دروس في مسائل علم الأصول - ج ٢

آية الله الميرزا جواد التبريزي

دروس في مسائل علم الأصول - ج ٢

المؤلف:

آية الله الميرزا جواد التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات دار الصديقة الشهيدة عليها السلام
المطبعة: نگين
الطبعة: ٢
ISBN: 978-964-8438-61-1
ISBN الدورة:
978-964-94850-1-0

الصفحات: ٤٠٨

وأما من جهة لزوم عدم اختلاف المتلازمين في الوجود ، في الحكم ، فغايته أن لا يكون أحدهما فعلا محكوما بغير ما حكم به الآخر [١] ، لا أن يكون محكوما

______________________________________________________

تحقّق المأمور به كما إذا أمره المولى بحفر موضع وقد وضع المكلف أو غيره حجرا كبيرا في ذلك الموضع بحيث لا يمكن حفره إلّا برفع ذلك الحجر ففي مثل ذلك لا يكون ترك الوضع مقدمة لفعل المأمور به ولكن بعد وضعه يكون رفعه عن الموضع مقدّمة للحفر ، بلا فرق بين القول بأنّ بقاء الحجر في ذلك الموضع يحتاج إلى علّة أو قيل باستغنائه في البقاء فيه عن العلة حيث إنّ قدرة المكلف على مباشرة الحفر موقوف على رفع الحجر عن ذلك الموضع وهذا ملاك المقدميّة على ما تقدّم.

وعليه فإن أراد المحقّق الخونساري قدس‌سره كون رفع الضد مقدّمة لفعل المأمور به في نظائر ذلك فلا بدّ من الالتزام به ولكن هذا ليس من باب مانعية الفعل بقاء بل من جهة مانعية أثره.

وإن أراد أنّ فعل الضد بمعناه المصدري مانع عن المأمور به ، وتركه مقدمة لفعل المأمور به فقد تقدم عدم الفرق بين تركه حدوثا أو تركه بقاء في أنّ الفاعل يتمكن من صرف قدرته في أحد الأمرين امّا الاستمرار في الفعل الذي شرع أو الإتيان بالمأمور به من غير أن يكون ترك الاستمرار مقدمة لفعل المأمور به أو ترك المأمور به مقدمة للاستمرار على فعل الضد.

التلازم بين الضدين

[١] هذا هو الوجه الثاني للقول بأنّ الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضده الخاصّ ولعلّ نظر المستدل «من عدم جواز اختلافهما في الحكم» إلى أنّ اختلاف المتلازمين في الحكم يستلزم التكليف بما لا يطاق أو عدم إمكان الجمع بين مقتضى

١٨١

بحكمه.

وعدم خلو الواقعة عن الحكم ، فهو إنما يكون بحسب الحكم الواقعي لا الفعلي ، فلا حرمة للضد من هذه الجهة أيضا ، بل على ما هو عليه ، لو لا الابتلاء بالمضادة للواجب الفعلي ، من الحكم الواقعي.

______________________________________________________

المأمور به مع مقتضى ضده ، مثال الأوّل كما إذا أمر الخراساني باستقبال القبلة في صلاته ونهي عن استدباره الجدي فيها ، فانّ التكليفين من قبيل التكليف بما لا يطاق حيث إنّ استقبال القبلة في خراسان يلازم استدبار الجدي والثاني كما إذا أمره بالحج وأباح أضداده.

والجواب عن ذلك : أنّ غاية ما ذكر هو عدم جواز اختلاف المتلازمين في الحكم ولكن لا يلزم منه اتفاقهما فيه فيجوز أن يكون الضدّ الخاصّ للمأمور به غير محكوم بالحرمة ولا بغيرها من الأحكام.

لا يقال : كيف يمكن ذلك مع الالتزام بعدم خلوّ الواقعة عن الحكم ، فإنّ الماتن قدس‌سره أجاب : بأنّ الواقعة لا تخلو عن الحكم الواقعي الإنشائي ، ولكن يمكن خلوّها عن الحكم الفعلي ، وبتعبير آخر ترتفع الفعلية عن الحكم الواقعي بالابتلاء بالمضادة للمأمور به فيكون الضد محكوما بالحكم الذي كان فعليا لو لا الابتلاء بها ، من غير ثبوت حكم فعلي آخر عند المضادة.

أقول : إذا كان الضدان ممّا لهما ثالث فثبوت الوجوب لأحدهما لا يمتنع عن الحكم بالآخر بالاباحة أو الاستحباب أو الكراهة حيث إنّ كل واحد من الأحكام أمر اعتباري مستقلّ يحتاج في اعتباره إلى ملاكه الخاص وغرض خاص لئلّا يكون اعتباره بلا ملاك أو من اللغو وعليه فيمكن مع الأمر بأحد الضدين ثبوت الاباحة بالمعنى الأخصّ للضد الآخر إذا لم يكن لهما ثالث ، ولسائر الأضداد إذا كان لهما

١٨٢

.................................................................................................

______________________________________________________

ثالث ، لعدم ثبوت ملاك ملزم في فعله أو تركه ، ولئلّا يتوهّم المكلّف لزوم الإتيان به على تقدير ترك الواجب ، أو لزوم تركه أيضا فيما إذا ترك الواجب أو يتوهّم استحبابه أو كراهته وبالجملة مع وجود أحد الضدين لا يمكن إيجاب الآخر أيضا مطلقا فانّ إيجابهما كذلك من التكليف بما لا يطاق.

نعم يمكن ايجاب الآخر مترتّبا إذا كان لهما ثالث كما يأتي.

