دروس في مسائل علم الأصول - ج ٢

آية الله الميرزا جواد التبريزي

دروس في مسائل علم الأصول - ج ٢

المؤلف:

آية الله الميرزا جواد التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات دار الصديقة الشهيدة عليها السلام
المطبعة: نگين
الطبعة: ٢
ISBN: 978-964-8438-61-1
ISBN الدورة:
978-964-94850-1-0

الصفحات: ٤٠٨

بل ربما قيل : بأن الإطلاق إنما هو للاتكال على الوضوح ، إذ بدونها يلزم التكليف بالمحال.

ولكن التحقيق مع ذلك عدم اعتبارها في ما هو المهم في محل النزاع من لزوم المحال ، وهو اجتماع الحكمين المتضادين ، وعدم الجدوى في كون موردهما موجها بوجهين في رفع غائلة اجتماع الضدين ، أو عدم لزومه ، وأن

______________________________________________________

أنّ امتناع التكليف ربّما يكون لخروج متعلّقه عن تمكن العبد واختياره ويعبّر عن هذا القسم بالتكليف بالمحال كما في الأمر باجتماع الضدين ، أو التكليف بكل من الضدين مطلقا بحيث يكون مقتضاه أنّ على المكلف الجمع بين الضدين وقد يكون امتناع التكليف مع قطع النظر عن امتناع متعلّقه وعجز المكلّف عن الإتيان به ويعبّر عن ذلك بالتكليف المحال كما في إيجاب شيء وتحريمه بعنوانه حيث إنّ الأمر به مع النهي عنه غير ممكن مع قطع النظر عن عجز المكلف عن الجمع بين الفعل والترك ولذا يكون اباحة شيء مع ايجابه ممتنعا مع أنّ المكلّف متمكّن من الجمع بين مقتضاهما باختياره الفعل ، وبالجملة التكاليف الخمسة لتضادهما في المنشأ أو في المقتضى ايضا في بعضها لا يجتمع أحدها مع الآخر في متعلّق واحد فانّه من التكليف المحال.

ثمّ يقع البحث في أنّ الشيء الواحد المعنون بعنوانين يكون بينهما عموم من وجه هل يمكن أن يتعلق به الوجوب بعنوان والحرمة بعنوان آخر ولا يكون هذا من التكليف المحال لتعدّد العنوانين حتى فيما كان التركيب اتحاديّا ، أو أنّ محذور التكليف المحال لا يرتفع بتعدّد العنوانين أو يفصّل في ارتفاع المحذور بين موارد التركيب الانضمامي والاتحادي فيرتفع المحذور في الأوّل دون الثاني؟ وعلى كل حال فوجود المندوحة وعدمها لا دخل لها في لزوم التكليف بالمحال وعدم لزومه

٣٤١

تعدد الوجه يجدي في رفعها ، ولا يتفاوت في ذلك أصلا وجود المندوحة وعدمها ، ولزوم التكليف بالمحال بدونها محذور آخر لا دخل له بهذا النزاع.

نعم لا بد من اعتبارها في الحكم بالجواز فعلا ، لمن يرى التكليف بالمحال محذورا ومحالا ، كما ربما لا بد من اعتبار أمر آخر في الحكم به كذلك أيضا.

وبالجملة لا وجه لاعتبارها ، إلّا لأجل اعتبار القدرة على الامتثال ، وعدم لزوم التكليف بالمحال ، ولا دخل له بما هو المحذور في المقام من التكليف المحال ، فافهم واغتنم.

______________________________________________________

نعم لو بنى على جواز الاجتماع أو عدم جوازه فلا بدّ في التكليف الفعلي بالواجب أو الحرام من وجود المندوحة لئلّا يلزم التكليف بالمحال كما لا بدّ من اعتبار وجود سائر الشرائط المعتبرة في التكليف الفعلي ، وبالجملة اعتبار المندوحة انّما هو لئلّا يلزم التكليف بالمحال ولا دخل لها في رفع محذور التكليف المحال فإنّ تعدّد العنوان لو كان مجديا في دفع المحذور مع المندوحة أي محذور التكليف المحال لكان مجديا أيضا مع عدمها وإلّا لزم المحذور ولو كان في البين مندوحة.

