دروس في مسائل علم الأصول - ج ٢

آية الله الميرزا جواد التبريزي

دروس في مسائل علم الأصول - ج ٢

المؤلف:

آية الله الميرزا جواد التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات دار الصديقة الشهيدة عليها السلام
المطبعة: نگين
الطبعة: ٢
ISBN: 978-964-8438-61-1
ISBN الدورة:
978-964-94850-1-0

الصفحات: ٤٠٨

موارد الجهل والنسيان ، لموافقته للغرض بل للأمر ، ومن هنا علم أن الثواب عليه من قبيل الثواب على الإطاعة ، لا الانقياد ومجرد اعتقاد الموافقة.

وقد ظهر بما ذكرناه ، وجه حكم الأصحاب بصحة الصلاة في الدار المغصوبة ، مع النسيان أو الجهل بالموضوع ، بل أو الحكم إذا كان عن قصور ، مع أن الجلّ لو لا الكلّ قائلون بالامتناع وتقديم الحرمة ، ويحكمون بالبطلان في غير موارد العذر ، فلتكن من ذلك على ذكر.

______________________________________________________

على حصول الملاك وإجزاء المأتي به مع النهي الواقعي لمعذورية المكلف كحديث لا تعاد ، حيث قلنا بأنّه لا بأس بشموله لموارد الجهل بالشبهة الموضوعية بكون الساتر ملك الغير لا يرضى بالتصرف فيه ، أو كون مكان المصلى كذلك ، ومع عدم قيام الدليل عليه لا يحكم بالاجزاء لعدم دخول المجمع مع النهي الواقعي ، في متعلّق الأمر ولعدم كونه مشتملا على ملاكه.

والفرق بين التعارض في المقام والتعارض في سائر المقامات التي تكون النسبة بين الخطابين عموما من وجه هو أنّ عدم ثبوت الحكمين للمجمع لعدم امكان اجتماعهما بمثابة من الوضوح لدوران أمر الحكم في المجمع بين الثبوت والنفي كما في موارد انطباق متعلّق النهي على تمام متعلق الأمر في المجمع كما في قوله «أكرم العالم ولا تكرم الفاسق» أو «أكرم عالما ولا تكرم الفاسق» ، وفي سائر المقامات ليس عدم ثبوتهما فيه بذلك الوضوح كما إذا لم ينطبق تمام متعلق الأمر إلّا على ما يدخل فيه متعلق النهي جزءا أو قيدا بحيث يتوهّم عدم المنافاة بين الترخيص في التطبيق والنهي عمّا يدخل بعضا في متعلق الأمر جزءا أو قيدا ، هذا كلّه في موارد التركيب الاتحادي.

وأمّا في موارد التركيب الانضمامي فقد ذكرنا أنّه مع المندوحة لا تزاحم بين

٣٦١

.................................................................................................

______________________________________________________

الأمر بفعل والنهي عن فعل آخر بحيث يستلزم بعض مصاديق المأمور به للفعل المنهي عنه أو يتوقف عليه ولا بأس بالتحفظ فيه على الترخيص ، كما أنّ مع عدم المندوحة يمكن الأمر به على نحو الترتّب وعلى كلّ من التقديرين يحكم بصحة الإتيان بالمجمع حتى عبادة ويلتزم بسقوط الأمر معها.

وناقش المحقق النائيني قدس‌سره في صحة الإتيان بالمجمع بنحو العبادة مع المندوحة وعدمها مع التزامه بجواز الاجتماع في موارد التركيب الانضمامي وعدم سراية الأمر إلى متعلّق النهي ولا سراية النهي إلى متعلّق الأمر ووجه المناقشة وقوع المزاحمة بين الواجب والحرام في مقام الامتثال وذلك لوحدة الإيجاد بحيث لا يمكن الإشارة إلى الواجب خارجا وتعيينه عن الحرام لاختلاطهما وامتزاج أحدهما بالآخر فيوجب ذلك كون الجامع بين الفعلين وموجدهما مرتكبا للقبيح ومع القبح الفاعلي لا يصحّ كون الفعل مقرّبا.

أقول : إذا كان للمجمع وجودين كما هو مقتضى كون التركيب انضماميا يكون المجمع اثنين حتى ايجادا لأنّ الإيجاد عين الوجود واختلافهما بالاعتبار حيث يضاف الشيء في حصوله إلى فاعله فيكون حصوله ايجادا ، أو إلى نفس ذلك الشيء فيكون وجودا وعلى ما مرّ من عدم سراية أحد الحكمين من متعلّقه إلى متعلّق الآخر مع التركيب الانضمامي وكون القدرة المعتبرة شرطا للتكليف من غير أن يقتضي التكليف تعلقه بالطبيعي المقدور في كل من حصصه يكون انطباق متعلّق التكليف على المأتي به انطباق الكلي على فرده ولا معنى للصحة إلّا الإتيان بمتعلق الأمر بداعوية ذلك الأمر.

٣٦٢

إذا عرفت هذه الأمور ، فالحق هو القول بالامتناع ، كما ذهب إليه المشهور ، وتحقيقه على وجه يتضح به فساد ما قيل ، أو يمكن أن يقال ، من وجوه الاستدلال لسائر الأقوال ، يتوقف على تمهيد مقدمات :

إحداها : إنه لا ريب في أنّ الأحكام الخمسة متضادة في مقام فعليتها [١] ،

______________________________________________________

تضاد الأحكام

[١] ذكر قدس‌سره لإثبات امتناع الاجتماع في واحد معنون بعنوانين ، مقدمات أربع :

المقدمة الأولى : أنّ الأحكام لا يكون بينها تضاد في مقام الإنشاء فيمكن إنشاء حكم متعلق بفعل وانشاء حكم آخر بنفس ذلك الفعل وانّما يتحقق التضاد بين الأحكام في مرتبة فعليّتها فلا يمكن أن يتعلّق بفعل واحد حكمان فعليّان لا لأجل أنّ تعلّقهما به من التكليف بالمحال القبيح على الحكيم بل لأنّ تعلّقهما به من التكليف المحال ، ألا ترى أنّ المنع عن فعل والترخيص فيه ممتنع مع تمكّن المكلف من الجمع بين مقتضاهما باختيار تركه حيث يكون آخذا بمقتضى الحرمة والإباحة معا ووجه الامتناع انّ التحريم الفعلي يكون بارادة الزجر عنه ومع الترخيص الفعلي لا تتحقق ارادة الزجر ولذا يمتنع ذلك حتى عند الأشعري القائل بجواز التكليف بما لا يطاق.

