إختيار معرفة الرّجال - ج ١

أبي جعفر محمّد بن الحسن بن علي بن الحسن الطّوسي [ شيخ الطائفة ]

إختيار معرفة الرّجال - ج ١

المؤلف:

أبي جعفر محمّد بن الحسن بن علي بن الحسن الطّوسي [ شيخ الطائفة ]


المحقق: السيد مهدي الرجائي
الموضوع : رجال الحديث
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤١٦
الجزء ١ الجزء ٢

أبو سعيد الخدرى‌

٨٣ ـ حمدويه ، قال حدثنا أيوب ، عن عبد الله بن المغيرة ، قال حدثني ذريح عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ، ذكر أبو سعيد الخدري ، فقال : كان من أصحاب رسول الله‌

______________________________________________________

ثم قال : رده فردني فخرجنا نتلقى رسول الله حين أقبل من أحد ، فنظر إليّ فقال : سعد بن مالك؟ قلت : نعم بأبي وأمي ، فدنوت فقبلت ركبته ، فقال : آجرك الله في أبيك وكان قتل يومئذ شهيدا.

توفى أبو سعيد في يوم الجمعة سنة أربع وسبعين ودفن بالبقيع ، وهو ابن أربع وتسعين (١).

قال الذهبي : سعد بن مالك أبو سعيد الخدري من أصحاب الشجرة فقيه ، عنه ابن المسيب وابو بصيرة ، تو في ٧٤.

قلت : أبو سعيد الخدري كان على الاستقامة ومات على الاستقامة ، شهد الجمل والصفين والنهروان ، وهو ممن يروي حديث المارقة الخوارج ، ووصف المخدج ذي الثدية منهم ، وقتله يوم النهروان على صفته التي كان يخبر بها أمير المؤمنين عليه‌السلام

قوله رحمه الله تعالى : قال حدثنى ذريح‌

هو أبو الوليد ذريح ـ باعجام الذال المفتوحة وكسر الراء واسكان الياء المثناة من تحت واهمال الحاء أخيرا ـ ابن محمد بن يزيد المحاربي عربي من بني محارب بن خصفة.

ذكره الشيخ في كتاب الرجال في أصحاب الصادق عليه‌السلام (٢). وقال في الفهرست : ثقة له أصل (٣).

__________________

(١) الاستيعاب لا بن عبد البر مطبوع على هامش الاصابة : ٤ / ٨٩‌

(٢) رجال الشيخ : ١٩١‌

(٣) الفهرست : ٩٥‌

٢٠١

وكان مستقيما ؛ قال : فنزع ثلاثة أيام فغسله أهله ثم حملوه الى مصلاه فمات فيه.

٨٤ ـ محمد بن مسعود ، قال حدثني الحسين بن إشكيب ،

______________________________________________________

والعلامة في الخلاصة نقل عن الشيخ توثيقه (١) ، ولست أجد في الاخبار لتوثيقه مستندا.

والنجاشي لم يوثقه وقال : روى عن أبي عبد الله وأبى الحسن عليهما‌السلام ذكره ابن عقده وابن نوح له كتاب يرويه عدة من أصحابنا (٢) وانما ذلك ضرب من المدح.

قال السيد جمال الدين أحمد بن طاوس في اختياره من كتاب الكشي : لم أجد فيه ما يوصف به من مدح له طائل أو ذم في هذا الكتاب.

قلت : وسنتلو عليك حق القول فيه حيث يحين حينه في ترجمته إن شاء الله العزيز ، والان نقول طريق هذا الحديث صحيح أو حسن بذريح المحاربي.

قوله عليه‌السلام : وكان مستقيما‌

أي كان حنيف الدين مستقيم المذهب قويم الاعتقاد ، واشتد عليه النزع ثلاثة أيام فغسله أهله.

اما بالتخفيف أي غسلوه من الاقذار أي وضئوه ، أي تولوا وضوءه ، تعبيرا عن الوضوء بالغسل الذي هو أول أجزائه.

واما بالتثقيل من التغسيل ، أي تولوا ما كان عليه من غسل الجنابة ، ثم حملوه الى مصلاه ، وذلك من السنن المأثورة ، فمات رضي الله تعالى عنه.

قوله رحمه الله تعالى : قال حدثنا الحسين بن اشكيب‌

الحسين بالتصغير ، وإشكيب بالاعجام بعد الهمزة ، وقيل : بالاهمال ، والحسين هو خادم القبر.

__________________

(١) الخلاصة : ٧٠‌

(٢) رجال النجاشى : ١٢٤‌

٢٠٢

قال أخبرنا محمد بن أحمد ، عن أبان بن عثمان ، عن ليث المرادي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : ان أبا سعيد الخدري كان قد رزق هذا الامر ، وأنه اشتد نزعه فأمر أهله أن يحملوه الى مصلاه الذي كان يصلي فيه ففعلوا فما لبث أن هلك.

______________________________________________________

قوله رحمه الله تعالى : أخبرنا محمد بن أحمد‌

هكذا في نسخ كثيرة وهو اما محمد بن أحمد بن حماد أبو علي المحمودي المروزي من أصحاب أبي الحسن الثالث الهادي عليه‌السلام وهو الاظهر.

أو محمد بن أحمد بن اسماعيل بن بزيع ، من أصحاب أبي الحسن الاول الكاظم ، وأبي الحسن الثاني الرضا ، وأبي جعفر الثاني الجواد عليهم‌السلام ، وابن أخي محمد بن اسماعيل بن بزيع.

أو محمد بن أحمد بن قيس بن غيلان من أصحاب أبي الحسن الرضا عليه‌السلام والمحمدون كلهم ثقاة ، فالطريق صحي على كل حال بأبان بن عثمان.