ولكن ذهب المحقق النائيني قدس‌سره إلى أنّ البحث عن مسألة جواز الاجتماع من جهتين.

الأولى : في كون كل من العنوانين عنوانا تقييديا والتركيب بينهما في الخارج انضمامي فلا اتحاد حقيقة في ناحية متعلّقي الإيجاب والتحريم ، أو أنّ العنوانين تعليليان وتركيبهما بحسب الخارج اتحادي ، واتحادهما كذلك موجب لرفع اليد عن إطلاق أحدهما بحسب المتعلّق وتقييده بغير المجمع والبحث في هذه الجهة أجنبيّ عن اعتبار المندوحة وعدمها ومتمحّض في لزوم التكليف المحال وعدمه.

والجهة الثانيّة : أنّه بعد الفراغ عن كون العنوانين تقييديين والتركيب انضمامي

٣٤٢

.................................................................................................

______________________________________________________

وأنّه لا يلزم من ثبوت الحكمين في المجمع محال ، يقع البحث في التزاحم بين الوجوب والحرمة بالإضافة إلى المجمع بمعنى أنّه هل يصحّ الإتيان بالمجمع لامتثال الأمر وأنّ الإتيان به كاف في مقام الامتثال أو يقال بأنّ الأمر بشيء بنفسه يقتضي كون متعلقه مقدورا وانّ الحصص غير المقدورة خارجة عن متعلّقه فلا يكون الإتيان بالمجمع مجزيا عن امتثال الأمر إلّا إذا سقط النهي عنه ليكون مقدورا فيدخل في متعلّق الأمر.

والحاصل بناء على أنّ اعتبار القدرة في متعلق التكليف باقتضاء نفس التكليف وأنّه يدخل فيه الحصص المقدورة فلا بدّ من رفع اليد في المجمع امّا عن الأمر أو النهي.

بخلاف ما إذا قيل باعتبار القدرة في متعلّق التكليف لحكم العقل بقبح تكليف العاجز فيثبت في المجمع كلا الإطلاقين حيث إنّ العقل لا يستقلّ إلّا باعتبار القدرة على صرف وجود الطبيعي لا باعتبارها في كل ما ينطبق عليه الطبيعي فالانطباق في المجمع قهري فيكون مجزيا.

وبالجملة القائل بالجواز من الجهة الأولى والثانية يمكن له التحفظ على كلا الإطلاقين بالإضافة إلى المجمع ويمكن له الحكم بالاجزاء فيما إذا كان في البين مندوحة وامّا إذا لم يكن في البين مندوحة فيقع التزاحم بين خطابي الأمر والنهي بلا كلام (١).

__________________

(١) أجود التقريرات ١ / ٣٣١.

٣٤٣

السابع : إنه ربما يتوهم تارة أن النزاع في الجواز والامتناع ، يبتني على القول بتعلق الأحكام بالطبائع [١] ، وأما الامتناع على القول بتعلقها بالأفراد فلا يكاد

______________________________________________________

أقول : قد تقدم فيما سبق أنّ المطلوب بالأمر صرف وجود الطبيعي لا الطبيعي المقدور حتى يكون ما يحصل في الخارج فردا مقدورا ليندرج في الطبيعي المقدور وأنّ اعتبار القدرة في متعلّق التكليف لقبح تكليف العاجز ولو أغمضنا عما ذكرنا وبنينا على أنّ متعلق الأمر الطبيعي المقدور كذلك ولكن إذا بنينا في الجهة الأولى على الجواز في موارد التركيب الانضمامي وعدم سراية كل من الأمر والنهي من متعلقه خارجا إلى متعلق الآخر يحكم بالاجزاء بالإتيان بالمجمع لأنّ ما في المجمع لا يخرج عن الفرد المقدور على تقدير عصيان النهي فيه ولو بنحو الشرط المتأخر حتى فيما إذا لم يكن في البين مندوحة فالحكم بالاجزاء والصحة بالإتيان بالمجمع مبني على الترتب لا على وجود المندوحة ، نعم في فرض وجود المندوحة واعتبار القدرة في التكليف عقلا لا يحتاج لتصحيح المجمع وكونه فردا من الطبيعي إلى الترتب حيث إنّ الثابت في المجمع هو الترخيص في التطبيق فلا يتزاحم مع النهي عن الآخر.

