جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٢

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٢

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٤

______________________________________________________

عليها زمانا يسيرا ، ليقطع بوقوعها في حال القيام ، وهذا شرط للصلاة لتقدمه عليها ، واعتباره فيها.

والقيام في النيّة وهو متردد بين الركن والشرط ، كحال النيّة.

والقيام في التّكبير ركن كالتّكبير.

والقيام في القراءة من حيث هو قيام فيها كالقراءة واجب غير ركن.

والقيام المتّصل بالركوع ، وهو الّذي يركع عنه ، ركن قطعا حتّى لو ركع جالسا سهوا بطلت صلاته.

والقيام من الرّكوع ، وهو واجب غير ركن ، إذ لو هوى من غير رفع وسجد ساهيا لم تبطل صلاته.

وأمّا القيام في القنوت ، فقال : إنّه مستحبّ كالقنوت.

ويشكل بأن قيام القنوت متّصل بقيام القراءة ، ففي الحقيقة هو كلّه قيام واحد ، فكيف يوصف بعضه بالوجوب ، وبعضه بالاستحباب؟

ولا إشكال في وجوب القيام قبيل القراءة ، وفي خلال السّورة وان طالت ، وفي السّكوت للتنفّس خلالها ، ولو أدخل التّكبيرات الزّائدة على التحريمة في الصّلاة ، أو سأل الجنّة ، أو استعاذ من النّار في خلال القراءة أو قبلها فالظّاهر وجوب هذا القيام أيضا وإن لم يتحتم فعله.

فان قلت : القيام المتّصل بالرّكوع هو قيام القراءة ، إذ لا يجب قيام آخر اتفاقا ، فكيف يكون قيام واحد ركنا ، وغير ركن؟

قلت : الرّكن في ذلك هو ما صدق عليه اسم القيام متّصلا بالرّكوع وان قل ، سواء كان قيام القراءة أم لا ، كما لو نسيها ، وقيام القراءة باعتبار كونه هذا المجموع واجب لا غير.

فالرّكن : هو الأمر الكلّي ، وقد يتأدى بقيام القراءة وبغيره ، والكل واجب لا غير ، لما عرفت من أنه لو نسي القراءة أو بعضها وركع عن قيام لم يكن مخلا بالرّكن.

٢٠١

وحدّه الانتصاب مع الإقلال ، فإن عجز عن الإقلال انتصب معتمدا على شي‌ء فإن عجز عن الانتصاب قام منحنيا ، ولو إلى حد الراكع.

______________________________________________________

قوله : ( وحده الانتصاب مع الإقلال ).

حدّ القيام الانتصاب ، ويتحقّق بنصب فقار الظّهر ، وهو : ـ بفتح الفاء ـ العظام المنتظمة في النخاع التي تسمّى خرز الظهر ، جمع فقرة بكسرها ، فلا يخل بالانتصاب إطراق الرّأس ، ويخلّ به الميل إلى اليمين أو اليسار بحيث لا يعد منتصبا عرفا ، والانحناء يخلّ به قطعا ، فلا يجزئ القيام على شي‌ء من هذه الأحوال اختيارا ، والمراد بالإقلال : أن يكون قائما بنفسه ، غير مستند إلى شي‌ء ، بحيث لو رفع الإسناد لسقط ، ولا يجزئ القيام من دونه ، لقول الصّادق عليه‌السلام : « لا تستند إلى جدار وأنت تصلّي ، إلاّ أن تكون مريضا » (١).

وكما يجب الإقلال يجب الاعتماد على الرّجلين معا في حال القيام ، فلا تجزئ الوحدة وفاقا لما في الذّكرى (٢) ، تأسيا بالنّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والأئمة عليهم‌السلام ، ولأن القيام على الواحدة بعيد عن الاستقرار والخشوع ، شبيه بحال اللاعب ، ويجب أن لا يتباعد بما يخرج به عن حدّ القيام عرفا.

قوله : ( فان عجز عن الإقلال انتصب معتمدا على شي‌ء ).

فإنه لا يسقط الميسور بالمعسور ، ولو افتقر فيما يعتمد عليه إلى عوض وجب بذله وإن كثر ، إلاّ مع الضّرر ، لأنّه مقدّمة للواجب ، ولا فرق فيما يعتمد عليه بين كونه آدميا أو لا.

قوله : ( فان عجز عن الانتصاب قام منحنيا ، ولو إلى حدّ الراكع ).

أي : إذا عجز عن الانتصاب بنوعيه مستقلا ومعتمدا قام كذلك وجوبا ، ولا يجوز له القعود حينئذ ، لما سبق من أن الميسور لا يسقط بالمعسور.

وأشار بقوله : ( ولو إلى حد الرّاكع ) إلى ردّ خلاف الشّافعي ، حيث قال : يقعد حينئذ في أحد الوجهين عنده ، لئلاّ يتأدّى القيام بهيئة الرّكوع (٣) ، وليس بشي‌ء ، لأنّ‌

__________________

(١) التهذيب ٣ : ١٧٦ حديث ٣٩٤ باختلاف في ترتيب اللفظ.

(٢) الذكرى : ١٨١.

(٣) المجموع شرح المهذب ٤ : ٣١٣.

٢٠٢

ولا يجوز الاعتماد مع القدرة إلاّ على رواية.

ولو قدر على القيام في بعض الصلاة وجب بقدر مكنته.

______________________________________________________

ذلك أقرب إلى القيام من القعود قطعا ، وسيأتي أنه لا يفرق بين قيامه وركوعه بزيادة انحناء إن شاء الله تعالى.

قوله : ( ولا يجوز الاعتماد مع القدرة إلاّ على رواية ).

هي رواية علي بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه‌السلام قال : سالته عن الرّجل ، هل له أن يستند إلى حائط المسجد وهو يصلّي ، أو يضع يده على الحائط وهو قائم من غير مرض ، ولا علة؟ قال : « لا بأس » ، وعن الرّجل يكون في صلاة فريضة فيقوم في الرّكعتين الأوليين ، هل يصلح أن يتناول من المسجد منهضا يستعين به على القيام من غير ضعف ، ولا علّة؟ قال : « لا بأس » (١).

وظاهرها جواز الاستناد والاستعانة في النّهوض مطلقا ، سواء حصل معه الاعتماد الّذي هو بحيث أزيل السناد سقط المصلّي ، أم لا.