وأمّا إذا لم يكن لهما ثالث فلا يجرى فيه الترتّب كما يأتي ، فانّ الأمر به على تقدير ترك الضد الواجب من قبيل الأمر بتحصيل الحاصل ، ولكن يمكن مع ايجاب أحدهما إباحة الآخر لئلّا يحتمل المكلف تعدد عقابه على ترك الواجب أو يحتمل ملاكا ملزما فيه أيضا وبالجملة اختلاف المتلازمين في حكمهما أمر ممكن لا محذور فيه.

ثمّ إنّ قول المستدل : «المتلازمان لا يختلفان في الحكم» يستلزم ثبوت الحكم بلا ملاك على تقدير كون مراده عدم الاختلاف في الحكم النفسي وإن كان مراده الحكم الغيري فلا يمكن المساعدة عليه أيضا فانّ مع ثبوت التكليف في الواجب واستقلال العقل بموافقته لا حاجة إلى جعل الأمر الغيري في لازمه مع أنّه يستلزم المحذور في بعض الفروض وهو جواز ترك الواجب فيما إذا ابتلى المكلف بالواجب الأهم وتركه عصيانا فانّ الأمر الغيري بترك ضده الخاص يمنع من تعلق الأمر بذلك الضد على نحو الترتب الذي مضى في بحث المقدمة من امكان الأمر به على نحو الترتب مع الحرمة الغيرية للضد.

وممّا ذكرنا يظهر فساد الشبهة المنسوبة إلى الكعبي بانتفاء المباح ، فإنّه إن أراد بانتفائه كون ترك الضد مقدمة لفعل الواجب فقد تقدم عدم مقدمية ترك الضد وإن

١٨٣

.................................................................................................

______________________________________________________

أراد أنّ المتلازمين لا يختلفان في الحكم فقد ذكرنا اختلافهما وان اتفاقهما في الحكم بلا ملاك وبلا موجب.

وأمّا ما ذكره الماتن قدس‌سره من عدم خلوّ الوقائع عن الأحكام الإنشائية فقد بيّنا أنّ الحكم الإنشائي بالمعنى الذي ذكره ليس بحكم وتكليف أصلا مع أنّ معتبرة عمر بن حنظلة عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث قال : ... قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : حلال بيّن وحرام بيّن وشبهات بين ذلك الخبر (١) ، ظاهرة في انحصار الأفعال في المحلّل والمحرم فعلا وجعلا كما لا يخفى.

وذكر المحقق النائيني قدس‌سره أنّه على تقدير الالتزام بعدم إمكان اختلاف المتلازمين في الحكم يتعيّن التفصيل بين ما كان المأمور به مع ضدّه الخاصّ من الضدين الذين ليس لهما ثالث كالحركة والسكون فيقتضي الأمر بأحدهما النهي عن الآخر باللزوم البيّن بمعناه الأعم ، يعني إذا لوحظ المأمور به مع ضده يحكم بأنّ الثاني منهي عنه ، وبين ما إذا كان لهما ثالث فانّه لا يقتضي النهي عن ضده الخاصّ أصلا لا النهي عن الجامع بين الأضداد الخاصة ولا عن كل واحد من الأضداد بخصوصه ، وذكر في وجه هذا التفصيل ، أنّ وجود الضد في الأوّل يلازم ترك المأمور به كما أنّ وجود المأمور به يلازم تركه ، مثلا الأمر بالحركة وإن لم يكن عين النهي عن السكون ولا جزئه ولا لازمه باللزوم البين بمعناه الأخصّ وأن يكون الأمر بالحركة موجبا للانتقال إلى النهي عن السكون فإنّ الأمر بالحركة لا يوجب الانتقال إلى السكون دائما فضلا عن الانتقال إلى النهي عنه ، إلّا أنّه يقتضيه بالمعنى الأعمّ ، وهذا

__________________

(١) الوسائل : ١٨ / ١١٤ ، باب ١٢ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٩.

١٨٤

.................................................................................................

______________________________________________________

بخلاف ما إذا كان المأمور به مع ضدّه الخاص ممّا لهما ثالث ، فإنّ عنوان أحد الأضداد الجامع بين الأضداد الخاصة للمأمور به عنوان انتزاعي يشير إلى وجودات الأضداد التي هي منشأ انتزاعه ولا جامع متأصل بينها ليمكن تعلّق النهي به ولا يتعلق النهي بكل واحد من الأضداد حيث إنّ ملاك تعلّق النهي بالضد هو كون وجوده ملازما لترك المأمور به وتركه ملازما لوجوده وهذا الملاك غير حاصل فيما كان لهما ثالث لإمكان تركهما إلى ذلك الثالث.

ثمّ أردف قدس‌سره هذا الكلام بقوله : إنّ الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضدّه العام ـ أي النقيض للمأمور به ـ باللزوم البيّن بمعناه الأخص وكذا فيما كان التقابل بين المأمور به وضدّه من تقابل العدم والملكة كما في التكلّم فانّ الامر به نهي عن السكوت باللزوم البين بمعناه الأخصّ بناء على أنّ السكوت عدم التكلم ممّن هو قابل للتكلّم فانّ مجرّد اعتبار القابليّة للوجود في مورد العدم لا يوجب افتراقه عن الضدّ العامّ.

والحاصل أنّ الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضده الخاص باللزوم البيّن بالمعنى الأعم فيما لم يكن لهما ثالث ولا يقتضيه فيما كان لهما ثالث كما أنّه يقتضي النهي عن ضده العام أو ما يكون التقابل بينه وبين المأمور به بالعدم والملكة باللزوم البيّن بمعناه الأخص (١).

