إختيار معرفة الرّجال - ج ١

أبي جعفر محمّد بن الحسن بن علي بن الحسن الطّوسي [ شيخ الطائفة ]

إختيار معرفة الرّجال - ج ١

المؤلف:

أبي جعفر محمّد بن الحسن بن علي بن الحسن الطّوسي [ شيخ الطائفة ]


المحقق: السيد مهدي الرجائي
الموضوع : رجال الحديث
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤١٦
الجزء ١ الجزء ٢

بالبلاء واقنطوا من الرجاء ونابذتكم على سواء وانقطعت العصمة فيما بيني وبينكم‌

______________________________________________________

الخلافة ، أو الامة أي ولو جعلتم عليا متولى الخلافة وواليها وولي الامة ومالك أمرها.

و « لأكلتم من فوقكم ومن تحت أرجلكم » اقتباس من القرآن الكريم ، أي لا تسعت عليكم الارزاق الجسمانية من رزق البدن الهيولاني والارزاق الروحانية من رزق النفس العاقلة المجردة ، واتصلت أسبابها (١) السماوية والارضية من السماء والارض على النصاب الكامل والسنة العادلة.

وقد روت العامة الحديث بذلك عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أصولهم من طرق كثيرة في المشكاة ومسند أحمد بن حنبل وغيرهما أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ان تؤمروا عليا ولا أراكم فاعلين تجدوه هاديا مهديا يأخذ بكم الطريق المستقيم.

قوله رضى الله تعالى عنه : ونابذتكم على سواء‌

اقتباس من قوله تعالى ( فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ ) (٢) وهو القاء الشي‌ء وطرحه لقلة اعتداد به.

قال ابن الاثير في النهاية : وفي حديث سلمان وان أبيتم نابذناكم على سواء. أى كاشفناكم وقاتلناكم على طريق مستقيم مستوفي العلم في المنابذة منا ومنكم بأن تظهر لهم العزم على قتالهم ونخبرهم به اخبارا مكشوفا ، والنبذ يكون بالفعل والقول في الاجسام والمعاني ومنه نبذ العهد اذا نقضه وألقاه الى من كان بينه وبينه (٣).

وفي الكشاف : وقيل على استواء في العداوة ، والجار والمجرور في موضع الحال كأنه قيل : فانبذ اليهم ثابتا على طريق قصد سوي ، أو حاصلين على استواء في العلم ، أو العداوة على أنها حال من النابذ والمنبوذ اليه معا (٤).

__________________

(١) في « س » : أسباب.

(٢) سورة الانفال : ٥٨‌

(٣) نهاية ابن الاثير : ٥ / ٧‌

(٤) الكشاف : ٢ / ١٦٥‌

٨١

من الولاء.

أما والله لو أني أدفع ضيما أو أعز لله دينا لو ضعت سيفي على عاتقي ثم لضربت به قدما قدما. ألا اني أحدثكم بما تعلمون وما لا تعلمون فخذوها من سنة السبعين بما فيها.

ألا ان لبني أميّة في بني هاشم نطحات. ألا ان بني أميّة كالناقة الضروس تعض بفيها وتخبط بيديها وتضرب برجلها وتمنع درها.

ألا انه حق على الله أن يذل باديها وأن يظهر عليها عدوها مع قذف من السماء وخسف ومسخ وسوء الخلق حتى أن الرجل ليخرج من جانب حجلته الى صلاة‌

______________________________________________________

قوله رضى الله تعالى عنه : فيما بينى وبينكم من الولاء‌

بفتح الواو بمعنى المحبة والوداد ، لا بكسرها بمعنى الولاية والسلطنة.

قوله رضى الله تعالى عنه : نطحات‌

بالنون وفتح الطاء والحاء المهملتين من تناطح الكباش وانتطاحها.

قوله رضى الله تعالى عنه : كالناقة الضروس‌

الضرس كالضرب العض الشديد بالاضراس ، والضروس بفتح الضاد وضم الراء على فعول الناقة السيئة الخلق تعض حالبها بفيها.

وفي بعض النسخ « بنيبها » بكسر النون جمع الناب من الاسنان كالأنياب والانيب ، وهي الاسنان التي تلي الرباعيات.

قوله رضى الله تعالى عنه : الا انه حق على الله‌

بالفتح والتخفيف على كلمة التنبيه والتحقيق.

« أن يذل ناديها » بالنون وهو مجلس القوم ومجتمعهم ما داموا مجتمعين فيه ، أو بالباء الموحدة أي يذل أعزتهم من البدو بمعنى الظهور ، وتعنى به الغلبة والعزة ، كما في قوله سبحانه ( فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ ) (١).

__________________

(١) سورة الصف : ١٤‌

٨٢

فمسخه الله قردا. ألا وفئتان تلتقيان بتهامة كلتاهما كافرتان ، ألا وخسف بكلب وما أنا وكلب ، والله لو لا ما : لأريتكم مصارعهم ألا وهو البيداء ثم يجي‌ء ما تعرفون.

______________________________________________________

قوله رضى الله تعالى عنه : فئتان تلتقيان بتهامة‌

قال ابن الاثير في النهاية : ذات عرق أول تهامة الى البحر وجدة وقيل : تهامة ما بين ذات عرق الى مرحلتين من وراء مكة وما وراء ذلك من المغرب فهو غور والمدينة لا تهامية ولا نجدية فانها فوق الغور ودون نجد (١).

قوله رضى الله تعالى عنه لو لا ما لأريتكم‌

« لو لا ما » من باب الاختصار والحذف في الكلام ليذهب الوهم فيه كل مذهب تنبيها على نبالة الامر وجلالته.

