جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٢

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٢

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٤

الجنة » ، وقصدها مستحب ، قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « من اختلف إلى المسجد أصاب إحدى الثماني : أخا مستفادا في الله تعالى ، أو علما مستطرفا ، أو آية محكمة ، أو رحمة منتظرة ، أو كلمة ترده عن ردى ، أو يسمع كلمة تدلّه على هدى ، أو يترك ذنبا خشية ، أو حياء ».

______________________________________________________

« من بنى مسجدا كمفحص قطاة بنى الله له بيتا في الجنة » ).

المراد باتخاذ المساجد : بناؤها ، والحديث رواه الشّيخ في الحسن بإسناده إلى أبي عبيدة الحذاء ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال : « من بنى مسجدا بنى الله له بيتا في الجنّة » (١) وفي بعض العبارات « كمفحص قطاة » قال أبو عبيدة : فمرّ بي أبو عبد الله عليه‌السلام في طريق مكة ، وقد سويت أحجارا لمسجد فقلت : جعلت فداك نرجو أن يكون هذا من ذلك فقال : « نعم » (٢).

ومفحص القطاة ـ بوزن مقعد ـ : هو الموضع الّذي تكشفه في الأرض ، وتليّنه بجؤجئها فتبيض فيه ، والتّشبيه به على طريق التمثيل مبالغة في الصغر ، كأنّه قيل : ولو كان المسجد المبني بالنسبة إلى المصلّي كمفحص القطاة في الصغر ، كأنّه قيل : ولو كان المسجد المبني بالنسبة إلى المصلّي كفحص القطاة في الصغر بالنسبة إليها.

ويمكن أن يكون وجه الشبهة عدم احتياجه في ثبوت ذلك إلى بناء الجدران ، بل يكفي رسومها كما ينبه عليه فعل أبي عبيدة (٣).

قوله : ( وقصدها مستحب ، قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « من اختلف إلى المسجد أصاب إحدى الثّماني : أخا مستفادا في الله ، أو علما مستطرفا ، أو آية محكمة ، أو رحمة منتظرة ، أو كلمة تردّه عن ردى ، أو يسمع كلمة تدله على هدى ، أو يترك ذنبا خشية أو حياء » (٤) ).

هذا الحديث رواه الشّيخ عن الأصبغ ، عن أمير المؤمنين عليه‌السلام والاختلاف إلى الموضع هو التردّد إليه مرّة بعد اخرى ، والثماني بالياء كالقاضي ،

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٦٤ حديث ٧٤٨.

(٢) الفقيه ١ : ١٥٢ حديث ٧٠٥ ، التهذيب ٣ : ٢٦٤ حديث ٧٤٨.

(٣) الفقيه ١ : ١٥٢ حديث ٧٠٥ ، التهذيب ٣ : ٢٦٤ حديث ٧٤٨.

(٤) الفقيه ١ : ١٥٣ حديث ٧١٤ ، ثواب الأعمال : ٤٦ حديث ١ ، التهذيب ٣ : ٢٤٨ حديث ٦٨١.

١٤١

ويستحب الإسراج فيها ليلا ، وتعاهد النعل ، وتقديم اليمنى ، وقول : بسم الله وبالله والسلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته اللهمّ‌

______________________________________________________

والمستطرف ـ بالطاء المهملة وفتح الراء ـ اسم مفعول من الطرفة ـ بضم الطاء ـ وهو الشي‌ء النفيس ، والمحكم ما استقل بالدّلالة على معناه من غير توقف على قرينة ، والمراد بإصابة الرّحمة المنتظرة إصابة سببها ، لأن التردّد إلى المسجد مظنّة فعل العبادة الّتي توجب الرّحمة.

ويمكن أن يكون المراد بترك الذّنب خشية : تركه خوفا من الله تعالى ، نظرا إلى أن تكرره إلى المسجد يوجب رقة القلب ، والالتفات إلى جانب الله سبحانه ، وذلك موجب للخوف ، ويكون الحياء من النّاس لأن من عهد منه فعل يستحيي أن يرى على ضده ، ويمكن أن يراد عكسه ، أو كون الخشية والحياء معا من الله سبحانه ، أو من النّاس ، لأن ترك الذّنب نعمة على كلّ حال.

قوله : ( ويستحبّ الإسراج فيها ليلا ).

لقول النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من أسرج في مسجد من مساجد الله سراجا لم تزل الملائكة وحملة العرش يستغفرون له ما دام في المسجد ضوء من ذلك السّراج » (١).

قوله : ( وتعاهد النّعل ).

أي : استعلام حاله عند باب المسجد احتياطا للطّهارة ، فربما كان فيه نجاسة ، ولقول النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « تعاهدوا نعالكم عند أبواب مساجدكم » (٢).

قوله : ( وتقديم اليمنى ).

أي : الرّجل عند دخوله ، لشرف اليمنى فيناسب شرف المسجد.

قوله : ( وقول : بسم الله وبالله والسّلام عليك أيّها النّبي ورحمة الله‌

__________________

(١) المحاسن : ٥٧ ، حديث ٨٨ ، الفقيه ١ : ١٥٤ حديث ٧١٧ ، ثواب الأعمال : ٤٩ حديث ١ ، التهذيب ٣ : ٢٦١ حديث ٧٣٣.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٥٥ حديث ٧٠٩.

١٤٢

صل على محمد وآل محمد ، وافتح لنا باب رحمتك ، واجعلنا من عمّار مساجدك ، جل ثناؤك وتقدست أسماؤك ولا إله غيرك.

فإذا خرج قدّم اليسرى ، وقال : اللهم صلّ على محمد وآل محمد ، وافتح لنا باب فضلك.

والصلاة المكتوبة في المسجد أفضل من المنزل ، والنافلة بالعكس خصوصا نافلة الليل.

______________________________________________________

وبركاته ، اللهم صلّ على محمّد وآل محمّد وافتح لنا باب رحمتك ، واجعلنا من عمّار مساجدك ، جلّ ثناء وجهك )

في الموثق عن سماعة قال : إذا دخلت المسجد فقل : « بسم الله وبالله ، والسّلام على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وصلاة ملائكة على محمّد وآل محمّد ، والسّلام عليهم ورحمة الله وبركاته ، رب اغفر لي ذنوبي ، وافتح لي أبواب فضلك » (١) كذا أورده المصنّف وغيره ، أو قريبا من ذلك ، وكأنّه هنا تبع المعنى ، والكل جائز ، إلاّ أنّ المأثور أولى ، والمراد بوجهه سبحانه : ذاته مجازا عن الوجه الحقيقي ، لشرفه بالنّسبة إلى غيره.

