جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٢

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٢

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٤

ويحرم السفر بعد الزوال قبلها ، ويكره بعد الفرج.

______________________________________________________

النّهاية (١) وقال في المنتهى : لم أقف على قول لعلمائنا في اشتراط الطاعة في السّفر ، لسقوط الجمعة ، والأقرب اشتراطه (٢) ، وتقريب ذلك كلّه يعلم بما نبهنا عليه.

ولو تخير المسافر لكونه في أحد الأربعة ، فهل تتعيّن الجمعة أم يستحب له حضورها كما في غير مواضع التخيير؟ كل محتمل ، والثّاني أقرب ، لأنّ استحباب الإتمام لا يخرجه عن السّفر ، ولا يزيل ما ثبت من سقوط الجمعة ، ولم يفت المصنّف في النّهاية بشي‌ء.

قوله : ( ويحرم السفر بعد الزوال قبلها ، ويكره بعد الفجر ).

لمّا كان السّفر من الأسباب المسقطة للجمعة ، حرم على المكلّف بها إنشاؤه بعد الزّوال ، لوجوب الجمعة حينئذ ، فلا يجوز الاشتغال بما يؤدي إلى تركها ، كالتجارة واللهو ، ووجوبها وإن كان موسعا ، إلا أنّ لها شرائط تخالف بها غيرها من الصّلوات ، واجتماعها بعد ذلك غير معلوم ، ويكره لو كان السّفر بعد الفجر قبل الزّوال ، لما فيه من منع نفسه من أكمل الفرضين ، فعلى هذا لو كان بين يديه جمعة يعلم إدراكها ، هل يجوز السّفر بعد الزّوال ولا يكره قبله؟ فيه نظر ينشأ من إطلاق المنع من السّفر بعد الزّوال ، ومن أنّ المطلوب وهو فعل الجمعة حاصل.

ولا فرق بين كون الجمعة الّتي بين يديه في محل الترخّص ، وبين كونها قبله ، لأنّ السفر الطارئ على وجوبها لا يسقط الوجوب.

ولو سافر بعد التّكليف بها ، ولم يكن هناك جمعة اخرى كان عاصيا ، فلا يترخّص حتّى تفوت الجمعة ، فيبتدئ السّفر من موضع تحقق الفوات.

ولو كان السّفر واجبا ، كالحج والغزو ، أو مضطرا إليه فلا حجر ، وإن كان بعد الزّوال ، إذا كان التخلف يؤدي الى فوت الفرض أو حصول ضرر ، بنحو فوت الرفقة وصعوبة الالتحاق.

__________________

(١) نهاية الأحكام ٢ : ٤٤.

(٢) المنتهى ١ : ٣٢٢.

٤٢١

وتسقط عن المكاتب ، والمدبر ، والمعتق بعضه ، وإن اتفقت في يومه.

______________________________________________________

أمّا لو كان السّفر مندوبا فالظّاهر انتفاء كراهيته قبل الزّوال ، لانتفاء التّحريم بعده.

ولو بعد عن موضع الجمعة ، بفرسخين فما دون ، وكان بحيث لا يمكنه قطع المسافة إلاّ بالخروج قبل الزّوال ، فمقتضى عبارة الذّكرى (١) والنّهاية وجوب السّعي قبله (٢) ، وحينئذ فيحرم عليه ما يمنع الجمعة ، كالسفر إلى غير جهتها ، والتشاغل بالبيع ونحوه ، وصحيح زرارة يدل عليه (٣) ، وتوقف في الذّكرى في احتساب هذا القدر من المسافة (٤).

ولا وجه لهذا التردّد ، إذ لا منافاة بين كون المكلّف مسافرا ووجوب الجمعة عليه ، بسبب سابق على السّفر ، كما يجب الإتمام في الظّهر على من خرج في أثناء الوقت.

قوله : ( وتسقط عن المكاتب والمدبر والمعتق بعضه ، وإن اتفقت في يومه ).

أما عدم الوجوب على المملوك فلحديث زرارة عن الباقر عليه‌السلام (٥) ، وأما أنّه لا فرق بين القنّ والمكاتب وغيرهما فلوجود الرقية في الجملة المانعة من تعلق الوجوب ، ويندرج في المكاتب المطلق والمشروط ، والمعتق بعضه يتناول من أعتق مباشرة وبسبب الكتابة وغيرهما.

ويراد بقوله : ( وان اتّفقت في يومه ) : ما إذا هاياه مولاه ، على أن يكون لكل منهما من الزّمان مقدار يناسب حقّه ، كيوم ويوم إن كان نصفه حرا ، ونحو ذلك.

__________________

(١) الذكرى : ٢٣٣.

(٢) نهاية الأحكام ٢ : ٤٦.

(٣) التهذيب ٣ : ٢٣٨ حديث ٦٣١ ، الاستبصار ١ : ٤٢١ حديث ٦٢١.

(٤) الذكرى : ٢٣٣.

(٥) الفقيه ١ : ٢٦٦ حديث ١٢١٧.

٤٢٢

ويصلّي من سقطت عنه الظهر في وقت الجمعة ، فإن حضرها بعد صلاته لم تجب عليه ، وإن زال المانع كعتق العبد ونية الإقامة ، أما الصبيّ فتجب عليه.

______________________________________________________

وخالف في ذلك الشّيخ في المبسوط فأوجبها عليه إذا اتّفقت في يومه ، لانقطاع سلطنة المولى حينئذ (١). وهو ضعيف ، لبقاء الرّق المانع ، واستصحاب ما كان ، وأم الولد ، والمخارج على مقدار معيّن في كلّ يوم مثلا كغيرهما.

قوله : ( ويصلّي من سقطت عنه الظّهر في وقت الجمعة ).

أي : من سقطت عنه الجمعة يجوز أن يصلّي الظّهر وإن كان في وقت الجمعة ، لعدم التّكليف بها ، فوجودها كعدمها بالنّسبة إليه ، حتى أنّه لو كان ممن لا تجب عليه لو حضر موضع إقامتها جاز أن يصلّيها فيه لو حضره.

قوله : ( فان حضرها بعد صلاته لم تجب عليه ).

لسقوط التّكليف عنه بفعل الظّهر وامتناع وجوبهما معا ، وإن كان ممن لو حضر قبل فعل الظّهر لوجبت عليه.

قوله : ( وإن زال المانع ، كعتق العبد ونية الإقامة ، أما الصّبي فتجب عليه ).