والمعنى : لو لا ما أعلمه أو لو لا ما ورد في النهي عن افشاء سر الربوبية على أشد التغليظ والتحذير ، أو لو لا ما أنكم لا تستطيعون حمل الاسرار وأسبال الاستار لأريتكم مصارعهم.

والاختصار باب شايع عند العرب ، ومنه قوله ليس بالذي لا بعد له ، وربما يقال ليس لا بعد له أصله ليس بعده غاية في الجودة أو الرداءة ، فاختصر فقيل ليس بعده ، ثم ادخل عليه لا النافية للجنس واستعمل استعمال الاسم المتمكن ، وكذلك قولهم في مقام المدح أو مقام الذم « أنّه وانّه » أي انه عالم وانه كريم وانه أمين وانه عفيف مثلا ، أو أنه جاهل وأنه لئيم وأنه خائن وأنه فاجر.

ومن هذا الباب وهذا دليل على أنه ، وهذا اختصار دون الاختصار في قولهم أجنك فان ذا اختصار حذف وذاك اختصار بناء كبناء البلكفة والتبلكف من قولهم بلا كيف كما قال في الكشاف ، وكذلك بناء الباباة للصبي مثلا من قولك له بأبي أنت وأمي.

__________________

(١) نهاية ابن الاثير : ١ / ٢٠١‌

٨٣

فاذا رأيتم أيها الناس الفتن كقطع الليل المظلم يهلك فيها الراكب الموضع والخطيب المصقع والرأس المتبوع : فعليكم بآل محمد فإنّهم القادة الى الجنّة‌

______________________________________________________

قوله رضى الله تعالى عنه : الفتن كقطع الليل المظلم‌

قد ورد ذلك عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أخباره عليه‌السلام عن الفتن بعده ، يروى بكسر القاف واسكان الطاء على المفرد وفتح الطاء على الجمع.

قال ابن الاثير في النهاية : قطع الليل طائفة منه وقطعة وجمع القطعة قطع ، أراد فتنة مظلمة سوداء تعظيما لشأنها (١).

وقد ورد في تفسير قوله سبحانه ( وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً ) (٢) أن المراد بها فتنة الامامة والخلافة بعده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وروى ذلك صاحب الاستيعاب يوسف بن عبد البر عن عبد الله بن مسعود عنه عليه‌السلام. وأخرجناه في شرح التقدمة.

قوله رضى الله تعالى عنه : يهلك فيها الراكب الموضع والخطيب المصقع والرأس المتبوع‌

الموضع بضم الميم وكسر الضاد على اسم الفاعل من باب الافعال يقال : وضع البعير وغيره أي أسرع في سيره وأوضعه راكبه.

قال ابن الاثير في النهاية : في حديث الحج وأوضع في وادي محسر ، وضع البعير يضع وضعا وأوضع راكبه ايضاعا اذا حمله على سرعة السير ، وأوضعت بالراكب أي حملته على أن يوضع مركوبه ، ومنه حديث حذيفة بن أسيد شر الناس في الفتنة الراكب الموضع أي المسرع فيها ، وقد تكرر في الحديث (٣).

والمصقع بكسر الميم وفتح القاف على البناء للمبالغة.

__________________

(١) نهاية ابن الاثير : ٤ / ٨٣‌

(٢) سورة الانفال : ٢٥‌

(٣) نهاية ابن الاثير : ٥ / ١٩٦‌

٨٤

والدعاة اليها الى يوم القيامة ، وعليكم بعلي فو الله لقد سلمنا عليه بالولاء مع‌

______________________________________________________

قال في النهاية : في حديث حذيفة بن أسيد « شر الناس في الفتنة الخطيب المصقع » أي البليغ الماهر في خطبته الداعي الى الفتن الذي يحرض الناس عليها ، وهو مفعل من الصقع رفع الصوت ومتابعته ، ومفعل من أبنية المبالغة (١).

والرأس المتبوع على صيغة المفعول من التباعة ، أي كبير القوم الذي يتبعه قوم وهو يدعوهم الى الفتنة.

قوله رضى الله تعالى عنه : فانهم القادة الى الجنة والدعاة اليها الى يوم القيامة‌

وقد صح ذلك عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بطرق متكثرة عند فرق المسلمين كلهم اتفاقا (٢) ، وفي صحاح العامة وأصولهم جميعا أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قام خطيبا بماء يدعى خما بين مكة والمدينة فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكر ثم قال : أيها الناس انما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب ، فاني تارك فيكم الثقلين ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا ، كتاب الله حبل ممدود من السماء الى الارض وعترتي أهل بيتي ، ولن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما ، أذكر كم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي (٣).

وحديث الاثنى عشر خليفة الى أن تقوم الساعة متكثر الطريق متنا مستفيض الاسناد سندا في أصولهم الصحاح (٤).

ومن طرقه متنا وسندا في الصحيحين وغيرهما عن جابر بن سمرة أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : لا يزال الدين قائما حتى تقوم الساعة ويكون عليهم اثنا عشر خليفة كلهم من‌

__________________

(١) نهاية ابن الاثير : ٣ / ٤٢‌

(٢) وقد أوردنا مصادر حديث الثقلين عن العامة في كتاب الطرائف : ١١٤ ـ ١٢٢‌

(٣) رواه مسلم في صحيحه : ٤ / ١٨٧٣ وكذا أحمد في مسنده : ٤ / ٣٦٦ والبحار : ٢٣ / ١٠٧ والسيد ابن طاوس بطرق متكثرة في الطرائف : ١١٤.