وبهذا الظّاهر تمسّك أبو الصّلاح ، فعدّ الاعتماد على ما يجاور المصلّي من الأبنية مكروها (٢) ، ويعارض بأدلة وجوب القيام السّالفة ، مثل قوله تعالى ( وَقُومُوا لِلّهِ قانِتِينَ ) (٣) ، فان المتبادر منها وجوب قيام المصلّي بنفسه ، ولا يعد المعتمد على شي‌ء قائما بنفسه ، فتحمل الرّواية على استناد ليس معه اعتماد ، وكذا القول في الاستعانة للنّهوض ، نعم لو عجز عن النّهوض بنفسه استعان وجوبا ، ولو احتاج إلى عوض وجب بذله ، كما سبق في القيام.

قوله : ( ولو قدر على القيام في بعض الصّلاة وجب بقدر مكنته ).

لعموم قوله عليه‌السلام : « إذا أمرتكم بأمر فاتوا منه ما استطعتم » (٤) ، وقوله عليه‌السلام : « لا يسقط الميسور بالمعسور » (٥).

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٣٧ حديث ١٠٤٥ ، التهذيب ٢ : ٣٢٦ حديث ١٣٣٩.

(٢) الكافي في الفقه : ١٢٥.

(٣) البقرة : ٢٣٨.

(٤) صحيح البخاري ٩ : ١١٧.

(٥) عوالي اللآلي ٤ : ٥٨ حديث ٢٠٥ ، وفيه : ( لا يترك ) ، وروى في الهامش عن أمير المؤمنين عليه‌السلام : « الميسور لا يسقط بالمعسور ».

٢٠٣

ولو عجز عن الركوع والسجود دون القيام قام وأومأ بهما.

ولو عجز عن القيام أصلا صلّى قاعدا ، فان تمكن حينئذ من القيام للركوع وجب ، وإلاّ ركع جالسا ،

______________________________________________________

قوله : ( ولو عجز عن الركوع والسجود دون القيام قام وأومأ بهما ).

لما سبق ، ويجب أن يومئ برأسه منحنيا بقدر الممكن ، فان عجز فبعينيه ، ويجعل السّجود اخفض ، ولو كان بحيث لو قام لم يقدر على الرّكوع والسّجود ، وإن صلى قاعدا أمكنه ذلك ، ففي تقديم أيّهما تردد ، ينشأ من فوات بعض الأفعال على كلّ تقدير فيمكن تخييره ، ويمكن ترجيح الجلوس باستيفاء معظم الأركان معه.

قوله : ( ولو عجز عن القيام أصلا صلّى قاعدا ، فان تمكّن حينئذ من القيام للرّكوع وجب ، وإلا ركع جالسا ).

يريد بقوله : ( أصلا ) : أنّ العجز عن القيام بجميع حالاته منتصبا ومنحنيا ، مستقلاّ ومعتمدا ، وهو هنا تمييز ، اي : لو عجز عن القيام من أصله صلّى قاعدا ، مستقلا بنفسه ، غير معتمد على شي‌ء لنحو ما سبق في القيام ، واستصحابا لوجوب الإقلال.

ولو تمكن في هذه الحالة من القيام للرّكوع وجب قطعا ، لما سبق.

وهل تجب الطّمأنينة حينئذ ، أم لا؟ سيأتي بيانه عن قريب.

وإن استمر العجز ركع جالسا.

وقد ذكر لكيفيّة الركوع حينئذ وجهان :

أحدهما : أن ينحني بحيث يصير بالنّسبة إلى القاعدة المنتصب كالراكع قائما بالنّسبة إلى القائم المنتصب ، فيعرف النّسبة بين الحالتين هنا ويراعيها ثمة.

الثّاني : أن ينحني بحيث تكون نسبة ركوعه الى سجوده كنسبة ركوع القائم إلى سجوده ، باعتبار أكمل الرّكوع وأدناه ، فإنّ أكمل ركوع القائم انحناؤه إلى أن يستوي ظهره ، مع مد عنقه فتحاذي جبهته موضع سجوده حينئذ ، وأدناه انحناؤه إلى أن تصل كفاه إلى ركبتيه ، فيحاذي وجهه أو بعضه ما قدّام ركبتيه من الأرض ، ولا يبلغ محاذاة موضع السّجود.

٢٠٤

______________________________________________________

فإذا روعيت هذه النّسبة في حال القعود ، كان أكمل ركوع القاعد أن ينحني [ حتى ] (١) ، يحاذي وجهه مسجده ، وأدناه محاذاة وجهه ما قدّام ركبتيه من الأرض ، والوجهان متقاربان.

والحاصل أن أصل الانحناء في الرّكوع لا بدّ منه ، ولما لم يكن تقديره ببلوغ الكفّين الرّكبتين ، لبلوغهما من دون الانحناء ، تعين الرّجوع إلى أمر آخر به تتحقق مشابهة الرّكوع جالسا إياه قائما ، فيرفع فخذيه عن الأرض ، ـ كما صرّح به شيخنا في بعض كتبه (٢) ، لتتحقق المشابهة المذكورة ، ولأن ذلك كان واجبا في حال القيام.

والأصل بقاء ما كان ، ولا دليل على اختصاص وجوبه بحال القيام ، وينحني بالغا إحدى الغايتين.

فروع :

أ : لا يعتبر في العجز عن القيام في الصّلاة عدم قدرته على المشي بمقدارها ، لقول الباقر والصّادق عليهما‌السلام : « هو أعلم بنفسه » (٣) ، ورواية سليمان المروزي ، عن الفقيه : « المريض إنّما يصلّي قاعدا إذا صار إلى الحال الّتي لا يقدر على المشي مقدار صلاته » (٤) ، محمولة على مشي يقدر معه على القيام المعتبر ، جمعا بينهما وبين غيرها ، وكأنّه جرت على الغالب.

ب : لو قدر على القيام ماشيا ، وعجز عنه مستقرا ، ففي ترجيح الجلوس مطمئنّا نظر ، أقربه ذلك ، لأن الطمأنينة أقرب إلى حال الصّلاة من الاضطراب ، عرفا وشرعا. والخشوع ، الّذي هو روح العبادة ، بها يتحقّق.

ج : لو قدر القاعد على الانحناء إلى أقل مراتب ركوعه ، وعجز عن الزّيادة عليه للسّجود ، فهل له أن ينقص منه في حال الرّكوع ، ليتحقّق الفرق بينه وبين السّجود؟.

__________________

(١) هذه الزيارة وردت في « ن ».

(٢) الدروس : ٣٤.

(٣) الكافي ٤ : ١١٨ حديث ٢ ، التهذيب ٤ : ٢٥٦ حديث ٧٥٨ ، الاستبصار : ٢ : ١١٤ حديث ٣٧١ ، والرواية في المصادر عن الصادق (ع).

(٤) التهذيب ٤ : ٢٥٧ حديث ٧٦١ ، الاستبصار ٢ : ١١٤ حديث ٣٧٣.

٢٠٥

ويقعد كيف شاء لكن الأفضل التربع قارئا ، ويثني الرجلين راكعا ، والتورك متشهدا.

