جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٢

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٢

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٤

ولو أدرك الإمام راكعا تابعه وسقط التكبير ، وكذا يسقط الفائت لو أدرك البعض. ويحتمل التكبير ولاء من غير قنوت إن أمكن.

______________________________________________________

فقد أذنت له » (١).

وجوابه : أنّ تخصيص قاصي المنزل بالذكر لا يقتضي تخصيصه بالحكم ، إلا بمفهوم المخالفة ، وهو مع ضعفه لا يعارض المنطوق.

ولأبي الصلاح وابن البراج التمسك بعموم المقتضي لوجوب الصلاتين ، وباستلزام وجوب الحضور على الإمام الوجوب على غيره ، وحقية المقدّم دليل على حقية التالي. بيان الشرطية : إنه يقبح وجوب فعل يتوقف على فعل غير واجب.

وجوابه : إنّ العموم مخصوص بما سبق ، وحضور الامام غير موقوف على حضور غيره ، إنما الموقوف هو فعله الجمعة ، فبعد حضوره إن اجتمع العدد وجب فعل الجمعة ، وإلاّ فلا.

واعلم ، أنّ قول المصنف : ( وعلى الإمام الحضور والإعلام ) يريد به وجوب ذلك على الإمام ، فأما الحضور فوجهه التمسك بدليل أصل الوجوب ، فإنه لا معارض له ، على أنّ قوله عليه‌السلام : « فأنا أصليهما » مؤيد له ، وأما الإعلام ، فالمراد إعلامه الناس بذلك في خطبة العيد ، ومستنده التأسي بفعل أمير المؤمنين عليه‌السلام.

قوله : ( ولو أدرك الإمام راكعا تابعه وسقط التكبير ، وكذا يسقط الفائت لو أدرك البعض. ويحتمل التكبير ولاء من غير قنوت إن أمكن ).

قد سبق أنّ الأصح وجوب التكبيرات والقنوت بينها ، فعلى هذا لو أدرك المأموم الإمام راكعا كبّر ودخل معه متابعا له ، وسقط عنه التكبير والقنوت عند المصنف ، واختاره هنا وفي التحرير (٢) والتذكرة (٣) والنهاية (٤) ، وظاهره هنا أنه لا يقضي بعد التسليم وصرح به في النهاية والتذكرة ، وتردد المحقق في المعتبر (٥) وقال‌

__________________

(١) التهذيب ٣ : ١٣٧ حديث ٣٠٤.

(٢) تحرير الأحكام ١ : ٤٦.

(٣) التذكرة ١ : ١٥٨.

(٤) نهاية الأحكام ٢ : ٦١.

(٥) المعتبر ٢ : ٣١٥.

٤٦١

______________________________________________________

الشيخ : يقضي بعد التسليم (١) ، وهو بناء على أصله من أنه لو نسيه المصلي قضاه بعد التسليم.

ويشكل ، بأنه إنما يقضي مع عدم التمكن من فعله بالنسيان ، وهنا ليس كذلك ، لأنّ الإخلال به إنّما كان للاقتداء ، فحينئذ يكون النظر في صحة الاقتداء ، وجواز ترك التكبير لأجله ، فيحتمل ذلك نظرا إلى عموم الأمر به ولأنّ القراءة تسقط بالاقتداء ، فكذا التكبير.

ويضعّف بأنّ العموم مخصوص بوجوب الإتيان بالصلاة على الوجه المأمور به ، ومن جملته فعل التكبير ، وسقوط القراءة إنما هو لأنّ الإمام يتحملها وليس التكبير كذلك.

وهل القنوت مما يتحمله الإمام؟ لا نص فيه ، والظاهر فيه عدم التحمل أيضا ، وقد أومأ إليه في الذكرى ، واحتمل فيها المنع من الاقتداء إذا علم أو ظن عدم التمكن من الجمع بينه وبين التكبير والقنوت (٢). وهو قوي لأصالة بقاء وجوب ذلك ، وعدم الدليل الدال على جواز الإخلال به ، لتحصيل القدوة كغيره من الواجبات.

فعلى هذا : لو أدرك الإمام في ركوع الثانية ـ مع كون العيد واجبة بالأصالة ـ فقد فاتته الصلاة ، ولو أدرك الإمام وقد بقي بعض التكبيرات فعلى قول الشيخ يكبّر بغير قنوت إن خاف فوت الركوع ، فإن خشي فوته بالتكبير أيضا ركع وقضى بعد التسليم (٣).

واختار المصنف هنا سقوط التكبير وإن قدر عليه ولاء ، لأنّ القنوت قد تعذر فيمتنع وجوب التكبير ، لأنّ الإتيان به على الوجه المعتبر إنما يكون مع القنوت.

ويحتمل وجوب التكبير ولاء إذا تعذر القنوت إذ « لا يسقط الميسور‌

__________________

(١) المبسوط ١ : ١٧١.

(٢) الذكرى : ٢٤٣.

(٣) المبسوط ١ : ١٧١.

٤٦٢

ويبني الشاك في العدد على الأقل ، وأقلّ ما يكون بين فرضي العيدين ثلاثة أميال كالجمعة على إشكال.

الفصل الثالث : الكسوف : وفيه مطلبان :

الأول : الماهية : وهي ركعتان ،

______________________________________________________

بالمعسور ».

واختار المصنف هذا في التذكرة (١) والنهاية (٢) ، والأصح ما قدمناه.

واعلم أنّ قول المصنف : ( تابعه وسقط التكبير ) المراد به : أنه لا يكبر ولاء ، وإن أمكن ، بأن امتد ركوع الإمام بحيث وسع التكبير.

وكذا لو ركع لخوف الفوات فأمكنه التكبير راكعا ، لما سبق.