(٤) وكذا أوردنا مصادره عن العامة في كتاب الطرائف : ١٦٨‌

٨٥

نبينا ، فما بال القوم أحسد قد حسد قابيل هابيل ، أو كفر فقد ارتد قوم موسى عن الاسباط ويوشع وشمعون وابني هارون شبر وشبير والسبعين الذين اتهموا موسى على قتل‌

______________________________________________________

قريش (١).

وفي رواية قال سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : لا يزال الإسلام عزيزا الى أثني عشر خليفة كلهم من قريش (٢).

وفي رواية : لا يزال أمر الناس ماضيا ما وليهم اثنى عشر رجلا كلهم من قريش ، وعن عبد الله بن عمر عنه عليه‌السلام مثله (٣).

قوله رضى الله تعالى عنه : فو الله لقد سلمنا عليه بالولاء مع نبينا‌

بالولاء بكسر الواو و « مع نبينا » في حيز الحال من الضمير المجرور العائد الى علي عليه‌السلام ، أو من ضمير المتكلم مع الغير في سلمنا أي حين كان عليه‌السلام مع نبينا ، أو حين كنا مع نبينا عليه‌السلام.

وذلك أي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نصب عليا عليه‌السلام يوم الغدير للإمامة والخلافة بعده وقال : ألست أولى منكم بأنفسكم؟ قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : ألا فمن كنت مولاه فعلي مولاه ، ومن كنت نبيه فعلي وليه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله وأدر الحق معه حيثما دار.

ثم قال لأصحابه : سلموا على علي عليه‌السلام بامرة المسلمين فسلموا عليه بالولاية والامارة ، وفي المسلمين عليه بذلك أبو بكر وعمر وقال له عمر : بخ بخ لك يا أبا الحسن أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة (٤).

وفي المشكاة عن البراء بن عازب وزيد بن أرقم أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما نزل‌

__________________

(١) رواه مسلم في صحيحه : ٣ / ١٤٥٣ وأحمد في مسنده ٥ / ٩٠‌

(٢) ذيل احقاق الحق عن الجمع بين الصحاح الستة : ٧ / ٤٧٨ والطرائف عنه : ١٧١‌

(٣) رواه البخارى في صحيحه : ٩ / ٨١ ط أميريه وأحمد في مسنده : ٥ / ٩٢‌

(٤) رواه ابن المغازلى في المناقب : ١٩ والسيد ابن طاوس بطرق كثيرة في الطرائف : ١٤٧‌

٨٦

هارون فأخذتهم الرجفة من بغيهم ، ثم بعثهم الله أنبياء مرسلين وغير مرسلين ، وأمر هذه الامة كأمر بني إسرائيل.

______________________________________________________

بغدير خم أخذ بيد علي رضي‌الله‌عنه فقال : ألستم تعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا : بلى قال : ألستم تعلمون أني أولى بكل مؤمن من نفسه؟ قالوا : بلى فقال : اللهم من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ، ولقيه عمر بعد ذلك فقال له : هنيئا يا بن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة (١).

قال ابن الاثير في النهاية وفي جامع الاصول : كل من ولى أمر أو أقام به فهو مولاه ووليه ، فالولاية بالفتح في النسب والنصرة والمعتق ، والولاية بالكسر في الامر والولاء في العتق ، والموالاة من والى القوم. ومنه الحديث من كنت مولاه فعلي مولاه ، قال الشافعي : يعني بذلك ولاء الإسلام لقوله تعالى ( ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ ) وقول عمر لعلي أصبحت مولى كل مؤمن أي ولي كل مؤمن.

وقيل : سبب ذلك أن أسامة قال لعلي لست مولاي انما مولاي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال عليه‌السلام : من كنت مولاه فعلي مولاه ، ومنه الحديث أيما امرأة نكحت بغير اذن مولاها فنكاحها باطل ، وفي رواية متولى أمرها انتهى كلام ابن الاثير (٢).

وفي بعض النسخ فسمعنا مكان فسلمنا وذلك تصحيف من تحريف النساخ.

قوله رضى الله تعالى عنه : ثم بعثهم الله‌

ضمير الجمع لبني اسرائيل المبعوثين بعد ذلك أنبياء مرسلين وغير مرسلين.

وقوله « وأمر هذه الامة كأمر بني اسرائيل » قد تواتر به الحديث عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من طرق العامة ومن طريق الخاصة اتفاقا.

__________________

(١) مشكاة المصابيح : ٥٥٧‌

(٢) نهاية ابن الاثير : ٥ / ٢٢٨ ـ ٢٢٩‌

٨٧

فأين يذهب بكم ما أنا وفلان وفلان ويحكم والله ما أدري أتجهلون أم تتجاهلون أم نسيتم أم تتناسون! انزلوا آل محمد منكم منزلة الرأس من الجسد بل منزلة‌

______________________________________________________

قال : « فأين يذهب بكم » بضم الياء وفتح الهاء على ما لم يسم فاعله ، لان المقصود الذهاب بهم في تيه الضلال لا تعيين الذاهب بهم ، أو لظهور كون الفاعل هو الشيطان.

وقوله « وفلان وفلان » اما المعنى بهما أبو بكر وعمر أو المراد كل من لم يكن ولي الامر من تلقاء الله ولا منصوصا عليه بذلك من قبل الله على لسان رسوله الكريم.

قوله رضى الله تعالى عنه : ويحكم‌

ويح كلمة ترحم ورحمة وويس كلمة استملاح ورأفة وويل كلمة عقوبة وعذاب وكذلك ويب في الاشهر.

