دروس في مسائل علم الأصول - ج ٢

آية الله الميرزا جواد التبريزي

دروس في مسائل علم الأصول - ج ٢

المؤلف:

آية الله الميرزا جواد التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات دار الصديقة الشهيدة عليها السلام
المطبعة: نگين
الطبعة: ٢
ISBN: 978-964-8438-61-1
ISBN الدورة:
978-964-94850-1-0

الصفحات: ٤٠٨

كما ظهر مما حققناه : أنه لا يكاد يجدي أيضا كون الفرد مقدمة لوجود الطبيعي المأمور به أو المنهي عنه [١] ، وأنه لا ضير في كون المقدمة محرمة في صورة عدم الانحصار بسوء الاختيار ، وذلك ـ مضافا إلى وضوح فساده ، وأن الفرد هو عين الطبيعي في الخارج ، كيف؟ والمقدمية تقتضي الاثنينية بحسب الوجود ، ولا تعدد كما هو واضح ـ أنه إنما يجدي لو لم يكن المجمع واحدا ماهية ، وقد عرفت بما لا مزيد عليه أنه بحسبها أيضا واحد.

______________________________________________________

جوازها وتمام الكلام في الفقه.

[١] التزم ميرزا القمي رحمه‌الله بجواز اجتماع الأمر والنهي فإنّ الطبيعي المتعلّق به الأمر غير الطبيعي المتعلّق به النهي غاية الأمر أنّ ما تعلّق به الأمر يتحقّق بالفرد المنهي عنه ولا محذور فيه لأنّ الفرد مقدمة للطبيعي ولا ضير في حرمة مقدمة الواجب إذا لم ينحصر مقدمته على الحرام.

أقول : لو كان الفرد مقدمة للطبيعي المأمور به والطبيعي المنهي عنه فلازم كون فرد مقدمة لكلّ منهما أن يتعلّق بالفرد المفروض كلّ من الوجوب الغيري والحرمة الغيريّة بلا تعدّد عنوان تقييدي وعدم جواز ذلك متسالم عليه عند الكلّ ، مضافا إلى ما ذكره الماتن قدس‌سره من أنّ الفرد عين الطبيعي ونفسه لا أنّه مقدمة له والمقدميّة تقتضي الاثنينيّة بحسب الوجود كما مرّ في بحث عدم كون الجزء مقدمه للكلّ مع أنّه ليس في موارد التركيب الاتّحادي ماهيتين ونوعيتين إحداهما متعلّقة للأمر والأخرى متعلّقة للنهي بل المجمع في موارده كما أنّه واحد وجودا واحد ماهيّة.

٣٨١

ثم إنه قد استدلّ على الجواز بأمور :

منها : إنه لو لم يجز اجتماع الأمر والنهي ، لما وقع نظيره وقد وقع ، كما في العبادات المكروهة [١] ، كالصلاة في مواضع التهمة وفي الحمام والصيام في السفر وفي بعض الأيام.

______________________________________________________

معنى الكراهة في العبادة

[١] استدلّ على جواز اجتماع الأمر والنهي في واحد بوقوعه فإنّ الوقوع يكشف عن جواز الاجتماع وعدم الامتناع ويشهد لوقوعه ما ورد في العبادات المكروهة حيث اجتمع فيها الكراهة والوجوب أو الكراهة والاستحباب وهذه الموارد على ما ذكر الماتن قدس‌سره على أقسام.

القسم الأوّل : أن تكون العبادة بعنوانها متعلّق النهي كصوم يوم عاشورا ، فإنّ الأمر الاستحبابي تعلّق بصوم الأيام بنحو الانحلال فيكون صوم كل يوم مستحبّا من غير أن يكون له بدل في مقابل صوم يوم آخر ولا أن يكون نفسه بدلا عن الآخر ، وصوم يوم عاشورا مع أنّه مستحب نفسي متعلّق به النهي على ما في بعض الروايات وبالجملة اجتمع فيه الاستحباب والكراهة ، ونظيره النوافل المبتدئة فإنّ الصلاة في كل زمان خير موضوع مع أنّه قد ورد النهي عنها في بعض الأوقات.

والقسم الثاني : ما تعلّق النهي بالعبادة مع ثبوت بدل لها كما في الأمر بالصلاة اليومية مع النهي التنزيهي عن بعض أفرادها كالصلاة في الحمام أو في آخر الوقت ومن هذا القبيل اجتماع الوجوب مع الاستحباب كوجوب الصلاة اليومية واستحباب الإتيان بها في المسجد أو في أوّل الوقت.

والقسم الثالث : ما تعلّق النهي فيه لا بنفس العبادة بل بعنوان ينطبق على العبادة

٣٨٢

بيان الملازمة : إنه لو لم يكن تعدد الجهة مجديا في إمكان اجتماعهما لما جاز اجتماع حكمين آخرين في مورد مع تعددها ، لعدم اختصاصهما من بين الأحكام بما يوجب الامتناع من التضاد ، بداهة تضادها بأسرها ، والتالي باطل ، لوقوع اجتماع الكراهة والإيجاب أو الاستحباب ، في مثل الصلاة في الحمام ، والصيام في السفر ، وفي عاشوراء ولو في الحضر ، واجتماع الوجوب أو الاستحباب مع الإباحة أو الاستحباب ، في مثل الصلاة في المسجد أو الدار.

______________________________________________________

أحيانا أو بما يلازمها فيكون تركيبه مع العبادة انضماميا كالصلاة في مواضع التهمة بناء على كراهة الكون في مواضعها.

ذكر قدس‌سره جوابا إجماليا عن الاستدلال شرع في الجواب التفصيلي عن كل من الأقسام الثلاثة. أمّا الجواب الإجمالي فهو أنّه إذا ثبت امتناع اجتماع الأمر والنهي في واحد فلا بدّ في الموارد التي ورد في الشرع ما ظاهره خلاف ذلك من حمله على ما يخرج عن مورد الامتناع حيث إنّ الظهور لا يصادم البرهان وحكم العقل القطعي بالامتناع ، مع أنّ في بعض الموارد المستدل بها ، تعلّق الأمر والنهي بفعل واحد بعنوانه والقائل بالجواز لا يلتزم بالجواز فيه بل يلتزم بالامتناع ما لم يكن في البين عنوانان خصوصا فيما لم يكن في البين مندوحة كما في العبادات المكروهة التي لا بدل لها.

