إختيار معرفة الرّجال - ج ١

أبي جعفر محمّد بن الحسن بن علي بن الحسن الطّوسي [ شيخ الطائفة ]

إختيار معرفة الرّجال - ج ١

المؤلف:

أبي جعفر محمّد بن الحسن بن علي بن الحسن الطّوسي [ شيخ الطائفة ]


المحقق: السيد مهدي الرجائي
الموضوع : رجال الحديث
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤١٦
الجزء ١ الجزء ٢

قال حدثني علي بن محمد بن شجاع عن أبي العباس أحمد بن حماد المروزي عن الصادق عليه‌السلام انه قال في الحديث الذي روى فيه « ان سلمان كان محدثا » قال : انه‌

______________________________________________________

عنه محمد بن مسعود العياشي ، ذكر أحمد بن الحسين رحمه‌الله أن له كتاب الرد على من زعم أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان على دين قومه قبل النبوة ، طريقنا اليه شيخنا أبو عبد الله محمد بن محمد عن جعفر بن محمد بن قولويه عن محمد بن عمر بن عبد العزيز الكشي عنه (١).

والذي رأيناه في كتاب الكشي ، وفي كتاب الاختيار منه للشيخ على اتفاق النسخ ، وفي الاختيار منه للسيد بن طاوس « التاجر » مكان « العاجز » بالتاء المثناة من فوق قبل الالف والراء بعد الجيم.

وكذلك قال الحسن بن داود : جعفر بن أحمد بن أيوب السمرقندي يقال له : ابن التاجر كذا رأيته بخط الشيخ (ره) (٢).

وهو مطابق لما رأيناه مذ اشتغلنا بهذه العلوم الى الان في نسخ كتاب الرجال للشيخ ، لكن الموجود فيها بأسرها جعفر بن محمد بن أيوب يعرف بـ « ابن التاجر » أو « المتاجر » من أهل سمرقند متكلم له كتب (٣) ، لا جعفر بن أحمد كما في كتاب الكشي والنجاشي.

قوله رحمه‌الله : على بن محمد بن شجاع‌

وهو الذي يقال له علي بن شجاع النيسابوري ، ذكره الشيخ في أصحاب أبي محمد العسكري عليه‌السلام قال : علي بن شجاع نيسابوري (٤)

__________________

(١) رجال النجاشى : ٩٣ ـ ٩٤ ط طهران.

(٢) رجال ابن داود : ٨٢‌

(٣) رجال الشيخ : ٤٥٨‌

(٤) رجال الشيخ : ٤٣٣‌

٦١

كان محدثا عن امامه لا يجوز به لأنه لا يحدث عن الله عز وجل الا الحجة.

٣٥ ـ طاهر بن عيسى قال : حدثني أبو سعيد قال : حدثني الشجاعي عن يعقوب ابن يزيد عن ابن أبي عمير عن خزيمة بن ربيعة يرفعه قال : خطب سلمان الى عمر فرده ، ثم ندم فعاد اليه فقال : انما أردت أن اعلم ذهبت حمية الجاهلية عن قلبك أم هي كما هي.

٣٦ ـ حمدويه بن نصير قال : حدثنا محمد بن عيسى العبيدي عن يونس بن‌

______________________________________________________

قوله عليه‌السلام : لا يجوز به‌

الباء للتعدية والعائد لكونه محدثا ، أي لا يتعدى بكونه محدثا ولا يعد به عن امامه الى ملك يحدثه عن الله عز وجل ، فان المحدثية على هذا السبيل لا تكون الا للحجة وغير الحجة انما محدثيته بتوسط النبي ، والحجة لا عن الله بواسطة الملك لا غير.

وفي بعض النسخ « لا عن ربه » وهو تصحيف لا يجوز به.

قوله رحمه الله تعالى : قال : حدثنى الشجاعى‌

الذي استبان لنا أن الشجاعي المتكرر وروده في الاسانيد اسمه الحسن بن طيب يروي عنه العاصمي ذكر أبو العباس النجاشي ذلك في كتابه ، واستفدناه منه قال : الحسن بن طيب بن حمزة الشجاعي غير خاص في أصحابنا رووا عنه له كتاب ذوات الاجنحة ، ثم أسند طريقه اليه وقال : أخبرنا محمد بن محمد عن أبي الحسن ابن داود قال حدثنا الحسين بن علان قال حدثنا العاصمي عنه بهذا الكتاب (١).

قوله عليه‌السلام : ثم ندم فعاد اليه‌

يعني ثم سلمان ندم عن خطبته الى عمر ، فعاد الى عمر فقال له ذلك.

قوله رحمه الله تعالى : قال حدثنا محمد بن عيسى العبيدى‌

هذا هو الصحيح ، وفي نسخ كثيرة « العنبري » مكان « العبيدي » وذلك من‌

__________________

(١) رجال النجاشى : ٣٦‌

٦٢

عبد الرحمن ومحمد بن سنان عن الحسين بن المختار عن أبي بصير عن أبي عبد الله‌

______________________________________________________

تحريفات الناسخين وتصحيفاتهم ، وان كان واردا في الانساب نسبة الى قرية باليمن ، أو كناية عن خلوص النسب ، وعنبري البلد مثل في الهداية ، لان بني العنبر أهدى قوم قاله في القاموس (١) وغيره.

قوله رحمه الله تعالى : عن الحسين بن المختار‌

هو القلانسي الكوفي قال الشيخ في كتاب الرجال : واقفي له كتاب (٢).

وقال النجاشي : أبو عبد الله كوفي مولى أحمس من بجيلة وأخوه الحسن يكنى أبا محمد ذكرا فيمن روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن عليهما‌السلام ، له كتاب يرويه عنه حماد بن عيسى وغيره (٣).