أي : لم تجب عليه الجمعة بعد فعل الظّهر ، وإن زال المانع من وجوبها حينئذ ، كما لو أعتق العبد بعد فعل الظّهر على وجهها ، أو لزم المسافر الإتمام بنية الإقامة ونحوها ، أو بري‌ء المريض ، أو عرج الأعرج ، لامتثال الأمر المقتضي للإجزاء.

وهذا في غير الصّبي لو صلّ الظّهر ، ثم بلغ قبل صلاة الجمعة ، فإنّها تجب عليه سواء قلنا بشرعية أفعال الصّبي ، أم لا ، لأنّ المأتي به لم يكن فرضه.

وقد تعلق به الخطاب حين البلوغ ، فلا يبرأ إلاّ بفعل الجمعة ، ومثله الخنثى المشكل لو صلّى الظّهر ، إمّا بناء على عدم وجوبها عليه كالمرأة ، أو لعدم تحقق شرط‌

__________________

(١) المبسوط ١ : ١٤٥.

٤٢٣

المطلب الثالث : في ماهيتها وآدابها :

وهي ركعتان عوض الظهر ، ويستحب فيهما الجهر إجماعا ، والأذان الثاني بدعة.

______________________________________________________

الوجوب بناء على ما سبق من الاحتمال ، ثم حكم بكونه شرعا رجلا ، فإنّه يصلّي الجمعة ، كما صرّح به المصنّف في النّهاية (١) لأنّ اللبس المانع من تحقق تكليفه بالجمعة قد زال ، وتبين أنّ الظّهر لم يكن فرضه.

قوله : ( المطلب الثّالث : في ماهيّتها وآدابها : وهي ركعتان عوض الظّهر ، ويستحبّ فيهما الجهر إجماعا ).

الجمعة ركعتان كاليوميّة ، وإنّما تتميّز بشرائطها المتقدّمة وآدابها الآتية ، ولا خلاف بين أهل الإسلام في أنّها عوض الظّهر ، فلا يشرع الجمع بينهما.

قوله : ( والأذان الثّاني بدعة ).

اختلف الأصحاب في الأذان الثّاني يوم الجمعة ، فقال الشّيخ في المبسوط : إنّه مكروه (٢) وتبعه في المعتبر (٣) ، وقال ابن إدريس : يحرم (٤) ، وهو ظاهر اختيار المصنّف هنا وفي المختلف (٥) والنّهاية (٦) واختاره الشّهيد في الدّروس (٧).

والتّحريم أقوى ، لأنّ الاتّفاق واقع على أنّ النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم بفعله ، وأنّ الأذان كان على عهده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واحدا. روي عن الباقر عليه‌السلام انّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان إذا خرج إلى الجمعة قعد على المنبر حتّى يفرغ المؤذنون (٨) ، ومن ثم كان هذا هو الأفضل ، خلافا لأبي الصّلاح حيث استحب‌

__________________

(١) نهاية الأحكام ٢ : ٤٧.

(٢) المبسوط ١ : ١٤٩.

(٣) المعتبر ٢ : ٢٩٦.

(٤) السرائر : ٦٤.

(٥) المختلف : ١١٠.

(٦) نهاية الأحكام ٢ : ٥٤.

(٧) الدروس : ٤٣.

(٨) التهذيب ٣ : ٢٤٤ حديث ٦٦٣.

٤٢٤

______________________________________________________

الصّعود بعد الأذان (١) ، استنادا إلى مقطوعة محمّد بن مسلم (٢) ، والتّأسي به واجب ، ولأنّ العبادات انّما تستفاد بتوقيف الشّارع ، والاّ كانت بدعة محرمة.

وقد روي أنّ أوّل من أحدث ذلك عثمان (٣) قال الشّافعي : ما فعله النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبو بكر وعمر أحبّ إليّ (٤). وقال عطاء : أوّل من فعل ذلك معاوية (٥).

فإن قيل : الأذان ذكر يتضمن التعظيم ، فلا يكون محرّما ، للأمر بمطلق الذّكر ، لكن من حيث أنّ النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يفعله كان حقيقا بوصف الكراهيّة.

قلنا : ليس النّزاع فيما يكون ذكرا مطلقا من غير أن يعد وظيفة ، فإنّ المؤذن مثلا لو تعدد واتّسع الوقت ترتّبوا ، ولو لم يكن تعدد الأذان محرما ولا مكروها. وإنّما الكلام في توظيف الأذان متعددا يوم الجمعة ، كما هو المنقول عمّن أحدثه ، فالإتيان به على هذا الوجه لا يكون إلاّ بدعة وإدخالا في الشّرع ما ليس منه ، ولا يعقل في هذا ونحو إلاّ التّحريم.

إذا تقرّر هذا ، فالمراد بالأذان الثّاني : ما يقع ثانيا بالزّمان بعد أذان آخر ، لأنّ الواقع أو : هو المأمور به ، لأنّ به تتأدّى وظيفة الوقت.

ويحتمل أن يحرم ما لم يكن بين يدي الخطيب ، لأنّه الثّاني باعتبار الإحداث ، سواء وقع أولا ، أو ثانيا بالزّمان.

ويضعّف ، بأن كيفيّة الأذان الواقع في عهده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غير شرط في شرعيته إجماعا ، إذ لو وقع قبل صعود الخطيب ، أو لم يصعد منبرا ، بل خطب على‌

__________________

(١) الكافي في الفقه : ١٥١.

(٢) الكافي ٣ : ٤٢٤ حديث ٧ ، التهذيب ٣ : ٢٤١ حديث ٦٤٨.

(٣) صحيح البخاري ٢ : ١٠ ، سنن النسائي ٣ : ١٠٠ ـ ١٠١ ، سنن البيهقي ٣ : ١٩٢ ، ٢٠٥.

(٤) الام ١ : ١٩٥.

(٥) المصدر السابق.

٤٢٥

ويحرم البيع بعد الأذان ، وينعقد على رأي ،

______________________________________________________

الأرض لم يخرج بذلك عن الشّرعية ، فإذا فعل ثانيا كان هو المحدث.

