إختيار معرفة الرّجال - ج ١

أبي جعفر محمّد بن الحسن بن علي بن الحسن الطّوسي [ شيخ الطائفة ]

إختيار معرفة الرّجال - ج ١

المؤلف:

أبي جعفر محمّد بن الحسن بن علي بن الحسن الطّوسي [ شيخ الطائفة ]


المحقق: السيد مهدي الرجائي
الموضوع : رجال الحديث
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤١٦
الجزء ١ الجزء ٢

قال ، وقال : ان أبا ذر بكى من خشية الله حتى اشتكى عينيه فخافوا عليهما ، فقيل له يا أبا ذر لو دعوت الله في عينيك؟ فقال : اني عنهما لمشغول وما عناني أكبر. فقيل له : وما شغلك عنهما؟ قال : العظيمتان الجنة والنار. قال : وقيل له عند الموت يا أبا ذر ما مالك؟ قال علمي. قالوا انا نسألك عن الذهب والفضة؟ قال ما أصبح فلا امسي وما أمسي فلا أصبح لنا كندوج ندع فيه حرّ متاعنا ، سمعت حبيبي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : كندوج المرء قبره.

______________________________________________________

منحي عن الخير لا يستحق الا أن يقال : جزاه الله عني مذمة وبعادا عن الرواء والنضارة بعد رغيفي شعير اتخذ أحدهما لي غذاء به أتغذى والاخر عشاء به أتعشى وبعد شملتي صوف أتخذ لي أحدهما ازارا وبها أتزر والاخرى رداء بها أرتدي.

قوله رضى الله تعالى عنه : وما عنانى أكبر‌

بالتشديد على التفعيل من العناء باهمال العين المفتوحة قبل النون وبالمد المشقة والشدة والاذى والالم ، عناه يعنيه تعنية فتعنى وهو يتعاني الشدائد والمشاق والآلام.

قوله رضى الله تعالى عنه : ما أصبح فلا أمسى وما أمسى فلا أصبح‌

على سياقه الدعاء عليه ، والهمزة للدخول أي ما منه أصبح ودخل في الصباح فلا أبقاه الله الى الامساء ، وما منه أمسى ودخل في المساء فلا أبقاه الله الى الاصباح والدخول في الصباح ، « لنا كندوج » أي وعاء نضع فيه « حر متاعنا » حر كل شي‌ء باهمال الحاء المضمومة قبل الراء المشددة نجيبه ونفيسه وطيبه وصميمه ، وأرض حرة لا سبخة فيها ، وطين حر لا رمل فيه ، ورملة حرة طيبة النبات ونزل في حر الوادي أي في وسطها قاله في الاساس (١).

قوله (ص) كندوج المرء قبره‌

الكندوج بالضم على وزن صندوق شبه المخزن.

__________________

(١) أساس البلاغة : ١٢١‌

١٢١

٥٥ ـ محمد بن مسعود ومحمد بن الحسن البراثى ، قالا حدثنا ابراهيم بن‌

______________________________________________________

قال في القاموس : معرب كندو (١).

قوله رحمه الله تعالى : ومحمد بن الحسن البراثى‌

في طائفة جمة من النسخ بالباء الموحدة قبل الراء والثاء المثلثة بعد الالف.

قال في القاموس : قرية من نهر الملك ، أو محلة عتيقة بالجانب الغربي ، وجامع براثا معروف ، وأحمد بن محمد بن خالد وجعفر بن محمد وأبو شعيب البراثيون محدثون (٢).

وقال شيخنا الشهيد في الذكرى : مسجد براثا في غربي بغداد ، وهو باق الى الان رأيته وصليت فيه (٣).

وفي بعض النسخ البراني بالراء المشددة بعد الباء الموحدة والنون بعد الالف.

قال الشيخ في باب لم : محمد بن الحسن البراني يكنى أبا بكر كاتب له رواية (٤).

قلت : وكأنه محمد بن الحسن بن روزبه أبو بكر المدائني الكاتب نزيل الرحبة الوارد في أسناد الصحيفة الكريمة السجادية.

وفي القاموس : البرة موضع قتل فيه قابيل هابيل ، والبرانية قرية ببخارا منها سهل بن محمود البراني الفقيه والنجيب محمد بن محمد البراني المحدث (٥).

ولقد حققنا القول فيه في المعلقات على الصحيفة الكريمة (٦).

__________________

(١) القاموس : ١ / ٢٠٥‌

(٢) القاموس : ١ / ١٦٢‌

(٣) الذكرى : ١٥٥‌

(٤) رجال الشيخ : ٤٩٧‌

(٥) القاموس : ١ / ٣٧١‌

(٦) التعليقة على الصحيفة السجادية المطبوع على هامش نور الأنوار للجزائرى : ٢٦ والكتاب سيطبع قريبا بتحقيقنا وتعليقنا عليه.

١٢٢

محمد بن فارس ، قال حدثنا محمد بن الحسين بن أبي الخطاب ، عن محمد بن سنان عن الحسين بن المختار ، عن زيد الشحام ، قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول طلب‌

______________________________________________________

وفي نسخة عتيقة كأنها أصح النسخ « البرنانى » بنونين من حاشيتي الالف وهذا هو الصحيح في هذا الاسناد.

قال الشيخ في باب لم : محمد بن الحسن البرناني روى عنه الكشي (١).

وقد أسلفنا تصحيح النسبة فيه ، وضبطه بعضهم « البرثاني » بضم الباء الموحدة والثاء المثلثة بعد الراء نسبة الى قبيلة برثن.

