جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٢

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٢

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٤

بشرط العلم بوجه كلّ فعل ، إما بالدليل أو التقليد لأهله ، وأن يستديم القصد حكما إلى الفراغ بحيث لا يقصد ببعض الأفعال غيرها ،

______________________________________________________

قوله : ( بشرط العلم بوجه كلّ فعل امّا بالدّليل أو التقليد لأهله ).

الجار يمكن تعلقه بالمصدر في قوله : ( وإحضار ذات الصّلاة ) ، أو ببعض ما قبله من قوله : ( وهي القصد ) أو قوله : ( والواجب القصد ) ، ويمكن تعلّقه بمحذوف يقدّر بنحو قولنا : وإنّما تجزئ.

ووجه اشتراطه أنّ ماهية الصّلاة إنّما تلتئم من الأفعال المخصوصة ، فما لم يعلم الواجب منها من غيره لم يتحقق القصد إلى فعل ما به تتحقق الماهية.

والمراد بالوجه : ما ثبت للفعل بسبب طلبه من وجوب وندب ، لامتناع كون شي‌ء من باقي الأحكام وجها لشي‌ء من أفعال الصّلاة ، والمعتبر في العلم كونه عن دليل لمن له درجة الاستدلال ، والتقليد لأهل التقليد لمن عجز عن ذلك.

قوله : ( وأن يستديم القصد حكما إلى الفراغ بحيث لا يقصد ببعض الأفعال غيرها ).

تجب الاستدامة للنية قطعا ، لتقع الأفعال كلّها منوية ، وتكفي فيها الاستدامة حكما ، لأنّ الاستدامة حقيقية كالمتعذّرة ، إذ الإنسان لا يكاد ينفك من الذهول ، والمراد بها : عدم إحداث ما ينافي جزم النّية.

إذا تقرر ذلك فالضّمير في قوله : ( غيرها ) ، المتبادر عوده إلى الصّلاة ، فتتحقق الاستدامة ما دام لا ينوي بشي‌ء من أفعال (١) الصّلاة غيرها ، فلو نوى الرياء لم يكن مخلا بالاستدامة ، وهو معلوم البطلان.

ويمكن عوده إلى الأفعال ، ولا يتحصل له معنى يغاير الأوّل إلاّ بتكلف بعيد ، ومع ذلك فلا يستقيم كونه معنى للاستدامة ، وعلى كل تقدير فلا يتفرّع عليه قوله : ( فلو نوى الخروج في الحال ... ). ولو فسّر الاستدامة بما ذكره في غير هذا الكتاب (٢) ـ وهو ما ذكرناه ـ لكان أنسب وأوفق لتفسير غيره.

__________________

(١) ورد في هامش « ع » ما لفظه : ( بحيث لا يقصد ببعض الأفعال في الصورة غير أفعال الصلاة ) منه مد ظلّه.

(٢) نهاية الأحكام ١ : ٤٤٩.

٢٢١

فلو نوى الخروج في الحال أو تردد فيه كالشاك بطلت.

______________________________________________________

قوله : ( فلو نوى الخروج في الحال أو تردد فيه كالشاك بطلت ).

المراد بنية الخروج في الحال : قصد الخروج من الصّلاة مطلقا أو مقيدا بزمان الحال ، بدليل ما سيأتي من قوله : ( ولو نوى في الأولى الخروج في الثّانية ).

والمراد بالتردّد في الخروج ـ على ما فسره به المصنّف في النّهاية ـ : طريان الشّك المنافي للجزم (١). ويشكل بأنّ قوله : ( كالشاك ) إن كان للتمثيل اقتضى أن يكون للتردد فرد آخر غير الشك ، وإن كان للتشبيه اقتضى المغايرة بينهما فلا يكون عينه ، وعبارة الذّكرى تقتضي المغايرة ، حيث قال : أو تردد فيه أو شك هل يخرج أم لا (٢)؟ وفي تصور معنى للشّكّ هنا غير معنى التردد بعد ، لأنّ متعلق الشّك الاعتقاديات دون الإنشاءات ، واللائق أن يجعل ذلك تمثيلا بحال الشاك للمتردد.

ووجه البطلان : أنّ ذلك يقتضي قطع النّية الأولى ، فيكون ما بقي من الصّلاة بغير نية.

وقيل : لا تبطل ، لعدم فعل المنافي ، والنّية بمجرّدها لا تقدح (٣).

وليس بشي‌ء ، بل الأصحّ الأوّل لعدم بقاء الجزم بالنّية الاولى ، وقصد القربة بما بقي من أفعال الصّلاة.

وربما يبنى ذلك على أنّ إرادتي الضدّين هل تتضادان ، أم لا؟ وهي مسألة كلامية ، فعلى القول بالتضاد تبطل ، وعلى العدم فالصّحة بحالها.

ولقائل أن يقول : بناء القول بالصحة على القول بعدم التضاد ليس بجيّد ، لأن تعلق الإرادة بفعل الصّلاة وبقطعها ينفي عن النّية صورة الجزم ، ويلحقه بالمتردّد ، والجزم معتبر في النيّة قطعا. ومع ذلك فلا يستقيم هذا البناء إلاّ إذا قصد فعل الصّلاة مع قصد الخروج ، لأنّ استدامة النية حكما ضعيفة جدّا ، فإذا تحققت نيّة أخرى كانت هي المؤثّرة دون ما سبق.

__________________

(١) المصدر السابق.

(٢) الذكرى : ١٧٨.

(٣) قاله المحقق الحلي في الشرائع ١ : ٧٩.

٢٢٢

ولو نوى في الأولى الخروج في الثانية فالوجه عدم البطلان إن رفض القصد قبل البلوغ إلى الثانية ،

______________________________________________________

على أنّ لقائل أن يقول : إن هذا البناء من أصله غير مستقيم ، لأنّا وإن قلنا بأن إرادتي الضّدّين لا تتضادان ، فإنّ نية الصّلاة لا تتحقّق مع نية القطع أو الخروج أو التردّد ونحو ذلك ، لأنّ نية الصّلاة المعتبرة هي القصد الجازم لا مطلق القصد.

وعلى كلّ من التّقديرات المذكورة لا يكون القصد من المكلّف جازما ، بل يكون متردّدا باعتبار إرادة الفعل وضدّه ، فلا تكون النية المعتبرة حاصلة. وعلى كل حال فالبطلان هو المختار لعدم تحقّق العبادة والإخلاص حينئذ.

واعلم أنّ هذه النّية إنّما تقدح إذا لم تكن من خواطر النّفس الّتي يبتلى بها الموسوس كثيرا ، فان هذه لا عبرة بها.