ابتناء المسألة على تعلّق الأحكام بالطبائع

[١] ذكر قدس‌سره هذا الأمر لبيان أنّ الخلاف في مسألة جواز اجتماع الأمر والنهي لا يبتني على الخلاف في مسألة تعلّق الأوامر والنواهي بالطبائع أو الافراد ، حيث توهم بعض أنّ الخلاف في مسألة جواز الاجتماع مبني على تعلّقهما بالطبائع وبناء عليه يبحث في المقام أنّ تحقّق المتعلقين في مورد وصدقهما عليه خارجا هل يوجب امتناع تعلّق كل من الأمر والنهي على الطبيعتين مطلقا؟ أو أنّ تحققهما في مورد خارجا لا يوجب اتحاد المتعلقين لا في مرحلة جعل الوجوب والحرمة ولا في مرحلة فعليّتهما ، وأمّا بناء على تعلّق الأوامر والنواهي بالافراد فلا مجال للخلاف في

٣٤٤

يخفى ، ضرورة لزوم تعلق الحكمين بواحد شخصي ، ولو كان ذا وجهين على هذا القول.

وأخرى أن القول بالجواز مبني على القول بالطبائع ، لتعدد متعلق الأمر والنهي ذاتا عليه ، وإن اتحد وجودا ، والقول بالامتناع على القول بالأفراد ، لاتحاد متعلقهما شخصا خارجا ، وكونه فردا واحدا.

______________________________________________________

امتناع الاجتماع.

وتوهّم بعض آخر بأنّ القائل بتعلّق الأوامر والنواهي بالطبائع يتعيّن عليه أن يختار جواز الاجتماع في المقام كما أنّ على القائل بتعلّقهما بالافراد يتعين عليه اختيار القول بالامتناع فإنّه بناء عليه يكون متعلق النهي مع متعلّق الأمر واحدا حيث إنّ المجمع واحد.

وقد دفع الماتن قدس‌سره الوهمين بأنّ تعدّد المتعلّقين عنوانا لو كان مفيدا في جواز الاجتماع ولم يكن اتحادهما وجودا موجبا للامتناع لكان الموجود خارجا ـ لإضافته إلى طبيعتين ـ فردين موجودين بوجود واحد ، فيمكن تعلق الوجوب بأحد الفردين والحرمة بالفرد الآخر إذ المفروض أنّ اتحادهما خارجا غير موجب للامتناع وأنّ اتحاد الطبيعتين وجودا كما لا ينافي تعدّدهما عنوانا ، كذلك اتحاد الفردين وجودا لا ينافي كونهما فردين وداخلين تحت طبيعتين.

وذهب المحقّق النائيني قدس‌سره إلى أنّه لو كان المراد بتعلّق الأمر بالطبائع أنّ الطبائع لها تحقق خارجا وباعتبار تحقّقها يتعلّق بها الأمر والنهي وكان المراد بتعلّق الأمر والنهي بالفرد أنّ الطبائع لا تحقق لها خارجا بل التحقق للافراد وتكون الطبائع بتبعية الافراد ، فهذا النزاع ـ أي مسألة تعلّق الأمر والنهي بالطبائع أو الافراد ـ أجنبي عن مسألة جواز اجتماع الأمر والنهي وامتناعه ، بل يجرى الخلاف في جواز الاجتماع على القولين حيث إنّ مع كون التركيب في المجمع انضماميّا يصحّ الأمر والنهي