قال في الصحاح : وبرثن حي من بني أسد (٢).

قوله رحمه الله تعالى : قالا : حدثنا ابراهيم بن محمد بن فارس‌

هو النيسابوري من أصحاب أبي الحسن الثالث وأبي محمد العسكريين عليهما‌السلام ذكره الشيخ في أصحابهما (٣).

قال في الخلاصة : لا بأس به في نفسه ولكن بعض من يروي هو عنه (٤).

قلت : وهذه بعينها عبارة محمد بن مسعود العياشي على ما روى عنه الكشي (٥) وسيجي‌ء في الكتاب ، فقول بعض شهداء المتأخرين (٦) في حاشيته على الخلاصة في كتاب الكشي ثقة في نفسه نقل لا أصل له.

قوله رحمه الله تعالى : عن الحسين بن المختار‌

هو القلانسي وقد أوضحنا لك فيما سبق استقامته وثقته.

__________________

(١) رجال الشيخ : ٥٠٩.

(٢) الصحاح : ٥ / ٢٠٧٨‌

(٣) رجال الشيخ : ٤١٠ و ٤٢٨‌

(٤) الخلاصة : ٧‌

(٥) رجال الكشى : ٤٤٦ ط نجف.

(٦) هو الشهيد الثانى في حاشيته على الخلاصة غير مطبوع.

١٢٣

أبو ذر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقيل له انه في حائط كذا وكذا ، فتوجه في طلبه فوجده نائما فأعظمه أن ينبهه ، فأراد ان يستبري نومه من يقظته فأخذ عسيبا يابسا فكسره ليسمعه صوته فسمعه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فرفع رأسه ، فقال : يا أبا ذر تخدعني أما علمت أني أرى أعمالكم في منامي كما أراكم في يقظتي ان عيني تنامان ولا ينام قلبي.

______________________________________________________

قوله عليه‌السلام : فأخذ عسيبا يابسا‌

باهمال العين المفتوحة وكسر السين المهملة وتسكين المثناة من تحت قبل الياء الموحدة ، أي جريدة من النخل مستقيمة دقيقة.

قوله (ص) : ان عينى تنامان ولا ينام قلبى‌

قال السيد المكرم الرضي أخو السيد المعظم المرتضى رضي الله تعالى عنهما في كتاب مجازات الحديث : ومن ذلك قوله عليه الصلاة والسّلام تنام عيناي ولا ينام قلبي. وهذا القول عند المحققين من العلماء مجاز ، لأنه عليه‌السلام لو كان قلبه لا ينام على الحقيقة كقلوب الناس لكان ذلك من أكبر معجزاته وأبهر آياته ، ولوجب أن تتظاهر الاخبار بنقله ، كما تظاهرت بنقل غيره من أعلامه ودلالته.

ومما يحقق قولنا ما رواه عبد الله بن عباس رحمهما الله من أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نام ونفخ فصلى ولم يتوض ، فقيل له عليه الصلاة والسّلام في ذلك فقال : ليس الوضوء على من نام قاعدا انما الوضوء على من نام مضطجعا ، وفي بعض الروايات أو متوركا فانه اذا نام كذلك استرخت مفاصله.

فبين عليه الصلاة والسّلام أنه لو نام مضطجعا للزمه الوضوء لاسترخاء مفاصله ، فلو كان قلبه لا ينام لما وجب عليه الوضوء اذا نام مضطجعا ، كما لا يجب عليه اذا نام قاعدا ، وقد يجوز أن يكون المراد بقوله عليه‌السلام : تنام عيناي ولا ينام قلبي. أنه لا يعتقد في حال نومه من الرؤيا الفاسدة والمنامات المتضادة ما يعتقده غيره من سائر البشر ، فيكون في حكم المستيقظ وبمنزلة المتحفظ (١) انتهى كلامه رفع مقامه.

__________________

(١) المجازات النبوية : ١٧٥ ـ ١٧٦‌

١٢٤

______________________________________________________

قلت : هذا الحديث متواتر قد تظافرت وتظاهرت طرق نقله ، وما ذكره من رواية ابن عباس خبر من باب الآحاد ولا تعويل عليه ، والعمل في المذهب من طريق أهل البيت عليهم‌السلام أن مطلق النوم الغالب على الحواس ناقض للوضوء اضطجاعا كان أو قعودا.

فاما سبيل مغزاه من طريق العلوم البرهانية فهو : أنه قد أقر في مقره في العلوم الطبيعي وفي العلم الذي فوق الطبيعة أن النفس الانسانية اذا كانت منهمكة في جنبة البدن وفي غواشي عالم الطبيعة لم يكن طريقها في الرؤية الابصارية الا من سبيل الظاهر من ممر الجليدية.

وأما الانسان المتأله اذا صار أكيد العلاقة بعالم الملكوت وقوى ارتباط قوته القدسية بالجواهر النورية والأنوار العقلية ، فتهيأ له الرؤية البصرية في اليقظة وفي النوم لا من سبيل الظاهر ، بل من سبيل الباطن بانطباع الصورة في حسه المشترك واختلاس قوته المتخيلة من فيض عالم العقل لا بحضور مادة خارجية.

ومن هناك كان النبي احدى خاصياته الثلاث التي منها تستتم ضروب النبوة أن تتشبح له الملائكة فيرى من تتنزل عليه من ملائكة الله المقربين ، ويسمع كلام الله منتظما على لسان روح القدس الامين باذن الله المهيمن الملك الحق المبين.

