إختيار معرفة الرّجال - ج ١

أبي جعفر محمّد بن الحسن بن علي بن الحسن الطّوسي [ شيخ الطائفة ]

إختيار معرفة الرّجال - ج ١

المؤلف:

أبي جعفر محمّد بن الحسن بن علي بن الحسن الطّوسي [ شيخ الطائفة ]


المحقق: السيد مهدي الرجائي
الموضوع : رجال الحديث
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤١٦
الجزء ١ الجزء ٢

البراء بن عازب‌

______________________________________________________

علمه أي يختبره ويمتحنه ، ومنه الحديث « وكنا نبور أولادنا بحب علي بن ابي طالب » وحديث علقمة الثقفي حتى والله ما نحسب الا أن ذلك شي‌ء يبتار به اسلامنا (١).

وقال : وفي حديث جعفر الصادق « لا يحبنا أهل البيت كذا وكذا ولا ولد الميافعة » أي ولد الزنا يقال : يافع الرجل جارية فلان اذا زنى بها (٢).

وقال فيه : وفي حديث أهل البيت « لا يحبنا اللاكع ولا المحبوس » (٣).

لكع عليه الوسخ كفرح لصق به ولزمه ، ولكع بضم اللام وفتح الكاف اللئيم الخسيس الوسخ الدنس ، وأصل الخسيس الخلط ، وذلك عن خبث الطينة واختلاط النطفة وعدم طيب الولادة.

وفي النهاية الاثيرية أيضا : في حديث الصادق « لا يحبنا أهل البيت ذو رحم منكوس » قيل : هو المأبون لانقلاب شهوته الى دبره (٤) انتهى كلام النهاية.

البراء بن عازب‌

هو أبو عامر أو أبو عمار ، البراء ـ بالباء الموحدة والراء المخففة المفتوحتين وبالمد كسماء ـ بن عازب باهمال العين قبل الالف والزاء بعدها.

في القاموس : أنا براء منه لا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث ، أي بري‌ء والبراء أول ليلة ، أو يوم من الشهر ، أو آخرها ، أو آخره ، كابن البراء وأبراء دخل فيه واسم ،

__________________

(١) نهاية ابن الاثير : ١ / ١٦١‌

(٢) نهاية ابن الاثير : ٥ / ٢٩٩‌

(٣) نهاية ابن الاثير : ٤ / ٢٦٩‌

(٤) نهاية ابن الاثير : ٥ / ١١٥‌

٢٤١

٩٤ ـ قال الكشي : روى جماعة من أصحابنا منهم أبو بكر الحضرمي ، وأبان ابن تغلب ، والحسين بن أبي العلاء ، وصباح المزني ، عن أبي جعفر وأبي عبد الله‌

______________________________________________________

وابن مالك وعازب وأوس والمعرور الصحابيون (١).

قال الشيخ رحمه‌الله في باب الصحابة : البراء بن عازب الانصاري الخزرجي كنيته أبو عامر (٢).

ثم ذكره في أصحاب أمير المؤمنين عليه‌السلام وقال : البراء بن عازب الانصاري (٣)

وقال صاحب كتاب الصحابة : البراء بن عازب بن الحارث بن عدي بن خيثم بن مجذعة يكنى أبا عمارة ، غزى مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خمس عشرة غزوة ، واستصغره النبي يوم بدر فلم يشدها ، واجازه يوم الخندق وهو ابن خمس عشر سنة ، فنزل البراء الكوفة وتوفى بها في أيام مصعب بن الزبير (٤).

وفي مختصر الذهبي : عنه عدي بن ثابت ، وأبو اسحاق ، وخلق ، وشهد أحدا ، ومات بعد التسعين.

قوله رحمه الله تعالى : روى جماعة من أصحابنا‌

لم يذكر طريقته في الاسناد عن الجماعة ، وعني أنه من الصحيح الثابت عنهم وكذلك كلما أرسل ارسالا جاريا مجرى التعليق ، قال في صدر الطريق روي ، وأسقط الاسناد من البين ، كما سبق في ترجمة أبي أيوب الانصاري : روى الحارث بن حصيرة.

قوله رحمه الله تعالى : منهم أبو بكر الحضرمى الخ‌

أبو بكر عبد الله بن محمد الحضرمي ، قد بينا في المعلقات على الاستبصار‌

__________________

(١) القاموس : ١ / ٨‌

(٢) رجال الشيخ : ٨‌

(٣) رجال الشيخ : ٣٥‌

(٤) الاستيعاب : ١ / ١٣٩ وفيه جشم بن مجدعة‌

٢٤٢

عليهما‌السلام ان أمير المؤمنين عليه‌السلام قال للبراء بن عازب كيف وجدت هذا الدين؟ قال كنّا بمنزلة اليهود قبل أن نتبعك ، تخف علينا العبادة ، فلما اتبعناك ووقع حقائق الايمان في قلوبنا وجدنا العبادة قد تثاقلت في أجسادنا. قال امير المؤمنين عليه‌السلام : فمن ثم يحشر الناس يوم القيامة في صور الحمير وتحشرون فرادى فرادى يؤخذ بكم الى الجنة ، ثم قال ابو عبد الله عليه‌السلام : ما بدا لكم! ما من أحد يوم القيامة الا وهو يعوي عواء البهائم أن اشهدوا واستغفروا لنا ، فنعرض عنهم فما هم بعدها بمفلحين.

______________________________________________________

توثيقه وصحة حديثه.

وأبان بن تغلب ظاهر الجلالة في الفضل والثقة.