أقول : يرد عليه أوّلا ، أنّه لو كان الامر بالحركة مقتضيا للنهي عن السكون باللزوم البيّن بمعناه الأعمّ بمعنى حكم العقل بأنّ الآمر بالحركة لا يرضى بالسكون فيما إذا

__________________

(١) أجود التقريرات : ١ / ٢٥٢ ، و ٢ / ٨ ، ط مؤسسة صاحب الأمر (عج).

١٨٥

.................................................................................................

______________________________________________________

التفت إلى السكون فهذا يجري بعينه حتى في الضدين الذين لهما ثالث ، لأنّ الملاك في عدم الرضا بالثاني هو كونه ملازما لترك الأوّل وهذا الملاك موجود في الضدين مطلقا وكون ترك المأمور به ملازما لفعل الضد المزبور في الأوّل دون الثاني لا يرتبط بملاك عدم رضا الآمر غاية الأمر يكون الاقتضاء في الضدين الذين لهما ثالث بالاضافة إلى أحد الأضداد على نحو صرف الوجود لا إلى ضد خاصّ على التعيين ، وكون الجامع بين الاضداد انتزاعيا لا يمنع عن تعلّق النهي به واقتضائه ترك منشأ انتزاعه كما يأتي بيانه في الواجب التخييري.

نعم الصحيح كما تقدم عدم الاقتضاء أصلا فانّ المجعول على المكلّف تكليف واحد والمجعول عليه هو الفعل وهو إيجاد متعلق التكليف ولا يوجب ذلك تحريم تركه فضلا عن تحريم ما يلازم مع الترك من الضدّ الخاص كما نتعرض لذلك في بيان عدم اقتضاء الأمر بشيء للنهي عن ضده العام.

وثانيا ، التفرقة بين الضد الخاص والمأمور به إذا لم يكن لهما ثالث وبين الضد العام إذا كان لهما ثالث سواء كان التقابل بينه وبين المأمور به بالسلب والإيجاب أو بالعدم والملكة ، بأنّ الاقتضاء في الأوّل بنحو اللزوم البيّن بالمعنى الأعم وفي الثاني بنحو البيّن بالمعنى الأخصّ لا يمكن المساعدة عليها ، حيث إنّه قد يامر المولى عبده بفعل ولا يتبادر إلى ذهنه الترك أبدا لينهى عنه حتى بعد الامر ولحاظه كما هو ظاهر.

١٨٦

الأمر الثالث : إنه قيل بدلالة الأمر بالشيء بالتضمن على النهي عن الضد العام [١] ، بمعنى الترك ، حيث إنه يدلّ على الوجوب المركب من طلب الفعل والمنع عن الترك. والتحقيق إنه لا يكون الوجوب إلّا طلبا بسيطا ، ومرتبة وحيدة أكيدة من الطلب ، لا مركبا من طلبين ، نعم في مقام تحديد تلك المرتبة وتعيينها ، ربما يقال : الوجوب يكون عبارة من طلب الفعل مع المنع عن الترك ، ويتخيل منه أنه يذكر له حدا ، فالمنع عن الترك ليس من أجزاء الوجوب ومقوماته ، بل من خواصه ولوازمه ، بمعنى أنه لو التفت الآمر إلى الترك لما كان راضيا به لا محالة ، وكان يبغضه البتة.

______________________________________________________

الضد العام

[١] قيل إنّ الوجوب عبارة عن طلب الفعل مع المنع من تركه ، فما يدلّ على وجوب الفعل بالمطابقة يدلّ على النهي عن تركه بالتضمّن.

وأورد عليه كما عن الماتن قدس‌سره بأنّ المنع من الترك غير داخل في معنى وجوب الفعل بل الوجوب كالاستحباب ليس إلّا طلب الفعل ، غاية الأمر يكون الطلب في موارد الاستحباب بمرتبة بحيث لا يلزم المنع من ترك الفعل ، بخلاف الوجوب فانّه مرتبة من الطلب يلزمه المنع من تركه ، والمراد من المنع من الترك في المقام ، كون طلب الفعل بحيث لو التفت الآمر إلى تركه لا يرضى به بل يبغضه لا محالة فيكون اللزوم بيّنا بالمعنى الأعم وحيث إنّ لازم الشيء خارج عنه فلا يصحّ القول بأن الأمر بالشيء ووجوبه عين النهي عن ضدّه العام بل يكون وجوبه مقتضيا للمنع من الترك بنحو اللزوم.

نعم يمكن أن يطلق على الأمر بالشيء أنّه نهي عن ضده العام من باب المجاز

١٨٧

ومن هنا انقدح أنه لا وجه لدعوى العينية ، ضرورة أن اللزوم يقتضي الاثنينية ، لا الاتحاد والعينية.

نعم لا بأس بها ، بأن يكون المراد بها أنه يكون هناك طلب واحد ، وهو كما يكون حقيقة منسوبا إلى الوجود وبعثا إليه ، كذلك يصح أن ينسب إلى الترك بالعرض والمجاز ويكون زجرا وردعا عنه ، فافهم.

______________________________________________________

في الإسناد بأن يكون الطلب المضاف إلى الفعل مضافا إلى ترك ترك ذلك الفعل بالعرض والمجاز.