وفي طائفة من النسخ « محسن » مكان « محمد » ، وهو أبو أحمد البجلي محسن ابن أحمد القيسي من موالي قيس بن غيلان ، يروى عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام ذكره الشيخ (١) والنجاشي (٢) والطريق به حسن.

قوله عليه‌السلام : كان قد رزق هذا الامر‌

أي دين التشيع والولاية لأهل البيت عليهم‌السلام ، واشتد نزعه فأمر أهله أن يحملوه الى مصلاه الذي كان يصلى فيه ففعلوا فما لبث أن هلك.

وفي الحديث : عنه أنه قال عند موته : ائتوني بثياب جدد سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : « يحشر المرء في ثيابه التي مات فيها » وكأنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أراد بها ثياب الروح النورية الملكوتية من العلوم والاعتقادات والاخلاق والملكات ، لا ثياب البدن الظلماني الهيولاني من البرد والصوف والقطن والكتان.

__________________

(١) رجال الشيخ : ٣٩٣‌

(٢) رجال النجاشى : ٣٣١‌

٢٠٣

٨٥ ـ حمدويه ، قال حدثنا يعقوب بن يزيد ، عن ابن أبي عمير ، عن الحسين ابن عثمان ، عن ذريح ، قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : كان علي بن الحسين عليهما‌السلام

______________________________________________________

ومعنى الحديث : أن مدار السعادة في النشأة الآخرة على حسن الخاتمة في هذه النشأة ، فالمرء يحشر في ثيابه الروحانية التي هي خاتمة حال نفسها المجردة بحسب العقيدة والعمل.

قال ابن الاثير في النهاية : وفي حديث الخدري لما حضره الموت دعا بثياب جدد فلبسها ، ثم ذكر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انه قال : « ان الميت يبعث في ثيابه التي يموت فيها ».

قال الخطابي : أما أبو سعيد فقد استعمل الحديث على ظاهره ، وقد روي في تحسين الكفن أحاديث قال : وقد تأوله بعض العلماء على المعنى وأراد به الحالة التي يموت عليها من الخير والشر وعمله الذي يختم له به.

ويقال : فلان طاهر الثياب اذا وصفوه بطهارة النفس والبراءة من العيب ، وجاء في تفسير قوله تعالى ( وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ ) أي عملك فاصلح.

ويقال : فلان دنس الثياب اذا كان خبيث الفعل والمذهب ، وهذا كالحديث الاخر يبعث العبد على ما مات عليه قال الهروي : وليس قول من ذهب به الى الاكفان بشي‌ء ، لان الانسان انما يكفن بعد الموت انتهى كلام النهاية (١).

قوله رحمه الله تعالى : قال حدثنا يعقوب بن يزيد‌

الطريق صحيح على المشهور ، وحسن بذريح المحاربي على ما يستبين حاله من الاخبار ، بل صحي للإجماع على تصحيح ما يصح عن ابن أبي عمير ، فكلما صح الطريق اليه ولم تكن روايته عن محكوم عليه بالضعف كان السند صحيا ، سواء عليه أكان أرسل أم أسند عن ثقة غير أمامي ، أو امامي ممدوح لا تصريح فيه بالتوثيق ،

__________________

(١) نهاية ابن الاثير : ١ / ٢٢٧ ـ ٢٢٨‌

٢٠٤

يقول : اني أكره للرجل أن يعافي في الدنيا ولا يصيبه شي‌ء من المصائب ، ثم ذكر أن أبا سعيد الخدري كان مستقيما نزع ثلاثة أيام فغسله أهله ثم حمل الى مصلاه فمات فيه.

جابر بن عبد الله الانصارى‌

٨٦ ـ حمدويه وابراهيم ابنا نصير ، قالا حدثنا أيوب بن نوح ، عن صفوان‌

______________________________________________________

أو عن امامي لا مدح فيه ولا ذم أصلا ، على ما قد حققناه في الرواشح السماوية (١).

قوله عليه‌السلام : انى لأكره للرجال أن يعافا في الدنيا ولا يصيبه شي‌ء من المصائب‌

وذلك لان المصيبة كفارة للذنب ، والبلية مجلبة للأجر ومقنصة للمثوبة.

وفي الخبر من طريق رئيس المحدثين أبي جعفر الكليني وغيره : المؤمن لا يخلو من قلة او علت او ذلة وربما اجتمعت الثلاث (٢).

قوله عليه‌السلام : ان أبا سعيد الخدرى كان مستقيما نزع ثلاثة ايام‌

يعني عليه‌السلام انه ابتلي لذلك لزيادة التمحيص ولجزالة المثوبة.

جابر بن عبد الله الانصارى‌

ليعلم ان جابر بن عبد الله الصحابي الانصاري مشترك بين اثنين ، وقد التبس الامر فيهما على غير واحد ممن لم يتمهر في المعرفة بأحوال الرجال ، بل على بعض من تمهر أيضا ، فها ابو عبد الله الذهبي من العامة قد وقع في هذا الالتباس ، وكذلك بعض من الخاصة.

احدهما : الصحابي المشهور الكبير العظيم الشأن من عظماء الصحابة ، وهو الذي نحن في ترجمته وبيان حاله ، جابر بن عبد الله بن عمرو بن حزام بن ثعلبة‌

__________________

(١) الرواشح السماوية : ٤٠‌

(٢) روى نحوه في الكافى : ٢ / ١٩٠‌

٢٠٥

______________________________________________________

الانصاري العقبي ، شهد العقبة مع السبعين وكان اصغرهم ، كنيته ابو عبد الله وقيل ابو عبد الرحمن قاله ابن عبد البر في كتاب الصحابة (١) ، وابن الاثير في جامع الاصول وعلو مرتبته في صحة العقيدة واستقامة الطريقة وخلوص الانقطاع عن الاقوام الى اهل البيت صلّى الله عليهم مما لا امتراء فيه.