______________________________________________________

فيه نظر ، ينشأ من وجوب ذلك حال الإيماء ، مع وجوب الإتيان بمقدوره من الانحناء ، ومن أنّ القادر على الرّكوع لا يجوز له الإخلال به ، لعجزه عن بعض واجبات السّجود.

والفرق بين الحالتين العجز عن الرّكوع الحقيقي في ذلك الفرض بخلافه هنا ، وكأنّه أقرب.

د : لو قدر على أكمل ركوع القاعد من غير زيادة اقتصر على الأقل ، إيثارا للسّجود بالزّيادة ، تحصيلا للفرق.

وتجويز شيخنا في الذّكرى كلاّ من الأمرين استبعادا للمنع من الرّكوع الكامل (١) ضعيف ، لوجوب الفرق ، وثبوت التمكّن منه.

قوله : ( ويقعد كيف شاء لكن الأفضل التربع قارئا ، ويثني الرجلين راكعا ، والتورك متشهدا ).

يدل على ذلك ما روي من ان النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما صلّى جالسا تربع.

وعن أحدهما عليهما‌السلام قال : « كان أبي عليه‌السلام إذا صلّى جالسا تربع ، فإذا ركع ثنى رجليه » (٢) ، والمراد بالتّربع هنا : أن ينصب فخذيه وساقيه ، وهو أقرب الى حال القيام من غيره من أنواع الجلوس ، باعتبار نصب المذكورات.

وبه يحصل الفرق بين بدل القيام وغيره ، محافظة على ما كان من الفرق بين القيام والجلوس بحسب الممكن.

وإنّما قلنا : إنّه أفضل لما روي عن الصّادق عليه‌السلام : أنّه سئل : أيصلّي الرّجل وهو جالس متربّعا ، ومبسوط الرّجلين؟ فقال : « لا بأس بذلك » (٣).

__________________

(١) الذكرى : ١٨١.

(٢) الفقيه ١ : ٢٣٨ حديث ١٠٤٩ ، التهذيب ٢ : ١٧١ حديث ٦٧٩.

(٣) الفقيه ١ : ٢٣٨ حديث ١٠٥٠ ، التهذيب ٢ : ١٧٠ حديث ٦٧٨.

٢٠٦

ولو عجز عن القعود صلّى مضطجعا على الجانب الأيمن ، مستقبلا بمقاديم بدنه القبلة ، كالموضوع في اللحد ، فإن عجز صلّى مستلقيا يجعل وجهه وباطن رجليه إلى القبلة ،

______________________________________________________

والمراد بثني الرّجلين : أن يفترشهما تحته ، بحيث إذا قعد يقعد على صدورهما بغير إقعاء.

وأما التّورك في حال تشهده فإنّه مستحبّ ، كما يستحبّ في تشهّد من يصلّي قائما. وسيأتي تفسيره إن شاء الله تعالى.

ويكره الإقعاء في شي‌ء من هذه الحالات ، لقول النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لا تقعوا إقعاء الكلاب » (١) ، وسيأتي تفسيره أيضا ان شاء الله تعالى.

قوله : ( ولو عجز عن القعود صلّى مضطجعا على الجانب الأيمن ، مستقبلا بمقاديم بدنه القبلة كالموضوع في اللّحد فان عجز صلّى مستلقيا ، يجعل وجهه وباطن رجليه إلى القبلة ).

ينبغي أن يراد بالعجز عن القعود : عجزه عنه أصلا ـ كما سبق في القيام ـ حتّى لو عجز عنه مستقلا قعد معتمدا على شي‌ء ، ولو عجز عنه منتصبا قعد منحنيا : « إذ لا يسقط الميسور بالمعسور » ، فان عجز عن ذلك كلّه اضطجع.

ويكفي في تحقّق العجز في هذا وأمثاله ـ ممّا سبق ومما سيأتي ـ لزوم المشقة الكثيرة الّتي لا يتحمّل مثلها في العادة ، سواء خشي معها حدوث مرض أو زيادته أو بطء برئه أم لا ، لقبح التكليف حينئذ ، فإن المشقّة الشّديدة جدا ضرر عظيم.

ويجب أن يضطجع على جانبه الأيمن كالملحود ، مستقبلا بمقاديم بدنه القبلة.

أما وجوب الاضطجاع ، فلأخبار الدّالة على الأمر به لمن عجز عن القعود (٢).

وأما وجوبه على الأيمن مقدّما على الأيسر ، فلقول الصّادق عليه‌السلام في رواية حمّاد : « المريض إذا لم يقدر أن يصلّي قاعدا يوجه كما يوجه الرّجل في لحده ، وينام على‌

__________________

(١) سنن ابن ماجة ١ : ٢٨٨ حديث ٨٩٠ وفيه : « يا علي لا تقع إقعاء الكلب ».

(٢) الفقيه ١ : ٢٣٥ ، ٢٣٦ حديث ١٠٣٤ ، ١٠٣٧ ، التهذيب ٣ : ٣٠٦ حديث ٩٤٤ ، وللمزيد راجع الوسائل ٤ : ٦٩٠ أبواب القيام باب ١.

٢٠٧

______________________________________________________

جنبه الأيمن ، ثم يومئ بالصّلاة ، فان لم يقدر على جانبه الأيمن فكيف ما قدر فإنّه جائز ، ويستقبل بوجهه القبلة » (١).

وأمّا إجزاء الأيسر عنه عند تعذّره مستقبلا ـ كما سبق ـ فلقوله تعالى ( الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ ) (٢).

وروي في تفسيره عن الباقر عليه‌السلام أنّ المراد : « الصّحيح يصلّي قائما والمريض يصلّي جالسا ، والأضعف من المريض يصلّي على جنبه » (٣).

ومن الأصحاب من خير بين الجنبين (٤) ، ورواية حماد حجّة عليه.

وروى ابن بابويه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « المريض يصلّي قائما ، فان لم يستطع صلّى جالسا ، فان لم يستطع صلّى على جنبه الأيمن ، فان لم يستطع صلّى على جنبه الأيسر ، فان لم يستطع استلقى وأومأ إيماء ، وجعل وجهه نحو القبلة ، وجعل سجوده أخفض من ركوعه » (٥) ، وهذا كما يدلّ على التّرتيب بين الجنبين يدل على وجوب الاستلقاء لمن عجز عنهما.

وأمّا ان استقباله بجعل وجهه وباطن رجليه إلى القبلة ، فلما علم من استقبال المحتضر.