أقول : الصحيح أنّ وجوب الفعل لا يقتضي النهي عن ضده العام لا بنحو اللزوم البين بمعناه الأخص كما تقدم عن المحقّق النائيني قدس‌سره ، ولا بمعناه الأعم كما هو ظاهر الماتن قدس‌سره وذلك لأنّ طلب الفعل والبعث إليه المعبر عنه بالوجوب ، لا يكون معه ترخيص ورضا بالترك ، لا أنّه يكون معه المنع من تركه ، سواء كان المنع من الترك بالزجر عنه ، أو طلب ترك ترك الفعل ، أو حتى بغض تركه فانّ المبغوض في موارد ايجاب الفعل لو كان فهو نفس المكلف التارك لذلك الفعل ، لا ترك الفعل ، فإنّ المفسدة في الترك غير موجودة ليكون الترك مبغوضا ، بخلاف موارد تحريم الفعل فانّه ناش من المفسدة فيه ، توجب كون الفعل مبغوضا للمولى.

والحاصل أنّ الثابت في موارد وجوب الفعل محبوبيّة ذلك الفعل ، لا مبغوضية الترك ، ولهذا لو كانت محبوبيّته في نفس الترك من غير فساد في الفعل فالنهي لا يتعلّق بالفعل حقيقة ، بل هو من إيجاب الترك نظير نهي الصائم عن الأكل والشرب وغيرهما من المفطرات إذ مع وجوب الترك ـ لما فيه من المصلحة الملزمة ـ يكون النهي حقيقة عن الفعل بلا ملاك كما أنّ الأمر بالترك مع وجود الفساد في الفعل ، يكون كذلك.

١٨٨

الأمر الرابع : تظهر الثمرة في أن نتيجة المسألة ، وهي النهي عن الضد بناء على الاقتضاء ، بضميمة أن النهي في العبادات يقتضي الفساد [١] ، ينتج فساده إذا كان عبادة.

______________________________________________________

والذي يكشف عن عدم الملازمة بين ايجاب الفعل والنهي عن تركه تصريح الآمر بأنّه ليس له حكم إلّا طلب الفعل فالطلب الموصوف بالإطلاق هو الوجوب بخلاف الاستحباب فانّ الطلب فيه يوصف بانّ معه ترخيص في الترك.

وبالجملة النهي النفسي عن الترك يحتاج إلى مفسدة فيه والمفروض وجود المصلحة الملزمة في الفعل ، والنهي الغيري عن الترك يتوقف على المقدميّة والتوقّف ، ولا مقدميّة في رفع الترك حيث إنّ رفع الترك عين الفعل خارجا.

وإن شئت قلت عدم الرضا بالترك مع طلب الفعل لمصلحة ملزمة فيه ، لا يقتضي مبغوضية الترك والمنع منه.

ثمرة البحث عن الضد الخاص

[١] قد أنكر بعض الأعيان الثمرة وبنى على صحة العبادة التي هي ضد خاصّ للمأمور به حتى بناء على اقتضاء الأمر بالشيء النهي عن ضده الخاصّ ، بدعوى أنّ هذا النهي على تقديره غيري والنهي الغيري غير ناش عن مفسدة في متعلّقة بل هو باق على ما كان عليه قبل النهي عنه من المصلحة والملاك وسيأتي أنّ المصلحة والملاك في العمل يكفي في صحة وقوعه عبادة ، ويقابل هذا القول ما حكى عن الشيخ البهائي قدس‌سره من حكمه ببطلان العبادة التي هي ضد للمأمور به حتى على القول بعدم الاقتضاء ، وذلك فإن الأمر بفعل وإن لم يقتض النهي عن ضده الخاص إلّا أنّه يقتضي عدم الأمر به لامتناع الأمر بالضدين معا وعدم الأمر بعبادة كاف للحكم

١٨٩

وعن البهائي رحمه‌الله أنه أنكر الثمرة ، بدعوى أنه لا يحتاج في استنتاج الفساد إلى النهي عن الضد ، بل يكفي عدم الأمر به ، لاحتياج العبادة إلى الأمر.

وفيه : إنه يكفي مجرد الرجحان والمحبوبية للمولى ، كي يصح أن يتقرب به منه ، كما لا يخفى ، والضد بناء على عدم حرمته يكون كذلك ، فإن المزاحمة على هذا لا يوجب إلّا ارتفاع الأمر المتعلق به فعلا ، مع بقائه على ما هو عليه من ملاكه من المصلحة ، كما هو مذهب العدلية ، أو غيرها أيّ شيء كان ، كما هو مذهب الأشاعرة ، وعدم حدوث ما يوجب مبغوضيته وخروجه عن قابلية التقرب به كما حدث ، بناء على الاقتضاء.

______________________________________________________

ببطلانها.

وقد التزم الماتن قدس‌سره بالثمرة وبنى على صحة العبادة التي هي ضد للمأمور به على القول بعدم اقتضاء الأمر بالشيء النهي عن ضدّه الخاص إذ بناء عليه تبقى العبادة بعد الأمر بضدها على ما كانت عليه من المحبوبية والملاك ويكفي في عباديّة العمل كونه ذا ملاك ، ويحصل التقرب المعتبر في العبادة بالإتيان بداعي استيفاء ذلك الملاك.

وهذا بخلاف القول بالاقتضاء فانّه بناء عليه تخرج العبادة عن قابليّة التقرب لفقد الملاك بحدوث المبغوضية فيها ولو كانت غيريّة.

ثمّ إنّه لمّا كان لقائل ان يقول ـ بناء على مسلك الأشعري المنكر للمصالح والمفاسد في متعلقات الأحكام ـ لا بدّ من الالتزام بفساد العبادة التي هي ضد للمأمور به ولو على القول بعدم الاقتضاء لعدم الملاك على هذا المسلك ليوجب صحتها عبادة.