قال الشيخ رحمه‌الله في كتاب الرجال في باب الصحابة : جابر بن عبد الله بن عمر بن حزام نزل المدينة شهد بدرا وثمانية عشر غزوة مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، مات سنة ثمان وسبعين (٢).

حزام باهمال الحاء المكسورة قبل الزاء قاله في القاموس (٣) وغيره ، وهو الصحيح ، وضبطه بعضهم بالراء بعد الحاء المفتوحة.

وقال الشيخ في باب اصحاب امير المؤمنين عليه‌السلام : جابر بن عبد الله الانصاري العرني الخزرجي (٤). بالراء المفتوحة بين العين المهملة المضمومة والنون نسبة الى العرنة ، وقيل : الى العرنية بطن من بحيلة.

في المغرب : عرنة واد بحذاء عرفات ، وبتصغيرها سميت عرينية ، وهي قبيلة ينسب اليها العرنيون.

وفي القاموس : العرينة كجهينة ، منهم العرنيون المرتدون ، وبطن عرنة كهمزة بعرفات ، وليس من الموقف (٥).

وقال الشيخ في اصحاب ابي محمد الحسن بن علي عليهما‌السلام : جابر بن عبد الله‌

__________________

(١) الاستيعاب : ١ / ٢٢١ وفيه حرام بالراء المهملة‌

(٢) رجال الشيخ : ١٢‌

(٣) القاموس : ٤ / ٩٦‌

(٤) رجال الشيخ : ٣٨ وفيه العربى بدل العرنى‌

(٥) القاموس : ٤ / ٢٤٧‌

٢٠٦

______________________________________________________

الانصاري (١).

وكذلك في أصحاب أبي عبد الله الحسين عليه‌السلام (٢).

وقال في أصحاب سيد الساجدين أبي محمد علي بن الحسين عليهما‌السلام : جابر بن عبد الله بن حزام الانصاري صاحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣).

وقال في أصحاب أبي جعفر الباقر محمد بن على بن الحسين عليهم‌السلام : جابر بن عبد الله بن عمرو بن حزام أبو عبد الله الانصاري صحابي (٤).

وقال رحمه الله تعالى في مصباح المتهجد في زيارة الاربعين وهو العشرون من صفر : في يوم العشرين منه كان رجوع حرم سيدنا أبي عبد الله الحسين بن علي عليهما‌السلام من الشام الى مدينة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو اليوم الذي ورد فيه جابر بن عبد الله بن حزام الانصاري صاحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ورضي عنه من المدينة الى كربلاء لزيارة قبر أبي عبد الله الحسين عليه‌السلام ، وكان أول من زاره من الناس ، وتستحب زيارته عليه‌السلام وهي زيارة الاربعين (٥).

قلت : ما قاله الشيخ رحمه‌الله أنه رضي الله تعالى عنه شهد بدرا هو الأصحّ.

وقال ابن عبد البر : وأراد جابر شهود بدر فخلفه أبوه على أخواته وكن تسعا وخلفه أبوه يوم أحد أيضا وشهد ما بعد ذلك ، وكان له من الولد عبد الرحمن ومحمد وحميد وميمونة وأم حبيب ، ومات سنة ثمان وسبعين وهو ابن أربع وتسعين.

وقال أبو الحسن المسعودي في مروج الذهب : مات جابر بن عبد الله الانصاري في أيام عبد الملك بن مروان بالمدينة ، وذلك في سنة ثماني وسبعين ، وقد ذهب بصره‌

__________________

(١) رجال الشيخ : ٦٦‌

(٢) رجال الشيخ : ٧٢‌

(٣) رجال الشيخ : ٨٥. وفيه حرام بالراء المهملة‌

(٤) رجال الشيخ : ١١١‌

(٥) مصباح المتهجد ٧٣٠‌

٢٠٧

______________________________________________________

وهو ابن نيف وتسعين سنة ، وقد كان قدم الى معاوية بدمشق فلما اذن له قال يا معاوية : أما سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : « من حجب ذا فاقة وحاجة حجبه الله ، يوم فاقته وحاجته ، فغضب معاوية وقال : وأنت قد سمعته يقول : « انكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تردوا عليّ الحوض » فهلا صبرت.

قال : ذكرتني ما نسيت ، وخرج فاستوى على راحلته ، ومضى فوجه اليه معاوية بستمائة دينار ، فردها وقال لرسوله : قل يا بن آكلة الاكباد : والله لا وجدت في صحيفتك سنة أنا سببها أبدا انتهى كلام مروج الذهب (١).

وفي الكشاف : في قوله عز سلطانه آخر سورة يونس ( وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتّى يَحْكُمَ اللهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ ) وروي أنها لما نزلت جمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الانصار فقال : انكم ستجدون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني ، يعني أمرت في هذه الاية بالصبر على ما سامتني الكفرة فصبرت فاصبروا أنتم على ما يسومكم الامراء الجورة.

قال أنس : فلم نصبر ، وروي ان ابا قتادة تخلف عن تلقي معاوية حين قدم المدينة وقد تلقته الانصار ، ثم دخل عليه فقال له : ما لك لم تتلقنا؟ فقال : لم يكن عندنا دواب فقال : أين النواضح؟ قال : قطعناها في طلبك وطلب أبيك يوم بدر.

وقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا معشر الانصار انكم ستلقون بعدي أثرة ، قال معاوية فما ذا قال؟ قال : فاصبروا حتى تلقوني قال : فاصبروا ، قال : اذن نصبر فقال عبد الرحمن ابن حسان :

الا أبلغ معاوية بن حرب

أمير الظالمين نثا كلامي

بأنا صابرون فمنظروكم

الى يوم التغابن والخصام

انتهى كلام الكشاف (٢).

__________________

(١) مروج الذهب : ٣ / ١١٥‌

(٢) الكشاف : ٢ / ٢٥٦ ـ ٢٥٧‌

٢٠٨

ابن يحيى ، عن عاصم بن حميد ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي الزبير المكي ، قال سألت جابر بن عبد الله ، فقلت أخبرني أي رجل كان علي بن أبي طالب؟ قال :

______________________________________________________

وثانيهما جابر بن عبد الله بن رآب السلمي الانصاري.

وذكره الشيخ رحمه الله تعالى في كتاب الرجال في عداد الصحابة بعد جابر ابن عبد الله بن عمرو بن حزام فقال : جابر بن عبد الله بن رئاب السلمي سكن المدينة ، روى عن أنس حديثين كنيته أبو ياسر (١). رئاب بالراء المكسورة والهمزة بعدها.

في القاموس : رأب الصدع كمنع ، أصلحه وأشعبه كأرتابه ، ورئاب ككتاب ، والد هارون بن رئاب الصحابي البدري ، ورئاب بن عبد الله المحدث ، وجد جابر ابن عبد الله الصحابي ، وجد زينب بنت جحش رضي الله تعالى عنهم (٢).

والسلمي باهمال السين المفتوحة وكسر اللام.

في المغرب : السلمة ـ بفتح السين وكسر اللام ـ الحجر ، وبها سمي بنو سلمة بطن من الانصار.

قوله رحمه‌الله : عن أبى الزبير المكى‌

الطريق الى أبي الزبير صحيح ، وأبو الزبير المكي معروف الرواية عن جابر رضي الله تعالى عنه ، ومعاوية بن عمار معروف الرواية عنه ، وكذلك فضيل بن عثمان.

قال الذهبي في مختصره : جابر بن عبد الله السلمي عقبي ، عنه بنوه محمد وعبد الرحمن وعقيل وابن المنكدر وأبو الزبير وخلق ، مات ٧٨.

وقال معاوية بن عمار الدهني ، ودهن بالضم حي من بحيلة ، ويقال : دهن بالتحريك ، عن أبي الزبير وجعفر بن محمد ، وعنه معبد بن راشد وقتيبة ، ثقة.

__________________

(١) رجال الشيخ : ١٢‌

(٢) القاموس.

٢٠٩

فرفع حاجبيه عن عينيه وقد كان سقط على عينيه ، قال ، فقال ذاك خير البشر أما والله ان كنا لنعرف المنافقين على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ببغضهم إياه.

______________________________________________________

قوله رضى الله تعالى عنه : ان كنا لنعرف المنافقين‌

ان بكسر الهمزة واسكان النون على المخففة من المثقلة ويبطل التخفيف عملها وتدخل على الجملة الاسمية مثل ان زيد لمنطلق ، وعلى الجملة الفعلية ان كان زيد لكريما.

والفعل الذي تدخل عليه ان المخففة يجب أن يكون مما يدخل على المبتدأ والخبر ، واللام لازمة لخبرها ، وهي التي تسمى « الفارقة » لأنها تفرق بين ان المخففة وان النافية.

وتكون أيضا ان زائدة في الكلام للتحبير والتزيين ، اذا لم يكن مستعملة مع اللام.

وروى أحمد بن حنبل في مسنده مرفوعا عن أبي الزبير قال : قلت لجابر كيف كان علي فيكم؟ قال : ذاك خير البشر ، ما كنا نعرف المنافقين الا ببغضهم اياه (١).

وروى مرفوعا الى أبي ذر رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلي يا علي من فارقني فقد فارق الله ، ومن فارقك فقد فارقني (٢).

وعن أبي سعيد الخدري مسندا قال : كنا نعرف المنافقين على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ببغضهم عليا (٣).

وعن زيد بن أرقم : ما كنا نعرف المنافقين الا ببغضهم عليا (٤).

__________________

(١) رواه الخوارزمى في المناقب : ٢٣١ والطبرى في ذخائر العقبى : ٩١‌

(٢) رواه الحاكم في المستدرك : ٣ / ١٢٣ و ١٤٦ والذهبى في ميزان الاعتدال ١ / ٣٢٣‌

(٣) رواه الترمذى في صحيحه : ١٣ / ١٦٨ وابن الجوزى في تذكرة الخواص : ٣٢‌

(٤) أحمد بن حنبل في مسنده : ٦ / ٢٩٦ ومسلم في صحيحه : ١ / ٨٦ وذخائر العقبى : ٩١ والنسائى في خصائصه : ٣٧ والطرائف للسيد ابن طاوس : ٦٩‌

٢١٠

______________________________________________________

وروى البغوي في المصابيح من الصحاح : أن عليا عليه‌السلام قال : والذي فلق الحبة وبرأ النسمة أنه لعهد النبي الامي إليّ أنه لا يحبني الا مؤمن ، ولا يبغضني الا منافق (١).

ورواه مسلم في صحيحه عن زر بن حبش عن علي عليه‌السلام (٢).

وفي صحاح أصولهم ومسانيدهم بأسانيد متشعبة وطرق شتى أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لعلي عليه‌السلام : لا يحبك الا مؤمن ولا يبغضك الا منافق (٣).