قوله : ( ولو نوى في الأولى الخروج في الثّانية ، فالوجه عدم البطلان إن رفض القصد قبل البلوغ إلى الثّانية ).

أي : لو نوى في الحالة الأولى ـ أي : السّابقة ـ الخروج في (١) الحالة الثّانية ـ أي اللاحقة ـ ، وإطلاق النّية هنا بالمجاز ، لأنّ النّية هي القصد المقارن للفعل ، والمتقدم عزم كما عرفت. ويفهم من قوله : ( إن رفض القصد قبل بلوغ الثّانية ) البطلان إن لم يرفضه قبلها.

أما وجه عدم البطلان ـ على تقدير رفض القصد قبلها ـ انتفاء المقتضي ، أما في الحالة الأولى فلعدم قصد الخروج فيها ، وأمّا في الحالة الثّانية فلامتناع الإبطال قبل بلوغها ، وانتفاء القصد عنده لأن الفرض أنّه رفضه قبل البلوغ.

وفيه نظر ، لأنّ الصّلاة عبادة واحدة متّصل بعضها ببعض ، تجب لها نية واحدة من أولها إلى آخرها ، فإذا نوى المنافي في بعضها انقطعت تلك الموالاة وانفصلت تلك النيّة فتخرج عن الوحدة ، فلا يتحقّق الإتيان بالمأمور به على وجهه ، فلا يكون مجزئا.

ومنه يظهر دليل الوجه الثّاني ، أعني : البطلان مطلقا ، وهو الأصحّ. ويحتمل عدم البطلان مطلقا للشّك في منافاة ذلك لنية الصّلاة ، والأصل بقاء الصّحة‌

__________________

(١) في « ع » و « ح » : في الثانية ، أي : الخروج في الحالة الثانية ، أي : اللاحقة.

٢٢٣

وكذا لو علّق الخروج بأمر ممكن ، كدخول شخص فإن دخل فالأقرب البطلان.

______________________________________________________

فيستصحب ، وضعفه معلوم ممّا سبق.

قوله : ( وكذا لو علّق الخروج بأمر ممكن كدخول شخص ، فان دخل فالأقرب البطلان ).

المتبادر من هذه العبارة ، أنّه لو علق الخروج من الصّلاة بأمر ممكن الوقوع ، ورفض القصد قبل وقوعه فالأقرب عدم البطلان أيضا وإن وقع ، إلاّ أنّ ظاهر قوله : ( فإن دخل فالأقرب البطلان ) قد ينافي ذلك.

وقد كان عليه أن يقيد البطلان بدخوله بما إذا لم يرفض القصد قبله ، ولو أحاله على مفهوم العبارة لكان كافيا في الدلالة على البطلان ، فاستغنى عن التصريح بحكم هذا القسم ، كما استغنى عن التّصريح به في المسألة الّتي قبل هذه.

ولا يمكن حمل العبارة على إرادة عدم البطلان بالتّعليق على أمر ممكن إذا لم يوجد ، سواء رفض القصد أم لا ، والبطلان إذا وجد رفض القصد قبل وجوده أم لا ، لمنافاته الحكم في المسألة السّابقة.

وفقه المبحث إنّه إذا علق المصلّي الخروج من الصّلاة بأمر ممكن الوقوع ، أي غير محقق وقوعه بحسب العادة ، كدخول زيد مثلا إلى موضع الصّلاة ، بخلاف التّعليق بالحالة الثّانية بالنّسبة إلى الحالة الّتي هو فيها ، فإنّها محقّقة الوقوع عادة :

فإن قلنا في المسألة الاولى لا تبطل الصّلاة بذلك التعليق مطلقا فهنا أولى ، لإمكان أن لا يوجد المعلّق عليه أصلا هنا ، فإذا لم تبطل مع وجوده لم تبطل مع عدمه بطريق أولى.

وإن قلنا بالبطلان ثم من حين التّعليق فهنا وجهان :

أحدهما : العدم ، لما قلناه من عدم الجزم بوقوع المعلّق عليه ، فلا يكون البطلان محقّق الوقوع ، والأصل عدمه ، وإذا لم تبطل في حال التّعليق لم تبطل بعده وإن وجد المعلّق عليه ، إذ لو أثّر التعليق المقتضي للتردّد لأثّر وقت وجوده ، فإذا لم يؤثر حينئذ كان وجوده بمثابة عدمه. وهذا إذا ذهل عن التّعليق الأوّل عند حصول المعلّق عليه ، فان كان ذاكرا له بطلت الصّلاة لتحقّق نية الخروج حينئذ ، وقد سبق أنّها مبطلة.

٢٢٤

ولو نوى أن يفعل المنافي لم تبطل إلاّ معه على إشكال.

______________________________________________________

والثّاني : البطلان ، كما لو قال : إن دخل تركت الإسلام ، فإنّه يكفر في الحال ، وكما لو شرع في الصّلاة على هذه النّيّة فإنّها لا تنعقد صلاته ، فلا تصحّ أبعاضها معها. ولما سبق من أنّ تعليق القطع ينافي الجزم بالنّيّة ، فتفوت به الاستدامة ، وتخرج النيّة الواحدة المتصلة عن كونها كذلك ، وهو الأصحّ.

وإن قلنا بالتفصيل في المسألة السّابقة ، فإن رفض القصد قبل وقوع المعلّق عليه لم تبطل بطريق أولى ، وإلا فوجهان : أقربهما البطلان عند المصنّف ، والتقريب يستفاد مما سبق.

واعلم ، أنّ الشارح نقل عن المصنّف في بحثه إمكان كون وجود المعلق عليه كاشفا عن مخالفة التّعليق مقتضى النّيّة المعتبرة بحسب الواقع ، فيكون البطلان من حينه ، كما أنّه بعدم وجوده ينكشف بقاء الحكم بالصحة (١).

فعلى هذا لو رفض القصد قبل وقوع المعلق عليه لم ينفعه ذلك ، وكان وقوعه كاشفا عن البطلان من حين التعليق ، كما أنّه يكشف عن بطلان صلاة المأموم إذا علم بالتعليق ولم ينفرد من حينه ، إلاّ أنّه يلزم القول بالبطلان في المسألة السّابقة مطلقا ، وهو خلاف ما أفتى به هنا.

قوله : ( ولو نوى أن يفعل المنافي لم تبطل إلاّ معه على إشكال ).

ينشأ من أنّ إرادتي الضّدّين هل تتنافيان أم لا؟ فعلى الأوّل : تبطل لحصول المنافي للنّيّة ، لا على الثّاني ، وهي مسألة كلامية. كذا بنى المصنّف الحكم في المسألة هنا على القولين في المسألة الكلامية في النّهاية (٢) والتّذكرة (٣).