والحسين بن أبي العلاء الحفاف الازدي وأخواه علي وعبد الحميد وجوه ثقاة أذكياء ، قد أوضحنا حالهم وحال أبيهم في المعلقات على الاستبصار وعلى الفقيه وأبطلنا ما تو همه المتوهمون في أبي العلاء ، وسيستبين الامر في ذلك كله حيث يحين حينه إن شاء الله العزيز.

وصباح بن يحيى ـ باهمال الصاد المفتوحة وتشديد الباء المفتوحة ـ أبو محمد المزني ـ بضم الميم وفتح الزاء قبل النون ـ كوفي ثقة.

في القاموس : مزينة كجهينة قبيلة ، وهو مزني (١).

قوله عليه‌السلام : للبراء بن عازب كيف وجدت هذا الدين؟

قال له ذلك في زمن خلافته اذ كان عليه‌السلام بالكوفة ، يعني كيف وجدت هذا الدين معي بعد ما كنت مع المتقمصين للخلافة قبلي؟ قال كنا بمنزلة اليهود قبل أن نتبعك تخف علينا العبادة ، أي كنا تائهين في الجهالة ، مستخفين بالعبادة ، مضيعين لحدودها وأركانها ، غير خاشعين في مناسكها آدابها ، فلما اتبعناك انبسط نور المعرفة في صدورنا ، ووقع حقائق الايمان في قلوبنا ، فتثاقلت العبادة في جوارحنا وأجسادنا ، وألذت واحلولت مع ذلك في نفوسنا وأرواحنا.

__________________

(١) القاموس : ٤ / ٢٧١‌

٢٤٣

قال أبو عمرو الكشي : هذا بعد أن أصابته دعوة أمير المؤمنين عليه‌السلام فيما روي من جهة العامة.

______________________________________________________

روى البخاري في صحيحه بأسناده عن مطرف قال : صليت أنا وعمران خلف علي بن أبي طالب ـ رضي‌الله‌عنه ـ فكان اذا سجد كبر ، واذا رفع كبر ، واذا نهض من الركعتين كبر ، فلما سلم أخذ عمران بيدي ، فقال : لقد صلى بنا هذا صلاة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو قال : لقد ذكرني هذا صلاة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١).

وروى الصدوق عروة الإسلام أبو جعفر بن بابويه وغيره من أشياخنا وأصحابنا رضوان الله تعالى عليهم عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله وتسليماته عليه تطويل القراءة في صلاة الكسوف بمثل الانبياء والكهف.

قال في الفقيه : وانكسفت الشمس على عهد أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فصلى بهم حتى كان الرجل ينظر الى الرجل قد ابتل قدمه من عرقه (٢).

قوله رحمه‌الله : هذا بعد أن أصابته دعوة أمير المؤمنين (ع) فيما روى من جهة العامة‌

وقد غلط الحسن بن داود في شرح هذه العبارة ، فظن أن معناها أن اصابة دعوته عليه‌السلام اياه فيما روي من جهة العامة لا من طريق الخاصة.

قال في كتابه : البراء بن عازب « ل ـ ي ـ جخ ـ كش » شهد عليه‌السلام له بالجنة بعد أن روت العامة أنه عليه‌السلام دعا عليه لكتمانه الشهادة بيوم غدير خم فعمي (٣).

فذلك ظن فاسد ، فان دعائه عليه‌السلام عليه وإصابته دعوته اياه من الثابت ، بل من المتواتر من طريق الخاصة ومن طريق العامة جميعا ، وروى الكشي ذلك من طريق الخاصة بعد هذا الكلام.

__________________

(١) صحيح البخارى ١ / ١٩١ ط عامرة استبول‌

(٢) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٣٤١‌

(٣) رجال ابن داود : ٦٤‌

٢٤٤

٩٥ ـ روى عبد الله بن ابراهيم ، قال أخبرنا أبو مريم الانصاري ، عن المنهال ابن عمرو ،

______________________________________________________

بل معنى العبارة : أن ما قاله عليه‌السلام في هذا الحديث له ، وشهد له بقوله : « فيؤخذ بكم الى الجنة » روي من جهة العامة (١) ، أنه كان بعد ان أصابته دعوته عليه‌السلام وعمي‌

قوله رحمه‌الله : روى عبد الله بن ابراهيم (٢)

أرسل اسناده عن عبد الله بن ابراهيم هذا ، وهو عبد الله بن ابراهيم أبي عمر أبو محمد الغفاري ، حليف الانصار سكن المزينة بالمدينة ، فتارة يقال له : الغفاري ، وتارة الانصاري ، وتارة المزني ، ويقال له أيضا : المدني ، يروي عن أبي مريم الانصاري عبد الغفار الجازي ومن في طبقته ، وعنه الحسن بن علي بن فضال ، ومحمد ابن عيسى.

وذكر في الفهرست عبد الله بن ابراهيم الانصاري وأسند طريقه في رواية كتابه الى محمد بن عيسى عنه (٣) ، ثم ذكر عبد الله بن ابراهيم الغفاري وطريقه في رواية كتابه بالاسناد الاول عن محمد بن عيسى عنه ، ويظهر من ذلك التعدد ، والصحيح أنهما واحد.

قوله رحمه الله تعالى : عن المنهال بن عمرو‌

قال الشيخ رحمه‌الله ـ في كتاب الرجال في أصحاب أبي عبد الله الحسين بن علي عليهما‌السلام : المنهال بن عمرو الاسدي.

وكذلك قال في أصحاب أبي محمد علي بن الحسين عليهما‌السلام : المنهال بن عمرو الاسدي.