أشار إلى دفعه بقوله : «أو غيرها أي شيء كان الخ» يعني بناء على عدم

١٩٠

.................................................................................................

______________________________________________________

الاقتضاء فلا بدّ من الالتزام بالصحة على مسلك الأشعري أيضا فانّ العبادة بناء على الاقتضاء باقية على ما كانت عليه من الملاك أيّ شيء كان ولو لم يكن من سنخ المصلحة في الفعل ، فيكون العمل بداعي ذلك الملاك كافيا في حصول التقرب المعتبر في العبادة.

أقول : لا يخفى أنّه ـ بناء على كون الامر غير تابع لمصلحة في نفس الأمر ولا في متعلّقه كما هو رأي الأشعري وأنّ الحسن ما أمر به الشارع ـ لم يكن وراء الأمر بالفعل عبادة ، شيء يوجب قصده صحتها ، ومع فرض عدم الأمر بفعل ولو لاقتضاء الأمر بضدّه لا يكون الإتيان به بنحو العبادة والقرب المعتبر فيها ممكنا حيث إنّ المقرّب هو قصد الأمر ، والمفروض أنّه ليس وراء الأمر بالفعل مصحّح آخر للقرب ، والحاصل أنّه لو أحرز أنّ العبادة التي هي ضد للمأمور به واجدة لملاكها الملزم حتى مع الأمر بضدّها ، صحّ التقرب بها بالإتيان بها بداعي كونها ذا ملاك ملزم ولو قيل بأنّ الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضده الخاصّ ، لأنّ النهي عن الضد غيريّ والنهي الغيري كما ذكرنا لا يوجب تغيّر العبادة عما هي عليه من المحبوبيّة النفسيّة ولا يوجب عدم صحة التقرب من فاعلها.

وما يظهر من كلام الماتن قدس‌سره من أنّ النهي الغيري يوجب مبغوضية متعلّقه فلا يصلح للتقرب به ، لا يمكن المساعدة عليه فانّ النهي الغيري معناه أنّ النهي أنشأ لأجل الإتيان بضدّه المأمور به فقط لا لذهاب المحبوبيّة الذاتية عن متعلق النهي الغيري.

نعم قد تقدم سابقا أنّ الحكم بالصحة ووقوع الفعل عبادة حتى مع النهي

١٩١

.................................................................................................

______________________________________________________

الغيري ، يتوقف على إحراز الملاك الملزم فيه حتى مع ذلك النهي وحيث إنّ الكاشف عن الملاك إمّا تعلّق الأمر بالعمل أو اطلاق متعلّق الأمر بالإضافة إليه ومع تعلّق النهي الغيري لم يمكن كشف الملاك في متعلّقه ، إذ لا أمر متعلّق به ولا اطلاق لمتعلّق التكليف بالإضافة إليه ، فمن أين يستكشف الملاك الملزم فيه؟

الثمرة في التزاحم بين الواجب الموسّع والمضيق

ثمّ لا يخفى أنّه لو كانت العبادة من قبيل الواجب الموسّع وضده المأمور به من قبيل المضيق ، نلتزم بظهور الثمرة ، فبناء على الاقتضاء لا يحكم بصحة الفرد من الموسّع المزاحم للمأمور به المضيق ، لا لأجل تعلّق النهي بذلك الفرد الموجب لمبغوضيّته ، ليقال إنّ النهي غيري والنهي الغيري لا يوجب خروج العبادة عن قابلية التقرب ، بل لعدم إحراز الملاك في ذلك الفرد ، لعدم تمامية مقدمات الحكمة في ناحية متعلّق الأمر بالموسع بالإضافة إليه ، حيث يحتمل دخالة خصوصية غير ذلك الفرد من سائر الأفراد ويكفى النهي الغيري في بيان ذلك ، إذ لا يمكن معه الترخيص في تطبيق المتعلق على ذلك الفرد ولو على نحو الترتب.

وبناء على القول بعدم الاقتضاء يحكم بصحة الفرد المزاحم حيث لا يقع التزاحم بين الموسع والمضيق أصلا كما ذكر ذلك المحقق الثاني قدس‌سره ووضّحه غير واحد من المتأخرين ، لأنّ الأمر في ناحية الموسع يتعلّق بالطبيعي الملغى عنه خصوصيات الافراد عرضية كانت أو طوليّة وقد تقدم سابقا أنّ استحالة التقييد ثبوتا لا يستلزم استحالة الإطلاق حيث إنّ الإطلاق عبارة عن رفض القيود عن المتعلّق وعدم أخذها فيه ، فالفرد المزاحم من العبادة التي هي واجب موسّع وإن كان

١٩٢

.................................................................................................

______________________________________________________

لا يمكن أن يتقيّد المتعلّق به ، بأن يتعلّق الأمر بخصوصه لوجوب الضدّ المضيّق إلّا أنّه مصداق للطبيعي المأمور به والمطلوب صرف وجوده فيصح الإتيان به بداعي الأمر بذلك الطبيعي وأخذا باطلاق متعلّقه.

وبتعبير آخر المطلوب بالأمر بالموسع صرف وجود الطبيعي الكافي فيه فرد واحد من غير فرق بين الافراد الطولية والعرضية ، ولا تقع المزاحمة بين الأمر بالطبيعي المفروض ، والأمر بالمضيق ، لتمكّن المكلف من الجمع بينهما في الامتثال وعليه فكما أن للمكلّف الإتيان بأيّ فرد من الأفراد العرضية بداعي الأمر بذلك الطبيعي كذلك له الإتيان بأي فرد من أفرادها الطّولية ، غاية الأمر يستقلّ العقل بلزوم امتثال التكليف بالمضيّق وأنّ هذا الامتثال لا يجتمع مع الفرد المزاحم من الموسّع ، لكن مع ذلك لا مانع من الترخيص في تطبيق الموسّع على الفرد المزاحم ولو بنحو الترتّب.