قال في القاموس : أصله « وي » فوصلت بحاء مرة وبلام مرة وبسين مرة وبباء مرة ، وكل منها يستعمل بالاضافة يقال مثلا ويح زيد بالرفع على الابتداء وبالنصب على اضمار فعل ، ويستعمل باللام على الرفع أو على النصب يقال : ويح لزيد وويحا له.

قال صاحب الكشاف في الفائق : النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لعمار : ويح ابن سمية تقتله الفئة الباغية.

ويح وويب وويس ثلاثتها في معنى الترحم ، وقيل : ويح رحمة لنازل به بلية وويس رأفة واستملاح ، كقولك للصبي ويسه ما أملحه. وويب مثل ويح.

وأما ويل فشتم ودعاء بالهلكة ، وعن الفراء : ان الويل كلمة شتم ودعاء سوء وقد استعملتها العرب استعمال قاتله الله في موضع الاستعجاب ، ثم استعظموها فكنوا عنها بويح وويب وويس كما كنوا عن قاتله الله بقولهم قاتعه الله وكاتعه ، وكما كنوا عن جوعا له (١) بجوسا وجودا ، وانتصابه بفعل مضمر كأنه قيل ترحم ابن سمية أي أترحمه ترحما.

__________________

(١) وفي « ن » : من جوعانه‌

٨٨

العينين من الرأس ، والله لترجعن كفّارا يضرب بعضكم رقاب بعض بالسيف يشهد الشاهد على الناجي بالهلكة ويشهد الناجي على الكافر بالنجاة ، ألا اني أظهرت‌

______________________________________________________

سمية كانت أمة أبي حذيفة بن المغيرة المخذومي زوجها ياسر ، وكان حليفة فولدت له عمارا فاعتقه أبو حذيفة (١).

وقال ابن الاثير في النهاية في شرح حديثه عليه‌السلام لعمار : ويح كلمة ترحم وتوجع تقال : لمن وقع في هلكة لا يستحقها وقد تقال : بمعنى المدح والتعجب ، وهي منصوبة على المصدر ، وقد ترفع وتضاف ولا تضاف ، يقال : ويح زيد وويحا له وويح له وذكر في الحديث ويس ابن سمية وقال : ويس كلمة تقال لمن ترحم وترفق به بمعنى ويح وحكمها حكمها (٢).

ونقل الجوهري في الصحاح : أنه قد يرد ويح بمعنى ويل (٣).

وكأن ذلك هو المراد هاهنا على الاظهر.

قوله رضى الله تعالى عنه : لترجعن كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض‌

ولقد صح الحديث بذلك عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بهذه الالفاظ وما يجري مجراها عند الخاصة وعند العامة أيضا في صحيحهم وسائر صحاحهم ومستدركهم وجامع أصولهم ومصابيحهم ومشكاتهم وغيرها (٤).

قوله رضى الله تعالى عنه : ألا انى‌

بالفتح على كلمة التنبيه. « وأسلمت بنبيي » بالباء على تضمين الايمان.

والمعنى : آمنت بربي وأسلمت له مؤمنا بنبي واتبعت مولاي ومولي كل مسلم بأمر الله.

__________________

(١) الفائق : ٤ / ٨٥ ـ ٨٦‌

(٢) نهاية ابن الاثير : ٥ / ٢٣٥‌

(٣) الصحاح : ١ / ٤١٧‌

(٤) جامع الاصول : ١٠ / ٤٢٨ أخرجه عن طرق مختلفة‌

٨٩

أمري وآمنت بربّي وأسلمت بنبيي واتبعت مولاي ومولى كل مسلم.

بأبي أنت وأمي قتيل كوفان يا لهف نفسي لأطفال صغار ، وبأبى صاحب الجفنة والخوان نكاح النساء الحسن بن علي ، ألا ان نبي الله نحله البأس والحياء ،

______________________________________________________

وقوله « بأبي أنت وأمي قتيل كوفان » تبيين وتعيين لمولاي ومولى كل مسلم بأنه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام.

والمعني : فديتك بأبي أنت وأمي يا قتيل كوفان.

قوله رضى الله تعالى عنه : بأبى صاحب الجفنة والخوان‌

أي فديت بأبي صاحب الجفنة.

قال في الصحاح : الجفنة كالقصعة والجمع الجفان والجفنات بالتحريك ، لان ثاني فعلة يحرك في الجمع اذا كان اسما ، الا أن يكون ياء أو واوا فانه يسكن حينئذ (١).

و « الخوان » بكسر الخاء وفتح الواو : ما يؤكل عليه الطعام كالمائدة.

في الصحاح : انه معرب ، وجمع القلة أخونة ، وجمع الكثرة خون (٢).

وفي القاموس : انه بالضم والكسر كغراب وكتاب (٣). وهو من متفرداته

« نكاح النساء » بالفتح والتشديد على صيغة المبالغة.

و « الا أن نبي الله » بالفتح على التنبيه.

« وظلم من بين ولده » على ما لم يسم فاعله في حيز العطف على نحل ، والضمير المجرور المضاف اليه في ولده للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

« وياويح من احتقره لضعفه واستضعفه لقتله » اقتحام في البين وويح كلمة الترحم.

__________________

(١) الصحاح : ٥ / ٢٠٩٢‌

(٢) الصحاح : ٥ / ٢١١٠‌

(٣) القاموس : ٤ / ٢٢٠‌

٩٠

ونحل الحسين المهابة والجود ، ياويح من احتقره لضعفه واستضعفه لقلته وظلم من بين ولده وكان بلادهم عامر الباقين من آل محمد.