قوله : ( وإذا خرج قدّم اليسرى وقال : اللهم صلّ على محمّد وآل محمّد ، وافتح لنا باب فضلك ).

وفي موثق سماعة : « وافتح لي أبواب فضلك » (٢).

قوله : ( وصلاة المكتوبة في المسجد أفضل من المنزل ، والنّافلة بالعكس خصوصا نافلة اللّيل ).

المراد بالمكتوبة : الفريضة ، وفعلها في المسجد أفضل إجماعا ، لأن النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واظب على ذلك ، وحثّ عليه ، ولأنّه موضع للعبادة وموضوع لها ففعلها فيه أولى ، ولأنّ فيه إقامة شعار الدّين.

وأمّا النّافلة فإنّ فعلها في السّر أبلغ في الإخلاص ، وأبعد من وساوس الشّيطان‌

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٦٣ حديث ٧٤٤.

(٢) المصدر السابق.

١٤٣

والصلاة في بيت المقدس تعدل ألف صلاة ، وفي المسجد الأعظم مائة ، وفي مسجد القبيلة خمسا وعشرين ، وفي مسجد السوق اثنتي عشرة ، وفي البيت صلاة واحدة.

وتكره تعلية المساجد ، بل تبنى وسطا ، وتظليلها بل تكون مكشوفة ،

______________________________________________________

الردّية ، وقال عليه‌السلام : « أفضل الصّلاة صلاة المرء في بيته ، إلا المكتوبة » (١) ، وجاء رجال يصلّون بصلاته عليه‌السلام فخرج مغضبا وأمرهم أن يصلوا النّوافل في بيوتهم (٢) ، ونافلة اللّيل آكد لما في إظهارها من خوف تطرق الرّياء.

قوله : ( والصّلاة في بيت المقدّس تعدل ألف صلاة ... ).

روى الأصحاب ذلك عن علي عليه‌السلام (٣) ، والمراد بالمسجد الأعظم : أعظم مسجد في البلد ، وبمسجد القبيلة المعروفة بقبيلة بخصوصها ، وبمسجد السوق ما كان بقربه منسوبا اليه.

قوله : ( وتكره تعلية المسجد ، بل يبنى وسطا ).

اقتداء بالسّلف ، ولأن فيه اطلاعا على عورات المجاورين له.

قوله : ( وتظليلها ، بل تكون مكشوفة ).

لصحيحة الحلبي ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المساجد المظلّلة يكره القيام فيها؟ قال : « نعم ، ولكن لا يضركم الصّلاة فيها اليوم ، ولو كان العدل لرأيتم كيف يصنع في ذلك » (٤).

لكن في حسنة عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « بنى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مسجدا فاشتد الحرّ عليهم ، فقالوا : يا رسول الله لو أمرت بالمسجد فظلل ، فقال : نعم ، فأمر به فأقيمت فيه سواري من جذوع النخل ، ثم طرحت عليه العوارض والخصف والإذخر ، فعاشوا فيه حتّى أصابهم المطر ، فجعل المسجد يكف عليهم ،

__________________

(١) صحيح البخاري ١ : ١٨٦ ، سنن أبي داود ٢ : ٦٩ حديث ١٤٤٧ ، سنن النسائي ٣ : ١٩٨ ، مسند أحمد ٥ : ١٨٢ ، الجامع الصغير للسيوطي ١ ١٩١ حديث ١٢٧٦ نقلا عن الطبراني.

(٢) سنن الترمذي ٢ : ٥٨ حديث ٦٠١ ، سنن ابن ماجة ١ : ٤٣٩ حديث ١٣٧٥ ، ١٣٧٨.

(٣) المحاسن : ٥٥ حديث ٨٤ ، الفقيه ١ : ١٥٢ حديث ٧٠٣ ، ثواب الأعمال : ٥١ حديث ١.

(٤) الكافي ٣ : ٣٦٨ حديث ٤ ، التهذيب ٣ : ٢٥٣ حديث ٦٩٥.

١٤٤

والشرف بل تبنى جما ، وجعل المنارة في وسطها بل مع الحائط ، وتعليتها ، وجعلها طريقا ، والمحاريب الداخلة‌

______________________________________________________

فقالوا : يا رسول الله لو أمرت بالمسجد فطين ، فقال لهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا عريض كعريض موسى عليه‌السلام ، فلم يزل كذلك حتّى قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » (١) ، وفي معناه غيره.

قال في الذّكرى ـ في كراهية التظليل ـ ، : لعلّ المراد به : تظليل جميع المسجد ، أو تظليل خاص ، أو في بعض البلدان ، وإلا فالحاجة ماسة إلى التظليل لدفع الحرّ والقر (٢).

قوله : ( والشرف بل تبنى جمّا ).

أي : تكره الشرف ، وهي جمع شرفة ، والمراد بها : ما يجعل في أعلى الجدار ، لأن عليّا عليه‌السلام رأى مسجدا بالكوفة وقد شرف ، فقال : « كأنه بيعة » ، وقال : « إن المساجد لا تشرف ، بل تبنى جمّا » (٣).

قوله : ( والمنارة في وسطها ، بل مع الحائط ).

في النّهاية : لا يجوز المنارة في وسطها (٤) ، وهو حقّ إن تقدّمت المسجدية على بنائها.

قوله : ( وتعليتها ).

أي : تكره تعلية المنارة ، لأن عليّا عليه‌السلام مرّ على منارة طويلة فأمر بهدمها ، ثم قال : « لا ترفع المنارة إلا مع سطح المسجد ، ولئلاّ يتشرف المؤذن على الجيران » (٥).

قوله : ( وجعلها طريقا ).

أي : يكره جعلها مستطرقا بحيث لا يلزم تغير لصورة المسجد ، وإلاّ حرم.

قوله : ( والمحاريب الدّاخلة في الحائط ).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٩٥ حديث ١ ، التهذيب ٣ : ٢٦١ حديث ٧٣٨.

(٢) الذكرى : ١٥٦.

(٣) الفقيه ١ : ١٥٣ حديث ٧٠٩.

(٤) نهاية الأحكام ١ : ٣٥٢.