وأمّا الجواب التفصيلي : فإنّه قدس‌سره ذكر في القسم الأوّل أنّ الكراهة ـ التي هي من الأحكام الخمسة التكليفية ـ تكون ناشئة عن حزازة ومنقصة في متعلّقها والكراهة بهذا المعنى لا تتحقّق ولا تجتمع مع الأمر بالعبادة والحكم بصحتها فعلا بل تكون بمعنى استحباب الترك الذي يكون في الترك صلاح ، امّا بانطباق عنوان حسن على نفس الترك كعنوان مخالفة بني أميّة المنطبق على ترك صوم يوم عاشورا ، أو كون

٣٨٣

والجواب عنه أما إجمالا : فبأنه لا بد من التصرف والتأويل فيما وقع في الشريعة مما ظاهره الاجتماع ، بعد قيام الدليل على الامتناع ، ضرورة أن الظهور لا يصادم البرهان ، مع أن قضية ظهور تلك الموارد ، اجتماع الحكمين فيها بعنوان واحد ، ولا يقول الخصم بجوازه كذلك ، بل بالامتناع ما لم يكن بعنوانين وبوجهين ، فهو أيضا لا بد له من التفصي عن إشكال الاجتماع فيها لا سيما إذا لم يكن هناك مندوحة ، كما في العبادات المكروهة التي لا بدل لها ، فلا يبقى له مجال للاستدلال بوقوع الاجتماع فيها على جوازه أصلا ، كما لا يخفى.

وأما تفصيلا : فقد أجيب عنه بوجوه ، يوجب ذكرها بما فيها من النقض والإبرام طول الكلام بما لا يسعه المقام ، فالأولى الاقتصار على ما هو التحقيق في حسم مادة الإشكال ، فيقال وعلى الله الاتكال : إن العبادات المكروهة على ثلاثة أقسام :

أحدها : ما تعلق به النهي بعنوانه وذاته ، ولا بدل له ، كصوم يوم عاشوراء ، والنوافل المبتدئة في بعض الأوقات.

______________________________________________________

الترك موجبا لحصول عنوان حسن معه ، ولا يخفى أن تفويت صلاح الصوم وصلاح تركه معا ممكن كما إذا صام بلا قصد التقرب ، وحيث لا يمكن استيفاء صلاح الفعل وصلاح الترك معا يكون المورد من التزاحم كسائر المستحبات المتزاحمة فيحكم بالتخيير بينهما ما لم يكن أهمّ في البين وإلّا فيقدّم الأهم وإن كان موافقة الآخر أيضا جائزا ويقع صحيحا ، حيث إنّه في نفسه أيضا راجح وموافق للغرض كما هو الحال في سائر المستحبات المتزاحمة ، بل الواجبات المتزاحمة ، وارجحية الترك من الفعل كما ذكر لا توجب حزازة ومنقصة في الفعل كما لو كان في الفعل مفسدة راجحة على صلاحه حتى لا يقع الفعل صحيحا مع المفسدة الراجحة بناء على امتناع اجتماع الأمر والنهي حيث إنّ الحزازة والمنقصة في الفعل تمنع عن التقرب بالفعل ، بخلاف

٣٨٤

ثانيها : ما تعلق به النهي كذلك ، ويكون له البدل ، كالنهي عن الصلاة في الحمام.

ثالثها : ما تعلق النهي به لا بذاته ، بل بما هو مجامع معه وجودا ، أو ملازم له خارجا ، كالصلاة في مواضع التهمة ، بناء على كون النهي عنها لأجل اتحادها مع الكون في مواضعها.

أما القسم الأول : فالنهي تنزيها عنه بعد الاجماع على أنه يقع صحيحا ، ومع ذلك يكون تركه أرجح ، كما يظهر من مداومة الأئمة عليهم‌السلام على الترك ، إما لأجل انطباق عنوان ذي مصلحة على الترك ، فيكون الترك كالفعل ذا مصلحة موافقة للغرض ، وإن كان مصلحة الترك أكثر ، فهما حينئذ يكونان من قبيل المستحبين المتزاحمين ، فيحكم بالتخيير بينهما لو لم يكن أهم في البين ، وإلّا فيتعين الأهم وإن كان الآخر يقع صحيحا ، حيث إنه كان راجحا وموافقا للغرض ، كما هو الحال في سائر المستحبات المتزاحمات بل الواجبات ، وأرجحية الترك من الفعل لا توجب حزازة ومنقصة فيه أصلا ، كما

______________________________________________________

المقام فإنّ الفعل فيه صلاح من دون حزازة ومنقصة فيه كما إذا لم يكن تركه راجحا.

وبالجملة فالكراهة في هذا القسم امّا بمعنى أرجحية عنوان ينطبق على الترك أو ملازمة الترك للعنوان الذي فيه صلاح من غير أن ينطبق على الترك بأن يكون ملازما له فقط فيكون الأمر نظير ما كان منطبقا على الترك ، غاية الأمر أنّ الفرق بين الصورتين أنّ الطلب المتعلق بترك الفعل ليس بحقيقي بل بالعرض والمجاز ، ومتعلق الطلب في الحقيقة إنّما هو العنوان الذي يلازم وجوده ترك الفعل ، بخلاف ما إذا انطبق العنوان الراجح على نفس الترك فإنّ متعلق الطلب في هذا الفرض نفس الترك نظير تعلق النهي بالفعل في المكروهات المصطلحة فإنّ الطلب فيها يتعلق بنفس تركها والفرق بينها وبين المقام هو أن تعلّق الطلب بالترك في المكروهات المصطلحة إنّما يكون لحزازة الفعل ومنقصته وفي المقام لمصلحة في نفس الترك لما ينطبق

٣٨٥

يوجبها ما إذا كان فيه مفسدة غالبة على مصلحته ، ولذا لا يقع صحيحا على الامتناع ، فإن الحزازة والمنقصة فيه مانعة عن صلاحية التقرب به ، بخلاف المقام ، فإنه على ما هو عليه من الرجحان وموافقة الغرض ، كما إذا لم يكن تركه راجحا بلا حدوث حزازة فيه أصلا.