أقول : قد تقدّم منه قدس‌سره أنّ الحكم الواقعي في جعله تابع للصلاح والفساد في متعلّقه ، فلو كان في متعلّقه فساد غالب كيف يمكن جعل الحرمة والوجوب له معا ولو بعنوانين ، والالتزام بعدم التنافي بينهما إلّا في مقام الفعلية والوصول إلى مرتبة البعث والزجر ، وقد ذكرنا أنّه لا معنى لفعليّة الحكم إلّا تحقق موضوعه خارجا ويكون الحكم فعليا بتبع فعلية موضوعه وإذا لم يكن بين الحكمين بحسب جعلهما تناف فكيف يتحقق التنافي في فعليتهما. والحاصل التنافي بين الجعلين يكون

٣٦٣

.................................................................................................

______________________________________________________

بحسب المبدا والغرض من جعلهما ويلاحظ كل منهما في مقام الجعل ، وأمّا جعل الوجوب بفعل ـ أي انشائه ـ من غير ملاحظة الملاك وترتّب إمكان الانبعاث عليه ، فلا يدخل في التكليف ودعوى أنّ فعلية كل حكم انشائي يكون بارادة المولى متعلّقه فقد ذكرنا في بحث الطلب والإرادة أنّ إرادة المولى تتعلّق بفعل نفسه لا بفعل العبد ولذا تكون إباحة الفعل فعلية مع عدم تعلق ارادة المولى في مواردها لا بفعل العبد ولا بتركه ..

وذكر المحقق الأصفهاني قدس‌سره : في ذيل كلام الماتن قدس‌سره في هذا الأمر ما حاصله أنّ مسألة تضاد الأحكام وإن كان أمرا مشهورا ولكنّه لا أصل له لما تقرّر في محلّه أنّ التضاد والتماثل من الحالات الخارجية للأمور العينية وليس الحكم بالإضافة إلى متعلّقه من الأمور العينيّة بلا فرق بين كون المراد من الحكم هو الاعتباري أي البعث والزجر الاعتباريان العقلائيان أو الإرادة ـ يعني الشوق ـ والكراهة النفسيان فانّ البعث أو الزجر الاعتباري منتزع من الإنشاء بداعي جعل الداعي للعبد إلى الفعل أو الترك والإنشاء في حقيقته مركّب من أمرين أحدهما كيف مسموع وهو اللفظ وثانيهما كيف نفساني وهو قصد ثبوت المعنى باللفظ ، وقيام كل من اللفظ والقصد يكون بالمنشإ لا بالفعل القائم بالغير خارجا ـ يعني فعل المكلّف ـ وما ينتزع عن الإنشاء أمر اعتباري قائم بالمعتبر لا بغيره ، غاية الأمر البعث المطلق غير المضاف إلى شيء لا يوجد في نفس المعتبر فيكون مقوّم البعث القائم بنفس المعتبر هو الشيء المضاف إليه ولا يعقل أن يكون المضاف إليه فعل المكلف خارجا لأنّ البعث يوجد ويعتبر سواء وجدت العينيّة الخارجية من المكلف أم لا ، وإلّا لاستحال بعث العاصي بل مطلق البعث ، لأنّ فعل العبد عند تحقق البعث غير موجود فاللازم هو الالتزام بأنّ

٣٦٤

وبلوغها إلى مرتبة البعث والزجر ، ضرورة ثبوت المنافاة والمعاندة التامة بين البعث نحو واحد في زمان والزجر عنه في ذاك الزمان ، وإن لم يكن بينها مضادة ما لم يبلغ إلى تلك المرتبة ، لعدم المنافاة والمعاندة بين وجوداتها الإنشائية قبل البلوغ إليها ، كما لا يخفى ، فاستحالة اجتماع الأمر والنهي في واحد لا تكون من باب التكليف بالمحال ، بل من جهة أنه بنفسه محال ، فلا يجوز عند من يجوز التكليف بغير المقدور أيضا.

______________________________________________________

مقوم البعث والمضاف إليه هو الفعل بوجوده العنواني الفرضي المطابق لما في أفق الأمر الاعتباري.

لا يقال : لا تجتمع المتضادات في الفعل بوجوده العنواني الفرضي فلا يكون الفعل الواحد بعنوانه معروضا لوصفين متضادين أو متماثلين.

فإنّه يقال : ما يمتنع من ذلك هو الواحد الشخصي وامّا الواحد النوعي والجنسي ونحوهما ممّا له نحو من الكليّة من دون تشخّص وتعيين وجودي فتجتمع فيه الأوصاف المتباينة بداهة أنّ طبيعي الفعل يتعلّق به النهي من قبل مولى والأمر به من قبل مولى آخر مع أنّ الفعل لا يخرج عن كونه طبيعيّا بتعدد الموالى والعبيد وتعدد الفاعل والسبب الموجد وكل ذلك لا دخل له في تحقّق التضاد وعدمه بل المناط فيه وحدة الموضوع والمفروض امكان الاجتماع في هذا الواحد.

فالمتحصّل أنّ البعث والزجر ليسا من الأحوال الخارجية بل من الأمور الاعتبارية وانّ متعلّقهما ليس من الموجودات العينيّة بل العنوانية والوحدة المفروضة فيها ليست شخصية بل طبيعية فلا موجب لتوهم اجتماع الضدين والمثلين من البعث بشيء والزجر عنه حتى فيما كان المتعلق لكل منهما عنوانا واحدا ، نعم في موارد وحدة العنوان محذور آخر وقد مرّ في بحث المقدمة وسيجيء

٣٦٥

.................................................................................................

