الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٤
ولا في جلد ما لا يؤكل لحمه وإن ذكي ودبغ ، ولا في شعره ولا في صوفه وريشه.
______________________________________________________
مسلم عن أبي جعفر عليهالسلام وقد سأله عن الجلد الميت أيلبس في الصّلاة فقال : « لا ولو دبغ سبعين مرة » (١).
قوله : ( ولا في جلد ما لا يؤكل لحمه وإن ذكي ودبغ ، ولا في شعره ، ولا في صوفه وريشه ).
تدل على ذلك قبل الإجماع رواية زرارة السالفة ، ويستثني منه الخزّ والسنجاب ـ كما سبق ـ ، ولا فرق في ذلك بين أن يكون مذكّى حيث تقع عليه الذكاة ، أو ميتة وإن اندرج في حكم الميتة سابقا ، فلا تخلو العبارة من تكرار. وكذا لا فرق بين أن يدبغ أو لا ، ومثل الصوف وما بعده العظم ، ولا فرق بين أخذها من الحيّ والميتة ، وإن كان المأخوذ من الميتة طاهرا أو قابلا للتطهير ـ كما مرّ.
ولا يستثني من جلد ما لا يؤكل لحمه وصوفه ، وما في حكمه ما لا تتم الصّلاة فيه كالتكة والقلنسوة ، فيعم المنع حتّى الشّعرة الواحدة على الثّوب أو البدن لعموم حديث زرارة السّابق (٢) ، ولمكاتبة إبراهيم بن محمّد الهمداني ، المتضمنة عدم جواز الصّلاة في ثوب عليه وبر شعر ما لا يؤكل لحمه ، من غير تقية ولا ضرورة (٣).
وللشّيخ قول بالجواز مع الكراهية (٤) ، لرواية محمّد بن عبد الجبّار ، قال : كتبت إلى أبي محمّد عليهالسلام أسأله هل أصلّي في قلنسوة عليها وبر ما لا يؤكل لحمه ، أو تكة حرير ، أو تكة من وبر الأرانب؟ فكتب : « لا تحلّ الصّلاة في الحريم المحض ، وإن كان الوبر ذكيّا حلّت الصّلاة فيه » (٥) ، والكتابة لا تعارض القول.
وفي الذّكرى : لو وجد على الثّوب وبر فالظاهر عدم وجوب الإزالة (٦) ، واحتجّ
__________________
(١) الفقيه ١ : ١٦٠ حديث ٧٥٠ ، التهذيب ٢ : ٢٠٣ حديث ٧٩٤.
(٢) الكافي ٣ : ٣٩٧ حديث ١ ، التهذيب ٢ : ٢٠٩ حديث ٨١٨ ، الاستبصار ١ : ٣٨٣ حديث ١٤٥٤.
(٣) التهذيب ٢ : ٢٠٩ حديث ٨١٩ ، الاستبصار ١ : ٣٨٤ حديث ١٤٥٥.
(٤) المبسوط ١ : ٨٣ ، التهذيب ٢ : ٢٠٦.
(٥) التهذيب ٢ : ٢٠٧ حديث ٨١٠ ، الاستبصار ١ : ٣٨٣ حديث ١٤٥٣.
(٦) الذكرى : ١٤٦.
وهل يفتقر استعمال جلده ـ في غير الصّلاة مع التّذكية ـ إلى الدبغ؟ قولان.
والحرير المحض محرّم على الرجال خاصة.
______________________________________________________
بمكاتبة محمّد بن عبد الجبّار ، وبمكاتبة علي بن الريّان إلى أبي الحسن عليهالسلام ، هل تجوز الصّلاة في ثوب يكون فيه شعر من شعر الإنسان وأظفاره من قبل أن ينفضه ويلقيه عنه؟ فوقّع : « تجوز » (١) ، وقد عرفت أنّ المكاتبة لا تعارض المشافهة.
على أنّ شعر الإنسان ليس مما نحن فيه لأنّه مما تعم به البلوى ، ولجواز الصّلاة فيه متّصلا وكذا منفصلا ـ استصحابا لما سبق ـ ولا فرق بين شعره وشعر غيره ، نعم لا يستتر بثوب منسوج منه في الصّلاة ، وعلى هذا فيستثنى هذا الفرد من العبارة.
قوله : ( وهل يفتقر استعمال جلده في غير الصّلاة مع التّذكية إلى الدّبغ؟ قولان ).
أحد القولين للشّيخ (٢) ، والمرتضى (٣) : إنّه يفتقر ، فلا يجوز الاستعمال من دونه ، ولم ينقل عنهما حجّة مقنعة في ذلك ، واحتج لهما في المختلف بالإجماع على جواز الاستعمال بعد الدّبغ ولا دليل قبله (٤) ، وضعفه ظاهر ، فان كل ما دلّ على جواز الاستعمال من النّصوص شامل للأمرين.
وكان بعض مشايخنا يرى أنّه إن استعمل في مائع افتقر إلى الدّبغ ، وإلاّ فلا (٥) ، وكأنّه ينظر إلى أنّه ربما تحلل منه شيء في المائع ، وهو خيال ضعيف ، والأصح العدم.
قوله : ( والحرير المحض يحرم على الرّجال خاصّة ).
إنّما قيد بالمحض لأن الممتزج لا يحرم ، وخص التحريم بالرّجال لأنّه لا يحرم على
__________________
(١) التهذيب ٢ : ٣٦٧ حديث ١٥٢٦.
(٢) المبسوط ١ : ٨٢.
(٣) حكاه عنه في المختلف : ٦٥.
(٤) مختلف الشيعة : ٦٥.
(٥) قال العاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ١٤٩ : ونقل الشهيد عن بعض الأصحاب اشتراط الدبغ إن استعمل في مائع والا فلا ، ونقله المحقق الثاني عن بعض مشايخه ، وهذا القول لم اعرف حكايته إلا منهما.
ويجوز الممتزج كالسداء أو اللّحمة ، وإن كان أكثر ،
______________________________________________________
النّساء ، وقوله : ( خاصّة ) مؤكد لما دلّ عليه التقييد في الموضعين ، لكن يرد على الخنثى لانه هنا كالرّجل. والمراد بتحريم الحرير تحريم لبسه مطلقا ، كما يشعر به سياق الكلام بعده ، وان كان الباب لبيان لباس المصلي.
ويدلّ على التّحريم إجماع علماء الإسلام مضافا إلى الأخبار الكثيرة المتواترة ، مثل ما روي عن أبي جعفر عليهالسلام أن النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال لعلّي عليهالسلام : « ولا تلبس الحرير فيحرق الله جلدك يوم تلقاه » (١) ، وغير ذلك من الأخبار (٢).
وتبطل الصّلاة فيه ، سواء كان هو الساتر أم غيره ، لنهي الرّضا عليهالسلام عن الصّلاة فيه في صحيحة إسماعيل بن سعد الأحوص (٣) ، والنّهي يقتضي الفساد.