(٥) الفقيه ١ : ١٥٥ حديث ٧٢٣ ، التهذيب ٣ : ٢٥٦ حديث ٧١٠.

١٤٥

في الحائط وجعل الميضاة في وسطها بل خارجها ، والنوم فيها خصوصا في المسجدين ،

______________________________________________________

الظاهر أنّ المراد بها : الدّاخلة في الحائط كثيرا ، لأن عليّا عليه‌السلام كان يكسر المحاريب إذا رآها في المساجد ، ويقول : « كأنّها مذابح اليهود » (١) ، قال في الذّكرى عقيب هذا الحديث : قال الأصحاب : المراد بها المحاريب الدّاخلة (٢) ، وإطلاق الدّاخلة في عبارته يحتمل أن يراد به الدّاخل في المسجد ، وهو المتبادر من كسر المحاريب في لفظ الحديث ، والظاهر كراهية كلّ منهما ، إلاّ أن يسبق الدّاخل في المسجد فيحرم.

قوله : ( وجعل الميضاة في وسطها بل خارجها ).

المراد بالميضاة : المطهرة ، وإنّما كرهت لقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « جنّبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم ، وبيعكم وشراءكم ، واجعلوا مطاهركم على أبواب مساجدكم » (٣) ، ولأنّه لو جعلت داخلها لتأذى المسلمون برائحتها ، وذلك مطلوب التّرك. ومنع ابن إدريس من جعل الميضاة في وسطها (٤) ، قال في الذّكرى : وهو حقّ إن لم يسبق المسجد (٥).

وقد يراد بالميضاة : موضع الوضوء ، ولا تبعد كراهية ذلك ، لأن الوضوء من البول والغائط ، لصحيحة رفاعة بن موسى ، عن الصّادق عليه‌السلام (٦) ، ومنعه الشّيخ (٧) ، وابن إدريس (٨) ، وهو ضعيف.

قوله : ( والنّوم فيها خصوصا في المسجدين ).

أي : يكره ، لأنّه لا يؤمن معه من حصول النّجاسة والحدث ، ولأنّها مواطن العبادة فيكره غيرها ، ولرواية الشّحام قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : قول الله‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٥٣ حديث ٧٠٨ ، التهذيب ٣ : ٢٥٣ حديث ٦٩٦.

(٢) الذكرى : ١٥٦.

(٣) الفقيه ١ : ١٥٤ حديث ٧١٦ ، التهذيب ٣ : ٢٥٤ حديث ٧٠٢.

(٤) السرائر : ٦٠.

(٥) الذكرى : ١٥٨.

(٦) الكافي ٣ : ٣٦٩ حديث ٩ ، التهذيب ٣ : ٢٥٧ حديث ٧١٩.

(٧) النهاية : ١٠٩.

(٨) السرائر : ٦٠.

١٤٦

وإخراج الحصى فتعاد إليها أو إلى غيرها ، والبصاق فيها والتنخم فيغطيه بالتراب ،

______________________________________________________

عزّ وجلّ ( لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى ) (١) قال : « سكر النّوم » (٢).

وتشتدّ الكراهية في المسجدين ، لأنّ زرارة سأل الباقر عليه‌السلام ما تقول في النّوم في المساجد؟ فقال : « لا بأس إلاّ في المسجدين : مسجد النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومسجد الحرام » (٣) ، وليس بمحرّم ، لأنّ معاوية بن وهب سأل الصّادق عليه‌السلام عن النّوم في المسجد الحرام ، ومسجد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « نعم أين ينام النّاس؟ » (٤).

واعلم أن المراد بالمسجدين في ثبوت الأحكام التابعة للشرف من تحريم شي‌ء أو استحبابه وغير ذلك : ما كان في زمنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا ما زيد فيها ، فان ذلك كسائر المساجد.

قوله : ( وإخراج الحصى فيعاد إليها أو الى غيرها ).

أي : يكره ، لرواية وهب بن وهب ، عن جعفر ، عن أبيه عليهما‌السلام قال : « إذا أخرج أحدكم الحصاة من المسجد فليردّها مكانها ، أو في مسجد آخر فإنّها تسبّح » (٥) قال في الذّكرى : وعدّه بعض الأصحاب من المحرّم ، لظاهر الأمر بالرد (٦).

وينبغي أن يكون المكروه إخراجه ما لا يعد جزءا من المسجد ، إذ يحرم لو كان مما تعلقت به المسجدية ، وكذا ينبغي أن لا يكون الحصى ممّا يلحق بالمقامات المشوهة للمسجد ، لأن كنس المساجد وتنظيفها مستحب ، فيبعد أن يكون المكروه إخراجه من هذا النّوع.

قوله : ( والبصاق فيها والتنخم فيغطيه بالتّراب ).

أي : يكره ذلك ، لرواية غياث بن إبراهيم ، عن جعفر ، عن أبيه عليهما‌السلام :

__________________

(١) النساء : ٤٣.

(٢) الكافي ٣ : ٣٧١ حديث ١٥ ، التهذيب ٣ : ٢٥٨ حديث ٧٢٢.

(٣) الكافي ٣ : ٣٧٠ حديث ١١ ، التهذيب ٣ : ٢٥٨ حديث ٧٢١.

(٤) الكافي ٣ : ٣٦٩ حديث ١٠ ، التهذيب ٣ : ٢٥٨ حديث ٧٢٠.

(٥) الفقيه ١ : ١٥٤ حديث ٧١٨ ، التهذيب ٣ : ٢٥٦ حديث ٧١١.

(٦) الذكرى : ١٥٦.

١٤٧

وقصع القمل فيدفنه ، وسل السيف ، وبري النبل ، وسائر الصناعات فيها ، وكشف العورة ،

______________________________________________________

« أن عليّا عليه‌السلام قال البزاق في المسجد خطيئة وكفارة دفنها » (١).

وروى السّكوني عنه ، عن أبيه ، عن آبائه عليهم‌السلام قال : « من وقر بنخامته المسجد لقي الله يوم القيامة ضاحكا ، قد أعطي كتابه بيمينه » (٢).

وفي الصّحيح عن عبد الله بن سنان ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : « من تنخع في المسجد ثم ردّها في جوفه ، لم تمر بداء إلا أبرأته » (٣) ، والتنخع والتنخم واحد ، وهو : إخراج النخامة والنخاعة ، والمراد بهما : ما يخرج من الصدر ، أو ما (٤) يخرج من الخيشوم.