واعلم أن عبارة الكتاب خالية من الاضطجاع على الجانب الأيسر عند تعذّر الأيمن ، وكذا عبارة المنتهى (٦) ، وفي التّذكرة : لو اضطجع على شقّه الأيسر مستقبلا فالوجه الجواز (٧) ، وكأنه استند في ذلك إلى رواية حمّاد المتضمّنة أنّه « إن لم يقدر على الجانب الأيمن فكيف ما قدر » ، وإطلاق ذلك منزّل على ما عدا الاستلقاء كما تقدّم.

__________________

(١) التهذيب ٣ : ١٧٥ حديث ٣٩٢ وهي مروية عن عمار.

(٢) آل عمران : ١٩١.

(٣) الكافي ٣ : ٤١١ حديث ١١ ، التهذيب ٢ : ١٦٩ حديث ٦٧٢ وفيهما : ( جالسا ) بدل ( على جنبه ) وما هنا مضمون الحديث لا نصه.

(٤) منهم : المحقق في الشرائع ١ : ٨٠ ، والمختصر النافع : ٣٠ ، والشهيد في اللمعة : ٣٣.

(٥) الفقيه ١ : ٢٣٦ حديث ١٠٣٧.

(٦) المنتهى ١ : ٢٦٥.

(٧) التذكرة ١ : ١١٠.

٢٠٨

ويكبّر ناويا ، ويقرأ ، ثم يجعل ركوعه تغميض عينيه ، ورفعه فتحهما ، وسجوده الأول تغميضهما ، ورفعه فتحهما وسجوده الثاني تغميضهما ، ورفعه فتحهما ،

______________________________________________________

قوله : ( ويكبّر ناويا ، ثم يقرأ ، ويجعل ركوعه تغميض عينيه ، ورافعه فتحهما ، وسجوده تغميضهما ، ورفعه فتحهما ، وسجوده الثاني تغميضهما ، ورفعه فتحهما ).

التّكبير ناويا ، والقراءة مع الإمكان متعيّنة ، وإنّما يجزئ الإيماء بالعينين إذا لم يمكن الإيماء بالرّأس ، فإن أمكن تعين ، وإنّما يجزئ الإيماء بالرأس إذا لم يمكن أن يصير بصورة السّاجد ، بأن يجعل مسجده على شي‌ء مرتفع ، ويجعل جبهته عليه ، فان أمكن وجب ، ويضع باقي مساجده ، كما سبق في باب اللّباس ، ولو تعذّر ، وأمكن وضع ما يصحّ السّجود عليه على جبهته حال الإيماء.

ففي مقطوع سماعة قال : سألته عن المريض لا يستطيع الجلوس ، قال : « فليصل وهو مضطجع ، وليضع على جبهته شيئا فإنّه يجزئ عنه ، ولن يكلّفه الله ما لا طاقة له به » (١) ، وظاهره ما قلناه ، وقد يؤيّد بأن « الميسور لا يسقط بالمعسور » ، فان تم ذلك انسحب إلى من يصلّي مستلقيا.

ومتى تعذر الإيماء بالرّأس أومأ بتغميض عينيه للركوع ، قاصدا إلى ذلك لتتحقّق البدليّة ، إذ لا يعد التّغميض ركوعا ، ولا ينفك المكلّف منه غالبا ، فلا يصير بدلا من الرّكوع إلا بالقصد إليه.

وبفتح عينيه للرّفع منه ، وكذا القول في السّجدتين والرّفع منهما.

تدلّ على ذلك مرسلة محمّد بن إبراهيم ، عن الصّادق عليه‌السلام : « المريض إذا لم يقدر على الصّلاة جالسا صلّى مستلقيا ، يكبّر ثم يقرأ ، فإذا أراد الرّكوع غمض عينيه ثم يسبح ، فإذا سبح فتح عينيه فيكون فتحه عينيه رفع رأسه من الركوع ، فإذا أراد أن يسجد غمض عينيه ثم يسبح ، فإذا سبح فتح عينيه فيكون فتحه عينيه رفع رأسه من السّجود » (٢) ، ولا يضر إطلاق الاستلقاء مع العجز عن الصّلاة جالسا ، لاستفادة تقديم‌

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٣٠٦ حديث ٩٤٤.

(٢) الكافي ٣ : ٤١١ حديث ١٢ ، الفقيه ١ : ٢٣٥ حديث ١٠٣٣ ، التهذيب ٣ : ١٧٦ حديث ٣٩٣ ، مع اختلاف في اللفظ فيها.

٢٠٩

ويجري الأفعال على قلبه ، والأذكار على لسانه ، فإن عجز أخطرها بالبال. والأعمى أو وجع العين يكتفي بالأذكار.

______________________________________________________

الجنبين من دلائل أخرى.

ويجب أن يجعل تغميض السّجود أخفض من تغميض الرّكوع ، فلا يبالغ فيه ، لتبقى للسّجود بقية يحصل بها الفرق بين الرّكوع والسّجود. وقد سبق في الحديث عن النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « وجعل سجوده أخفض من ركوعه » (١) ، وممّا حققناه يعلم أن إطلاق عبارة الكتاب يحتاج الى التقييد.

قوله : ( ويجري الأفعال على قلبه ، والأذكار على لسانه ، فان عجز أخطرها بالبال ).

المراد بإجراء الأفعال على قلبه : قصد فعلها بالإتيان ببدلها عنده ـ كما قدّمناه.

وفي النّهاية والتّذكرة جعل المصنّف ذلك حكم العاجز عن الإيماء بطرفه.

قال في النّهاية : ولو عجز عن الإيماء بطرفه أجرى أفعال الصّلاة على قلبه ، وحرّك لسانه بالقراءة والذكر (٢). ومثله قال في التّذكرة (٣) ، وهو الأنسب ، فإن الأفعال ليست شيئا زائدا على ما ذكر من الرّكوع والسّجود والقيام منهما ، وقد تقدّم أن ذلك يحصل بتغميض العينين وفتحهما.

والمتبادر من إجراء الأفعال على قلبه الاجتزاء به عنها ، وحمله على إرادة نيّتها عند فعل بدلها فيه تكلّف وارتكاب ما لا تدلّ العبارة عليه.

أمّا الأذكار الواجبة والقراءة ، فيجب الإتيان بها على حكمها ، فإن عجز عن ذلك كلّه كفاه عن الأفعال والأقوال الواجبة إخطارها بالبال شيئا فشيئا ، قاصدا بذلك فعلها.

قوله : ( والأعمى أو وجع العين يكتفي بالأذكار ).

المراد : وجع العين الّذي يشق عليه تغميض العينين وفتحهما. وأمّا الأعمى‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٣٦ حديث ١٠٣٧.

(٢) نهاية الأحكام ١ : ٤٤١.

(٣) التذكرة ١ : ١١٠.

٢١٠

ويستحب وضع اليدين على فخذيه بحذاء ركبتيه ، والنظر الى موضع سجوده.