وإما لأجل ملازمة الترك لعنوان كذلك ، من دون انطباقه عليه ، فيكون كما إذا انطبق عليه من غير تفاوت ، إلّا في أن الطلب المتعلق به حينئذ ليس بحقيقي ،

______________________________________________________

على الترك من العنوان الراجح.

ويمكن في كلا الفرضين أي فيما انطبق على الترك عنوان راجح أو كان الترك ملازما لتحقق أمر راجح تعلّق النهي بالفعل بنحو الإرشاد إلى أفضلية تركه أو ملازمه وعلى ذلك يكون تعلّق النهي الإرشادي بالفعل على نحو الحقيقة في الإسناد لا بالعرض والمجاز فلا تغفل.

وأورد المحقّق النائيني قدس‌سره على الجواب المزبور بأنّ الالتزام بالصلاح في ناحية كل من الفعل والترك لا يصحّح تعلّق الطلب بكلّ منهما فإنّه من طلب الجمع بين النقيضين إذا كان المراد من طلب كل منهما الجمع بينهما ، ولو كان المراد حصول أحدهما يكون من قبيل طلب الحاصل ، وبالجملة الصلاح في كل من الفعل والترك أو الصلاح في كل من الضدين الذين لا ثالث لهما ، وكذا الصلاح في أحد المتلازمين مع الفساد في الآخر يوجب التزاحم في الملاكات فعلى الحاكم مع قوة أحد الملاكين رعايته بجعل الحكم على مقتضاه وعلى تقدير عدم رجحان أحدهما على الآخر لا يكون في البين طلب أصلا نعم إذا كان الضدان مما لهما ثالث فيمكن الأمر بأحدهما تخييرا أو بأحدهما تعيينا.

ثمّ قال قدس‌سره بعد هذه المناقشة التحقيق في الجواب عن كراهة صوم يوم عاشورا

٣٨٦

بل بالعرض والمجاز ، فإنما يكون في الحقيقة متعلقا بما يلازمه من العنوان ، بخلاف صورة الانطباق لتعلقه به حقيقة ، كما في سائر المكروهات من غير فرق ، إلّا أن منشأه فيها حزازة ومنقصة في نفس الفعل ، وفيه رجحان في الترك ، من دون حزازة في الفعل أصلا ، غاية الأمر كون الترك أرجح.

نعم يمكن أن يحمل النهي ـ في كلا القسمين ـ على الإرشاد إلى الترك الذي هو أرجح من الفعل ، أو ملازم لما هو الأرجح وأكثر ثوابا لذلك ، وعليه يكون النهي على نحو الحقيقة ، لا بالعرض والمجاز ، فلا تغفل.

______________________________________________________

هو الالتزام بأنّ متعلّق النهي فعل ومتعلّق الأمر فعل آخر ويظهر ذلك بملاحظة تعلق النذر بالعبادة المستحبة في نفسها والإجارة المتعلّقة بالعبادة وبملاحظة الفرق بين النذر والإجارة فإنّه إذا نذر صيام يوم معيّن يتعلّق النذر بعين ما تعلّق به الأمر الاستحبابي فيكون الاستحباب المتعلّق بنفس العمل مندكا في الوجوب الناشي من جهة تعلّق النذر به ويكتسب الوجوب التعبدية من الاستحباب ويندك الاستحباب في الوجوب فيتعلّق وجوب واحد بصوم ذلك اليوم وهذا بخلاف تعلّق الإجارة بالمستحبّ فانّ الإجارة لا تتعلّق بما تعلّق به الأمر الاستحبابي حيث إنّ الاستحباب تعلّق بنفس العمل كزيارة بيت الله الحرام ، وإذا استأجره أحد للحج عنه فلا يندكّ الأمر الاستحبابي في الوجوب الناشي من قبل الإجارة لاختلاف متعلّقهما ، فإنّ الأمر الاستحبابي يتعلّق بزيارة بيت الله الحرام والأمر الوجوبي بالزيارة عن المستأجر لا ذات الزيارة ولو عن نفسه لأنّ الزيارة عن نفسه لا تصحّح الإجارة ولا تكون مورد الغرض العقلائي إذا لا تقع عن الغير بحيث يعطى الأجرة عليها ، فيكون متعلّق الاستحباب نفس العمل ، ومتعلق الوجوب ذلك العمل عن الغير فيمكن الأمر الوجوبي في طول الأمر الاستحبابي ولا مانع من ثبوت حكمين طوليين في واحد

٣٨٧

.................................................................................................

______________________________________________________

وصوم يوم عاشورا من هذا القبيل لأنّ الأمر الاستحبابي قد تعلق بنفس الصوم فيه ، والكراهة تعلّقت بالتعبّد بأمره الاستحبابي بأن يصوم يومها امتثالا للأمر به استحبابا ، فيختلف المتعلّقان نعم لو كان النهي تحريما لاقتضى تقييد الأمر بغير متعلّق النهي لكن النهي التنزيهي حيث يتضمّن الترخيص في الفعل فلا ينافي بقاء الأمر الاستحبابي بحاله (١).