وهذا هو الذي يعبر عنه بالوحي والايحاء على ما قد أسمعناك فيما تلونا عليك من قبل ، وليس يتيسر ذلك للنبي متى ما أراد وحيثما أراد ، بل انما له وقت موقوت من الله سبحانه يلقى عليه فيضه اذا شاء كيف شاء ، وسواء في ذلك حال النوم وحال اليقظة.

فاذن ربما يكون النبي تنام عيناه ولا ينام قلبه فيرى ويسمع في النوم ما يراه ويسمعه في اليقظة ، ولكن لا من سبيل الظاهر ، بل من سبيل الباطن من جهة الاتصال بالملأ الاعلى والانخراط في سلك الملكوت ، ولا كذلك ساير البشر ، فهذا معنى قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تنام عيناي ولا ينام قلبي ، ولم يزد أنه يبصر ويسمع في النوم كما يبصر ويسمع في اليقظة دائما في جميع أوقات النوم واليقظة فليتعرف.

١٢٥

عمار‌

٥٦ ـ حدثني علي بن محمد بن قتيبة النيسابوري ، قال حدثنا الفضل بن شاذان عن محمد بن سنان ، عن أبي خالد ، عن حمران بن أعين ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال قلت : ما تقول في عمار؟ قال : رحم الله عمارا ، ثلاثا قاتل مع أمير المؤمنين ( صلوات الله عليه وآله ) وقتل شهيدا. قال : قلت في نفسي ما تكون منزلة أعظم من هذه المنزلة؟ فالتفت إليّ ، فقال لعلك تقول مثل الثلاثة! هيهات! قال ، قلت : وما علمه انه يقتل في ذلك اليوم؟ قال : انه لما رأى الحرب لا تزداد الاشدة والقتل لا يزداد إلا كثرة ترك الصف وجاء الى أمير المؤمنين عليه‌السلام فقال يا أمير المؤمنين هو هو؟ قال : ارجع الى صفك ، فقال له ذلك ثلاث مرات ، كل ذلك يقول له ارجع الى صفك ، فلما أن كان في الثالثة قال له نعم. فرجع الى صفه وهو يقول : اليوم ألقى الاحبة محمدا وحزبه.

______________________________________________________

في عمار بن ياسر رضي‌الله‌عنه

هو أبو اليقظان سماه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالطيب المطيب شهد بدرا ، ولم يشهدها ابن من المؤمنين غيره ، وشهد أحدا والمشاهد كلها مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والجمل وصفين مع أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وقتل بصفين شهيدا ودفن هناك سنة سبع وثلاثين وهو ابن ثلاث وتسعين سنة.

قوله رحمه‌الله : عن أبى خالد‌

يعني به الكابلي وقد فصلنا القول فيه سابقا.

قوله عليه‌السلام : فقال يا أمير المؤمنين هو هو؟

يعني يومنا هذا هو يومي الذي خبرني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه تقتلني فيه الفئة الباغية.

١٢٦

٥٧ ـ محمد بن أحمد بن أبي عوف البخاري ومحمد بن سعد بن مزيد الكشي قالا حدثنا أبو علي المحمودي محمد بن أحمد بن حماد المروزي ، قال عمار بن ياسر الذي قال فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد ألقته قريش في النار : يا نار كوني بردا وسلاما على عمار كما كنت بردا وسلاما على ابراهيم ، فلم تصله النار ولم يصله منها مكروه وقتلت قريش أبويه ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : صبرا آل ياسر موعدكم الجنة ، ما تريدون من عمار؟ عمار مع الحق والحق مع عمار حيث كان ، عمار‌

______________________________________________________

قوله رحمه الله تعالى : محمد بن أحمد بن أبى عوف البخارى ومحمد ابن سعد (١) بن مزيد الكشى‌

قد مر ذكرهما وتحقيق القول فيهما في صدر الكتاب.

قوله : فلم تصله النار‌

بفتح التاء المضارعة وتسكين الصاد المهملة ، أي لم تشوه ولم تحرقه ، يقال : صلى اللحم يصليه صليا شواه وألقاه في النار للإحراق ، والصلا بالفتح والقصر ، والصلاء بالكسر والمد النار أو الوقود أو الشواء ، ولم يصله بفتح الياء وكسر الصاد من الوصول.

وفي طائفة من النسخ « فلم يصبه » منها مكروه بالباء الموحدة بعد الصاد من الاصابة.

قوله (ص) : عمار مع الحق والحق مع عمار حيث كان‌

هذا الحديث عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صحيح ثابت الصحة عند العامة والخاصة من غير طريق واحد ، وكذلك « واهدوا هدي عمار » متفق عليه لدى الجميع ، يروى بفتح الهاء وكسرها واسكان الدال.

قال ابن الاثير في النهاية : الهدي السيرة والهيئة والطريقة ، ومنه الحديث : واهدوا هدي عمار. أي سيروا بسيرته وتهيّؤا بهيئته ، يقال : هدى هدي فلان اذا‌

__________________

(١) وفي « ن » و « س » : سعيد‌

١٢٧

______________________________________________________

صار بسيرته (١).

ورووا : اذا سلك الناس واديا وعمارا واديا فاسلكوا مسلك عمار.

قلت : وذلك كله اخبار منه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأن فيما يقع بعده من الاثرة يكون العمار مع علي عليه‌السلام متبعا له متبرءا عمن يستأثر عليه صلوات الله عليه بحقه ، كالمقداد وأبو ذر وسلمان وغيرهم من السابقين ، كما قد سبق في الكتاب.