وقال ابن عقدة : عن علي بن الحسن أنه كوفي ثقة (٤).

وفي ارشاد شيخنا المفيد في باب النص على الرضا عليه‌السلام : أنّه من خاصة الكاظم وثقاته وأهل الورع والعلم والفقه من شيعته (٥).

وروى أبو جعفر الكليني رضوان الله تعالى عليه في جامعه الكافي أنه قال : الحسين بن المختار قال لي الصادق عليه‌السلام رحمك الله ، وقد روى جماعة من الثقات عنه نصا على الرضا عليه‌السلام.

قلت : فذلك يدافع كونه واقفيا ، ولذلك لم يحكم به النجاشي ولا نقله عن أحد على ما هو المعلوم من ديدن النجاشي ، وبالجملة الرجل من أعيان الثقات وعيون الاثبات والله سبحانه أعلم.

__________________

(١) القاموس : ٢ / ٩٦‌

(٢) رجال الشيخ : ١٦٩ و ٣٤٦‌

(٣) رجال النجاشى : ٤٣‌

(٤) الخلاصة : ٢١٥‌

(٥) الارشاد : ٣٠٤ ط بيروت وفيه من خاصته الخ.

٦٣

عليه‌السلام قال : كان والله علي محدثا ، وكان سلمان محدثا قلت : اشرح لي. قال : يبعث الله اليه ملكا ينقر في اذنه يقول كيت وكيت.

٣٧ ـ جبرئيل بن أحمد حدثني محمد بن عيسى عن حماد بن عيسى عن حريز عن الفضيل بن يسار عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : قال لي : تروي ما يروي الناس ان عليا عليه‌السلام قال في سلمان « أدرك علم الاول وعلم الاخر »؟ قلت : نعم قال : فهل تدري ما عني؟ قلت : يعني علم بني اسرائيل وعلم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. فقال : ليس هكذا يعني ولكن علم النبي وعلم علي وأمر النبي وأمر علي.

______________________________________________________

قوله عليه‌السلام : قلت : اشرح لى قال : يبعث الله اليه ملكا‌

في الكافي رئيس المحدثين أبي جعفر الكليني رضي الله تعالى عنه في كتاب الحجة باب الفرق بين الرسول والنبي والمحدث (١).

وهذا الباب من غامضات العلم وغوامض الحكمة ، وقد شرحنا منهجه وأوضحنا سبيله في غير موضع واحد فنقول : قد استبان في علم ما فوق الطبيعة في باب الإيحاءات والنبوات وفي العلم الطبيعي في كتاب النفس ، وحقق شريكنا السالف في الرئاسة في إلهيات الشفاء وطبيعياته ، ونحن في قبسات الحق اليقين وفي سدرة المنتهى وفي الرواشح السماوية :

ان ذا القوة القدسية الصائر باستكمال نفسه المجردة في مرتبة العقل المستفاد عالما عقليا مطابقا لعوالم الوجود ، قوته العقلية كبريت ، وروح القدس الذي هو العقل الفعّال وواهب الصور باذن ربه نار ، واذا صار من حزبه وانخرط في سلكه اشتعل ناره في كبريته دفعة وأحال نفسه الى جوهر ذاته.

فالنفس المجردة العاقلة بحسب كمال هذه القوّة شجرة يكاد زيتها يضي‌ء ولو لم تمسسه نار نور على نور ، فمن كانت لشجرة نفسه القدسية ثلاث خاصيات بحسب استكمال قوى ثلاث كان نبيا ، له ضروب النبوة الثلاثة من جهة كمال قوتيه‌

__________________

(١) أصول الكافى : ١ / ١٣٤‌

٦٤

______________________________________________________

النظرية التي منها انبجاس مبادي الادراكات والعملية التي منها انبعاث مبادي التحريكات.

الاولى : ما بحسب كمال القوة العاقلة ، وهي أن تكون علومه كلها بالحدس ونظريات العقلاء من المقتنصات الفكرية بالنسبة اليه جميعها حدسيات ، والمعجزات العقلية كلها من هذا السبيل.

والثانية : ما بحسب كمال القوة المتخيلة وكمال القوة المشتركة المسماة عند الفلاسفة « بنطاسيا » ، وهي أن يتيسر له الابصار والسماع في اليقظة ، لا من سبيل الظاهر من ممر الجليدية وطريق الصماخ ، بل من جنبته الباطن من سبيل الاتصال بعالم العقل والانخراط في سلك الصائرين الى اقليم نور الله سبحانه ، لشدة صقالة مرائي (١) القوى الحسية واستحكام شبهها بألواح الاذهان النقية المجردة العقلية ، ولا يتصحح ذلك للناقصين الا في النوم.

فبحسب كمال هذه القوة فتشبح وتتمثل الابصار النبي بالرؤية البصرية في اليقظة فيبصرهم ، وينتظم ويتركب لسماعه بالقوة السمعية كلام الله تعالى على لسان الملك المتشبح له فيسمعه.

وهذا سبيل باب الوحي والايحاء وله من هذا السبيل المعجزات القولية والاخبار بالمغيبات والانذار بالعقوبات قبل وقوعها.