فروع : أ : لو كان به رمد لا يبرأ إلاّ بالاضطجاع اضطجع ، وإن قدر على القيام للضرورة.

______________________________________________________

فظاهر إطلاقهم عدم اعتبار تغميض أجفانه وفتحها حملا للعين على الصّحيحة ، فيكتفيان بإجراء الأفعال على القلب ، والأذكار على اللّسان.

ويراد بقوله في العبارة : ( يكتفي بالأذكار ) : أنّ كلّ واحد منهما يكتفي بذلك عن التّغميض والفتح ، لا عن الإجراء لظهور كونه واجبا ، فإنّه مقدور.

قوله : ( ويستحبّ وضع اليدين على فخذيه بحذاء ركبتيه ، والنّظر إلى موضع سجوده ).

أي : يستحبّ للمصلّي في حال قيامه أن يجعل يديه على فخذيه محاذيا لعيني ركبتيه ، وليضم أصابعهما ، لصحيحة زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام : « وأرسل يديك ولا تشبّك أصابعك ، ولتكونا على فخذيك قبالة ركبتيك » (١).

وفي حسنة حماد بن عيسى ، عن الصّادق عليه‌السلام لمّا علّمه الصّلاة : « فأرسل يديه جميعا على فخذيه ، قد ضمّ أصابعه » (٢). ويستحبّ أن يكون نظره إلى موضع سجوده ، لئلا يشتغل نظره فيشتغل قلبه.

وفي صحيحة زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام لمّا علّمه الصّلاة : « وليكن نظرك موضع سجودك » (٣) ، وغيرها من الأخبار (٤) ، ولأنّه أبلغ في الاستكانة والخضوع.

قوله : ( فروع : أ : لو كان به رمد لا يبرأ إلاّ بالاضطجاع اضطجع ، وإن قدر على القيام للضّرورة ).

ليس الحكم في ذلك مقصورا على الرّمد ، بل كلّ مرض يستدعي الاضطجاع‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٣٤ حديث ١ ، التهذيب ٢ : ٨٣ حديث ٣٠٨.

(٢) الكافي ٣ : ٣١١ حديث ٨ ، الفقيه ١ : ١٩٦ حديث ٩١٦ ، التهذيب ٢ : ٨١ حديث ٣٠١.

(٣) الكافي ٣ : ٣٣٤ حديث ١ ، التهذيب ٢ : ٨٣ حديث ٣٠٨.

(٤) منها : ما رواه الكليني في الكافي ٣ : ٣٠٠ حديث ٦ ، والشيخ في التهذيب ٢ : ١٩٩ حديث ٧٨٢.

٢١١

ب : ينتقل كلّ من العاجز ـ إذا تجددت قدرته ـ والقادر ـ إذا تجدد عجزه ـ إلى الطرفين ، وكذا المراتب بينهما.

______________________________________________________

أو الاستلقاء برؤه ، إمّا بعلمه المستفاد من نحو التّجربة ، أو بقول طبيب حاذق يجوز لأجله الاضطجاع.

ولو استدعى الاستلقاء جاز ، وإن أمكنه القيام للضّرورة.

ولقول الصّادق عليه‌السلام : « ليس شي‌ء حرّم الله إلاّ وقد أباحه لمن اضطر إليه » (١).

ولقوله عليه‌السلام ، وسأله سماعة بن مهران عن الرّجل يكون في عينيه الماء فينزع الماء منها فيستلقي على ظهره الأيّام الكثيرة ، أربعين يوما أو أقل أو أكثر ، فيمتنع من الصّلاة إلاّ إيماء وهو على حاله فقال : « لا بأس بذلك » (٢).

وسأله بزيع المؤذن فقال له : إنّي أريد أن أقدح عيني ، فقال : « افعل » فقلت : إنّهم يزعمون أنّه يلقى على قفاه كذا وكذا يوما لا يصلّي قاعدا. قال : « افعل » (٣).

ومنع بعض العامة من ذلك (٤) ، لا يعتد به.

قوله : ( ب : ينتقل كل من العاجز إذا تجدّد قدرته ، والقادر إذا تجدد عجزه إلى الطرفين ، وكذا المراتب بينهما ).

أي : ينتقل العاجز عن حالة عليا في القيام إذا تجدّدت قدرته عليها إلى ان يبلغ طرف القدرة ، وهو أعلى مراتبها ، أعني : القيام منتصبا مستقلا.

وكذا ينتقل القادر على حالة عليا إذا تجدد عجزه عنها إلى أن يبلغ طرف العجز ، وهو أدون مراتبه.

ولو كان عاجزا عن الاضطجاع فقدر عليه اضطجع ، فان قدر على القعود حينئذ قعد ، فان قدر على القيام حينئذ قام ، ولو كان قائما فعجز قعد ، فان عجز اضطجع ، فان عجز استلقى.

__________________

(١) التهذيب ٣ : ١٧٧ حديث ٣٩٧.

(٢) الفقيه ١ : ٢٣٥ حديث ١٠٣٥ ، التهذيب ٣ : ٣٠٦ حديث ٩٤٥.

(٣) الفقيه ١ : ٢٣٦ حديث ١٠٣٦.

(٤) انظر : المجموع ٤ : ٣١٤.

٢١٢

ج : لو تجدد الخف حال القراءة قام تاركا لها ، فإذا استقل أتم القراءة ، وبالعكس يقرأ في هويّه ،

______________________________________________________

ويبني في جميع هذه الحالات على ما مضى من صلاته ، ولا يعد انتقاله فعلا كثيرا ، لأنه من الصّلاة.

وإنّما قلنا بوجوب الانتقال لتعلق التكليف بالمقدور من هذه الحالات ولا يستأنف ، لأن امتثال المأمور به يقتضي الإجزاء ، ولأن المطلوب بذلك التّخفيف وهو ينافي وجوب الاستئناف.

قال المصنّف في النّهاية : لو انتفت المشقة فالأولى عندي استحباب الاستئناف (١).

فظهر من هذا أن المراد بـ ( الطرفين ) نهاية العجز ونهاية القدرة ، لكن يحتاج في العبارة إلى ارتكاب حذف حينئذ ، لأنّ العاجز لا ينتقل الى الطّرف إلا إذا قدر عليه ، فلو قدر على ما دونه فقط انتقل إليه لا إلى الطرف.