__________________

(١) يعنى ان قوله فيما روى متعلق بقوله بعد ان أصابته ، لا أنه متعلق بقوله أصابته دعوته‌

(٢) والعجب من المصحح لرجال الكشى المطبوع في جامعة مشهد حيث زعم أنه من العامة لأنه رتب النسخة كذا : ٩٥ ـ فيما روى من جهة العامة : روى عبد الله بن ابراهيم الخ‌

(٣) الفهرست : ١٢٧‌

٢٤٥

عن زر بن حبيش ، قال : خرج علي بن أبي طالب عليه‌السلام من القصر ، فاستقبله ركبان متقلدون بالسيوف عليهم العمائم ، فقالوا : السّلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته ، السّلام عليك يا مولانا.

فقال علي عليه‌السلام : من هاهنا من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟ فقام خالد بن زيد أبو أيوب ، وخزيمة بن ثابت ذو الشهادتين ، وقيس بن سعد بن عبادة ، وعبد الله بن بديل بن ورقاء ، فشهدوا جميعا أنهم سمعوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : يوم غدير خم من كنت مولاه فعلي مولاه.

فقال علي عليه‌السلام لأنس بن مالك ، والبراء بن عازب : ما منعكما أن تقوما فتشهدا فقد سمعتما كما سمع القوم؟ ثم قال : اللهم ان كانا كتماها معاندة فابتلهما.

______________________________________________________

وقال في أصحاب أبي جعفر الباقر عليه‌السلام : منهال بن عمرو الاسدي مولاهم.

وقال في أصحاب أبي عبد الله الصادق عليه‌السلام : منهال بن عمرو الاسدي مولاهم كوفي ، روى عن علي بن الحسين وأبي جعفر وأبي عبد الله عليهم‌السلام (١).

وفي مختصر الذهبي : المنهال بن عمرو الاسدي مولاهم ، عن ابن الحنيفة وزر ، وعنه الاعمش ، وشعبة ، ورواية عنه في « س » ثم تركه بآخرة ، وثّقه ابن معين.

قوله رحمه‌الله : عن زر بن حبيش‌

زر بالزاء المكسورة والراء المشددة ، وحبيش بضم الحاء المهملة وفتح الباء الموحدة واسكان الياء المثناة من تحت واعجام الشين أخيرا ، على ما في جامع الاصول والقاموس وغيرهما من الكتب المعتبرة.

وقال العلامة في الخلاصة : بالسين المهملة (٢).

فاعترض عليه الحسن بن داود بالتصحيف والتوهم (٣).

__________________

(١) رجال الشيخ على الترتيب : ٧٩ ، ١٠١ ، ١٣٨ ، ٣١٣‌

(٢) الخلاصة : ٧٦‌

(٣) رجال ابن داود : ١٥٧‌

٢٤٦

فعمي البراء بن عازب ، وبرص قدما أنس بن مالك ، فحلف أنس بن مالك أن لا يكتم منقبة لعلي بن أبي طالب ولا فضلا أبدا ، وأما البراء بن عازب فكان يسأل عن منزله؟ فيقال : هو في موضع كذا وكذا ، فيقول : كيف يرشد من أصابته الدعوة.

______________________________________________________

فبعض شهداء المتأخرين في حاشية الخلاصة (١) رجح كلام ابن داود ، بأنه في نسخة معتبرة لكتاب الرجال للشيخ وجد ذلك مضبوطا بالشين المعجمة ، ولم يتعرض للتصريح بذلك في الاصول المعول عليها في هذا الباب ، كأنه لم يتبعها أصلا.

وبالجملة زر بن حبيش من أفاضل رجال أمير المؤمنين عليه‌السلام.

قال الشيخ في كتاب الرجال في أصحاب أمير المؤمنين عليه‌السلام : زرّ بن حبيش وكان فاضلا (٢).

وفي مختصر الذهبي : زرّ بن حبيش أبو مريم الاسدي ، عاش مائة وعشرين سنة ، مات سنة ٨٢.

قوله عليه‌السلام : وأما البراء بن عازب فكان يسأل عن منزله‌

أي بعد أن أصابته دعوة أمير المؤمنين عليه‌السلام وعمي ، فيقال : هو في موضع كذا وكذا ، فيقول : كيف يرشد من أصابته الدعوة ، ولعل قوله هذا قبل ما قد سبق من حديث شهادة أمير المؤمنين عليه‌السلام له بالجنة.

__________________

(١) التعليقة على الخلاصة للشهيد الثانى غير مطبوع.

(٢) رجال الشيخ : ٤٢‌

٢٤٧

عمرو بن الحمق‌

٩٦ ـ جبريل بن أحمد الفاريابي ، حدثني محمد بن عبد الله بن مهران ، عن الحسن بن محبوب ، عن أبي القاسم وهو معاوية بن عمار ( إن شاء الله ) رفعه ، قال :

______________________________________________________

عمرو بن الحمق‌

عمرو بن الحمق ـ باهمال الحاء وفتحها وكسر الميم ـ صاحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان من قتلة عثمان ، وشهد مع أمير المؤمنين عليه‌السلام مشاهده كلها ، وروى أبو عمرو الكشي ـ رحمه الله تعالى ـ : أنه من حواري أمير المؤمنين عليه‌السلام.

قال الشيخ ـ رحمه‌الله ـ في باب أصحاب أمير المؤمنين عليه‌السلام : عمرو بن الحمق الخزاعي (١).

وكذلك قال في أصحاب أبي محمد الحسين بن علي عليهما‌السلام : عمرو بن الحمق الخزاعي (٢).

وفي مختصر الذهبي : عمرو بن الحمق الخزاعي صحابي ، عنه جبير بن نفير ، ورفاعة بن شداد ، وجماعة ، قتل بالموصل سنة ٥١ بعثمان.