أقول : في موارد الإجارة على العمل إن لوحظ استحباب العمل عن الغير كما ثبت ذلك في الحج الندبي عن الحي أو الميت وكان متعلّق الإجارة أيضا الحج عن الغير فلا فرق بين نذر العمل الندبي والإجارة المفروضة في أنّ الثابت بعد الإجارة أو النذر وجوب واحد يندك فيه الاستحباب ويكتسب الوجوب التعبدية من الاستحباب المتعلّق بالعمل مع قطع النظر عن الإجارة والوفاء بالنذر ، وإن كان متعلّق الإجارة عمل الأجير عن نفسه كما إذا استوجر لواجب كفائي وفرضنا أنّ الإجارة كذلك صحيحة على ما ذكرنا في بحث جواز أخذ الأجرة على الواجبات ، فلا يكون الوجوب الناشي عن عقد الإجارة متّحدا مع الوجوب أو الاستحباب المتعلّق بذات العمل بل يكون من قبيل استحباب عمل أو وجوبه مع وجوب عمل آخر ، والعمل الآخر الإتيان بالفعل عن الغير.

والحاصل أنّ ظاهر النهي عن العمل الذي يعتبر في صحته التقرب هو عدم تشريعه كالنهي عن صوم يوم العيدين ، وإذا فرض قيام الدليل على صحته مع ورود النهي عنه فلا يمكن أن يكون هذا النهي بمعنى مرجوحيّة الفعل والمنقصة فيه لأنّ

__________________

(١) أجود التقريرات ١ / ٣٦٤.

٣٨٨

.................................................................................................

______________________________________________________

مرجوحية الفعل مانعة عن التقرّب إلى الله تعالى فلا بدّ من حمله على ما لا ينافي الأمر به عبادة الكاشف عن الصلاح فيه فيما إذا أتى به بنحو التقرب إلى الله تعالى وذلك بأن يترك المكلف ذات الفعل لا أن يترك التعبد بالفعل ، بأن يأتي بالفعل من غير تعبّد.

وبتعبير آخر إذا قلنا بجواز أخذ قصد التقرب في متعلّق الأمر يتعلّق الأمر بصوم يوم عاشورا المأتي به بقصد التقرب ويتعلق النهي بذات الامساك بلا قصد التقرب بمعنى مطلوبية ترك ذات الصوم أي ارتكاب المفطّر فيه فيكون الأمر والنهي من قبيل الأمر بكل من الفعلين اللذين لهما ثالث حيث لا يمكن للمكلّف الجمع بين الصوم بنحو العبادة وارتكاب المفطر ولكن يمكن له تركهما بأن أمسك عن المفطرات بلا قصد التقرب فلم يأتي بالصوم بنحو العبادة حتى يمتثل الأمر الاستحبابي بالصوم ولم يترك ذات الصوم بالأكل حتى يأتي بالمطلوب الآخر وبتعبير آخر إذا كان الصلاح في الفعل بقصد التقرب وفي ترك ذات الفعل يكون الفرض كالمستحبين المتزاحمين على ما تقدم في تقرير كلام الماتن قدس‌سره.

نعم من التزم كالماتن بعدم إمكان أخذ قصد التقرّب في متعلّق الأمر وأنّه لا بدّ في الأمر التعبدي من كون الصلاح في ذات الفعل حتى يمكن التقرب به فلا يمكن تصوير كون الفعل عبادة والأمر به تعبديا مع كون تركه أرجح من فعله كما لا يخفى.

ثمّ لا يخفى أنّه كما ذكرنا في بحث أخذ الأجرة على الواجب أنّه لو قلنا بجواز أخذها في العبادات فيما لم يكن أخذها عليها من أكل المال بالباطل ، فلا يلازم جواز الأخذ جواز النيابة فيها عن الغير بل النيابة في العبادات وغيرها يحتاج إلى قيام الدليل على مشروعية النيابة ولا يكفي في جوازها مجرّد استحباب نفس العمل فإنّ

٣٨٩

وأما القسم الثاني : فالنهي فيه يمكن أن يكون لأجل ما ذكر في القسم الأول ، طابق النعل بالنعل [١] ، كما يمكن أن يكون بسبب حصول منقصة في الطبيعة المأمور بها ، لأجل تشخصها في هذا القسم بمشخص غير ملائم لها ، كما في الصلاة في الحمام ، فإن تشخصها بتشخص وقوعها فيه ، لا يناسب كونها معراجا ، وإن لم يكن نفس الكون في الحمام بمكروه ولا حزازة فيه أصلا ، بل كان راجحا ، كما لا يخفى.

______________________________________________________

ظاهر الأمر بصلاة الليل مشروعيتها عن المكلف لا مشروعية النيابة فيها حيث إنّ مشروعية النيابة هو استحباب العمل عن الغير وهذا لا يستفاد من الأمر الاستحبابي بذات العبادة أو بذات العمل غير العبادي.

[١] وتقريب جريان الجواب عن القسم الأوّل في هذا القسم أيضا هو أن يقال : بأنّ الوجوب وإن لم يتعلّق بالصلاة في الحمام مثلا حيث إنّ متعلّقة طبيعي الصلاة وخصوصية كونها في الحمام خارجة عن متعلّق الأمر إلّا أنّ مقتضى اطلاق الطبيعي هو اشتمال الصلاة في الحمام على نفس المصلحة الملزمة التي تكون في الصلاة في غيره ، والنهي عن الصلاة في الحمام ليس للمنقصة والحزازة فيها بل لمّا كان في تركها في الحمام مصلحة غير ملزمة لانطباق عنوان ذي مصلحة على تركها فيه أو كان يلازم تركها فيه تحقق عنوان راجح خارجا ، كان المقام من تزاحم بعض افراد الواجب مع المستحب ومقتضى حكم العقل أولوية رعاية المستحب بامتثال الواجب بفرده الآخر غير المزاحم مع المستحب حتى فيما كانت الصلاة في الحمام من النوافل المبتدئة حيث يمكن تركها في الحمام بالإتيان بها خارجه ولو بعدم دخول الحمام.