ولكن ناقش المحقّق النائيني قدس‌سره فيما ذكر من دعوى عدم المزاحمة بين الواجب المضيق والموسع ، وجواز الأمر بكل منهما في زمان بحيث يوجب ذلك صحة الإتيان بالفرد المزاحم من الموسّع أيضا بداعوية الأمر بالطبيعي الصادق عليه ، وأنّ الفرد المزاحم كسائر الأفراد في عدم تعلّق الأمر بخصوصياتها وانّما تعلّق بالجامع بينها ؛ بأنّ ما ذكر انّما يصحّ بناء على كون اعتبار القدرة في متعلّق التكليف بحكم العقل بقبح خطاب العاجز لكونه لغوا ، فانّه على ذلك يكفى في الأمر بالطبيعي التمكن على صرف وجوده ، وبه يخرج عن اللغوية.

وأمّا بناء على ما هو الصحيح من أنّ الطلب يقتضي تعلّقه بالحصّة المقدورة نظير تعلق إرادة الشخص بالحصة المقدورة من الشيء ، فالبعث يكون إلى خصوص

١٩٣

.................................................................................................

______________________________________________________

المقدورات من الحصص والمطلوب صرف الوجود منها ، والفرد المزاحم للواجب المضيّق ليس داخلا في تلك الحصص لأنّه غير مقدور.

والوجه في ذلك هو أنّ التكليف بعث وتحريك نحو الفعل اختيارا يجعل الداعي للمكلّف إلى ترجيح أحد طرفي الممكن وهذا بنفسه يقتضي كون الفعل مقدورا له ، ومعه لا حاجة إلى حكم العقل بقبح خطاب العاجز ومن البديهي إذا دار الأمر في اعتبارها بحكم العقل بقبح خطاب العاجز ، أو بنفس الطلب يكون الثاني أولى لأنّه من قبيل الاستناد إلى الذاتيّ وهو مقدم على الاستناد إلى العرضيّ.

ولكنّه قدس‌سره حكم بصحة الفرد المزاحم للواجب المضيق ـ مع الإغماض عن الترتّب ـ من جهة حصول الملاك فيه ، وكون الفرد المزاحم أو غير المقدور يشترك مع سائر الأفراد في ذلك الملاك الملزم ، ولكن الكاشف عن وجود الملاك فيهما ليس شمول متعلّق التكليف لهما حال تعلقه بالمتعلّق ، بل لأنّ أفراد الطبيعي لمّا كانت متساوية في الملاك الملزم صحّ للمولى لحاظ ذلك الطبيعي عاريا عن خصوصية تلك الأفراد وجعل التكليف متعلقا بذلك الطبيعي ، فلو كانت تلك الأفراد غير متساوية في الملاك لما يصحّ للمولى عند اعتبار التكليف إلّا لحاظ ما فيه الملاك وإنشاء التكليف متعلقا بما فيه ذلك الملاك.

وبتعبير آخر بما أنّ المولى لا يلاحظ في ناحية متعلق التكليف عند جعله إلّا ما كان فيه ملاك تكليفه ، ولا يأمر إلّا به كما هو مقتضى مذهب العدلية في التكاليف الشرعية ، فلا يصح مع اختصاص الملاك بالحصّة المقدورة إلّا لحاظ تلك الحصّة منها وحيث إنّ خطاب التكليف يحكي عن التكليف وعن الطبيعي الذي لاحظه المولى حتّى جعله مورد تكليفه ، ولم يكن في ذلك الخطاب تقييد للمتعلّق بالقدرة ، كشف

١٩٤

.................................................................................................

______________________________________________________

اطلاق المتعلّق عن عموم الملاك وحصوله حتى في فرده غير المقدور ، نعم ذلك الطبيعي بلحاظ تعلّق التكليف به لا يعمّ غير المقدور لاقتضاء التكليف تقييد متعلّقه بالمقدور ولكن إطلاق المتعلّق ، مع قطع النظر عن التكليف وفي الرتبة السابقة على اعتباره ، كاف في كشف عموم الملاك.

ولذا يفرق بين الموارد التي يكون اعتبار القدرة فيها في متعلّق التكليف شرعيا وبين الموارد التي يكون اعتبار القدرة فيها عقليا أو باقتضاء نفس التكليف مع اشتراكهما في أنّ التكليف فيهما لا يتعلق بغير المقدور ، والوجه في الفرق هو أنّ أخذ قيد القدرة في ناحية المتعلق في خطاب التكليف يكشف عن أنّ الملحوظ من الطبيعي عند اعتبار التكليف كان خصوص المقدور منه فلا يعمّ الحكم ، الفرد المزاحم أو غير المقدور ، بخلاف عدم أخذه في الخطاب كما تقدّم.

وبالجملة حيث وقع الطبيعي في الخطاب مورد التكليف يكون إطلاق المتعلق وعدم تقييده بالقدرة في مرتبة قبل تعلّق التكليف كاشفا عن حصول الملاك في جميع أفراده وإلّا كان عليه تقييد المتعلق بالقدرة في الخطاب أيضا ليطابق مقام الثبوت كي يحرز أنّ اعتبارها في المتعلق شرعي.