______________________________________________________

وتقدير الكلام ومساقه : ألا ان النبي عليه‌السلام نحل الحسن بن علي عليهما‌السلام البأس والحياء ، ونحل الحسين بن علي عليهما‌السلام المهابة والجود ، وظلم الحسين عليه‌السلام واختص بأرفع درجات الشهادة وأعلى مقامات السعادة من بين ولده.

وياويح من لم يعلم ذلك ولم يعرف أن اختصاصه عليه‌السلام من بين ولد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بهذه المنزلة التي هي قصوى المنازل وأقصى الغايات آية كونه المجتبى المنتصى المقدس المكرم من خلص أحباء الله وروقة محبوبيه المظلومين في طريقه المذبوحين في سبيله.

فمن احتقره عليه‌السلام لضعف أمره وشدة مظلوميته ومقهوريته واستضعفه لقلة خيله ورجله وقلة أنصاره وأعوانه ، فهو مرحوم في درجة عرفانه وايمانه مكفوف بصر بصيرته وايقانه مشدوه (١) بالظاهر الذي (٢) هو ظل زائل بائد مشغول عن الباطن الذي هو نور سرمد ونعيم خالد.

وفي هذا السياق ما قد قيل : المستحل توسيط الحق مرحوم من وجه ، فانه لم يطعم لذة البهجة به فسيطعمها ، انما معارفته مع اللذات المخدجة في حنون اليها غافل عما وراءها وما مثله بالقياس الى العارفين الا مثل الصبيان بالقياس الى المحنكين.

قوله رضى الله تعالى عنه : وكان بلادهم عامر الباقين من آل محمد‌

يعني ظلم الحسين عليه‌السلام من ولد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وسفك دمه في سبيل الله ، ولكن نور الحق في مشكاة العترة الطاهرة باق لا يطفأ الى يوم القيامة ، فكان بلادهم عامر الباقين من آل محمد ، والقائم بالامر من بعده الحسين عليه‌السلام محفوظا بحفظ الله معصوما باذن الله ، والثقلان اللذان هما تريكة رسول الله أعني القرآن والعترة الطاهرة ناطقان‌

__________________

(١) في « س » مشروه.

(٢) في « ن » : الزائل.

٩١

أيها الناس لا تكل أظفاركم عن عدوكم ولا تستغشوا صديقكم فيستحوذ الشيطان عليكم ، والله لتبتلن ببلاء لا تغيرونه بأيدكم الا اشارة بحواجبكم ، ثلاثة خذوها بما فيها وارجوا رابعها وموافاها.

بأبى دافع الضيم شقاق بطون الحبالى وحمال الصبيان على الرماح ومغلي الرجال في القدور ، أما أني سأحدثكم بالنفس الطيبة الزكية وتضريح دمه بين الركن والمقام المذبوح كذبح الكبش.

______________________________________________________

بالحق القائمان بالامر الى قيام الساعة.

قوله رضى الله تعالى عنه : لا تكل أظفاركم عن عدوكم‌

« لا » للنهي. و « تكل » بفتح حرف المضارعة ، وهو من أحسن الكنايات في التحريض على معاداة الاعداء في الدين.

« ولا تستغشوا صديقكم » على الاشتغال ، أي لا تستغشوا صديقكم في الدين ولا تخونوه في المخالة والمصادقة فيستحوذ الشيطان عليكم ، أي يغلبكم ويستولي عليكم.

قوله رضى الله تعالى عنه : ثلاثة خذوها بما فيها‌

يعنى بها عليا والحسن والحسين عليهم‌السلام ، والاخذ بسنن سنتهم والسلوك في مسير سيرتهم.

« وأرجو رابعها وموافاها » ‌أراد بالرابع السجاد زين العابدين عليه‌السلام ، فان الثلاثة عليهم‌السلام موافوه وموازوه في ملمات المحن وصعوبات الفتن وشدائد المجاهدة في سبيل الله بما قد جرى عليه عليه‌السلام من المصائب والنوائب يوم الطف وبعده ، وان لم يقم هو بالجهاد من بعد ، لفقدان الجنود والاعوان.

وقوله « بأبي دافع الضيم شقاق بطون الحبالى » ‌يعني به قائم أهل البيت المهدي الحجة صاحب الزمان عجل الله فرجه وسهل مخرجه.

« ومغلي الرجال » بالعين المعجمة في أكثر النسخ على صيغة الفاعل من باب‌

٩٢

ياويح لسبايا نساء من كوفان الواردون الثوية المستغدون عشية وميعاد ما بينكم وبين ذلك فتنة شرقية ستسير موجئا هاتفا يستغيث من قبل المغرب فلا تغيثوه لا أغاثه‌

______________________________________________________

الافعال ، وبالقاف في نسخ على اسم الفاعل من باب التفعيل.

« في القدور » جمع القدر بالكسر ، وهو معروف.

قوله رضى الله تعالى عنه : ياويح لسبايا نساء من كوفان‌

يعني بذلك حمل نساء أهل البيت مع سيد الساجدين على طريقة السبايا من كوفان الى دمشق. الواردون الثوية بالثاء المثلثة على صيغة التصغير.

قال ابن الاثير في النهاية : وفي الحديث ذكر الثوية بضم الثاء وفتح الواو [ وتشديد الياء ] موضع بالكوفة به قبر أبي موسى الاشعري والمغيرة بن شعبة (١).

و « المستغدون عشية » ‌باعجام العين واهمال الدال على الاستفعال من الغداء بفتح الغين المعجمة وبالمد ، وهو ما يتغذى به في وقت الغداة والعشاء بفتح العين المهملة ما يتعشى به في وقت العشاء بكسر العين ، أي الذين تغدوا عشية فكان غداؤهم عشاءهم من شدة الداهية عليهم وصعوبة النازلة بهم.