وأفتى في المختلف بعدم البطلان ، محتجا بأنّ المنافي للصّلاة هو فعل المنافي كالكلام عمدا ، لا العزم عليه ، مع أنّه أفتى بالبطلان فيما إذا نوى الخروج منها (٤) ،

__________________

(١) إيضاح الفوائد ١ : ١٠٤.

(٢) نهاية الأحكام ١ : ٤٤٩.

(٣) التذكرة ١ : ١١٢.

(٤) المختلف : ٩١.

٢٢٥

وتبطل لو نوى الرياء أو ببعضها ، أو به غير الصلاة

______________________________________________________

وكذا صنع شيخنا في الذّكرى (١). والفرق بين المسألتين غير ظاهر ، لأنّ الخروج من الصّلاة هو المنافي ، ونيته كنية غيره من المنافيات.

فان قلت : المنافي سبب في الخروج من الصّلاة لا عينه فافترقا.

قلت : هذا الفرق غير مؤثر ، فإنّ البطلان منوط بوجود المنافي وعدم بقاء الصّلاة مع واحد منهما قدر مشترك بينهما ، فان كانت نية أحدهما منافية فنية الآخر كذلك.

وينبغي ان يكون موضع الإشكال ما إذا اجتمعت هذه النية مع نية الصّلاة ، فلو حصلت بعد عزوب نية الصّلاة فالمناسب القطع بالبطلان ، لانتفاء نية أخرى تكون مكافئة.

واستدامة النية ضعيفة لأنّه أمر حكمي عدمي ، والأصحّ البطلان لعدم بقاء الجزم بالنية مع ذلك القصد ، ومن ثم لو شرع في الصّلاة بهذا القصد لم تصح والجزم بالنية معتبر إلى آخر الصّلاة ، وإلحاق الصّلاة بالحج في عدم الإبطال بنية المنافي قياس من غير جامع.

قوله : ( وتبطل لو نوى الرياء أو ببعضها ).

أي : لو نوى الرياء بمجموعها أو ببعضها بطلت قطعا ، لفوات الإخلاص الّذي هو المطلوب الحقيقي من العبادة.

قوله : ( أو به غير الصّلاة ).

أي : تبطل لو نوى ببعض الصّلاة غير الصّلاة ، كما لو نوى بالرّكوع المقصود به الصّلاة تعظيم زيد أو قتل حيّة بحيث قصد به الأمرين معا ، لعدم تمحضه للقربة فلا يقع مجزئا.

وعدم جواز الإتيان بفعل آخر غيره لاستلزامه الزّيادة في أفعال الصّلاة عمدا ، إذ الفرض أن الأوّل مقصود به الصّلاة أيضا.

ونقل الشّارح ولد المصنّف على ذلك الإجماع ، واحتج له : بأنّ المتعلّقين ـ بالكسر ـ إذا اتحد متعلّقهما ـ بالفتح ـ ، وتعلق أحدهما على عكس تعلق الآخر تضادا‌

__________________

(١) الذكرى : ١٧٨.

٢٢٦

وإن كان ذكرا مندوبا ، أما الزيادة على الواجب في الهيئات كزيادة الطمأنينة فالوجه البطلان مع الكثرة.

______________________________________________________

اتفاقا من المتكلمين ، بخلاف ما إذا تعدد كل منهما (١) ، وهو هنا كذلك ، لأنّ جزئية الصّلاة وتعظيم زيد قد تعلقا بصورة الرّكوع المأتي به ، وهو شي‌ء واحد ، وأحدهما يتعلّق به من جهة القربة ، والآخر من جهة تخالفها ، ومع تحقق التضاد والتنافي لا يبقى ذلك البعض من الصّلاة معتبرا ، وهو غير كاف في استلزام البطلان ما لم يلحظ فيه ما ذكرناه.

ولما كان البعض المنوي به غير الصّلاة بحيث يشمل إطلاقه الواجب والمندوب ، وتحقق البطلان بالواجب لا خفاء فيه ، عطف المندوب بـ ( أن ) الوصلية إذا كان ذكرا منبها على البطلان به أيضا فقال : ( وإن كان ذكرا مندوبا ) ، كتكبير الرّكوع مثلا ، فإنّه حينئذ يخرج عن كونه جزء الصّلاة ، ويلحق بكلام الآدميّين.

ويمكن رجوع ضمير ( كان ) الى كل من البعضين المنوي به الرّياء ، والمنوي به غير الصّلاة. هذا ما يقتضيه سياق العبارة ، وفي صحّته نظر ، فانّ من نوى بالذكر المندوب بالصّلاة وغير الصّلاة معا ، كأن قصد افهام الغير بتكبير الرّكوع أو زجره لا تبطل به الصّلاة ، إذ لا يخرج بذلك عن كونه ذكرا لله تعالى ، ويصير من كلام الآدميّين ، وعدم الاعتداد به في الصّلاة حينئذ لو تحقق لم يقدح في الصّحّة ، لعدم توقف صحّة الصّلاة عليه.

أمّا لو قصد الإفهام مجرّدا عن كونه ذكرا فإنّه يبطل حينئذ ، إلاّ أنّ هذا غير المستفاد من العبارة ، وهذا بخلاف ما لو قصد الرياء لكونه منهيّا عنه بقوله تعالى ( وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ) (٢) فيخرج عن كونه ذكرا قطعا ، فتبطل به الصّلاة.

قوله : ( أمّا الزيادة على الواجب من الهيئات كزيادة الطمأنينة فالوجه البطلان مع الكثرة ).

الّذي يقتضيه سياق العبارة نصب ( زيادة ) على أنّها خبر لكان محذوفة ،

__________________

(١) إيضاح الفوائد ١ : ١٠٤.

(٢) الكهف : ١١٠.

٢٢٧

ويجوز نقل النية في مواضع : كالنقل إلى الفائتة ، وإلى النافلة لناسي الجمعة ، والأذان ، ولطالب الجماعة.

______________________________________________________

والتّقدير : أمّا لو كان زيادة إلى آخره ، فيكون هذا في قوّة الاستثناء من البعض المنوي به الرياء ، والبعض المنوي به غير الصّلاة.

ووجه البطلان مع الكثرة أنّه فعل كثير خارج عن الصّلاة ، وكل فعل كذلك تبطل به الصّلاة لما سيأتي ، ولو لم تبلغ الكثرة لم تبطل به الصلاة قطعا ، لانتفاء المقتضي

واعلم أن قول المصنف : ( فالوجه البطلان مع الكثرة ) يفهم منه احتمال عدم البطلان معها وهو غير مراد قطعا ، لما سيأتي ، من أنّ الفعل الكثير مبطل قطعا ، وإنّما المراد وقوع التردّد في صدق حصول الكثرة بمثل هذه الزّيادة ، فعلى تقدير العدم لا إبطال جزما ، كما أنّه لا شبهة في الإبطال معه.