إذ لو لا الملاك في الفرد غير المقدور أو المزاحم ثبوتا ، لكان الإطلاق في الخطاب نقضا للغرض.

لا يقال : إنّه لا بدّ من أن يكون الشارع في مقام بيان ما يقوم به الملاك من أفراد متعلقه ليتمسّك باطلاق المتعلّق لاثبات عدم دخل القدرة في الملاك ، والمفروض أنّ المولى لا يكون إلّا في مقام بيان التكليف ومتعلّقه.

١٩٥

.................................................................................................

______________________________________________________

فإنّه يقال : إحراز كون المتكلّم في مقام البيان إنّما يحتاج إليه في مقام كشف مراده من الإطلاق في خطابه ، وأمّا إذا كان المورد من موارد كشف أمر واقعي بواسطة ما تضمّنه خطابه كما في كشف العلة والملاك عن خطاب التكليف بطريق الإن ، فهذا لا يحتاج إلى التفات المولى إلى ذلك الأمر الواقعي حين خطابه فضلا عن كونه بصدد بيانه (١).

أقول : لا يتيسّر لنا الأخذ باطلاق الطبيعي الذي تعلق به التكليف لاستكشاف وجود الملاك الملزم ولو في الفرد غير المقدور حتى مع عدم ذكر القدرة عليه في خطاب ذلك التكليف متصلا أو في خطاب منفصل ـ بدعوى أنّ عدم ذكر القيد لما تعلّق به التكليف وتعلّقه بالطبيعي كاشف عن كون الملحوظ قبل اعتبار التكليف نفس ذلك الطبيعي لا خصوص الحصة المقدورة ـ وذلك لامكان أن يكون الملحوظ في مرتبة لحاظ متعلق التكليف هي خصوص الحصة المقدورة ، لانحصار ملاك التكليف بها ومع ذلك لم يذكر قيد القدرة في الخطاب لا متصلا ولا منفصلا فلعلّه لكون التكليف قرينة على لحاظ خصوص تلك الحصة إمّا بضميمة حكم العقل أو باقتضاء نفس التكليف ، فلا يكون في البين ما يكون كاشفا إنيّا عن كون الملحوظ ذات الطبيعي حين الجعل.

وبتعبير آخر كما أنّ الحكم ربّما يكون قرينة على قيود المتعلّق والموضوع ويعبّر عنها بالقيود المستفادة من مناسبة الحكم والموضوع ، كذلك يكون التكليف قرينة على لحاظ القدرة على متعلّقه فلحاظها واعتبارها في متعلّقه امّا لمجرد كون التكليف بدونه لغوا أو لاقتضاء التكليف إيّاه أو لانحصار الملاك في المقدور ولا دلالة

__________________

(١) أجود التقريرات ١ / ٢٦٣ ـ ٢٦٩.

١٩٦

.................................................................................................

______________________________________________________

في الخطاب على نفي شيء من هذه الخصوصيات فلا يمكن كشف الملاك في فرد لا يعمّه المتعلق بلحاظ تعلق التكليف.

وبالجملة التكليف بالطبيعي إن كان انحلاليا فمقتضاه تعلّقه بكل من الحصص المقدورة ، وإن كان بنحو طلب صرف الوجود من ذلك الطبيعي فلازمه الترخيص في تطبيقه على كل من الحصص المقدورة على ما ذكره قدس‌سره ، ولو كان ما ذهب إليه قدس‌سره أمرا صحيحا فلازمه الحكم بصحة الفرد المزاحم للمأمور به حتى بناء على أنّ الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضده الخاص ، لانّ النهي الغيري في فرد لا ينافي اطلاق الطبيعي بالإضافة إليه يعني الإطلاق في رتبة قبل تعلّق التكليف حيث إنّ النهي الغيري لا يكشف عن المفسدة في متعلّقه حتى ينافي ذلك الإطلاق بخلاف النهي النفسي عن فرد فانّه ينافي ذلك الإطلاق أيضا ويكشف عن تقييد متعلّق التكليف بغيره في رتبة لحاظ المتعلّق ، وقد حكى عنه قدس‌سره هذا وأنّه أيضا يلتزم بصحة الفرد المزاحم للتكليف بالمضيّق حتى على القول باقتضائه النهي عن ضده الخاص (١).

وقد تحصّل من جميع ما ذكرنا عدم المزاحمة بين الواجب المضيّق والموسّع بناء على عدم الاقتضاء ولا يحتاج في الحكم بصحة الفرد المزاحم للواجب المضيّق إلى التشبّث بمسألة الترتب أو دعوى تصحيحه بالملاك.

وقد يقال : أنّ خطاب الأمر بالموسّع أو المهم يكشف عن تعلق التكليف

__________________

(١) لا يخفى أنّ عدم كاشفيّة النهي الغيري عن المفسدة وبقاء المتعلّق على ما هو عليه من المحبوبيّة والملاك ليصحّ الفرد المزاحم من الموسّع حتّى على القول بالاقتضاء ممّا قد صرح به في أجود التقريرات ١ / ٢٦٥ و ٢٦٧.

١٩٧

.................................................................................................

______________________________________________________

بالطبيعي مطلقا الصادق على الفرد المزاحم للواجب المضيق أو المهم المزاحم للتكليف بالأهم بالمطابقة ، وعن ثبوت الملاك فيهما بالالتزام ، غاية الأمر يسقط هذا الإطلاق عن الاعتبار ، خصوصا بناء على أنّ الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضده الخاص ولكن السقوط بالإضافة إلى المدلول المطابقي لا الالتزامي حيث إنّ الأمر بالأهم أو المضيق لا ينافي ثبوت الملاك في المهم أو الفرد المزاحم فيؤخذ بالمدلول الالتزامي الباقي على اعتباره ، في كشف الملاك في المهم أو الفرد المزاحم.