قوله رضى الله تعالى عنه : فتنة شرقية ستسير‌

بضم تاء المضارعة لتأنيث الفتنة التي هي الفاعل وتشديد الياء المثناة من تحت المكسورة بعد السين المهملة من التسيير على التفعيل من السير.

« موجئا » ‌بضم الميم وفتح الجيم بعد الواو الساكنة على اسم المفعول من باب الافعال وبالتنوين نصبا على المفعول ، أو بفتح الجيم المشددة بعد الواو المفتوحة على اسم المفعول من باب التفعيل والتنوين بالنصب على المفعولية ، من وجي كرضي وجاء ، فهو وج ووجي ، وهي وجياء وأوجيته أنا إيجاء ووجيته توجية.

قال صاحب الكشاف في أساس البلاغة : وجي الماشي اذا حفي ، وهو أن يرق القدم أو الفرس أو الحافر ويتشحج ، وأصابه وجي ، وفرس وج ودابة وجية‌

__________________

(١) نهاية ابن الاثير : ١ / ٢٣١‌

٩٣

الله ، وملحمة بين الناس الى أن يصير ما ذبح على شيبته المقتول بظهر الكوفة وهي كوفان‌

______________________________________________________

وانه ليتوجي في مشيته ، ومن المجاز أوجيته عني أبعدته كأنك سيرته مسافة طويلة قد وجي فيها قال الشاعر :

وكان أبي أوصى بكم أن أضمكم

إليّ وأوجي عنكم كل ظالم (١)

وفي القاموس : الوجاء الحفاء أو أشد منه ، وجي كرضي وجاء فهو وج ووجي وهي وجياء وتوجي وأوجيته (٢).

وفي الصحاح : وجي الفرس بالكسر وهو أن يجد وجعا في حافره وأوجيته أنا (٣).

أو بكسر الجيم والهمزة الاصلية المنونة بالنصب للمفعولية على اسم الفاعل من باب الافعال من الوجأة على همزة الدخول والاصابة لا همزة التعدية ، والمراد الموجوع من شدة الوجا.

قال في المغرب : الوجاء الضرب باليد ، أو بالسكين يقال وجاءه في عنقه من باب منع.

« هاتفا يستغيث من قبل المغرب » أي صائحا يصيح ويستغيث ويستصرخ ويطلب مغيثا من قبل أهل المغرب.

قوله رضى الله تعالى عنه : وملحمة بين الناس‌

الملحمة بفتح الميم وسكون اللام على هيئة اسم المكان الوقعة العظيمة في الفتنة ، قاله الجواهري (٤) وغيره.

« الى أن يصير ما ذبح على شيبته المقتول بظهر الكوفة وهي كوفان يوشك أن يبني جسرها » الضمير المتصل المجرور في شيبته عائد الى « ما » والتذكير باعتبار‌

__________________

(١) أساس البلاغة : ٦٦٧‌

(٢) القاموس : ٤ / ٣٩٨‌

(٣) الصحاح : ٦ / ٢٥١٩‌

(٤) الصحاح : ٥ / ٢٠٢٧‌

٩٤

______________________________________________________

حال اللفظ ، و « ذبح » بضم الذال المعجمة وكسر الباء الموحدة على ما لم يسم فاعله والمقتول بظهر الكوفة ، ويعنى به زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه‌السلام هو المفعول المقام مقام الفاعل ، والضمير المنفصل المرفوع على الابتداء أعني « هي » في « وهي » أيضا يعود الى « ما » والتأنيث باعتبار حال المعنى ، وكذلك الضمير المتصل المجرور بالإضافة في جسرها عائد اليها ، ويبنى على البناء للمجهول ، والمقام مقام الفاعل جسر المرفوع المضاف الى الضمير. و « الشيبة » بكسر الشين المعجمة وسكون الياء المثناة من تحت والباء الموحدة بعدها جبل معروف.

قال في القاموس : الشيب بالكسر جبل وبهاء جبل باندلس (١).

والمراد بها الجودي الذي استوت عليه سفينة نوح عليه‌السلام وهو جبل كوفان.

والمعنى : أن الملحمة تتمادى بين الناس ولا ينطفئ طميسها الى أن تصير كوفان التي على شيبتها ذبح المقتول بظهر الكوفة عامرة يكاد ويوشك أن يبنى جسرها.

قال في المغرب : الكناسة الكساحة وموضعها أيضا ، وبها سميت كناسة كوفان وهي موضع قريب من الكوفة ، قتل بها زيد بن علي.

« تنبى » بضم تاء المضارعة واسكان النون وفتح الموحدة قبل الالف ، أي ترفع ، منه النباوة بمعنى الارتفاع.

« جنبتها » بالتحريك أي ناحيتها.

« حتى يأتي زمان لا يبقى (٢) » أي لا يقيم مؤمن « الا بها » أي فيها « أو يحن » أي يشتاق اليها من الحنين بمعنى الشوق وتوقان النفس.

__________________

(١) القاموس : ١ / ٩١‌

(٢) وفي « ن » و « س » : لا يغنى.

٩٥

يوشك أن يبنى جسرها وتنبى جنبتها حتى يأتي زمان لا يبقى مؤمن الا بها أو يحن اليها ، وقينة مصبوبة نطافي خطامها لا ينهيها أحد ، لا يبقي بيت من العرب الا دخلته.