وقوله : ( وكذا يسقط الفائت ... ) المراد به : السقوط في هذه الحالة وإن أمكن.

وقوله : ( ويحتمل التكبير ولاء ... ) أراد به : في المسألتين جميعا ، فيكون المراد بالتكبير ما هو أعم من الكلّ والبعض.

قوله : ( ويبني الشاك في العدد على الأقل ) (٣).

قوله : ( الفصل الثالث : في الكسوف : وفيه مطلبان : الأول : الماهية : وهي ركعتان ).

المراد بالماهية : ماهية صلاة الكسوف لأنها في معنى سياقها ، لأنّ الفصل معنون بها ، فاللام قائم مقام المضاف إليه ، فيرد عليه قوله بعد : ( الثاني : الموجب ) ، لاستلزامه كون الموجب لصلاة الكسوف هو كل واحد من المذكورات ، وهو معلوم الفساد ، فكان ينبغي أن يعنون الفصل بصلاة الآيات ليكون أشمل وأبعد من‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ١٥٨.

(٢) نهاية الأحكام ٢ : ٦١.

(٣) هكذا ورد هذا القول في النسخ الخطبة من دون شرح.

٤٦٣

في كل ركعة خمس ركوعات وسجدتان ، يكبّر للافتتاح ثم يقرأ الحمد وسورة ثم يركع ، ويقوم فيقرأ الحمد وسورة هكذا خمسا ، ثم يسجد سجدتين ، ثم يصنع في الثانية كذلك ، ويتشهد ويسلّم.

______________________________________________________

الاعتراض.

ويمكن الجواب من وجهين :

الأول : أنّ صلاة الكسوف وصلاة بقية الآيات لمّا كانت متحدة في الكيفية ، كان الموجب لبقية الآيات موجبا للكسوف في الحقيقة ، لا بمعنى استوائهما في النية ، بل بمعنى الاستواء في الكيفية ، وفيه تكلّف وتجوز.

الثاني : أنه لمّا كان الكسوف يستعمل في كلّ من احتراق القمرين ، فكاناهما الأصل في الباب لأنهما أكثريان ، ولاختصاص أكثر النصوص بهما وانعقاد الإجماع على شرعيتهما ، واتفاق أصحابنا على وجوبهما ، وعدم مخالفتهما للقواعد الأصولية ، وباعتبار ضيق وقتها عن قدر زمان الصلاة خصهما المصنف بالذكر في عنوان الفصل ، وعطف عليهما عند بيان الموجب الثاني في غيرهما من الآيات استطرادا واستيفاء لبقية الأسباب ، وإدخالا للسبب الأضعف (١) في البحث عن غيره تنبيها على تفاوتهما في الرتبة.

وهذا الوجه لا بأس به لولا شدة غموضه وخفائه.

قوله : ( ثم يقوم فيقرأ الحمد وسورة وهكذا خمسا ).

أجمع الأصحاب ـ إلاّ ابن إدريس ـ على وجوب إعادة الحمد حيث أتم السورة أولا ، وبه وردت الأخبار عن أهل البيت عليهم‌السلام (٢) وقال ابن إدريس : لا يجب لأن الركعة الواحدة لا تجب فيها قراءة الفاتحة أزيد من مرة (٣) ، وهو ضعيف.

__________________

(١) في « ن » : الأصعب.

(٢) التهذيب ٣ : ١٥٥ حديث ٣٣٣.

(٣) السرائر : ٧٢.

٤٦٤

ولو قرأ بعد الحمد بعض السورة وركع قام فأتم السورة أو بعضها من غير فاتحة.

______________________________________________________

قوله : ( ولو قرأ بعد الحمد بعض السورة وركع ، قام فأتم السورة أو بعضها من غير فاتحة ).

أجمع الأصحاب على جواز كل من الأمرين ، أحدهما : قراءة سورة كاملة في كل ركوع من الخمس ، وتفريق السورة الواحدة عليها بحيث يتمها في مجموع الخمس ، لأنها ركعة واحدة.

واحتمل شيخنا في الذكرى انحصار المجزئ في سورة واحدة أو خمس ، لأنها إن كانت ركعة واحدة تعين الأول ، أو ركعات تعين الثاني ، وليس بين ذينك واسطة (١).

قلت : هي ركعة واحدة قطعا خرجت عن حكم الواحدة للدليل في أمور ، منها : تعدد الركوع وتعدد التكبير له ، وتعدد الفاتحة إذا تعددت السورة ، وقد روى ذلك زرارة ، ومحمد بن مسلم (٢) ، وغيرهما ، قال : قلت : وإن هو قرأ سورة واحدة في الخمس ففرقها بينها؟ قال : « أجزأته أم القرآن في أول مرة ، وإن قرأ خمس سور ، فمع كل سورة أم القرآن » (٣).

فعلى هذا يجوز الأمران المرويان ، ويجوز أيضا الجمع بينهما بأن يقرأ في بعض الركوعات سورة كاملة وفي بعضها بعض السورة ، لكن لو قرأ سورة كاملة في غير الخامس والعاشر ، وبعّض فيهما ، فهل يجوز الركوع قبل إتمام السورة؟

يحتمل العدم ، لوجوب الركوع عن سورة كاملة. والظاهر الجواز لصدق قراءة الكاملة فلا أثر لما بعدها.

ولو بعّض في ركوع فهل يجب إتمام تلك السورة فيما بعد إذا كان من ركعة ، أم يجوز رفضها والانتقال إلى غيرها؟

__________________

(١) الذكرى : ٢٤٥.

(٢) الكافي ٣ : ٤٦٣ حديث ٢ ، التهذيب ٣ : ١٥٦ حديث ٣٣٥.

