دروس في مسائل علم الأصول - ج ٢

آية الله الميرزا جواد التبريزي

دروس في مسائل علم الأصول - ج ٢

المؤلف:

آية الله الميرزا جواد التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات دار الصديقة الشهيدة عليها السلام
المطبعة: نگين
الطبعة: ٢
ISBN: 978-964-8438-61-1
ISBN الدورة:
978-964-94850-1-0

الصفحات: ٤٠٨

.................................................................................................

______________________________________________________

اجتماع الأمر والنهي في الجواز عقلا وفي مسألة اقتضاء النهي الفساد في دلالة اللفظ ، غير صحيح فانّه لو لم يكن في البين تعدّد الجهة يتعين عنوان مسألة واحدة يفصّل بينهما في الاقتضاء مع أنّ النزاع في مسألة اقتضاء النهي لا ينحصر في دلالة اللفظ كما سيظهر.

أقول : تعلّق الأمر التكليفي بمعاملة ـ ولو بعنوان قد ينطبق عليها ـ سواء كان المراد بها ما يقابل العبادة أو معناها الأخص وكذا تعلّق النهي بها ـ ولو بعنوان آخر قد ينطبق عليها ـ لا يحتاج إلى التأمّل فإنّه على القول بالجواز تكون المعاملة واجبة وحراما ولو بعنوانين وعلى القول بالامتناع وتقديم جانب الحرمة يكون المورد من صغريات النهي عن المعاملة. والمراد بالعبادة في مسألة اقتضاء النهي كما يذكر هي ما لو تعلّق بها أمر كان قصد القربة معتبرا في سقوطه فيكون المفروض في تلك المسألة هو النهي فقط ويبحث في أنّ مقتضاه فساد متعلّقه سواء كان عبادة أو معاملة أو فساده في العبادة فقط ، بخلاف هذه المسألة فانّ مورد الكلام فيها هو ما إذا تعلّق الأمر في الخطاب بعنوان وتعلّق النهي فيه بعنوان آخر يجتمع العنوانان في واحد فهل اجتماعهما فيه يوجب وقوع المعارضة بين الخطابين بحيث يجب رفع اليد عن الإطلاق في أحدهما أو لا تعارض بينهما أصلا ويثبت في مجمعهما كلا الحكمين.

نعم إذا فرض المعارضة بينهما والالتزام بتقديم خطاب النهي في مورد الاجتماع يدخل المجمع في صغرى المسألة الآتية يعني كون النهي في المجمع من قبيل النهي عن العبادة أو المعاملة.

ونقول لزيادة التوضيح : أنّ العنوانين المتعلّق بأحدهما الأمر وبالآخر النهي إمّا

٣٢١

.................................................................................................

______________________________________________________

متساويان في الصدق بحيث يكون تغايرهما بحسب المفهوم فقط كما في عنواني العتق والتحرير ، والصبر والصوم فلا ينبغي التأمّل في أنّ تعلّق الأمر بأحدهما في خطاب وتعلّق النهي بالآخر في خطاب آخر يوجب كون الخطابين من المتعارضين فيما لم يكن النهي قرينة على حمل الأمر على الترخيص في الارتكاب كما هو الحال في صورة تعلّقهما في خطابين بعنوان واحد.

وكذا ليس من باب الاجتماع ما إذا كان أحد العنوانين بالإضافة إلى الآخر من المتباينين لا يجتمعان في الصدق أصلا سواء كان تباينهما بالذات أو لتقيّد الطبيعي في كل منهما بقيد يباين القيد في الآخر كما إذا تعلّق الأمر بالسجود لله والنهي عن السجود للانسان ، وكذا يخرج عن محل النزاع ما إذا كان العنوان في أحد الخطابين مع العنوان الآخر في الخطاب الآخر من المطلق والمقيد أو العام والخاص كما إذا ورد الأمر ولو استحبابا بالصوم في خطاب والنهي عن صوم يوم العبدين فيه أو في خطاب آخر فإنّ النهي المزبور قرينة على تقييد المطلق أو تخصيص العموم. فينحصر مورد الكلام في المسألة بما إذا كان بين العنوانين عموم من وجه كما ذكره في القوانين ولكن لا مطلقا بل فيما إذا أمكن للمكلّف التفكيك في المجمع بين العنوانين بأن يأتي بالمنهي عنه فيه من غير أن يطبق عليه متعلّق الأمر كما إذا ورد الأمر بالصلاة والنهي عن الغصب أو ورد الأمر بالوضوء والنهي عن الغصب فإنّ مورد الاجتماع هي الصلاة في الدار المغصوبة ويمكن للمكلف التصرف فيها بغير صلاة ، وفي الثاني يمكن استعمال الماء المغصوب في غير الوضوء.

وأمّا إذا كان ارتكاب المحرّم في مورد الاجتماع غير منفك عن انطباق العنوان الآخر ـ المتعلق به الأمر في خطاب آخر ـ عليه كما إذا ورد في خطاب الأمر بإكرام

٣٢٢

.................................................................................................

______________________________________________________

العالم وفي الآخر النهي عن إكرام الفاسق يكون المجمع يعني إكرام العالم الفاسق مورد المعارضة على ما يأتي.

وعن المحقق النائيني قدس‌سره أنّ الأمر بالصلاة مع النهي عن الغصب بالإضافة إلى الصلاة في الدار المغصوبة من باب الاجتماع ولكن الامر بالشرب مع النهي عن الغصب بالإضافة شرب الماء المغصوب ليس من باب الاجتماع بدعوى أنّ مع عدم اتحاد العنوانين في المجمع في الأوّل يمكن أن يتحمّل المجمع حكمين بخلاف الثاني فانّ مع اتّحاد العنوانين في المجمع لا يتحمّل حكمين.