الثالثة : ما بحسب كمال قوة النفس في جوهر ذاتها باعتبار الفطرة الاولى الجبلية المفطورة على استعدادها الفطري وتأكد علاقة الارتباط بجناب الله ، والتخلق بأخلاق الله في الفطرة الثانية المكسوبة في استعداداتها الكسبية ، وهي أن تكون له ملكة ولوج في ملكوت السماء ومصير الى ذي الملك والملكوت بحسبها تطيعه‌

__________________

(١) المرائى جمع قلة للمراء وجمع الكثرة المرايا. قال في الصحاح : المراة بكسر الميم التى ينظر فيها وثلاث مراء والكثير مرايا « منه » ٦ / ٢٣٤٩‌

٦٥

٣٨ ـ علي بن محمد القتيبي قال : حدثني أبو محمد الفضل بن شاذان قال : حدثنا ابن أبي عمير عن عمر بن يزيد قال : قال سلمان : قال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اذا حضرك أو أخذك الموت حضر أقوام يجدون الريح ولا يأكلون الطعام ، ثم أخرج صرة من مسك فقال : هيه أعطانيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال : ثم بلها ونضحها حوله ثم‌

______________________________________________________

هيولى عالم العناصر وتنقاد له صور الاسطقسات (١).

ومن هذا السبيل له المعجزات الفعلية ، فالمرتبة المستجمعة لهذه الخاصيات في درجة النبوة بضروبها الثلاثة.

ثم اذا اشتعلت القوة واستعلت النبوة واختص النبي بسنة قائمة بالقسط وشريعة ناسخة للشرائع ارتفع الى درجة الرسالة ، فاذا قويت له هذه الشئون واستحكمت هذه الملكات واشتدت أشعة الاتصال بنور الأنوار واستكملت الخاصيات الثلاث واستتم نصاب استكمال ضروب الثلاث جدا استحق خاتمية الانبياء وسيدودة المرسلين ، وصار بحيث لا تتصور في مراتب سلسلة العود مرتبة صعودية تتوسط بينه وبين جناب معاد الوجود ومنتهاه ، كما لا تتصور في مراتب سلسلة البدو مرتبة هبوطية تتوسط بين جناب مبدء المبادي وغاية الغايات وبين مجعوله الاول.

واذا كان ذو القوة القدسية انما يتهيأ في الاتصال بعالم الملكوت للسماع من سبيل الباطن فقط من دون أن يبصر شبحا متمثلا ويعاين صورة متشبحة فهو المحدث بالفتح على صيغة المفعول ، وهو الامام والحجة ، وأما غيره فلا يكون محدثا على الحقيقة بل انما على سبيل التجوز والتوسع من باب المجاز فليعلم.

قوله رحمه‌الله : فقال : هيه اعطانيها رسول الله (ص)

هيه مبنية على الكسر وأصلها « ايه » قلبت همزتها هاء ، ولقد تكررت في الحديث جدا على الاصل وعلى القلب ، وهي كلمة الاستزادة اسما لفعل هو فعل الامر أي زدني من كذا ، أو فعل آخر يدل على ابتغاء الزيادة وطلبها مثل ابتغى زيادة كذا وأريدها وأطلبها مثلا.

__________________

(١) في « س » : الاستقسات.

٦٦

______________________________________________________

قال ابن الاثير في النهاية في حرف الهاء : في حديث أمية وأبي سفيان قال : يا صخر هيه فقلت : هيها ، هيه بمعنى ايه فأبدل من الهمزة هاء ، وايه اسم سمي به الفعل ومعناه الامر ، تقول للرجل : ايه بغير تنوين اذا استزدته من الحديث المعهود بينكما ، وان نونت استزدته من حديث غير معهود. لان التنوين للتنكير ، فاذا سكته وكففته قلت : ايها بالنصب فالمعنى ان أمية قال له : زدني من حديثك ، فقال أبو سفيان كف عن ذلك (١).

وقال في باب الهمزة : فيه ـ أي الحديث ـ أنه عليه‌السلام أنشد شعر أمية بن أبي الصلت فقال عند كل بيت : ايه ، هذه كلمة تراد بها الاستزادة وهي مبنية على الكسر فاذا وصلت نونت فقلت : ايه حدثنا ، واذا قلت ايها بالنصب فانما تأمره بالسكوت وقد ترد المنصوبة بمعنى التصديق والرضا بالشي‌ء. ومنه حديث ابن الزبير لما قيل له يا بن ذات النطاقين فقال : ايها ، أي صدقت ورضيت بذلك ، ويروى ايه بالكسر أي زدني من هذه المنقبة (٢).

وفي أساس البلاغة : ايه حديثا استزاده وايها لا تحدث كف (٣).

والجوهري زاد على ذلك في الصحاح قال : ايه اسم سمي به الفعل تقول للرجل اذا استزدته من حديث أو عمل : ايه بكسر الهاء ، قال ابن السكيت : فان وصلت نونت فقلت : ايه حدثنا ، اذا قلت ايه يا رجل فانما تأمره بأن يزيدك من الحديث المعهود بينكما كأنك قلت هات الحديث ، فان قلت ايه بالتنوين فانك قلت هات حديثا ما ، لان التنوين تنكير ، فاذا سكته وكففته قلت ايها عنا ، واذا أردت التبعيد قلت ، أيها بفتح الهمزة بمعنى هيهات (٤).

__________________

(١) نهاية ابن الاثير : ٥ / ٢٩٠‌

(٢) نهاية ابن الاثير : ١ / ٨٧‌

(٣) أساس البلاغة : ٢٦ ط دار صادر.

(٤) الصحاح : ٦ / ٢٢٢٦‌

٦٧

قال لا مرته : قومي أجيفي الباب فقامت وأجافت الباب فرجعت وقد قبض رضي‌الله‌عنه.

حكي عن الفضل بن شاذان انه قال : ما نشأ في الإسلام رجل من كافة الناس كان أفقه من سلمان الفارسي.