وربّما بني تحقيق ذلك على أنّ الأكوان باقية ، وأنّ الباقي مستغن عن المؤثر فعلى القول بهما لا تتحقّق الكثرة بزيادة الطّمأنينة ، إذ هي بعد حدوثها باقية مستغنية عن المؤثر ، فلا يعقل وجود الكثرة إذ لم يصدر من الفاعل شي‌ء ، بخلاف ما لو قيل باحتياج الباقي إلى المؤثر لتعدد الأفعال آنا فآنا.

وحقّق الشّارح : أنّ بناء ذلك على استغناء الباقي واحتياجه ، فعلى الثّاني يتحقق لا على الأوّل (١). والّذي يختلج في خاطري أنّ المرجع في أمثال هذه المعاني إلى العرف العام ، لأنّ الحقيقة العرفيّة متعيّنة عند انتفاء الشّرعية ، وأهل العرف يطلقون الكثرة على من بالغ في تطويل الطّمأنينة ، فيتعين القول بالبطلان عند بلوغ هذا الحدّ.

قوله : ( ويجوز نقل النيّة في مواضع : كالنقل إلى الفائتة ، وإلى النّافلة لناسي الجمعة ، والأذان ، ولطالب الجماعة ).

النقل إلى الفائتة قد سبق ، وأمّا النقل إلى النّافلة لناسي الجمعة فالمتبادر منه ،

__________________

(١) إيضاح الفوائد ١ : ١٠٥.

٢٢٨

فروع :

أ : لو شك في إيقاع النية بعد الانتقال لم يلتفت ، وفي الحال يستأنف.

______________________________________________________

أنّ من نسي صلاة الجمعة يوم الجمعة وصلّى الظّهر ، ثم ذكر في الأثناء يعدل إلى النافلة ، لأنّ فرضه هو الجمعة لا الظّهر.

وهذا الحكم ليس ببعيد فإنه أولى من قطع العبادة بالكليّة ، ولا أعرفه مذكورا في كلام الفقهاء. والظّاهر أنّه غير مراد في العبارة ، وإنّما المراد أنّ من نسي القراءة بالجمعة ، والمنافقين في الجمعة وظهرها ، حتّى قرأ نصف السّورة الّتي شرع فيها ، فإنّه ينقل نيته الى النفل ويجعلهما ركعتي نافلة ثم يستأنف الصّلاة بالسّورتين إدراكا لفضيلتهما ، وإلى هذا مال أكثر أصحابنا ، لما روي صحيحا عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في رجل أراد الجمعة فقرأ بقل هو الله أحد ، فقال : « يتمّها ركعتين ثم يستأنف » (١). ومنع ابن إدريس من ذلك (٢) ، وهو ضعيف. وقد سبق الرّجوع لناسي الأذان والإقامة ، فيجوز له نقل النّية إلى النفل ، وكذا طالب الجماعة إذا دخل الإمام وهو يصلّي فريضة ، وسيأتي تحقيقها إن شاء الله تعالى.

ولا يجوز النقل في غير مواضع الأذان لأنّه إبطال لما شرع فيه ، وعدول إلى ما لم ينوه.

ولو شرع في فريضة ثم ذهل وأتمّها بنية النفل لم يضرّه ، واحتسب له ما نواه ، لرواية ابن أبي يعفور (٣) وغيره ، عن الصّادق عليه‌السلام (٤).

قوله : ( فروع : أ : لو شكّ في إيقاع النيّة بعد الانتقال لم يلتفت ، وفي الحال يستأنف ).

يتحقق الانتقال عن محلّ النيّة بالتكبير ، فلو شك في أثنائه فكما لو شكّ قبله ،

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٨ حديث ٢٢ ، الاستبصار ١ : ٤١٥ حديث ١٥٨٩.

(٢) السرائر : ٦٥.

(٣) التهذيب ٢ : ٣٤٣ حديث ١٤٢٠.

(٤) الكافي ٣ : ٣٦٣ حديث ٥ ، التهذيب ٢ : ٣٤٢ حديث ١٤١٨.

٢٢٩

ولو شك فيما نواه بعد الانتقال بنى على ما هو فيه ، ولو لم يعلم شيئا بطلت صلاته.

ب : النوافل المسببة لا بد في النية من التعرض لسببها ، كالعيد المندوبة ، والاستسقاء.

______________________________________________________

لعدم تحقق الدّخول في الصّلاة ، ومحلّ النّيّة أوّلها ، وإلى الآن لم تتحقّق الأولية ، لأنّ المأتي به من التكبير إنّما يعد جزءا بعد إكماله ، وقد سبق. وسيأتي أنّ الشك بعد الانتقال عن محلّ الفعل والدّخول في فعل آخر لا أثر له ، بخلاف ما لو كان في محلّه ، فإنّ الأصل عدم الإتيان به ، ولا مانع من تداركه فيجب.

قوله : ( ولو شك فيما نواه بعد الانتقال بنى على ما هو فيه ، ولو لم يعلم شيئا بطلت صلاته ).

المراد ببنائه على ما هو فيه : البناء على ما في اعتقاده أنّه الآن يفعله. وفي الذّكرى : لو شك هل نوى ظهرا أو عصرا ، فرضا أو نفلا بنى على ما قام إليه (١) ، وهو صحيح أيضا ، لأنّ الظّاهر أنّه نوى ما قام لأجله ، ولو لم يعلم شيئا بطلت صلاته لانتفاء المرجّح.

ولو شكّ بعد صلاته أربع هل صلّى الظّهر أو العصر لم يكن البناء على الظّهر بعيدا ، لأنّ الظّاهر أنّه أتى بالواجب أوّلا ، ولو صلّى رباعية مردّدة بين الظّهر والعصر لكان طريقا إلى البراءة مع احتمال تعينه ، وعلى هذا فاجزاؤه مشروط بوقوع الاولى في الوقت المشترك.

قوله : ( ب : النوافل المسببة لا بدّ في النيّة من التعرض لسببها ، كالعيد المندوبة ، والاستسقاء ).

لأنّ التّعيين إنّما يتحقق بذلك ، وقد سبق اعتباره في النيّة ، ويدل عليه قوله عليه‌السلام : « إنّما لكل امرئ ما نوى » (٢) ، ويضيف النّوافل المرتبة إلى فريضتها ، واللّيلية إلى اللّيل ، وتعيين المنذورة وإن كانت إحدى الواجبات على الأظهر لما قلناه.

__________________

(١) الذكرى : ١٧٨.

(٢) صحيح البخاري ١ : ٢ ، سنن أبي داود ٢ : ٢٦٢ حديث ٢٢٠١.