توضيح ذلك : بأنّ العموم من وجه بين العنوانين قد يكون بنحو يصحّ حمل أحد العنوانين على الآخر فيكون مورد صحة الحمل مورد اجتماعهما كما في المجمع بين عنواني العادل والعالم أو العالم والفاسق ويسمّى التركيب في المجمع اتّحاديا حيث إنّ تعدد العرض والمبدا لا يوجب تعدّد المعروض فالذات الّتي تتّصف بمبدإ العالم بعينها في المجمع تقوم بها العدالة أو الفسق ، وأخرى يكون بنحو لا يصحّ حمل أحد العنوانين على الآخر بل يصحّ حمل كل منهما على ذات تكون تلك الذات مجمعا لهما كما في البياض والحلاوة وتكون النسبة بينهما بالعموم من وجه باعتبار معروضهما ويسمّى التركيب في هذا القسم بين العنوانين انضماميّا حيث إنّ أحدهما ينضمّ في الذات المفروضة إلى ثانيهما من غير أن يكون أحدهما عين الآخر بحسب الحمل ، وعليه فلو ورد الأمر بإكرام العالم في خطاب ، والنهي عن إكرام الفاسق في خطاب آخر فالخطابان خارجان عن موضوع مسألة الاجتماع لأنّ النسبة بين العنوان الواجب والعنوان الحرام وإن فكانت عموما من وجه إلّا أنّ التركيب بينهما اتحاديّ والخطابان مع التركيب الاتحادي بين العنوانين داخلان في

٣٢٣

.................................................................................................

______________________________________________________

التعارض بلا تأمّل ، وإنّما يدخلان مسألة اجتماع الأمر والنهي إذا كان التركيب بينهما انضماميّا كما إذا ورد الأمر بالصلاة والنهي عن الغصب حيث إنّ الصلاة من مقولة الوضع والغصب من مقولة الأين فلا اتحاد بينهما بل تكون الصلاة في الدار المغصوبة مركّبا انضمّ فيه أحد المبدءين إلى الآخر ويكون البحث في مسألة الاجتماع أنّ الاجتماع كذلك يوجب سراية أحد الحكمين إلى متعلّق الآخر ليحصل التعارض بين خطاب الأمر والنهي في مورد انضمامها أو أنّه لا سراية في البين فيؤخذ بالإطلاق في كلا الخطابين.

والوجه في كون التركيب بين الصلاة والغصب انضماميّا لا اتحاديّا هو أنّ كل مبدإ بالإضافة إلى المبدا الآخر يكون غيره إلّا أن يكون أحد المبدءين متمّما للآخر والمتمّم هو الذي يكون عين الآخر في حقيقته ويكون عروضه للجوهر بواسطة العرض كالسرعة بالإضافة إلى الحركة ، والشدة بالإضافة إلى الضرب حيث إنّ ما تمتاز به الحركة السريعة عن الحركة البطيئة تكون حركة وعين ما به الاشتراك ، وما يمتاز به الضرب عن الشديد الضرب الضعيف يكون ضربا وعين ما به الاشتراك.

وللمتمّم صورة أخرى وهو ما يكون عروضه للعرض بإضافة ذلك العرض إلى شيء آخر كمبدأي الابتداء والانتهاء حيث يعرضان للسير بإضافة السير إلى المكان فإن كان المتمّم من القسم الأوّل فالتركيب بينه ومعروضه اتّحادي يخرج عن مسألة الاجتماع بخلاف الثاني فإنّ التركيب فيه بين العرض ومعروضه انضمامي (١).

أقول : لو كان المبدا في كل من متعلّقي الأمر والنهي من المبادي المتأصّلة بأن يكون

__________________

(١) فوائد الأصول ١ / ٤٠٨ و ٤٠٩ ؛ أجود التقريرات : يستفاد هذا من المقدمة السادسة ٣٤١ والمقدمة التاسعة ٣٤٦.

٣٢٤

.................................................................................................

______________________________________________________

لكل منهما ما بإزائه وحصوله خارجا ، من غير حاجة إلى لحاظ شيء آخر كعنواني الضرب والقيام فلا ينبغي التأمّل في أنّ التركيب بينهما على تقديره انضمامي فإنّ حصول كل منهما في المجمع لا يختلف عن وجود كل منهما في غير المجمع.

وأمّا إذا كان المبدءان انتزاعيين أو أحدهما انتزاعيا ـ والمراد بالانتزاعي المأخوذ عن شيء بلحاظ شيء آخر ـ أو كانا اعتباريين أو أحدهما اعتباريا ـ والمراد بالاعتباري ما لا يكون له واقع إلّا الاعتبار والقرار ـ ففي جميع ذلك لا يكون تعدّد المبدا موجبا لكون التركيب في المجمع انضماميّا بل لا بدّ من ملاحظة كل مورد بخصوصه مثلا التركيب بين الصلاة والغصب أو بين الوضوء والغصب إذا كان موضع السجود أو الماء غصبيا اتّحادي ، بخلاف الوضوء والغصب فيما كان الغصب باعتبار مكان الغسل أو مصبّ غسالة الوضوء فإنّ التركيب معه بين الوضوء والغصب انضمامي.

وذكرنا أيضا أنّ مجرّد كون التركيب بين عنوان الفعل المتعلّق به الأمر والعنوان المتعلق به النهي اتحاديّا لا يوجب الخروج عن محل النزاع في مسألة الاجتماع بل إذا كان تحقّق الحرام بالمجمع غير منفك عن حصول ما تعلق به الأمر كما في أكرم العالم ولا تكرم الفاسق فهو خارج عن محل النزاع فيها ، دون مثل الوضوء بالماء المغصوب أو الصلاة في الدار المغصوبة ممّا كان انطباق الواجب وتحقّقه بالمجمع محتاجا إلى ضمّ فعل إلى المحرم ليتحقّق عنوان الواجب أيضا بالمجمع ، وبتعبير آخر يكون الحرام بعض ما ينطبق عليه عنوان الواجب سواء كان بنحو الجزء أو الشرط للواجب فالأول كما في الصلاة في الدار المغصوبة والثاني كالصلاة في الستر المغصوب هذا في موارد التركيب الاتحادي ، وامّا في موارد التركيب الانضمامي فالمجمع ما يكون حصول الواجب فيه مستلزما أو موقوفا على حصول الحرام

٣٢٥

.................................................................................................