قوله : ( ويجوز الممتزج كالسداء أو اللحمة ، وإن كان أكثر ).
السّداء (٤) ـ بفتح السّين ـ ، واللّحمة (٥) ـ بضمّ اللام وفتحه ، والفتح أكثر ـ ويدلّ على الجواز ـ مع إجماع علمائنا ـ ما روي عن الصّادق عليهالسلام قال : « لا بأس بالثّوب أن يكون سداه وزره ، وعلمه حريرا ، وإنّما كرّه الحرير المبهم للرّجال » (٦).
ولا فرق في الممتزج بين أنّ يكون الخليط أكثر أو أقل ، ولو كان عشرا ، صرّح به في المعتبر (٧) ما لم يضمحل الخليط لقلته فيصدق على الثّوب أنه إبريسم ، نعم يشترط في الخليط أن يكون محلّلا ، وعلى ذلك كله إجماع الأصحاب ، نقله في المعتبر (٨) والمنتهى (٩) ويدلّ عليه الحصر المستفاد من ( إنّما ) في الحديث السابق.
__________________
(١) الفقيه ١ : ١٦٤ حديث ٧٧٤.
(٢) الكافي ٣ : ٣٩٩ حديث ١٠ ، التهذيب ٢ : ٢٠٧ حديث ٨١٠ ، ٨١٢ ، الاستبصار ١ : ٣٨٥ حديث ١٤٦٢.
(٣) الكافي ٣ : ٤٠٠ حديث ١٢ ، التهذيب ٢ : ٢٠٥ حديث ٨٠١.
(٤) الخيوط التي تمدّ طولا في النسج ، انظر : المعجم الوسيط ١ : ٤٢٤.
(٥) الخيوط العرضية في النسج ، انظر : المعجم الوسيط ٢ : ٨١٩.
(٦) الفقيه ١ : ١٧١ حديث ٨٠٨ ، التهذيب ٢ : ٢٠٨ حديث ٨١٧.
(٧) المعتبر ٢ : ٩٠.
(٨) المعتبر ٢ : ٩٠.
(٩) المنتهى ١ : ٢٢٩.
وللنساء مطلقا.
وللمحارب ، والمضطر ، والركوب عليه والافتراش له ،
______________________________________________________
ولو سمّي الثّوب حريرا اقتراحا مع وجود الخليط المعتبر لم يقدح في جواز الصّلاة فيه قطعا ، لأنّ المراد بصدق الإبريسم عليه : المانع من الجواز النّاشئ عن قلة الخليط واضمحلاله ، بحيث لا ينظر اليه عرفا ، والمراد بالحرير المبهم ـ في الحديث ـ : هو الخالص.
قوله : ( وللنّساء مطلقا ).
أي : ويجوز الحرير للنساء مطلقا ، سواء كان محضا أو ممتزجا ، فالإطلاق باعتبار ما سبق ، أو سواء كان في حال الضّرورة أم لا ، باعتبار ما سيأتي.
أو يراد به على كل حال ، فيتناول مع ذلك حال الصّلاة ، فيكون ردّ القول ابن بابويه بمنع صلاتهنّ فيه (١) ، وإن جوّز لبسه لهنّ في غير الصّلاة ، لأنّ على هذا إجماع أهل الإسلام ، وقد تمسك على المنع بمكاتبة محمّد بن عبد الجبار إلى أبي محمّد عليهالسلام ، المتضمّنة في جوابه عليهالسلام : « لا تحل الصّلاة في حرير محض » (٢) ، فان ظاهرها يعم الرّجال والنّساء ، وروى زرارة ، عن أبي جعفر عليهالسلام أنّه نهى عن لباس الحرير للرّجال والنّساء (٣).
والجواب عن الاولى ـ مع كونها مكاتبة ـ بأنّها لا تنهض حجّة لتقييد الأوامر بفعل الصّلاة مطلقا بالنّسبة إلى المرأة ، مع أنّه يحتمل أن يراد بها الرجال ، لأنّ المسؤول عنه قلنسوة وهي مختصة بهم ، مع أنّ القول بالجواز هو الأشهر والأكثر ، وعن الثّانية بأنّ في طريقها موسى بن بكير وهو واقفي ، مع أنّ ظاهرها لا يمكن التمسّك به ، لأنّ لبسه لهن لا يحرم.
قوله : ( وللمحارب ، والمضطر ، والركوب عليه والافتراش له ).
يستثني من تحريم لبس الحرير لبسه للمحارب في حال الحرب فلا يحرم ، وإن
__________________
(١) الفقيه ١ : ١٧١ بعد حديث ٨٠٧.
(٢) التهذيب ٢ : ٢٠٧ حديث ٨١٠ ، الاستبصار ١ : ٣٨٣ حديث ١٤٥٣.
(٣) التهذيب ٢ : ٣٦٧ حديث ١٥٢٤ ، الاستبصار ١ : ٣٨٦ حديث ١٤٦٨.
______________________________________________________
لم تكن ضرورة تدعو إلى لبسه باتفاق علمائنا ، لموثقة سماعة بن مهران ، عن أبي عبد الله عليهالسلام ، وقد سأله عن لباس الحرير والديباج فقال : « أمّا في الحرب فلا بأس » (١) ، ولأنّه تحصل به قوة القلب ، وهي أمر مطلوب في تلك الحالة ، ويدفع ضرر الزرد (٢) عند حركته ، فجرى مجرى الضّرورة.
وكذا لبسه للمضطر عندنا كما في البرد الشّديد ، أو الحر المحوجين إليه لفقد غيره ولدفع القمل ، لما روي أن النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم رخّص لعبد الرّحمن بن عوف ، والزّبير بن العوام في لبس الحرير لما شكوا إليه القمل (٣) ، وفي اخرى انّه صلىاللهعليهوآلهوسلم رخّص لهما فيه من حكة كانت بهما (٤) ، أو وجمع كان بهما ، فتعم الرّخصة ، لقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « حكمي على الواحد حكمي على الجماعة » (٥).
وكذا يجوز الرّكوب على الحرير ، والافتراض له ، والصّلاة عليه ، والوقوف ، والنّوم ، والتكأة ، لصحيحة علي بن جعفر ، عن أخيه موسى عليهالسلام وقد سأله عن فراش حرير ومثله من الدّيباج ، ومصلّى حرير ومثله من الدّيباج ، يصلح للرّجل النّوم عليه ، والتّكأة ، والصّلاة؟ قال : « يفرشه ويقوم عليه ، ولا يسجد عليه » (٦) ، وتردد فيه في المعتبر (٧) لعموم تحريمه على الرّجال ، ولا وجه له ، لأن الخاص مقدّم.
وهل يحرم التدثر به؟ فيه تردد ، وظاهر النّصوص أن المحرم لبسه ، وذلك لا يعد لبسا.
__________________
(١) الكافي ٦ : ٤٥٣ حديث ٣ ، التهذيب ٢ : ٢٠٨ حديث ٨١٦ ، الاستبصار ١ : ٣٨٦ حديث ١٦١٤.