وقال : لو لا انت لم يعرف حزب الله.

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من زعم أنه آمن بما جئت به وهو يبغض عليا ، فهو كاذب ليس بمؤمن (٤).

وانه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان جالسا فدخل علي بن أبي طالب عليه‌السلام فقال : كذب من زعم أنه تولاني وأحبني وهو يعادي هذا ويبغضه ، والله لا يبغضه ويعاديه الا كافر أو منافق ولد زنية (٥).

وقال : من تولاه فقد تولاني ومن تخلاه فقد تخلاني (٦).

وأنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : علي مع الحق والحق مع علي ، يدور معه حيث ما دار (٧).

قال : يا علي أنت وشيعتك هم الفائزون يوم القيامة (٨).

__________________

(١) مصابيح السنة للبغوى : ١ / ٢٠١ ط الخيرية بمصر‌

(٢) صحيح مسلم : ١ / ٦٠‌

(٣) راجع الطرائف : ٦٩ المطبوع بقم ، ورواه احمد في مسنده ٦ / ٢٩٢‌

(٤) رواه الخوارزمى في المناقب : ٤٥ ط تبريز‌

(٥) روى نحوه احمد بن حنبل في مسنده : ١ / ٨٤ ط مصر‌

(٦) رواه ابن المغازلى في المناقب : ٢٣١‌

(٧) رواه الخطيب في تاريخ بغداد ١٤ / ٣٢١‌

(٨) رواه الترمذى في المناقب المرتضوية : ١١٣ ط بمبئى وابن الجوزى في التذكرة : ٥٩‌

٢١١

______________________________________________________

وبالجملة من القطعيات المتواترات أن حب النبي عليه وآله الصلاة والتسليم والتصديق ما لم يكن مقرونا بحب علي عليه‌السلام ومعرفة حقه والاستيقان بمنزلته ، لم يكن مخرجا للمرإ من هوة الكفر والنفاق ، ولا مدخلا اياه في طوار الدين والايمان.

نقل وتذييل

أوردت في بعض معمولاتي ومعلقاتي كلاما بهذه الالفاظ : لله درّ امام المتشككين وعلامة المتكلفين من أعاظم علماء العامة فخر الدين الرازي ، ولي فيه وجهته ، شطر كعبة الحق ، وآثر في سلوكه سبيل مسلك الانصاف ، ومن ذلك ما قد أنطقه الله بالقول الفصل الثابت في التفسير الكبير حيث قال في حجج الجهر بـ ( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ : )

الحجة الثالثة أن الجهر بذكر الله يدل على كونه مفتخرا بذلك الذكر غير مبال بانكار من ينكره ، ولا شك أنه مستحسن في العقل فيكون في الشرع كذلك ، لقوله عليه‌السلام « ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن ».

ومما يقوى هذا الكلام أيضا ان الاخفاء والاسرار لا يليق الا بما يكون عيبا ونقصانا ، فيخفيه ويستره لئلا ينكشف ذلك العيب ، اما الذي يفيد أعظم الورع الفخر والفضيلة في الحقيقة ، فكيف يليق بالعاقل اخفاؤه؟

ومعلوم انه لا منقبة للعبد أعلى وأكمل من كونه ذاكرا لله بالتعظيم ، ولهذا قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : طوبى لمن مات ولسانه رطب من ذكر الله » وكان علي بن ابي طالب عليه‌السلام يقول : يا من ذكره شرف للذاكرين ، ومثل هذا كيف يليق بالعاقل ان يسعى في اخفائه؟

ولهذا السبب نقل أن عليا عليه‌السلام كان مذهبه الجهر بـ ( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) في جميع الصلوات.

واقول : ان هذه الحجة قوية في نفسي راسخة في عقلي لا تزول بسبب كلمات المخالفين.

الحجة الرابعة : ما رواه الشافعي بأسناده أن معاوية قدم المدينة فصلى بهم ، ولم‌

٢١٢

______________________________________________________

يقرء ( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) ولم يكبر عند الخفض الى الركوع والسجود.

فلما سلم ناداه المهاجرين والانصار يا معاوية! سرقت من الصلاة ، أين بسم الله الرحمن الرحيم؟ وأين التكبير عند الركوع والسجود؟ ثم انه اعاد الصلاة مع التسمية والتكبير.

قال الشافعي : ان معاوية كان سلطانا عظيم القوة شديد الشوكة ، فلو لا ان الجهر بالتسمية كان كالأمر المتقرر عند كل الصحابة من المهاجرين والانصار ، والا لما قدروا على اظهار الانكار بسبب ترك التسمية.

الحجة الخامسة : روى البيهقي في السنن الكبير عن أبي هريرة قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يجهر في الصلاة بـ ( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) ثم ان البيهقي روى الجهر عن عمر بن الخطاب وابن عباس وابن الزبير.

وأما أن عليا عليه‌السلام كان يجهر بالتسمية ، فقد ثبت بالتواتر ، ومن اقتدى في دينه بعلي بن أبي طالب عليه‌السلام فقد اهتدى ، والدليل قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اللهم أدر الحق مع علي حيث دار انتهى كلامه بعبارته (١).

ثم قال : وأقول : ان أنسا وابن المغفل خصصا عدم ذكر بسم الله الرحمن الرحيم للخلفاء الثلاثة ، ولم يذكرا عليا ، وذلك يدل على اطباق الكل على أن عليا عليه‌السلام كان يجهر بـ ( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ).