______________________________________________________

إنشاء الله تعالى ، وحاصله عدم امكان الانبعاث والانزجار معها ، ثم ذكر بعده عدم تعلّق الإرادة والكراهة بالحركات الخارجية ، فإنّ كلا من الشوق والكراهة عرض قائم بالنفس ومتعلّقهما مشخص لفردهما لا أنّه مقوم لطبيعتهما فانّ الشوق أو الكراهة لا يوجدان مطلقا في النفس بل يتشخصان بالمتعلّق ، ويستحيل أن يكون ما هو خارج عن النفس مشخصا لما في النفس وإلّا لزم أن تكون الحركات الخارجية الأينية أو الوضعية القائمة بالجسم نفسانية خصوصا في الإرادة التشريعية ، بأن تكون الحركات الخارجية القائمة بالمكلّف مشخصة لإرادة المولى مضافا إلى ما تقدّم من تحقّق البعث والزجر ومبدئهما وإن لم يوجد الفعل أصلا فكيف يتشخص ارادة المولى بما لا يتحقق أصلا ، وحيث إنّ الشوق لا يتعلّق إلّا بالحاصل من وجه والمفقود من وجه ، إذ الحاصل من جميع الجهات لا جهة فقدان فيه كي تشتاق إليه النفس ، والمفقود من جميع الجهات لا ثبوت له كي يتعلق به الشوق ، فيكون متعلّق الشوق كمتعلق الكراهة ، الطبيعي المفروض بوجوده العنواني والنفساني ، ولبساطته يكون شوق متشخص بمتعلّقه وكراهة متشخصة بمتعلقها ، وإذا لم تكن الإرادة أو الكراهة عرضا للمتعلّق فلا مورد لاجتماع الضدين أو المثلين فيهما (١).

أقول : البعث والزجر وإن كانا أمرين اعتباريين ويقوم الاعتبار بالمعتبر عند إنشائه وأنّ المضاف إليه في البعث والزجر هو الفعل بعنوانه المعبّر عنه بالمتعلّق ، إلّا أنّ المبعوث إليه من الفعل الملحوظ بعنوانه هي الجهة المفقودة عند البعث وإلّا لم يتعلق به البعث ويعبّر عنه بالإيجاد خارجا ، كما أنّ في موارد الزجر وإن كان يتعلّق

__________________

(١) نهاية الدراية ٢ / ٣٠٨.

٣٦٦

ثانيتها : إنه لا شبهة في أن متعلق الأحكام ، هو فعل المكلف وما هو في الخارج يصدر عنه ، وهو فاعله [١] وجاعله ، لا ما هو اسمه ، وهو واضح ، ولا ما هو عنوانه مما قد انتزع عنه ، بحيث لو لا انتزاعه تصورا واختراعه ذهنا ، لما كان بحذائه

______________________________________________________

الزجر بالفعل بعنوانه إلّا أنّ الجهة المزجور عنها هي ايجاده خارجا ، وإذا كانت الجهة المزجور عنها هي جهة الإيجاد على نحو الانحلال فكيف يعمّ متعلق البعث والجهة المبعوث إليها من الفعل الملحوظ بعنوانه الجهة التي تعلّق الزجر بالفعل من ناحيتها ، كما هو فرض الانحلال في النهي والإطلاق في متعلّق الأمر.

ودعوى أنّ متعلق الزجر أو البعث واحد نوعي أو جنسي لا شخصي ، لا تنفع في دفع هذا التنافي فإنّ دفعه ينحصر بتغاير جهتي المبعوث إليها والمزجور عنها بأن تكون حصة من الفعل مضافا إليه للبعث وحصة أخرى مضافا إليه للزجر لتكون الجهة المبعوث إليها غير الجهة المزجور عنها.

وبالجملة ليس المدعى أنّ الأحكام في مرتبة انشائها أو فعليتها من المتضادات ليقال إنّ التضاد أو التماثل لا يجري في الاعتباريات ، بل المدعى أنّ الأحكام متنافيات في جهة المبدا لها أو في الغرض منها ، فلا يمكن جعل أكثر من اعتبار واحد في فعل واحد ولو كان بعنوانين ، وامّا مسألة الشوق والكراهة وإن كانت خارجة عن الأحكام إلّا أنّ فيهما أيضا لا يمكن أن تتّحد الجهة المشتاق إليها في فعل مع الجهة المكروهة حتى فيما لو كان المضاف إليه للشوق أيضا الفعل بعنوانه وفرض وجوده.

تعيين متعلّقات الأحكام

[١] بيان المقدمة الثانية : أنّه قد يكون متعلق الأحكام ـ وهو الفعل ـ من العناوين الذاتية كعنوان الأكل والضرب والقيام والحركة إلى غير ذلك ممّا يكون بإزائه عينية خارجية ، وقد يكون من العناوين الانتزاعية المنطبقة على ما له عنوان ذاتي لإضافته

٣٦٧

شيء خارجا ويكون خارج المحمول ، كالملكيّة والزوجيّة والرقيّة والحرّية والمغصوبيّة ، إلى غير ذلك من الاعتبارات والإضافات ، ضرورة أن البعث ليس

______________________________________________________

إلى شيء آخر أو ملاحظته معه كعنوان الغصب والإفطار والإيذاء والتأديب إلى غير ذلك ممّا ينتزع عن الحركة الخارجية بملاحظة كونها في ملك الغير بلا رضاه أو عن الأكل والشرب بملاحظة كون المأكول أو المشروب ملك الغير أو كون الآكل صائما وهكذا.