فان قيل : من أين يعلم أنّ الأذان المفعول ثانيا مقصود به الأذان الموظف المحدث ، حتّى يكون محرّما أو مكروها؟ ولم لا يجوز أن يراد به ما يراد بغيره من الأذان المكرّر مقصودا به ما يخرجه عن الأمرين معا؟

قلنا : ظاهر الحال وانضمام القرائن المستفادة من تتالي الأعصر شهدت بأنّ هذا هو الأذان المحدث من عثمان أو معاوية ، حتّى أنّه لو حاول أحد تركه قابلوه بالإنكار والمنع ، والاعتناء بتخصيص يوم الجمعة بأذان أخر من دون سائر الأيّام على تطاول السّنين من الأمور الدّالة على ذلك ، وما هذا شأنه لا يكون إلاّ بدعة.

فإن قيل : من أين يعلم أنّ المؤذن لا يريد بالواقع بين يدي الخطيب هو الّذي كان في عهده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيكون الأوّل هو البدعة؟

قلنا : إن علم ذلك فالمحرّم هو الأوّل ، لأنّ المؤثر في وجوب الأفعال إنّما هو النّيات ، وإن لم يعلم فالأصل عدمه ، وظاهر فعل المسلم الصحّة ما أمكن ، فيكون الواقع أولا محكوما بصحته ، لعدم تحقق المقتضي لبطلانه ، ويبقى التّحريم متوجها إلى الثّاني.

قوله : ( ويحرم البيع بعد الأذان ، وينعقد على رأي ).

لا خلاف في تحريم البيع بعد النّداء للجمعة ، لقوله تعالى ( وَذَرُوا الْبَيْعَ ) (١) أمر بتركه حينئذ ، فيكون فعله محرّما ، والنّداء الّذي يتعلّق به التّحريم هو الّذي يقع بعد الزّوال ، والإمام جالس على المنبر على ما ذكره الشّيخ في الخلاف (٢) بناء على أنّ الأفضل فعل الأذان بعد صعود المنبر ، فلو فعله قال الشّيخ : لا ينعقد ، للنهي المقتضي للفساد ، لأنّ المنهيّ عنه لا يكون مطلوبا للشّارع ، لاستحالة اجتماع الأمر والنّهي في شي‌ء واحد ، فيكون فاسدا (٣).

__________________

(١) الجمعة : ٩.

(٢) الخلاف ١ : ١٤٥ مسألة ٤٨ صلاة الجمعة.

(٣) المبسوط ١ : ١٥٠.

٤٢٦

وكذا ما يشبه البيع على إشكال.

______________________________________________________

وفيه نظر ، إذ لا يلزم من كون الشي‌ء غير مطلوب للشّارع أن يكون فاسدا ، بمعنى أن لا يترتّب عليه أثره ، إذ لا دليل على هذه الملازمة ، ونقل الشّيخ عن بعض الأصحاب الانعقاد (١) ، واختاره المصنّف (٢) والمتأخّرون (٣) ، وهو الأصحّ ، لأنّه بيع صدر من أهله ، أي : مالك جائز التصرّف في محله ، لأنّ الفرض أنّ كلا من العوضين قابل لذلك والصّيغة على الوجه المعتبر ، فيجب الوفاء به ، لقوله تعالى : ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (٤).

والنّهي وإن دل على أنّ المفعول غير مطلوب للشّارع ، إلاّ أنّه لا دلالة له على عدم ترتّب أثره عليه ، بخلاف النّهي في العبادة ، لأنّ المنهي عنه لا يكون قربة ، فلا يكون مجزئا ، لعدم استجماعه جميع الأمور المعتبرة في المأمور به ، فلا يوافق الأمر ، ولا يسقط القضاء ، فلا يكون صحيحا.

ومبنى المسألة على أنّ النّهي لا يدلّ على الفساد في المعاملات ، بخلاف العبادات ، وتحقيقه في الأصول.

قوله : ( وكذا ما يشبه البيع على إشكال ).

المراد بما يشبه البيع : نحو الإجارة والصّلح والنّكاح والطلاق ، وغير ذلك من العقود والإيقاعات ، بل يمكن أن يقال : يتوجّه الإشكال في المحاكمات وقسمة التركات (٥) ، ونحو ذلك مما يعد شاغلا كالبيع.

ومنشأ الإشكال من أنّ النصّ إنّما ورد بترك البيع ، فيقتصر على مورده ، لأصالة عدم التّحريم في غيره ، وامتناع العمل بالقياس ، ومن أنّ في الآية إيماء إلى العلة ، وهي موجودة في محلّ النّزاع ، فإنّ قوله سبحانه ( ذلِكُمْ ) أي : السّعي إلى‌

__________________

(١) المبسوط ١ : ١٥٠.

(٢) المختلف : ١٠٨.

(٣) منهم : المحقق في المعتبر ٢ : ٢٩٧ ، والشرائع ١ : ٩٨ ، والشهيد في الدروس : ٤٣.

(٤) المائدة : ١.

(٥) في « ح » : الزكاة.

٤٢٧

ولو سقطت عن أحدهما فهو سائغ له خاصة.

______________________________________________________

ذكر الله وترك البيع ( خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) (١) جرى مجرى التعليل لما قبله الّذي من جملته ترك البيع ، ولا شبهة في مشاركة الإجارة والصّلح ، بل سائر ما سبق ذكره يشارك البيع في ذلك ، فيشاركه في الحكم بالتّحريم.

وتخصيص البيع بالذكر لأنّ فعله كان أكثريا ، لأنّهم كانوا يهبطون من قراهم وبواديهم ، وينصبّون الى المصر من كلّ أوب لأجل البيع والشّراء.

ويمكن أن يحتجّ بوجه آخر ، وهو أنّ ظاهر الآية وجوب السّعي بعد النّداء على الفور ، وان لم يكن ذلك من نفس الأمر ، لأنّ الأمر بترك البيع قرينة إرادة المسارعة ، فيكون كل ما شأنه أن يكون منافيا له ومنجرا إلى التراخي عنه مأمورا بتركه ، فيكون محرّما ، وهذا هو الأصحّ.

واعلم أنّ شيخنا الشّهيد في الذّكرى قال : ولو حملنا البيع على المعاوضة المطلقة ، الّذي هو معناه الأصلي ، كان مستفادا من الآية تحريم غيره ، وفي الحمل عليه بعد ، لأنّه خلاف المعنى الشّرعي.

ثم احتج على التّحريم بأنّ الأمر بالشي‌ء يستلزم النّهي عن ضده (٢) ، وفي دلالته على ما يحاوله نظر.

إذا عرفت هذا ، فلا فرق في التّحريم بين كون البيع شاغلا عن السّعي أو لا ، حتّى لو باع في خلال (٣) سعيه كان حراما ، لإطلاق قوله تعالى ( وَذَرُوا الْبَيْعَ ) (٤) ولأنّه مظنة الإفضاء إلى التراخي في السّعي ، بانجراره الى ما يقتضي ذلك ، فيكون تحريمه مطلقا حسما للمادة ، وكذا القول في مشاركته.