وأيضا هاهنا تهمة أخرى وهي أن عليا عليه‌السلام كان يبالغ في الجهر بـ ( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) فلما وصلت الدولة الى بني أمية بالغوا في المنع عن الجهر سعيا في ابطال آثار علي عليه‌السلام ، فلعل أنسا خاف منهم ، ولهذا السبب اضطربت أقواله فيه.

ونحن ان شككنا في شي‌ء ، فانا لا نشك أنه مهما وقع التعارض بين قول أنس‌

__________________

(١) التفسير الكبير : ١ / ٢٠٤‌

٢١٣

______________________________________________________

وابن المغفل ، وبين قول علي عليه‌السلام ، والذي بقي عليه طول عمره فان الاخذ بقول علي عليه‌السلام أولى ، وهذا جواب قاطع في هذه المسألة.

ثم هب أنه حصل التعارض بين راويكم وراوينا ، الا أن الترجيح معنا من وجوه : الاول راوي أخباركم أنس وابن المغفل ، وراوي قولنا علي بن أبي طالب عليه‌السلام وابن عباس ، والثاني ان الدلائل العقلية موافقة لنا وعمل علي بن أبي طالب عليه‌السلام معنا ، ومن اتخذ عليا عليه‌السلام اماما لدينه فقد استمسك بالعروة الوثقى (١). انتهى كلام امام المتشككين في التفسير الكبير في هذه المسألة بألفاظه.

قلت له : يا امام قومك وعلامة أصحابك ما أحبر عقباك ، وأكرم مثواك ، وأحسن خاتمتك ، وأسعد عاقبتك لو كنت مهتديا لسواء السبيل بالاقتداء بعلي بن ابي طالب عليه‌السلام في ساير ابواب الدين على العموم ، كما اقتديت واهتديت به عليه‌السلام في هذه المسألة بخصوصها.

ويحك ما خطبك علماؤكم ومحدثوكم وحملة أخباركم ونقلة آثاركم وانت معهم مطبقون قاطبة على ان عليا عليه‌السلام لم يبايع ابا بكر الى ستة اشهر ، وهي مدة بقاء البتول الزهراء عليها‌السلام بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، مدعيا ان الخلافة حقه والامامة منصبه ، محتجا على الاقوام بقوله عليه‌السلام : أنتم بالبيعة لي أحق مني بالبيعة لكم ، واني احتج عليكم بمثل ما احتججتم به على الانصار يا ابا بكر قد استبدت علينا واستأثرت بحقنا واخرجت سلطان محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من بيته.

والشيعة مجمعون على ان ابائه عليه‌السلام عن البيعة لم يكن متخصصا بستة أشهر ، وانه لم يبايع أحدا ابدا ، بل انما قعد عن القيام بمطالبة حقه ، وترك الجهاد في محاولة الاستواء على سرير منصبه ، لعدم مساعدة الزمان وقلة الانصار والاعوان ، ذلك امر مكشوف ظاهر كالشمس في الهاجرة ، مستبين من صحيحكم واصولكم ومسانيدكم‌

__________________

(١) التفسير الكبير : ١ / ٢٠٧‌

٢١٤

______________________________________________________

كما قد نقلناه سابقا وكنا قد فصلنا القول فيه في كتاب نبراس الضياء.

فأنت اذا كنت من المستيقنين ان الحق مع علي صلوات الله عليه دائر معه حيث دار ، وان المقتدي به عليه‌السلام في دينه مستمسك بالعروة الوثقى في يقينه ، فهلا كنت قد استمسكت به مصدقا في دعواه ، مؤثرا اياه في اتخاذه اماما لدينك على من عداه.

ومثل هذه الحجة يجري على حجة اسلامكم الشيخ الغزالي حيث يقول في كتابه احياء العلوم : لم يذهب ذو بصيرة الى تخطئة علي قط. ويقول في رسالته اللدنية العاقل يقتدي بسيد العقلاء علي بن أبي طالب فليتبصر.

عبد الله أبو جابر وجابر أيضا في الترجمة ، على ما في طائفة جمة من النسخ عبد الله بن جابر بن عبد الله وجابر أيضا وهو الصواب.

وأبو جابر عبد الله بن عمرو بن حزام ـ باهمال الحاء المكسورة والزاء وقيل : حرام بفتح الحاء المهملة والراء ضد الحلال ـ الانصاري ، كان من النقباء الاثنا عشر ليلة البيعة ، ومن السبعين في بيعة العقبة ، شهد بدرا وهو من شهداء أحد.

وابنه جابر بن عبد الله الانصاري كان من السبعين ولم يكن من النقباء الاثنا عشر رضي الله تعالى عنهما ، ذكر ذلك أصحاب الحديث من أصحابنا ومن العامة جميعا.

قال ابن الاثير في جامع الاصول : عبد الله بن عمرو بن حرام الانصاري السلمي والد جابر بن عبد الله ، وقد تقدم تمام نسبه عند ذكر ابنه جابر ، وعبد الله شهد العقبة مع السبعين ، وهو أحد النقباء وشهد بدرا وقتل يوم أحد ، قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لجابر : ان الله أحيا أباك وكلمه كفاحا انتهى كلامه.

وقال ابن عبد البر : عبد الله بن عمرو بن حرام بن ثعلبة أبو جابر ، شهد العقبة مع السبعين وهو أحد النقباء الاثنا عشر ، وشهد بدرا واحدا ، وقتل يومئذ (١).