قوله رحمه الله تعالى : جبريل بن أحمد الفاريابي‌

قد تقدم تحقيق حاله ، والطريق هذا ضعيف بمحمد بن عبد الله بن مهران وهو غال كذاب.

وفي القاموس : فراب كسحاب قرية قرب سمرقند ، ذكر تارة باصفهان ، وكحربال بلد ببلخ ، أو هو فيرياب ككيمياء ، أو فارياب كقاصعاء وكساباط ناحية وراء نهر سيحون (٣).

__________________

(١) رجال الشيخ : ٤٧‌

(٢) رجال الشيخ : ٦٩‌

(٣) القاموس : ١ / ١١٢‌

٢٤٨

أرسل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سرية ، فقال لهم : انكم تضلون ساعة كذا من الليل فخذوا ذات اليسار ، فانكم تمرون برجل في شأنه فتسترشدونه ، فيأبى أن يرشدكم حتى تصيبوا من طعامه فيذبح لكم كبشا فيطعمكم ثم يقوم فيرشدكم ، فأقرئوه مني السّلام واعلموه أني قد ظهرت بالمدينة.

فمضوا فضلوا الطريق ، فقال قائل منهم : ألم يقل لكم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تياسروا ففعلوا فمروا بالرجل الذي قال لهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاستر شدوه؟ فقال لهم الرجل لا أفعل حتى تصيبوا من طعامي ، ففعلوا ، فأرشدهم الطريق. ونسوا ان يقرءوه السّلام من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

قال ، فقال لهم وهو عمرو بن الحمق رضي‌الله‌عنه أظهر النبي عليه‌السلام بالمدينة فقالوا : نعم. فلحق به ولبث معه ما شاء الله.

ثم قال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ارجع الى الموضع الذي منه هاجرت فاذا تولى أمير المؤمنين عليه‌السلام فآته.

فانصرف الرجل حتى اذا تولى أمير المؤمنين عليه‌السلام الكوفة ، أتاه وأقام معه بالكوفة ، ثم ان أمير المؤمنين عليه‌السلام قال له ألك دار؟ قال : نعم. قال : بعها واجعلها في الازد ، فاني غدا لو غبت لطلبك ، فمنعك الازد حتى تخرج من الكوفة متوجها الى حصن الموصل ، فتمر برجل مقعد فتقعد عنده ، ثم تستقيه فيسقيك ، ويسألك عن شأنك فأخبره وادعه الى الإسلام فانه يسلم ، وأمسح بيدك على وركيه فان الله يمسح ما به وينهض قائما فيتبعك.

وتمرّ برجل أعمى على ظهر الطريق ، فتستسقيه فيسقيك ، ويسألك عن شأنك فأخبره وادعه الى الإسلام فانه يسلم ، وأمسح يدك على عينيه فان الله عز وجل يعيده بصيرا فيتبعك ، وهما يواريان بدنك في التراب ، ثم تتبعك الخيل فاذا صرت قريبا من الحصن في موضع كذا وكذا رهقتك الخيل ، فأنزل عن فرسك ومرّ الى الغار ، فانه يشترك في دمك فسقة من الجن والانس.

٢٤٩

ففعل ما قال أمير المؤمنين عليه‌السلام قال ، فلما انتهى الى الحصن قال للرجلين : اصعدا فانظرا هل تريان شيئا؟ قالا نرى خيلا مقبلة ، فنزل عن فرسه ودخل الغار وعار فرسه فلما دخل الغار ضربه أسود سالخ فيه ، وجاءت الخيل فلما رأوا فرسه عائرا قالوا هذا فرسه وهو قريب ، فطلبه الرجال فأصابوه في الغار فكلما ضربوا ايديهم الى شي‌ء من جسمه تبعهم اللحم ، فأخذوا رأسه ، فأتوا به معاوية ، فنصبه على رمح ، وهو أول رأس نصب في الإسلام.

٩٧ ـ قال الكشى : وروى أن مروان بن الحكم كتب الى معاوية وهو عامله على المدينة : أما بعد. فان عمرو بن عثمان ذكر أن رجلا من أهل العراق ووجوه أهل‌

______________________________________________________

قوله : وعار فرسه‌

باهمال العين قبل الالف والراء بعدها. قال في المغرب : عار الفرس يعير ذهب هنا وهنا من نشاطه : أوهام على وجهه لا يثنيه شي‌ء ، ومنه قوله فيما لا يجوز بيعه كذا وكذا. والفرس العائر والعاند من العاند من العناد تصحيف ، ويقال : سهم عاير لا يدري من رماه.

قوله : ضربه أسود سالخ‌

باهمال السين قبل الالف واللام بعدها واعجام الخاء أخيرا.

قال في القاموس : والسالخ اسم الاسود من الحيات والانثى أسودة ، ولا توصف بسالخة وأسود وأسودان سالخ ، وأساود سالخة وسوالخ (١).

قوله أن رجلا من أهل العراق‌

بفتح الراء واسكان الجيم على جمع راجل ، أو بالزاء المضمومة والجيم المفتوحة ، أي جماعات على جمع الزجلة بالضم وهي الجماعة ، أو بالزاء المفتوحة‌

__________________

(١) القاموس : ١ / ٢٦١‌

٢٥٠

الحجاز يختلفون الى الحسين بن علي ، وذكر أنه لا يأمن وثوبه ، وقد بحثت عن ذلك فبلغني أنه يريد الخلاف يومه هذا ، ولست آمن أن يكون هذا أيضا لما بعده ، فاكتب إلي برأيك في هذا ، والسّلام.