______________________________________________________

قوله رضى الله تعالى عنه : وقينة مصبوبة نطافى خطامها‌

يعني وحتى تأتي قينة بفتح القاف وسكون الياء المثناة من تحت قبل النون ، أي فتاة مغنية أو أمة مغنية نطافي خطامها مصبوبة ، وتقديم الخبر للاعتناء والاهتمام به.

« نطافي » بفتح النون قبل الطاء المهملة واسكان الياء المخففة أخيرا بعد الفاء ، اما جمع نطفي بضم النون وتشديد الياء أخيرا كما الكراسي بالتخفيف جمع كرسي بالتشديد ، أو جمع نطفية كما الاماني جمع أمنية والنجاتي جمع نجتية.

وأما جمع نطيفة على القلب والاصل نطايف حولت الياء الى حيز الفاء وعوملت معاملة الايامى في جمع أيم والاينق بالياء قبل النون في جمع ناقة ، يقال : نطف الماء أو أي مائع كان ينطف من باب طلب ، نطفا ونطافا اذا سال ، وأقبل فلان وسيفه ينطف دما وأتانا على جبينه نطاف من العرق وسقاني نطفة عذبة ونطفا ونطافا ، وهي الماء الصافي قل أو كثر.

ومنه قول أمير المؤمنين عليه‌السلام في نهج البلاغة « هذه النطفة (١) » يعني بها نهر الفرات ، والنطفتان : بحر المشرق وبحر المغرب ، وقيل : ماء الفرات وماء البحر الذي يلي جدة أو بحر الروم.

والنطفة في الاداوة الوضوء بفتح الواو ، والنطفة : ماء صلب الرجل الذي منه يتكون الولد ، والناطف : القبيطي وليلة نطوف تمطر الى الصباح.

قال في المفردات : وقد يكنى عن اللؤلؤة بالنطفة ، ومنه قيل : صبي منطف ، اذا كان في أذنه لؤلؤة (٢).

وفي الصحاح : النطفة بالتحريك القرط والجمع نطف وتنطفت المرأة : أي‌

__________________

(١) نهج البلاغة : ٨٧ من خطبه عند المسير الى الشام تحت رقم ٤٨‌

(٢) المفردات : ٤٩٦‌

٩٦

______________________________________________________

تقرطت ووصيفة منطفة : أي مقرطة (١).

وتنطف بكذا أي تبدى به.

« والخطام » باعجام الخاء المكسورة قبل الطاء المهملة مستعار من خطام البعير وغيره ، لما يوضع على الانف من الحلقة ونحوها ، أو على الفم من نحو اللثام والنقاب. وانصباب نطافي خطامها عبارة : عن تقاطر العرق ، منها الاهتزاز في النشاط والاسراع في المسير ، أو تقاطر ما تستعمله من مايعات الطيب.

وفي نسخ معدودات « فتنة » (٢) بالفاء المكسورة قبل المثناة من فوق الساكنة مكان « قينة » على العطف على ملحمة بين الناس وفتنة شرقية ، فتكون مصبوبية تطأ في الخطام الى ارفضاض العرق لبعير الفتنة كناية أيضا عن شدة الاهتراز في الملحمة واشتداد المسارعة اليها.

أو تكون مصبوبة صفة لفتنة لا متعلقة لما بعدها ، ويكون ما بعدها تطأ في ٣ خطامها على الفعل المضارع من وطي الشي‌ء برجله يطأه وطيا ، ووطى الارض والطريق بأقدامه والوطاءة موضع القدم على مطابقة ما في نهج البلاغة من خطبة لأمير المؤمنين عليه‌السلام « فتنة تطأ في خطامها وتذهب بأحلام قومها ».

فهذه النسخة أرجح من جهة هذه المطابقة ٤ ، والنسخة الاولى أولى من جهة أنها ألزق بحيزها ومقامها وألصق ، فانها أوردت في حيز الاخبار بعمارة كوفان وبناء جسرها من بعد الخراب لا في حيز الانباء عن خراب الكوفة بالملاحم والفتن.

وقوله « لا ينهيها أحد » على رواية « قينة » بالقاف والمثناة من تحت الاشهرية الاكثرية بفتح حرف المضارعة ، والهاء قبل الالف المنقلبة عن الياء ، من نهاه عن‌

__________________

(١) الصحاح : ٤ / ١٤٣٤‌

(٢) ٢ ـ ٣ كما في المطبوع من الرجال بجامعة مشهد والنجف الاشرف.

(٣) ٤ في « س » المطالبة.

٩٧

وأحدثك يا حذيفة أن ابنك مقتول ، فان عليا أمير المؤمنين عليه‌السلام فمن كان مؤمنا دخل في ولايته فيفتتح على أمر يمشي على مثله ، لا يدخل فيها الا مؤمن ولا يخرج منها الا كافر.

أبو ذر‌

٤٨ ـ أبو الحسن محمد بن سعد بن مزيد ، ومحمد بن أبي عوف ، قالا حدثنا محمد بن أحمد بن حماد أبو علي المحمودي المروزي ، رفعه ، قال ، أبو ذر الذي قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر ، يعيش وحده ويموت وحده ويبعث وحده ويدخل الجنة وحده ، وهو الهاتف بفضائل‌

______________________________________________________

كذا ينهاه عنه نهيا ، أي ردعه ومنعه وصرفه وزجره.

وعلى نسخة « فتنة » بالفاء والمثناة من فوق بضم ياء المضارعة وكسر الهاء قبل الياء الساكنة ، من الانهاء بمعنى الاعلام والانباء والابلاغ والاخبار ، يقال : أنهيت اليه كذا ، أي أعلمته وأنبأته به وأبلغت اليه خبره ، وعدم انهائها اما لمباغتها ، واما لكونها بصعوبة داهيتها خارجة عن الحد ووراء النهاية.