(٣) التهذيب ٣ : ١٥٥ حديث ٣٣٣ ، وفيه : أم الكتاب.

٤٦٥

______________________________________________________

الظاهر الجواز للأصل وانتفاء المانع ، لكن لا بد من مراعاة إتمام السورة في مجموع الركعة.

وعلى الجواز ، فهل يستأنف الفاتحة أم يكفي الاشتغال بسورة أخرى؟ وجهان منشؤهما من أنّ وجوب الفاتحة مشروط بإتمام السورة ، ومن أنّ الاشتغال بسورة أخرى نازل منزلة الإتمام.

ولو اشتغل بالقراءة من السورة التي بعّض فيها ، لكن من غير موضع القطع فالظاهر الجواز أيضا ، لإجزاء القراءة من غيرها فمنها أولى.

ويحتمل ضعيفا العدم لمخالفته المعهود ، وفيه منع ، فعلى الجواز هل يستأنف الفاتحة؟ وجهان ـ مرتبان على الإعادة في التي قبلها ـ أظهرهما : نعم. ووجه العدم اتحاد السورة وله أن يعيد ما قرأه في الأولى على أقوى الاحتمالين ـ وإن توقف شيخنا في الذكرى ـ (١) فهل يعيد الفاتحة؟ يحتمل.

والتحقيق : وجوب الإعادة في كل موضع لم يبن فيه على قراءة الأولى ، سواء أتم السورة المعادة من قراءته هذه أم لا.

وقول شيخنا : إنّ هذه أشد إشكالا (٢) مردود ، لأنّ تكرار السورة الواحدة جائز في مجموع الركوعات ، ويجب لكلّ مرة الحمد ، فكذا بعضها إذا كرره ، وتتعين الحمد حينئذ ، لأنّ سقوطها مشروط بالتبعيض ، وهو محمول على المعهود ، وقد تضمنته الرواية (٣). وكما يجوز التبعيض بسورة واحدة في الركعة الأولى؟ يحتمل ذلك ، فيقرأ في الركوع الأول من حيث قطع في الخامس ، فعلى هذا هل تجب قراءة الفاتحة أولا؟ وجهان ، أظهرهما تخريجا : نعم.

ويحتمل عدم الجواز لاختصاص جواز التبعيض بالركعة الواحدة ولمخالفة‌

__________________

(١) الذكرى : ٢٤٥.

(٢) الذكرى : ٢٤٥.

(٣) التهذيب ٣ : ١٥٥ حديث ٣٣٣.

٤٦٦

______________________________________________________

والمعهود ، ولظاهر قوله عليه‌السلام في الرواية السالفة : « ثم تقوم فتصنع كما صنعت في الأولى ».

بقي هنا شي‌ء ، هو أنه إذا قرأ الفاتحة ابتداء هل له أن يقرأ من غير أول السورة ، أم يجب البداءة بأولها؟ فيه تردد عندي ، والظاهر الجواز لعدم تفاوت التبعيض بالبداءة من الأول أو غيره؟ لكن بشرط أن يتم له سورة في مجموع الركعة ، كما قدمناه غير مرة.

إذا عرفت ذلك فهنا صور :

أ : أن يقرأ في مجموع الركوعات العشر عشر سور.

ب : أن يقرأ في كل منهما سورة مبعضا.

ج : أن يقرأ بالتفريق في الركعتين بأن يبعض في إحداهما بسورة ، ويقرأ في الأخرى خمسا.

د : أن يبعّض في الركعتين معا بأزيد من سورتين ، ويتم السورة التي بعّض بها في كل من الخامس والعاشر ، مراعيا للترتيب في قراءة السورة بحسب المنقول ، وحيث أتمّ السورة في ركوع قرأ في الركوع الذي يليه الفاتحة ، وما لا فلا.

هـ : أن يفرق في الركعتين بأن يقرأ خمسا ، أو يبعض بواحدة في إحداهما ويبعض في الأخرى بسورتين فصاعدا مراعيا ما تقدم في التي قبلها.

وهذه كلها لا خلاف فيها ، إلاّ في وجوب تكرار الحمد في الركعة الواحدة ، فإنّ المخالف فيه ابن إدريس (١).

و: أن يبعّض في كل منهما بأزيد من سورة (٢) ولا يتمها في الخامس والعاشر ، فلا يبني القراءة في ركوعات الركعة الثانية على ركوعات الاولى مع مراعاة الترتيب ، وفي صحته وجهان.

__________________

(١) السرائر : ٧٢.

(٢) في « س » : سورتين.

٤٦٧

______________________________________________________

ز : أن يبعّض فيهما ولا يراعي الترتيب بل يقرأ في الركوع الثاني غير السورة التي قرأ بعضها أولا ، فيعيد الفاتحة على الأصح.

ح : الصورة بحالها ، ويقرأ من السورة لا من حيث قطع ، لكن لا يعيد ما قرأه.

ط : الصورة بحالها لكن يعيد ما قرأه ويتم السورة.

ي : الصورة بحالها لكن اقتصر على زيادة شي‌ء من السورة على ما قرأه أولا.

يا : أن يقتصر عليها.

وفي هذه كلّها تردد ، والظاهر إلحاقها بالسابعة ، لعدم صدق التبعيض المعهود المسقط لإعادة الفاتحة ، لكن لا بد أن يكمل سورة في مجموع الركعة.

يب : أن يفرق بين الركعتين بأن يفعل في إحداهما واحدة من الصور المذكورة ، وفي الأخرى صورة تخالفها ، وفيها صور كثيرة تقدم بعضها.

يج : أن يبني في ركوعات الثانية على الاولى في القراءة ، فيقرأ في الركوع الأول منها من حيث قطع في الخامس من الاولى.