قوله : ( وقصع القمل فيدفنه ).

أسنده في الذّكرى إلى الجماعة رحمهم‌الله (٥) ، ولأن فيه استقذارا تكرهه النّفس فيغطيه بالتّراب.

قوله : ( وسل السيف وبري النبل وسائر الصناعات فيها ).

لصحيحة محمّد بن مسلم ، عن أحدهما عليهما‌السلام قال : « نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن سل السّيف في المسجد ، وعن بري النبل في المسجد ، وقال : إنّما بني لغير ذلك » (٦) والنبل : السهام ، وبريها : نحتها ، ومن تعليله عليه‌السلام تستفاد كراهية عمل جميع الصناعات.

وهذا إذا لم يلزم منه تغيير في المسجد ، أما معه كحفر موضع للحائك ، أو إثبات شي‌ء من الأخشاب الموجب لتعطيل موضعه فإنّه يحرم قطعا.

قوله : ( وكشف العورة ).

أي : يكره ، لأن فيه استخفافا به وهو محلّ تعظيم ، وكذا كشف السرة والركبة‌

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٥٦ حديث ٧١٢ ، الاستبصار ١ : ٤٤٢ حديث ١٧٠٤.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٥٦ حديث ٧١٣ ، الاستبصار ١ : ٤٤٢ حديث ١٧٠٥.

(٣) الفقيه ١ : ١٥٢ حديث ٧٠٠ ، التهذيب ٣ : ٢٥٦ حديث ٧١٤ ، الاستبصار ١ : ٤٤٢ حديث ١٧٠٦.

(٤) في « ح » : وما.

(٥) الذكرى : ١٥٧.

(٦) الكافي ٣ : ٣٦٩ حديث ٨ ، التهذيب ٣ : ٢٥٨ حديث ٧٢٤.

١٤٨

ورمي الحصى خذفا ، والبيع والشراء ، وتمكين المجانين والصبيان ، وإنفاذ‌ الأحكام ،

______________________________________________________

والفخذ ، لما روي عن النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : « كشف السرة والفخذ والركبة في المسجد من العورة » (١).

وقال الشّيخ في النّهاية : لا يجوز (٢).

قوله : ( ورمي الحصى خذفا ).

أي : يكره ، لأنّه لا يؤمن معه أذى الغير ، وروي عن الباقر عليه‌السلام ، عن آبائه عليهم‌السلام : « انّ النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أبصر رجلا يخذف بحصاة في المسجد ، فقال : ما زالت تلعن حتّى وقعت ـ ثم قال ـ الخذف في النادي من أخلاق قوم لوط ، ثم تلا عليه‌السلام ( وتأتون في ناديكم المنكر ) (٣) ، قال : هو الخذف » (٤) ، وقال الشّيخ : لا يجوز (٥).

قوله : ( والبيع والشّراء وتمكين المجانين والصّبيان ).

لما تقدم في الحديث ، عن النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الأمر بترك فعل ذلك في المسجد ، وترك تمكين الصّبيان والمجانين (٦) ، ولما تقدّم من تعليله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأن المسجد بني لغير ذلك (٧) ، ولأنّه لا يؤمن حصول النّجاسة من الصّبيان والمجانين.

وينبغي أن يراد بالصّبي : من لا يوثق به ، أما من علم منه ما يقتضي الوثوق به لمحافظته على التنزه من النّجاسات ، وأداء الصّلوات ، فالظاهر أنّه لا يكره تمكينه ، بل ينبغي القول باستحباب تمرينه على فعل الصّلاة في المسجد.

قوله : ( وإنفاذ الأحكام ).

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٦٣ حديث ٧٤٢.

(٢) النهاية : ١١٠.

(٣) العنكبوت : ٢٩.

(٤) التهذيب ٣ : ٢٦٢ حديث ٧٤١.

(٥) النهاية : ١١٠.

(٦) الفقيه ١ : ١٥٤ حديث ٧١٦ ، التهذيب ٣ : ٢٥٤ حديث ٧٠٢.

(٧) الكافي ٣ : ٣٦٩ حديث ٨ ، التهذيب ٣ : ٢٥٨ حديث ٧٢٤.

١٤٩

وتعريف الضالة ، وإقامة الحدود ،

______________________________________________________

أي : يكره ، وقال ابن إدريس ، لا بأس به (١) ، وهو قول الشّيخ في الخلاف (٢) ، واختاره المصنّف في المختلف (٣) ، لأن أمير المؤمنين عليه‌السلام حكم في مسجد الكوفة ، وقضى فيه بين النّاس بلا خلاف ، ودكة القضاء مشهورة إلى الآن ، ولأن الحكم طاعة ، فجاز إيقاعها في المساجد الموضوعة للطاعات.

وما ورد من النّهي عن [ إنفاذ ] (٤) الأحكام فيها ـ لو صح سنده ـ أمكن حمله على إنفاذها ، كالحبس على الحقوق ، والملازمة فيها عليها ، أو يخص النّهي بما كان فيه جدل وخصومة كقول الرّاوندي (٥) ، أو يكون المكروه دوام الحكم فيها ، أمّا إذا اتفق في بعض الأحيان فلا ، ويظهر من عبارة الذّكرى حكايته قولا (٦) ، وينافيه فعل أمير المؤمنين عليه‌السلام ، والأصح عدم الكراهيّة.

قوله : ( وتعريف الضالة ).

وكذا السؤال عنها ، لأنّها موضع عبادة ، وللأمر بترك ذلك في مرسلة علي بن أسباط ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٧). قال في الذّكرى : وروى « لا بأس بإنشاد الضالة » علي بن جعفر ، عن أخيه عليه‌السلام ، وكذا قال : لا بأس بإنشاد الشّعر (٨) ، قال : وهما مشعران بالبأس ونفي التّحريم (٩).

هذا كلامه ، والظّاهر أنّ المراد : عدم منافاة نفي البأس ثبوت الكراهة بدليل آخر ، وإن كان ظاهر عبارته لا يؤدّي ذلك.

قوله : ( وإقامة الحدود ).

أي : يكره ذلك ، لأنّها مظنة خروج شي‌ء يتلوث به المسجد.

__________________

(١) السرائر : ٦٠.

(٢) الخلاف ٣ : ٢٢٧ مسألة ٢ كتاب القضاء.

(٣) المختلف : ١٦٠.

(٤) هذه الزيادة وردت في « ح ».