قال المسعودي في مروج الذهب : وقد كان عمار حين بويع عثمان بلغه قول أبي سفيان صخر بن حرب في دار عثمان في الوقت الذي بويع فيه عثمان ، ودخل داره ومعه بنو أمية ، قال أبو سفيان : أفيكم أحد من غيركم؟ وقد كان أعمى قالوا : لا قال : يا بني انكم تلقفتموها تلقف الكرة ، فو الذي يحلف به أبو سفيان لتصيرن الى صبيانكم وراثة ، فانتهره عثمان وساءه ما قال ، ونمى هذا القول الى المهاجرين والانصار وغير ذلك :

فقام عمار في المسجد وقال : يا معشر قريش أما اذ صرفتم هذا الامر من أهل بيت نبيكم هاهنا مرة وهاهنا مرة ، فما أنا بآمن أن ينزعه الله منكم فيضعه في غيركم ، كما نزعتموه من أهله ووضعتموه في غير أهله.

وقام المقداد فقال : ما رأيت مثل الذي أوذي به أهل هذا البيت بعد نبيهم ، فقال له عبد الرحمن بن عوف : وما أنت وذلك يا مقداد بن عمرو فقال : اني والله لا حبهم بحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اياهم ، وأن الحق معهم وفيهم يا عبد الرحمن ، أعجب من قريش ، وانما تطولهم على الناس بفضل أهل هذا البيت ، قد أصفقوا على نزع سلطان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعده من أيديهم ، أما وايم الله يا عبد الرحمن لو أجد على قريش أنصارا لقاتلتهم كقتالي اياهم مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم بدر (٢).

__________________

(١) نهاية ابن الاثير : ٥ / ٢٥٣‌

(٢) مروج الذهب : ٢ / ٣٤٢‌

١٢٨

جلدة بين عيني وانفي تقتله الفئة الباغية ، وقال وقت قتلهم إياه : اليوم ألقى الاحبة محمدا وحزبه ، يدعوهم الى الجنة ويدعونه الى النار.

٥٨ ـ حمدويه وابراهيم قالا حدثنا أيوب بن نوح ، عن صفوان ، عن عاصم ابن حميد ، عن فضيل الرسان ، قال سمعت أبا داود ، وهو يقول حدثني بريدة الاسلمى‌

______________________________________________________

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : عمار جلدة بين عينى وأنفى‌

وفي بعض النسخ جلدة ما بين عيني وأنفي ، وهذا أشهر في الرواية في أصول العامة والخاصة ، وذلك كناية عن شدة الاتصال والاختصاص. الجلد : قشر البدن ، وجمعه الجلود.

قال في الصحاح : الجلد واحد الجلود ، والجلدة أخص منه (١).

ومتن الحديث منتظما : تقتله الفئة الباغية يدعوهم الى الجنة ويدعونه الى النار.

وأما « قال وقت قتلهم اياه اليوم ألقى الاحبة محمدا وحزبه » فكلام الراوي نقلا لقول عمار وقع في البين اقحاما.

قوله رحمه الله تعالى : عن عاصم بن حميد عن فضيل الرسان‌

الطريق حسن بالفضيل الرسان ، وعالي الاسناد في الطبقة الاولى ، وأبو داود من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذكره الشيخ رحمه‌الله في كتاب الرجال (٢).

وسيرد في الكتاب حديثه عن عمران بن حصين : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر فلانا وفلانا ـ يعني أبا بكر وعمر ـ أن يسلما على علي عليه‌السلام بإمرة المؤمنين الحديث.

وبريدة الاسلمي أخوه لأمه وهو أيضا من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من السابقين الذين رجعوا الى أمير المؤمنين عليه‌السلام قاله العلامة في الخلاصة (٣) وسيرد في الكتاب‌

__________________

(١) الصحاح : ١ / ٤٥٥‌

(٢) رجال الشيخ : ٣٢‌

(٣) الخلاصة : ٢٧ وفيه بريد الاسلمى‌

١٢٩

قال سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : ان الجنة تشتاق الى ثلاثة قال فجاء أبو بكر ، فقيل له : يا أبا بكر أنت الصديق وأنت ثاني اثنين اذ هما في الغار ، فلو سألت رسول‌

______________________________________________________

من ذي قبل إن شاء الله العزيز.

وذكر الشيخ في أصحاب أمير المؤمنين عليه‌السلام بريدة الخصيب الاسلمي الخزاعي وقال : مدني عربي (١).

وقيل : بريدة أبو الخصيب.

الصواب فيه ضم الحاء وفتح الصاد المهملتين على التصغير كزبير كما في جامع الاصول والقاموس (٢) والمغرب ، وضبطه المصحفون باعجام الخاء المفتوحة واهمال الصاد المكسورة بعدها ويقال باعجام الضاد.

قوله : أنت الصديق‌

بكسر الصاد والدال المشددة المهملتين على فعيل بناء للمبالغة في التصديق.

ونحن نقول : يستبين من فزعه وحزنه في الغار ، وهو مع النبي الكريم الموعود من السماء بالنصر والتأييد والامن والغلبة ، وقوله « ان تصب اليوم ذهب دين الله » أنه كان ضعيف اليقين جدا في الوثوق بالله والتصديق لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فهو بذلك خارج عن استحقاق اسم التصديق.

قوله : وأنت ثانى اثنين اذ هما في الغار‌

بسكون الياء ارتفاعا على الخبر ، أي أنت أحد اثنين اذ هما في الغار ، وأما في التنزيل الكريم فثاني اثنين عبارة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال الله تعالى ( إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها ) (٣) الضمائر كلها لرسول‌

__________________

(١) رجال الشيخ : ٣٥‌

(٢) القاموس : ٣ / ٥٥‌

(٣) سورة التوبة : ٤٠‌

١٣٠

______________________________________________________

الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باتفاق المفسرين.