٣٤٥

وأنت خبير بفساد كلا التوهمين ، فإن تعدد الوجه إن كان يجدي بحيث لا يضر معه الاتحاد بحسب الوجود والإيجاد ، لكان يجدي ولو على القول بالأفراد ، فإن الموجود الخارجي الموجه بوجهين ، يكون فردا لكل من الطبيعتين ، فيكون مجمعا لفردين موجودين بوجود واحد ، فكما لا يضر وحدة الوجود بتعدد الطبيعتين ، لا يضر بكون المجمع اثنين بما هو مصداق وفرد لكل من الطبيعتين ، وإلّا لما كان يجدي أصلا ، حتى على القول بالطبائع ، كما لا يخفى ، لوحدة الطبيعتين وجودا واتحادهما خارجا ، فكما أن وحدة الصلاتيّة والغصبيّة في الصلاة في الدار المغصوبة وجودا غير ضائر بتعددهما وكونهما طبيعتين ، كذلك وحدة ما وقع في الخارج من خصوصيات الصلاة فيها وجودا غير ضائر بكونه فردا للصلاة ، فيكون مأمورا به ، وفردا للغصب فيكون منهيا عنه ، فهو على وحدته وجودا يكون اثنين ، لكونه مصداقا للطبيعتين ، فلا تغفل.

______________________________________________________

لكون المجمع ـ بناء على القول بتعلّق الأوامر والنواهي بالطبائع ـ طبيعتين موجودتين بوجودين انضماميين ، وبناء على تعلّقهما بالافراد ، فردين انضماميين يكون أحدهما متعلّق الوجوب والآخر متعلّق النهي.

وأمّا إذا كان المراد بتعلّق الأمر والنهي بالطبائع أنّ الخصوصيات التي تكون مع تحقّق متعلق الأمر من عوارض وجوده ولوازمه كلّها خارجة عن متعلّق الأمر وكذلك الحال في ناحية متعلق النهي بحيث لو فرض حصول الطبيعة بدون تلك الخصوصيّات واللوازم والعوارض تحقق متعلّق الأمر خارجا ، بخلاف القول بتعلّقهما بالافراد فإنّه عليه تكون تلك الخصوصيات من العوارض واللوازم كلّها مأخوذة في متعلّق الأمر بحيث لو فرض حصول الطبيعة بدونها لما حصل المطلوب.

إذن فلا يمكن القول بجواز الاجتماع وتحقق الحكمين بالإضافة إلى المجمع

٣٤٦

.................................................................................................

______________________________________________________

حتى فيما كان التركيب فيه انضماميّا لأنّ لازم تعلّق الوجوب به بخصوصياته سرايته إلى الخصوصية التي تكون انضمامية وينطبق عليه أو يتعلّق بها الحرمة وعلى الجملة لا يمكن في المجمع إلّا ثبوت أحد الحكمين وتقع المعارضة فيه بين خطاب الأمر والنهي حتى في مثل ما إذا توضّأ في مكان تنصبّ فيه غسالته وهو ملك الغير (١).

أقول : لا أظنّ أنّ القائل بتعلّق الأوامر بالافراد أن يدعى دخول ملازم الشيء ـ الذي له وجود في الخارج غير وجود الشيء المزبور ـ أو لازمه أو ملزومه في متعلّق الأمر بذلك الشيء بل غاية مدّعاه دخول عوارض الشيء الذي يقوم بالشيء في متعلّق الأمر به وعليه فلا مجال لسراية الأمر من ذلك الشيء خارجا إلى متعلّق النهي ، نعم يمكن أن يلتزم بأنّ المتلازمين أو اللازم والملزوم لا يمكن أن يختلفا في الحكم كما صرّح بذلك بعضهم ومع الالتزام بذلك لا يمكن القول بالجواز في مسألة الاجتماع فإنّ مقتضى القول بالجواز اختلاف الحكمين في مورد الاجتماع ولو مع كون التركيب فيه انضماميا.