قوله : ( ولو سقطت عن أحدهما فهو سائغ له خاصّة ).

أي : دون الآخر الّذي هو مخاطب بها ، لانتفاء المقتضي للتحريم في حق غير‌

__________________

(١) الجمعة : ٩.

(٢) الذكرى : ٢٣٨.

(٣) في « ن » : حال.

(٤) الجمعة : ٩.

٤٢٨

ولو زوحم المأموم في سجود الاولى لحق بعد قيام الإمام إن أمكن ، وإلاّ وقف حتى يسجد في الثّانية فتابعه من غير ركوع ، وينويهما للأولى ، فإن نوى بهما للثانية أو أهمل بطلت صلاته.

______________________________________________________

المخاطب بها ، إلاّ أنّه يكره له ذلك كما صرّح به الشّيخ رحمه‌الله (١).

واختار في التّذكرة التّحريم (٢) ، وقواه شيخنا في الذّكرى (٣) وهو الأصحّ ، لأنّه معاونة على المحرم ، وقد قال سبحانه وتعالى ( وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ ) (٤).

قوله : ( ولو زوحم المأموم في سجود الاولى لحق بعد قيام الإمام إن أمكن ، وإلاّ وقف حتّى يسجد في الثّانية ، فيتابعه من غير ركوع وينويهما للأولى ، فإن نواهما للثّانية أو أهمل بطلت صلاته ).

لو زوحم المأموم في سجود الاولى ، فلم يمكنه متابعة الإمام ، لم يجز له السّجود على ظهر غيره أو رجليه عند جميع أصحابنا ، بل ينتظر حتّى يتمكّن من السّجود على الأرض ، فإن تمكن قبل ركوع الإمام في الثّانية سجد ، ثم ينهض ، ويركع مع الإمام.

ولا يقدح ذلك في صلاته ، للحاجة والضّرورة ، ومثله وقع في صلاة عسفان حيث سجد النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبقي صفّ لم يسجد معه (٥) ، والمشترك الحاجة.

ويستحبّ للإمام تطويل القراءة ، ليلحق به إن علم بذلك ، كما يستحب له ذلك إذا عرف دخول المأموم إلى المسجد ، وليس له أن يركع إذا ركع الإمام قبل السجدتين ، لئلا يزيد ركنا ، فإذا سجد سجد معه ، ونوى بهما للركعة الأولى ، فإن نوى‌

__________________

(١) المبسوط ١ : ١٥٠.

(٢) التذكرة ١ : ١٥٦.

(٣) الذكرى : ٢٣٨.

(٤) المائدة : ٢.

(٥) سنن أبي داود ٢ : ١٢ حديث ١٢٣٦ ، سنن النسائي ٤ : ١٧٧ ، سنن البيهقي ٣ : ٢٥٧.

٤٢٩

ولو سجد ولحق الإمام راكعا في الثانية‌ تابعه.

______________________________________________________

بهما للثّانية فقولان : أظهرهما ـ وبه قال الشّيخ في النّهاية (١) وابن إدريس (٢) ، وجمع (٣) منهم المصنّف ـ : بطلان صلاته (٤) ، للزيادة المبطلة.

والثّاني ـ وبه قال في الخلاف (٥) والمرتضى ـ : الصحّة (٦) ، ويحذفهما ، ويأتي بسجدتين للأولى ، والمستند رواية حفص بن غياث عن أبي عبد الله عليه‌السلام فيمن زوحم عن سجود الاولى ، ولم يقدر على السّجود حتّى سجد الإمام للثّانية : « إن لم ينو تلك السّجدة للركعة الأولى ، لم تجزئ عنه الاولى ولا الثّانية ، وعليه أن يسجد سجدتين ، وينوي أنّهما للرّكعة الاولى ، وعليه بعد ذلك ركعة تامة يسجد فيها » (٧) وفي المستند ضعف ، فان حفصا هذا عامّي ، والزيادة عمدا مبطلة.

وإن أهمل فلم ينو بهما لواحدة منهما فقولان أيضا ، أظهرهما : الصّحّة ، واختاره ابن إدريس (٨) ، حملا للإطلاق على ما في ذمّته ، فإنّه لا يجب لكل فعل من أفعال الصّلاة نية ، وإنّما يعتبر للمجموع النية أوّلها كسائر العبادات. والثّاني ـ واختاره المصنّف ـ : البطلان ، لأنّه مقتد بالإمام ، وصلاته تابعة لصلاته فيلحقه حكمه ، ويصرف فعله إليه.

ويضعّف بأنّ وجوب متابعة المأموم له لا يصير المنوي له منويا للمأموم ، ولا يصرف فعله عمّا في ذمّته ، والأصل في صلاته الصحّة ، وما ذكره لا يصلح سببا للبطلان.

قوله : ( ولو سجد ولحق الإمام راكعا في الثّانية تابعه ).

__________________

(١) النهاية : ١٠٧.

(٢) السرائر : ٦٥.

(٣) منهم : ابن البراج في المهذب ١ : ١٠٤ ، والمحقق في الشرائع ١ : ٩٨.

(٤) المختلف : ١٠٩.

(٥) الخلاف ١ : ١٣٧ مسألة ٩ صلاة الجمعة.

(٦) قاله في المصباح ونقله عنه ابن إدريس في السرائر : ٦٥.

(٧) الكافي ٣ : ٤٣٠ حديث ٩ ، الفقيه ١ : ٢٧٠ حديث ١٢٣٥ ، التهذيب ٣ : ٢١ حديث ٧٨.

(٨) السرائر : ٦٥.

٤٣٠

ولو لحقه رافعا فالأقرب جلوسه حتى يسجد الإمام ويسلّم ثم ينهض إلى الثّانية ، وله أن يعدل إلى الانفراد ، وعلى التقديرين يلحق الجمعة.

ولو تابع الإمام في ركوع الثانية قبل سجوده بطلت صلاته.

______________________________________________________

فيقوم منتصبا مطمئنا بغير قراءة ، ثم يركع.

قوله : ( ولو لحقه رافعا فالأقرب جلوسه حتّى يسجد الإمام ويسلّم ، ثم ينهض إلى الثّانية ، وله أن يعدل إلى الانفراد ، وعلى التّقديرين يلحق الجمعة ).