ثمّ إنّ متعلقات الأحكام ليست هي الألفاظ الموضوعة أو المستعملة في الطبائع والعناوين ولا نفس الطبائع والعناوين بما هي معاني الألفاظ ، فانّه لا يترتب على الطبائع والعناوين كذلك مصلحة أو مفسدة ولا سائر الأغراض بل يتعلّق بها الأحكام بما هي حاكيات عن الخارج ، والمطلوب والمزجور عنه إنّما هو خارجيتها ويلزم على ذلك أنّه لو كان المتعلّق من العناوين الانتزاعية ممّا لا يكون بإزائها خارجيّة غير منشأ انتزاعها فالحكم والطلب والزجر لمنشا الانتزاع فانّه الموجود خارجا. وبالجملة فالعناوين الملحوظة لمتعلقات الأحكام تكون ملحوظة بما هي حاكيات عن الخارج سواء كان ما في الخارج ما بإزائها أو منشأ انتزاعها كما في العناوين التي من خارج المحمول ، فما يصدر عن المكلف خارجا الذي هو ايجاد للمتعلق او لمنشا انتزاعه هو المطلوب والمزجور عنه والمرخص فيه ، والعناوين الأصلية أو الانتزاعية آلة اللحاظ لتحديد العينية التي تكون متعلق الطلب والزجر والترخيص.

أقول : قد اختلط في كلامه قدس‌سره الاعتباريات العرفية بالاعتبارات العقلية فإنّه يعبر عن الثانية بالأمور الانتزاعية وتكون من خارج المحمول وأمّا الاعتبارات العرفية فليست لها عينية خارجية لا بنفسها ولا بمنشإ انتزاعها ولذا تكون قابلة للإلغاء والإبطال ، فجعل الزوجيّة والرقية والمغصوبية والحرية والملكية من خارج المحمول

٣٦٨

.................................................................................................

______________________________________________________

كما ترى ، فإنّ الاعتباريات تدخل في الأحكام لموضوعاتها وتكون قابلة للإلغاء مع بقاء موضوعاتها بخلاف الاعتباريات العقليّة التي لها منشأ انتزاع حقيقي فانّها غير قابلة للإلغاء ولا تنعدم إلّا بانعدام منشأ انتزاعها والاعتبارات يفرض لها حصول بإزائها خارجا كالزوجية والملكية ويفرض لها حصول بمنشئها التي هي من قبيل الموضوع لها ، لا لأنّ لمنشا انتزاعها خصوصية واقعية بل تكون الخصوصية أيضا اعتبارية كالمغصوبيّة كما لا يخفى ، وبالجملة فالتعرض لهذا الأمر إنّما هو لبيان عدم امكان اطلاق متعلق الوجوب بحيث يشمل ما تعلق به النهي.

وذكر المحقق الأصفهاني ١ في التعليق على كلام الماتن ١ أنّه قد تقدم في بحث تعلّق الأوامر بالطبائع أنّ الوجود الخارجي لا يقوم به الطلب وإذا لوحظ أنّ الإيجاد عين الوجود ذاتا واختلافهما بالاعتبار فيعلم أنّ الطلب لا يقوم بالإيجاد الخارجي لأنّه عين الوجود ، ومعنى تعلّق الشوق بالوجود والإيجاد كما مرّ أنّ القوة العاقلة كما لها قوة لحاظ الشيء بلحاظ الحمل الأولى كذلك لها قوة لحاظه بالحمل الشائع ، فتلاحظ الصلاة الخارجية مثلا التي حيثيّتها حيثية طرد العدم ويترتب عليها الغرض والأثر فيطلبها ويبعث نحوها ، ومن الواضح أنّ البعث نحو الفاني لا ينافي قيام الغرض والأثر بالمفنيّ فيه.

والحاصل أنّ الصلاة الخارجيّة في مقام تعلّق البعث والإرادة بمعنى إحضار العقل إيّاها وفرضها وتعلّق البعث بها إنّما هو لاخراجها عن الفرض والتقدير إلى الفعليّة ، فالصلاة المفروضة فانية في الصلاة الخارجية وهذا يصحّح البعث نحو الفاني مع قيام الغرض بالمفنيّ فيه ولا يقتضي سريان ما يقوم بالفاني إلى المفني فيه فإنّه محال وليس نسبة الوجود العنواني إلى الوجود العيني نسبة الاتحاد والعينيّة (١).

__________________

(١) نهاية الدراية ٢ / ٣١٣.

٣٦٩

نحوه ، والزجر لا يكون عنه ، وإنما يؤخذ في متعلق الأحكام آلة للحاظ متعلقاتها ، والإشارة إليها ، بمقدار الغرض منها والحاجة إليها ، لا بما هو هو وبنفسه ، وعلى استقلاله وحياله.

______________________________________________________

أقول : إذا كان إخراج الصلاة عن الفرض والتقدير إلى الفعلية غرضا من تعلّق الطلب والبعث نحو الفعل فلا بدّ من أن يكون هذا الإخراج ملحوظا للآمر حتى يشتاق إليه وإذا كان أمرا ملحوظا فلم لم يتعلّق الطلب والبعث بنفس هذا الإخراج ، غاية الأمر يكون لحاظه بالإيجاد والإخراج العنواني فإنّه الملحوظ بالذات ولكن المفروض أنّ الآمر يراه فانيا في الإيجاد الملحوظ بالعرض وكأنّه يطلب ويجعل متعلق طلبه الإيجاد بالحمل الشائع ، وإذا كان إيجاد الفعل أي فعليّته مرخص فيها كما هو مقتضى إطلاق متعلّق الأمر فكيف يمكن أن يمنع عن إيجاد بعض افراده كما هو مقتضى انحلال متعلّق النهي.

وبالجملة التعبير بسراية الترخيص في التطبيق أو سراية الأمر إلى متعلّق النهي أنّه لا يمكن للمولى الترخيص في تطبيق متعلق أمره بما يرى تعلّق نهيه به ، وتعدد العنوان في ناحية متعلق الأمر أو النهي لا يفيد لأنّ المرخص فيه والمزجور عنه هو إعطاء العينية الخارجية للفعل وقد تقدم أنّ الطلب ليس عرضا يقوم بمتعلّقه بل الطلب أمر إنشائي يكون قيام إنشائه بالمولى ، ووعاء نفس الطلب المعتبر هو الخارج ولو بنحو الاعتبار القائم بالنفس ، ويكون متعلق الطلب إيجاد الفعل ولو أنّ المتعلق حقيقة هو الملحوظ بالذات ـ أي الإيجاد العنواني الفاني في الملحوظ بالعرض ـ والفناء بل لحاظ العينية أوجب تحقق الطلب ولو لم يحصل من العبد امتثال واطاعة كما تقدم في التعليقة السابقة.