قال في الكشاف : وأسند الاخراج الى الكفار كما أسند اليهم في قوله ( مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ ) لأنهم حين هموا باخراجه أذن الله له في الخروج فكأنهم أخرجوه ( ثانِيَ اثْنَيْنِ ) أحد اثنين ، كقوله ثالث ثلاثة ، وهما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبو بكر وانتصابه على الحال وقرئ ثاني اثنين بالسكون و ( إِذْ هُما ) بدل من اذ أخرجه ، والغار نقب في أعلى ثور ، وهو جبل في يمين مكة على مسيرة ساعة مكثا فيه ثلاثا.

( إِذْ يَقُولُ ) بدل ثان قيل : طلع المشركون فوق الغار فاشفق أبو بكر على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : ان تصب اليوم ذهب دين الله ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما ظنك باثنين الله ثالثهما وقيل : لما دخل الغار بعث الله حمامتين فباضتا في أسفله والعنكبوت فنسجت عليه فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اللهم أعم أبصارهم : فجعلوا يترددون حول الغار ولا يفطنون قد أخذ الله أبصارهم عنه « سكينة » ما ألقي في قلبه من الامنة التي سكن عندها وعلم أنهم لا يصلون اليه ، والجنود الملائكة يوم بدر والاحزاب وحنين (١).

قلت : سياق (٢) الاية الكريمة بلسان بلاغتها تنطق بوجوه من الطعن في جلالة أبي بكر :

الاول : أن همه وحزنه وفزعه وانزعاجه وقلقه حين اذ هو مع النبي الكريم المأمور من تلقاء ربه الحفيظ الرقيب بالخروج والهجرة ، والموعود من السماء على لسان روح القدس الامين بالتأييد والنصرة ، مما يكشف عن ضعف يقينه وركاكة ايمانه جدا.

الثاني : أن انزال الله سكينته عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقط لا على أبي بكر ولا عليهما جميعا ، مع كون أبي بكر أحوج الى السكينة حينئذ لقلقه وحزنه يدل على أنه لم يكن‌

__________________

(١) الكشاف : ٢ / ١٩٠‌

(٢) وفي « س » ساقة آية الكريمة.

١٣١

______________________________________________________

أهلا لذلك.

وتحامل احتمال أن يرجع الضمير في عليه على أبي بكر كما تجشمه البيضاوي مع أن فيه خرق اتفاق المفسرين وشق عصاهم خلاف ما تتعاطاه قوانين العلوم اللسانية والفنون الادبية ، أليس ضمير « أيده » و « عليه » في الجملتين المعطوفة والمعطوفة عليها يعودان الى مفاد واحد ، وضمير ( وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها ) في الجملة المعطوفة للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بلا امتراء ، فكذلك ضمير عليه في الجملة المعطوف عليها ، أعني ( فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ ).

الثالث : أن أسلوب ( إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ ) في العبارة عن أبي بكر يضاهي أسلوب ( يا صاحِبَيِ السِّجْنِ ) (١) في سورة يوسف ( فَقالَ لِصاحِبِهِ وَهُوَ يُحاوِرُهُ ) (٢) في سورة الكهف ، فلا تكونن عن ديدن القرآن الحكيم وهجيراه في رموزه وأسراره من الغافلين.

ثم اني أقول : يا سبحان الله ما أبعد البون وأبين البعد بين درجة أبي بكر في اليقين والثقة بالله ورسوله حين كان مع النبي في الغار ، وبين درجة مولانا علي بن أبي طالب عليه‌السلام ليلة المبيت على فراش رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحده ، فاديا اياه بنفسه ، باذلا مهجته في سبيل ربه ويقينه وثقته بالله ، كجبل راس لا تزلزله الرياح العواصف ولا تزعجه الرماح القواصف ، وقد نزل فيه التنزيل الكريم ( وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ ) (٣).

قال علامة علماء العامة وامام المتشككين منهم فخر الدين الرازي في التفسير الكبير : في سبب النزول روايات :

__________________

(١) سورة يوسف : ٣٩‌

(٢) سورة الكهف : ٣٤‌

(٣) سورة البقرة : ٢٠٧‌

١٣٢

الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من هؤلاء الثلاثة؟ قال اني أخاف أن أسأله فلا أكون منهم فتعيرني بذلك بنو تيم ، قال ، ثم جاء عمر ، فقيل له : يا أبا حفص ان رسول الله (ص) قال : ان الجنة تشتاق الى ثلاثة وأنت الفاروق الذي ينطق الملك على لسانك فلو سألت رسول الله‌

______________________________________________________

احداها : أنها نزلت في الذين عذبوا في الله عمار وأبويه ياسر وسمية وبلال وصهيب وخباب.

والرواية الثانية : أنها نزلت في رجل أمر بمعروف ونهى عن منكر.

والرواية الثالثة : أنها نزلت في علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه بات على فراش رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليلة خروجه الى الغار ، يروى أنه لما نام على فراشه قام جبرئيل عند رأسه وميكائيل عند رجله وجبرئيل ينادي بخ بخ من مثلك يا بن أبي طالب يباهي الله بك الملائكة ونزلت الاية انتهى كلامه (١).

وكذلك في تفسير العلامة الاعرج النيسابوري وفي سائر التفاسير.

قوله : فتعيرنى بذلك بنو تيم‌

عجبا يا بن أبي قحافة جعلت مخافتك الانحطاط عن هذه الدرجة من حيث تعيير بني تيم اياك ، لا من حيث ألم الحرمان عنها.