نقل الشّارح في هذه المسألة ثلاثة أقوال :

وجوب الانفراد حذرا من مخالفة الإمام في الأفعال ، لتعذر المتابعة.

ووجوب المتابعة وحذف الزائد كمن تقدم الإمام في الأفعال ، لتعذر المتابعة.

ووجوب المتابعة وحذف الزائد كمن تقدم الإمام سهوا في ركوع أو سجود.

وما ذكره المصنّف من التخيير بين الأمرين (١) ، وهو الأصحّ ، لأنّ الزّيادة عمدا مبطلة ، إلا ما استثني بدليل ، وتحتّم الانفراد لا دليل عليه.

وعلى كلّ من هذين التّقديرين يلحق الجمعة ، لأنّه تابع الإمام في أكثر الرّكعة الاولى من التكبير والقراءة والرّكوع ، وباقي الرّكعة فعلها في حكم التّابع له ، فأدرك معه ركعة ، وكلّ من أدرك ركعة مع الإمام أضاف إليها أخرى ، وتمت جمعته.

قوله : ( ولو تابع الإمام في ركوع الثّانية قبل سجوده بطلت صلاته ).

لزيادة الرّكن ، وقال بعض العامّة بوجوب المتابعة في الرّكوع (٢) ، لقوله عليه‌السلام : « إنّما جعل الإمام إماما ليؤتم به » (٣).

__________________

(١) إيضاح الفوائد ١ : ١٢٥.

(٢) انظر : المجموع ٤ : ٥٦٠.

(٣) صحيح مسلم ١ : ٣٠٨ حديث ٧٧.

٤٣١

ولو لم يتمكن من السجود في ثانية الإمام أيضا حتى قعد الإمام للتشهد فالأقوى فوات الجمعة.

وهل يقلب نيته إلى الظهر أو يستأنف؟ الأقرب الثاني.

______________________________________________________

قوله : ( ولو لم يتمكن من السّجود في ثانية الإمام أيضا حتّى قعد الإمام للتشهد فالأقوى فوات الجمعة ).

لأنّه لم يدرك ركعة مع الإمام ، ويحتمل الإدارك ، لأنّ ما يأتي به قبل تسليم الإمام في حكم المتابعة ، لبقاء قدوة وكونه مأمورا بالإتيان بما فاته ، ولقولهم : « من أدرك الرّكوع فقد أدرك الرّكعة » (١). ويضعف بعدم صدق المتابعة فيما يأتي به ، فلا يتحقّق إدراك ركعة مع الإمام ، وإدراك الرّكوع بمنزلة إدراك الرّكعة لا نفس إدراكها.

والأقوى ما قواه المصنّف ، لعدم يقين البراءة بذلك ، وهذا إذا أتى بالسّجود قبل تسليم الإمام ، أميا لو أتى به بعده ، فقد قال في المنتهى : الوجه هنا فوات الجمعة قولا واحدا ، لأنّ ما يفعله بعد التّسليم لم يكن في حكم صلاة الإمام (٢).

قوله : ( وهل يقلب نيّته إلى الظّهر أو يستأنف؟ الأقرب الثّاني ).

وجه القرب : أنّ كلاّ منهما صلاة منفردة مخالفة للأخرى في الشّرائط والأحكام ، والأصل عدم جواز العدول بالنيّة من فرض إلى آخر ، لقوله عليه‌السلام : « وانّما لكلّ امرئ ما نوى » (٣) وأنّ النيّة إنّما تعتبر في أوّل العبادة ، لقوله عليه‌السلام : « إنّما الأعمال بالنّيات » (٤) إلاّ ما أخرجه الدّليل ، ولا دليل في موضع النّزاع ، فإذا لم يصحّ المنوي ، وهو الجمعة وجب استئناف الظّهر.

ويحتمل ضعيفا ـ جواز قلب النيّة والعدول بها إلى الظّهر ، لأنّ الجمعة ظهر‌

__________________

(١) انظر : الكافي ٣ : ٢٨٢ حديث ٥ ، الفقيه ١ : ٢٥٤ حديث ١١٤٩ ، التهذيب ٢ : ٤٣ حديث ١٥٢ ، ١٥٣ ، الاستبصار ١ : ٤٣٥ حديث ١٦٨٠.

(٢) المنتهى ١ : ٣٣٤.

(٣) صحيح البخاري ١ : ٢ ، سنن أبي داود ٢ : ٢٦٢ حديث ٢٢٠١.

(٤) أمالي الطوسي ٢ : ١٣١ ، التهذيب ١ : ٨٣ حديث ٢١٨ ، صحيح البخاري ١ : ٢ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٤١٣ حديث ٤٢٢٧ ، سنن أبي داود ٢ : ٢٦٢ حديث ٢٢٠١.

٤٣٢

ولو زوحم في ركوع الاولى ثم زال الزحام والإمام راكع في الثانية لحقه ، وتمت جمعته ، ويأتي بالثانية بعد تسليم الإمام.

______________________________________________________

مقصورة ، نظرا إلى اتحاد وقتهما وبدليّتها عنها ، وإذا جاز العدول من السّابقة المغايرة فهنا أولى. ولأنّ ما سبق فعله من الجمعة صحيح ، لوقوعه على الوجه المأمور به ، فإذا لم يمكن إتمامه جمعة لم يحكم ببطلانه ، لعدم الدّليل عليه ، فتقع عن الظّهر إذا جدد نيتها ، لانتفاء وجوب غيرها ، وعدم فوات محل النّية.

وفي الأولوية منع ، كما في لزوم وقوعه عن الظّهر على تقدير عدم البطلان ، فالأصحّ الأوّل.

قوله : ( ولو زوحم في ركوع الاولى ، ثم زال الزّحام والإمام راكع في الثّانية لحقه ، وتمت جمعته ، ويأتي بالثّانية بعد تسليم الإمام ).

إنّما تمت جمعته ، لأنّه لو أدرك الرّكوع في الثّانية والسّجدتين كان مدركا للجمعة ، فالزائد على ذلك من الرّكعة الاولى لا يمنع من إدراكها.

ولو أدركه بعد الرّفع من الأخيرة ففي كونه مدركا إشكال ، ينشأ من أنّه لم يدرك ركوعا مع الإمام ، ومن إدراك ركعة تامة في صلاة الإمام ، فيكون مدركا للرّكعة معه حكما.