يد : الصورة بحالها ، لكن قرأ لا من حيث قطع ، ولم يعد ما قرأه.

يه : الصورة بحالها لكن أعاده وأتم السورة.

يو : الصورة بحالها ولم يتم السورة ، لكن زاد عليه شيئا منها.

يز : الصورة بحالها ولم يزد شيئا.

وفي الصحة في هذه الصور كلها تردد تتفاوت فيه الصور يعلم مما سبق ، والصحة قوية.

لكن تجب قراءة الفاتحة ، لأنّ سقوطها بالتبعيض إنما هو في الركعة الواحدة لا بالتبعيض الحاصل في الركعتين ، ولأنّ المعهود قراءة الحمد أول الركعة ، فيجب اتباعه.

يح : أن يقرأ من غير أول السورة في أول الركعتين بعد الفاتحة من غير أن يكون قد قرأ شيئا منها ، وجوازه مستفاد من عموم جواز التبعيض.

٤٦٨

وتستحب الجماعة ، والإطالة بقدره ، وإعادة الصلاة مع بقائه ، ومساواة الركوع القراءة زمانا ، والسور الطوال مع السعة ، والتكبير عند الانتصاب من الركوع إلاّ في الخامس والعاشر فيقول : سمع الله لمن حمده ، والقنوت بعد القراءة من كل مزدوج.

ولو أدرك الإمام في ركعات الاولى فالوجه الصبر حتى يبتدئ بالثانية. ويحتمل المتابعة ، فلا يسجد مع الإمام فإذا انتهى الى الخامس بالنسبة إليه سجد‌

______________________________________________________

وضابطه أن يتم له سورة كاملة على الوجه المنقول في كل ركعة ، وبعض هذه الصور إذا ركبت مع بعض ارتقت الى عدد كثير.

قوله : ( وتستحب الجماعة ).

أي : مطلقا ، سواء استوعب الاحتراق أم لا ، خلافا لابن بابويه في الثاني (١).

قوله : ( والإطالة بقدره ).

وطريق ذلك العلم أو الظن ، كأن يكون رصديا أو يرجع إلى قول الرصدي.

قوله : ( ومساواة الركوع القراءة ... ).

وكذا القنوت والسجود.

قوله : ( والقنوت بعد القراءة من كل مزدوج ).

ولو اقتصر على الخامس والعاشر وحده قال في الذكرى : استحباب القنوت على كل قراءة ثانية (٢).

قوله : ( ولو أدرك الإمام في ركوعات الاولى فالوجه الصبر حتى يبتدئ بالثانية ، ويحتمل المتابعة ، فلا يسجد مع الإمام ، فإذا انتهى إلى‌

__________________

(١) المقنع : ٤٤.

(٢) الذكرى : ٢٤٥.

٤٦٩

ثم لحق الإمام ، ويتم الركعات قبل سجود الثانية.

الثاني : الموجب : وهو كسوف الشمس ، وخسوف القمر ، والزلزلة والريح المظلم ، وأخاويف السماء.

______________________________________________________

الخامس بالنسبة إليه سجد ثم لحق الإمام ، ويتم الركعات قبل سجود الثانية ).

مراده : لو أدرك المأموم الإمام وقد ركع بعض ركوعات الاولى ، فهل يشرع له الدخول معه في الصلاة أم لا؟

يحتمل الجواز لعموم الاذن في الجماعة والحث عليها ، والأصل البراءة من وجوب الصبر إلى الثانية.

ويحتمل العدم لاستلزامه الإخلال بالمتابعة الواجبة ، لقوله عليه‌السلام : « إنما الإمام إماما ليؤتم به » (١) ، أو تغير هيئة الصلاة بالزيادة لو تابعه ، وكلاهما باطل.

فان قلت : الإخلال بالمتابعة لا يقطع القدوة ، ولا يخل بالصحة على المعتمد ـ وسيأتي في باب صلاة الجماعة إن شاء الله تعالى ـ فلا يعد مانعا ، والزيادة مغتفرة لمتابعة الإمام ، ولا تخل بهيئة الصلاة.

قلت : إنما اغتفر ذلك لأنه وقع بعد انعقاد الصلاة وثبوت القدوة ، وهو موضع استثني فلا يلزم جواز إنشاء القدوة عليه. وأما الزيادة المغتفرة فإنّما هي في موضع النص خاصة ، ولهذا لو أدرك المأموم الإمام بعد الركوع تابعه واستأنف النية بعد تسليم الإمام.

ويمكن لك أن تقول بمنع الحصر ، بل يجوز أن يقال : يدخل معه ، فإذا سجد نوى الانفراد ، وذلك غير قادح في صحة الصلاة بوجه ، لأنّ الجماعة غير واجبة ، ونية الانفراد غير مخلة بالصحة ومن ثمّ لو دخل في اليومية مع الإمام على عزم المفارقة في الركعة الثانية انعقدت صلاته على الظاهر ، لعموم « لكل امرئ‌

__________________

(١) صحيح مسلم ١ : ٣٠٩ حديث ٨٦.

٤٧٠

ووقتها في الكسوف من الابتداء فيه إلى ابتداء الانجلاء ، وفي الرياح‌

______________________________________________________

ما نوى ». (١)

لكن هل يسوغ له أن يبقى على القدوة إلى آخر الصلاة والحال هذه ، أم ينفرد في الموضع الذي نوى المفارقة فيه؟

وهل يحتاج إلى نية الانفراد أم لا؟ يأتي تحقيقه في موضعه إن شاء الله تعالى. فعلى وجوب الصبر لا كلام ، وعلى جواز الاقتداء والمتابعة فيما بقي لا يسجد إذا سجد الإمام ، على ما احتمله المصنف ، بل يبقى على حاله إلى أن يقوم الإمام إلى الثانية فيتابعه ، فإذا تمّ له خمس سجد ثم قام فتابع الإمام فيما بقي ، فإذا سجد لم يسجد معه بل يتم ما عليه ناويا الانفراد.