(٥) فقه القرآن ١ : ١٥٦.

(٦) الذكرى : ١٥٨.

(٧) الفقيه ١ : ١٥٤ حديث ٧١٦ ، التهذيب ٣ ، ٢٤٩ حديث ٦٨٢.

(٨) قرب الاسناد : ١٢٠ ، التهذيب ٣ : ٢٤٩ حديث ٦٨٣.

(٩) الذكرى : ١٥٦.

١٥٠

وإنشاد الشعر ، ورفع الصوت ، والدخول مع رائحة الثوم والبصل وشبهه ، والتنعل قائما بل‌ قاعدا.

______________________________________________________

قوله : ( وإنشاد الشّعر ).

لقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من سمعتموه ينشد الشّعر في المساجد فقولوا : فض الله فاك ، إنّما نصبت المساجد للقرآن » (١).

قال في الذّكرى بعد ذكر رواية علي بن جعفر السالفة : ليس ببعيد حمل إباحة إنشاد الشّعر على ما يقل منه وتكثر منفعته ، كبيت حكمة ، أو شاهد على لغة في كتاب الله ، أو سنة نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وشبهه ، لأنّه من المعلوم أن النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان ينشد بين يديه البيت والأبيات من الشّعر في المسجد ، ولم ينكر ذلك (٢).

قلت : لو قيل بجواز إنشاد ما كان من الشّعر موعظة أو مدحا للنّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والأئمة عليهم‌السلام ، ومراثي الحسين عليه‌السلام ونحو ذلك لم يبعد ، لأن ذلك كلّه عبادة ، فلا ينافي الغرض المقصود من المساجد ، وما زال السّلف يفعلون مثل ذلك ولا ينكرونه ، إلا أنّي لا أعلم بذلك تصريحا ، والإقدام على مخالفة الأصحاب مشكل.

قوله : ( ورفع الصّوت ).

أي : يكره ، وهو في مرسلة علي بن أسباط (٣) ، لمنافاته الخشوع المطلوب في المسجد ، ولو في قراءة القرآن إذا تجاوز المعتاد.

قوله : ( والدّخول مع رائحة الثّوم والبصل وشبهه ).

والمراد : شبه كلّ منهما وهو كلّ ذي ريح كريهة ، لما روي عن أبي عبد الله ، عن آبائه عليهم‌السلام قال : « من أكل شيئا من المؤذيات فلا يقربن المسجد » (٤) ، ولأنّه قد يتأذى المجاور له بالرّائحة ، وذلك مطلوب العدم.

قوله : ( والتنعل قائما بل قاعدا ).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٦٩ حديث ٥ التهذيب ٣ : ٢٥٩ حديث ٧٢٥.

(٢) الذكرى : ١٥٦.

(٣) الفقيه ١ : ١٥٤ حديث ٧١٦ ، التهذيب ٣ : ٢٤٩ حديث ٦٨٢.

(٤) التهذيب ٣ : ٢٥٥ حديث ٧٠٨.

١٥١

وتحرم الزخرفة ونقشها بالذهب ، أو بشي‌ء من الصور ،

______________________________________________________

أي : ويكره التنعل قائما ، بل يتنعل وهو قاعد ، لأنّ النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى أن يتنعل الرّجل وهو قائم (١) ، وتكره المخاطبة بلسان العجم في المسجد ، لنهي النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن رطانة الأعاجم (٢) في المساجد (٣) ، ويكره الاتّكاء فيه ، لقول النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « الاتكاء في المسجد رهبانية العرب ، المؤمن مجلسه مسجده ، وصومعته بيته » (٤).

قوله : ( وتحرم الزخرفة ونقشها بالذّهب ، أو بشي‌ء من الصّور ).

الزخرف : ـ بالضّم ـ الذّهب ، وقد أطلق المصنّف في المنتهى (٥) والنّهاية تحريم النّقش (٦) ، ولم يقيده بكونه بالذّهب ، فيعم النّقش بالذّهب وغيره ، وكذا صنع في المعتبر (٧) ، وشيخنا في الذّكرى (٨) معلّلين بأنّ ذلك لم يكن في عهد النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيكون بدعة ، فعلى هذا يكون النّقش مطلقا حراما.

والتّهذيب وإن لم يكن بالنّقش حرام ، وتصويرها حرام أيضا ، صرّح به المصنّف في كتبه (٩) ، ويلوح من عبارة المعتبر (١٠) ، وهو لازم من تحريم النّقش بطريق أولى.

وروي أن الصّادق عليه‌السلام سئل عن الصّلاة في المساجد المصورة فقال : « أكره ذلك ، ولكن لا يضرّكم ذلك اليوم ، ولو قام العدل لرأيتم كيف يصنع » (١١) وليس في هذا صراحة بالتّحريم ، لكنّه يلوح من قوله عليه‌السلام : « لا يضرّكم اليوم » ‌

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٥٥ حديث ٧٠٩.

(٢) الرطانة : التكلم بالعجمية ، لسان العرب ( رطن ) ١٣ : ١٨١.

(٣) الكافي ٣ : ٣٦٩ حديث ٧.

(٤) التهذيب ٣ : ٢٤٩ حديث ٦٨٤.

(٥) المنتهى ١ : ٣٨٨.

(٦) نهاية الأحكام ١ : ٣٥٨.

(٧) المعتبر ٢ : ٤٥١.

(٨) الذكرى : ١٥٦.

(٩) تحرير الأحكام ١ : ٥٤.

(١٠) المعتبر ٢ : ٤٥١.

(١١) الكافي ٣ : ٣٦٩ حديث ٦.

١٥٢

وبيع آلتها ، واتخاذها أو بعضها في ملك أو طريق ، واتخاذ البيع والكنائس فيهما ،

______________________________________________________

ومن قوله عليه‌السلام : « لرأيتم كيف يصنع ». وإطلاق عباراتهم يتناول صور الحيوان وغيرها.

قوله : ( وبيع آلتها ).

كفرشها وسرجها ، وكذا يحرم أخذها للتملك ، وجميع التصرّفات المنافية لمقتضى الوقف ، كالتّصرف بها في موضع آخر إجماعا ، لعموم قوله تعالى ( فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ ) (١).

وإنّما يحرم بيع آلة المسجد إذا لم يحتج إلى بيعها لعمارته ، أو عمارة غيره من المساجد مع عدم الانتفاع بها ، كما نبّه على في المختلف قال : ويتولّى البيع الحاكم (٢) ، وأطلق الشّيخ تحريم بيع آلته (٣) ، وتفصيل المصنّف أقوى.