وبالجملة الطلب الواقعي وهو التصدي لتحصيل الشيء والظفر به يكون ما دام

٣٧٠

ثالثتها : إنه لا يوجب تعدد الوجه والعنوان تعدد المعنون ، ولا ينثلم به وحدته [١] ، فإن المفاهيم المتعددة والعناوين الكثيرة ربما تنطبق على الواحد ، وتصدق على الفارد الذي لا كثرة فيه من جهة ، بل بسيط من جميع الجهات ، ليس

______________________________________________________

لم يحصل الشيء ولم يظفر به ، فكذلك الطلب الاعتباري المعبر عنه بالبعث نحو إيجاد الشيء فإنّ البعث ـ ما دام ظرف الاعتبار موجودا ـ يبقى ما دام لم يحصل المبعوث إليه وإذا حصل ، ينتهي الطلب والبعث الاعتباري.

عدم استلزام تعدّد العنوان لتعدّد المعنون

[١] بيان المقدمة الثالثة : هو أنّ تعدد الوجه أي العنوان لا يلازم تعدّد المعنون خارجا بأن يكون لأحد العنوانين خارجا وجود وللعنوان الآخر وجود آخر فإنّ المفاهيم المتعددة والعناوين الكثيرة قد تنطبق على الوجود الواحد بل على الفارد الذي لا كثرة فيه حتى من ناحية الحيثيات المختلفة والجهات المتغايرة أصلا كالواجب سبحانه حيث إنّه سبحانه وتعالى مع بساطته ووحدته واحديّته ، تصدق عليه مفاهيم الصفات الجلالية والجمالية له الأسماء الحسنى والأمثال العليا لكنّها بأجمعها حاكية عن ذلك الواحد الفرد الأحد.

عباراتنا شتّى وحسنك واحد

وكلّ إلى ذاك الجمال يشير

أقول : الكلام في المقام في عناوين الأفعال لا في عناوين الذوات ، وما ثبت بالبرهان القاطع هو أنّ ذات الحق جلّ وعلا وإن كانت لذاته صفات إلّا أنّها لا تزيد على ذاته سبحانه وتعالى فإنّ الكثرة والتركيب يلازم الإمكان وذات الحق جلّ وعلا بذاته واجب الوجود. وأمّا صفات الأفعال فلم يقم برهان قاطع على وحدتها بل ما يصدر عن ذات الحق بقدرته وعلمه اللذين هما عين ذاته وعلمه بإرادته الزائدة على الذات ، وتعدّد

٣٧١

فيه حيث غير حيث ، وجهة مغايرة لجهة أصلا ، كالواجب تبارك وتعالى ، فهو على بساطته ووحدته وأحديته ، تصدق عليه مفاهيم الصفات الجلالية والجمالية ، له الأسماء الحسنى والأمثال العليا ، لكنها بأجمعها حاكية عن ذاك الواحد الفرد الأحد.

عباراتنا شتى وحسنك واحد

وكل إلى ذاك الجمال يشير

______________________________________________________

الإرادة بتعدد المراد وقد أشرنا سابقا إلى أنّ ما اشتهر من (أنّ الواحد لا يصدر عنه إلّا الواحد) وهي القاعدة التي أسّسها أهل المعقول لإثبات وحدة الصادر الأوّل عنه سبحانه وتعالى لا تجري في الفاعل المختار من ممكن الوجود فضلا عن الفاعل الغني القادر العالم بالذات فهذه القاعدة لا ترتبط بالمقام.

أمّا بالنسبة إلى الأفعال وعناوينها مما هو مورد الكلام في المقام فإن كان عنوان الفعل متأصّلا كعنوان الأكل والشرب والقيام والقعود فتعدده يوجب تعدد المعنون إلّا إذا كان أحد العنوانين بالإضافة إلى الآخر من قبيل الخاص والعام ، لما يأتي في الأمر الآتي من أنّ الوجود الواحد لا يكون له إلّا ماهية واحدة وحقيقة نوعية واحدة فتعدّدها موجب لتعدد المعنون وتعدد الوجود لا محالة ، إلّا إذا كان أحدهما أخص بالإضافة إلى الآخر ، وأيضا تعدد العنوان يوجب تعدد المعنون إذا كان أحدهما منتزعا عن شيء والعنوان الآخر منتزعا عن شيء آخر أو كان أحدهما انتزاعيا عن شيء والآخر أصليّا منطبقا على شيء آخر فينحصر عدم موجبية تعدد العنوان لتعدد المعنون على ما إذا كان أحد العنوانين متأصلا ومعنونه خارجا منشأ لانتزاع عنوان آخر ، أو كلا العنوانين منتزعين عن شيء واحد باعتبارين ، أو كان أحد العنوانين أخص بالإضافة إلى العنوان الآخر. وممّا ذكرنا يظهر أنّ الحركة الخاصة المعبر عنها بالسجود تتّحد في الصلاة مع الغصب خارجا حيث إنّ الغصب عنوان انتزاعي عن تلك الحركة بلحاظ كونها بغير رضا مالك موضع السجود فيكون السجود تصرفا غصبيا وعدوانا

٣٧٢

رابعتها : إنه لا يكاد يكون للموجود بوجود واحد ، إلّا ماهية واحدة [١] وحقيقة فاردة ، لا يقع في جواب السؤال عن حقيقته بما هو إلّا تلك الماهية ، فالمفهومان المتصادقان على ذاك لا يكاد يكون كل منهما ماهية وحقيقة ، وكانت عينه في الخارج كما هو شأن الطبيعي وفرده ، فيكون الواحد وجودا واحدا ماهية وذاتا لا محالة ، فالمجمع وإن تصادق عليه متعلقا الأمر والنهي ، إلّا أنه كما يكون واحدا وجودا ، يكون واحدا ماهية وذاتا ، ولا يتفاوت فيه القول بأصالة الوجود أو أصالة الماهية.