ويمكن الاحتجاج للثاني برواية عبد الرّحمن بن الحجّاج ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرّجل يكون في المسجد إما في يوم جمعة ، وإما غير ذلك من الأيام ، فيزحمه النّاس إما إلى حائط ، وإما الى أسطوانة ، فلا يقدر على أن يركع ولا يسجد ، حتّى يرفع النّاس رؤوسهم ، فهل يجوز له أن يركع ويسجد وحده ، ثم يستوي مع النّاس في الصّف؟ فقال : « نعم ، لا بأس بذلك » (١) فإنّها بظاهرها تتناول محلّ النّزاع ، لأنّ استواءه في الصّف أعم من كونه قبل الرّكوع أو بعده.

قال المصنّف في المنتهى : وقد روى ابن بابويه هذا الحديث في الصّحيح ،

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٤٨ حديث ٦٨٠.

٤٣٣

ويستحب الغسل ، والتنفّل بعشرين ركعة قبل الزوال ـ ويجوز بعده ـ والتفريق : ست عند انبساط الشمس ، وست عند الارتفاع ، وست قبل الزوال ، وركعتان عنده.

ويجوز ست بين الفريضتين ، ونافلة الظهرين منها ،

______________________________________________________

عن عبد الرّحمن بن الحجّاج ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام (١) فالحكم بإدراك الجمعة ليس ببعيد ، واختاره في الذّكرى (٢).

قوله : ( ويستحبّ الغسل والتنفل بعشرين ركعة قبل الزّوال ، ويجوز بعده ، والتّفريق : ست عند انبساط الشّمس ، وستّ عند الارتفاع ، وست قبل الزّوال ، وركعتان عنده ، ويجوز ستّ بين الفرضين ونافلة الظّهرين منها ).

أمّا الغسل فقد سبق في كتاب الطّهارة استحبابه ، وانّه يقع أداء وقضاء وتقديما ، ومع تعذّره يسقط لا إلى بدل ، فلا يستحبّ التيمّم عنه ، كما صرّح به المصنّف في النّهاية (٣).

وأما النوافل فالمشهور بين الأصحاب استحباب عشرين ركعة ، وأنّ الأفضل تقديمها ، ويجوز تأخير جميعها الى بعد العصر ، والسيد المرتضى (٤) وجماعة على أنّه يستحبّ تأخير ستّ منها عن الجمعة ، يأتي بها بين الفرضين (٥) ، واختار ابن بابويه استحباب تأخيرها ، وانّها ستّ عشرة ركعة قدّمت أو أخّرت (٦) ، وقال ابن الجنيد :

__________________

(١) المنتهى ١ : ٣٣٤ ، والحديث رواه ابن بابويه في الفقيه ١ : ٢٧٠ حديث ١٢٣٤ عن عبد الرّحمن بن الحجاج عن أبي الحسن عليه‌السلام ، وعبد الرحمن بن الحجاج يروي عن الإمامين أبي عبد الله وأبي الحسن عليهما‌السلام ، انظر : رجال النجاشي : ١٦٥ ، مجمع الرجال ٧ : ٢٥٧ ، ومعجم رجال الحديث ٩ : ٣١٨.

(٢) الذكرى : ٢٣٥.

(٣) نهاية الأحكام ٢ : ٥٠.

(٤) نقله عنه في المختلف : ١١٠.

(٥) منهم : ابن أبي عقيل وابن الجنيد كما في المختلف : ١٠١.

(٦) الفقيه ١ : ٢٦٨.

٤٣٤

______________________________________________________

أنّها ثماني عشرة (١).

والمشهور أيضا أنّ الست الاولى عند انبساط الشّمس ، والمراد به : انتشارها على وجه الأرض وكمال ظهورها ، أخذا من بسط الرّزق : أي ، توسعته وقال ابن الجنيد : عند ارتفاعها (٢) ، وقال ابن بابويه : عند طلوعها (٣).

والمشهور أيضا أنّ الرّكعتين عند الزّوال ، أي : بعده وجعلهما ابن أبي عقيل قبله (٤) ، والّذي في صحيحة يعقوب بن يقطين ، عن العبد الصّالح عليه‌السلام : « انّ التطوّع في يوم الجمعة في غير سفر صلاة ستّ ركعات عند ارتفاع النّهار ، وستّ قبل نصف النّهار ، وركعتين إذا زالت الشّمس قبل الجمعة ، وستّ بعد الجمعة » (٥).

وقريب منها رواية أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، عن أبي الحسن عليه‌السلام (٦) ، وفي رواية علي بن يقطين ، عن أبي الحسن عليه‌السلام : إن النّافلة الّتي تصلّى يوم الجمعة الأفضل كونها قبل الجمعة (٧) وقريب منها رواية سعد بن سعد الأشعري ، عن أبي الحسن الرّضا عليه‌السلام إلا أن فيها زيادة ركعتين بعد العصر ، فتكون النّافلة اثنتين وعشرين ركعة (٨).

وفي رواية عقبة بن مصعب (٩) وسليمان بن خالد ، عن الصّادق عليه‌السلام : إن الأفضل التأخير إلى ما بعد الفريضة (١٠) وفي إسنادهما كلام.

واختار المصنّف استحباب التقديم ، لأنّه المشهور ، ولما فيه من المسارعة إلى‌

__________________

(١) نقله عنه في المختلف : ١١١.

(٢) نقله عنه في المختلف : ١١٠.

(٣) الفقيه ١ : ٢٦٧.

(٤) نقله عنه في المختلف : ١١١.

(٥) التهذيب ٣ : ١١ حديث ٣٦ ، الاستبصار ١ : ٤١٠ حديث ١٥٦٨.

(٦) الكافي ٣ : ٤٢٧ حديث ١ ، التهذيب ٣ : ٢٤٦ حديث ٦٦٨.

(٧) التهذيب ٣ : ١٢ حديث ٣٨ ، الاستبصار ١ : ٤١١ حديث ١٥٧٠.

(٨) التهذيب ٣ : ٢٤٦ حديث ٦٦٩ ، الاستبصار ١ : ٤١١ حديث ١٥٧٢.

(٩) التهذيب ٣ : ٢٤٦ حديث ٦٧٠ ، الاستبصار ١ : ٤١١ حديث ١٥٧٢.

(١٠) التهذيب ٣ : ١٤ حديث ٤٨ ، الاستبصار ١ : ٤١١ حديث ١٥٧٣.