(٢) الزرد : هو عبارة عن حلقات المغفر والدرع ، انظر : لسان العرب ( زرد ) ٣ : ١٩٤.
(٣) الفقيه ١ : ١٦٤ حديث ٧٧٤ وليس فيه الزبير بن العوام ، صحيح البخاري ٤ : ٥٠ باب ٩١ من الجهاد ، صحيح مسلم ٣ : ١٦٤٧ باب ٣ حديث ٢٦ ، سنن الترمذي ٣ : ١٣٢ باب حديث ١٧٧٦ ، مسند أحمد ٣ : ١٢٢ ، ١٩٢ ، ٢٥٢.
(٤) صحيح البخاري ٤ : ٥٠ باب ٩١ من الجهاد ، و ٧ : ١٩٥ باب ٢٩ من اللباس ، صحيح مسلم ٣ : ١٦٤٦ باب ٣ حديث ٢٠٧٦ ، سنن النسائي ٨ : ٢٠٢ باب ٩٢ من الزينة ، سنن ابي داود ٤ : ٥٠ حديث ٤٠٥٦ ، مسند أحمد ٣ : ١٢٧ ، ١٨٠.
(٥) العوالي ١ : ٤٥٦ حديث ١٩٧.
(٦) الكافي ٦ : ٤٧٧ حديث ٨ ، التهذيب ٢ : ٣٧٣ حديث ١٥٥٣.
(٧) المعتبر ٢ : ٨٩.
والكف به.
______________________________________________________
قوله : ( والكف به ).
أي : بالحرير بأن يجعل في رؤوس الأحكام والذيل وحول الزيق ، لأنّ النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم نهى عن الحرير إلا موضع إصبعين ، أو ثلاث ، أو أربع (١) ، وروى الأصحاب عن جراح المدائني ، عن أبي عبد الله عليهالسلام أنّه كان يكره أن يلبس القميص المكفوف بالدّيباج (٢) ، والأصل في الكراهيّة استعمالها في بابها ، والظّاهر أنّ المراد بالأصابع المضمومة اقتصارا في المستثنى من أصل التحريم على المتيقن ، واستصحابا لما كان.
وكذا تجوز اللبنة من الإبريسم ـ وهي : الجيب ـ لما روي أن النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم كان له جبة كسروانية لها لبنة ديباج ، وفرجاها مكفوفان بالديباج (٣). وهنا مسائل :
الأولى : ما لا تتم الصّلاة فيه منفردا من الحرير مثل التكة ، والقلنسوة ، والزنّار في جواز لبسه والصّلاة فيه قولان : أقربهما الكراهيّة (٤) ، لرواية الحلبي عن أبي عبد الله عليهالسلام : « كل شيء لا تتمّ الصّلاة فيه وحده ، فلا بأس بالصّلاة فيه مثل تكة الإبريسم ، والقلنسوة ، والخف ، والزنّار يكون في السّراويل ويصلّى فيه » (٥) والثّاني : العدم (٦) ، لمكاتبة محمّد بن عبد الجبّار السّالفة (٧) ، وحملها على الكراهيّة وجه جمعا بين الأخبار.
الثّانية : المحشو بالإبريسم كالابريسم لعموم النّهي ، وكذا الرقعة أو الوصلة من الإبريسم.
__________________
(١) سنن الترمذي ٣ : ١٣٢ حديث ١٧٧٥.
(٢) الكافي ٦ : ٤٥٤ حديث ٦ ، التهذيب ٢ : ٣٦٤ حديث ١٥١٠.
(٣) صحيح مسلم ٣ : ١٦٤١ حديث ٢٠٦٩ ، مسند أحمد ٦ : ٣٤٨ و ٣٥٤ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١١٨٩ حديث ٣٥٩٤.
(٤) ذهب اليه الشيخ في النهاية : ٩٨.
(٥) التهذيب ٢ : ٣٥٧ حديث ١٤٧٨.
(٦) ذهب إليه المفيد ، كما هو ظاهر المقنعة : ٢٥ ، والعلامة في المنتهى ١ : ٢٢٩.
(٧) التهذيب ٢ : ٢٠٧ حديث ٨١٠ ، الاستبصار ١ : ٣٨٦ حديث ١٤٦٨.
ويشترط في الثوب أمران :
الملك أو حكمه ، فلو صلّى في المغصوب عالما بطلت صلاته وإن جهل الحكم. والأقوى إلحاق الناسي ومستصحب غيره به ،
______________________________________________________
الثّالثة : لا يحرم على الوليّ تمكين الصّبي من الحرير لعدم التكليف ، فلا يتناوله التّحريم ، وللأصل ، وقول جابر : كما ننزعه عن الصّبيان ، ونتركه على الجواري (١) محمول على التنزه والمبالغة في التورع.
الرّابعة : ما يخاط من الحرير بالقطن أو الكتان لا يزول التّحريم عنه ، وكذا لو بطّن به الثّوب أو ظهّر به لعموم النّهي.
قوله : ( ويشترط في الثّوب أمران : الملك أو حكمه ).
حكم الملك : المستأجر والمستعار ، والّذي أباحه مالكه عموما أو خصوصا.
قوله : ( فلو صلّى في المغصوب عالما بطلت صلاته وإن جهل الحكم ).
ظاهر العبارة أنّ المغصوب هو ساتر العورة ، لأنّ قوله سابقا : ( ويشترط في الثّوب أمران ) معناه الثّوب الّذي يكون ساترا ، بدليل قوله في بيان جنس السّاتر : ( إنّما تجوز الصّلاة في الثّياب المتّخذة من النبات ... ).
إذا تقرّر هذا ، فإذا صلّى في المغصوب وكان هو السّاتر بطلت الصّلاة بإجماع أصحابنا ، لرجوع النّهي إلى شرط الصّلاة وهو يقتضي الفساد ، ومثله ما لو قام فوقه ، أو سجد عليه ، لرجوع النّهي إلى جزء الصّلاة فتفسد.
وهذا إذا كان عالما بغصب الثّوب ، سواء كان عالما بأنّ حكم المغصوب بطلان الصّلاة أم لا ، لوجوب التّعلم على الجاهل ، فلا يكون تقصيره عذرا ، وناسي الحكم كالجاهل ، وعطف الجاهل في العبارة بـ ( أن ) الوصيلة يقتضي شمول العبارة له ، ولناسي الحكم.
قوله : ( والأقوى إلحاق النّاسي ومستصحب غيره به ).
هنا مسألتان :
الاولى : لو صلّى في المغصوب ناسيا للغصب ، فالأقوى عند المصنّف إلحاقه بمن
__________________
(١) نقل قوله المحقق في المعتبر ٢ : ٩١ ، والعلامة في التذكرة ١ : ٩٦ ، والشهيد في الذكرى : ١٤٥.
______________________________________________________
صلّى في المغصوب عالما بالغصب ، فتكون صلاته باطلة ويجب إعادتها ، ومقتضى العبارة كون الإعادة في الوقت وخارجه ، لأنّ معنى إلحاقه بالعامد مساواته له في حكمه ، نعم لا يأثم بذلك إجماعا.