قوله : وأنت الفاروق‌

يروون في وجه تسميتهم اياه فاروقا ما تستشم منه رائحة الموضوعية.

فلنذكر ما في تفسير البيضاوي في ذلك فعليه يدور كلامهم جميعا ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطّاغُوتِ ) (٢) عن ابن عباس أن منافقا خاصم يهوديا ، فدعاه اليهودي الى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ودعاه المنافق الى كعب بن الاشرف ، ثم احتكما الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فحكم لليهودي فلم يرض المنافق وقال : تعال نتحاكم الى عمر فقال اليهودي لعمر :

__________________

(١) التفسير الكبير : ٥ / ٢٠٤ وهو من المتفق عليه عند الخاصة والعامة.

(٢) سورة النساء : ٦٠‌

١٣٣

______________________________________________________

قضى لي رسول الله فلم يرض بقضائه وخاصم إليك فقال عمر للمنافق : أكذلك؟ قال : نعم ، فقال : مكانكما حتى أخرج إليكما ، فدخل عمر فأخذ بسيفه ثم خرج فضرب به عنق المنافق حتى برد وقال ، هكذا أقضي لمن لم يرض بقضاء الله ورسوله فنزلت وقال جبرئيل عليه‌السلام : ان عمر فرق بين الحق والباطل فسمي الفاروق.

والطاغوت على هذا كعب بن الاشرف ، وفي معناه من يحكم بالباطل ويؤثر لا جله سمي بذلك لفرط طغيانه أو لتشبيهه بالشيطان ، أو لان التحكم اليه تحاكم الى الشيطان من حيث أنه الحامل عليه كما قال ( وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً ) وقرئ أن يكفروا بها على أن الطاغوت جمع لقوله ( أَوْلِياؤُهُمُ الطّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ ).

( وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ ) وقرئ تعالوا بضم اللام على أنه حذف لام الفعل اعتباطا ، ثم ضم اللام لو او الضمير ( رَأَيْتَ الْمُنافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً ) وهو مصدر أو اسم للمصدر الذي هو الصد ، والفرق بينه وبين السد أنه غير محسوس والسد محسوس ، ويصدون في موضع الحال.

فكيف يكون حالهم ( إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ ) كقتل عمر المنافق أو النقمة من الله ( بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ) من التحاكم الى غيرك وعدم الرضا بحكمك ( ثُمَّ جاؤُكَ ) حين يصابون للاعتذار ، عطف على أصابتهم وقيل : على يصدون وما بينهما اعتراض ، ( يَحْلِفُونَ بِاللهِ ) حال ( إِنْ أَرَدْنا إِلاّ إِحْساناً وَتَوْفِيقاً ) ما أردنا الا الفصل بالوجه الاحسن والتوفيق بين الخصمين ولم نرد مخالفتك ، وقيل : جاء أصحاب القتيل طالبين بدمه وقالوا : ما أردنا بالتحكم الى عمر الا أن يحسن الى صاحبنا ويوفق بينه وبين خصمه انتهى (١).

قلت : يا قوم أليس ما قدمت أيديهم الذي جاءوا أصحاب القتيل للاعتذار عنه‌

__________________

(١) نقل القصة بتمامه الزمخشرى في الكشاف مع تفاوت يسير : ١ / ٥٣٦‌

١٣٤

______________________________________________________

وهو التحاكم الى عمر باعترافكم هو التحاكم الى الطاغوت الذي عليه المعاتبة في الاية الكريمة ، وعنه اعتذروا أصحاب القتيل الطالبون بدمه بأنه انما أرادوا بذلك الاصلاح والتوفيق بين الخصمين ، لا القضاء والحكم لمن له الحق على خصمه ، والعدول عن رسول الله بالتحاكم اليه حتى يستحق القتل ويكون دمه هدرا.

فكيف يستقيم قولكم؟ والطاغوت على هذا كعب بن الاشرف بل المستبين على هذا أن يكون الطاغوت هاهنا هو عمر أو عمر وكعب بن الاشرف جميعا.

وبالجملة كل من يراد أن يتحاكم اليه لا الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فليس يصح لكم في التوجيه الا أن تقولوا سمى عمر بذلك [ كما سمى به كعب بن الاشرف على المجاز المرسل ] لان التحاكم اليه كان تحاكما الى الطاغوت ، أي الشيطان ، لان الشيطان كان الحامل عليه ، أو لما كان فيه من الفظاظة والغلظة فسمي ذلك « طغيانا » والفظّ الغليظ « طاغوتا » ، واذا كان الطاغوت جمعا كما قلتم وهو الصواب لقوله سبحانه ( أَوْلِياؤُهُمُ الطّاغُوتُ ) فلا يصح حمله على كعب بن الاشرف فقط.

فاذن ما أسندتموه الى جبرئيل عليه‌السلام من القول وجعلتموه سببا لتسميتكم عمر بـ « الفاروق » غير مناسب لمشرع المقام ومنهل البلاغة.

ثم أقول : قد روى مفسروكم ومحدثوكم أن قوله سبحانه وتعالى ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) (١) نزل في عمر فحديث التهوك في ذلك مستفيض مشهور متلون المتن متشعب الطريق في أصولكم الصحاح وشرحه شراح الحديث من علمائكم.