٤٣٥

______________________________________________________

فعل الطاعة ، والمحافظة عليها ، وصيانتها عن عروض مانع يمنع من فعلها ، وعبارته هنا تقتضي ذلك ، لأنّ قوله : ( والتنفل بعشرين ركعة قبل الزّوال ) معناه : استحباب ذلك ، وجواز فعلها بعده لا ينافيه ، إذ لا كلام في جواز التأخير.

وقوله : ( والتفريق ) معناه : ويستحبّ التّفريق ، لا أنّ معناه : ويجوز التّفريق ، بدليل قوله بعد : ( وستّ عند انبساط الشّمس ... ) أي : ويستحبّ في التفريق هذه الكيفية. إذا تقرّر ذلك ، فهذه النوافل منها نافلة الظّهرين ، أضيف إليها زيادة أربع ركعات.

واعلم أنّ المصنّف في النّهاية قال : إنّ السر في زيادة الأربع أنّ السّاقط ركعتان ، فيستحبّ الإتيان ببدلهما ، والنّافلة الراتبة ضعف الفرائض (١).

ويشكل ذلك بوجهين :

الأوّل : إنّ مقتضاه قصر استحباب الزّيادة المذكورة على ما إذا صلّيت الجمعة ، وظاهر كثير من الأخبار (٢) وعبارات الأصحاب أنّ الاستحباب متعلق بيوم الجمعة من غير تقييد بصلاة الجمعة (٣).

الثّاني : أنّ الوارد في الأخبار انّ الجمعة ركعتان من أجل الخطبتين (٤) ، فهما بدل من الرّكعتين ، وإذا تحققت البدلية بهما ، فلا معنى لبدليّة النّوافل.

ويمكن الاعتذار بأنّه لمّا كان منشأ الاستحباب فعل الجمعة صح ما ذكره ، وإن صليت الظّهر ، وقيام الخطبتين مقام ركعتين لا ينافي ذلك ، لأنّهما ليستا بصورة الصّلاة ، فتبقى البدليّة باعتبار موافقة الصورة المطلوبة.

__________________

(١) نهاية الأحكام ٢ : ٥٢.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٤٦ حديث ٦٦٨ ، ٦٦٩ ، الاستبصار ١ : ٤٠٩ ، ٤١٠ حديث ١٥٦٥ ، ١٥٦٩.

(٣) منهم : الشيخ في المبسوط ١ : ١٥٠ ، والاستبصار ١ : ٤١١ ، وابن البراج في المهذب ١ : ١٥٣ ، والمحقق في المعتبر ٢ : ٣٠٠ ، والشرائع ١ : ٩٨ ، والشهيد في اللمعة : ٣٨.

(٤) الفقيه ١ : ٢٦٩ حديث ١٢١٩ ، ١٢٢٨ ، التهذيب ٣ : ١٣ حديث ٤٢.

٤٣٦

والمباكرة إلى المسجد بعد حلق الرأس ، وقص الأظفار ، وأخذ الشارب ، والسكينة والوقار ، والتطيّب ولبس الفاخر ،

______________________________________________________

قوله : ( والمباكرة الى المسجد بعد حلق الرّأس وقصّ الأظفار وأخذ الشارب والسّكينة والوقار والتطيّب ولبس الفاخر ).

المراد من المباكرة الى المسجد على ما فسّره المصنّف في التّذكرة : هو التوجّه بعد الفجر ، وإيقاع صلاة الصّبح فيه (١) ، لظاهر قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ، ثم راح فكأنّما قرب بدنة ، ومن راح في السّاعة الثّانية فكأنما قرب بقرة ، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنّما قرب كبشا أقرن ، ومن راح في السّاعة الرّابعة فكأنّما قرب دجاجة ، ومن راح في السّاعة الخامسة فكأنّما قرب بيضة ، فإذا خرج الامام حضرت الملائكة يستمعون الذّكر » (٢).

وروى الأصحاب عن الصّادق عليه‌السلام : « إنّ الجنان لتزخرف وتزين يوم الجمعة لمن أتاها ، وإنّكم تتسابقون إلى الجنة على قدر سبقكم إلى الجمعة » (٣) الحديث ، وظاهر ذلك الإسراع أوّل النّهار.

فان قيل : تأخير الغسل إلى ما قبل الزّوال أفضل ، وهو مضاد لاستحباب فعله أوّل النّهار والمباكرة إلى المسجد.

قلنا : لا منافاة في ذلك ، لأنّ استحباب تأخير الغسل حيث لا يعارضه طاعة أعظم منه ، فإنّ المباكرة إلى المسجد مشتملة على عدة طاعات : المسارعة إلى الخير ، والكون في المسجد ، وما ينجر اليه ذلك من التّلاوة والدّعاء والصّلاة ، فيبقى استحباب التّأخير لمن لا يباكر المسجد امّا لمانع ، أو لاختياره ذلك.

إذا عرفت هذا ، فقد قال المصنّف في النّهاية : ليس المراد من السّاعات : الأربع والعشرين الّتي ينقسم اليوم واللّيلة عليها وإنّما المراد : ترتيب الدّرجات وفضل‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ١٥٥.

(٢) صحيح مسلم ٢ : ٥٨٢ حديث ٨٥٠ ، سنن أبي داود ١ : ٩٦ حديث ٣٥١ ، الموطأ ١ : ١٠١ حديث ١.

(٣) الكافي ٣ : ٤١٥ حديث ٩ ، التهذيب ٣ : ٤ : حديث ٦.

٤٣٧

______________________________________________________

السّابق على الّذي يليه ، والاّ لاستوى السّابق والمسبوق إذا جاءا في ساعة واحدة على التساوق (١) ، هذا كلامه.

ويمكن إجراء الحديث على ظاهره ولا محذور ، لأنّ كلّ واحد من البدنة والبقرة والكبش والدّجاجة والبيضة له أفراد متفاوتة ، فينزل التّفاوت بالمجي‌ء في أجزاء السّاعة على التّفاوت في كلّ من هذه المذكورات.

أو يحمل على إرادة بيان التفاوت في الفضل بين السّاعة وما يليها ، وأجزاء السّاعة مسكوت عنها ، فلا تلزم المساواة المذكورة.

ويستحبّ أيضا حلق الرّأس ـ إن كان من عادته حلقه ، وإلا غسله بالخطمي ـ وقصّ الأظفار وأخذ الشّارب ، لاستحباب التزين يوم الجمعة ، روي عن الصّادق عليه‌السلام في قوله تعالى ( خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ ) (٢) قال : « في العيدين والجمعة » (٣). وقال عليه‌السلام : « ليتزين أحدكم يوم الجمعة ، ويتطيب ، ويسرح لحيته ، ويلبس أنظف ثيابه ، وليتهيأ للجمعة ، ويكون عليه في ذلك اليوم السكينة والوقار » (٤).