______________________________________________________

كالوضوء في مكان ينصبّ غسالته في ملك الغير أو الوضوء بماء يكون في الآنية التي ملك الغير.

لا يقال : ما ذكر من أنّ التركيب في موارد الاجتماع في المبادي المتاصّلة يكون انضماميّا لا اتحاديّا ينافي ما عليه الإمامية من عدم زيادة صفات الذات على ذات الحق جلّ وعلا فانّه تعالى في وحدته وبساطته كل صفات الذات.

فإنّه يقال : إنّ الكلام في مثل القدرة والعلم من المبادئ المتأصّلة التي تعتبر عرضا وإنّ أحد العرضين يجب أن يكون غير الآخر وجودا ولذا لا يصح حمل أحدهما على الآخر وما هو من هذا القبيل لا يكون من ذات الحقّ جلّ وعلا بشيء وذاته المقدّسة خارجة عن مسح عقولنا نعم بساطته ـ لاستلزام التركيب الإمكان ـ ثابتة بعقولنا.

ثمّ إنّه كما يأتي أنّ التركيب في المجمع إذا كان اتحاديّا لا يجوز الاجتماع فيه بل كان الخطابان بالإضافة إلى المجمع من المتعارضين فلا بد من الرجوع إلى قواعد التعارض وكذا فيما كان التركيب انضماميّا وقيل بسراية كل من الحكمين إلى متعلق الآخر ، وأمّا إذا منع عن القول بالسراية كما هو الصحيح فيثبت كل من الخطابين بالإضافة إلى المجمع بلا تعارض بينهما.

وهل يدخل الأمر والنهي بالإضافة إلى المجمع في المتزاحمين ، فقد يقال كما عن المحقق النائيني قدس‌سره (١) بذلك من غير فرق بين أن يكون في البين مندوحة أم لا ، غاية الأمر لو كان في البين مندوحة يتعيّن امتثال الأمر بغير المجمع عقلا لما تقدم في

__________________

(١) أجود التقريرات ١ / ٣٣٢.

٣٢٦

.................................................................................................

______________________________________________________

باب التزاحم من أنّه كلّما دار الأمر فيه بين امتثال ما له بدل وما ليس له بدل يقدّم ما ليس له بدل والمنهي عنه ليس له بدل فيتقدّم ، بخلاف المأمور به فإنّه يمكن امتثاله بغير المجمع.

ولكن لا يخفى ما فيه فإنّا ذكرنا أنّ التزاحم لا يتحقق بين الواجب الموسع والمضيق فضلا عمّا إذا كان للواجب أفراد عرضية يتمكن المكلف من امتثال الواجب بها من غير ابتلاء بمحذور ، وبالجملة لا يكون خطاب الأمر والنهي في المفروض لا من المتعارضين ولا من المتزاحمين لتمكنه من امتثالهما.

نعم لو اختار المكلف امتثال الأمر بالمجمع صحّ عمله كما تقدم أخذا بإطلاق متعلق الأمر فيه من غير حاجة إلى الترتب ويستحقّ العقاب على مخالفة النهي.

وأمّا إذا لم يكن في البين مندوحة يدخل كل من الأمر والنهي في المتزاحمين فلو كان للواجب بدل اضطراري يتعيّن رعاية خطاب النهي كما إذا دار الأمر بين الوضوء في مكان يصبّ غسالته في ملك الغير مع عدم رضاه ورعاية حرمة الغصب والتصرف في مال الغير بغير طيب نفسه فتنتقل الوظيفة إلى الصلاة مع التيمم ويتفرع على ذلك جواز الأمر بالصلاة مع الوضوء على نحو الترتب على عصيان خطاب النهي ، ومع عدم البدل له كذلك يرجع إلى غيره من مرجحات باب التزاحم.

وذكر المحقّق العراقي قدس‌سره في الميز بين مسألة جواز الاجتماع وبين مسألة اقتضاء النهي عن عبادة فسادها ، أنّه على القول بالامتناع يكون فساد العبادة في المجمع من باب غلبة ملاك النهي والفساد على ملاك الأمر في مقام التزاحم بين الملاكين كما هو مقتضى تقديم خطاب النهي ، فالمعتبر في باب الاجتماع ثبوت

٣٢٧

.................................................................................................

______________________________________________________

ملاك كل من الأمر والنهي في المجمع وتقديم جانب النهي على القول بالامتناع لغلبة ملاكه ، وعليه فلو أتي المكلف بالمجمع مع قصد القربة ليكون عبادة مع الجهل بالحرمة أو الغفلة تصحّ لحصول ملاك الواجب وحصول التقرب المعتبر في وقوع الفعل عبادة ، بخلاف صورة العلم بالحرمة فإنّه مع العلم لا يحصل التقرب المعتبر في العبادة ، بخلاف الفساد في المسألة الآتية فإنّ الحكم بفساد العبادة المنهي عنها ، للتخصيص والتقييد في الأمر بالعبادة فلا يكون في المنهي عنه ملاك الأمر ولذا لو صام يوم الفطر أو الأضحى جهلا بكونه يوم العيد أو غفلة بحكم أيضا بفساده لعدم الملاك فيه ، فالفساد المفروض في مسألة الاجتماع غير الفساد المبحوث عنه في المسألة الآتية (١).

