرج حتى تشهد ذلك العيد » (١) محمولة على الكراهة ، لانتفاء الوجوب حينئذ ، فلا يعقل تحريم الخروج.

ولو كان بينه وبين موضع الصلاة ما يحتاج معه إلى السعي قبل طلوع الشمس ، ففي تحريم السفر عليه حينئذ إشكال ، ينشأ من أنّ السعي حينئذ مقدمة الواجب ، ومن فقد سبب الوجوب ، وهو الوقت ، ووجوب المقدمة تابع لوجوب الأصل ، واختاره المصنف في النهاية التحريم (٢). وأمّا قبل الفجر فلا بأس بالسفر إجماعا.

قوله : ( والخروج بالسلاح لغير حاجة ).

لمنافاته الخضوع والاستكانة ، ولا يكره مع الحاجة ، روى السكوني ، عن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام أنه قال : « نهى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يخرج السلاح في العيدين ، إلا أن يكون عذرا ظاهرا » (٣) وأراد بالعذر الظاهر : البيّن ، لأنّ الخروج بالسلاح في محل العبادة مستهجن في النفوس ، فلا يزول ذلك إلا بالأمر المعلوم اقتضاؤه له.

قوله : ( والتنفل قبلها وبعدها إلاّ في مسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإنه يصلي قبلها فيه ركعتين ).

أجمع علماؤنا على كراهية التنفل قبلها وبعدها إلى الزوال للإمام والمأموم ،

__________________

(١) الفقيه ١ : ٣٢٣ حديث ١٤٨٠ ، التهذيب ٣ : ٢٨٦ حديث ٨٥٣.

(٢) نهاية الأحكام ٢ : ٥٧.

(٣) الكافي ٣ : ٤٦٠ حديث ٦ ، وفيه : عدوّ حاضر ، التهذيب ٣ : ١٣٧ حديث ٣٠٥ وفيه : عدوّ ظاهر.

٤٥٧

ولا ينقل المنبر ، بل يعمل منبر من طين.

______________________________________________________

لصحيحة زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام : « ليس قبلها ولا بعدها صلاة ذلك اليوم الى الزوال » (١) وغيرها (٢). واستثنوا من ذلك مسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإنه يصلي فيه ركعتين قبل خروجه.

وظاهر كلامهم أنّ من كان بالمدينة يستحب له أن يقصده فيصلي فيه ركعتين ، ثم يخرج إلى المصلى ، وعبارة المصنف في النهاية هذه : يستحب صلاة ركعتين في مسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمن كان بالمدينة قبل خروجه إلى العيد ، لقول الصادق عليه‌السلام : « ركعتان من السنة ليس تصليان في موضع إلاّ بالمدينة قبل خروجه إلى العيد ، لقول الصادق عليه‌السلام : « ركعتان من السنة ليس تصليان في موضع إلاّ بالمدينة ، تصلى في مسجد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في العيد قبل أن يخرج إلى المصلى ، ليس ذلك إلا بالمدينة ، لأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فعله » (٣) (٤).

وعن ابن الجنيد : إلحاق المسجد حرام وكل مكان شريف يجتاز به المصلي (٥) ، والرواية حجة عليه.

وأطلق أبو الصلاح المنع من التطوع والقضاء قبل صلاة العيد وبعدها حتى تزول الشمس ، إلاّ لمن كان في المدينة (٦) ، ولعله يريد بالقضاء : قضاء النافلة ، وبالمنع : الكراهة ، فلا يكون مخالفا لما عليه الأصحاب.

ويبعد أن يرى كراهة فعل القضاء الواجب ، فانّ جميع الأوقات صالحة له ، والفورية فيه إما على الوجوب أو الاستحباب.

قوله : ( ولا ينقل المنبر ، بل يعمل منبر من طين ).

لا خلاف في كراهة نقل المنبر من الجامع ، بل يعمل من طين ما يشبه المنبر ، لما روي عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « وليس فيهما منبر ، المنبر لا يحول من موضعه ،

__________________

(١) الفقيه ١ : ٣٢٠ حديث ١٤٥٨ ، التهذيب ٣ : ١٣٤ حديث ٢٩٢ ، الاستبصار ١ : ٤٤٣ حديث ١٧١٢.

(٢) الكافي ٣ : ٤٥٩ ، ٤٦٠ حديث ١ ، ٣ ، التهذيب ٣ : ١٢٩ حديث ٢٧٦ ، ٢٧٧.

(٣) الكافي ٣ : ٤٦١ حديث ١١ ، الفقيه ١ : ٣٢٢ حديث ١٤٧٥ ، التهذيب ٣ : ١٣٨ حديث ٣٠٨.

(٤) نهاية الأحكام ٢ : ٥٨.

(٥) نقله عنه في المختلف : ١١٤.

(٦) الكافي في الفقه : ١٥٥.