٢٣٠

ج : لا يجب في النية التعرض للاستقبال ، ولا عدد الركعات ، ولا التمام والقصر وإن تخيّر.

______________________________________________________

قوله : ( ج : لا يجب في النيّة التعرّض للاستقبال ولا عدد الرّكعات ).

لأنّ الإجمال في تعيين الصّلاة كاف ، ولو تعرض للعدد لم يضر إن طابق ، وإن أخطأ فوجهان ، والبطلان قوي ، لأنّه مع الزّيادة المنوي غير صحيح ، ومع النقيصة يبقى بعض الصّلاة بغير نيّة.

قوله : ( ولا التّمام والقصر وإن تخير ).

أمّا إذا تعيّن أحدهما فظاهر ، لأنّ التعيين وإحضار ذات الصّلاة يكفي فيه الإجمال ، وأمّا إذا تخير ، فلعدم تعين أحدهما لو نواه.

فان قلت : لا بدّ في النيّة من تعيين الفريضة ولا يتحقّق إلاّ بنيّة أحدهما ، إذ صرف النيّة إلى واحد دون الآخر ترجيح.

قلنا : يكفي التعيين الإجمالي وهو حاصل ، إذ الواجب حينئذ هو الكلّي المتقوم بكل واحد منهما ، فيكفي قصده من حيث هو كذلك.

والأصحّ تحتم التعيين ، لاختلافهما في الأحكام ، فان الشك في المقصورة مبطل مطلقا بخلاف الأخرى ، فلا بدّ من مائز ليترتب على كلّ واحد حكمه وليس إلا النيّة ، ولا يستقيم أن يقال : ترتّب حكم الشّك عليه يتوقّف على التّعيين الواقع بعده ، لأنّ أثر السّبب التّام لا يجوز تخلفه.

فان قيل : يكون كاشفا فلا تخلف.

قلنا : بل مؤثرا ، لأنّ تعيّن العدد إنّما تؤثر فيه النيّة اللاحقة على ذلك التقدير. وكذا القول فيمن فاتته صلاة وشك في كونها قصرا أو تماما ، أو فاتته صلاة سفر أو حضر ونسي التّرتيب.

٢٣١

د : المحبوس إذا نوى ـ مع غلبة الظن ببقاء الوقت ـ الأداء فبان الخروج أجزأ ، ولو بان عدم الدخول أعاد.

ولو ظن الخروج فنوى القضاء ثم ظهر البقاء فالأقرب الإجزاء مع خروج الوقت.

______________________________________________________

قوله : ( د : المحبوس إذا نوى ـ مع غلبة الظنّ ببقاء الوقت ـ الأداء ، فبان الخروج أجزأ ، ولو بان عدم الدّخول أعاد ).

أمّا الحكم الأوّل فلأنّه متعبّد بظنه وقد طابق فعله تكليفه بالصّلاة بحسب الواقع ، ونية الأداء شرط مع العلم لا مع عدمه ، والإتيان بالمأمور به يقتضي الإجزاء ، والإعادة إنما تكون بأمر جديد. وأمّا الحكم الثاني ، فلانه وإن كان متعبّدا بظنّه إلاّ أنّ عدم دخول الوقت تمتنع الصحّة معه للإخلال بالشّرط ، والإخلال به يقتضي البطلان على كلّ حال ، ودخول الوقت بعد ذلك سبب لوجوب الفريضة ، فيتعلق التكليف بالوجوب حينئذ ، فتتعيّن الإعادة به.

ولو لم يعلم بالحال حتّى خرج الوقت فوجوب القضاء لا يخلو من وجه ، إذ لا يزيد حاله عن حال النائم والنّاسي للفريضة ، ولظاهر قوله عليه‌السلام : « من فاتته صلاة فريضة فليقضها كما فاتته » (١).

قوله : ( ولو ظن الخروج فنوى القضاء ثم ظهر البقاء فالأقرب الإجزاء مع خروج الوقت ).

وجه القرب : أنّه أتى بالمأمور به على الوجه المأمور به ، لأنّه متعبد بظنه ، فإنّه إذا ظنّ بقاء الوقت كلف بالفريضة أداء ، ولو ظن الخروج كلف بها قضاء ، وامتثال المأمور به يقتضي الإجزاء ، والإعادة بأمر جديد ، ومع خروج الوقت المعرف لتعلق الأمر بالمكلف ينتفي المقتضي لتعلقه به. ويفهم من قوله : ( مع خروج الوقت ) أنّه مع بقائه تجب الإعادة.

ويكفي في بقاء الوقت الموجب للإعادة مقدار ركعة ، إذ بإدراكها تكون الصّلاة‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٣٥ حديث ٧ ، التهذيب ٣ : ١٦٣ حديث ٣٥٠.

٢٣٢

هـ : لو عزبت النية في الأثناء صحت صلاته.

و: لو أوقع الواجب من الأفعال بنية الندب بطلت الصلاة ،

______________________________________________________

أداء كما سبق ، ووجهه : أنّ سبب الوجوب موجود وهو الوقت ، ولم يأت بالصّلاة على الوجه الّذي يقتضيه فتجب الإعادة. والأصحّ عدم الإعادة مطلقا بقي الوقت أو خرج ، أما مع الخروج فظاهر ، وأمّا مع البقاء فلأنّ الوقت ، وإن كان سببا في الوجوب ، إلا أنّه سبب في صلاة واحدة لا في صلاتين وقد أتى بها ، لأنّ الإخلال بنية الأداء غير قادح لامتناع تكليفه به ، مع عدم علمه به وظنه خلافه.

والأصل براءة الذّمة من وجوب صلاة أخرى ، وهذا هو الاحتمال الثّاني ، ويحتمل ثالثا وجوب الإعادة مطلقا بقي الوقت أو خرج ، لعدم المطابقة لما يقتضيه الوقت من نية الأداء ، حيث أنّ الصّلاة قد وقعت في الوقت وهو أضعفها لعدم تكليفه بالأداء حينئذ.

والمراد بقول المصنّف : ( ثم ظهر البقاء ) أنّه ظهر بعد الفراغ من الصّلاة ، ـ سواء كان قبل الخروج أو بعده ـ أنّ الصّلاة المنوي بها القضاء وقعت في الوقت.

واعلم أنّ الشّارح الفاضل ذكر احتمالا آخر ، وهو أنّ الوقت إن خرج في أثنائها لم تجب الإعادة ، وإلاّ وجبت كالمأتي بها قبل دخول الوقت بظن دخوله إذا دخل قبل الفراغ منها (١) ، وهو احتمال ضعيف جدّا مضمحل ، لأنّ القياس باطل خصوصا مع الفارق ، فإنّ الأداء يكفي فيه إدراك شي‌ء من الوقت ، ولا يكفي في القضاء خروج شي‌ء منها عن الوقت.