٣٩ ـ أبو صالح خلف بن حماد الكشي قال : حدثني الحسن بن طلحة المروزي يرفعه عن حماد بن عيسى عن ابراهيم بن عمر اليماني عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : تزوج سلمان امرأة من كندة فدخل عليها فاذا لها خادمة وعلى بابها عباءة ، فقال سلمان ان في بيتكم هذا لمريضا أو قد تحولت الكعبة فيه فقيل : المرأة أرادت أن تستر على نفسها فيه. قال : فما هذه الجارية؟ قالوا كان لها شي‌ء فأرادت أن تخدم. قال انّي سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : أيّما رجل كانت عنده جارية فلم يأتها أو لم يزوجها‌

______________________________________________________

قوله رضي‌الله‌عنه : أجيفى الباب‌

من الاجافة قال في الصحاح : أجفت الباب أي رددته (١).

وأصل الاجافة الايصال الى الجوف يقال : جافه الطعن والداء اذا وصل الى جوفه وأجافه الطاعن أوصله الى الجوف وطعنة جائفة.

قوله عليه‌السلام : فقال سلمان : ان في بيتكم هذا لمريضا أو قد تحولت الكعبة‌

أي في بيتكم مريض قد تخوفتم عليه فعطيتم على الباب بهذه العباءة خوفا من وصول الهواء اليه ، أو تحولت الكعبة من مكانها الى موضع بيتكم فالبستموه لباس الكعبة.

و « العباية » بفتح العين كساء واسع مخطط. والعباءة بالمد والهمزة لغة فيها ، والجمع عباء بالفتح قاله في المغرب.

__________________

(١) الصحاح : ٤ / ١٣٣٩‌

٦٨

من يأتيها ثم فجرت كان عليه وزر مثلها ومن أقرض قرضا فكأنّما تصدق بشطره ، فان أقرضه الثانية كان برأس المال وآدى الحق الى صاحبه أن يأتيه به في بيته أو في رحله فيقول ها وخذه.

٤٠ ـ محمد بن مسعود ، قال حدثني محمد بن يزداذ الرازي ، عن محمد بن‌

______________________________________________________

قوله (ص) : وآدى الحق الى صاحبه أن يأتيه به في بيته‌

آدى بالمد على صيغة أفعل التفضيل من الاداء ، والضمير في يأتيه وبيته ورحله لصاحب الحق وفي « به » للحق ، وهاء مبنيا على الفتح : اما صوت يفهم منه خذ ، واما من أسماء الافعال للواحد المذكر ، وهاءيا للمثنى ، وهاؤم للجمع.

والمعنى : أوثق الناس في الامانة وآداهم للحق الى أهله من يأتي صاحب الحق بحقه في بيته أو في رحله فيقول له : خذ حقك الذي أتيتك به.

خذه على التأكيد أوخذ استوف مني حقك ، على اجتماع عاملين متوجهين نحسو معمول واحد ، واعمال الاول منهما على مذهب الكوفيين ، والثاني طريقة البصريين ، كما في قوله سبحانه ( هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ ) (١) ونظيره ( آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً ) (٢).

واما اسقاط المد والهمزة من هاء وجعل الكلام ها خذه على كلمة التنبيه والاحضار ، فحسبان واه ، اذ هاء التنبيهية مسلكها تنبيه الطالب على حضور مطلوبه ومبتغاه.

والحديث الكريم مغزاه : أن المرء انما يكون للحق آدى اذا أتى به صاحبه فأداه اليه من غير طلب منه فليعرف.

قوله رحمه الله تعالى : محمد بن يزداذ‌

بالياء المثناة من تحت والزاء قبل الدال المهملة والذال المعجمة بعد الالف ،

__________________

(١) سورة الحاقه : ١٩‌

(٢) سورة الكهف : ٩٦‌

٦٩

علي الحداد ، عن مسعدة بن صدقة ، عن جعفر ، عن أبيه عليه‌السلام قال : ذكرت التقيّة يوما عند علي عليه‌السلام فقال : أن لو علم أبو ذر ما في قلب سلمان لقتله وقد آخى رسول الله بينهما ، فما ظنّك بسائر الخلق.

٤١ ـ حمدويه وابراهيم ابنا نصير ، قالا حدثنا أيوب بن نوح ، عن صفوان ابن يحيى ، عن عاصم بن حميد ، عن ابراهيم بن أبي يحيى ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام الميثب هو الذي كاتب عليه سلمان فأفاءه الله على رسوله فهو في صدقتها ، يعني صدقة فاطمة عليها‌السلام.

______________________________________________________

ذكره الشيخ في أصحاب أبي محمد العسكري عليه‌السلام (١).

قال أبو عمرو الكشي : قال ابن مسعود : لا بأس به (٢).

قوله رحمه‌الله : ابنا نصير‌

الطريق صحيح عالي الاسناد في الطبقة الاولى وابراهيم بن أبي يحيى الصواب فيه ابراهيم بن أبي البلاد يحيى. وكأنه ايهام من النساخ.

قوله عليه‌السلام : الميثب‌

هو من الحوائط التي هي من أوقاف سيدة النساء عليها‌السلام وهي سبعة وقفتها صلوات الله عليها وأوصت بها ، وهذا معنى قوله عليه‌السلام فهو في صدقتها يعني صدقة فاطمة عليها‌السلام.

روى ذلك أبو جعفر الكليني في الكافي وأبو جعفر بن بابويه في كتاب من لا يحضره الفقيه (٣).

و « المئثب » بكسر الميم والهمزة قبل الثاء المثلثة والباء الموحدة أخيرا ، والميم فيه زائدة لا من جوهر الكلمة ، ويروي الميثب بالياء المثناة من تحت مكان الهمزة.

__________________

(١) رجال الشيخ : ٤٣٦ وفيه بالدال المهملة أخيرا أيضا.

(٢) رجال الكشى : ٥٣٠ ط جامعة مشهد و ٤٤٦ ط النجف الاشرف.

(٣) الفقيه : ٤ / ١٨٠ وفروع الكافى : ٧ / ٤٧.