فكتب اليه معاوية : أما بعد : فقد بلغني كتابك وفهمت ما ذكرت فيه من أمر الحسين ، فاياك أن تعرض للحسين في شي‌ء واترك حسينا ما تركك ، فانا لا نريد أن تعرّض له في شي‌ء ما وفي ببيعتنا ولم ينز على سلطاننا ، فاكمن عنه ما لم يبدلك صفحته ، والسّلام.

______________________________________________________

والجيم الساكنة ، بمعنى ارسال الحمام للاختبار والاستخبار.

قوله عليه وعلى شجرته الملعونة الخبيثة أصلا وفصلا أشد اللعن والعذاب : ما لم ينز على سلطاننا‌

بفتح حرف المضارعة واسكان النون وضم الزاء ، من نزا على الشي‌ء ينزو نزوا ونزوانا : أي وثب وثوبا وثبانا ، وقلب فلان ينزو الى كذا ينازع ويتوق اليه ، والتنزي التوثب والتسرع.

وفي مجمل اللغة : التنزي تسرع الانسان الى الشر ، وما نزاك على كذا أي ما حملك عليه ، يقال : بالتشديد وبالتخفيف ، ورجل منزو بكذا مولع به.

قوله : فاكمن عنه ما لم يبدلك صفحته‌

من كمن له كمونا ، بمعنى تواري واستخفي.

قال في المغرب : ومنه الكمين من حيل الحرب ، وهو أن يستخفوا في مكمن لا يفطن لهم ، وكمن عنه كمونا أي اختفي.

وفي القاموس : ان الفعل منه من بابي نصر وسمع ، ويقال : في المشهور من بابي ضرب ونصر (١).

__________________

(١) القاموس : ٤ / ٢٦٣‌

٢٥١

٩٨ ـ وكتب معاوية الى الحسين بن علي عليه‌السلام أما بعد ـ فقد انتهيت إلي أمور عنك. ان كانت حقا فقد أظنّك تركتها رغبة فدعها ، ولعمر الله ان من أعطى الله عهده وميثاقه لجدير بالوفاء وان كان الذي بلغني باطلا فانك أنت أعذل الناس لذلك وعظ نفسك فاذكره ولعهد الله أوف ، فانك متى ما أنكرك تنكرني ومتى أكدك تكدني فاتق شقّك عصا هذه الامة وان يردهم الله على يديك في فتنة ، وقد عرفت الناس وبلوتهم ، فانظر لنفسك ولدينك ولأمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا يسخفنّك السفهاء والذين لا يعلمون.

٩٩ ـ فلما وصل الكتاب الى الحسين عليه‌السلام كتب اليه : أما بعد ـ فقد بلغني كتابك ، تذكر أنه قد بلغك عني أمور أنت لي عنها راغب وأنا لغيرها عندك جدير فان الحسنات لا يهدى لها ولا يرد اليها الا الله ، وأما ما ذكرت أنه انتهى إليك عني فانه انما رقاه إليك الملاقون المشّاءون بالنميم ، وما أريد لك حربا ولا عليك خلافا ، وايم الله اني لخائف لله في ترك ذلك ، وما أظن الله راضيا بترك ذلك ، ولا عاذرا بدون الاعذار فيه إليك وفي أوليائك القاسطين الملحدين حزب الظلمة وأولياء الشياطين.

ألست القاتل حجر بن عدي أخا كندة ، والمصلين العابدين الذين كانوا‌

______________________________________________________

و « يبد » بضم حرف المضارعة من باب الافعال.

و « صفحة الشي‌ء » وجهه وجانبه ، أي ما لم يظهر لك وجهه وجانبه ، ولم يتكافح ولم يتظاهر لك بالمعاندة والمعاداة.

قوله : فانك أنت أعذل الناس لذلك‌

باعجام الذال بعد العين المهملة ، من العذل بمعنى الملامة ، يقال : عذلت الرجل اذا لمته ، وعذلنا فلان فاعتذل أي لام نفسه وأعتب ، يعني أنت أحق الناس بأن تكون عاذلا لمثل ذلك لائما عليه مستنكرا اياه ، فخليق بك أن لا ترتكبه أبدا.

قوله عليه وعلى شجرته الطيبة المقدسة المبارك أصلها وفرعها صلوات الله التامات وتسليماته الناميات : ألست القاتل حجر بن عدى أخا كنده‌

حجر بن عدي الكندي من خواص أمير المؤمنين عليه‌السلام وأصفياء أصحابه‌

٢٥٢

ينكرون الظلم ويستعظمون البدع ولا يخافون في الله لومة لائم؟ ثم قتلتهم ظلما وعدوانا من بعد ما كنت اعطيتهم الايمان المغلظة والمواثيق المؤكدة لا تأخذهم بحدث كان بينك وبينهم ولا بإحنة تجدها في نفسك.

أو لست قاتل عمرو بن الحمق صاحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم العبد الصالح الذي أبلته العبادة فنحل جسمه وصفرت لونه؟ بعد ما آمنته وأعطيته من عهود الله ومواثيقه ما لو أعطيته طائرا لنزل إليك من رأس الجبل ، ثم قتلته جرأة على ربك واستخفافا‌

______________________________________________________

وأولياءه ، وذكره بعضهم في عداد الصحابة.

وفي القاموس : حجر ـ بالضم ـ والد امرء القيس وجده الاعلى ، وابن عدي وابن ربيعة وابن يزيد صحابيون ، وابن العنبس تابعي (١).

وقال يوسف بن عبد البر والحافظ أبو نعيم : حجر بن عنبس وقيل : ابن قيس الكندي وحجر بن عدي الأدبر ، ذكرا فيمن روى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولا تثبت لأحدهما صحبته (٢).

والشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ في كتاب الرجال قال في أصحاب أمير المؤمنين عليه‌السلام حجر بن عدي الكندي وكان من الابدال (٣) ثم ذكره في أصحاب أبي محمد الحسن ابن علي عليهما‌السلام وقال : حجر بن عدي الكندي الكوفي (٤).

قلت : وايراده في أصحاب أبي عبد الله الصادق عليه‌السلام كان خطأ لقول سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين بن علي عليهما‌السلام لمعاوية في هذه الرواية : ألست القاتل حجر بن عدي أخا كنده.

وقال أبو الحسن المسعودي ـ رحمه الله تعالى ـ في مروج الذهب : وفي‌

__________________

(١) القاموس : ٢ / ٥‌

(٢) الاستيعاب : ١ / ٣٥٩‌

(٣) رجال الشيخ : ٣٨‌

(٤) رجال الشيخ : ٦٧‌

٢٥٣

______________________________________________________

سنة ثلاث وخمسين قتل معاوية حجر بن عدي الكندي ، وهو أول من قتل صبرا في الإسلام ، حمله زياد من الكوفة ومعه تسعة عشر نفرا من أهل الكوفة وأربعة من غيرها.

فلما صار الى مرج عذراء على اثنى عشر ميلا من دمشق تقدم البريد بأخبارهم الى معاوية ، فبعث اليهم برجل أعور ، فلما أشرف على حجر وأصحابه ، قال رجل منهم : ان صدق الرجل (١) فانه سيقتل منا النصف وينجو الباقون فقيل له : وكيف ذلك؟ قال : أما ترون الرجل المقبل مصابا في إحدى عينيه.

فلما وصل اليهم قال لحجر : ان أمير المؤمنين قد أمرني بقتلك يا رأس الضلال ومعدن الكفر والطغيان والمتولي لأبي تراب ، الا أن ترجعوا عن كفركم وتلعنوا أصحابكم وتتبرّءوا منه.

فقال حجر وجماعته ممن كان معه : ان الصبر على مرّ (٢) السيف لا يسر علينا مما تدعونا اليه ، ثم القدوم على الله وعلى نبيه وعلى وصيه أحب إلينا من دخول النار وأجاب نصف من كان معه الى البراءة من علي.

فلما قدم حجر ليقتل قال : دعوني أصلي ركعتين فطول في صلاته ، فقيل له :

أجزعا من الموت؟ قال : لا ، ولكني ما تطهرت للصلاة قط إلا صليت ، وما صليت قط أخف من هذه ، وكيف أجزع وأني لأرى قبرا مفتوحا وسيفا مشهورا وكفنا منشورا ثم قدم فنحر : والحق به من وافقه على قوله من أصحابه.

وقيل : ان قتلهم كان في سنة خمسين ، وذكر أن عدي بن حاتم الطائي دخل على معاوية : فقال له معاوية : أما أنه قد بقيت قطرة من دم عثمان لا يمحوها الا دم شريف من أشراف اليمن.

__________________

(١) وفي المصدر : الزجر‌

(٢) وفي المصدر : حد‌

٢٥٤

بذلك العهد ، أولست المدعى زياد بن سمية المولود على فراش عبيد ثقيف؟ فزعمت انه ابن أبيك وقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الولد للفراش وللعاهر الحجر ، فتركت سنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تعمدا وتبعت هواك بغير هدى من الله.

______________________________________________________

فقال عدي : والله ان قلوبنا التي أبغضاك فيها لفي صدورنا وان سيوفنا التي قاتلناك بها لعلى عواتقنا ، ولئن أدنيت إلينا شبرا لندلي إليك من الشر شبرا ، وان حرجمة (١) الحلقوم وحشرجة الحيزوم لا هون علينا من أن نسمع المساءة في علي عليه‌السلام فسل السيف يا معاوية يبعث السيف.

فقال معاوية : هذه كلمات حكم فاكتبوها ، وأقبل على عدي محادثا كأنه ما خاطبه بشي‌ء انتهى كلام مروج الذهب (٢).

وسيأتي في أصل الكتاب تمام القول في ترجمة حجر بن عدي إن شاء الله العزيز العليم سبحانه.

قوله عليه‌السلام أولست المدعى زياد بن سمية المولود على فراش عبيد ثقيف فزعمت أنه ابن أبيك‌

قال المسعودي في مروج الذهب : أن معاوية ادعى ذلك وأدخله في نسبه بشهادة أبي مريم السلولي ، وكان أخبر الناس ببدو الامر ، وذلك أنه جمع بين أبي سفيان وسمية أم زياد في الجاهلية على زنا ، وكانت سمية من ذوات الرايات بالطائف تؤد الضريبة الى الحارث بن كلدة سمية ، فقال : ايتني بها على ذفرها وقذرها.

فقال له زياد : مهلا يا أبا مريم! انما بعثت شاهدا ولم تبعث شاتما ، فقال أبو مريم : نعم لو كنت أعفيتموني لكان أحب إلي وانما شهدت بما عاينت ورأيت ، والله لقد أخذ بكور (٣) درعها وأغلقت الباب عليهما وقعدت دهشانا ، فلم ألبث أن خرج‌

__________________

(١) وفي المصدر : حز‌

(٢) مروج الذهب : ٣ / ٣ ـ ٥‌

(٣) كار الشى‌ء يكور كورا دار وكور العمامة دورها ( منه ) وفي المصدر : بكم درعها‌

٢٥٥

ثم سلطته على العراقين ، يقطع أيدي المسلمين وأرجلهم ، ويسمل أعينهم ، ويصلبهم على جذوع النخل كأنك لست من هذه الامة وليسوا منك.