وكذا القادر إنّما ينتقل إلى الطرف مع عجزه عن جميع ما قبله ، فلو عجز عن البعض خاصة انتقل إلى ما يليه لا إلى الطرف ، فتكون العبارة في تقدير : ينتقل العاجز إذا تجددت قدرته إلى نهاية القدرة وطرفها إذا قدر عليه ، والقادر إذا تجدد عجزه عن جميع المراتب الّتي قبل نهاية العجز وطرفه ينتقل اليه ، سواء انتقل في المراتب الّتي بينهما شيئا فشيئا ، أم تجدد العجز أو ضده دفعة واحدة ، فانتقل إلى الطرف من أوّل مرّة.

ويكون معنى قوله : ( وكذا المراتب بينهما ) أنّه إذا تجدّدت قدرة العاجز عن بعض المراتب بين الطرفين المذكورين ، فقدر على تلك المرتبة خاصّة فإنّه ينتقل إليها ، أو تجدّد عجز القادر عن مرتبة مخصوصة بينهما أيضا فإنّه ينتقل إلى ما يليها ، فلو كان عاجزا عن القعود فقدر عليه دون ما فوقه انتقل إليه ، وكذا عكسه.

قوله : ( ج : لو تجدّد الخف حال القراءة قام تاركا لها فإذا استقل أتم القراءة ، وبالعكس يقرأ في هويّة ).

أمّا وجوب القيام في الفرض الأوّل فمعلوم ممّا سبق.

__________________

(١) نهاية الأحكام ١ : ٤٤٢.

٢١٣

ولو خفّ بعد القراءة وجب القيام ، دون الطمأنينة للهوي إلى الركوع.

______________________________________________________

وأمّا وجوب ترك القراءة ، فلأن الاستقرار معتبر فيها ، وهو منتف مع الانتقال. ويستفاد من قوله : ( فإذا استقل أتم القراءة ) أنّه يبني. ولا يجب عليه الاستئناف إذا كان في خلال القراءة ، وإن جاز له ذلك لتقع القراءة كلّها في حال الانتصاب.

والمراد ( بالعكس ) في العبارة : أنّه لو تجدّد العجز في حال القراءة هوى إلى الحالة الدّنيا ويقرأ في هويّه ، لأن الهوي أكمل من القعود ، لأنّه أقرب إلى الحالة العليا بخلاف لأوّل ، لأن فرضه منتقل إلى الحالة العليا.

واختار شيخنا الشّهيد ترك القراءة أيضا في هذه الحالة حتّى يطمئن ، لأن الاستقرار شرط مع القدرة (١).

والتّحقيق : أنّه قد تعارض هنا أمران : الطمأنينة حال القراءة ، والقرب من الحالة العليا.

والظّاهر أن الطمأنينة مقدّمة لأنّها أقرب إلى هيئة الصّلاة ، والغرض المقصود بها ، فيترك القراءة في هذه الحالة أيضا حتّى يطمئن.

قوله : ( ولو تجدّد الخف بعد القراءة وجب القيام دون الطمأنينة للهوي إلى الرّكوع ).

أي : وجب القيام للهوي إلى الرّكوع ، ليركع عن قيام ، فإنّ القيام المتّصل بالرّكوع واجب وركن كما سبق ، حتّى لو ركع ساهيا قبل القيام بطلت صلاته والحال هذه ، ولا تجب الطّمأنينة حينئذ ، لأن وجوبها لأجل القراءة وقد أتى بها.

واحتمل في الذّكرى الوجوب ، لضرورة كون الحركتين المتضادتين في الصّعود والهبوط بينهما سكون (٢). وليس البحث فيه ، لأنّ الكلام في الطمأنينة عرفا وهي أمر زائد على ذلك ، ولأن ركوع القائم يجب أن يكون عن طمأنينة وهو المتنازع.

ويمكن أن يقال : إنّ الطمأنينة الواجبة يحتمل كون وجوبها للقيام والقراءة‌

__________________

(١) الذكرى : ١٨٢.

(٢) الذكرى : ١٨٢.

٢١٤

ولو خف في الركوع قبل الطمأنينة كفاه ان يرتفع منحنيا إلى حد الراكع.

د : لا يجب القيام في النافلة فيجوز أن يصليها قاعدا لكنّ الأفضل القيام ، ثم احتساب ركعتين‌ بركعة.

______________________________________________________

معا ، فلا تتحقق البراءة إلاّ بفعلها فيهما.

ويعارض بأصالة براءة الذّمة من وجوب تكرّرها ، نعم فعلها أحوط ، أمّا القراءة فلا تجب إعادتها قطعا ، ولا تستحب أيضا ، وفاقا لما في التّذكرة (١) والذّكرى (٢) ، لأن القراءة لا تتكرر في الركعة الواحدة وجوبا ولا ندبا.

قوله : ( ولو خف في الرّكوع قبل الطمأنينة كفاه ان يرتفع منحنيا إلى حدّ الرّاكع ).

بل يتعيّن عليه ذلك ، ولا يجوز له أن يقوم ثم يركع ، لئلا يزيد ركنين ثم يأتي بالذكر الواجب. ولو كان قد أتى ببعضه ـ بناء على أن الواجب تسبيحة واحدة ـ استأنفه ، لعدم سبق كلام تام يجوز قطعه عمّا قبله. ويحتمل ضعيفا البناء ، لأن هذا الفصل اليسير غير قادح ، وعلى القول بوجوب تعدّد التسبيح يأتي بما بقي إذا أتى بواحدة أو اثنتين قطعا.

ولو خف بعد الطمأنينة والذكر فقد تم ركوعه فيقوم معتدلا مطمئنا.

ولو خف بعد الطمأنينة قبل الذّكر ، فظاهر عبارة التّذكرة والذّكرى عدم الفرق بينها وبين ما قبلها. وصرّح المصنّف في النّهاية : بأنّ الحكم هنا كحكم من لم يطمئن فيقوم منحنيا إلى حد الراكع (٣) ، وهو الأصحّ ، لأن الذكر من واجبات الرّكوع ، فما لم يأت به لم يكمل واجباته.

قوله : ( د : لا يجب القيام في النّافلة فيجوز أن يصلّيها قاعدا ، لكن الأفضل القيام ، ثم احتساب ركعتين بركعة ).

__________________

(١) التذكرة ١ : ١١٠.

(٢) الذكرى : ١٨٢.

(٣) نهاية الأحكام ١ : ٤٨٣.

٢١٥

وفي جواز الاضطجاع نظر ، ومعه الأقرب جواز الإيماء للركوع والسجود.

______________________________________________________

جواز النّافلة من جلوس اختيارا عليه إجماع العلماء ، نقل الإجماع في ذلك المصنّف (١) ، وغيره (٢) وكأنّهم لم يعتبروا خلاف ابن إدريس حيث منع من النّافلة جالسا اختيارا إلا الوتيرة (٣) ، وهو محجوج بإطباق العلماء قبله وبعده ، والاخبار الكثيرة (٤).