______________________________________________________

على الغير وكذلك بالإضافة إلى الركوع إذا قيل بأنّ الهويّ له دخل في الصلاة أو في تحقق الركوع بأن كان الهوي مقوما لعنوان الركوع لا مقدمة له.

عدم ايجاب تعدد العنوان لتعدد الماهية النوعية

[١] المقدمة الرابعة : إنّ الوجود الواحد لا يكون له إلّا ماهية واحدة والمراد الماهية النوعية فالعنوانان المتصادقان على واحد لا يمكن أن يكون كل منهما ماهية نوعية بل إمّا كلاهما من العناوين الانتزاعية أو أحدهما انتزاعي والآخر ذاتي ، مثلا المجمع بين عنواني الغصب والصلاة أي الحركة الخاصة كما لها وجود خاص كذلك يكون لها ماهية واحدة ويكون متعلق الأمر ومتعلق النهي واحدا وجودا وماهيّة ، فإنّ الوحدة بناء على أصالة الوجود واضحة وبناء على أصالة الماهية فلما تقدم في المقدمة الثانية من كون متعلّقي الأمر والنهي فعل المكلف وما يصدر عنه خارجا والمفروض أنّ الماهية الصادرة بناء على أصالتها واحدة لما تقرر في محلّه أنّ الواحد لا يتجنّس بجنسين وفصلين ففي موارد تعدد العنوان أحدهما من العناوين الانتزاعية العرضية لا محالة.

وممّا ذكر يظهر عدم الفرق في مسألة جواز الاجتماع وعدمه الالتزام بأصالة

٣٧٣

ومنه ظهر عدم ابتناء القول بالجواز والامتناع في المسألة ، على القولين في تلك المسألة ، كما توهم في الفصول ، كما ظهر عدم الابتناء على تعدد وجود الجنس والفصل في الخارج ، وعدم تعدده ، ضرورة عدم كون العنوانين المتصادقين عليه من قبيل الجنس والفصل له ، وإن مثل الحركة في دار من أي مقولة كانت ، لا يكاد يختلف حقيقتها وماهيتها ويتخلف ذاتياتها ، وقعت جزءا للصلاة أو لا ، كانت تلك الدار مغصوبة أو لا.

______________________________________________________

الوجود أو بأصالة الماهية فما عن الفصول من أنّ القول بالجواز مبني على أصالة الماهية والقول بالامتناع على أصالة الوجود (١) ، لا يمكن المساعدة عليه.

كما ظهر أيضا عدم ابتناء القول بالجواز على تعدد الجنس والفصل خارجا والقول بالامتناع على عدم تعددهما ، فإنّ الحركة الخاصة المعبر عنها بالسجود أو الهوي إلى الركوع من أي مقولة كانت لا معنى لكون عنوان الغصب فصلا ونفس الحركة جنسا بل تكون تلك الحركة داخلة في تلك المقولة ، انطبق عليها عنوان الغصب أم لا ، بل لو فرض في مورد تعلّق الأمر بالجنس والنهي بفصل منه يكون ذلك داخلا في موارد الأمر بالمطلق والنهي عن المقيد سواء قيل بكون وحدة الجنس والفصل أو اتحادهما بالمعنى المذكور في محلّه أم لا.

__________________

(١) الفصول : ١٠٠.

٣٧٤

إذا عرفت ما مهدناه ، عرفت أن المجمع حيث كان واحدا وجودا وذاتا [١] ، كان تعلق الأمر والنهي به محالا ، ولو كان تعلقهما به بعنوانين ، لما عرفت من كون فعل المكلف بحقيقته وواقعيته الصادرة عنه ، متعلقا للأحكام لا بعناوينه الطارئة عليه ، وأن غائلة اجتماع الضدين فيه لا تكاد ترتفع بكون الأحكام تتعلق بالطبائع

______________________________________________________

أدلة القول بالجواز

[١] كأنّ نظره قدس‌سره إلى أنّ الأمور الأربعة ملاحظتها كافية في الإذعان بامتناع اجتماع الأمر والنهي ولو كان أحدهما متعلقا بعنوان والآخر بعنوان آخر ، وذلك لما تقدم في المقدمة الثانية من أنّ متعلقات الأحكام إنّما هي فعل المكلف خارجا لا عنوان فعله ، حيث إنّ رغبة المولى والملاك الملحوظ للمولى ليس في عنوان الفعل بل فيما ينطبق عليه العنوان المعبّر عنه بالمعنون ، وتعدّد العنوان لا يوجب كون الصادر عن المكلّف متعدّدا بحسب الخارج بأن يكون المجمع بحسبه فعلين ، بل الصادر بحسب الخارج واحد معنون بكل من العنوانين ، وغائلة محذور اجتماع الضدين وتنافي التكليفين ترتفع بتعدّد الصدور والفعل خارجا لا بتعنون الصادر بعنوانين لأنّ المتعلق لكل من الوجوب والتحريم ليس هو العنوان بل المعنون لو لاحظه المولى عند الأمر والنهي بالعنوان.

ولزوم محذور تعلّق الحكمين المتضادين في مقتضاهما وملاكهما لا يندفع بالقول بأنّ متعلقات الأحكام الطبائع لا الافراد ، وذلك لأنّ غاية تقريب القول بالجواز هو أنّ الطبائع ـ بما هي مقيّدة بالوجود ـ متعلقات لها ، حيث إنّ الطبائع بما هي ليست إلّا هي ولا تكون محصّلة للاغراض ليتعلّق بها الطلب ، فاللازم أخذ الوجود في متعلقاتها بحيث يكون التقيد داخلا ونفس القيد ـ أي الوجود ـ خارجا حتى يقتضي تعلّق الطلب بالطبيعي المقيد بالوجود إيجاده. نظير تقييده بسائر القيود وإلّا فالوجود

٣٧٥

.................................................................................................