وعلى الجملة فيمكن ابتناء الجواز والامتناع في مسألة الاجتماع في موارد التركيب الانضمامي على جواز اختلاف المتلازمين أو اللازم والملزوم في الحكم وعدم جوازه فإنّه بناء على عدم جواز الاختلاف لا يدخل ما في المجمع في اطلاق المأمور به حيث إنّ مقتضى دخوله فيه ، الترخيص في تطبيقه عليه وهو لا يجتمع مع حرمة ملازمه أو الملزوم أو اللازم خصوصا إذا قيل بأنّ التقابل بين الإطلاق والتقييد ثبوتا تقابل العدم والملكة وإذا لم يمكن تقييد متعلّق الأمر بما في المجمع بأن يأمر به

__________________

(١) أجود التقريرات ١ / ٣٤٣.

٣٤٧

.................................................................................................

______________________________________________________

مع حرمة ملازمه أو ملزومه أو لازمه فلا يكون لمتعلق الأمر إطلاق بالإضافة إليه.

وهذا القول وإن كان فاسدا لما تقدم أنّ النهي عما ذكر لا يمنع عن الترخيص في التطبيق بل الأمر بما في المجمع على نحو الترتّب ، إلّا أنّ فساده لا يمنع عن الالتزام بعدم صحة الترتب وعدم امكان اختلاف المتلازمين في الحكم كما تقدم عن الماتن قدس‌سره في بحث الضد.

وممّا ذكرنا يظهر أنّه لا يمكن الالتزام بدخول المجمع في إطلاق متعلّق الأمر مع النهي عنه في مورد التركيب الاتّحادي ولا يمكن للشارع الترخيص في تطبيق متعلّق الأمر عليه أو الأمر به حتى بنحو الترتب فإنّ مفاد الأمر بالوضوء مثلا هو طلب وجود الوضوء لا طلب نية الوضوء على تقدير تحقق غسل الوجه واليدين بأن يكون تحقق غسلها شرطا في طلب نيّة الوضوء مع غسلها كما لا يخفى.

بقى في المقام أمر وهو أنّ ظاهر كلام الماتن قدس‌سره في هذا الأمر أنّ محلّ الخلاف في مسألة جواز الاجتماع هو التركيب الاتحادي في المجمع حيث قال قدس‌سره : «فإنّ تعدّد الوجه إن كان يجدى بحيث لا يضرّ معه الاتحاد بحسب الوجود والإيجاد ، لكان يجدى ولو على القول» بتعلّق الأمر «بالافراد فإنّ الموجود الخارجي الموجّه بوجهين يكون فردا لكل من الطبيعتين فيكون مجمعا للفردين موجودين بوجود واحد» (١).

ولكن قد تقدم منّا عموم الخلاف وجريان النزاع في موارد التركيب الاتحادي والانضمامي كما يظهر ذلك من التفريعات المذكورة على مسألة جواز الاجتماع وعدمه فلاحظ وتدبّر.

__________________

(١) الكفاية : ١٥٤.

٣٤٨

الثامن : إنه لا يكاد يكون من باب الاجتماع ، إلّا إذا كان في كل واحد من متعلقي الإيجاب والتحريم مناط حكمه مطلقا [١] ، حتى في مورد التصادق والاجتماع ، كي يحكم على الجواز بكونه فعلا محكوما بالحكمين وعلى الامتناع بكونه محكوما بأقوى المناطين ، أو بحكم آخر غير الحكمين فيما لم يكن هناك أحدهما أقوى ، كما يأتي تفصيله.