وكذا لو قلّ الانتفاع بها لاستغنائه عنها ، إذا أريد صرفها في العمارة ، أو خيف عليها التّلف ، أو لكونها قد صارت رثّة كالحصير إذا خلقت ، والجذع إذا تكسّر ، ولو كان بيعها أعود مع الحاجة إليها ، لتصرف في مرمّة المسجد ، فالظّاهر جوازه للمصلحة.

وكما يجوز بيع آلة مسجد لعمارة مسجد آخر ، فكذا يجوز صرفها فيه إذا تعذّر وضعفها في الأوّل ، أو استولى الخراب عليه ، أو كان الثّاني أحوج بنحو كثرة المصلّين اتّباعا للمصلحة ، ولا مانع لأن المالك واحد وهو الله تعالى ، وقد صرّح بذلك في الذّكرى (٤).

قوله : ( واتّخاذها أو بعضها في ملك أو طريق ، واتخاذ البيع والكنائس فيهما ).

أي : ويحرم اتخاذ المساجد أو بعضها في ملك ، أي : تملكها ، أو طريق ، أي : جعل ذلك طريقا أو في طريق بحيث لا تبقى صورة المسجد.

__________________

(١) البقرة : ١٨١.

(٢) المختلف : ١٦١.

(٣) المبسوط ١ : ١٦٠.

(٤) الذكرى : ١٥٨.

١٥٣

وإدخال النجاسة إليها وإزالتها فيها ،

______________________________________________________

وكذا يحرم اتخاذ البيع والكنائس أو بعضها في ملك أو طريق ، لما في ذلك كلّه من تغيير الوقف وتخريب مواضع العبادة ، وكلاهما محرّم ، لقوله تعالى ( فَمَنْ بَدَّلَهُ ) (١) وقوله سبحانه ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعى فِي خَرابِها ) (٢).

والبيع : جمع بيعة ـ بالكسر ـ : وهي : معبد النّصارى ، والكنائس ، جمع كنيسة ، وهي : معبد اليهود ، وربّما قيل غير ذلك.

قوله : ( وإدخال النّجاسة إليها ).

لقول النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « جنّبوا مساجدكم النّجاسة » قال في الذّكرى : ولم أقف على إسناد هذا الحديث (٣) ، والظاهر أن المسألة إجماعية ، ويؤيّده ظاهر قوله تعالى ( إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ ) (٤) ، رتب النّهي على النّجاسة ، فيكون تقريبها حراما ، وإذا ثبت ذلك في المسجد ثبت في الجميع ، لعدم القائل بالفرق.

وكذا الأمر بتعاهد النعل عند الدّخول ، ونزع النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نعليه عند ما أخبره جبرئيل عليه‌السلام بقذرهما (٥) ، وظاهر إطلاق المصنّف تحريم إدخال النّجاسة مطلقا ، والأصح : أنّ التّحريم مخصوص بخوف التعدّي إلى المسجد ، أو شي‌ء من الاته ، لجواز دخول الحيّض من النّساء اجتيازا ، وكذا غيرهنّ ممن لا ينفك من النّجاسات كالصّبيان إجماعا ، وصرّح الأصحاب بجواز دخول المجروح ، والسّلس ، والمستحاضة مع أمن التلويث (٦).

قوله : ( وإزالتها فيها ).

أي : يحرم ذلك لما سبق ، وهو ظاهر إذا لم يؤمن تلويث المسجد ، أمّا معه ، كما لو‌

__________________

(١) البقرة : ١٨١.

(٢) البقرة : ١١٤.

(٣) الذكرى : ١٥٧.

(٤) التوبة : ٢٨.

(٥) سنن البيهقي ٢ : ٤٣١.

(٦) منهم : الشهيد في الذكرى : ١٥٧.

١٥٤

والدفن فيها.

ويجوز نقض المتهدم منها ، وتستحب إعادته ، ويجوز استعمال آلته في غيره من المساجد.

______________________________________________________

غسلها في إناء ، أو فيما لا ينفعل كالكثير ، فليس ببعيد القول بالتّحريم أيضا ، لما فيه من الامتهان المنافي لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « جنّبوا مساجدكم عن النّجاسة ».

قوله : ( والدّفن فيها ).

أي : يحرم ، لأنّه مناف لما وضعت المساجد له.

قوله : ( ويجوز نقض المستهدم منها ، وتستحبّ إعادته ).

المستهدم ـ بكسر الدّال ـ هو : المشرف على الانهدام ، وإنّما يجوز نقضه لأنّه لا يؤمن انهدامه على أحد من المتردّدين ، وتستحبّ إعادته.

وكذا يجوز النقض لإعادته لما فيه من العمارة ، فلو لم يمكن إعادته جاز صرف الاته في غيره من المساجد ، وفي جواز النقض للتوسعة تردد من المصلحة ، وعموم المنع من النقض ، وليس ببعيد الجواز إذ ( ما على المحسنين من سبيل ) (١).

ولا ينقض إلا مع الظّن الغالب بوجود العمارة ، ولو قيل بالتّأخير إلى إتمام المجدد كان وجها ، إلا أن تدعو إليه ضرورة ، والظّاهر جواز إحداث باب ونحو روزنة (٢) وشباك إذا اقتضته المصلحة.

قوله : ( ويجوز استعمال آلته في غيره من المساجد ).

الضّمير في آلته يعود الى المسجد ، وإن كان فيما قبل ذلك عائدا إلى المساجد اكتفاء بكونه مذكورا ضمنا ، وقد تقدم بيان [ جواز ] (٣) ، استعمال آلته في غيره من المساجد.

__________________

(١) التوبة : ٩١.

(٢) الروزنة : الكوة ، القاموس المحيط ( رزن ) ٤ : ٢٢٧.

(٣) هذه الزيادة من « ن ».

١٥٥

ويجوز نقض البيع والكنائس مع اندراس أهلها ، أو إذا كانت في دار الحرب ، وتبنى مساجد حينئذ.

ومن اتخذ في منزله مسجدا لنفسه وأهله جاز له توسيعه وتضييقه وتغييره ، ولا تثبت له الحرمة ، ولم يخرج عن ملكه ما لم يجعله وقفا فلا يختص به حينئذ.