______________________________________________________

الخارجي مسقط للطلب فلا يمكن كونه متعلقا للطلب وموجبا لثبوت البعث وحصوله.

ولكن هذا التقريب والتوجيه فاسد ، وذلك فإنّ الطبيعي لا يمكن أن يتقيد بوجوده في مقام الطلب بالمعنى المذكور بأن يكون الوجود خارجا عن متعلّق الطلب تقيّد العنوان به داخلا في متعلّقه ، نظير تقيد الصلاة بالوضوء أو إلى القبلة ونحوهما ، فإنّ التقييد لا يكون إلّا في مورد دخالته في متعلّق الطلب بأن يكون الدخيل فيه التقيد لا نفس القيد ، ووجود الشيء لا يزيد على الشيء في مقام الطلب ، حيث إنّ وجود الشيء خارجا هو الأثر من طلبه والملاك المرغوب إليه قائم بوجوده ، وليس للعنوان شأن إلّا كونه حاكيا عما تعلّق به الملاك والغرض ويلاحظ في مقام الطلب فانيا في المعنون ، وكأنّ المولى يطلب المعنون بلا توسيط ويضيف طلبه إلى إيجاد الشيء قبل أن يوجد غير ملاحظ أيّة خصوصية معه ، ويلزم على الطلب كذلك الترخيص في تطبيقه وإيجاده بأيّ وجود وهذا لا يجتمع مع نهيه عن طبيعي آخر ، حيث إنّ النهي المنع عن وجود الطبيعي بأي وجود وذلك لكون متعلق الترخيص عين متعلق النهي المفروض كونه انحلاليا.

وبتعبير آخر ليست الأحكام من قبيل الاعراض لمتعلقاتها ليقال إنّ الإيجاد لا يكون معروضا للطلب والمنع ، فإنّ الوجود الخارجي مسقط للطلب فكيف يكون معروضا له بل الأحكام إنشاءات من فعل المولى يقوم به قيام الفعل بفاعله ونفس الحكم أمر اعتباري في الخارج بمعنى كون الخارج ظرفا له ويضاف إلى متعلّقه بعنوانه المشير الفاني في المعنون قبل وجوده.

ثم إنّه ظهر من المقدمة الرابعة أنّ الصادر عن المكلف خارجا وجود واحد

٣٧٦

لا الأفراد ، فإن غاية تقريبه أن يقال : إن الطبائع من حيث هي هي ، وإن كانت ليست إلّا هي ، ولا تتعلق بها الأحكام الشرعية ، كالآثار العادية والعقلية ، إلّا أنها مقيدة بالوجود ، بحيث كان القيد خارجا والتقيد داخلا ، صالحة لتعلق الأحكام بها ،

______________________________________________________

وماهية واحدة ، وذكرنا في المقدمة الأولى أنّ تعلّق الوجوب والحرمة بواحد غير ممكن لتنافيهما في مبدئهما ومقتضاهما ، كما ذكرنا في المقدمة الرابعة ما هو المعيار في استلزام تعدّد العنوان لتعدّد المعنون وعليه فإن كان تركيب العنوانين في المجمع من متعلقي الأمر والنهي اتحاديا وينطبقان على وجود واحد فلا بدّ من الالتزام بالامتناع وإن كان تركيبهما انضماميا بأن ينطبق كل منهما على وجود غير وجود الآخر فالمتعيّن هو القول بالجواز لتعدد المتعلقين خارجا ولا محذور في اجتماع الحكمين في المجمع لما تقدّم من أنّ مقتضى تعلّق الأمر بالطبيعي عدم أخذ ما هو لازم الوجود أو ملازمه في المتعلّق بل ولا أخذ خصوصية أفراده ، وكذا الحال في ناحية تعلق النهي بالطبيعي ، فلا موجب لسراية أحد الحكمين إلى متعلق الآخر سواء اجتمع النهي مع الترخيص في التطبيق أو مع الأمر ، غاية الأمر يكون الأمر بالطبيعي والنهي مع عدم المندوحة من المتزاحمين يراعى فيهما ثبوت الحكمين بنحو الترتّب.

ثمّ إنّه يظهر ممّا ذكرنا تمييز موارد التركيب الاتحادي عن موارد التركيب الانضمامي فمثلا إذا توضأ المكلف من الإناء المغصوب بنحو الاغتراف صحّ وضوئه لأنّ تصرفه في الإناء بالاغتراف مغاير وجودا للوضوء ـ وهو غسل الوجه واليدين ومسح الراس والرجلين ـ فيمكن الأمر بالوضوء المفروض حتى مع عدم المندوحة على نحو الترتب فإنّ مع الاغتراف ثلاث مرّات يتمكن المكلف من الوضوء فيصحّ الأمر به على تقدير الاغترافات وعلى تقدير تركها يكون مكلّفا

٣٧٧

.................................................................................................

______________________________________________________

بالصلاة مع التيمم.

وربّما يقال إنّ الأمر بالوضوء على نحو الترتب يجري ولو مع الوضوء بنحو الارتماس في الإناء المغصوب فإنّ غسل العضو عبارة عن إيصال الماء إلى البشرة من الوجه واليدين والإيصال وهو مغاير وجودا للارتماس ـ أي وضع الوجه واليدين في الماء ـ ولذا لو كان على يده أو وجهه حائل يمنع من وصول الماء إلى البشرة ووضع يده في الاناء الغصبي المحتوي للماء لكان هذا الوضع كالوضع بلا حائل في كون نفس الوضع غصبا محرما دون إيصال الماء ، مع عدم تحقق غسل العضو في الأوّل لوجود الحائل.

وبالجملة غسل اليد الذي هو إيصال الماء إلى البشرة بلا حائل إيجاد للوضوء وليس حراما والحرام جعل العضو في الإناء فإنّه تصرّف في ملك الغير ولو مع الحائل وعدم تحقق الوضوء معه ، فالتركيب بين الغصب والوضوء انضمامي.