٧٠

٤٢ ـ نصر بن الصبّاح وهو غال ، قال حدثني اسحاق بن محمد البصري وهو متّهم ، قال حدثنا أحمد بن هلال ، عن علي بن أسباط ، عن العلاء ، عن محمد بن حكيم قال ذكر عند أبي جعفر عليه‌السلام سلمان ، فقال : ذلك سلمان المحمدي ، ان سلمان منّا أهل البيت ، انه كان يقول للناس : هربتم من القرآن الى الأحاديث ، وجدتم كتابا رقيقا حوسبتم فيه على النقير والقطمير والفتيل وحبة خردل فضاق ذلك عليكم وهربتم الى الأحاديث التي اتبعت عليكم.

______________________________________________________

قال في القاموس في أ ـ ب : المئثب : كمنبر المشمل والارض السهلة والجدول وما ارتفع من الارض ، والمآثب جمعه وموضع أو جبل كان فيه صدقاته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١).

وقال في و ـ ب : الميثب بكسر الميم الارض السهلة وما ارتفع من الارض وماء لعبادة وماء لعقيل ومال بالمدينة إحدى صدقاته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وموضع بمكة عند غدير خم والجدول ، وموثب كمجلس ومقعد موضع (٢).

وقال الصدوق رضوان الله تعالى عليه في الفقيه : روي أن هذه الحوائط كانت وقفا ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يأخذ منها ما ينفق على أضيافه ومن يمر به ، فلما قبض جاء العباس يخاصم فاطمة عليها‌السلام فيها فشهد علي عليه‌السلام أنها وقف عليها.

المسموع من ذكر أحد الحوائط الميثب ، ولكني سمعت السيد أبا عبد الله محمد بن الحسن الموسوي أدام الله توفيقه يذكر أنها تعرف بالميثم (٣).

قوله رحمه‌الله : اسحاق بن محمد البصرى وهو متهم‌

بضم الميم وفتح المثناة من فوق المشددة ، كما يرد في الكتاب كذلك ، ومنهم بالنون تصحيف.

__________________

(١) القاموس : ١ / ٣٦‌

(٢) القاموس : ١ / ١٣٦‌

(٣) من لا يحضره الفقيه : ٤ / ١٨١‌

٧١

٤٣ ـ آدم بن محمد القلانسي البلخي ، قال حدثنا علي بن الحسين الدقاق النيسابوري ، قال أخبرنا محمد بن عبد الحميد العطار ، قال حدثنا ابن أبي عمير ، قال حدثنا ابراهيم بن عبد الحميد ، عن عمر بن يزيد ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : مر سلمان على الحدادين بالكوفة واذا شاب قد صرع والناس قد اجتمعوا حوله. فقالوا يا أبا عبد الله هذا الشاب قد صرع فلو جئت وقرأت في أذنه! قال : فجاء سلمان فلما دنا منه رفع الشاب رأسه فنظر اليه فقال : يا أبا عبد الله ليس منه شي‌ء مما يقول هؤلاء ، لكني مررت بهؤلاء الحدادين وهم يضربون بالمرازب فذكرت قول الله تعالى ( وَلَهُمْ مَقامِعُ مِنْ حَدِيدٍ ) قال : فدخلت في قلب سلمان من الشاب محبة فاتخذه أخا ، فلم يزل معه حتى مرض الشاب ، فجائه سلمان فجلس عند رأسه وهو في الموت. فقال : يا ملك الموت ارفق بأخي ، فقال : يا أبا عبد الله اني بكل مؤمن رفيق.

٤٤ ـ نصر بن صباح البلخي أبو القاسم ، قال حدثني اسحاق بن محمد البصري قال حدثني محمد بن عبد الله بن مهران ، عن محمد بن سنان ، عن الحسن بن منصور ، قال قلت للصادق عليه‌السلام : أكان سلمان محدثا؟ قال : نعم. قلت : من يحدثه؟ قال : ملك كريم. قلت : فاذا كان سلمان كذا فصاحبه أى شي‌ء هو؟ قال : أقبل على شأنك.

______________________________________________________

قوله عليه‌السلام : وهم يضربون بالمرازب‌

جمع المرزبة بكسر الميم وفتح الزاء وتخفيف الموحدة على اسم الاله ، ومنهم من شددها.

وقال ابن الاثير : المرزبة بالتخفيف المطرقة الكبيرة التي تكون للحدادين ، ومنه حديث الملك « وبيده مرزبة » ويقالها الارزبة أيضا بالهمزة والتشديد (١).

وكذلك في الصحاح : الارزبة التي يكسر بها المدر ، فان قلتها بالميم خففت قلت المرزبة (٢).

__________________

(١) نهاية ابن الاثير : ٢ / ٢١٩‌

(٢) الصحاح : ١ / ١٣٥‌

٧٢

٤٥ ـ علي بن الحسن ، قال حدثني محمد بن اسماعيل بن مهران ، قال حدثنا اسحاق بن ابراهيم الصواف ، قال حدثنا يوسف بن يعقوب ، عن النهاش بن فهم ، عن عمرو بن عثمان ، قال دخل سلمان على رجل من إخوانه فوجده في السياق ، فقال : يا ملك الموت ارفق بصاحبنا! قال : فقال الاخر يا أبا عبد الله ان ملك الموت يقرئك السّلام وهو يقول : ألا وعزة هذا البناء ليس إلينا شي‌ء.

٤٦ ـ أبو عبد الله جعفر بن محمد شيخ من جرجان عامي ، قال حدثنا محمد بن حميد الرازى ، قال حدثنا علي بن مجاهد ، عن عمرو بن أبي قيس ، عن عبد الاعلى ، عن أبيه ، عن المسيب بن نجبة الفزاري ، قال : لما أتانا سلمان الفارسي قادما ،

______________________________________________________

وفي المغرب : المرزبة الميتدة ، وعن الكسائي تشديد الباء.