______________________________________________________

قوله : ( ويجوز نقض البيع والكنائس مع اندراس أهلها ، أو إذا كانت في دار الحرب ).

يفهم من القيد أنه مع عدم الاندراس وانتفاء كونها في دار الحرب لا يجوز ، لأن أهل الذّمة لا يجوز التعرّض إلى متعبّداتهم ، وكذا من في حكمهم ، والمراد جواز نقض ما لا بد منه في تحقق المسجدية كالمحراب ونحوه ، فيحرم ما زاد لأنّها للعبادة.

وينبه على ذلك أنّه لا يجوز أخذها في ملك أو طريق ، ويستفاد من ذلك صحة وقف الكافر ، كما نبّه عليه شيخنا الشّهيد في بعض فوائده.

وفي صحيحة العيص بن القاسم قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن البيع والكنائس ، هل يصلح نقضها لبناء المساجد؟ فقال : « نعم » (١) ، وهي وإن لم تكن صريحة في المراد ، إلاّ أن الظاهر عن هذه الأحكام ممّا لا خلاف فيه ، وقوله : ( وتبنى مساجد حينئذ ) معناه : إنّه يجب جعلها مساجد ، فيبني ما لا بدّ منه في صورة المسجدية حين نقضها.

قوله : ( ومن اتخذ في منزله مسجدا لنفسه وأهله جاز له توسيعه ، وتضييقه ، وتغييره ، ولا تثبت له الحرمة ، ولم يخرج عن ملكه ما لم يجعله وقفا ، فلا يختصّ به حينئذ ).

المراد انّه إذا اتخذ موضعا للصّلاة في منزله ، وجعله كالمسجد له ولعياله ، ولم يقفه فهو على ملكه يتصرف به كيف شاء ، ولا تثبت له حرمة المسجد ، ولا يتعلق بالصّلاة فيه ثواب المسجد ، وتنبه على بعض هذه الأحكام صحيحة عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن المسجد يكون في الدار وفي البيت ، فيبدو‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٦٨ حديث ٣ ، التهذيب ٣ : ٢٦٠ حديث ٧٣٢.

١٥٦

ويجوز بناء المساجد على بئر الغائط إذا طمت وانقطعت رائحته.

______________________________________________________

لأهله أن يتوسّعوا بطائفة منه ، أو يحولوه إلى غير مكانه؟ فقال : « لا بأس بذلك » (١) ، ورواه أبو الجارود ، عن الباقر عليه‌السلام (٢).

ولو صيّر ما اتخذه في منزله وقفا ، انقطعت سلطنته عنه ، وصار هو وغيره فيه سواء ، لكن طريقه إن كان ملكا له لم يجز سلوكه إلا باذنه ، وتصير البقعة مسجدا بصيغة الوقف مع الصّلاة فيه بإذنه ، فإذا صلّى واحد تمّ الوقف ، ولو قبضه الحاكم أو فوض إلى من يقبضه فكذلك ، لأن له الولاية العامة.

ولو بناه بنية المسجدية لم يصر مسجدا ، ولو أذن للنّاس بالصّلاة فيه بنية المسجدية فصلّوا في صيرورته مسجدا بذلك نظر ، واحتمله في الذّكرى (٣) ، لان معظم المساجد في الإسلام على هذه الصّورة ، ثم أفتى به في آخر كلامه ، بعد أن حكاه عن المبسوط (٤).

وفي النفس منه شي‌ء ، وليس بمعلوم ما ذكره.

ولا حاجة إلى الفحص عن كيفية الوقف إذا شاع كونه مسجدا ، وصرّح به المالك كما في غيره من العقود مثل النّكاح ، وما جرى هذا المجرى.

قوله : ( ويجوز بناء المساجد على بئر الغائط ، إذا طمت وانقطعت رائحته ).

لرواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : سألته عن المكان يكون حشا ، ثم ينظّف ويجعل مسجدا ، قال : « يطرح عليه من التّراب حتّى يواريه فهو أطهر » (٥) ، وصحيحة عبد الله بن سنان ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : المكان يكون حشا زمانا ، فينظف ويتخذ مسجدا ، فقال : « ألق عليه التّراب حتّى يتوارى ،

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٥٣ حديث ٧١٣ ، التهذيب ٣ : ٢٦٠ حديث ٧٣٠.

(٢) الكافي ٣ : ٣٦٨ حديث ٢ ، التهذيب ٣ : ٢٥٩ حديث ٧٢٧.

(٣) الذكرى : ١٥٨.

(٤) المبسوط ٣ : ٣٠٠.

(٥) الكافي ٣ : ٣٦٨ حديث ٢ ، التهذيب ٣ : ٢٥٩ حديث ٧٢٧.

١٥٧

المطلب الثالث : فيما يسجد عليه : وإنما يصح على الأرض ، أو النبات منها

______________________________________________________

فان ذلك يطهره إن شاء الله تعالى » (١).

واعلم أن الضّمير في قوله : ( رائحته ) ، يعود إلى الغائط ، فينبغي أن يراد بانقطاع الرائحة : ذهاب النّجاسة ، لأنه مع بقاء عينها وصيرورة البقعة مسجدا يلزم كون المسجد ملطخا بالنّجاسة ، وما وقفت عليه من العبارات هنا مطلق.

قوله : ( المطلب الثّالث : فيما يسجد عليه :

وإنّما يصحّ على الأرض أو النابت منها غير المأكول عادة ، ولا الملبوس إذا لم يخرج بالاستحالة عنها ).

أجمع الأصحاب على أنّه يعتبر في مسجد الجبهة أن يكون أرضا ، أو ما في حكمها ، وسيأتي تفصيله ، وأطبق العامة على خلافه (٢) ، والأخبار عن أهل البيت عليهم‌السلام كثيرة (٣).

روى أبو العبّاس الفضل قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « لا تسجد إلا على الأرض ، أو ما أنبتته الأرض ، إلاّ القطن والكتان » (٤).

وفي حسنة زرارة قال : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : أسجد على الزفت؟ يعني : القير ، فقال : « لا ، ولا على الثّوب الكرسف ، ولا على الصّوف ، ولا على شي‌ء من الحيوان ، ولا على طعام ، ولا على شي‌ء من ثمار الأرض ، ولا على شي‌ء من الريّاش » (٥).

وفي صحيحة حماد بن عثمان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « السّجود على ما أنبتت الأرض ، إلا ما أكل أو لبس » (٦).