وفيه : أنّ الكاشف عن ثبوت الملاك هو ثبوت التكليف بالمهم أو الفرد المزاحم ومع عدم التكليف فيهما كما هو مقتضى الأمر بالمضيق والأهم لا سبيل إلى إحراز الملاك ، مع أنّه سيأتي الكلام في توضيح ذلك في مبحث تعارض الامارات بأنّ التعارض في المدلول المطابقي بين الامارتين يوجب سقوط اعتبارهما حتى بالإضافة إلى المدلول الالتزامي.

١٩٨

ثم إنه تصدى جماعة من الأفاضل ، لتصحيح الأمر بالضد بنحو الترتب على العصيان [١] ، وعدم إطاعة الأمر بالشيء بنحو الشرط المتأخر ، أو البناء على معصيته بنحو الشرط المتقدم ، أو المقارن ، بدعوى أنه لا مانع عقلا عن تعلق الأمر بالضدين كذلك ، أي بأن يكون الأمر بالأهم مطلقا ، والأمر بغيره معلقا على عصيان ذاك الأمر ، أو البناء والعزم عليه ، بل هو واقع كثيرا عرفا.

______________________________________________________

مبحث الترتّب

[١] مدعاهم أنّه لا تنافي بين التكليفين إلّا بإطلاق كل منهما مع التزاحم بينهما وإذا رفع اليد عن إطلاق الأمر بالمهم ارتفع المحذور ، بأن اشترط في التكليف به عصيان الأمر بالأهم بنحو الشرط المتأخر ، أو جعل البناء على عصيان الأمر بالأهم بنحو الاستمرار شرطا فيه بنحو الشرط المقارن بحيث يكون لازم هذا الاشتراط مجرّد الجمع بين الطلبين في زمان ما ولا يقتضي جعلهما طلب الجمع بين الضدين ، حيث إنّ طلب كل من الضدين في نفسه أمر ممكن والمحذور فيه طلب الجمع بينهما لعجز المكلف وعدم تمكنه على الجمع بينهما في الامتثال وليس هذا من قبيل الطلب المحال حتى يكون الجمع في نفسه محالا ولو مع تمكن المكلف على الجمع بين مقتضاهما ، كالأمر بفعل في زمان والمنع عنه بنحو الكراهة حيث يكون المكلف متمكّنا من الجمع بين مقتضاهما باختيار الفعل فانّ في الكراهة ترخيص في الارتكاب.

والحاصل أنّ الامر بكل من الفعلين المتضادين مطلقا بحيث يقتضيان الجمع بين الضدين يكون من قبيل التكليف بغير المقدور في كونه تكليفا بالمحال ، ولكن الأمر بهما مع تقييد الأمر بالمهم بترك الأهم بنحو الشرط المتأخر وإن كان يقتضي الجمع بين التكليفين في زمان ولكن لا يكون مقتضاهما الجمع بين الضدين لما تقدم

١٩٩

قلت : ما هو ملاك استحالة [١] طلب الضدين في عرض واحد ، آت في طلبهما كذلك ، فإنه وإن لم يكن في مرتبة طلب الأهم اجتماع طلبهما ، إلّا أنه كان في مرتبة الأمر بغيره اجتماعهما ، بداهة فعلية الأمر بالأهم في هذه المرتبة ، وعدم سقوطه بعد بمجرد المعصية فيما بعد ما لم يعص ، أو العزم عليها مع فعلية الأمر بغيره أيضا ، لتحقق ما هو شرط فعليته فرضا.

______________________________________________________

في بحث الواجب المطلق والمشروط من أنّ المشروط بالشرط المتأخر وإن كان وجوبه فعليا قبل حصول الشرط إلّا أنّ فعليته تبقى مراعي بحصول ذلك الشرط فيما بعد بحيث لو لم يحصل يكون عدم حصوله كاشفا عن عدم فعليّة الوجوب من الأوّل ، وعلى ذلك فيمكن الأمر بالأهم مطلقا بالإضافة إلى عصيان الأمر بالمهم وعدمه ، والأمر بالمهم مشروطا بعصيان الأمر بالأهم بنحو الشرط المتأخر ، حيث إنّ الأمر بالأهم بهذا النحو لا يقتضي إلّا صرف المكلف قدرته على الأهم وصرفها فيه يوجب ارتفاع الأمر بالمهم على تقدير عدم صرفها فيه لانتفاء موضوعه.

ويقتضي الأمر بالمهم صرفها في متعلّقه ولكن لا مطلقا بل على تقدير تحقّق شرطه مع عدم اقتضائه حفظه بحيث لو فرض محالا انّ المكلف أتى بالمهم مع الإتيان بالأهم لما يتصف المهم بالمطلوبية أصلا فلا يكون هذا النحو من الجمع بين الطلبين من طلب الجمع بين الضدين.

وقد ظهر ممّا ذكرنا أنّ حدوث البناء على ترك الأهم لا يصحّح الترتب سواء كان حدوثه متقدما أو مقارنا بل المصحّح البناء على ترك الأهم باستمراره أو ترك الأهم بنحو الشرط المتأخر وجعل ذلك شرطا في الأمر بالمهمّ.

في الأمر بالضدين على نحو الترتّب

[١] لم يرتض قدس‌سره بتصحيح الأمرين بنحو الترتب وذكر انّ ملاك استحالة طلب

٢٠٠