أقول : قد تقدم أنّ الكاشف عن الملاك هو الأمر أو دخول المنهي عنه في الطبيعي المتعلق به الأمر بحيث يعمّه الترخيص في التطبيق ، فعلى القول بجواز اجتماع الأمر والنهي مطلقا أو فيما كان التركيب في المجمع انضماميا يمكن كشف ملاك الأمر في المجمع كما ينكشف بالنهي ملاكه ، وعلى الامتناع وتقديم جانب النهي لا يدخل المجمع في متعلّق الأمر فلا كاشف عن ملاك متعلّق الأمر فيه فيحكم بفساد العبادة في المجمع سواء علم المكلف بحرمته أو شك فيه ، والنهي عن العبادة في المسألة الآتية يعمّ ما إذا كان النهي لتقديم جانبه على جانب الأمر أم كان لسبب آخر ، وفساد صوم يوم العيدين مع الغفلة عن حرمتهما إنّما هو لعدم الأمر بهما بخلاف صورة الغفلة عن كون الدار أو الماء مغصوبين فإنّ وجه الحكم بصحة الصلاة

__________________

(١) نهاية الأفكار ١ / ٤١٢.

٣٢٨

الثالث : إنه حيث كانت نتيجة هذه المسألة مما تقع في طريق الاستنباط ، كانت المسألة من المسائل الأصولية ، لا من مبادئها الأحكامية [١] ، ولا التصديقية ،

______________________________________________________

والوضوء مع الغفلة هو سقوط النهي مع الغفلة فيعمّهما الأمر المتعلّق بكل من الصلاة والوضوء ، هذا مع غض النظر عمّا ذكرنا من أنّ النهي عن الصوم في العيدين كالنهي عن الصلاة والصوم في أيام الحيض ارشاد إلى عدم مشروعيّتهما فتدبر جيّدا.

مسألة الاجتماع مسألة أصوليّة

[١] ذكر قدس‌سره أنّ البحث في جواز الاجتماع أو عدم جوازه من المسائل الأصولية حيث لو كانت نتيجة المسألة جواز الاجتماع فبضمّها إلى صغراها من تعلق الوجوب والحرمة بالصلاة في الدار المغصوبة بعنوانين وبالوضوء عند صب غسالته في ملك الغير عدوانا تكون النتيجة ـ يعني لازمها ـ كون الصلاة والوضوء المذكورين مصداقا لما تعلّق به الوجوب وداخلا فيه فيكون الإتيان به مسقطا للوجوب المعبّر عن ذلك بالصحة وإن كانت نتيجتها امتناع الاجتماع وتقديم جانب الحرمة في المجمع يلزم عليها الحكم ببطلان الصلاة في الدار المغصوبة وفساد الوضوء المزبور بضميمة المسألة الآتية من اقتضاء حرمة العبادة فسادها.

وبالجملة إذا ترتب استنباط الحكم الشرعي الفرعي الكلي على نتيجة هذه المسألة فلا وجه للالتزام بأنّها من المبادئ الأحكامية لمسائل علم الأصول أو من المبادئ التصديقية لمسائله أو من مسائل علم الكلام أو من المسائل الفقهية ، نعم هذه المسألة مع كونها أصولية تكون الجهات المذكورة موجودة فيها أيضا ، ولكن وجود تلك الجهات لا يوجب خروجها عن مسائل علم الأصول إذا كان فيها جهة المسألة الأصولية يمكن جعلها من مسائل الأصول بتلك الجهة كما مرّ.

٣٢٩

ولا من المسائل الكلامية ، ولا من المسائل الفرعية ، وإن كانت فيها جهاتها ، كما لا يخفى ، ضرورة أن مجرد ذلك لا يوجب كونها منها إذا كانت فيها جهة أخرى ، يمكن عقدها معها من المسائل ، إذ لا مجال حينئذ لتوهم عقدها من غيرها في الأصول ، وإن عقدت كلامية في الكلام ، وصح عقدها فرعية أو غيرها بلا كلام ، وقد عرفت في أوّل الكتاب أنه لا ضير في كون مسألة واحدة ، يبحث فيها عن جهة خاصة من مسائل علمين ، لانطباق جهتين عامتين على تلك الجهة ، كانت بإحداهما من مسائل علم ، وبالأخرى من آخر ، فتذكر.

______________________________________________________

أقول : أمّا وجود جهة كونها من المبادئ الأحكامية فإنّ المبادئ الأحكاميّة مباحث ترجع إلى البحث عن لوازم الحكم الشرعي المجعول كالبحث في أنّ الأمر بشيء يستلزم الأمر بمقدمته أو النهي عن ضدّه أم لا؟ وبتعبير آخر يستلزم وجوب شيء وجوب مقدمته أو حرمة ضده أم لا؟ ممّا يكون لتلك المباحث دخل في استنباط الحكم الشرعي على ما قيل ، وقد التزم المحقق النائيني قدس‌سره (١) أنّه يمكن أن تكون مسألة الاجتماع من المبادي الأحكامية حيث يبحث في هذه المسألة عن أنّ حرمة شيء ولو بعنوان يستلزم عدم تعلّق الوجوب به ولو بعنوان آخر ، كان التركيب بين العنوانين اتحاديّا أو انضماميا وكذا تعلق الوجوب به بعنوان يستلزم عدم تعلق النهي به ولو بعنوان آخر غاية الأمر البحث في استلزام وجوب المقدمة أو حرمة الضد انّما هو عن لازم حكم واحد وفي هذه المسألة عن لازم حكمين واستلزام كل منهما عدم الآخر.

وأمّا كونها من المبادئ التصديقيّة لمسائل علم الأصول فلأنّ المبادئ التصديقيّة لمسائله ما يترتب على نتائجها إحراز الموضوع لمسألة أصولية ، وحيث

__________________

(١) أجود التقريرات ١ / ٣٣٣.

٣٣٠

.................................................................................................