قوله : ( ه‍ : لو عزبت النيّة في الأثناء صحت صلاته ).

لما علم غير مرة من أنّ المعتبر في الاستدامة هو الحكمية.

قوله : ( و: لو أوقع الواجب من الأفعال بنية الندب بطلت الصّلاة ).

لامتناع اعتباره حينئذ ، إذ نيّة الوجه في العبادة معتبرة ، وإذا نوى غير وجهها لم يأت بالمأمور به على وجهه الثّابت له شرعا ، فلم يطابق فعله ما في ذمّته لاختلاف الوجه حينئذ ، وتمتنع إعادته لئلا يلزم زيادة أفعال الصّلاة عمدا ، فلم يبق إلاّ البطلان.

__________________

(١) إيضاح الفوائد ١ : ١٠٧.

٢٣٣

وكذا لو عكس إن كان ذكرا ، أو فعلا كثيرا.

الفصل الثالث : تكبيرة الإحرام : وهي ركن تبطل الصلاة بتركها عمدا وسهوا ،

______________________________________________________

قوله : ( وكذا لو عكس إن كان ذكرا أو فعلا كثيرا ).

أراد بالعكس : أن يوقع المندوب من الأفعال بنية الوجوب ، ووجه الإبطال به : أنّه بهذه النية غير مشروع ، فيكون منهيّا عنه ، فان كان بصورة الذكر بطلت به الصّلاة لأنّه من كلام الآدميّين حينئذ ، بل أسوء لتحريمه.

وكذا القول في الفعل الكثير لأنّه خارج من الصّلاة بخلاف ما لو كان الفعل غير كثير.

ولشيخنا الشّهيد كلام في تأدّي المندوب بنيّة الوجوب من حيث اشتراكهما في التّرجيح ، ونية المنع من الترك ـ الّذي هو فصل الوجوب ـ مؤكدة (١).

والظّاهر أنّه ليس بشي‌ء ، لأنّ الشّي‌ء لا يؤكد بما ينافيه ، والوجوب والنّدب متباينان تباينا كليّا ، كما أنّ متعلقاهما كذلك.

قوله : ( الفصل الثّالث : تكبيرة الإحرام : وهي ركن تبطل الصّلاة بتركها عمدا وسهوا ).

أجمع الأصحاب ، بل أكثر أهل الإسلام على أنّ تكبيرة الإحرام جزء من الصّلاة وركن فيها ، وقد تقدّم تفسير الرّكن ، ويدلّ على الجزئية قول النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إنّما هي التّكبير ، والتّسبيح ، وقراءة القرآن » (٢) ، وقول شاذ من العامة بعدم الجزئية (٣) لقول النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « وتحريمها التّكبير » (٤) والمضاف مغاير للمضاف إليه ليس بشي‌ء ، لأنّ كلّ جزء يغاير كلّه ويضاف اليه ، وما يوهم ذلك في بعض الأخبار (٥) متأوّل.

__________________

(١) الذكرى : ٨٢.

(٢) صحيح مسلم ١ : ٣٨١ حديث ٥٣٧.

(٣) قاله الحنفيون كما في نيل الأوطار ٢ : ١٨٥ ، اللباب ١ : ٦٧ ، فتح القدير ١ : ٢٣٩.

(٤) الكافي ٣ : ٦٩ حديث ٢ ، الفقيه ١ : ٢٣ حديث ٦٨.

(٥) الكافي ٣ : ٢٧٢ حديث ٥ ، التهذيب ٢ : ١٣٩ حديث ٥٤٣.

٢٣٤

وصورتها الله أكبر ، فلو عرّف أكبر ، أو عكس الترتيب ، أو أخل بحرف ، أو قال : الله الجليل أكبر ، أو كبر بغير العربية اختيارا ، أو أضافه إلى أي شي‌ء كان ، أو قرنه بمن كذلك ، وإن عمم كقوله : أكبر من كلّ شي‌ء وإن كان هو المقصود بطلت.

______________________________________________________

وأمّا الرّكنية فلظاهر قول النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لا يقبل الله صلاة امرئ حتّى يضع الطّهور مواضعه ، ثم يستقبل القبلة فيقول : الله أكبر » (١) ، ولرواية زرارة ، عن الباقر والصّادق عليهما‌السلام : في ناسي التكبير « أنّه يعيد » (٢) ، ولرواية علي بن يقطين ، عن أبي الحسن عليه‌السلام (٣).

وفي مقابل ذلك أخبار أخرى تدلّ على أنّ النّاسي لا يعيد (٤) ، وفي بعضها أنّه يكبّر قبل القراءة (٥) ، وفي بعضها الاجتزاء بتكبير الرّكوع إذا لم يذكر حتّى كبر له (٦) ، وفي بعضها يكبر إن ذكر وهو قائم ، وإن ركع فليمض في صلاته (٧) ، وحملها الشّيخ على الشّك فيه (٨) ، وبعضها يأبى هذا الحمل إلاّ أن مخالفة إجماع الأصحاب بل إجماع الأمة إلا شاذا توجب الإعراض عنها بالكلية.

قوله : ( وصورتها الله أكبر فلو عرّف أكبر ، أو عكس التّرتيب ، أو أخل بحرف ، أو قال : الله الجليل أكبر ، أو كبّر بغير العربيّة اختيارا أو أضافه إلى أيّ شي‌ء كان ، أو قرنه بمن كذلك وإن عمم كقوله : أكبر من كل شي‌ء وإن كان هو المقصود بطلت ).

لمّا كانت العبادات بتوقيف الشارع لا مجال للرأي فيها وجب اتّباع النقل‌

__________________

(١) مروي في الذكرى : ١٧٨.

(٢) الكافي ٣ : ٣٤٧ حديث ١ ، التهذيب ٢ : ١٤٣ حديث ٥٥٧ ، الاستبصار ١ : ٣٥١ حديث ١٣٢٦.

(٣) التهذيب ٢ : ١٤٣ حديث ٥٦٠ ، الاستبصار ١ : ٣٥١ حديث ١٣٢٩.

(٤) الفقيه ١ : ٢٢٦ حديث ٩٩٩ ، التهذيب ٢ : ١٤٤ حديث ٥٦٥ ، الاستبصار ١ : ٣٥٢ حديث ١٣٣٠.

(٥) الفقيه ١ : ٢٢٦ حديث ١٠٠١ ، التهذيب ٢ : ١٤٥ حديث ٥٦٧ ، الاستبصار ١ : ٣٥٢ حديث ١٣٣١.