ولا شبهة في أن القيام أفضل ، ويليه احتساب كل ركعتين بركعة ، وهو في رواية محمّد بن مسلم (٥) ، والحسين بن زياد الصّيقل ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٦).

قوله : ( وفي جواز الاضطجاع نظر ).

ينشأ من أنّ الأصل غير واجب ، فلا تجب الكيفيّة ، ومن عدم ثبوت الشّرعية إذ لم يتعبد بمثله ، ولم ينقل أنّ النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فعله.

وقد يحتج للجواز بما روي عنه عليه‌السلام أنّه قال : « من صلّى قائما فهو أفضل ، ومن صلّى قاعدا فله نصف أجر القائم ، ومن صلّى نائما فله نصف أجر القاعد » (٧) ، ولا دلالة فيه صريحة ، لإمكان أن يراد به مع حصول المجوّز ، والأصح عدم الجواز.

قوله : ( ومعه الأقرب جواز الإيماء للرّكوع والسّجود ).

أي : ومع جواز الاضطجاع ، إذ على تقدير عدم جوازه لا يتصوّر جواز الإيماء ، ووجه القرب : أنّ الإيماء فرض من صلّى مضطجعا ، ولجوازه على الراحلة اختيارا ، فلا‌

__________________

(١) نهاية الأحكام ١ : ٤٤٣.

(٢) المحقق في المعتبر ٢ : ٢٣.

(٣) السرائر : ٦٨.

(٤) الكافي ٣ : ٤١٠ حديث ٢ ، الفقيه ١ : ٢٣٨ حديث ١٠٤٧ ، وللمزيد انظر : الوسائل ٤ : ٦٩٦ باب ٤ من أبواب القيام.

(٥) التهذيب ٢ : ١٦٦ حديث ٦٥٥ ، الاستبصار ١ : ٢٩٣ حديث ١٠٨٠.

(٦) التهذيب ٢ : ١٦٦ حديث ٦٥٦ ، الاستبصار ١ : ٢٩٣ حديث ١٠٨١.

(٧) صحيح البخاري ٢ : ٥٩ ، سنن الترمذي ١ : ٢٣١ حديث ٣٦٩ ، سنن النسائي ٣ : ٢٢٤ ، سنن ابن ماجة ١ : ٣٨٨ حديث ١٢٣١ ، مسند أحمد ٤ : ٤٤٢ ، ٤٤٣.

٢١٦

الفصل الثاني : النية : وهي ركن تبطل الصلاة بتركها عمدا وسهوا ، في الفرض والنفل.

______________________________________________________

مانع. ويحتمل ضعيفا عنده العدم ، لأن في ذلك تغيير صورة الصّلاة ومحوها ، والجواز في مواضع مخصوصة لا يقتضيه مطلقا ، فيقتصر على مورده.

قوله : ( الفصل الثّاني : النيّة : وهي ركن تبطل الصّلاة بتركها عمدا وسهوا في الفرض والنفل ).

اختلف في أن النيّة هل هي شرط في الصّلاة ، أم ركن فيها؟ فقيل بالأوّل (١) ، لأنّ أول الصّلاة التكبير ، لقوله عليه‌السلام : « وتحريمها التكبير » (٢) ، والنيّة سابقة عليه أو مقارنة لأوله ، ولأنّها لو كانت جزءا لافتقرت إلى نية أخرى ، ويتسلسل ، ولأنّها تتعلّق بالصّلاة فلا تكون جزاء والاّ لزم تعلّق الشّي‌ء بنفسه. وقيل بالثّاني (٣) ، لأن حقيقة الصّلاة تلتئم منها ، فلا تكون شرطا لأن الشّرط خارج ، ولأنّه يعتبر فيها ما يعتبر في الصّلاة من القيام والاستقبال والستر والطّهارة وغير ذلك.

ودلائل كلّ من القولين لا تخلو من شي‌ء ، ولا مطمع في سلامة أحدهما عن الطعن ، والّذي يختلج في خاطري أن خاصّة الشرط والجزء معا قد اجتمعتا في النيّة ، فإن تقدّمها على جميع الأفعال حتّى التّكبير ـ الّذي هو أوّل الصّلاة ـ يلحقها بالشروط.

ولا يقدح في ذلك مقارنتها له أو لشي‌ء منه لأنّها تتقدّمه وتقارنه ، وهكذا يكون الشرط ، واعتبار ما يعتبر في الصّلاة فيها ، بخلاف باقي الشّروط لأن تحقق ذلك يلحقها بالأجزاء ، وحينئذ فلا تكون على نهج الشّروط ولا الأجزاء ، بل تكون متردّدة بين الأمرين ، وإن كان شبهها بالشّرط أكثر.

ولا ثمرة مهمّة في تحقيق ذلك ، لأنّ القدر المطلوب ـ وهو اعتبارها في الصّلاة بحيث تبطل بالإخلال بها عمدا وسهوا ـ ثابت على كلّ من القولين ، ولو أطلق عليها الرّكن بهذا الاعتبار جاز ، كما فعله المصنّف.

__________________

(١) قاله المحقق في المعتبر ٢ : ١٤٩.

(٢) الكافي ٣ : ٦٩ حديث ٢ وهو مروي عن أبي عبد الله (ع) ، الفقيه ١ : ٢٣ حديث ٦٨ وهو مروي عن أمير المؤمنين (ع).

(٣) قاله ابن حمزة في الوسيلة : ٩٢.

٢١٧

وهي القصد إلى إيقاع الصّلاة المعينة كالظهر مثلا ، أو غيرها لوجوبها أو ندبها ، أداء أو قضاء قربة إلى الله تعالى.

______________________________________________________

وقال بعض المتأخّرين : إنّ فائدة القولين تظهر فيمن سها عن فعل النيّة بعد التكبير ، ففعلها ثم تذكر فعلها سابقة بطلت [ صلاته ] (١) على الثّاني خاصّة لزيادة الرّكن.

وظنّي أن هذا ليس بشي‌ء ، لأن استحضار النّية في مجموع الصّلاة هو الواجب لو لا المشقة ، والاكتفاء بالاستدامة ـ حكما ـ ارتفاق بالمكلّف ، فلا يكون استحضارها في أثناء الصّلاة عمدا أو سهوا منافيا بوجه من الوجوه.

فان قال : إن القصد إلى استئنافها يقتضي بطلان الاولى.

قلنا : هذا لا يختصّ بكونها ركنا ، ولا فرق في بطلان الصّلاة ، ـ أي عدم انعقادها بترك النّيّة ـ بين الفرض والنّفل ، لظاهر قوله عليه‌السلام : « إنّما الأعمال بالنّيّات » (٢).