ولكن ظاهر النهي في هذا القسم هو الإرشاد إلى المنقصة في متعلّق الأمر مع تطبيقه على الفرد المنهي عنه وبيان ذلك أنّ النهي عن تطبيق متعلّق الأمر على فرد

٣٩٠

وربما يحصل لها لأجل تخصصها بخصوصية شديدة الملاءمة معها مزية فيها كما في الصلاة في المسجد والأمكنة الشريفة ، وذلك لأن الطبيعة المأمور بها في حد نفسها ، إذا كانت مع تشخص لا يكون له شدّة الملاءمة ، ولا عدم الملاءمة لها مقدار من المصلحة والمزية ، كالصلاة في الدار مثلا ، وتزداد تلك المزية فيما كان تشخصها بماله شدّة الملاءمة ، وتنقص فيما إذا لم تكن له ملاءمة ، ولذلك ينقص ثوابها تارة ويزيد أخرى ، ويكون النهي فيه لحدوث نقصان في مزيتها فيه إرشادا إلى ما لا نقصان فيه من سائر الأفراد ، ويكون أكثر ثوابا منه ، وليكن هذا مراد من قال : إن الكراهة في العبادة بمعنى أنها تكون أقل ثوابا ، ولا يرد عليه بلزوم اتصاف العبادة التي تكون أقل ثوابا من الأخرى بالكراهة ، ولزوم اتصاف ما لا مزيد فيه ولا منقصة بالاستحباب ، لأنه أكثر ثوابا

______________________________________________________

إذا لم يثبت في التطبيق ترخيص كما في النهي عن الصلاة فيما لا يؤكل لحمه ، ظاهره الإرشاد إلى مانعيّة الخصوصيّة فيتقيّد متعلّق الأمر بغير تلك الخصوصية لا محالة ويعبّر عن تلك الخصوصية بالمانع بخلاف ما إذا ثبت فيه ترخيص بأن يكون العمل مع الخصوصية المنهي عنها صحيحا فإنّ هذا النهي لا ينافي إطلاق المتعلّق لفرض جواز تطبيقه عليه وقد تقدم أنّ إطلاق المتعلق مقتضاه الترخيص في تطبيقه على أي فرد فيكون النهي مع إطلاق المتعلّق ظاهرا في الإرشاد إلى المنقصة التي تحصل في ملاك الطبيعي بما لا يسقطه عن المقدار اللازم من الملاك بل يكون النقص بالإضافة إلى تطبيقه على فرد لا دخل للخصوصية في زيادة ملاك الطبيعي ولا في نقصانه كما أنّه ربّما يكون تطبيقه على فرد موجبا للزيادة في ملاك الطبيعي بمقدار لا يلزم استيفاء تلك الزيادة ، ولذا ينهى عن الصلاة في الحمام ويؤمر بالصلاة في المسجد وأوّل الوقت ولا ينهى ولا يؤمر بالصلاة في البيت.

وبالجملة الأمر أو النهي في هذا القسم أي فيما يكون للواجب افراد وابدال

٣٩١

مما فيه المنقصة ، لما عرفت من أن المراد من كونه أقل ثوابا ، إنما هو بقياسه إلى نفس الطبيعة المتشخصة بما لا يحدث معه مزية لها ، ولا منقصة من المشخصات ، وكذا كونه أكثر ثوابا ، ولا يخفى أن النهي في هذا القسم لا يصح إلّا للإرشاد ، بخلاف القسم الأول ، فإنه يكون فيه مولويا ، وإن كان حمله على الإرشاد بمكان من الإمكان.

وأما القسم الثالث : فيمكن أن يكون النهي فيه عن العبادة المتحدة مع ذاك العنوان أو الملازمة له بالعرض والمجاز [١] ، وكان المنهي عنه به حقيقة ذاك

______________________________________________________

للإرشاد إلى الكمال أو المنقصة في الطبيعي بخصوصية بعض الافراد أو بعض الابدال المعبّر عنهما بأكثرية الثواب أو أقليته بالنسبة إلى نفس الطبيعة ولا وجه للإيراد على تفسير النهي في هذا القسم من العبادة بأقليّة الثواب بأنّ ردّ السلام والتحية مثلا أقل ثوابا من الابتداء بالسلام فيكون ردّه مكروها وكذا بعض الواجب أقلّ ثوابا من الجهاد في سبيل الله فيلزم كونه مكروها أو أنّ الصلاة في الدار مستحبة لكونها أكثر ثوابا من الصلاة في الحمام وذلك فإنّ المقيس عليه في كون العبادة أقل ثوابا أو أكثر ثوابا هو الطبيعي بالتشخص الذي لا دخل للخصوصية في ملاكه زيادة ونقصانا كما في تشخص الصلاة بكونها في الدار.

[١] ذكر قدس‌سره في القسم الثالث أنّه يمكن أن يكون النهي فيه عن العبادة تكليفيا ولكن تعلّقه بالعبادة بنحو المجاز في الاسناد بأن يكون متعلّق النهي التنزيهي في الحقيقة العنوان الذي ينطبق على العبادة أو يلازم تلك العبادة فيكون تركيب العنوان المنهي عنه مع متعلّق الأمر اتحاديا في الأوّل وانضماميا في الثاني ويمكن أن يحمل النهي المتعلّق بالعبادة في خطابه على الإرشاد إلى اختيار غيره من افراد الواجب مثلا إذا ورد النهي عن الصلاة في مواضع التهمة يكون النهي إرشادا إلى اختيار الصلاة في غير مواضعها ليستوفى ملاك العبادة بلا ابتلاء بحزازة الكون في مواضع التهمة.

٣٩٢

العنوان ، ويمكن أن يكون على الحقيقة إرشادا إلى غيرها من سائر الأفراد ، مما لا يكون متحدا معه أو ملازما له ، إذ المفروض التمكن من استيفاء مزية العبادة ، بلا ابتلاء بحزازة ذاك العنوان أصلا ، هذا على القول بجواز الاجتماع.

وأما على الامتناع ، فكذلك في صورة الملازمة ، وأما في صورة الاتحاد وترجيح جانب الأمر ـ كما هو المفروض ، حيث إنه صحة العبادة ـ فيكون حال النهي فيه حاله في القسم الثاني ، فيحمل على ما حمل عليه فيه ، طابق النعل بالنعل ، حيث إنه بالدقة يرجع إليه ، إذ على الامتناع ، ليس الاتحاد مع العنوان الآخر إلّا من مخصصاته ومشخصاته التي تختلف الطبيعة المأمور بها في المزية زيادة ونقيصة بحسب اختلافها في الملاءمة كما عرفت.