فقول المصنف : ( ويتم الركعات قبل سجود الثانية ) يريد به قبل سجوده هو كما حققناه ، لا ما توهمه بعضهم من أنّ المراد : قبل سجود الإمام بمعنى أنه يأتي بما عليه مخففا ، ويطوّل له الإمام القراءة إلى أن يتم ويسجدان جميعا ، وهو وهم ، إذ لا تجوز مفارقة الإمام اختيارا لمن لم ينو الانفراد إلاّ في مواضع اختصت بالنص ، ولاستلزامه جواز انتظار الإمام المأموم لمن لم ينو الانفراد إلاّ في مواضع اختصت بالنص ، ولاستلزامه جواز انتظار الإمام المأموم في القراءة ، وهو من خصوصيات صلاة الخوف.

إذا عرفت ذلك فالمعتمد جواز الصبر إلى الثانية وهو أولى ، وله أن يحرم من حينه لكن لا يبقى له قدوة لعدم جواز التخلف ، وعدم ائتمام القائم بالقاعد لغير ضرورة ، فينفرد حين المفارقة ناويا.

ويحتمل عدم الاحتياج إلى النية ، كما أشرنا إليه ، وسيأتي تحقيق ذلك في باب صلاة الجماعة ان شاء الله تعالى.

قوله : ( إلى ابتداء الانجلاء ).

هذا هو المشهور ، لكن المختار ما أفتى به في المعتبر (٢) ، وشيخنا من أنه إلى‌

__________________

(١) صحيح البخاري ١ : ٢ ، سنن أبي داود ٢ : ٢٦٢ حديث ٢٢٠١.

(٢) المعتبر ٢ : ٣٣٠.

٤٧١

الصفر والظلمة الشديدة مدتها ، وفي الزلزلة طول العمر فإنّها أداء وإن سكنت.

ولو قصر زمان الموقتة عن الواجب سقطت ، فلو اشتغل أحد المكلفين في الابتداء وخرج الوقت وقد أكمل ركعة فالأقرب عدم وجوب الإتمام ، أما الآخر فلا يجب عليه القضاء على التقديرين.

______________________________________________________

انتهائه (١) ، لظاهر قوله عليه‌السلام : « حتى ينجلي » (٢) وانما يصدق حقيقة بتمامه ، والمجاز خلاف الأصل. فلا يعارضه قوله عليه‌السلام : « إذا انجلى بعضه فقد انجلى » (٣) إذ من المعلوم إرادة المجاز ، لامتناع الحقيقة هنا ، إذ انجلاء البعض ليس انجلاء للكل قطعا ، فإذا استعمل هذا اللفظ مجازا للقرينة لم يلزم استعمال كل لفظ مجازا.

قوله : ( وفي الزلزلة أداء طول العمر ، وان سكنت ).

قلت : وكذا ما يغلب عليه القصر من بقية الآيات.

قوله : ( فلو اشتغل أحد المكلفين في الابتداء ، وخرج الوقت وقد أكمل ركعة فالأقرب عدم وجوب الإتمام ، أما الآخر فلا يجب عليه القضاء على التقديرين ).

المسألة مصورة بما إذا اقتصر على الواجب ولم يقصّر في الابتداء ، ويريد بـ ( الآخر ) : من لم يكمل الركعة ، سواء شرع ولم يتمها أو لم يشرع بالكلية.

وأراد بالتقديرين : الأقرب ومقابله ، أي : لا يجب على من لم يكمل الركعة القضاء ، على تقديري القول بوجوب الإتمام على من أكملها ، والعدم لوجود الفرق.

ووجه القرب : أنه قد تبين بعدم سعة الوقت أنه غير مكلف ، وأن ذلك نفل ، واعتقاد الوجوب إنّما كان مستندا إلى ظنّ أو احتمال ظهر فساده ، فلا يعتد به.

__________________

(١) الذكرى : ٢٤٤.

(٢) الكافي ٣ : ٤٦٣ حديث ٢ ، التهذيب ٣ : ١٥٦ حديث ٣٣٥.

(٣) الفقيه ١ : ٣٤٧ حديث ١٥٣٥ ، التهذيب ٣ : ٢٩١ حديث ٨٧٧.

٤٧٢

وجاهل الكسوف لو علم بعد انقضائه سقط عنه ، إلاّ مع استيعاب الاحتراق ، ولا تجب على جاهل غيره.

والناسي والمفرط عمدا يقضيان ، ويقدم الحاضرة استحبابا إن اتسع الوقتان ووجوبا إن ضاقا ، وإلاّ قدم المضيق.

والكسوف أولى من صلاة الليل ، وإن خرج‌ وقتها ، ثم تقضى ندبا ، ولا تصلى على الراحلة ومشيا اختيارا.

______________________________________________________

ويحتمل وجوب الإتمام ، لعموم : « من أدرك من الوقت ركعة فقد أدرك الوقت » ، وعموم : « الصلاة على ما افتتحت عليه » ، وعموم ( وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ ) (١).

والتحقيق : ابتناء المسألة على قاعدتين أصوليتين : إحداهما : أنّ التكليف بفعل علم المكلف فوات شرطه هل هو جائز أم لا؟

والأخرى : أنّ التكليف بفعل قصر وقته عنه لا يجوز.