وفي القاموس : الارزبة والمرزبة مشددتان أو الاولى فقط عصية من حديد (١).

قوله رحمه‌الله : وهو يقول ألا وعزة هذا البناء ليس إلينا شي‌ء‌

ألا بالفتح والتخفيف كلمة استفتاح وتزيين الكلام : اما لتنبيه المخاطب ، أو لتوجيه الخطاب نحوه ، أو لتفهيمه سر الامر ومغزاه ، واما للتحقيق والتأكيد والتسجيل على الامر ، واما للحث والتخصيص والتحريص على الطلب ، وقد تورد للتوبيخ والانكار وتكون أيضا للاستفهام على النفي ، وقد وردت في التنزيل الكريم علي وجوه الاستعمالات جميعا.

والواو للقسم وعزة هذا البناء مقسم بها.

والمعنى بهذا البناء بناء هيكل بدن العالم الصغير الذي هو الانسان ، أو بناء هيكل بدن الانسان الكبير وهو العالم الاكبر بجملة نظام الوجود من البدو الى الساقة.

والمعنى : ليس لنا من الامر إلينا شي‌ء ، بل الامر كله بيد الله وانما نحن عباد مأمورون مطيعون.

__________________

(١) القاموس : ١ / ٧٣‌

٧٣

تلقّيته فيمن تلقاه فسار حتى انتهى الى كربلاء ، فقال : ما تسمون هذه؟ قالوا كربلاء فقال : هذه مصارع اخواني ، هذا موضع رحالهم ، وهذا مناخ ركابهم ، وهذا مهراق دمائهم ، قتل بها خير الاولين ، ويقتل بها خير الاخرين ، ثم سار حتى انتهى الى حروراء ، فقال : ما تسمون هذه الارض؟ قالوا : حروراء. فقال : حروراء خرج بها‌

______________________________________________________

قوله رحمه‌الله : تلقيته فيمن تلقاه‌

على التفعل من اللقاء ، أي استقبلته في جملة من استقبله ، ومنه النهي عن تلقي الركبان في كتاب المتاجر.

قوله رضى الله تعالى عنه : وهذا مناخ ركابهم‌

بضم الميم على اسم المكان من باب الافعال فانه يكون على هيئة اسم المفعول ، وركابهم بكسر الراء وهو اسم لجنس الابل.

قال في القاموس : المناخ بالضم مبرك الابل وقال : الركاب ككتاب الابل واحدتها راحلة (١).

قوله رحمه‌الله : وهذا مهراق دمائهم‌

بضم الميم وفتح الهاء على مفعل ، بالفتح أيضا اسم المكان من هراق الماء يهريقه ، بفتح الهاء فيهما هراقة بالكسر ، بمعنى أراقه يريقه اراقة صبه ، والهاء بدل من الهمزة وصارت بلزومها كأنها من نفس الحرف ، فلذلك ربما يبنى منه أهراق بفتح الهمزة يهريق بتسكين الهاء فيهما أهرياقا على الجمع بين البدل والمبدل. وبسط القول فيه في المعلقات على الفقيه وعلى الاستبصار.

قوله رضى الله تعالى عنه : قتل بها خير الاولين‌

كأنه عني به هابيل وخير الاخرين هو أبو عبد الله الحسين عليه‌السلام.

قوله رحمه‌الله : الى حرورا‌

هي بإهمال الهاء المفتوحة وضم الراء قبل الواو وبالقصر وبالمد قرية الخوارج‌

__________________

(١) القاموس : ١ / ٢٧٢ و ٧٥‌

٧٤

شر الاولين ويخرج بها شر الاخرين ، ثم سار حتى انتهى الى بانقيا وبها جسر الكوفة الاول ، فقال : ما تسمون هذه؟ قالوا : بانقيا ، ثم سار حتى انتهى الى الكوفة قال : هذه الكوفة؟ قالوا : نعم. قال : قبة الإسلام.

٤٧ ـ محمد بن مسعود ، قال حدثنا أبو عبد الله الحسين بن إشكيب ، قال أخبرني الحسن بن خرزاذ القمي ، قال أخبرنا محمد بن حماد الساسي ، عن صالح بن فرج ، عن زيد بن المعدل ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : خطب سلمان‌

______________________________________________________

لعنهم الله.

قال ابن الاثير في النهاية : الحرورية طائفة من الخوارج نسبوا الى حروراء وحرورا بالمد والقصر ، هو موضع قريب من الكوفة ، كان أول مجتمعهم فيها ، وهم أحد الخوارج الذين قاتلهم علي كرم الله وجهه (١).

وفي القاموس : حروراء كجلولاء ، وقد تقصر قرية بالكوفة وهو حروري (٢).

قوله رضى الله تعالى عنه : خرج بها شر الاولين‌

شر الاولين هو عاقر ناقة صالح وشر الاخرين قاتل أمير المؤمنين عليه‌السلام عبد الرحمن ابن ملجم المرادي ضاعف الله عليه العذاب واللعنة ، والحديث بذلك عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مشهور متواتر عند العامة والخاصة.

قوله رحمه‌الله : حتى انتهى الى بانقيا‌

بالموحدة قبل الالف والنون المكسورة بعدها قبل القاف الساكنة والياء المثناة من تحت قبل الالف.

قال في القاموس : نقيا ـ بالكسر ـ قرية بالانبار منها يحيى بن معين وبانقيا قرية بالكوفة (٣).