(٦) الفقيه ١ : ٢٢٦ حديث ١٠٠٠ ، التهذيب ٢ : ١٤٤ حديث ٥٦٦ ، الاستبصار ١ : ٣٥٣ حديث ١٣٣٤.

(٧) التهذيب ٢ : ١٤٥ حديث ٥٦٨ ، الاستبصار ١ : ٣٥٢ حديث ١٣٣٤.

(٨) التهذيب ٢ : ١٤٤ ذيل حديث ٥٦٦.

٢٣٥

______________________________________________________

الوارد في بيانها ، حتّى لو خالف المكلّف ذلك كان ما أتى به تشريعا ، ولم يخرج من عهدة الواجب.

ولا شبهة في أنّ المنقول عن النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنّه كبر في الصّلاة باللفظ المخصوص وقال : « صلّوا كما رأيتموني أصلي » (١) ، وهو المتبادر الى الفهم من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « وتحريمها التكبير » (٢) ، فلو خالف المكلّف ذلك لم يعتدّ بما فعله.

وتتحقق المخالفة بأشياء منها : تعريف أكبر ، فإنه وإن كان مطابقا لقانون العربي ، من حيث أنّ استعمال أفعل التّفضيل إنّما يكون باللام أو الإضافة أو من ، إلا أنه غيّر الصّيغة المنقولة ، وعن ابن الجنيد أنه مكروه (٣).

ومنها : عكس الترتيب.

ومنها : الإخلال بحرف من إحدى الكلمتين ولو بوصل إحدى الهمزتين ، أمّا همزة أكبر فظاهر لأنها همزة قطع ، وأمّا همزة الله فلأنها وإن كان همزة وصل في الأصل إلاّ أنّ سقوط همزة الوصل إنّما هو في الدرج في كلام متّصل ، ولا كلام قبل التكبير أصلا ، فإنّ النية إرادة قلبية لا دخل للّسان فيها ، والآتي بها نطقا آت بما لم يعتد به ، فلو وصل حينئذ خالف المنقول من صاحب الشّرع ، فلم يخرج من العهدة ، ويحكى عن بعض متأخري الأصحاب الوصل حينئذ ، والأصح خلافه.

ومنها : إبدال حرف بغيره.

ومنها : زيادته كما لو زاد همزة في أول اسمه تعالى بحيث يصير استفهاما ، أو مدّ الهمزة كذلك ، أو زاد ألفا بين الباء والراء من أكبر بحيث صار جمع كبر ـ وهو الطّبل ـ لم يصح ما أتى به ، سواء قصد المعنى الّذي صار إليه اللّفظ أم لا ، على الأصحّ في الثّاني لأنّ‌

__________________

(١) صحيح البخاري ١ : ١٦١ ـ ١٦٢.

(٢) الكافي ٣ : ٦٩ حديث ٢ ، وهو عن أبي عبد الله (ع) ، الفقيه ١ : ٢٣ حديث ٦٨ ، وهو عن أمير المؤمنين (ع).

(٣) نقله عنه في المنتهى ١ : ٢٦٨.

٢٣٦

______________________________________________________

دلالة اللّفظ على المعنى بالوضع لا بالقصد.

ولو زاد حرفا لا يختل المعنى كالألف بين اللام والهاء من اسمه تعالى إذا مدّة لم يضر لعدم تغير المعنى به ، نعم يكره.

ومنها : زيادة كلمة الجليل والعظيم فلا تنعقد به للمخالفة.

ومنها : التكبير بغير العربيّة اختيارا لما قلناه ، ويتحقق كونه مختارا بمعرفته بالعربيّة أو بكونه قادرا على التعلّم قبل فوات الوقت ، فلو اضطرّ إلى العجميّة أجزأه ولا تفاوت بين الألسنة حينئذ ، واحتمال تقديم السريانية والعبرانية بعيد.

ومنها : أن يقرنه بمن كذلك ـ أي مقترنة بأيّ شي‌ء كان ـ مثل أكبر من الموجودات.

ويمكن أن يراد بقوله : ( أو أضافه إلى أي شي‌ء كان ) ظاهره على معنى أن يقول : أكبر أي شي‌ء كان ، على حدّ : يوسف أحسن أخوته ، ويراد مثله بقوله : ( قرنه بمن كذلك ) والأوّل هو المتبادر ، ويؤيّده قوله : ( وإن عمم ) لأن الظّاهر أنّها وصلية ، أي : يبطل تكبيره لو أضاف أكبر ، وإن عمم المضاف إليه ، ككلّ شي‌ء أو قرنه بمن كذلك وإن عمّم.

ولا ينافي البطلان كون التّعميم هو المقصود من التكبير حيث جرّد عن المقارنات فإنّ تجريده دليل على عدم إرادة الخصوص ، فقوله : ( وإن كان هو المقصود ) وصلّى لما قبله.

وقوله : ( بطلت ) يراد به : لم تصحّ مجازا ، لعدم سبق صحّة التكبيرة فيتحقّق بطلانها. وقد حكي : أنّ في معاني الأخبار إنكار أن يراد بالتكبير : أكبر من كلّ شي‌ء ، بل معناه : أكبر من أن يوصف (١) ، وهو غير مناف لما في العبارة ، لأنّه إن صحّ ، فهو خلاف المتبادر ، والواقع في العبارة هو ما يتبادر إلى الفهم عند الإطلاق.

__________________

(١) معاني الأخبار : ١١ حديث ١ ـ ٢.

٢٣٧

ويجب على الأعجمي التعلّم مع سعة الوقت ، فان ضاق أحرم بلغته.

والأخرس يعقد قلبه بمعناها مع الإشارة ، وتحريك اللسان ، ويتخير في تعيينها من السبع.

______________________________________________________

قوله : ( ويجب على الأعجمي التعلّم مع سعة الوقت فان ضاق أحرم بلغته ).

لمّا كان النطق بالتكبير بالعربيّة واجبا ـ وقوفا مع المنقول ـ كان التّعلم لمن لا يعرف واجبا من باب المقدّمة ، فإن تعذّر لضيق الوقت أحرم بلغته مراعيا المعنى العربي ، فيقول الفارسي : « خداي بزرگتر » ، فلو قال : بزرگ ، وترك صفة التّفضيل لم يصح ، كما نبه عليه المصنّف في النهاية (١) ، ويفهم من قوله : ( فان ضاق الوقت ... ) ، عدم جواز ذلك مع السّعة ، وإن لم يجد من يعلمه ، لأنّ حصوله ممكن.

قوله : ( والأخرس يعقد قلبه بمعناها مع الإشارة وتحريك اللّسان ).