ويستحبّ لبس الفاخر من الثّياب ، وأفضلها البيض ، لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أحبّ الثّياب إلى الله تعالى البيض ، يلبسها أحياؤكم ، ويكفّن فيها موتاكم » (٥).

ويستحبّ السّواك وقطع الرّائحة الكريهة ، لئلا يتأذى بها غيره ، ويتأكد التجمّل في حقّ الامام والزّيادة فيه عن غيره ، لأنّه المنظور إليه.

__________________

(١) نهاية الأحكام ٢ : ٥١.

(٢) الأعراف : ٣١.

(٣) الكافي ٣ : ٤٢٤ حديث ٨ ، التهذيب ٣ : ٢٤١ حديث ٦٤٧.

(٤) الكافي ٣ : ٤١٧ حديث ١ ، التهذيب ٣ : ١٠ حديث ٣٢.

(٥) الكافي ٣ : ١٤٨ ، حديث ٢ ، ٣ وج ٦ : ٤٤٥ حديث ١ ، ٢ ، التهذيب ١ : ٤٣٤ حديث ١٣٩٠ ، والأحاديث كلها بالمضمون لا النص.

٤٣٨

والدعاء عند التوجه ، وإيقاع الظهر في الجامع لمن لا تجب عليه الجمعة ، ويقدم المأموم الظهر مع غير المرضي.

ويجوز أن يصلي معه الركعتين ثم يتم ظهره.

الفصل الثّاني : في صلاة العيدين وفيه مطلبان :

الأول : الماهية : وهي ركعتان يقرأ في الأولى منهما الحمد وسورة ، ثم‌

______________________________________________________

قوله : ( والدّعاء عنه التوجّه ).

المراد : أمام التوجه ، لقول الباقر عليه‌السلام لأبي حمزة الثّمالي : « ادع في العيدين ويوم الجمعة إذا تهيأت للخروج بهذا الدّعاء : اللهمّ من تهيأ وتعبأ » (١) إلى آخره.

قوله : ( وإيقاع الظّهر في الجامع لمن لا تجب عليه الجمعة ).

لأنّ الباقر عليه‌السلام كان يبكر إلى المسجد يوم الجمعة حين تكون الشّمس قدر رمح ، فإذا كان شهر رمضان يكون قبل ذلك (٢).

قوله : ( ويقدم المأموم الظّهر مع غير المرضي ، ويجوز أن يصلّي معه الرّكعتين ، ثم يتم ظهره ).

روى أبو بكر الحضرمي قال : « قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : كيف تصنع يوم الجمعة؟ قال : « كيف تصنع أنت »؟ قلت : أصلي في منزلي ، ثم أخرج فأصلّي معهم ، قال : « كذلك أصنع أنا » (٣) وقال الصّادق عليه‌السلام : « في كتاب علي عليه‌السلام إذا صلّوا الجمعة في وقت فصل معهم ، ولا تقومن من مقعدك حتّى تصلّي ركعتين أخريين » (٤).

قوله : ( الفصل الثّاني : في صلاة العيدين : وفيه مطلبان :

الأوّل : الماهية : وهي ركعتان ، يقرأ في الأولى منهما الحمد وسورة ،

__________________

(١) التهذيب ٣ : ١٤٢ حديث ٣١٦.

(٢) الكافي ٣ : ٤٢٩ حديث ٨ ، التهذيب ٣ : ٢٤٤ حديث ٦٦٠.

(٣) التهذيب ٣ : ٢٤٦ حديث ٦٧١.

(٤) التهذيب ٣ : ٢٨ حديث ٩٦.

٤٣٩

يكبر خمسا ، ويقنت عقيب كل تكبير ، ثم يكبر ويركع ويسجد سجدتين ، ثم يقوم فيقرأ الحمد وسورة ، ثم يكبر أربعا. ويقنت عقيب كل تكبير ثم يكبر ويركع ويسجد سجدتين ثم يتشهد ويسلم.

______________________________________________________

ثم يكبر خمسا ، ويقنت عقيب كل تكبير ثم يكبر ويركع ويسجد سجدتين ثم يقوم فيقرأ الحمد وسوره ـ إلى قوله ـ ثمّ يتشهّد ، ويسلم ).

أجمع الأصحاب على وجوب صلاة العيدين عينا مع اجتماع شرائطها ، وقال بعض العامة بوجوبها كفاية (١) ، وبعضهم بأنّها سنة (٢) ، وقد قال بعض المفسرين : إنّ معنى قوله تعالى ( فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ) (٣) : صل العيد (٤) ، والأمر للوجوب. وقد تواترت الأخبار عن أئمة الهدى صلوات الله عليهم أجمعين بوجوبها (٥). وهي ركعتان ، يزيد فيهما على المعتاد في اليوميّة خمس تكبيرات في الاولى وأربع في الثّانية ، ويقنت عقيب كلّ تكبيرة.

واختلف الأصحاب ، فقال الأكثر : إنّ التكبير والقنوت في الرّكعتين معا بعد القراءة ، وقال ابن الجنيد : هما في الأولى قبل القراءة ، وفي الثّانية بعدها (٦) ، والعمل على المشهور ، لصحيحة معاوية بن عمّار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « ثم يقرأ فاتحة الكتاب ، ثم الشّمس ، ثم يكبّر خمس تكبيرات ، ثم يكبر ويركع بالسّابعة ، ثم يقوم فيقرأ ، ثم يكبر أربع تكبيرات ، قال : وكذا صنع رسول الله صلّى الله عليه‌

__________________

(١) قاله أحمد بن حنبل كما في المغني ٢ : ٢٢٣.

(٢) انظر : الوجيز للغزالي ١ : ٦٩ ، بلغة السالك في مذهب مالك ١ : ١٨٧.

(٣) الكوثر : ٢.

(٤) تفسير أبي الفتوح الرازي ٥ : ٥٩٤.

(٥) الفقيه ١ : ٣٢٠ حديث ١٤٥٧ ، التهذيب ٣ : ١٢٧ حديث ٢٦٩ ، ٢٧٠ ، الاستبصار ١ : ٤٤٣ حديث ١٧١٠ ، ١٧١١.

(٦) نقله عنه في الذكرى : ٣٤١.

٤٤٠