__________________

(١) نهاية ابن الاثير : ١ / ٣٦٦‌

(٢) القاموس : ٢ / ٨‌

(٣) القاموس : ٤ / ٣٩٧‌

٧٥

فقال : الحمد لله الذي هداني لدينه بعد جحودى له ؛ اذ أنا مذك لنار الكفر أهلّ لها نصيبا أو أثبت لها رزقا ، حتى ألقى الله عز وجل في قلبي حب تهامة فخرجت جائعا ظمآن قد طردني قومي وأخرجت من مالي ولا حمولة تحملني ولا متاع يجهزني‌

______________________________________________________

( خطبة سلمان رضى الله تعالى عنه المحتوية على الغوامض والاسرار )

قوله رضى الله تعالى عنه : اذ أنا مذك لنار الكفر أهل لها نصيبا أو أثبت لها رزقا‌

ذكت النار والشمس تذكو اتقدت وأضاءت وذكيتها تذكية ، وذكاء اسم للشمس ، وابن ذكاء للصبح ، وذلك أن يتصور الصبح تارة ابن للشمس ، وتارة حاجبا لها فيقال : حاجب الشمس ، ومن هناك يعبر عن سرعة الادراك وحدة الفهم بالذكاء ، وعلى ذلك قولهم فلان شعله نار وذكيت الشاة ذبحتها.

وحقيقة التذكية اخراج الحرارة الغريزية ، لكن خصت في الشرع بابطال الحياة واذهاقها على وجه دون وجه.

والاهلال أصله رفع الصوت عند رؤية الهلال ، ثم استعمل لكل صوت ، وبذلك شبه اهلال الصبي واستهلاله وقوله عز من قائل ( وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ ) (١) يعني ما ذكر عليه غير اسم الله ، وهو ما كان يذبح لا جل الاصنام ، وقيل : الاهلال والتهلل أن يقول : لا إله الا الله.

ومن هذه الجملة ركبت هذه اللفظة ، كما قولهم التبسمل والبسملة والتحولق والحولقة والتجعفل والجعفلة ، بناء تركيبيا من قول الرجل « بسم الله الرحمن الرحيم » و « لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم » و « جعلت فداك ».

ومنه الاهلال بالحج ، وتهلل السحاب برقه أي تلا لا تشبيها له في ذلك بالهلال.

والمعنى : كنت أهل للنار بما يكون للنيران من القرابين نصيبا ، وأثبت وأحصل من ديوان السلطان من الارتزاق لبيوت النار طسقا ورزقا.

__________________

(١) سورة المائدة : ٣ وسورة النحل : ١١٥‌

٧٦

ولا مال يقويني ، وكان من شأني ما قد كان ، حتى أتيت محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فعرفت من العرفان ما كنت أعلمه ورأيت من العلامة ما أخبرت بها ، فأنقذني به من النار فبنت من الدنيا على المعرفة التي دخلت عليها في الإسلام.

الا أيّها الناس اسمعوا من حديثي ثم اعقلوا عنّي قد أتيت العلم كبيرا ولو أخبرتكم بكل ما أعلم لقالت طائفة لمجنون وقالت طائفة أخرى ؛ اللهم اغفر لقاتل سلمان.

______________________________________________________

قوله رضى الله تعالى عنه : فبنت من الدنيا‌

بكسر الموحدة واسكان النون من بان عن الشي‌ء يبين بينا وبينونة وبينونا : انفصل عنه وانقطع وانقلع ، والبين أيضا الوصل فهو من الاضداد ، والبون : الفضل والمزية ، يقال بانه يبينه ويبونه وباينه فاضله وفضل عليه ، ومنها وبينها بون بعيد.

قال في الصحاح : والواو أفصح فأما في البعد فيقال : ان بينهما لبينا لا غير (١)

قوله رضى الله تعالى عنه : على المعرفه التى دخلت عليها‌

على بيانيه أو نهجية ، أي بينونتي من الدنيا كانت على المعرفة التي كان دخولي في الإسلام عليها.

قوله رضى الله تعالى عنه : قد أتيت العلم كبيرا‌

على صيغة المعلوم من أتاه يأتيه اتيانا ، بمعنى جاءه وحضره ، و « كبيرا » منصوب على الحال ، أي أتيته على الكبر ، أو على ما لم يسم فاعله منه ، و « العلم » منصوب على أنه منزوع الخافض ، أي أتيت بالعلم على الكبر.

ويروى (٢) أتيت العلم كثيرا على المجهول من الايتاء بمعنى الاعطاء ، اي قد اعطيت علما كثيرا.

__________________

(١) الصحاح : ٥ / ٢٠٨٢‌

(٢) كما في المطبوع منه بجامعة مشهد‌

٧٧

ألا أن لكم منايا تتبعها بلايا ، فان عند علي عليه‌السلام علم المنايا وعلم الوصايا وفصل الخطاب على منهاج هارون بن عمران ، قال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنت وصيّي وخلفيتي في أهلي بمنزلة هارون من موسى ، ولكنّكم أصبتم سنّة الاولى وأخطأتم سبيلكم ،

______________________________________________________

قوله رضى الله تعالى عنه : علم المنايا والوصايا وفصل الخطاب‌

المنايا الآجال جمع المنية ، وهي الاجل المقدر للحيوان ، من مناه يمنيه بمعنى قدره ، ومنى له الماني أي قدر ، فالمنية سميت منية لأنها مقدرة لكل ، ومن هناك سمي بها الموت.

وعلم الوصايا المراد به علم الشرائع.

وفصل الخطاب هو الفارق بين الحق والباطل على الفصل والقطع.