أولست صاحب الحضرميين الذين كتب فيهم ابن سمية انهم كانوا على دين علي عليه‌السلام؟ فكتب اليه ان اقتل كل من كان على دين علي فقتلهم ومثلهم ودين علي عليه‌السلام سر الله الذي كان يضرب عليه أباك ويضربك ، وبه جلست مجلسك الذي جلست ، ولو لا ذلك لكان شرفك وشرف أبيك الرحلتين.

______________________________________________________

علي يمسح جبينه فقلت : مه يا أبا سفيان فقال : ما أصبت مثلها يا أبا مريم لو لا استرخاء من ثديها وذفر من مرفقيها.

فقام زياد فقال : أيها الناس هذا الشاهد قد ذكر ما سمعتم ولست أدري حق ذلك من باطله ، وانما كان عبيد ابا مبرورا ووليا مشكورا ، والشهود أعلم بما قالوا.

فقام يونس بن عبيد أخو صفية بنت عبيد بن أسد بن علاج الثقفي ، وكانت صفية مولاة سمية ، فقال : يا معاوية قضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الولد للفراش وللعاهر الحجر وقضيت أنت الولد للعاهر وأن الحجر للفراش ، مخالفة لكتاب الله وانصرافا عن سنة رسول الله بشهادة أبي مريم على زنا أبي سفيان.

فقال معاوية : والله لتنتهين يا يونس أو لأطيرن بك طيرة بطيئا وقوعها ، فقال يونس : هل الا الى الله ثم أقع؟

فقال عبد الرحمن بن أم الحكم في ذلك :

ألا أبلغ معاوية بن حرب

مغلغلة عن الرجل اليماني

أتغضب أن يقال أبوك عف

وترضى أن يقال أبوك زان

فاشهد أن رحمك من زياد

كرحم الفيل من ولد الاتان (١)

قوله عليه‌السلام : لكان شرفك وشرف أبيك الرحلتين‌

الرحلة ـ بالكسر ـ الارتحال ، الرحلة ـ بالضم ـ الوجهة التي يقصدها المرتحل‌

__________________

(١) مروج الذهب : ٣ / ٦ ـ ٨‌

٢٥٦

وقلت فيما قلت « انظر لنفسك ولدينك ولأمة محمد واتق شق عصا هذه الامة وان تردهم الى فتنة » واني لا أعلم فتنة أعظم على هذه الامة من ولايتك عليها ولا أعظم نظرا لنفسي ولديني ولأمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلينا أفضل من أن أجاهدك ، فان فعلت فانه قربة الى الله ، وان تركته فاني أستغفر الله لديني وأسأله توفيقه لإرشاد أمري.

وقلت فيما قلت « أني ان أنكرتك تنكرني وان أكدك تكدني » فكدني ما بدا لك فاني أرجو أن لا يضرني كيدك فيّ ، وأن لا يكون عليّ أحد أضر منه على نفسك ، على أنك قد ركبت بجهلك وتحرصت علي نقض عهدك ، ولعمري ما وفيت بشرط.

ولقد نقضت عهدك بقتلك هؤلاء النفر الذين قتلتهم بعد الصلح والايمان والعهود والمواثيق ، فقتلتهم من غير أن يكونوا قاتلوا وقتلوا ، ولم تفعل ذلك بهم الا لذكرهم فضلنا وتعظيمهم حقنا ، فقتلتهم مخافة أمر لعلك لو لم تقتلهم متّ قبل أن يفعلوا أو ماتوا قبل أن يدركوا.

فأبشر يا معاوية بالقصاص وأستيقن بالحساب واعلم أن لله تعالى كتابا لا يغادر صغيرة ولا كبيرة الا أحصاها ، وليس الله بناس لأخذك بالظنة وقتلك أوليائه على‌

______________________________________________________

في مسيره.

ويعني عليه‌السلام بالرحلتين : رحلتي قريش بالشتاء والصيف ، للامتيار والاتجار ، كان لإشرافهم الرحلة في الشتاء الى اليمن وفي الصيف الى الشام ، فيمتارون ويتجرون وذلك قصارى جاههم وشرفهم.

فدين الإسلام وهو دين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ودين علي بن أبي طالب عليه‌السلام علاهم وشرفهم ورفع قدرهم وأعلا منزلتهم ، وجعل الله سبحانه استقرار ذلك منوطا بسيف علي عليه‌السلام ، ولذلك كان ضربة علي عليه‌السلام يوم الخندق توازي عمل الثقلين وأفضل من عبادة الجن والانس وأفضل من عمل الثقلين على اختلاف الروايات.

٢٥٧

التهم ونقل أوليائه من دورهم الى دار الغربة ، وأخذك للناس ببيعة ابنك غلام حدث يشرب الخمر ، ويلعب بالكلاب ،

______________________________________________________

قوله عليه‌السلام : ببيعة ابنك غلام حدث يشرب الخمر ويلعب بالكلاب‌

قال في مروج : وكان يزيد صاحب طرب وجوارح وقرود وفهود ، ومنادمة على الشراب ، وعن يمينه ابن زياد وغلب على أصحاب يزيد وعماله ما كان يفعله من الفسوق ، وفي أيامه ظهر الغناء بمكة والمدينة ، واستعملت الملاهي ، وأظهر الناس شرب الشراب.

وكان له قرد يكنى بأبي قيس يحضره مجلس منادمته ، ويطرح له متكأ ، وكان قردا خبيثا ، فكان يحمله على أتان وحشية قد ريضت وذللت لذلك بسرج ولجام ، ويسابق بها الخيل يوم الحلبة.

فجاء في بعض الايام سابقا فتناول القصبة ودخل الحجرة قبل الخيل ، وعلى أبي قيس قباء من الحرير الاحمر والاصفر مشمر وعلى رأسه قلنسوة من الحرير ذات ألوان بشقائق ، وعلى الاتان سرج من الحرير الاحمر منقوش ملون بأنواع من الالوان.