______________________________________________________

هذا بناء على جواز اجتماع الأمر والنهي في موارد التركيب الانضمامي والاتحادي فإنّ متعلّق الأمر والنهي بناء على الجواز متعدّد لا يسرى أحدهما إلى الآخر فلا مانع من اجتماع الوجوب والكراهة ، ولكن بما أنّ المجمع بناء على القول بالجواز واجد للحزازة فيكون النهي عن المجمع ارشادا إلى اختيار غيره في امتثال الأمر ، كما يمكن أن يكون النهي عنه بالعرض والمجاز حيث إنّ متعلّقه العنوان المتّحد أو الملازم.

وأمّا بناء على القول بالامتناع يدور أمر النهي عن المجمع بين الأمرين أيضا ـ من التكليف والارشاد ـ في موارد التركيب الانضمامي ، حيث إنّ امتناع كون المجمع عبادة ومشتملا على الحزازة يختص بموارد التركيب الاتحادي.

ثم على القول بامتناع الاجتماع فيه مع فرض تقديم جانب الأمر ـ الذي يقتضي صحة العبادة ـ لا بدّ من حمل النهي عن المجمع على الإرشاد إلى حصول المنقصة في ملاك طبيعي المأمور به.

٣٩٣

وقد انقدح بما ذكرناه ، أنه لا مجال أصلا لتفسير الكراهة في العبادة بأقليّة الثواب في القسم الأول مطلقا ، وفي هذا القسم على القول بالجواز ، كما انقدح حال اجتماع الوجوب والاستحباب فيها ، وأن الأمر الاستحبابي يكون على نحو الإرشاد إلى أفضل الأفراد مطلقا على نحو الحقيقة ، ومولويا اقتضائيا كذلك ، وفعليا بالعرض والمجاز فيما كان ملاكه ملازمتها لما هو مستحب ، أو متحدا معه على القول بالجواز.

ولا يخفى أنه لا يكاد يأتي القسم الأول هاهنا ، فإن انطباق عنوان راجح على الفعل الواجب الذي لا بدل له إنما يؤكد إيجابه ، لا أنه يوجب استحبابه أصلا ، ولو بالعرض والمجاز ، إلّا على القول بالجواز ، وكذا فيما إذا لازم مثل هذا العنوان ، فإنه لو لم يؤكد الإيجاب لما يصحح الاستحباب إلّا اقتضائيا بالعرض والمجاز ، فتفطن.

______________________________________________________

وبتعبير آخر يكون النهي عن العبادة في هذا القسم في موارد التركيب الاتحادي وتقديم جانب الأمر ، نظير النهي عن العبادة في القسم الثاني في كونه إرشادا إلى أقليّة الثواب لا نهيا تكليفيا كاشفا عن الحزازة في متعلّقه ، فإنّ هذا النهي غير ممكن أن يجتمع مع صحة العبادة ، وبالجملة الالتزام بامتناع اجتماع الأمر والنهي في موارد التركيب الاتّحادي يوجب رفع اليد عن النهي التنزيهي في المجمع فيكون المجمع فردا من متعلّق الأمر فعلا وحيث إنّ ملاك النهي المغلوب في المجمع يوجب نقصانا في ملاك الواجب فيكون الفرد المزبور أقل ثوابا بالإضافة إلى سائر أفراده ، وفي الحقيقة الاتحاد مع العنوان المكروه المغلوب في ملاك كراهته الموجب لسقوط الكراهة من أفراد الطبيعي الواجب وعليه يلزم النقص في ملاك الواجب وقلّة ثوابه كما تقدّم في القسم الثاني.

لا يقال : ذكر الماتن قدس‌سره في هذا القسم أنّ تعلّق النهي التكليفي بالمجمع لانطباق العنوان المكروه عليه بالعرض والمجاز مع أنّه ذكر في القسم الأوّل انّ تعلّق النهي

٣٩٤

.................................................................................................

______________________________________________________

بصوم يوم عاشورا ، لانطباق العنوان الحسن على تركه من الحقيقة فما الفارق بين القسمين.

فإنّه يقال : الفرق ظاهر فإنّ الأمر الاستحبابي وإن تعلّق في القسم الأوّل بعنوان ينطبق على ترك الفعل إلّا أنّ تركه هو المطلوب حقيقة بناء على الأمر الثاني المتقدم من أنّ متعلقات الأحكام ما يصدر عن المكلف خارجا فعلا أو تركا بخلاف هذا القسم فإنّه بناء على جواز اجتماع الأمر والنهي حتى في موارد التركيب الاتّحادي يتعلّق النهي حقيقة بالعنوان من دون أن يسري إلى المعنون فيكون تعلق النهي في الخطاب بالمعنون من اسناد النهي إلى غير متعلّقة حقيقة ولذا ذكر قدس‌سره أنّ النهي عن المجمع بالعرض والمجاز نعم لو أريد من النهي عن المجمع حتى بناء على جواز الاجتماع الإرشاد إلى اختيار سائر الافراد يكون تعلّقه به على نحو الحقيقة لا المجاز في الاسناد.

ثمّ إنّه قدس‌سره ذكر في المقام ما ظاهره جواز الاجتماع في موارد التركيب الانضمامي حيث ذكر هذا على القول بجواز الاجتماع وامّا على القول بالامتناع فكذلك في صورة الملازمة فإنّ مقتضى هذا الكلام أنّ النهي في موارد الملازمة يحمل على الكراهة التكليفية غاية الأمر يكون تعلّقها بالعبادة في المجمع دون الملازم لها من المجاز في الاسناد ولكنّه قدس‌سره لا يرى جواز الاجتماع حتى في موارد التركيب الانضمامي أيضا حيث بنى على عدم إمكان اختلاف المتلازمين في الحكم إلّا أن يعتذر أنّ الطبيعي الواجب في الفرض لا يلازم المكروه حتى يلتزم بكون الكراهة في الملازم اقتضائية بل فرده يلازم المكروه ، وحكم الفرد الترخيص في التطبيق عليه وهذا لا ينافي كراهة لازمه لأنّ الكراهة أيضا يلازمها الترخيص في الفعل وبالجملة

٣٩٥

.................................................................................................