قوله رضى الله تعالى عنه : فيفتتح على أمر يمشى على مثله‌

من الافتتاح والاستمرار ، أي برسوخ قدمه في الايمان والاستيقان يفتتح من الولاية على أمر يستمر عليه ويستقيم فيه ويستديم ثباته.

وفي نسخة « فيصبح على أمر يمسى على مثله » من الاصباح على أمر والامساء عليه.

في أبى ذر رضى الله تعالى عنه‌

قوله عليه‌السلام : يعيش وحده ويبعث وحده ويدخل الجنة وحده

أي بصدق التوكل في المقامات ، ونصوح الاخلاص في الحالات ، كلها يستغني بالله عمن عداه ، وبفضله عن افضال غيره ، وبرحمته عن رحمة من سواه ،

٩٨

أمير المؤمنين ووصى به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واستخلافه إياه ، فنفاه القوم عن حرم الله‌

______________________________________________________

فحيث انه اعتزل عن غير الله فيعيش وحده ، ويبعث وحده ، ويدخل الجنة وحده.

قوله عليه‌السلام : ووصاية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

عطف على فضائل ، ثم استخلافه اياه معطوف عليها.

وربما كان في بعض النسخ « ووصي رسول الله » على عطف البيان لأمير المؤمنين ، ثم عطف استخلافه اياه على فضائل ، أي هو الهاتف بفضائله عليه‌السلام وباستخلاف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اياه.

قوله عليه‌السلام : فنفاه القوم‌

وفي نسخ عديدة « فنفوه » من باب أكلوني البراغيث ، وقد ورد في التنزيل الكريم مثله متكررا ، ولقد تواتر أخبار النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أبا ذر بنفي القوم اياه من المدينة الى ربذة عند الفرق كلهم من طرق شتى منها حديث لقابقا على التشديد من المضاعف ، ويروى لقابقا بوزن عصا على التخفيف من الناقص اليائي ، والعامة رووه في صحاحهم وأصولهم جميعا وشرحه علماؤهم عن آخرهم.

قال علامة زمخشرهم في فائقه وكشافه : قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأبي ذر : ما لي أراك لقابقا؟ كيف بك اذا أخرجوك من المدينة؟ وروي : لقى بقى يقال : رجل لق بق ولقلاق (١) بقباق كثير الكلام مسهب فيه ، وكان في أبي ذر شدة على الامراء واغلاظ لهم وكان عثمان يبلغ (٢) عنه الى أن استأذنه في الخروج الى الربذة فأخرجه.

لقى : منبوذا وبقى : اتباع. وعن ابن الاعرابي قلت لأبي المكارم : ما قولكم جائع نائع (٣)؟ قال : انما هو شي‌ء نبذ به كلامنا ، ويجوز أن يراد مبقى حيث ألقيت ونبذت لا يلتفت إليك بعد. وقوله : أراك ، حكاية حال مترقبة ، كأنه استحضرها‌

__________________

(١) وفي « ن » ولقاق بقباق.

(٢) وفي « ن » بلغ عنه.

(٣) وفي « ن » تابع.

٩٩

وحرم رسوله بعد حملهم إياه من الشام على قتب بلا وطاء وهو يصيح فيهم قد خاب‌

______________________________________________________

فهو يخبر عنها يعنى انه يستعمل فيما يستقبل من الزمان من تغلظ عليه وتكثر القول فيه.

ونحوه ما يروى عن أبي ذر قال : أتاني نبي الله وأنا نائم في مسجد المدينة فضربني برجله ، وقال : ألا أراك نائما فيه قلت : يا نبي الله غلبتني عيني ، فقال : كيف تصنع اذا أخرجت منه؟ قلت : ما أصنع يا نبي الله أضرب بسيفي؟ فقال : ألا أدلك على ما هو خير لك من قولك وأقرب رشدا تسمع وتطيع ، وتنساق لهم حيث ساقوك (١) انتهى كلام الفائق بألفاظه.

وكذلك قال ابن الاثير في نهايته وجامع أصوله (٢).

قوله عليه‌السلام : بعد حملهم اياه من الشام على قتب بلا وطاء‌

كتب الأحاديث والاخبار جميعا متطابقة على نقل ذلك من طرق غير محصورة ، ولنورد أوثق الروايات وأخصرها.

قال الشيخ الجليل الثقة الثبت المأمون الحديث عند العامة والخاصة علي بن الحسين المسعودي أبو الحسن الهذلي ( رحمه الله تعالى ) في كتابه مروج الذهب : ومن ذلك فعله ـ يعني عثمان ـ بأبي ذر وهو أنه حضر مجلسه ذات يوم فقال له عثمان : أرأيتم من زكى (٣) ماله هل فيه حق لغيره؟ قال كعب : لا يا أمير المؤمنين! فدفع أبو ذر في صدر كعب ، وقال : كذبت يا بن اليهوديين ثم تلى ( لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ) (٤) الاية.

فقال عثمان : أترون بأسا أن نأخذ مالا من بيت مال المسلمين فننفقه فيما ينوب من أمرنا ونعطيكموه؟ فقال كعب : لا بأس بذلك ، فرفع أبو ذر العصا فدفع بها في‌

__________________

(١) الفائق : ٣ / ٣٢٦‌

(٢) نهاية ابن الاثير : ١ / ١٤٧‌

(٣) في النسخ : ذكى.

(٤) سورة البقرة : ١٧٧‌

١٠٠