قال صاحب الكشاف في الفائق : النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال له عمر : انا نسمع أحاديث من يهود تعجبنا أفترى أن نكتب بعضها فقال : أمتهوكون أنتم؟ كما تهوكت اليهود‌

__________________

(١) سورة البقره : ٢٠٨ ـ ٢٠٩‌

١٣٥

______________________________________________________

والنصارى ، لقد جئتكم بها بيضاء نقية ، ولو كان موسى حيا ما وسعه الا اتباعي. تهوك وتهور أخوان في معنى وقع في الامر بغير روية ، قال الاصمعي : المتهوك الذي يقع في كل أمر وأنشد الكسائى :

رآني امرؤ لا هذرة متهوكا

ولا واهنا شراب ماء المظالم

وقيل : التهوك والتهفك : الاضطراب في القول وأن لا يكون على استقامة ، الضمير في بها للملة الحنفية. انتهى كلام الفائق (١).

وقال ابن الاثير في النهاية : في الحديث أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لعمر في كلام : أمتهوكون أنتم كما تهوكت اليهود والنصارى لقد جئت بها بيضاء نقية ، التهوك كالتهور وهو الوقوع في الامر بغير رؤية ، والمتهوك الذي يقع في كل أمر وقيل : هو المتحير ، وفي حديث آخر أن عمر أتاه بصحيفة أخذها من بعض أهل الكتاب فغضب وقال : أمتهوكون فيها يا بن الخطاب. انتهى ما في النهاية (٢).

وأيضا اعتراض عمر على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم الحديبية وشكه في الامر وقوله : ما شككت في ديني منذ أسلمت الا يومي هذا (٣). من الصحيح الثابت في صحاحكم الستة ، وكذلك خطأه في كثير من أقضيته وأحكامه في زمن خلافته ، فهو ليس يستحق اسم الفاروق.

بل أن الصديق الاكبر والفاروق الاعظم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام الذي هو ديان هذه الامة بعد نبيها ، أي قاضيها ، ورباني هذه الامة ، وذو قرنيها ، وباب حطة هذه الامة ، وأقضى الناس في هذه الامة ، ومثله في الناس كمثل قل هو الله أحد في القرآن ، وهو مع الحق والحق معه يدور معه حيث ما دار ، وقد صح وثبت‌

__________________

(١) الفائق : ٤ / ١١٦‌

(٢) نهاية ابن الاثير : ٥ / ٢٨٢‌

(٣) رواه مسلم في صحيحه : ٣ / ١٤١١ والسيد بن طاوس في الطرائف : ٤٤١.

١٣٦

من هؤلاء الثلاثة؟ فقال اني أخاف أن أسأله فلا أكون منهم فتعيرني بذلك بنو عدي ثم جاء علي عليه‌السلام فقيل له : يا أبا الحسن ان رسول الله (ص) قال : ان الجنة مشتاق الى ثلاثة فلو سألته من هؤلاء الثلاثة؟ فقال أسأله ان كنت منهم حمدت الله وان لم أكن منهم حمدت الله ، قال ، فقال علي عليه‌السلام يا رسول الله انك قلت ان الجنة لتشتاق الى ثلاثة فمن هؤلاء الثلاثة؟ قال : أنت منهم وأنت أولهم ، وسلمان الفارسي فانّه قليل الكبر وهو لك ناصح فاتخذه لنفسك ، وعمار بن ياسر شهد معك مشاهد غير واحدة ليس منها الا وهو فيها ، كثير خيره ، ضويّ نوره ، عظيم أجره.

______________________________________________________

واستبان واستفاض جميع ذلك في الحديث عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم برواية أثبته الثقات عند العامة والخاصة (١) ، وسيان في الاعتراف بذلك كله العدو والولي واللاجّ الجدلي والمتقن المبتغي لسواء السبيل فليتبصر.

قوله : فتعيرنى بذلك بنواعدى‌

اقتدى بأبي بكر في مخافة التعيير وعدم الاكتراث للانحطاط عن هذه الدرجة.

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنت منهم وأنت أولهم‌

وفي المشكاة وصحيح الترمذي وغيرهما من صحاح العامة وأصولهم عن أنس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الجنة تشتاق الى ثلاثة علي وعمار وسلمان (٢).

قوله : ضوى نوره‌

بتشديد الياء ، وأصله ضوي‌ء بالهمزة على فعيل للمبالغة من الضوء والضياء ، قلبت الهمزة ياء وادغمت الياء في الياء ، كما تقلب وتدغم همزة الملي بمعنى الغني المقتدر على فعيل من الملاءة ، فيقال : مليّ بتشديد الياء.

وفي بعض النسخ « وضي‌ء » بتقديم الواو على الضاد اما نقلا مكانيا فيكون أيضا‌

__________________

(١) روى جميع ذلك عن طرق مختلفة في احقاق الحق المجلد الرابع الى السابع فراجع.

(٢) رواه الحاكم في المستدرك : ٣ / ١٣٧ وابن الاثير في أسد الغابة : ٢ / ٣٣٠ والذهبى في ميزان الاعتدال : ١ / ١١٦ وابن حجر في الصواعق المحرقة : ٧٥‌

١٣٧

٥٩ ـ محمد بن مسعود ، قال حدثني جعفر بن أحمد ، قال حدثنا حمدان بن سليمان النيسابوري والعمركي بن علي البوفكي النيسابوري ، عن محمد بن عيسى عن يونس بن عبد الرحمن ، عن عبد الله الحجال ، عن علي بن عقبة ، عن رجل ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلي وعمار يعملون مسجدا فمرّ عثمان في بزّة له يخطر فقال له امير المؤمنين عليه‌السلام : ارجزبه فقال عمار :

______________________________________________________

فعيلا من الضوء ، واما على أنه فعيل من الوضاءة وهي الحسن والبهجة والبهاء والنضرة.