٤٥٨

وتقديم الخطبتين بدعة ، واستماعهما مستحب.

______________________________________________________

ولكن يصنع للإمام شي‌ء شبه المنبر من طين ، فيقوم عليه فيخطب الناس ثم ينزل » (١).

قوله : ( وتقديم الخطبتين بدعة ).

لا خلاف في ذلك ، وقد روي أنّ عثمان وابن الزبير ومروان بن الحكم خطبوا قبل الصلاة (٢) ، وقد روى الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم ، عن أحدهما عليهما‌السلام : « إنّ أول من أحدث تقديم الخطبة في العيد عثمان ، فإنه لمّا أحدث أحداثه كان إذا فرغ من الصلاة قام الناس ، فلما رأى ذلك قدم الخطبتين ، واحتبس الناس للصلاة » (٣). وروى الجمهور عن ابن عمر ، قال : إنّ النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبا بكر وعمر وعثمان وعليا كانوا يصلون العيدين قبل الخطبة (٤). وروى طارق بن شهاب قال : قدّم مروان الخطبة قبل الصلاة ، فقام رجل ، فقال : خالفت السنة ، كانت الخطبة بعد الصلاة ، فقال : اترك ذلك يا أبا فلان! فقام أبو سعيد ، فقال : أمّا هذا المتكلم فقد قضى ما عليه ، قال لنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من رأى منكم منكرا فلينكره بيده ، فمن لم يستطع فلينكره بلسانه ، فمن لم يستطع فلينكره بقلبه ، وذلك أضعف » (٥).

قوله : ( واستماعهما مستحب ).

قال المصنف في المنتهى : لا يجب حضور الخطبة ، ولا استماعها بغير خلاف ، روى عبد الله بن السائب ، قال : شهدت مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم العيد ، فلما قضى الصلاة قال : « إنا نخطب ، فمن أحب أن يجلس للخطبة فليجلس ، ومن أحب‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ٣٢٢ حديث ١٤٧٣ ، التهذيب ٣ : ٢٩٠ حديث ٨٧٣.

(٢) الكافي ٣ : ٤٦٠ حديث ٣ ، سنن ابن ماجة ١ : ٤٠٦ حديث ١٢٧٥.

(٣) التهذيب ٣ : ٢٨٧ حديث ٨٦٠.

(٤) صحيح مسلم ٢ : ٦٠٥ حديث ٨٨٨ ، سنن الدار قطني ٢ : ٤٦ حديث ١٤.

(٥) سنن ابن ماجة ١ : ٤٠٦ حديث ١٢٧٥.

٤٥٩

ويتخير حاضر العيد في حضور الجمعة لو اتفقا ، وعلى الإمام الحضور والإعلام.

______________________________________________________

أن يذهب فليذهب » (١) (٢). هذا كلامه ، والاستحباب لا شبهة فيه ، لما فيه من الاتعاظ وحضور مجالس الذكر.

قوله : ( ويتخير حاضر العيد في حضور الجمعة لو اتفقا ، وعلى الإمام الحضور والإعلام ).

إطلاق العبارة بتناول من كان منزله قاصيا ومن كان قريبا ، وكلام ابن الجنيد يشعر باختصاص الترخص بالنائي (٣) ، وأبو الصلاح (٤) وابن البراج على وجوب الصلاتين معا (٥).

والأصح الأول ، لصحيحة الحلبي أنّه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن الفطر والأضحى إذا اجتمعا يوم الجمعة ، قال : « اجتمعا في زمان عليّ عليه‌السلام فقال : من شاء أن يأتي الجمعة فليأت ، ومن قعد فلا يضره ، ويصلي الظهر ، وخطب عليّ عليه‌السلام خطبتين ، جمع فيهما خطبة العيد وخطبة الجمعة » (٦) وقريب منها رواية سلمة ، عن الصادق عليه‌السلام (٧).

ولابن الجنيد رواية إسحاق بن عمار ، عن جعفر ، عن أبيه عليهما‌السلام : « إن عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام كان يقول : إذا اجتمع للإمام عيدان في يوم واحد ، فإنه ينبغي للإمام أن يقول للناس في خطبته الأولى : إنه قد اجتمع لكم عيدان ، فأنا أصليهما جميعا ، فمن كان مكانه قاصيا فأحب أن ينصرف عن الأخر‌

__________________

(١) سنن الدار قطني ٢ : ٥٠ حديث ٣٠.

(٢) المنتهى ١ : ٣٤٥.

(٣) نقله عنه في المختلف : ١١٣.

(٤) الكافي في الفقه : ١٥٥.

(٥) المهذب ١ : ١٢٣.

(٦) الفقيه ١ : ٣٢٣ حديث ١٤٧٧.

(٧) الكافي ٣ : ٤٦١ حديث ٨ ، التهذيب ٣ : ١٣٧ حديث ٣٠٦.

٤٦٠