______________________________________________________

اعتبار اشتمال المجمع على الملاكين

[١] وحاصله أنّ الخلاف في مسألة جواز الاجتماع يختص بمورد اجتمع فيه ملاك كل من الحكمين ليكون على الجواز موجبا لثبوت كلا الحكمين في المجمع ، كما أنّه على الامتناع يثبت في المجمع من الحكمين ما يكون ملاكه أقوى من ملاك الآخر ومع عدم أقوائية أحدهما على الآخر يثبت في المجمع حكم آخر غيرهما كما يأتي بيانه عند تعرّضه قدس‌سره لذلك وأمّا إذا لم يكن للمتعلقين ملاك في المجمع فلا يكون المجمع من باب الاجتماع بل يتعيّن فيه أحد الحكمين إذا كان فيه ملاكه أو حكم آخر غيرهما إذا لم يكن فيه ملاك شيء منهما بلا فرق بين القائل بجواز الاجتماع وبين القائل بعدم جوازه هذا بلحاظ جعل الحكم للمجمع في مقام الثبوت فالمراد منه تعيين مورد الخلاف في جواز الاجتماع مع قطع النظر عن الخطابين الدالين على الحكمين ، والمراد من مقام الإثبات تعيين أنّ أي الخطابين يجرى في مدلولهما جواز الاجتماع وأنّ أي الخطابين من المتعارضين يجرى عليهما حكم المتعارضين ، فيكون البحث عن الخطابين المتضمّن أحدهما وجوب ما ينطبق على المجمع ومدلول الآخر حرمة ما ينطبق على المجمع أيضا ، فمع احراز عدم ثبوت ملاك أحد الحكمين في المجمع يدخل الخطابان في المتعارضين بالإضافة إليه فلا بدّ من ترجيح أحد المتعارضين فيه أو التخيير بلا فرق بين القول بجواز الاجتماع

٣٤٩

وأما إذا لم يكن للمتعلقين مناط كذلك ، فلا يكون من هذا الباب ، ولا يكون مورد الاجتماع محكوما إلّا بحكم واحد منهما ، إذا كان له مناطه ، أو حكم آخر غيرهما ، فيما لم يكن لواحد منهما ، قيل بالجواز والامتناع ، هذا بحسب مقام الثبوت.

______________________________________________________

وعدمه ، ومع عدم إحراز فقد الملاكين والقول بعدم جواز الاجتماع يكون الحكمان في المجمع من المتزاحمين في الملاك فيؤخذ فيه بالأقوى ملاكا حتى فيما كان خطابه بالإضافة إلى خطاب الحكم الآخر أضعف كما إذا كانت دلالته على ما هو أقوى ملاكا بالمفهوم ودلالة الآخر بالمنطوق ، هذا مع كون مدلول كل من الخطابين حكما اقتضائيا وإلّا فمع دلالة كل منهما على الحكم الفعلي في المجمع وعدم امكان حمل أحدهما على الاقتضائي في مقام الجمع بقرينة قوة ملاك حكمه يكون الخطابان من المتعارضين فيعمل فيهما بمرجحات باب التعارض وبتقديم أحدهما برجحانه يستكشف قوة ملاكه.

أقول : ما ذكره قدس‌سره في هذا الأمر وفي الأمر الآتي لا يرجع إلى أمر محصّل معقول ، فإنّه لا سبيل لنا إلى كشف الملاكات وكشف قوّة أحد الملاكين الموجودين في فعل خارجا إلّا شمول الإطلاقات له بالعموم والإطلاق وامكان الأخذ بهما فيه وعليه فإن كان التركيب في المجمع اتحاديّا وورد الأمر في أحد الخطابين بفعل والنهي في الخطاب الآخر عن فعل ولم يكن العموم من وجه في نفس متعلقي الوجوب والحرمة بل تلك النسبة حدثت بينهما من ناحية الموضوع لكل من الأمر والنهي كما في قوله «أكرم عالما» وورد في خطاب آخر «لا تكرم الفاسق» كان خطاب النهي مع خطاب الأمر من المتعارضين بالإضافة إلى المجمع يعمل فيه بقواعد المتعارضين إن لم يكن أحد الخطابين قرينة عرفية على المراد من الخطاب الآخر ولا يمكن في المجمع جعل حكمين سواء كان فيه ملاكان أو لم يكن فيه ملاك اصلا