وعامله الذي استعمله على جيشه المبعوث من الشام الى المدينة قاتل في الموضع المعروف بالحرة خلقا من بني هاشم ، وسائر قريش وأنصار ، وغيرهم من خيار الناس وأفاضلهم وقتلهم.

وأخاف المدينة وألهبها وقتل أهلها وبايعهم على أنهم عبيدا ليزيد ، وسماها « نتنة » وقد سماها رسول الله « طيبة » وقال : من أخاف المدينة أخافه الله.

وليزيد وغيره من بني أمية أخبار عجيبة ومثالب كثيرة : من شرب الخمور ، وقتل ابن بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولعن الوصي ، وهدم البيت واحراقه وسفك الدماء المحقونة ، والفسق والفجور ، وغير ذلك مما قد ورد فيه الوعيد باليأس من غفرانه ، كوروده فيمن جحد توحيده وخالف رسله انتهى ما في مروج الذهب (١).

__________________

(١) مروج الذهب ٣ / ٦٧ ـ ٧٢‌

٢٥٨

لا أعلمك الا وقد خسّرت نفسك وتبّرت دينك وغششت رعيتك وأخربت أمانتك وسمعت مقالة السفيه الجاهل وأخفت الورع التقي لا جلهم ـ والسّلام.

فلما قرأ معاوية الكتاب ، قال : لقد كان في نفسه ضب ما اشعر به.

فقال يزيد يا أمير المؤمنين أجبه جوابا تصغر اليه نفسه ، وتذكر فيه أباه بشي‌ء فعله قال : ودخل عبد الله بن عمرو بن العاص ، فقال له معاوية : أما رأيت ما كتب به الحسين؟ قال وما هو؟ قال : فأقرأه الكتاب ، فقال وما يمنعك أن تجيبه بما يصغر اليه نفسه؟ وانما قال ذلك في هوى معاوية ، فقال يزيد كيف رأيت يا أمير المؤمنين رأي؟ فضحك معاوية فقال : أما يزيد فقد أشار علي بمثل رأيك ، قال عبد الله : فقد أصاب يزيد.

فقال معاوية أخطأتما أرأيتما لو أني ذهبت لعيب عليّ محقا ما عسيت أن أقول فيه ، ومثلي لا يحسن أن يعيب بالباطل وما لا يعرف ، ومتى ما عبت به رجلا بما لا يعرفه الناس لم يخول به صاحبه ولا يراه الناس شيئا وكذبوه ، وما عسيت أن أعيب حسينا ، والله ما أرى للعيب فيه موضعا وقد رأيت أن أكتب اليه أتوعده وأتهدده ثم رأيت ألا أفعل ولا أمحله.

______________________________________________________

قوله عليه‌السلام : لا أعلمك الا وقد خسرت نفسك وتبرت دينك وغششت رعيتك‌

« خسرت » باهمال السين المشددة بعد الخاء المعجمة ، أي أهلكتها من التخسير بمعنى الاهلاك.

و « تبرت » بتشديد الباء الموحدة بعد التاء المثناة من فوق ، من التتبير تفعيلا من التبر ـ بفتح التاء المثناة من فوق واسكان الباء الموحدة ـ بمعنى الكسر والاهلاك ، والتبار ـ بالفتح أيضا ـ الهلاك.

وايم الله لقد بلغ معاوية من خسارة نفسه وتبار دينه وغشه رعيته الى خيانته اياهم في الدين أمد الاحد فوقه.

٢٥٩

خزيمة بن ثابت‌

______________________________________________________

قال المسعودي في مروج الذهب : ولقد بلغ من أمرهم في طاعتهم له أن صلى بهم في مسيرهم الى صفين الجمعة يوم الاربعاء.

وسبط ابن الجوزي في الخصائص والمناقب قال : قال المسعودي : لقد بلغ من طاعة أهل الشام لمعاوية أنه صلى بهم الجمعة يوم الاربعاء ، وغيره يقول : يوم السبت وقال : كان لنا بالامس عذر.

وكذلك قال جده أبو الفرج بن الجوزي في المنتظم.

خزيمة بن ثابت‌

هو أبو عمارة الانصاري ذو الشهادتين ، خزيمة ـ بالخاء المعجمة المضمومة والزاء المفتوحة والياء الساكنة والميم والهاء أخيرا ـ ابن ثابت بن الفاكة ، من عظماء أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شهد معه بدرا وما بعدها ، ومن أصفياء أصحاب أمير المؤمنين عليه‌السلام ، شهد معه جمل والصفين ، وقتل بصفين شهيدا.

ذكره الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ في كتاب الرجال في باب الصحابة قال :

خزيمة بن ثابت (١).

ثم ذكره في أصحاب أمير المؤمنين عليه‌السلام وقال : خزيمة بن ثابت (١) ذو الشهادتين (٢).

ولقد أطبقت العامة والخاصة على أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سماه ذو الشهادتين وأقامه وحده في باب الشهادة مقام شاهدين.

والسيد المرتضى علم الهدى ذو المجدين ـ رضي الله تعالى عنه ـ في كتاب الانتصار في مسألة قضاء القاضي بعلمه : وأن قول أبي علي بن الجنيد بخلاف ذلك خرق الاجماع الامامية ، ومسبوق وملحوق بانعقاده سابقا ولا حقا قبل ابن الجنيد وبعده ، أورد قضية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ابتياعه الناقة من الاعرابي من طريقين.

__________________

(١) رجال الشيخ : ١٩‌

(٢) رجال الشيخ : ٤٠‌

٢٦٠