والثانية اجماعية عند أصحابنا ، والأولى الأصح فيها عدم الجواز ، فالمعتمد حينئذ ( عدم ) (٢) وجوب الإتمام ، والحديث لا عموم له هنا ، للمنع من صدق اسم الوقت على محل النزاع.

ونقول بموجب الثاني إذ هو مقيد بعدم المنافي إجماعا ، ومن ثمّ لو أحرم بفريضة ثم تبين سبق اخرى فعدل ، أو تبين فعلها لم يكن على ما افتتحت عليه ، والعمل المحرم إبطاله هو الواجب ابتداء ، وما يجب بالشروع لا مطلقا.

قوله : ( ووجوبا إن ضاقا ).

ويقضي الكسوف إن فرّط في الحاضرة في أول وقتها.

قوله : ( والكسوف أولى من صلاة الليل وإن خرج وقتها ).

__________________

(١) محمد (ص) : ٣٣.

(٢) لم ترد في نسخة « ن ».

٤٧٣

الفصل الرابع : في صلاة النذر :

من نذر صلاة شرط فيها ما شرط في الفرائض اليومية ، ويزيد الصفات التي عيّنها في نذره إن قيّده.

أما الزمان كيوم الجمعة ، أو المكان بشرط المزيّة كالمسجد ، أو غيرهما ، فلو أوقعها في غير ذلك الزمان لم يجزئه ، ووجب عليه كفارة النذر ، والقضاء إن لم يتكرر ذلك الزمان.

ولو أوقعها في غير ذلك المكان فكذلك ، إلاّ أن يخلو القيد عن المزية فالوجه الإجزاء ، فلو فعل فيما هو أزيد مزية ففي الإجزاء‌ نظر ، ولو قيّده بعدد

______________________________________________________

هذه أولوية حقة ، لكونها فريضة ، ولو قدم صلاة الليل مع القطع بسعة وقت الكسوف فالظاهر الجواز ، وكذا غير نافلة الليل من النوافل ، وظاهر عبارة المصنف في كتبه العدم ، وهو مستفاد من إطلاق قولهم : يصلي النافلة ما لم يدخل وقت الفريضة.

قوله : ( ويزيد الصفات التي عيّنها في نذره إن قيده ).

أي : إن قيد النذر بشي‌ء من الصفات يشترط لصحة المنذورة الإتيان بها ، زيادة على ما شرط في الفرائض اليومية.

واعلم أنّ قوله : ( إن قيده ) ضائع ، لأنّ النذر المشتمل على تعيين صفات لا يكون إلاّ مقيدا ، فلا حاجة إليه.

قوله : ( إما بالزمان كيوم الجمعة ، أو المكان بشرط المزية كالمسجد ، أو غيرهما ، فلو أوقعها في غير ذلك الزمان لم تجز ، ووجب عليه كفارة النذر والقضاء إن لم يتكرر ذلك الزمان ، ولو أوقعها في غير ذلك المكان فكذلك ، إلا أن يخلو القيد عن المزيّة فالوجه الإجزاء ، ولو فعل فيما هو أزيد مزيّة ففي الإجزاء نظر ).

٤٧٤

وجب ، والأقرب وجوب التسليم بين كل ركعتين.

______________________________________________________

اعلم أنّ المصنف لما ذكر وجوب مراعاة الصفات المعينة في النذر أشار الى بيانها بقوله : ( أما بالزمان كيوم الجمعة ، أو المكان بشرط المزية كالمسجد ، أو غيرهما إلى أخره ) فها هنا مباحث :

الأول : في تحقيق الزمان والمكان المقيد بهما النذر : لا خلاف في انعقاد النذر ، إذا قيده بالفعل في زمان أو مكان راجحين ، كالانتصاب لنافلة الليل والمسجد.

وكذا لا كلام في عدم انعقاده ، إذا كان محرما كوقت الحيض والمكان المغصوب ، وفي الانعقاد مع الوجوب تردد ، يبنى على انعقاد نذر الواجب وعدمه.

والأصح الانعقاد : ولو كان الزمان أو المكان مكروها كالأوقات الخمسة والحمام لم ينعقد نذر الثاني قطعا.

وهل يبطل النذر من أصله أم ينعقد بدون القيد؟ فيه وجهان ، اختار المصنف وشيخنا الثاني. (١)

ويشكل ، بوجوب ارتفاع الجنس بارتفاع الفصل ، وبأنّ المقصود بالنذر مع القيد لا النذر وحده ، فإما أن يصحا أو يبطلا ، وإلاّ لزم صحة نذر غير مقصود.

فأما الأول فقد نص المصنف على انعقاده في باب الوقف ، واستشكله في باب النذر ، ونقل الفاضل ولده الإجماع على انعقاده ، قال في الشرح : والفرق دقيق (٢) ، ونقل عنه إن الفرق من وجوه :

الأول : أنّ الوقت سبب الوجوب ـ بجعل الشارع ـ بخلاف المكان ، فإنه من ضرورة الفعل لا سببية فيه.

قيل عليه : أن السبب هنا الالتزام بالنذر ، فلا نمنع سببية الوقت ووجوبه فيه ، لكون الزمان كالمكان ظرفين للفعل ، ولا يلزم من سببية الوقت في الصلاة‌

__________________

(١) الذكرى : ٢٤٧.

(٢) إيضاح الفوائد ١ : ١٣٢.

٤٧٥

______________________________________________________

الواجبة أصالة ثبوته هنا.

وأجيب : بأن المراد من السببية توجه الخطاب إلى المكلف عند حضوره ، وهو حاصل هنا ، ولا يتصور ذلك في المكان إلا تبعا. (١)

الثاني : أنّ كراهية الوقت مختصة بالنوافل المبتدأة دون الفرائض ، بخلاف المكان فإنه يعمهما.