ووجه القوة أنّ الناسي مفرط لقدرته على التكرار الموجب للتذكار ، فإذا أخلّ به كان مفرطا ، ولأنّه لمّا علم كان حكمه المنع من الصّلاة ، والأصل بقاء ذلك ، وزواله بالنّسيان يحتاج إلى نصّ ، ولم يثبت.
لا يقال : قد روي أنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : « رفع عن أمتي الخطأ والنّسيان » (١) ، والحقيقة متعذّرة لأنهما واقعان لم يرتفعا ، فيصار إلى أقرب المجازات إلى الحقيقة وهو رفع جميع أحكامهما ، لأنّ رفع الحقيقة يستلزم رفع جميعها. أو يقال : يراد برفعهما إلغاء الفعل الحاصل معهما ، فلو ثبت له شيء من الأحكام لم يصدق إلغاؤه.
لأنا نقول بمنع إرادة العموم في رفع جميع الأحكام ، لأنّه يستلزم زيادة الإضمار مع الاكتفاء بالأقل ، ولأن صحة الصّلاة في المغصوب مع النّسيان ، وزوال حكم المانع يقتضي ثبوت حكم له ، فلا يصدق الرفع الكلي ، ودليل الصّحة مبني عليه.
كذا قرر المصنّف ، ولك أن تقول : لا نسلم أن التكرار الموجب للتّذكار يمنع عروض النّسيان ، والوجدان يشهد بخلافه ، وما ادعاه من استصحاب بقاء المنع من الصّلاة بعد النّسيان مدفوع بالإجماع ، على أنّ النّاسي يمتنع تكليفه حال نسيانه لامتناع تكليف الغافل ، ومنع إرادة العموم في الحديث بعد بيان الدّليل الدال على إرادته غير ملتفت اليه.
وما استدل به من استلزام زيادة الإضمار إلى آخره مردود ، لأن زيادة الإضمار الممنوع منه في اللفظ لا في المدلول ، فلو كان أحد اللّفظين أشمل ـ وهما في اللّفظ سواء ـ لم تتحقّق الزّيادة ، على أنّ زيادة الإضمار إنّما تلزم على تقدير ما يدّعيه هو ،
__________________
(١) سنن ابن ماجة ١ : ٦٥٩ حديث ٣٠٤٣ و ٢٤٤ ، حديث ٢٤٤٥ ، مستدرك الحاكم ٢ : ١٩٨ ، اخبار أصفهان ١ : ٩٠ ، كنز العمال ١٢ : ١٥٥ ، سنن الدار قطني ٤ : ١٧٠ حديث ٣٣ ، سنن البيهقي ٧ : ٣٥٦ حديث ٣٥٧ ، سنن سعيد بن منصور ١ : ٣٧٨ حديث ١١٤٤ و ١١٤٦ و ١١٤٥ ، أصول الكافي ٢ : ٤٦٢ حديث ١ ـ ٢ التوحيد : ٣٥٣ حديث ٢٤ ، الفقيه ١ : ٣٦ حديث ١٣٢.
______________________________________________________
فإنّه حينئذ يحتاج إلى إضمار بعض الأحكام ، وعلى ما قلناه يكفي إضمار الأحكام فقط ، على أنّ الاقتصار على الأقل إنّما يجب إذا كان بمرتبة واحدة ، فلو اقتضى المقام الأكثر وجب المصير إليه.
وليس المراد رفع جميع الأحكام حتّى المرتّبة على النّسيان ، باعتبار كونه عذرا ، بل المراد رفع الأحكام المترتبة على الفعل إذا وقع عمدا ، فانّ معنى الحديث ـ والله أعلم ـ : اغتفر لأمتي الأمر الممنوع منه إذا كان خطأ أو نسيانا ، حتّى كأنه لم يكن ، فلا يتعلّق به شيء من أحكام عمده.
ولو قدرنا أنّ المراد رفع جميع الأحكام ، فإنّما يرفع الحكم الممكن رفعه لا مطلقا ، وما ذكره غير ممكن الرّفع لامتناع الخلو عن جميع الأحكام الشّرعية ، والأصحّ عدم الإعادة مطلقا.
الثّانية : لو استصحب شيئا مغصوبا غير الثّوب في حال الصّلاة ـ كثوب أو خاتم ـ فالأقوى عند المصنّف أيضا إلحاقه بمن صلّى في المغصوب عامدا فتبطل صلاته ، لأنّ الحركات الواقعة في الصّلاة منهي عنها لأنّها تصرف في المغصوب ، وهي أجزاء الصّلاة فتفسد ، لأنّ النّهي في العبادة يقتضي الفساد ، ولأنّه مأمور بإبانة المغصوب عنه ، وبردّه إلى مالكه ، فإذا افتقر الى فعل كثير كان مضادا للصّلاة ، والأمر بالشيء يستلزم النّهي عن ضدّه فيفسد.
وكلية الكبرى ممنوعة ، لأنّ اللاّزم هو النّهي عن الضّد العام ـ أعني الترك مطلقا وهو الأمر الكلّي لا عن الأضداد الخاصّة من حيث هي كذلك ـ فلا يتحقّق النّهي عن الصّلاة.
وكذا بعض مقدّمات الدّليل الأوّل ، وهي : أن الحركات المخصوصة الواقعة في الصّلاة منهيّ عنها ، فإن النّهي إنّما هو عن التصرّف في المغصوب من حيث هو تصرف في المغصوب ، وهو أمر خارج عن الحركات من حيث هي حركات ، غاية ما في الباب أن المكلّف جمعهما باختياره ، وإذا كان متعلّق النّهي أمرا خارجا عن الصّلاة ، منفكّا عنها ، لا يعد جزءا لها ولا شرطا ، لم يتطرق النّهي إلى الصّلاة بخلاف ما لو كان المغصوب هو
______________________________________________________
السّاتر ، أو المسجد ، أو المكان لفوات بعض شروط الصّلاة أو بعض أجزائها حينئذ ، فلا تكون صحيحة.
كذا حقق صاحب المعتبر (١) ، وقواه في الذّكرى (٢) ، ثم احتاط بالبطلان ، ولا ريب في متانة ذلك ، وإن كان الاحتياط طريقا إلى البراءة.
وقد يحتج للبطلان بأنّ ردّ المغصوب إلى مالكه واجب ، ولا يتمّ إلاّ بترك الصّلاة ، لأنّ الفرض تضادهما ، وما لا يتمّ الواجب المطلق إلاّ به فهو واجب ، فيكون ترك الصّلاة واجبا ويلزم منه النّهي عن فعلها ، ويمكن الطّعن في كليّة قوله : ( وما لا يتمّ الواجب إلا به فهو واجب ) ، لأنّ ذلك فيما عدا ترك الواجب لا مطلقا.