٣٥٠

وأما بحسب مقام الدلالة والإثبات ، فالروايتان الدالتان على الحكمين متعارضتان ، إذا أحرز أن المناط من قبيل الثاني ، فلا بد من حمل المعارضة حينئذ بينهما من الترجيح والتخيير ، وإلّا فلا تعارض في البين ، بل كان من باب التزاحم بين المقتضيين ، فربما كان الترجيح مع ما هو أضعف دليلا ، لكونه أقوى مناطا ،

______________________________________________________

فإنّ إكرام العالم الفاسق لا يتحمل حكمين الترخيص والتحريم أو الأمر والنهي لا بنحو العرضية في كلا الحكمين ولا بنحو الطوليّة والترتب والمعيار في التعارض بين الخطابين ولو بالإضافة إلى مورد اجتماعهما العلم بعدم جعل الحكمين فيه ولو كان منشأ العلم عدم إمكان جعلها.

وأمّا إذا كان التركيب بين الفعلين اتحاديّا والنسبة بين نفس عنواني الفعلين عموما من وجه فالأمر وإن كان كما سبق في الفرض السابق من كون الخطابين بالإضافة إلى المجمع متعارضين فلا بدّ من رفع اليد عن الإطلاق في أحد الخطابين المعين لو كان الخطاب الآخر قرينة عرفية على تعيين المراد إلّا أنّه قد يتوهم في الفرض جواز الاجتماع والأخذ بالإطلاق في كل من الخطابين بالإضافة إلى المجمع حيث إنّ ايجاد متعلّق الأمر في المجمع ، زائد على ايجاد الحرام فيه فيمكن أن يتصرف في ملك الغير بالسجود فيه ولا يصلّي أو يغسل وجهه ويديه بالماء المغصوب ولا يقصد الوضوء فيكون متعلّق الأمر غير متعلّق النهي حتى في المجمع بل توهّم أنّه لو لم يعمّ المجمع خطاب الأمر والنهي بنحو العرضية فيمكن شمول خطاب الأمر له بنحو الطولية والترتب.

والقائل بامتناع الاجتماع في موارد التركيب الاتحادي يلتزم بتعارض الخطابين في مورد الاجتماع فإن كان بين الخطابين جمع عرفي وقرينة على رفع اليد من أحد الخطابين في المجمع فهو وإلّا يجري عليهما حكم التعارض على نحو التكافؤ.

٣٥١

فلا مجال حينئذ لملاحظة مرجحات الروايات أصلا ، بل لا بد من مرجحات المقتضيات المتزاحمات ، كما يأتي الإشارة إليها.

نعم لو كان كل منهما متكفلا للحكم الفعلي ، لوقع بينهما التعارض ، فلا بد من ملاحظة مرجحات باب المعارضة ، لو لم يوفق بينهما بحمل أحدهما على الحكم الاقتضائي بملاحظة مرجحات باب المزاحمة ، فتفطن.

______________________________________________________

وأمّا في موارد التركيب الانضمامي حيث إنّ متعلّق الأمر خارجا في المجمع غير متعلّق النهي فيه فالتحفظ على كلا الإطلاقين مع وجود المندوحة ممكن فليس بين الخطابين تعارض ولا بين الحكمين تزاحم على ما تقدم وإذا لم تكن في البين مندوحة يكون كل من الأمر والنهي بالإضافة إلى فاقد المندوحة من المتزاحمين ولا تصل النوبة إلى ملاحظة مرجحات التعارض أصلا ، هذا بناء على جواز الاجتماع في موارد التركيب الانضمامي وامّا بناء على القول بالامتناع فيه كما تقدم وجهه في التعليقة السابقة يجري على موارد التركيب الانضمامي ما جرى على موارد التركيب الاتحادي من رفع اليد عن اطلاق أحد الخطابين لو كان اجتماعهما قرينة عرفية على التصرف في أحدهما المعيّن وإلّا يرجع إلى ما ذكر للمتعارضين المتكافئين.