وفي النهاية الاثيرية : الوضاءة الحسن والبهجة ، يقال : وضأت فهي وضيئة ، وهي أوضأ منك ، أي أحسن (١).

وفي المغرب : الوضي‌ء الحسن النظيف ، وقد وضأ وضاءة وتوضأ وضوءا حسنا بوضوء طاهر ، بالضم المصدر ، وبالفتح الماء الذي يتوضأ به ، والميضأة والميضاءة على مفعلة ومفعالة المطهرة التي يتوضأ فيها أو منها.

قوله رحمه‌الله : حمدان بن سليمان النيسابورى والعمركى بن على البوفكى‌

السند جليل جدا ، وعالي الاسناد في الطبقة الثانية ، وصحي بيونس بن عبد الرحمن عن رجل ، وان كان المرسل عن رجل هو علي بن عقبة ، لا يونس بن عبد الرحمن فليعلم.

قوله عليه‌السلام : فمر عثمان في بزة له يخطر‌

بكسر الموحدة وتشديد الزاء ، أي في ثوب تجمل ، يقال : خرجوا وعليهم الخزوز والبزوز أي الثياب الجياد قاله في الاساس (٢).

وقال في المغرب : البزة بالهاء وكسر الباء الهيئة من قولهم رجل حسن البزة‌

__________________

(١) نهاية ابن الاثير : ٥ / ١٩٥‌

(٢) أساس البلاغة : ٣٨‌

١٣٨

لا يستوى من يعمر المساجد

يظل فيها راكعا وساجدا

ومن تراه عاندا معاندا

عن العباد لا يزال حائدا

______________________________________________________

وقيل : هي الثياب والسلاح.

وفي القاموس : البز الثياب ، أو متاع البيت من الثياب ونحوها ، وبايعه البزاز وحرفته البزازة والسلاح كالبزة بالكسر (١).

و « يخطر » بفتح ياء المضارعة وكسر الطاء المهملة بعد الخاء المعجمة ، أي يهتز ويرفع يديه في مشيته ، وناقة خطارة تحرك ذنبها اذا نشطت في السير قاله في الاساس والقاموس وغير هما (٢).

وفي الصحاح : خطر ان الرجل اهتزازه في المشي وتبختره ، وخطر الرمح يخطر اهتز ، ورمح خطار ذو اهتزاز ، ويقال : خطران الرمح ارتفاعه وانخفاضه (٣).

قوله رضى الله تعالى عنه : يظل فيها راكعا وساجدا‌

ظل يفعل كذا يظل بالكسر في الماضي والفتح في المضارع من باب علم.

قال في القاموس : ظل نهاره يفعل كذا وليله سمع في الشعر يظل بالفتح ظلا وظلولا وظللت بالكسر وظلت كلست وظلت كملت ، وأصله ظللت (٤).

وفي الصحاح : ومنه قوله تعالى ( فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ ) يكسر ويفتح وأصله وظللتم تفكهون ، فهو من شواذ التخفيف ومنه قولهم : مست الشي‌ء يحذفون منه السين الاولى ويحولون كسرتها الى الميم ، ومنهم من يذر الميم على حالها مفتوحة (٥).

__________________

(١) القاموس : ٢ / ١٦٦‌

(٢) اساس البلاغة : ١٦٨ والقاموس : ٢ / ٢٢‌

(٣) الصحاح : ٢ / ٦٤٨‌

(٤) القاموس : ٤ / ١٠‌

(٥) الصحاح : ٥ / ١٧٥٦‌

١٣٩

قال ، فأتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال ما أسلمنا لتشتم أعراضنا وأنفسنا! فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أفتحب أن تقال؟ فنزلت آيتان ( يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا ) الاية ، ثم قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلي عليه‌السلام : اكتب هذا في صاحبك : ثم قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اكتب هذه الاية : انما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله.

٦٠ ـ جعفر بن معروف ، قال حدثنا الحسن بن علي بن نعمان ، عن أبيه ، عن صالح الحذاء ، قال لما أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ببناء المسجد قسم عليهم المواضع وضم الى كل رجل رجلا ، فضم عمارا الى علي عليه‌السلام قال فبيناهم في علاج البناء اذ خرج عثمان من داره وارتفع الغبار فتمنع بثوبه وعرض بوجهه ، قال ، فقال علي عليه‌السلام لعمار اذا قلت شيئا فرد علي قال ، فقال علي عليه‌السلام :

لا يستوى من يعمر المساجد

يظل فيها راكعا وساجدا

كمن يرى عن الطريق عائدا.

______________________________________________________

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أفتحب أن تقال‌

أي أن تذكر عند الناس بهذه المقالة وينسب إليك هذا القول ، أو أن تكون مكتوبا عند الله بها وتكتبها الكتبة عليك وتثبتها في صحيفة عملك.

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اكتب هذا في صاحبك‌

أي في عمار ، وهذا اشارة الى ما أمر بكتبته وهو ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ) (١) أو في عثمان فيكون هذا اشارة الى ( يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا ) (٢) والمعنى : اكتب يمنون عليك أن أسلموا في عثمان وانما المؤمنون الذين آمنوا في عمار.

قوله عليه‌السلام : فتمنع بثوبه‌

أي تأبه وتعزز ، وتفعلا من المنعة بالتحريك ، أو بالتسكين أيضا بمعنى العز ،

__________________

(١) سورة الحجرات : ١٥‌

(٢) سورة الحجرات : ١٧‌

١٤٠