______________________________________________________

يترتب على مبحث جواز الاجتماع وعدم جوازه إحراز الموضوع لمسألة اقتضاء النهي للفساد فيكون البحث عنه من المبادئ التصديقيّة لتلك المسألة الأصوليّة.

وقد يقرّر كون البحث عنها من المبادئ التصديقية للمسألة الأصولية بتقريب آخر وهو إنّ البحث عن أحكام التعارض بين الأمارات ـ ومنها الخطابات ـ بحث عن مسألة أصولية وبالبحث في جواز الاجتماع وامتناعه يحرز أنّ خطاب الأمر بالصلاة أو الأمر بالوضوء مع خطاب النهي عن الغصب والتصرف في مال الغير بلا رضاه لا يجتمعان فيكونان من المتعارضين بالإضافة إلى المجمع هذا بناء على امتناع الاجتماع ، وأمّا بناء على جوازه كما في موارد التركيب الانضمامي والقول بعدم السراية فيهما يكون الخطابان بالإضافة إلى المجمع من المتزاحمين.

وقد اختار المحقّق النائيني قدس‌سره عدم كون المسألة يعني ـ بحث جواز الاجتماع وعدم جوازه ـ من مسائل علم الأصول حيث إنّ المسألة الأصوليّة هي التي تكون نتيجتها بمجرّدها مع انضمامها إلى صغراها ممّا يستنبط منها الحكم الشرعي الفرعي الكلّي ومبحث جواز الاجتماع وعدم جوازه ليس من هذا القبيل فإنّه لا بدّ في الاستنباط بعد إحراز الصغرى من ملاحظة أحكام التعارض بناء على امتناع الاجتماع وملاحظة أحكام التزاحم بناء على جواز الاجتماع ، وبالجملة يحرز بالبحث في جواز الاجتماع وعدمه امّا تحقّق التعارض في مورد الاجتماع أو التزاحم فيه فيكون البحث من المبادي التصديقية لإحدى المسألتين والمبادئ التصديقيّة في مقابل المبادئ التصوريّة التي يبحث فيها عن معنى الموضوع في المسألة كالبحث عن المراد بالخبر الواحد والمستفيض ونحو ذلك ممّا جعل موضوعا في مسائل

٣٣١

.................................................................................................

______________________________________________________

علم الأصول (١).

وأمّا وجود جهة المسألة الكلامية في بحث جواز الاجتماع وعدمه فقيل في وجهه انّ البحث عن الإمكان والامتناع مسألة كلاميّة كالبحث عن امكان التعبد بالامارة غير العلمية أو امتناعه ممّا ذكروه في مبحث امكان اعتبار الأمارات الظنية في دفع شبهة ابن قبة ، وربّما يقال كونها كلامية لدخول البحث عنها في مسألة قبح التكليف.

ولكن هذا مجرّد وهم ، فانّ الداخل في المسائل الكلامية مسألة قبح التكليف بما لا يطاق حيث وقع الخلاف فيها بين الأشاعرة والمعتزلة والإمامية ، والكلام في المقام كما يأتي في كون التكليف بالأمر بعنوان والنهي عن عنوان لهما مجمع بتركيب اتحادي أو انضمامي ، من التكليف المحال أم لا حتى مع وجود المندوحة.

كما أن جهة المسألة الفرعية في بحث جواز الاجتماع وعدمه كما هو ظاهر الماتن قدس‌سره فاسدة ، لأنّ صحة المجمع عبادة وسقوط الأمر بالإتيان به حكم شرعي عملي يستنبط من نتيجة هذه المسألة لا أنّ المبحوث عنه فيها هو ذلك كما لا يخفى.

ثمّ إنّ ما ذكر المحقق النائيني قدس‌سره في جهة خروج مسألة جواز الاجتماع وعدمه عن مسائل علم الأصول ودخولها في المبادئ التصديقية غير صحيح حتى لو قلنا بأنّ الملاك في كون مسألة أصولية أن يكفي نتيجتها بعد الضم إلى صغراها في استنباط الحكم الشرعي الفرعي الكلّي ، وذلك لأنّ كفايتها على تقدير ولو في مورد واحد موجبة لدخولها في المسائل الأصولية وإن لم تكن النتيجة على جميع التقادير

__________________

(١) أجود التقريرات ١ / ٣٣٣.

٣٣٢

الرابع : إنه قد ظهر من مطاوي ما ذكرناه ، أن المسألة عقلية [١] ، ولا اختصاص للنزاع في جواز الاجتماع والامتناع فيها بما إذا كان الإيجاب والتحريم باللفظ ، كما ربما يوهمه التعبير بالأمر والنهي الظاهرين في الطلب بالقول ، إلّا أنه لكون

______________________________________________________

وفي جميع الموارد كافية فمثلا مسألة اعتبار خبر الثقة القائم على الأحكام الشرعية الفرعية من المسائل الأصولية بلا كلام ولكن لو كانت نتيجة تلك المسألة عند شخص أو جماعة عدم اعتبار خبر الثقة بما هو خبر الثقة فلا يستنبط من ضم هذه النتيجة إلى صغراها حكم شرعي فرعي أصلا وانّما يستنبط بالضم لو كانت النتيجة اعتبار خبر الثقة ولكن على هذا التقدير أيضا لا يستنبط بضمها إلى صغراها مطلقا بل فيما لم يكن خبره مبتلى بالمعارض أو لم يكن في مدلوله إجمال ولو كان حكميا ، ومسألة جواز الاجتماع وعدمه أيضا كذلك ، فانّه لو قلنا بجواز الاجتماع في موارد التركيب الانضمامي يحكم بصحة العبادة في المجمع من غير ملاحظة أحكام التزاحم إذا اعتبرنا قيد المندوحة في المسألة أو لم نعتبر القيد ولكن كانت في البين مندوحة.