قوله : ( وهي القصد إلى إيقاع الصّلاة المعيّنة كالظّهر مثلا أو غيرها لوجوبها أو ندبها ، أداء أو قضاء قربة إلى الله ).

لما كانت النية عبارة عن قصد وارادة لإيجاد الفعل على الوجه المطلوب شرعا تعين اشتمالها على مشخصات ذلك الفعل ، فيعتبر في نيّة الصّلاة القصد إلى الصّلاة المعيّنة كالظّهر مثلا ، ليكون المأتيّ به مطابقا للمطلوب منه ، ويعتبر القصد إلى وجوبها إن كانت واجبة ، وإلاّ فإلى ندبها لمثل ما قلناه. وكذا القصد إلى الأداء إن كانت أداء ، وإلاّ فإلى القضاء لاختلاف الفعل عند الشارع باختلاف هذه الصّفات ، ولا تتحقق المطابقة من دون الاتّفاق فيها.

والّذي يؤثر في صفات الفعل إنّما هو النّية ، لقوله عليه‌السلام : « وإنّما لكلّ امرئ ما نوى » (٣) ، وكذا القول في القربة ، فظهر أنّ النّية عبارة عن القصد إلى هذه‌

__________________

(١) هذه الزيادة وردت في « ح ».

(٢) أمالي الطوسي ٢ : ٢٣١ ، التهذيب ١ : ٨٣ حديث ٢١٨ ، صحيح البخاري ١ : ٢ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٤١٣ حديث ٤٢٢٧ ، سنن أبي داود ٢ : ٢٦٢ حديث ٢٢٠١.

(٣) صحيح البخاري ١ : ٢ ، سنن أبي داود ٢ : ٢٦٢ حديث ٢٢٠١.

٢١٨

وتبطل لو أخل بإحدى هذه ، والواجب القصد لا اللفظ.

ويجب انتهاء النية مع ابتداء التكبير ، بحيث لا يتخللهما زمان وإن قل ،

______________________________________________________

الأربعة.

قوله : ( وتبطل لو أخلّ بإحدى هذه ).

لما قلناه من عدم مطابقة الفعل المأتيّ به للمأمور به حينئذ (١) ، باعتبار اختلافهما في الصّفات الّتي يختلف الفعل باختلافها في نظر الشّارع.

قوله : ( والواجب القصد لا اللفظ ).

لما عرفت من أنّ النّية قصد وإرادة فليس للفظ ـ أي النطق باللّسان ـ فيها دخل.

قوله : ( ويجب انتهاء النّية مع ابتداء التكبير ، بحيث لا يتخللهما زمان وإن قل ).

لمّا كانت النّية عبارة عن القصد إلى الأمور الأربعة من حيث هي كذلك على وجه الإجمال ، وجب أن تكون مستحضرة مقصودا إليها عند أول التّكبير ، وإن انتهت عنده فلا يجب استحضارها إلى انتهائه لعسر ذلك غالبا والأصل براءة الذّمة من زيادة هذا التّكليف.

وقيل : يجب لأن الدّخول في الصّلاة إنّما يتحقّق بتمام التكبير ، بدليل أنّ المتيمّم لو وجد الماء قبل تمامه وجب عليه استعماله ، بخلاف ما لو وجده بعد الإكمال ، والمقارنة معتبرة في النّية فلا تتحقّق من دونه (٢).

وفيه نظر ، لأنّ آخر التكبير كاشف عن الدّخول في الصّلاة من أوّله ، وإلاّ لم يكن التكبير جزءا وهو باطل عندنا ، واعتبار تمامه في تحقق الدّخول من حيث أنّ التّحريم إنّما يكون بالمجموع ، لظاهر قوله عليه‌السلام : « وتحريمها التكبير » (٣) ، فإذا‌

__________________

(١) في « ع » : المأتي به للمأمور حجة باعتبار. ، وفي « ح » : المأتي به حينئذ باعتبار.

(٢) قاله الشهيد في الذكرى : ١٧٧.

(٣) الكافي ٣ : ٦٩ حديث ٢ ، الفقيه ١ : ٢٣ حديث ٦٨.

٢١٩

وإحضار ذات الصلاة وصفاتها الواجبة ، فيقصد إيقاع هذه الحاضرة على الوجوه المذكورة ،

______________________________________________________

قارنت النّيّة أوّله فقد قارنت أوّل الصّلاة ، لأنّ جزء الجزء جزء.

نعم ، لا بد أن لا يتخلّل بين النّية وأوّل التكبير زمان وإن قل ، لأنّ المأتي به كذلك عزم لا نية ، خلافا لبعض العامّة حيث جوّز تخلل زمان يسير (١).

وربما فهم بعضهم من عبارة الكتاب أنّ النّيّة يعقل امتدادها بحيث يتصوّر قصد الصّلاة المعيّنة ، وكونها مفعولة أداء لوجوبها قربة إلى الله بحيث ينتهي آخرها عند أوّل التكبير. ولا دلالة للعبارة على ذلك ، وفي كون المأتي به على هذا الوجه نية نظر ، لأنّ المغفول عنه لا يعد جزءا للنية الّتي هي جزء للقصد المقارن.

قوله : ( وإحضار ذات الصّلاة وصفاتها الواجبة فيقصد إيقاع هذا الحاضر على الوجه المذكور ).

المراد : إحضارها في الذّهن لتتميز عن غيرها ، فتتحقّق ارادة الفعل على الوجه المأمور به.

والمراد بإحضار ذاتها وصفاتها الواجبة ما نبّه عليه بقوله : ( فيقصد إيقاع هذا الحاضر ) ، أي : المطلوب حينئذ ، كالظّهر مثلا على الوجه المذكور أداء أو قضاء الى آخره.

ولا يشترط في إحضارها تعيين الرّكعات وخصوص الأفعال ، بل يكفي القصد الإجمالي مع سبق العلم بتفاصيل جميع الأفعال الواجبة ، ولا يشترط أيضا تعيين الوجوب في الواجبة والندب في المندوبة بحيث يقصد الظّهر الواجبة ـ مثلا ـ أداء لوجوبها الى آخره ، خلافا لبعض الأصحاب (٢) ، لأنّ وصفها بالوجوب مستفاد من تعليل فعلها به في النّية ، أعني لوجوبه قربة إلى الله ، فهو كاف في التشخيص. وكذا القول في النّدب. وقد يستفاد من قوله : ( ذات الصّلاة وصفاتها ) أنّه لا بدّ في صحّة النّية من اجتماع ذلك في التصوّر إذ حضور الجميع يقتضي ذلك ، وبما سبق يعلم الاكتفاء عند أوّل التكبير.

__________________

(١) انظر : المجموع ٣ : ٢٧٨.

(٢) منهم : الشهيد في الذكرى : ١٧٧.

٢٢٠