الثالث : أنّ الوقت لا يمكن تعدده ، وهو من مشخصات الفعل ، فقبله لا يجب ، وبعده يمتنع ، فلا يكون الفعل في غيره هو المنذور ، بل يكون مغايرا.

الرابع : أنّ النذر يصيّر الوقت المنذور فيه لتلك العبادة محدودا ، كما يجعل النص الوقت الفلاني للعبادة الفلانية.

قلت : أما الحكم فمشكل ، وأشكل منه نقل الإجماع ، وأما الفرق ففيه نظر.

أما الأول : فلأنّ سببية الوقت هنا انما تثبت إذا انعقد النذر ، وشرط انعقاده أن لا يكون مرجوحا.

وأما الثاني ، فلأنّ صيرورة المنذورة في وقت الكراهة ذات سبب إنما هو إذا انعقد النذر ، وانعقاده يتوقف على التعلّق بما ليس بمرجوح ، وانتفاء مرجوحيتها إنما يكون بالنذر ، فيلزم الدور.

وأما الثالث ، فلأنّ الوقت إنما يصير من مشخصات الفعل إذا وجب إيقاعه فيه بالأصل أو النذر مثلا ، وحينئذ فالمكان كذلك ، فلا يكون الفعل في غيره هو المنذور.

وعدم تعدد الوقت إذا تشخص مسلّم ، لكن المكان كذلك أيضا ، أما إمكان تعدد فعل المنذور فيه وعدمه فتابع للزمان ، ولا مدخل في ذلك لانعقاد النذر وعدمه.

وأما الرابع : فلأنّ النذر إنما يصيّر الوقت المنذور فيه وقتا للعبادة إذا انعقد ،

__________________

(١) الذكرى : ٢٤٧.

٤٧٦

______________________________________________________

وشرط انعقاده تعلقه بما ليس بمرجوح ، والمكان أيضا كذلك إذا انعقد نذره ، فيصير كالمقام بالنسبة إلى ركعتي الطواف.

ولو خلا المكان والزمان عن المزية والكراهة ، فهل ينعقد النذر؟ لا إشكال عند القائلين بانعقاد النذر مع كراهية الوقت في الانعقاد هنا ، وأما المكان ، ففي انعقاد نذره وجهان ، يلتفتان إلى أنّ نذر المباح هل ينعقد أم لا؟ فعلى العدم هل ينعقد النذر ويلغو القيد؟

صريح كلام المصنف في هذا الكتاب وغيره (١) وشيخنا في الذكرى (٢) وغيرها انعقاد النذر دون القيد (٣) ، وفيه الاشكال السابق.

الثاني : فيما يتحقق به الإخلال ، وإنما يتحقق الإخلال بالفعل في الوقت أو المكان اللذين يتعلق النذر بهما ، بحيث يتعذر الإتيان به على وفق النذر ، سواء أتي بالفعل في غيرهما مشتملا على جميع ما يعتبر فيه من الصفات ما عدا القيد أم لا.

وإنّما يتحقق تعذر الإتيان به على وفق النذر في الزمان إذا تشخص ، كهذه الجمعة أو هذا اليوم ، فإذا ترك في هذا اليوم حتى خرج ، وفعله في غيره تحقق الإخلال ، لامتناع الإتيان به في الوقت المنذور.

ثم إن كان قد نوى بالفعل في غيره القضاء أجزأ ، وإلا وجب قضاؤه.

وان لم يتشخص ، بل كان كليّا ـ كيوم الجمعة ـ مثلا لم يتحقق الإخلال إلاّ بالترك في جميع جزئيات الكلّي ، وذلك في صورة واحدة هي ما إذا غلب على ظنه ـ والزمان حاضر ـ أنه إن لم يفعله فيه تعذّر عليه فعله وصدق ظنه ، فإنّ الإخلال ها هنا متحقق ، لأنه كان متعبدا بظنه.

وفيما عدا ذلك لا يتحقق الإخلال ، بل يجب الإتيان بالفعل ثانيا على وفق‌

__________________

(١) نهاية الأحكام ٢ : ٨٤.

(٢) الذكرى : ٢٤٧.

(٣) البيان : ١١٩.

٤٧٧

______________________________________________________

النذر إن لم يطابقه أولا ، وكذا ثانيا وثالثا ، لبقاء الوقت ، وعدم تعيين المنذور (١) في المأتي به أولا ، وكذا تعذر الإتيان بالفعل على وفق النذر في المكان إنما يكون مع تشخص الزمان ، أو مع كونه كليّا إذا غلب على الظن تعذر الإتيان به في مكان النذر مع الإخلال به وصدق ظنه.

ويكفي في ظن تعذر الإتيان به ـ في المكان ـ حكم (٢) العادة ، لكن إنما يتحقق الحنث هنا وفي الزمان إذا اتصل ذلك بموته ، فإنه ما دام حيّا لم يتحقق خروج الوقت ، فإذا مات تبين صدق الظن.

وقد حصر الشارح الحنث في الأولى : فيما إذا ظنّ الموت بعده بلا فصل ، فترك لا لعذر شرعي (٣). وليس بجيد ، بل لو ظن التعذر لمرض أو عدوّ ونحوهما فمات تحقق الحنث ، إذ لا تفاوت وقوله ـ بعده بلا فصل ـ مستغنى عنه ، إذ يكفي ظن الموت قبل عود الزمان ، أو قبل التمكن من فعله بعد عوده ، فلا وجه للحصر.