__________________

(١) الاستيعاب : ٢ / ٣٣٩‌

٢١٥

______________________________________________________

ثم ان بعض النسخ الحديثة السقيمة الغير الملتفت لغتها قد صحف أبو با بن في الترجمة وفي متن الحديث ، فبعض من لم يتمهر من ابناء هذا العصر تو همه صحيحا وحسبه صوابا ، وزعم من هناك ان عبد الله بن جابر بن عبد الله الانصاري المشهور من الرجال ومن النقباء الاثنا عشر ومن السبعين ، واما أبوه ابو جابر فهو من السبعين لا من الاثنا عشر (١).

ومن له قدم معرفة في الاخبار والأحاديث يعلم ان ذلك من ضعف قوة النظر ونقص رأس مال التتبع وقلة بضاعة التحصيل ، وانه لم يكن لجابر بن عبد الله الانصاري المشهور رضي‌الله‌عنه ابن مذكور في كتب الرجال اسمه عبد الله ، ولو فرضنا صحته فكيف يستقيم كونه من الاثنا عشر ومن السبعين ، وابوه من السبعين لا من الاثنا عشر‌

ثم لو صح ذلك لكان يذكر جابر بن عبد الله وعبد الله بن جابر أيضا لا بالعكس ، وكان هذا الحاسب المتوهم انما منشأ حسبانه مسبار تو همه انه رأى في كتب الرجال عبد الله بن جابر الانصاري ، فالتبس الامر عليه فحسب انه ابن جابر بن عبد الله الانصاري المعروف وليس كذلك.

قال في جامع الاصول : عبد الله بن جابر هو عبد الله بن جابر البياضي الانصاري قال ابن مندة : ان البياضي الذي روى عنه ابو حازم التمار ، وهو الذي جاء حديثه في الجهر بالقراءة في الصلاة ، واخرجه الموطأ فقال : ان اسمه عبد الله بن جابر وقال : سماه ابو عبيد عن اسحاق بن عيسى عن مالك. حازم بالحاء المهملة والزاء. والتمار بتاء فوقها نقطتان انتهى كلام جامع الاصول.

فتثبت ولا تكونن من الغالطين.

__________________

(١) ذكره الرجالى الميرزا محمد الأسترآبادى في كتابه منهج المقال : ٢٠٠ و ٧٧ ، ولكن قال في عبد الله بن جابر : وفي بعضها ـ اى بعض نسخ الكشى ـ عبد الله أبو جابر بن عبد الله وهو الصحيح انتهى. وعلى هذا فلا يستحق هذه الطعون عليه‌

٢١٦

٨٧ ـ محمد بن مسعود ، قال حدثني علي بن محمد بن يزيد بن القمي ، قال حدثني أحمد بن محمد بن عيسى القمي ، عن ابن فضال ، عن عبد الله بكير ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : كان عبد الله أبو جابر بن عبد الله من السبعين ومن الاثنى عشر ، وجابر من السبعين وليس من الاثنى عشر.

٨٨ ـ حمدويه وابراهيم ابنا نصير ، قالا حدثنا محمد بن عيسى ، عن محمد بن سنان ، عن حريز ، عن أبان بن تغلب ، قال حدثني أبو عبد الله عليه‌السلام قال : ان جابر بن عبد الله كان آخر من بقي من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكان رجلا منقطعا إلينا أهل البيت‌

______________________________________________________

قوله رحمه الله تعالى : عن ابن فضال عن عبد الله بن بكير‌

هو الحسن بن علي بن فضال ، وهو في عداد الذين على تصحيح ما يصح عنهم الاجماع على قول ، كما سيأتي في مقامه ، وهو من ثقاة الفطحية وأجلة عدولهم.

وعبد الله بن بكير ثقة جليل فقيه ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه والاقرار له بالفقه والفضل والثقة.

قوله عليه‌السلام : كان عبد الله أبو جابر‌

هذا هو الصحيح كما قد علمت وفي نسخ غير مصححة « ابن » مكان « أبوه » ، وهو تصحيف غلط بني عليه ولم يتفطن على فساده بعض القاصرين ، فلا تكونن من الغافلين.

قوله رحمه‌الله : محمد بن سنان عن حريز‌

ورواه بعينه رئيس المحدثين أبو جعفر الكليني رضوان الله تعالى في جامعه الكافي في كتاب الحجة بهذا السند ، ولكن باسقاط حريز من البين على هذه الصورة : عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد عن محمد بن سنان عن أبان بن تغلب عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : ان جابر بن عبد الله الانصاري كان آخر من بقي من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكان رجلا منقطعا إلينا أهل البيت الحديث بتمامه (١).

__________________

(١) اصول الكافى : ١ / ٣٩٠ باب مولد أبى جعفر محمد بن على عليهما‌السلام

٢١٧

وكان يقعد في مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو معتم بعمامة سوداء وكان ينادى يا باقر العلم يا باقر العلم ، فكان أهل المدينة يقولون جابر يهجر ، فكان يقول لا والله ما أهجر ولكني سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : انك ستدرك رجلا من أهل بيتي اسمه اسمي وشمائله شمائلي يبقر العلم بقرا ، فذاك الذي دعاني الى ما أقول ، قال ، فبينا جابر يتردد ذات‌

______________________________________________________

وحديث جابر هذا عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مروي عند العامة والخاصة من طرق شتى وطرائق مختلفات ، والقدر المشترك بينهما متواتر بالاتفاق لدى الجميع.

قوله عليه‌السلام : وهو معتم بعمامة سوداء‌

الاعتمام افتعال من العمامة ، بمعنى اتخاذها ولفها على الرأس ، وهي بكسر العين وتخفيف الميم واحدة العمائم ، وفي الكافي معتجر (١) مقام معتم ، والاعتجار أيضا لف العمامة على الرأس.