______________________________________________________

فلا يختلف المتلازمان لتكون الكراهة في العنوان الملازم لفرد الواجب اقتضائية وقد كرّر قدس‌سره ثبوت حكمين فعليين في موارد التركيب الانضمامي حتى بناء على القول بالامتناع عند تعرضه لاجتماع الوجوب والاستحباب حيث ذكر ما حاصله أنّ الأمر الاستحبابي المتعلّق بفرد من الواجب إلى كونه أفضل الافراد ، إسناده إلى ذلك الفرد حقيقي سواء قيل بجواز الاجتماع أو بامتناعه.

نعم الاستحباب التكليفي في ذلك الفرد لا يكون فعليا بل يكون اقتضائيا على نحو الحقيقة وانّما يكون الاستحباب فعليا على القولين فيما كان العنوان الراجح ملازما لذلك الفرد فيكون إسناد الاستحباب التكليفي إلى الفرد المزبور مجازا فانّ المستحب حقيقة هو الملازم الخارجي بنفسه أو بعنوانه ، وكذلك يكون استحبابه فعليا في مورد التركيب الاتّحادي على القول بالجواز ، ولكن اسناد الاستحباب إلى الفرد مجاز بناء على القول بالجواز ، لأنّ المتعلق له هو العنوان ولا يسرى حكمه إلى المعنون.

فقوله «على القول بالجواز» قيد لقوله «أو متّحد معه».

وبالجملة الالتزام بثبوت حكمين فعليين في موارد التركيب الانضمامي حتى على القول بالامتناع لا يناسب ما بنى عليه في بحث الضدّ من امتناع اختلاف المتلازمين في الحكم ، وكذا لا يناسب ما ذكره في المقام في آخر كلامه من أنّه لا يجري القسم الأول الذي ذكره في العبادات المكروهة وهو ما لا بدل له في استحباب الواجب الذي لا بدل له ، فانّه قدس‌سره ذكر أنّ انطباق العنوان الراجح على الواجب الذي لا بدل له لا يوجب استحبابه أصلا أي لا فعلا ولا شأنا ، بل يؤكّد إيجابه إلّا على القول بجواز الاجتماع فانّه عليه يكون المستحب هو العنوان الراجح ويكون

٣٩٦

.................................................................................................

______________________________________________________

اسناد الاستحباب إلى الواجب بالعرض والمجاز هذا في التركيب الاتّحادي وكذلك في التركيب الانضمامي فانّ تحقّق عنوان راجح ملازم للواجب على القول بالامتناع لو لم يؤكّد وجوب الواجب لا يوجب تحقق استحباب فعلي في البين وانّما يوجب تحقق استحباب شأني يعني اقتضائي يكون اسناد ذلك الاستحباب الشأني إلى فعل الواجب بالعرض والمجاز فانّ المتعلّق به حقيقة هو ملازم الواجب لا نفس الواجب وظاهر هذا الكلام عدم جواز اختلاف المتلازمين في الحكم الفعلي ، إلّا أن يعتذر بما ذكرنا قبل ذلك من أنّ ملازم الواجب لا يمكن أن يختلف حكمه مع حكم الواجب كما في استحباب الملازم في الواجب الذي لا بدل له ، وامّا ملازم فرد الواجب فلا بأس بكون حكمه ترخيصيا لأنّ الثابت أيضا في فرد الواجب الترخيص في التطبيق لا الإلزام به ولعلّ قوله قدس‌سره في آخر كلامه «فتفطّن» اشارة إلى ذلك.

وممّا ذكرنا يظهر أنّ جواز الاجتماع الذي ذكره في المقام في موارد التركيب الانضمامي لا ينافي ما ذكره في بحث الضد من عدم إمكان شمول الأمر بالطبيعي للفرد الذي يزاحم الواجب الأهم حيث إنّ الأمر بالواجب الآخر فورا لا يجتمع مع الترخيص في تطبيق الواجب الموسع على الفرد المزاحم وإن كان ما ذكره غير صحيح لما تقدم من عدم المزاحمة بين الواجب المضيق والموسع وإمكان الأمر بالمهمّ على نحو الترتب على تقدير مزاحمته بالأهم إلّا أنّ الغرض رفع التهافت بين كلامه في المقام وبين ما ذكره في بحث الضّد.

وذكر النائيني قدس‌سره أنّه لو كان كل من الأمر والنهي بمعنى الكراهة الاصطلاحية متعلقا بعنوان غير العنوان المتعلق للآخر وكانا متصادقين في واحد بأن يكون تركيبهما فيه اتحاديا يؤخذ بكلا الخطابين ولا يكون في البين أيّ تقييد لا في ناحية

٣٩٧

.................................................................................................

______________________________________________________

متعلق الأمر ولا في ناحية متعلق النهي التنزيهي وإنّما يتعين التقييد في مورد كون النهي تحريميا وذلك فإنّ الأمر المتعلّق بالطبيعي يلازم الترخيص في تطبيقه على أي فرد من افراده ولو كان النهي المتعلّق بالعنوان الآخر تحريميا لكان النهي عن المجمع منافيا للترخيص في تطبيق متعلّق الأمر عليه بخلاف ما إذا كان النهي تنزيهيّا فإنّ النهي عن المجمع كذلك لا ينافي الترخيص في تطبيق متعلّق الأمر عليه حيث إنّ النهي المزبور يتضمّن الترخيص في الفعل فلا موجب للتقييد أصلا (١).