وفي الثانية : فيما إذا علم أنه إن لم يفعلها في ذلك الوقت في مكان النذر امتنع فعلها فيه عادة ، فترك الفعل لا لعذر شرعي (٤). وليس بجيد ، لأنّ العلم المستند إلى العادة ظن ، فلا بد معه في تحقق الحنث من حصول الموت ، ولا يحنث بمجرد الترك ، لإمكان كذب ظنه ، فيلزم من تكليفه بالفعل عدم الحنث المقتضي لعدم الكفارة ، ومن عدم تكليفه به سقوطه مع بقاء وقته بغير مسقط.

الثالث : إنما تجب الكفارة في كل موضع ترك فيه القيد مع انعقاده على وجه يتحقق معه الإخلال بالكلية لا لعذر شرعي مسقط بل عمدا اختيارا ، وقد تقدم بيان ما به يتحقق الإخلال بالكلية ، فلا حاجة إلى إعادته.

الرابع : إذا قلنا بانعقاد نذر الفعل في المكان الذي لا مزية له ، فأوقعه في‌

__________________

(١) في « ع » : النذر.

(٢) في « ن » و « س » : تحكيم.

(٣) إيضاح الفوائد ١ : ١٣٣.

(٤) المصدر السابق.

٤٧٨

______________________________________________________

غيره في الزمان المقيد به النذر إن كان ، فهل يجزئ ، أم يجب عليه الفعل في المكان إن لم يتشخص الزمان ، والقضاء والكفارة مع تشخصه وفواته لو ظن تعذر الفعل مع عدم التشخص وصدق ظنّه؟ فيه وجهان :

أحدهما : الإجزاء ، لأنّ الفرض أنّ المكان لا مزية فيه ، وما هذا شأنه لا تعلق لغرض الشارع بخصوصه كالصلاة في زاوية معينة في البيت ، فإنه لا مدخل لها في التعبد ، فلا تجب لمخالفتها كفارة.

والثاني : العدم ، ويجب التلافي إن أمكن ، وإلا فالقضاء والكفارة ، لأنّ المنذور الفعل في تلك البقعة بعينها ، فإذا أتى به في غيرها لم يكن آتيا بالعبادة المنذورة ، فتعين عليه كفارة خلف النذر ، وهو وجه قويّ على تقدير القول بانعقاد النذر.

ولو تعلق النذر بماله مزية كالمسجد انعقد ، فان فعل فيما هو أدون حنث ، مع تحقق الإخلال بالكلية.

ولو فعل في الأعلى مزية ففي الإجزاء وعدمه وجهان :

وجه الأول : أنّ التعيين لا مدخل له في صحة النذر ، بل للمزية ، فأين وجدت صح المنذور (١).

وفيه منع ، لأنّ مطلق المزية شرط لانعقاد النذر ، لا لصحة فعل المنذور ، بل الشرط المزية المنذورة ، لعموم ( يُوفُونَ بِالنَّذْرِ ) (٢).

والآتي بالفعل في غير مكان النذر غير آت بالمنذور قطعا ، لأنّ المكان من جملة المشخصات.

ولو فعل في المساوي مزية فالوجهان ، واحتمال الإجزاء هنا أضعف ، والمعتمد عدم الإجزاء في كل موضع ينعقد النذر.

وإذا تحقق الإخلال بالكلية وجب القضاء والكفارة.

__________________

(١) في « س » : النذر.

(٢) الإنسان : ٧.

٤٧٩

______________________________________________________

إذا عرفت ذلك فعد إلى عبارة الكتاب.

واعلم أنّ قوله : ( أما بالزمان أو المكان أو غيرهما ) إشارة إلى الصفات المعينة في النذر ، وهي مرفوعة بأنها خبر لمبتدإ محذوف ، تقديره : وهي إما الزمان أو المكان الى آخره.

ولا يعترض بأنّ الصفات المتعاطفة بـ ( أو ) في حكم صفة واحدة ، لأنّ مقتضى ( أو ) واحدة منها غير معينة ، فيمتنع جعلها خبرا لضمير الصفات ، أعني : وهي ، لامتناع حمل المفرد على ضمير الجمع بالمواطاة.

فيجاب عنه بوجهين :

الأول : إنّ الصفات المذكورة ليس المراد : اجتماع جملتها في النذر الواحد ، بل المراد : التعرض للتقيد بها في النذر ، ولو على سبيل البدلية ، وإذا كان في المبتدأ معنى البدلية لم يمتنع ذلك في الخبر.

الثاني : إنّ ( أو ) إذا عادلت إمّا المكسورة كان المطلوب بها التقسيم ، فحينئذ فلا يكون المراد واحدا من الأقسام لا بعينه ، بل المراد استيفاء الأقسام كقولك : الحيوان إما إنسان ، أو فرس ، أو جمل ، فلا يكون الإخبار بمفرد ، بل بجمع.

والضمير في قوله. ( أو غيرهما ) يعود إلى الزمان والمكان (١).

وقوله : ( إما بالزمان أو المكان ) ينبغي أن يعلم أنه ليس بينهما منع جمع ولا خلو ، بدليل أنّ المنفصلة ذات أجزاء ، فيمكن (٢) تعيين الزمان وحده ، أو تعيينه وتعيين المكان معا ، أو المكان وحده ، أو إطلاقهما معا ، فهذه صور أربع ، أشار إلى حكم الاولى بقوله : ( فلو أوقعها في غير ذلك الزمان ... ).

أي : فلو أوقع الصلاة المنذورة بدليل قوله في أول الفصل في صلاة النذر : ( في غير ذلك الزمان لم يجزئ ووجب عليه كفارة النذر ) لتحقق المخالفة والقضاء‌

__________________

(١) في « ه‍ » : أو المكان كما هو ظاهر.

(٢) في « ه‍ » و « ن » : فيكون.

٤٨٠