واعلم أنّ قول المصنّف سابقا : ( فلو صلّى في المغصوب عالما ) يتناول النّاسي لأنّه عالم ، فيكون ذكره بعد ذلك تكرارا ، ولو قال بدله : ( عامدا ) سلم من التّكرار ، وإلحاق النّاسي بالعامد يقتضي وجوب الإعادة مطلقا ، وهو المناسب لحكم من استصحب المغصوب في الصّلاة.
ويلوح من الذّكرى وجوب الإعادة في الوقت لوجود السّبب ، وعدم تيقن الخروج من العهدة ، لا إن خرج ، لأن الإعادة بأمر جديد (٣) وهو خيرة المختلف (٤).
ويضعف بأنّ امتثال المأمور به يقتضي الإجزاء ، ويمتنع تكليفه في حال النّسيان كما سبق ، فيكون في المسألة ثلاثة أقوال.
والضّمير في قوله : ( ومستصحب غيره ) يعود إلى المغصوب الّذي هو الثّوب المحدث عنه ، وظاهره أنّه السّاتر ، وهو المناسب لإشعار العبارة بجريان الخلاف فيما عداه ، فيكون المراد بغيره ما يعم نحو الخاتم وغيره ، فيندرج فيه الثّوب الّذي لا يكون هو السّاتر ، وإن كان ذلك لا يخلو من تكلف ، والضّمير في قوله : ( به ) يعود إلى العالم في المسألة الأولى ، فيعمّ الحكم ـ بإلحاق المستصحب ـ العامد والنّاسي ، وقد وقع في
__________________
(١) المعتبر ٢ : ٩٢.
(٢) الذكرى : ١٤٦.
(٣) الذكرى : ١٤٦.
(٤) المختلف : ٨٢.
ولو أذن المالك للغاصب أو لغيره صحت.
______________________________________________________
عبارة الشّارح ولد المصنّف أشياء (١) ننبه على المهم منها :
الأوّل : أنّه فرّق بين ما إذا كانت إبانة المغصوب تحتاج إلى فعل كثير وعدمه ، فحكم بالبطلان في الأوّل بغير شك ، ويظهر من آخر كلامه أنّه لا خلاف في البطلان هنا.
وهو فاسد ، فإن اعتبار النّهي عن حركات الصّلاة في المغصوب إن تم يقتضي البطلان مطلقا ، وقد عرفت فيما مضى أنّه لا يتم ، فعلى هذا إن ثبت الإبطال بالنّهي عن الضدّ ، استوى في ذلك ما تحتاج إبانته إلى فعل كثير ، وما يحتاج رده إلى مالكه إليه ، وإن لم يكن مصحوبا في الصّلاة ، بل يستوي فيه نحو من صلّى وفي المسجد نجاسة يقدر على إزالتها ، وما لا يتناهى من المسائل.
ويتحقّق الإبطال في ذلك كلّه بما إذا لم يتضيق الوقت ، أو تضيق ولم يتشاغل بالردّ والصّلاة معا جمعا بين الحقّين ، فتخصيص الشارح احتمال البطلان وعدمه بالتّقديرين الآخرين لا وجه له ، مع أنّ احتمال بطلان الصّلاة مع عدم التضاد بين الصّلاة والإبانة على تقدير القول بالصحّة في أوّل الوقت فاسد أصلا ، بل لا معنى له.
وما ذكره في التّحقيق آخرا غير مستقيم أيضا ، لأنّه بنى الحكم هنا على القاعدة الأصوليّة المقيدة بكون المنهي عنه غير جزء ولا لازم ، ثم جعل دليل البطلان هنا تعلّق النّهي بالجزء أو اللاّزم ، وتحقق الفرق بين ما هنا وبين مسألة الخياط ، مع أنّ ظاهر قوله : ( وقال فريق منهم ) أنّ هذا القول في القاعدة الأصوليّة وما جعله دليلا عليه لا يرتبط به أصلا ، وفي كلامه أشياء غير ذلك أعرضنا عنها ، وطوّل الكلام في هذا المقام لأنّه من المهمّات.
قوله : ( ولو أذن المالك للغاصب أو لغيره صحّت ).
أي : للمأذون له ، لأنّ المانع مسبّب عنه وقد زال ، وزوال الضّمان عن الغاصب بهذا الاذن وعدمه لا دخل له في الصحّة وعدمها.
__________________
(١) إيضاح الفوائد ١ : ٨٥.
ولو أذن مطلقا جاز لغير الغاصب ، عملا بالظاهر.
والطّهارة وقد سبق.
المطلب الثّاني : في ستر العورة : وهو واجب في الصلاة وغيرها.
ولا يجب في الخلوة إلاّ في الصلاة ، وهو شرط فيها ، فلو تركه مع القدرة بطلت سواء كان منفردا أو لا ،
______________________________________________________
قوله : ( ولو أذن مطلقا جاز لغير الغاصب عملا بالظاهر ).
أي : بظاهر الحال المستفاد من العادة بين غالب النّاس ، من الحقد على الغاصب ، وحبّ مؤاخذته والانتقام منه ، فان ظاهر ذلك يقتضي عدم الاذن له ، فيكون مخرجا له من الإطلاق أو العموم.
قوله : ( والطّهارة وقد سبق ).
أي : الأمر الثّاني من الأمرين المشترطين في الثّواب : الطّهارة ، وقد سبق هذا الأمر ، وبيان اشتراطه ، وأحوال نجاسته ، وما به تحصل الطّهارة مستوفى.
قوله : ( المطلب الثّاني في ستر العورة : وهو واجب في الصّلاة وغيرها ).
المراد بغير الصّلاة : ما إذا كان هناك ناظر يحرم كشف العورة عنده ، بمقتضى قوله بعده : ( ولا يجب في الخلوة ) ووجوب السّتر في الصّلاة بإجماع العلماء ، وكذا في غيرها مع وجود النّاظر ، والكتاب والسّنة ناطقان بذلك.
قوله : ( ولا يجب في الخلوة إلا في الصّلاة ).
خلافا لبعض العامة حيث أوجب السّتر على كلّ حال (١) ، وكان عليه أن يستثني الطواف أيضا ، لأنّه كالصّلاة في هذا الحكم ، وفي أكثر الأحكام.
قوله : ( وهو شرط فيها ).
لو قيّد شرطيّته بحال القدرة لكان حسنا ، ولم يرد حينئذ أنّ الإخلال بالشرط يقتضي بطلان المشروط على كل حال ، وليس السّتر كذلك لصحّة الصّلاة بدونه مع العجز عنه ، فلا يكون شرطا ، لأنّه إذا كان شرطا في حال دون حال ، إنّما يلزم الفساد
__________________
(١) منهم : الشافعي كما في كفاية الأخيار ١ : ٥٧ ، والمجموع ٣ : ٦٥ ـ ١٦٦ ، وأحمد بن حنبل كما في الإنصاف ١ : ٤٤٧ ، والسراج الوهاج : ٥٢.
وعورة الرجل قبله ودبره خاصة.
______________________________________________________
بالإخلال به في حال شرطيّته لا مطلقا.
إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ اشتراط السّتر في الصّلاة بإجماعنا ، واتفاق أكثر العلماء (١) لقوله تعالى ( يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ ) (٢) ، قيل : اتفق المفسّرون على أن الزّينة هنا ما تواري به العورة للصّلاة والطّواف ، لأنّهما المعبر عنهما بالمسجد (٣).
والأمر للوجوب ، ولقول الباقر عليهالسلام ، وقد سئل : ما ترى للرّجل أن يصلّي في قميص واحد ، قال : « إذا كان كثيفا فلا بأس » (٤) دل على ثبوت البأس مع عدم الكثافة ، ولرواية علي بن جعفر ، عن أخيه موسى عليهالسلام في العريان : « إن
أصاب حشيشا يستر منه عورته أتم صلاته بالرّكوع والسّجود ، وإن لم يصب شيئا يستر منه عورته أومأ وهو قائم » (٥) فترك أعظم أركان الصّلاة لفقد السّاتر يقتضي اشتراطه في الصحّة.
ولا يخفى أن السّتر كما أنّه شرط في الصّلاة كذا هو شرط في الطّواف ، ولا فرق في اشتراط السّتر بين كون المصلّي منفردا أو معه غيره ، فلذلك قال المصنّف : سواء كان منفردا أو لا.
قوله : ( وعورة الرّجل قبله ، ودبره خاصّة ).
هذا أشهر أقوالا أصحابنا ، والمراد بالقبل : القضيب والأنثيان ، لأنّه في الذّكرى فسّره بذلك (٦) وفي التحرير (٧) : وهل البيضتان منها؟ في بعض الرّوايات :
__________________
(١) قاله الشافعي وداود ومالك وأبو حنيفة وأحمد ، انظر : الأم ١ : ٨٩ ، المجموع ٣ : ١٦٧ ، كفاية الأخيار ١ : ٥٧ ، اللباب ١ : ٦١ ، المغني ١ : ٦٥١ ، الإنصاف ١ : ٤٤٨.
(٢) الأعراف : ٣١.
(٣) انظر : مجمع البيان ٢ : ٤١٣ ، التفسير الكبير ١٤ : ٦٠ ـ ٦١ ، تفسير الكشاف ٢ : ٧٦.
(٤) الكافي ٣ : ٣٩٤ حديث ٢ ، التهذيب ٢ : ٢١٧ حديث ٨٥٥.
(٥) التهذيب ٢ : ٣٦٥ حديث ١٥١٥.
(٦) الذكرى : ١٣٩.
(٧) تحرير الأحكام ١ : ٣١.
ويتأكد استحباب ستر ما بين السّرة والركبة ، وأفضل منه ستر جميع البدن ،
______________________________________________________
« إذا سترت القضيب والبيضتين فقد سترت العورة » (١).
والدبر : نفس المخرج ، وليست الأليتان ، ولا الفخذ منها ، لقول الصّادق عليهالسلام : « الفخذ ليس من العورة » (٢) ، وروى الصّدوق أن الباقر عليهالسلام كان يطلي عورته ، ويلف الإزار على الا حليل فيطلي غيره سائر بدنه (٣).
وليست السرة من العورة باتّفاقنا ، وكذا الرّكبة على ما ذكره المصنّف في التّذكرة (٤) ، والمحقّق في المعتبر (٥) ، وكأنّهما لم يعتبرا خلاف أبي الصّلاح في قوله : إنّ العورة من السّرة إلى الركبة (٦) ، لضعفه ، وقال ابن البرّاج : إنّ العورة ما بين السّرة إلى الرّكبة (٧) ، والأخبار حجة عليه. ولا فرق بين الحرّ والعبد في هذا الحكم ، ولا بين الصّبي والبالغ.
قوله : ( ويتأكد استحباب ستر ما بين السرة والرّكبة ).
لأن فيه المحافظة على الاحتياط.
قوله : ( وأفضل منه ستر جميع البدن ).
عن النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : « إذا صلّى أحدكم فليلبس ثوبيه ، فان الله تعالى أحق أن يتزين له » (٨) ، وروي : « ركعة بسراويل تعدل أربعا بغيره » (٩) ، قال في الذّكرى : وكذا روي في العمامة (١٠) ، ويوجد في بعض نسخ الكتاب موضع
__________________
(١) الكافي ٦ : ٥٠١ حديث ٢٦ ، التهذيب ١ : ٣٧٤ حديث ١١٥١.
(٢) الفقيه ١ : ٦٧ حديث ٢٥٣.
(٣) الفقيه ١ : ٦٥ حديث ٢٥٠.
(٤) التذكرة ١ : ٩٢.
(٥) المعتبر ٢ : ٩٩.
(٦) الكافي في الفقه : ١٣٩.
(٧) المهذب ١ : ٨٣.
(٨) كنز العمال ٧ : ٣٣١ حديث ١٩١٢٠ نقلا عن الطبراني في المعجم الأوسط.
(٩) الذكرى : ١٤٠.
(١٠) الذكرى : ١٤٠.
ويكفيه ثوب واحد يحول بين الناظر ولون البشرة.
ولو وجد ساتر أحدهما فالأولى القبل ،
______________________________________________________
( وأفضل ) : ( وأقل ) ، وهو صحيح ، لأن معناه حينئذ : وأقل ممّا ذكر تأكيد ستر جميع البدن.
ولا يخفى أنّ تأكيد ستر المجموع من حيث هو كذلك ، لا يبلغ تأكيد ستر ما بين السّرة والرّكبة ، فلا يحتاج إلى تكلّف ما قيل من أن المراد بالمجموع سوى ما بين السّرة والرّكبة ، توهما أن عدم التّأكيد في المجموع يقتضي عدمه فيما بينهما ، وليس كذلك ، إذ لا يجب أن يثبت للجزء ما ثبت للكلّ.
قوله : ( ويكفيه ثوب واحد يحول بين النّاظر ولون البشرة ).
أي : ويكفي الرّجل في ستر عورته الواجب سترها ثوب واحد صفيق ، يحول بين النّاظر ولون البشرة ، فلو كان رقيقا يحكي لون البشرة من سواد وبياض وغيرهما لم تجز الصّلاة فيه لعدم حصول السّتر به.
وظاهر إطلاق العبارة يتناول ما إذا كان الثّوب يستر اللّون ، ويصف الخلقة والحجم فتجوز الصّلاة فيه ، وبه صرّح في التّذكرة (١) ، واختار شيخنا في الذكرى (٢) وغيرها عدم جواز الصّلاة به ، لمرفوع أحمد بن حماد ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « لا تصل فيما شفّ أو وصف » (٣) ، قال في الذّكرى : معنى شف : لاحت منه البشرة ، ووصف : حكى الحجم (٤) ، وفيما اختاره قوة للحديث ، ولأنّ وصف الحجم موجب للهتك أيضا.
قوله : ( ولو وجد ساتر أحدهما فالأولى القبل ).