أضف إلى ذلك ما ذكرنا في تعريف مسائل علم الأصول من أنّ كل مسألة يكون لها الدخل في استنباط الحكم الفرعي الكلي ولم تنقّح في سائر العلوم تدخل في مسائل علم الأصول ولو كان الاستنباط منها محتاجا إلى ضم مسألة أخرى من مسائل الأصول دائما ، وعليه فلا حاجة في إدخال هذه المسألة في مسائل علم الأصول إلى التطويل أكثر من هذا.

مسألة الاجتماع من المباحث العقلية

[١] غرضه قدس‌سره من التعرض لهذا الأمر بيان أنّ مسألة جواز الاجتماع وعدمه وإن تذكر في كتب الأصول في قسم مباحث الألفاظ الراجعة مسائلها إلى البحث عن

٣٣٣

الدلالة عليهما غالبا بهما ، كما هو أوضح من أن يخفى ، وذهاب البعض إلى الجواز عقلا والامتناع عرفا ، ليس بمعنى دلالة اللفظ ، بل بدعوى أن الواحد بالنظر الدقيق العقلي اثنين ، وأنه بالنظر المسامحي العرفي واحد ذو وجهين ، وإلّا فلا يكون معنى محصلا للامتناع العرفي ، غاية الأمر دعوى دلالة اللفظ على عدم الوقوع بعد اختيار جواز الاجتماع ، فتدبر جيدا.

______________________________________________________

دلالة الألفاظ ومداليلها إلّا أنّ ذكر هذه المسألة فيها كذكر مسألتي اقتضاء الأمر بشيء الأمر بمقدمته ، أو النهي عن ضدّه في مباحث الألفاظ مع كونهما من المسائل العقلية لا ترجع إلى البحث في مداليل الألفاظ أصلا ، وعنوان المسألة بقولهم هل يجوز اجتماع الأمر والنهي في واحد مع ظهور الأمر والنهي في الطلب والمنع بالقول باعتبار أنّ الغالب في استفادة وجوب فعل أو حرمة ، الطلب والمنع من القول ، لا لأنّ للطلب والمنع به خصوصية ودخالة في ملاك البحث ومورد الخلاف.

ونقول في توضيح ذلك أنّ مع التركيب الانضمامي في المجمع بين متعلقي الوجوب والحرمة ـ على ما يأتي إن شاء الله تعالى ـ لا مانع من ثبوت الحرمة والوجوب بالإضافة إلى المجمع ، لكون المتعلّق لأحدهما خارجا غير المتعلق للآخر غاية الأمر انضمام أحدهما إلى الآخر أوجب الوهم بأنّ أحد الحكمين يسري إلى متعلّق الآخر ، وهذا الوهم ـ الموجب للخلاف والبحث ـ لا يختص بما كان استفادة الوجوب والحرمة من اللفظ.

وأمّا إذا كان التركيب في المجمع بين متعلّقي الوجوب والحرمة اتحاديّا فكون المجمع واحدا خارجا يوجب أن لا يتعلّق به الوجوب أو الترخيص في التطبيق مع تعلّق الحرمة به ، وكذا العكس ، ونتيجة ذلك أنّه لو كان في البين خطاب للوجوب المتعلّق بالفعل بعنوان وخطاب للحرمة بعنوان يتحدان في المجمع تقع المعارضة

٣٣٤

.................................................................................................

______________________________________________________

بين الخطابين بالإضافة إلى المجمع فلا بدّ من رفع اليد فيه عن أحدهما وعلى ذلك يكون البحث في المسألة في إمكان ثبوت الوجوب والحرمة بالإضافة إلى المجمع وعدم إمكانه ـ والمراد بالإمكان هو الوقوعي ـ فيصحّ عنوان البحث بأنّه يلزم عقلا من ثبوت الحكمين في المجمع محذور أم لا؟ أو يلزم في مورد التركيب الاتحادي دون الانضمامي ، وعلى كل تقدير فالمسألة عقليّة لا ترتبط بمباحث الألفاظ إلّا من جهة كون الطلب والمنع بالقول غالبا.

ثمّ إنّ المنسوب إلى بعض في المسألة ، الالتزام بجواز الاجتماع عقلا وامتناعه عرفا ويتوهّم من التفصيل المزبور أنّ المراد من الامتناع العرفي ، دخالة اللفظ بدلالة الأمر والنهي بالملازمة العرفية على عدم جواز ثبوت الحكمين للمجمع ، فيكون البحث في المسألة على هذا راجعا إلى دلالة الألفاظ ومداليلها ولو بالالتزام فتدخل في مباحث الألفاظ.

وأجاب قدس‌سره بأنّه لا دخل لخصوصية اللفظ في المبحوث عنه في المقام حتى عند هذا القائل فإنّ مراده أنّ المجمع بنظر العرف واحد وإن كان بنظر العقل متعددا لا من جهة أنّ للقول خصوصية لأنّه ليس للامتناع العرفي معنى محصّل غير ما ذكر إلّا أن يدّعى انصراف الأمر بعنوان إلى تعلق الوجوب بما لم يتعلّق به النهي ولو بعنوان آخر ، وكذا انصراف النهي عن عنوان إلى حرمة ما لم يتعلّق به الوجوب فهذه على تقديرها من دعوى دلالة الخطاب على عدم وقوع الاجتماع لا على امتناعه كما لا يخفى.