يريد مع الإشارة بإصبعه ، أمّا عقد القلب بمعناها فلأنّ الإشارة والتّحريك لا اختصاص لهما بالتكبير ، فلا بدّ من مخصّص ، والظّاهر أنّه لا يراد بعقد قلبه بمعناها ربطه بالمعنى الوضعي الّذي يراد من اللّفظ باعتبار قوانين أهل اللّسان ، لأنّ هذا المقدار لا يعلم وجوبه على غير الأخرس ، بل الظّاهر أنّ المراد عقد القلب بالمعنى الظّاهري ، وهو كونه تكبيرا لله وثناء عليه في الجملة ليتخصّص كلّ من التّحريك والإشارة كما قلناه.

وأمّا تحريك اللّسان فلأنه واجب مع القدرة على النّطق ، فلا يسقط بالعجز عنه ، « إذ لا يسقط الميسور بالمعسور » ، وأمّا وجوب الإشارة بالإصبع فلما سيأتي في القراءة إن شاء الله تعالى ، ومعلوم أنّ هذا إنّما هو حيث يعجز الأخرس عن النّطق أصلا ، فلو قدر على شي‌ء أتى به واجتزأ عما يعجز عنه بما قلناه.

قوله : ( ويتخيّر في تعيينها من السّبع ).

سيأتي أنّه يستحبّ للمصلّي التوجّه بسبع تكبيرات في سبعة مواضع ، بينها ثلاثة أدعية ، أحدهما تكبيرة الإحرام : فالمصلّي بالخيار في تعيين تكبيرة الإحرام ، فإن‌

__________________

(١) نهاية الأحكام ١ : ٤٥٥.

٢٣٨

ولو كبّر للافتتاح ثم كبّر له بطلت صلاته إن لم ينو الخروج قبل ذلك ، ولو كبّر له ثالثا صحت.

ويجب التكبير قائما ، فلو تشاغل بهما دفعة ، أو ركع قبل انتهائه بطلت ،

______________________________________________________

شاء جعلها الاولى وكبّر البواقي مستحبّا بالأدعية ، وإن شاء جعلها الأخيرة ـ وهو الأفضل ـ فيأتي بالتكبيرات قبلها ، وإن شاء جعلها الوسطى ، ولا منافاة في شي‌ء من ذلك ، لأنّ الذّكر والدّعاء لا ينافي الصّلاة.

قوله : ( ولو كبّر للافتتاح ، ثم كبر له بطلت صلاته إن لم ينو الخروج ).

إن نوى الخروج من الصّلاة بعد تكبيرة الافتتاح بطلت ، لما سبق أنّ نية الخروج مبطلة ، فإذا كبّر للافتتاح حينئذ ثانيا صحّ ، أمّا إذا لم ينو الخروج ، فإنّه يكون قد زاد ركنا ، وقد علم أنّ زيادة الرّكن مبطلة على كلّ حال. وهذا سواء نوى الصّلاة مع التّكبير الثّاني أم لا ، أمّا إذا لم ينو فلأن قصد الافتتاح بالتكبير الثّاني يصيره ركنا ، لأن الأعمال بالنيات.

ولا يقدح في ذلك عدم مقارنة النية له ، الّتي هي شرط ، لأنّ شرطيتها لصحّته ، لا لكونه للافتتاح ، فإنّ المتصوّر في زيادة أي ركن كان هو الإتيان بصورته قاصدا بها الرّكن ، كما لو أتى بركوع ثان لامتناع ركوعين صحيحين في ركعة واحدة ، وأمّا مع النية فبطريق أولى.

لا يقال : استئناف النيّة يقتضي بطلان ما سبق ، لتضمّنه قصد الخروج بالإعراض عن النيّة الأولى ، فتصحّ الثّانية.

لأنّا نقول : إن صحّ هذا لم تقع النيّة معتبرة ، حيث أنّ البطلان إنّما يتحقّق بها.

قوله : ( ولو كبّر ثالثا صحّت ).

لبطلان التكبير الأوّل بالثاني ، فيبقى الثّالث بغير مانع ، هذا إن لم ينو الخروج كما عرفت.

قوله : ( ويجب التّكبير قائما فلو تشاغل بهما دفعة أو ركع قبل انتهائه بطلت ).

لا شبهة في أنّه يشترط في التّكبير جميع ما يشترط في الصّلاة من الطّهارة‌

٢٣٩

وإسماع نفسه تحقيقا أو تقديرا.

ويستحب ترك المدّ في لفظ الجلالة وأكبر ، وإسماع الإمام المأمومين ، ورفع اليدين بها إلى شحمتي الاذن ،

______________________________________________________

والاستقبال ، والسّتر ، وغير ذلك لأنّه جزء ، وكذا يشترط القيام قطعا ، فلو كبر ، وهو آخذ فيه لم يصح وإن اقترن أول التّكبير وحصول الاعتدال ، لأنّ الشرط يجب تقديمه ، وكذا لو أتم التّكبير وهو هاو إلى الرّكوع ـ كما يتفق للمأموم كثيرا ـ لم يصح أيضا ، وتجويز الشّيخ وقوع بعض التّكبير في حال الانحناء (١) ضعيف ، والضّمير في قوله : ( بطلت ) يعود إلى الصّلاة ، وقد علم أنّ المراد بالبطلان عدم الصّحّة.

قوله : ( وإسماع نفسه تحقيقا أو تقديرا ).

لأن الذكر اللّساني لا يحصل إلا بالصّوت ، والصّوت ما يمكن سماعه ، وأقرب سامع إليه نفسه ، ولا فرق بين الرجل والمرأة ، وأراد بقوله : ( تحقيقا ) حصول السّماع بالفعل ، وذلك إذا كان صحيح الحاسة ولا مانع له ، ومع فقد أحدهما يكفي ثبوته تقديرا.

قوله : ( ويستحبّ ترك المد في لفظ الجلالة وأكبر ).

المراد به : المد الّذي لا يخرجه عن مدلوله إلى معنى آخر ، أما غيره فيجب تركه ، وكذا يستحبّ ترك الإعراب في آخره ، لقول النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « التكبير جزم » (٢).

قوله : ( وإسماع الإمام المأمومين ).

ليقتدوا به إذ لا يعتد بتكبيرهم قبله ، وروى الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « فان كنت إماما أجزأك أن تكبر واحدة تجهر بها وتسرّ ستا » (٣).

قوله : ( ورفع اليدين بها إلى شحمتي الاذن ).

لا خلاف بين أهل الإسلام في استحباب رفع اليدين فيه ، وقول المرتضى‌

__________________

(١) المبسوط ١ : ١٠٥.

(٢) رواه في الذكرى : ١٧٩.

(٣) التهذيب ٢ : ٢٨٧ حديث ١١٥١.

٢٤٠