أي : ولو وجد الرّجل ساتر أحد المذكورين ، أعني : القبل والدبر ، بحيث لم يجد للآخر ساترا ، فالواجب ستر القبل به لبروزه ، وكون الآخر مستورا بالأليتين ، لكن يجب عليه الإيماء لعدم تحقق الواجب من السّتر ، فلو خالف وستر به الدّبر فالأصحّ بطلان
__________________
(١) التذكرة ١ : ٩٢.
(٢) الذكرى : ١٤٦.
(٣) التهذيب ٢ : ٢١٤ حديث ٨٣٧.
(٤) الذكرى : ١٤٦.
وبدن المرأة كلّه عورة يجب عليها ستره في الصلاة ، إلاّ الوجه والكفين وظهر القدمين.
______________________________________________________
صلاته ، وبه صرّح في الذّكرى (١) وأطلق الشّيخ وجوب ستر ما قدر عليه من العورة إذا وجد ساترا لبعض (٢).
ولو وجدت المرأة ساتر إحدى السوأتين خاصّة ، فالظاهر ستر القبل كالرّجل ، ولو كان الواحد خنثى فإن أمكن ستر القبلين تعيّن ، وإلا فيحتمل ستر الذّكر لبروزه ، ويحتمل مخالف عورة المطلع ، فان كان رجلا ستر عورة المرأة وبالعكس. وفيه قوّة ، لأن فيه رعاية [ ستر ] (٣) الافحش ، ولو اجتمعا فإشكال.
والظاهر أنّ المراد بقوله : ( فالأولى ) هنا وفي نظائره التعيين والتحتم ، إذ لا يجوز العدول عن الأحقّ إلى غيره ، وإن كان قد يستعمل ذلك لإرادة الأفضل ، وبمعونة المقام يتميز المراد (٤).
قوله : ( وبدن المرأة كلّه عورة يجب عليها ستره في الصّلاة ، إلاّ الوجه والكفّين وظهر القدمين ).
كون بدن المرأة كلّه عورة عليه إجماع العلماء ، وخالف أبو بكر بن عبد الرّحمن في استثناء الوجه (٥) ، وبعض الفقهاء من العامة في استثناء الكفّين (٦) ، ولا يلتفت إليهما.
وقد فسر قوله تعالى ( وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاّ ما ظَهَرَ مِنْها ) (٧) بالوجه والكفّين (٨) ، والمشهور بين الأصحاب استثناء القدمين أيضا ، لبدوهما غالبا ، ولقول
__________________
(١) الذكرى : ١٤١.
(٢) المبسوط ١ : ٨٧.
(٣) هذه الزيادة وردت في « ح ».
(٤) في « ع » : المرام.
(٥) المغني ١ : ٦٧٢.
(٦) ذهب إليه أحمد كما في فتح العزيز ٤ : ٩٠.
(٧) النور : ٣١.
(٨) فتح العزيز ٤ : ٨٨ ، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي ١٢ : ٢٢٨.
ويجب على الحرة ستر رأسها ،
______________________________________________________
الباقر عليهالسلام في رواية محمّد بن مسلم : « والمرأة تصلّي في الدّرع والمقنعة ، إذا كان الدّرع كثيفا » (١) يعني : إذا كان ستيرا ، فاجتزأ عليهالسلام بالدّرع ، وهو : القميص ، والمقنعة ، وهي : للرأس ، والقميص لا يستر القدمين غالبا ، وعليه يحمل قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « المرأة عورة » (٢).
وحكى في الذّكرى (٣) عن ظاهر كلام الشّيخ (٤) ، وأبي الصّلاح منع كشف الكفّين والقدمين (٥) ، ولا ريب أن المذهب هو الأوّل.
ولا فرق بين ظاهر الكفين وباطنهما ، وكذا القدمان ، لبروز ذلك كلّه غالبا ، وحد اليدين الزند ، والقدمين مفصل الساق ، إلا أنّه يجب ستر شيء من اليد والقدم من باب المقدمة ، وكذا نقول في عورة الرّجل ، وظاهر عبارة الكتاب أنّ باطن القدمين من العورة ، والأصحّ خلافه.
قوله : ( ويجب على الحرّة ستر رأسها ).
لأنّها عورة كلّها ، ولعموم ( وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ ) (٦) ، ولرواية الفضيل ، عن الباقر عليهالسلام قال : « صلّت فاطمة عليهاالسلام وخمارها على رأسها ، ليس عليها أكثر مما وارت به شعرها وأذنيها » (٧).
وكما يجب ستر الرأس يجب ستر الشعر والأذنين والعنق ، والظاهر أنّ الصّدغين وما لا يجب غسله في الوضوء ممّا يجب ستره ، لأنّ جميع بدنها عورة إلاّ ما أخرجه دليل. وتردّد في ذلك في الذّكرى من تعارض الحقيقة الشرعية واللغوية (٨) ، ولا وجه له لأن الشّرعية مقدّمة.
__________________
(١) الفقيه ١ : ٢٤٣ حديث ١٠٨١.
(٢) سنن الترمذي ٢ : ٣١٩ حديث ١١٨٣.
(٣) الذكرى : ١٣٩.
(٤) الاقتصاد : ٢٥٨.
(٥) الكافي في الفقه : ١٣٩.
(٦) النور : ٣١.
(٧) الفقيه ١ : ١٦٧ حديث ٧٨٥.
(٨) الذكرى : ١٤٠.
إلاّ الصبية والأمة ، فإن أعتقت في الأثناء وجب الستر ،
______________________________________________________
قوله : ( إلا الصّبية والأمة ).
هذا الاستثناء مجاز ، لأنّ الصبيّة لا وجوب عليها لعدم التّكليف ، ولفظ الحرة لا يتناول الأمة ، والمعنى : إنّ الصّبية وإن كان لا بدّ من ستر بدنها ، لتكون صلاتها شرعية أو تمرينية ، كما في طهارتها بالنسبة إلى الصّلاة ، إلاّ أنّه لا يشترط ستر رأسها.
وكذا لا يجب على الأمة ستر رأسها بإجماع العلماء الا من شذّ (١) ، وروى محمّد بن مسلم ، عن الباقر عليهالسلام : « ليس على الأمة قناع » (٢) ، وهل يستحبّ لها القناع؟ أثبته في المعتبر (٣) لأنّه أنسب بالخفر والحياء ، وفي رواية عن الصّادق عليهالسلام النّهي عنه ، وأن أباه عليهالسلام كان إذا رأى المملوكة تفعل ذلك ضربها ، لتعرف الحرّة من المملوكة (٤).
والعنق فيهما كالرّأس ، لعسر ستره من دون ستر الرّأس ، والوجه والكفان والقدمان كذلك ، بل أولى.
ولا فرق في الأمة بين القنة ، والمدبّرة ، وأمّ الولد ، والمكاتبة المشروطة ، والمطلقة الّتي لم تؤدّ شيئا لثبوت الرّق في ذلك كلّه ، والخنثى كالأنثى في ذلك كلّه.
قوله : ( فإن أعتقت في الأثناء وجب السّتر ).