قوله رضى الله تعالى عنه : سنة الاولى‌

على اسم الاشارة ، واصابة الشي‌ء ادراكه ونيله ، والخطأ العدول عن الجهة ، وكل من عدل عن سمت شي‌ء ولم يصبه فقد أخطأه ، قالوا : وجملة الامر أن من أراد شيئا واتفق منه غيره يقال : أخطأ ، وان وقع منه كما أراده يقال أصاب ، ويقال لمن فعل فعلا لا يحسن أو أراد ارادة لا تجمل يقال : أخطأ ، ولهذا يقال : أصاب الخطأ وأخطأ الصواب وأصاب الصواب وأخطأ الخطاء.

و « أصبتم سنة الاولى » أي أصبتم طريقة أولئك الاقوام من بني اسرائيل الذين ارتدوا عن السبيل من بعد موسى عليه‌السلام ، وأخطأتم سبيلكم ورجعتم في دينكم القهقرى كما أنهم رجعوا.

وقد أنبأ عن ذلك التنزيل الكريم بقوله سبحانه ( أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ ) (١) والسنة المتواترة الصحيحة الثابتة عند العامة والخاصة من طرق متشعبة على متون متلونة.

من ذلك في صحيحي البخاري ومسلم وصحيحي النسائي والترمذي وفي‌

__________________

(١) آل عمران : ١٤٤‌

٧٨

والذي نفس سلمان بيده لتركبنّ طبقا عن طبق سنة بني اسرائيل القذة بالقذة.

______________________________________________________

سائر أصولهم وصحاحهم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : انما الناس كالإبل الماية لا تكاد تجد فيها راحلة ، وانكم لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لتبعتموهم قالوا : يا رسول الله اليهود والنصارى قال : فمن (١).

وفي رواية تكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي ولا يستنون بسنتي وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان انس قال حذيفة : كيف أصنع يا رسول الله ان أدركت ذلك؟ قال : تسمع وتطيع الامير وان ضرب ظهرك وأخذ مالك (٢).

قوله رضى الله تعالى عنه : لتركبن طبقا عن طبق سنة بنى اسرائيل‌

اقتباس من التنزيل الكريم (٣) ( لَتَرْكَبُنَّ ) هنا بضم الموحدة لا غير على خطاب القوم.

فاما بالتنزيل فقد قرأ بالضم على خطاب الجنس ، وبالفتح على خطاب الانسان في يا أيها الانسان ، وبالكسر على خطاب النفس ، وقرأ بالياء للغيبة مكان تاء الخطاب على فتح الباء على لا يركبن الانسان.

و ( طَبَقاً ) في التنزيل متعين النصب على المفعول ، فاما هنا فيحتمل أن يكون منصوبا على المفعولية فيكون نصب سنة بني اسرائيل على البدل عنه ، أو على نزع الخافض.

أي على سنة بني اسرائيل وحذو طريقتهم ، ويحتمل الحال من ضمير خطاب الجمع فتنصب سنة بني اسرائيل على المفعول ، أي لتركبنها طبقا عن طبق.

و « الطبق » ما طابق غيره يقال : ما هذا بطبق لذا أي ليس يطابقه ، ومنه قيل للغطاء : الطبق ، واطباق الثرى ما تطابق منه ، ثم قيل للحال المطابقة لحال أخرى في الشدة‌

__________________

(١) صحيح مسلم : ٤ / ٢٠٥٤ وكتاب الطرائف : ٣٨٠‌

(٢) رواه مسلم في صحيحه : ٣ / ١٤٧٦ كتاب الامارة ح ٥٢‌

(٣) سورة الانشقاق : ١٩‌

٧٩

أما والله لو وليتموها عليّا لا كلتم من فوقكم ومن تحت أرجلكم ، فابشروا‌

______________________________________________________

والصعوبة ، أو في الكيفية والصفة ، أو في المنزلة والمرتبة طبق ، أو هو جمع طبقة وهي المرتبة من مراتب الشي‌ء ، يقال : الناس على طبقات أي على منازل ودرجات بعضها أرفع من بعض.

ومحل « عن طبق » النصب على أنه صفة لطبقا أي طبقا مجاوز الطبق ، أو حال من ضمير الجمع في لتركبن طبقا. أي مجاوزين لطبق.

فالمعنى : لتركبن طبقا عن طبق أي منزلة بعد منزلة ، أو حالا بعد حال في الحيص والحيود عن سواء السبيل ، أو أحوالا مختلفة هي طبقات ومراتب في الزيغ والعدول عن سبيل الحق ، وأن ذلك الا سنة بني اسرائيل من قبل ، أو لتركبن سنة بني اسرائيل في الزيغ والحيود طبقا عن طبق أي منزلة بعد منزلة ومرتبة بعد مرتبة ، أو طرقا متباينة وطبقات شتى هي مراتب مترتبة وأحوال مختلفة تحذونها حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة.

وقد استفاضت رواية الحديث على هذا الطريق في أصول العامة والخاصة (١).

و « القذة » بضم القاف واعجام الذال المشددة احدى رياش السهم والجمع قذذ

قال في الاساس : قذ الريش بالمقذ حذف أطرافه ، ومنه القذة الريشة المقذوذة يقال : حذو القذة بالقذة ، وألزق القذذ بالسهم ورجل مقذوذ الشعر مقصص حوالي قصاصه كله (٢).

قوله رضى الله تعالى عنه : اما والله لو وليتموها عليا لا كلتم من فوقكم ومن تحت أرجلكم‌

أما بالفتح والتخفيف كلمة تنبيه وتحقيق وتأكيد وتسجيل ، ولو ولّيتموها أي‌

__________________

(١) رواه في الكشاف : ١ / ٦١٦ ، ورواه أيضا العلامة المجلسى في البحار عن صحيح الترمذى : ٢٨ / ٣٠ وأيضا السيد ابن طاوس في الطرائف ، ٣٨٠‌

(٢) أساس البلاغة : ٤٩٧‌

٨٠