إلّا أن يقال إنّ الوضوء ولو يتحقق بوصول الماء إلى البشرة إلّا أنّ إيصاله إليها بمعنى إحاطة الماء البشرة ، يكون بأمرين معا أحدهما جعل اليد في الإناء والثاني رفع المانع عن العضو واتحاد متعلّق النهي مع أحد الأمرين عرفا كاف في التركيب الاتحادي فتدبّر.

ثمّ إنّ ظاهر جماعة انّ التوضّي والاغتسال من آنية الذهب أو الفضة كالتوضّؤ من الآنية المغصوبة وظاهرهم أيضا حرمة الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة لا حرمة أخذ الطعام منها فقط ومن ثمّ يقع الكلام في الفرق بين التوضّي والأكل حيث إنّ ظاهرهم عدم حرمة نفس الوضوء في فرض الاغتراف وحرمة الأكل والشرب.

٣٧٨

ومتعلقا الأمر والنهي على هذا لا يكونان متحدين أصلا ، لا في مقام تعلق البعث والزجر ، ولا في مقام عصيان النهي وإطاعة الأمر بإتيان المجمع بسوء الاختيار.

أما في المقام الأول ، فلتعددهما بما هما متعلقان لهما وإن كانا متحدين فيما هو خارج عنهما ، بما هما كذلك.

______________________________________________________

والجواب أنّ الروايات الواردة في أواني الذهب والفضة على طائفتين ، ففي الأولى منهما ورد النهي عن الأكل والشرب في آنية الذهب أو الفضة (١) ، وفي الثانية ورد النهي عن آنية الذهب والفضة غير مقيد بالأكل أو الشرب (٢) ، ومقتضى حذف المتعلق في الطائفة الثانية حرمة الفعل المناسب للاناء وهو وضع شيء فيها أو أخذه منها فلا دلالة للثانية على حرمة نفس التوضؤ والاغتسال في فرض الاغتراف ، بخلاف الأكل والشرب بنحو الأخذ منهما فانّهما إمّا من الافعال المناسبة للاناء فيحرمان أو لأنّ مقتضى الطائفة الأولى حرمة نفس الأكل والشرب ، ولذا عطفوا استعمالهما على عدم جواز الأكل والشرب منهما دون التوضؤ والاغتسال أو غيرهما من الأفعال.

وبالجملة إذا كان المحرم استعمالهما فلا يكون الوضوء والاغتسال منهما بالاغتراف متحدا مع المحرّم ولا يخفى أنّ هذا لو لم نقل بأنّ الطائفة الثانية قرينة على أنّ المحرم في الأكل والشرب أيضا وضع الطعام وأخذه منهما لا حرمة نفس ازدراد الطعام والشراب ، وقد ذكرنا التفصيل في بحث الأواني من كتاب الطهارة.

وأمّا الصلاة في المكان المغصوب فإنّ أكثر أفعالها خارج عن الغصب وليس

__________________

(١) الوسائل : ج ٢ ، باب ٦٥ من أبواب النجاسات ، الحديث ٢ و ٥ و ٧ و ٩ و ١١ ، وج ١٦ ، باب ٦١ من كتاب الأطعمة والأشربة ، الحديث ١ و ٢.

(٢) الوسائل : ج ٢ ، باب ٦٥ ، من أبواب النجاسات ، الحديث ١ و ٣ و ٤ و ٨ و ١٠.

٣٧٩

وأما في المقام الثاني ، فلسقوط أحدهما بالإطاعة ، والآخر بالعصيان بمجرد الإتيان ، ففي أيّ مقام اجتمع الحكمان في واحد؟.

وأنت خبير بأنه لا يكاد يجدي بعد ما عرفت ، من أن تعدد العنوان لا يوجب تعدد المعنون لا وجودا ولا ماهية ، ولا تنثلم به وحدته أصلا ، وأن المتعلق للأحكام هو المعنونات لا العنوانات ، وأنها إنما تؤخذ في المتعلقات بما هي حاكيات كالعبارات ، لا بما هي على حيالها واستقلالها.

______________________________________________________

تصرفا في المكان المغصوب ولا في فضائه كالتكبيرة والقراءة والتشهد والأذكار وغيرها والاستقرار المعتبر حال القراءة وغيرها بمعنى عدم حركة الأعضاء ، والقيام المعتبر في الصلاة ليس بمعنى الكون في المكان بل بمعنى استواء الأعضاء وعدم انحنائها نعم الانتقال من حالة إلى أخرى كالنهوض إلى القيام أو الهوي إلى الركوع والسجود وإن كان تصرفا في الفضاء إلّا أنّ حرمته لا تضرّ بصحة الصلاة لعدم كونه من أفعالها بل من مقدمات استواء الأعضاء والركوع والسجود ، نعم في الهوي إلى الركوع كلام في أنّه داخل في معنى الركوع بحيث يكون مقوما له أو لا؟ ولا يخفى أنّ ما يتّحد من أفعالها مع عنوان الغصب هو السجود فانّ مع وضع الأعضاء السبعة أو بعضها على المغصوب يكون السجود المزبور منشأ لانتزاع عنوان الغصب وكذا فيما إذا وضعها على المباح الموضوع على المغصوب بناء على اعتبار الاعتماد على الأرض في السجود فإنّ مع الاعتماد المزبور بالوضع على المغصوب ولو مع الواسطة يتحقق التركيب الاتحادي ، ولكن في اعتبار الاعتماد كما ذكر تأمّل ، وعليه يبتني جواز الصلاة في الطائرة الواقفة أو المتحركة في الجوّ أو عدم جوازها حال الاختيار وامّا الصلاة في السفينة فلا يبعد جوازها حتى حال الاختيار لظهور بعض الروايات (١) في

__________________

(١) الوسائل : ج ٤ ، باب ١٤ من أبواب القيام.

٣٨٠