قال في المغرب : الاعتجار الاختمار والاعتمام أيضا ، وأما الاعتجار المنهي عنه في الصلاة ، وهو ليّ العمامة على الرأس من غير ادارة تحت الحنك كالاقتعاط عن الغوري والازهري ، وتفسير من قال هو أن يلف العمامة على رأسه ويبدي الهامة أقرب لأنه مأخوذة من معجر المرأة ، وهو ثوب كالعصابة تلفها المرأة على استدارة رأسها ، وفي الاجناس عن محمد المعتجر المنتقب بعمامته وقد غطى أنفه.

قوله عليه‌السلام : كان ينادى يا باقر العلم‌

قال الجوهري في الصحاح : بقرت الشي‌ء بقرا فتحته ووسعته ، ومنه قولهم أبقرها عن جنينها أي شق والتبقر التوسع في العلم والمال ، وكان يقال لمحمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام الباقر لتبقره في العلم (٢).

قوله عليه‌السلام : يقولون جابر يهجر‌

قال في المغرب : الهجر بالفتح الهذيان ومنه قوله تعالى « سامرا تهجرون » الهجر‌

__________________

(١) اصول الكافى : ١ / ٣٩٠‌

(٢) الصحاح : ٢ / ٥٩٤‌

٢١٨

______________________________________________________

بالضم الفحش اسم من أهجر في منطقه اذا أفحش ، ومنه قول عمر للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ان الرجل ليهجر حسبنا كتاب الله ، أو أهجر على اختلاف الرواية في صحيحي البخاري ومسلم وغيرهما (١).

قال ابن الاثير في النهاية : يقال أهجر في منطقه يهجر اهجارا اذا أفحش ، وكذلك اذا كثر الكلام فيما لا ينبغي ، والاسم الهجر بالضم ، وهجر يهجر هجرا بالفتح اذا خلط في كلامه واذا هذي.

ومنه الحديث : اذا طفتم بالبيت فلا تلغوا ولا تهجروا ، روي بالضم والفتح من الفحش والتخليط ، ومنه حديث مرض النبي قالوا : ما شأنه أهجر؟ أي اختلف كلامه بسبب المرض على سبيل الاستفهام ، أي هل تغير كلامه واختلط لأجل ما به من المرض ، هذا أحسن ما يقال فيه ولا يجعل اخبارا ، فيكون اما من الفحش أو الهذيان ، والقائل كان عمر ، ولا يظن به ذلك (٢) انتهى قول النهاية.

وقال صاحب الكشاف في الفائق : النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال في مرضه ايتوني بدواة وقرطاس أكتب لكم كتابا لا تضلون بعده أبدا فقالوا : ما شأنه أهجر أي أهذي يقال : هجر يهجر اذا هذي وأهجر أفحش (٣) انتهى كلامه.

ونحن نقول : وايم الله ان الاستفهام والاخبار هناك من الكفر والنفاق لبمنزلة واحدة ، فمن المستبين ان استناد الفحش أو الهذيان الى سيد الانبياء والمرسلين اخبارا كان أو استفهاما والرد عليه عنادا كان أو اجتهادا لا يجامع الايمان أصلا.

وأما ما تجشمه الكرماني في شرح صحيح البخاري ان عمر أراد بذلك الهجرة والمهاجرة (٤) ، فمما لا يكاد يصح ، وانما كان يكون له وجه بعيد في الاستقامة لو كان‌

__________________

(١) مسلم في صحيحه : ٣ / ١٢٥٧ كتاب الوصية ، والبخارى في صحيحه ٥ / ١٢٧‌

(٢) نهاية ابن الاثير : ٥ / ٢٤٦‌

(٣) الفائق : ٤ / ٩٣‌

(٤) شرح صحيح البخارى للكرمانى : ١٦ / ٢٣٥‌

٢١٩

يوم في بعض طرق المدينة : اذا هو بطريق في ذلك الطريق كتاب فيه محمد بن علي ابن الحسين عليه‌السلام ، فلما نظر اليه قال يا غلام أقبل! فاقبل ثم قال أدبر! فأدبر ، فقال : شمائل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والذي نفس جابر بيده ، يا غلام ما اسمك؟ فقال اسمي محمد ابن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، فأقبل عليه يقبّل رأسه ، وقال :

______________________________________________________

قال : هاجر مكان هجر ، كما قد فصلناه في الرواشح السماوية (١) فليعلم.

قوله عليه‌السلام : في ذلك الطريق كتاب‌

الكتاب بضم الكاف وتشديد التاء بمعنى المكتب ، أي مكان الكتابة على فعال في معنى مفعل.

قال في القاموس : الا كتاب تعليم الكتابة ، كالتكتيب والاملاء ، والكتاب كرمان المكتبة (٢).

وقال في المغرب : وكتبه علمه الكتابة ، ومنه وسلم علامة الى مكتب أي الى معلم الخط ، روي بالتخفيف والتشديد. أما المكتب والكتاب فمكان التعليم ، وقيل : الكتاب الصبيان.

وليكن من المعلوم عندك أن الائمة الحجج المعصومين صلوات الله وتسليماته على نفوسهم المقدسة وأجسادهم المطهرة معلمهم الله ورسوله ، وأنهم مستغنون بتأييد روح القدس باذن الله سبحانه عن الاساتذة والمعلمين الا عن آبائهم الطاهرين ، وحضور أبي جعفر الباقر عليه‌السلام الكتاب لحكم ومصالح ليس يدافع ذلك ، فلا تكونن من الممترين.

__________________

(١) الرواشح السماوية ص ١٤٠‌

(٢) القاموس : ١ / ١٢١‌

٢٢٠