٣٣٥

الخامس : لا يخفى أن ملاك النزاع في جواز الاجتماع والامتناع يعم جميع أقسام الإيجاب والتحريم [١] ، كما هو قضية إطلاق لفظ الأمر والنهي ، ودعوى

______________________________________________________

جريان النزاع في جميع أقسام الأمر والنهي

[١] ذكروا أنّ دلالة اللفظ على معنى مع فقد القرينة الخاصة تكون بالوضع أو بالانصراف أو بالإطلاق ، والظهور الانصرافي متوسط بين الظهور الوضعي والإطلاقي حيث لا وضع لتكون الدلالة على المعنى وضعيّة ولا يحتاج إلى ملاحظه مقدمات الحكمة لتكون بالإطلاق وبما أنّ دلالة الألفاظ على معنى خاص لا تكون ذاتيّة ولا بدّ لها من موجب فالموجب للدلالة الانصرافية هي القرينة العامّة وتدخل فيها غلبة استعمال اللفظ فيه وندرة استعماله فيما وضع له ولكن بنحو لا يحتاج استعماله فيما وضع له إلى لحاظ العلاقة واعمال العناية فلا يصل الانصراف إلى حدّ الوضع التعيّني لتدخل دلالته على المعنى الشائع استعماله فيه في الدلالة الوضعية.

وكلام الماتن قدس‌سره أنّ الدلالة الانصرافيّة في كلّ من مادّتي الأمر والنهي وصيغتهما إلى الوجوب النفسي التعييني العيني والحرمة النفسيّة التعيينية العينيّة غير موجودة بل الموجود دلالة كل من مادتهما وصيغتهما على ما ذكر بالإطلاق وبمعونة مقدمات الحكمة عند استعمالهما في مقام إنشاء الطلب ، حيث إنّ مقتضى مقدمات الحكمة في ذلك المقام هو أنّ الوجوب نفسي لا غيري ، تعييني لا تخييري ، عيني لا كفائي وهكذا الحال في ناحية الحرمة النفسية والتعيينية والعينيّة ، وذلك فإنّه لا يمكن عند استعمالهما في مقام إنشاء الطلب بفعل أو ترك أن يكون المنشأ حكما نفسيا وغيريا ، تعيينيا وتخييريا ، عينيا وكفائيا ، وهذا بخلاف استعمالهما في المقام أي في عنوان النزاع حيث لم يستعملا في مقام إنشاء الطلب ، بل جريان ملاك النزاع في جميع أقسام الأمر والنهي وكذا شمول ما ذكر من الدليل على القولين من جواز الاجتماع أو

٣٣٦

الانصراف إلى النفسيين التعيينيين العينيين في مادتهما ، غير خالية عن الاعتساف ، وإن سلم في صيغتهما ، مع أنه فيها ممنوع.

نعم لا يبعد دعوى الظهور والانسباق من الإطلاق ، بمقدمات الحكمة الغير

______________________________________________________

امتناعه قرينة على إرادة جميع الأقسام مثلا إذا أمر بالصلاة أو الصوم تخييرا بينهما وكذلك نهى تخييرا عن التصرف في دار خاصة أو المجالسة مع الأغيار ، فإن صام المكلّف وتصرف في الدار بغير الصلاة فيها وجالس الأغيار فقد ارتكب الحرام بالتصرف في الدار ومجالسة الأغيار حيث كان المطلوب للمولى ترك أحدهما ولكن أطاع الأمر التخييري بالصوم ، وأمّا إذا صلّى في تلك الدار وجالس الأغيار لكانت طاعته بإتيان الصلاة فيها مبنية على جواز اجتماع الأمر والنهي.

ولا يخفى أنّه لو قلنا باعتبار المندوحة في مسألة الاجتماع فالمندوحة في موارد الأمر التخييري متحقّقة ولا يكون الأمر التخييري مع حرمة عنوان يتّحد مع أحد فردي التخيير من التكليف بما لا يطاق فانّ الأمر بالجامع يمكن امتثاله بغير ذلك الفرد ، ولو فرض كون النهي أيضا تخييريا كما إذا نهى عن التصرف في دار مخصوصة أو مجالسة الأغيار تخييرا مع الأمر بالصوم أو الصلاة فإن صام المكلّف وتصرف في الدار المزبورة بغير الصلاة وجالس الأغيار فقد ارتكب الحرام وامتثل الواجب بلا كلام ، وإذا صلّى فيها مع مجالسة الأغيار فصحة الصلاة مبني ـ كما ذكرنا ـ على مسألة جواز الاجتماع في مورد التركيب الاتحادي أيضا ، ولكن الحرام لا يتّحد مع الواجب إلّا فيما إذا صلّى في تلك الدار بعد مجالسة الأغيار أو في زمان مجالسته معهم ، وأمّا إذا صلّى فيها قبل مجالستهم ثمّ جالسهم تكون الصلاة امتثالا للواجب بلا حرمة أصلا لأنّ مرجع الحرمة التخييرية على ما ذكر الماتن قدس‌سره إلى حرمة الجمع بين الفعلين فلا يكون للأول منهما حرمة أصلا.

٣٣٧

الجارية في المقام ، لما عرفت من عموم الملاك لجميع الأقسام ، وكذا ما وقع في البين من النقض والإبرام ، مثلا إذا أمر بالصلاة والصوم تخييرا بينهما ، وكذلك نهى عن التصرف في الدار والمجالسة مع الأغيار ، فصلى فيها مع مجالستهم ، كان حال الصلاة فيها حالها ، كما إذا أمر بها تعيينا ، ونهى عن التصرف فيها كذلك في جريان النزاع في الجواز والامتناع ، ومجيء أدلة الطرفين ، وما وقع من النقض والإبرام في البين ، فتفطن.