لصيرورتها حرّة فتثبت لها أحكامها ، ولو عتق بعضها فكذلك لوجوب ستر ذلك البعض ، ولا يتم إلاّ بستر الجميع ، وقد صرّح بذلك جمع من الأصحاب (٥) ورواية محمّد بن مسلم ، عن الباقر عليهالسلام : « ليس على الأمة قناع في الصّلاة ، ولا على المدبّرة والمكاتبة إذا اشترط عليها مولاها حتّى تؤدي جميع مكاتبتها » (٦) تشعر بذلك ، نظرا إلى تخصيص الحكم بالمشروطة أن تؤدّي جميع مال الكتابة.
__________________
(١) هو الحسن البصري كما في المنتهى ١ : ٢٣٧ ، والمعتبر ٢ : ١٠٣.
(٢) الكافي ٣ : ٣٩٤ حديث ٢ ، التهذيب ٢ : ٢١٧ حديث ٨٥٥.
(٣) المعتبر ٢ : ١٠٣.
(٤) علل الشرائع : ٣٤٥ باب ٥٤ حديث ٢ ، المحاسن للبرقي : ٣١٨ حديث ٤٥.
(٥) منهم : الشيخ في المبسوط ١ : ٨٧ ، والمحقق في المعتبر ٢ : ١٠٣.
(٦) الفقيه ١ : ٢٤٤ حديث ١٠٨٥ ، علل الشرائع : ٣٤٦ باب ٥٤ حديث ٣.
فإن افتقرت إلى المنافي استأنفت ، والصبية تستأنف.
ولو فقد الثوب ستر بغيره من ورق الشجر والطين وغيرهما.
______________________________________________________
قوله : ( فان افتقرت إلى المنافي استأنفت ).
لامتناع صحّة الصّلاة بدون شرطها ، والمراد بالمنافي الفعل الكثير عادة ، أو الاستدبار ، أو التكلّم ونحو ذلك.
وقد أطلق المصنّف الاستئناف هنا ، وقيده في التّذكرة بما إذا لم تخف فوت الصّلاة (١) ، يعني لضيق الوقت ، فان خافت أتمت الصّلاة ، وبه صرّح جمع من الأصحاب (٢) لتعذّر الشّرط حينئذ ، فتصلّي بحسب المكنة.
وفي نفسي من الفرق شيء ، لأنّ الستر إن كان شرطا كان تعذّره في وقت الأداء موجبا لتعذّر المشروط في وقت الأداء ، ولعدم جواز التّكليف به حينئذ ، لا لوجوب المشروط بدون شرطه (٣) ، وإن لم يكن شرطا وجب الاستمرار مع السّعة أيضا ، كما هو مقتضى إطلاق عبارة الخلاف بالاستمرار (٤).
ودلائل اشتراط السّتر مع القدرة في الجملة عامة ، فتقييد القدرة بكونها في وقت الأداء يحتاج إلى دليل ، وبالجملة فالمسألة موضع تردّد.
قوله : ( والصبيّة تستأنف ).
أي : إذا بلغت في الأثناء ، سواء كان بلوغها بما يفسد الصّلاة أم لا ، لعدم وجوب ما سبق ، فلا يجزئ عن الواجب ، وإنّما يجب الاستئناف إذا بقي من الوقت مقدار الطّهارة وركعة ، كما سبق في الوقت.
قوله : ( ولو فقد الثّوب ستر بغيره من ورق الشّجر والطّين وغيرهما ).
ظاهر العبارة أنّ السّتر بورق الشّجر إنّما يجوز مع فقد الثّوب ، فهو مؤكد لما اقتضاه كلامه أوّل الباب ، وقد عرفت ما فيه ، ومقتضى عطف الطين عليه إجزاء كلّ منهما حينئذ فيتخير بينهما ، واختار في الذّكرى عدم إجزاء الطّين مع إمكان الستر بغيره ،
__________________
(١) التذكرة ١ : ٩٣.
(٢) منهم : الشيخ في المبسوط ١ : ٨٨ ، والمحقق في المعتبر ٢ : ١٠٣.
(٣) جاء في هامش « ن » ما لفظه : ( وقت الأداء ولعدم شرطه « صح » ).
(٤) الخلاف ١ : ١٥١ مسألة ١٦٦ كتاب الصلاة.
______________________________________________________
لعدم فهمه من لفظ السّاتر عند الإطلاق ، واحتمل الاجزاء لحصول مقصود السّتر به (١) وفيه منع ، واحتج المصنّف في التّذكرة (٢) بقول الصّادق عليهالسلام : « النّورة سترة » (٣) ، ولا دلالة فيه ، لإمكان أن يراد كونه سترة عن النّاظر ، وظاهر قوله تعالى : ( خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ ) (٤) خلافه ، إذ لا يعد ذلك زينة ، ولا يفهم من اللّفظ.
والظاهر عدم الاجزاء اختيارا ، ولو خاف تناثره في الأثناء عند جفافه لم يجز مع وجود الثّوب قطعا ، ولو وجد وحلا أو ماء كدرا يستر عورته لو نزله وجب مع عدم الضّرر ، وتعذّر غيره ممّا سبق ، ويركع ويسجد إن أمكن ، وإلا أومأ.
ولو وجد حفرة دخلها وجوبا وصلّى قائما ، ويركع ويسجد ، كما صرّح به جمع من الأصحاب (٥) ، لحصول السّتر ، ولم تثبت شرطية التصاقه بالبدن ، ولمرسل أيّوب بن نوح ، عن الصّادق عليهالسلام في العاري الّذي ليس له ثوب إذا وجد حفيرة : « دخلها فسجد فيها وركع » (٦).
وعلى هذا فيجب تقديمه على ولوج الوحل والماء الكدر إذا تعذّر استيفاء الأفعال فيهما ، أما مع الإمكان فيحتمل التّخيير لاستوائهما في كون كلّ واحد منهما لا يعد ساترا حقيقيّا ، وتقديم الوحل لأنّه أقرب إلى الثّوب بلصوقه الى البدن ، والحفيرة للأمر بدخولها من دون اعتبار إمكان غيرها.
والفسطاط الضيق إذا لم يمكن لبسه ، والجبّ والتّابوت إذا أمكن استيفاء الأفعال فيهما كالحفيرة على الظّاهر ، ولو لم يمكن لم يجزئا مع إمكان ما قبلهما ، إلا في نحو صلاة الجنازة والخوف.
ولا يخفى أن إطلاق عبارة المصنّف في قوله : ( وغيرهما ) يقتضي الإجزاء
__________________
(١) الذكرى : ١٤١.
(٢) التذكرة ١ : ٩٣.
(٣) الفقيه ١ : ٦٥ حديث ٢٤٨.
(٤) الأعراف : ٣١.
(٥) منهم : الشيخ في المبسوط ١ : ٨٧ ، والمحقق في المعتبر ٢ : ١٠٥.
(٦) التهذيب ٢ : ٣٦٥ حديث ١٥١٧ باختلاف يسير.