أقول : ما ذكر قدس‌سره لا يصحّ بناء على ما ذكروا من اعتبار كون الفعل ممّا يمكن أن يتقرّب به في العبادات بأن يكون الفعل المزبور بحسب الملاك أرجح من تركه ، وثبوت الكراهة الاصطلاحية في الفعل تقتضي كون الفعل مرجوحا وثبوت الحزازة فيه بحيث يصحّ التقرب بتركه ، فصحّة الفعل عبادة تتوقف على المصلحة الغالبة في الفعل ليمكن التقرب به فالكراهة المصطلحة بمنشئها متنافية مع العبادة سواء كانت العبادة واجبة أو مستحبة وليس تنافيهما من جهة عدم إمكان موافقة الحكمين ليقال اختصاص ذلك بالنهي التحريمي.

والحاصل أنّ الأمر بعنوان وجوبا أو استحبابا مع النهي عن عنوان آخر مطلقا تحريما أو كراهة في مورد اجتماع ذينك العنوانين مع كون تركيبهما اتحاديا ، يقتضي رفع اليد عن الإطلاق في ناحية أحد المتعلّقين نعم لو كان متعلّق الأمر الفعل بقصد التقرب وقلنا بإمكان انقلاب حزازة الفعل إلى الصلاح مع قصد التقرب فيمكن أن يكون الإتيان بذات الفعل المكروه مع قصد التقرب فيه راجحا ومستحبا وقد احتملنا

__________________

(١) أجود التقريرات ١ / ٣٦١.

٣٩٨

ومنها : إن أهل العرف يعدون من أتى بالمأمور به في ضمن الفرد المحرم ، مطيعا وعاصيا [١] من وجهين ، فإذا أمر المولى عبده بخياطة ثوب ونهاه عن الكون

______________________________________________________

ذلك في مثل كراهة صوم يوم عاشورا وعليه فيمكن الأخذ بكلا الإطلاقين ولكن هذا يحتاج إلى دليل خاص يكون مدلوله كون ترك الفعل أرجح من نفس الفعل وأنّ الفعل مع قصد التقرب أرجح من تركه وهذا غير اجتماع الكراهة والترخيص في تطبيق الواجب على المجمع في حال واحد.

الدليل الثاني على الجواز

[١] ذكر قدس‌سره ـ في الجواب عن الاستدلال بأنّ الأمر بالخياطة والنهي عن الكون في مكان خاصّ ـ أنّ المثال ليس من باب الاجتماع فإنّ الكون المنهيّ عنه غير متّحد مع خياطة الثوب وجودا ومورد الكلام في مسألة جواز الاجتماع هو موارد التركيب الاتحادي ولا يصدق في موارده أنّ الآتي بمتعلق الأمر ومتعلق النهي مع اتحادهما وجودا أنّه مطيع وعاص بل هو إمّا مطيع إذا قدّم جانب الأمر ، أو عاص إذا قدّم جانب النهي.

نعم ، لا بأس بصدق الطاعة في التوصليات لحصول الغرض وليست الطاعة هذه بمعنى امتثال الأمر وأمّا في العبادات فلا يمكن حصول الغرض إلّا مع سقوط الحرمة عن المجمع أو وقوعه عن المكلف غير مبغوض عليه كما في صورة الجهل بحرمته قصورا كما تقدم.

أقول : كلامه أيضا في الجواب عن الاستدلال ظاهر في أنّ الاختلاف في مسألة جواز الاجتماع يختصّ بموارد التركيب الاتحادي وبون بعيد بين ذلك وبين ما ذكره المحقق النائيني قدس‌سره من أنّ الاختلاف في مسألة جواز الاجتماع وعدمه يختصّ بموارد التركيب الانضمامي ، وأنّ الامتناع في موارد التركيب الاتّحادي متسالم عليه ، وقد ذكرنا أنّ كلا الموردين مورد الخلاف ، غاية الأمر القائل بالامتناع في موارد

٣٩٩

في مكان خاص ، كما مثل به الحاجبي والعضدي ، فلو خاطه في ذاك المكان ، عد مطيعا لأمر الخياطة وعاصيا للنهي عن الكون في ذلك المكان.

وفيه ـ مضافا إلى المناقشة في المثال ، بأنه ليس من باب الاجتماع ، ضرورة أن الكون المنهي عنه غير متحد مع الخياطة وجودا أصلا ، كما لا يخفى ـ المنع إلّا عن صدق أحدهما ، إما الإطاعة بمعنى الامتثال فيما غلب جانب الأمر ، أو العصيان فيما غلب جانب النهي ، لما عرفت من البرهان على الامتناع.

نعم لا بأس بصدق الإطاعة بمعنى حصول الغرض والعصيان في التوصليات ، وأما في العبادات فلا يكاد يحصل الغرض منها ، إلّا فيما صدر من المكلف فعلا غير محرم وغير مبغوض عليه ، كما تقدم.

بقي الكلام في حال التفصيل من بعض الأعلام ، والقول بالجواز عقلا والامتناع عرفا [١].

______________________________________________________

التركيب الانضمامي يعلّله بعدم امكان اختلاف المتلازمين في الحكم دون اتّحاد متعلّقي الأمر والنهي خارجا.

القول بالتفصيل بين الجواز عقلا والامتناع عرفا

[١] وأمّا التفصيل في المسألة في موارد التركيب الاتحادي بين الالتزام بالجواز عقلا وعدم الجواز عرفا فلا وجه له ، فإنّه لا سبيل إلى الامتناع لأهل العرف في حكمهم بالامتناع أو الجواز غير عقلهم إلّا أن يقال إنّ بعض الموارد التي يرى العقل انّ في المجمع وجودين أحدهما متعلّق الأمر والآخر متعلّق النهي يراهما العرف وجودا واحدا ، كما ذكرنا ذلك في الوضوء بالماء المباح من الإناء المغصوب بنحو الارتماس حيث قلنا إنّ الوضوء بحسب الدّقة العقليّة غير وضع العضو في الماء وادخاله في الإناء ولكن العرف يرى ـ بالتسامح ـ ارتماس العضو في الاناء تصرفا فيه ووضوء ،

٤٠٠