______________________________________________________

وقد ذهب سيدنا الاستاذ قدس‌سره إلى أنّه لا يجري النزاع في مبحث الاجتماع فيما إذا كان كل من الوجوب والحرمة تخييريا فإنّه لا منافاة بين وجوب كل من الفعلين بنحو التخيير بأن يجب كل من الفعلين بشرط انفراده عن الآخر أو على نحو تعلق الوجوب بالجامع بين الفعلين ، وبين تعلّق الحرمة التخييرية حيث لا يكون بين الوجوب والحرمة تناف لا بحسب مبدأ الحكمين ولا بحسب منتهاهما فإنّ الحرمة التخييرية عبارة عن تعلّق الحرمة بمجموع الفعلين فيمكن أن يكون في كل من الفعلين حال عدم لحوق الآخر به مصلحة ملزمة ومع ذلك يكون في المجموع من أحدهما وفعل الآخر مفسدة ملزمة ، والغرض من الإيجاب التخييري الإتيان بأحدهما والغرض من النهي التخييري عدم الجمع بين أحدهما غير المعيّن والفعل الآخر (١).

ولكن لا يخفى ما فيه فإنّ مورد البحث في جواز الاجتماع ما إذا كان الواحد معنونا بعنوانين تعلّق الأمر بأحد العنوانين والنهي بالعنوان الآخر وإذا فرض في الوجوب التخييري تعلّق الوجوب بالجامع وهو عنوان أحدهما فليس معناه أن يحصل أحد العدلين بشرط عدم حصول العدل الآخر ، وكذا إذا فرض تعلق الحرمة

__________________

(١) المحاضرات ٤ / ١٨٧.

٣٣٨

.................................................................................................

______________________________________________________

التخييرية بعنوان الجمع بين الفعلين فعنوان الجمع ينطبق على الإتيان بثانيهما وعليه فإذا أتى المكلّف ـ في المثال ـ بالصلاة في الدار المغصوبة بعد مجالسته الأغيار ينطبق على الصلاة عنوان الواجب وهو أحد الأمرين من الصوم والصلاة ، وعنوان المحرّم وهو الجمع بين الغصب ومجالسة الأغيار كما لا يخفى.

وممّا ذكرنا يظهر أنّ دعوى عدم جريان النزاع في موارد كون الحرمة تخييرية ـ لأنّ الحرمة التخييرية لا معنى لها إلّا تعلّقها بالفعلين معا بأن يكون كل من الفعلين جزءا لما تعلّق به النهي بأن تعلّقت حرمة واحدة بمجموع الفعلين بحيث يكون المفسدة فيهما معا لا فيما انفرد أحدهما عن الآخر في التحقق ـ لأنّ النزاع في مسألة الاجتماع يختصّ بما كان متعلّق كل من الوجوب والحرمة عنوانا جامعا فاسدة ـ ووجه الفساد إمكان تصوير الجامع في موارد الحرمة التخييرية بأن تتعلق الحرمة بعنوان الجمع بينهما المنطبق على ما يأتي به المكلف من العدل الثاني بعد الإتيان بالأوّل منهما ، نظير انطباق عنوان الجمع بين الاختين في النكاح على المعقودة ثانية ، نعم لو عقد عليهما بعقد واحد أو في زمان واحد بطل نكاحهما لأنّ انطباق عنوان الجمع على عقد أحدهما دون الآخر ترجيح بلا مرجح ، ولا يختص ما ذكرنا من التصوير بموارد التركيب الاتحادي بل يجري في موارد التركيب الانضمامي أيضا ، كما إذا أمر بالوضوء أو التيمم تخييرا ونهى عن التصرف في مكان خاص ومجالسة الأغيار تخييرا وبعنوان الجمع كما ذكرنا ولو فرض أنّ المكلف بعد ما جالس الأغيار توضّأ في مكان يلزم منه انصباب غسالته في المكان الذي نهي عن التصرف فيه تخييرا فإنّ مصداق الواجب التخييري في الفرض ينضم إليه ما هو معنون بعنوان الجمع في التصرف في ذلك المكان ومجالسته الأغيار كما لا يخفى.

٣٣٩

السادس : إنه ربما يؤخذ في محل النزاع قيد المندوحة [١] في مقام الامتثال ،

______________________________________________________

ثمّ إنّ المقام يناسب التعرض لأمر وهو أنّ جريان الخلاف في جواز الاجتماع في موارد الأمر الغيري ـ مع النهي عن عنوان قد ينطبق على نفس القيد في الواجب النفسي ـ لا يتوقف على ثبوت الأمر الغيري بالمقدمة ، بل ثبوته وعدم ثبوته على حد سواء في جريان الخلاف وعليه فاذا كان ساتر المصلي مغصوبا بأن ستر عورتيه بثوب غصبي وصلّى فيه وإن لم نقل بتعلق الوجوب الغيري بنفس الستر ـ أي طبيعي الستر المقيّد به الصلاة كما اخترنا في بحث المقدمة ـ فصحة الصلاة في ذلك الساتر مبني على مسألة جواز اجتماع الأمر والنهي ، فإنّ الوجوب النفسي لم يتعلّق بمطلق الصلاة بل بالحصة منها التي نعبّر عنها بالصلاة المتقيدة بطبيعي ستر العورة فالعنوان المنهي عنه ينطبق على نفس مصداق القيد فهذه الموارد من موارد التركيب الاتحادي التي لا يمكن تصحيح العبادة في المجمع ـ بناء على تقديم خطاب النهي ـ حتى بالترتّب وذلك فإنّه لو فرض الترخيص في تطبيق الحصة المأمور بها من الصلاة على تلك الحصة الّتي في المجمع فبما أنّ التقيد داخل في متعلق الأمر النفسي لا يمكن الترخيص الضمني في إيجاده لأنّه لا يوجد إلّا بإيجاد الحرام ، والترخيص الترتبي والمعلّق على تقدير حصول الستر بالمغصوب في تلك الحصة أيضا غير معقول وانّما المعقول الترخيص في إتيان مطلق الصلاة التي هي ليست مأمورا بها كما لا يخفى فتدبر.

اعتبار قيد المندوحة وعدمها

[١] هذا الأمر لبيان عدم الوجه لاعتبار المندوحة في مورد الخلاف في مسألة جواز الاجتماع وبيان ما ذكره الماتن قدس‌سره :

٣٤٠