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٥٣ حديث ٧١٣ بسند آخر في معناه ، التهذيب ٣ : ٢٦٠ حديث ٧٣٠ ، الاستبصار ١ : ٤٤٢ حديث ١٧٠٣.

(٢) عمدة القارئ ٤ : ١١٦ ـ ١١٧.

(٣) الفقيه ١ : ١٧٧ حديث ٨٤٠ ، التهذيب ٢ : ٢٠٢ حديث ٩٢٤ ، ٩٢٥.

(٤) الكافي ٣ : ٣٣٠ حديث ١ ، التهذيب ٢ : ٣٠٣ حديث ١٢٢٥ ، الاستبصار ١ : ٣٣١ حديث ١٢٤١.

(٥) الكافي ٣ : ٣٣٠ حديث ٢ ، التهذيب ٢ : ٣٠٣ حديث ١٢٢٦ ، الاستبصار ١ : ٣٣١ حديث ١٢٤٢.

(٦) الفقيه ١ : ١٧٤ حديث ٨٢٦ ، التهذيب ٢ : ٢٣٤ حديث ٩٢٤.

١٥٨

غير المأكول عادة ولا الملبوس ، إذا لم يخرج بالاستحالة عنها

______________________________________________________

وعن هشام بن الحكم قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أخبرني عمّا يجوز السّجود عليه ، وعمّا لا يجوز؟ قال : « السّجود لا يجوز إلاّ على الأرض ، أو على ما أنبتت الأرض ، إلاّ ما أكل أو لبس » (١).

إذا عرفت ذلك فالمراد بالمأكول عادة : ما صدق عليه اسم المأكول عرفا ، لكون الغالب أكله ، ولو في بعض الأقطار ، فلو أكل نادرا أو في محل الضّرورة لم يعد مأكولا ، كما في المخمصة ، وكالعقاقير التي تجعل في الأدوية من النّباتات التي لم يكثر أكلها.

ولو أكل شائعا في قطر دون غيره فهو مأكول على الظاهر ، إذ لا تطرد أغلبية أكل شي‌ء في جميع الأقطار ، فإن الحنطة مثلا لا تؤكل في بعض البلاد إلا نادرا ، وكذا القول في الملبوس.

وحذف المصنّف قيد العادة من الملبوس لدلالة ما قبله ، ولأن صدق اسم الملبوس على شي‌ء إنّما يتحقّق بالعادة ، لأنّ المرجع في مدلولات مثل هذه الألفاظ إلى العرف ، فلو اتّخذ من خوص النّخل ، أو من ليفه ، أو نحوهما ثوبا لم يمنع من السّجود عليه ، لعدم كونه ملبوسا في العادة.

ولو كان لشي‌ء حالتان يؤكل في إحداهما دون الأخرى كقشر اللوز ، وجمّار النّخل لم يجز السّجود عليه حالته الاولى ، وجاز في الحالة الأخرى ، لأن قشر اللّوز وجمّار النّخل يصير بعد من جملة الخشب.

واعلم أن قول المصنّف : ( غير المأكول عادة ولا الملبوس ) استثناء من النابت من الأرض ، وقوله : ( إذا لم يخرج بالاستحالة عنها ) قيد في الأرض ، والعامل في الظرف ( يصح ) ، والضّمير في ( يخرج ) يعود إلى الأرض.

وفي العبارة مناقشة لطيفة ، وهو أن ما عدّ أرضا كيف يكون خارجا بالاستحالة عنها ، فان المستحيل لا يعد أرضا كما أن الأرض لا تكون مستحيلة؟

ويمكن الحمل على اختلاف الزّمان ، على معنى أنّه يصحّ السّجود على ما عدّ أرضا إذا لم تحدث له الاستحالة بعد ذلك عن اسم الأرض ، فما لا يعد أرضا أصلا يكون‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٧٧ حديث ٨٤٠ ، علل الشرائع : ٣٤١ حديث ١ ، التهذيب ٢ : ٢٣٤ حديث ٩٢٥.

١٥٩

فلا يجوز على الجلود والصوف والشعر ، والمعادن كالعقيق والذهب والملح والقير اختيارا ، ومعتاد الأكل كالفاكهة ، والثياب ،

______________________________________________________

خارجا بمقتضى الحصر ولو حمل على أنّ في الكلام حذفا تقديره : إنّما يصح السّجود على أجزاء الأرض ، لخرج الجميع بقوله : ( إذا لم يخرج بالاستحالة عنها ) ، ولم يحتج إلى تكليف الحمل السّابق.

قوله : ( فلا يجوز على الجلود والصوف والشّعر ، والمعادن كالعقيق والذهب والملح والقير اختيارا ).

لما لم يعد شي‌ء من ذلك أرضا ولا نباتا (١) كان مقتضى الحصر المستفاد من ( انما ) عدم جواز السّجود على شي‌ء منه ، فان المعادن لا تعد أرضا ، وإن كانت فيها إجزاء أرضية ، والأخبار السّالفة تدل على عدم الجواز ، وقيد بقوله : ( اختيارا ) ، لأن الضّرورة يجوز معها السّجود على كل واحد منها ، ومن الضّرورة التقيّة ، وأن لا يجد غير هذه.

قوله : ( ومعتاد الأكل كالفاكهة ، والثّياب ).

أي : ولا يجوز السّجود على معتاد الأكل كالفاكهة ، لما تلوناه من الأخبار سابقا ، وكذا سائر ما يؤكل ، والحنطة والشعير ولو قبل الطّحن ، وجوزه المصنّف في هذه الحالة معلّلا بأنّهما غير مأكولين حينئذ ، ويضعف بأنّ المأكول لا يخرج عن كونه مأكولا باحتياجه إلى علاج.

وعلل في التّذكرة بأن القشر حاجز بين المأكول والجبهة (٢) ، وقدح فيه في الذّكرى بجريان العادة بأكلهما غير منخولين خصوصا الحنطة ، وخصوصا في الصّدر الأوّل (٣) ، وهو متّجه ، على أنّ النّخل لا يأتي على جميع الأجزاء ، لأن الأجزاء الصّغيرة تنزل مع الدّقيق فتؤكل ، ولا يقدح أكلها تبعا في كونها مأكولة ، فالأصح عدم جواز‌

__________________

(١) في « ع » و « ن » : نباتها.

(٢) التذكرة ١ : ٩٢.

(٣) الذكرى : ١٦١.

١٦٠