فقد ظهر ممّا ذكرنا أنّ مجرّد اجتماع ملاك الحكمين في المجمع لا يوجب دخوله في مسألة جواز الاجتماع بل يعتبر فيه أن لا يكون اطلاق متعلّق الأمر والترخيص في التطبيق فيه أمرا مستحيلا أي لغوا كما ذكرنا في موارد التركيب الاتحادي مع سراية العموم من وجه إلى متعلق الوجوب والحرمة من ناحية الموضوع لهما هذا بالإضافة إلى ما ذكره قدس‌سره في مقام الثبوت وامّا ما ذكره قدس‌سره بالإضافة إلى المقام الإثبات ودلالة الخطابين فنذكر ما فيه في ذيل التعليقة على الأمر التاسع.

٣٥٢

التاسع : إنه قد عرفت أن المعتبر في هذا الباب ، أن يكون كل واحد من الطبيعة المأمور بها والمنهي عنها ، مشتملة على مناط الحكم مطلقا [١] ، حتى في حال الاجتماع ، فلو كان هناك ما دلّ على ذلك من اجماع أو غيره فلا إشكال ، ولو لم يكن إلّا اطلاق دليلي الحكمين ، ففيه تفصيل وهو :

______________________________________________________

اعتبار اشتمال متعلّق الحكمين على المناط مطلقا

[١] ذكر قدس‌سره في هذا الأمر أنّه بعد الفراغ عمّا علم في الأمر الثامن أنّ مورد الخلاف والنزاع في مسألة جواز اجتماع الأمر والنهي ما إذا كان المجمع لعنواني متعلّق الأمر والنهي مشتملا على ملاك كل من الطبيعة المأمور بها والطبيعة المنهي عنهما.

فإن علم ثبوت هذا الملاك فيه من غير ناحية خطابي التكليفين من إجماع أو غيره فذلك المورد من موارد الخلاف في مسألة جواز الاجتماع بلا إشكال وامّا إذا لم يعلم ذلك من ناحية غير الخطابين وأريد استفادته من نفس الخطابين ففي استفادته منهما تفصيل وهو أنّه قد يكون الإطلاق ـ في كل من الخطابين الشامل لمورد الاجتماع ـ في مقام بيان الحكم الاقتضائي بمعنى أنّ خطاب الأمر بفعل بعنوانه في مقام بيان كل ما انطبق عليه عنوان المأمور به كاشف عن وجود الملاك فيه ، وخطاب النهي مفاد إطلاقه ، أنّ كل مورد انطبق عليه عنوان المنهي عنه فهو واجد لملاك الحرمة فيكون مورد اجتماعهما داخلا في موارد الخلاف في جواز اجتماع الأمر والنهي وقد يكون مفاد إطلاق الخطابين ثبوت نفس الحكم الفعلي في مورد انطباق العنوان المأمور به وانطباق العنوان المنهي عنه فمورد انطباقهما يكون من موارد اجتماع الأمر والنهي بناء على القول بالجواز لاستكشاف ثبوت المقتضي لكل منهما على القول المزبور إلّا إذا علم خارجا بكذب أحد الخطابين وأنّه ليس في

٣٥٣

إن الإطلاق لو كان في بيان الحكم الاقتضائي ، لكان دليلا على ثبوت المقتضي والمناط في مورد الاجتماع ، فيكون من هذا الباب ، ولو كان بصدد الحكم الفعلي ، فلا إشكال في استكشاف ثبوت المقتضي في الحكمين على القول بالجواز ، إلّا إذا علم إجمالا بكذب أحد الدليلين ، فيعامل معهما معاملة

______________________________________________________

المجمع ملاك كل منهما فيعامل معهما معاملة المتعارضين.

وأمّا بناء على القول بالامتناع فالخطابان الوارد اطلاق كل منهما في بيان الحكم الفعلي ، متنافيان بالإضافة إلى المجمع لا يثبتان فيه معا ولا يدلّ شيء منهما على ثبوت ملاك الحكم في المجمع لأنّ انتفاء أحدهما فيه كما يكون بثبوت مقتضيه مع وجود مانعة كذلك يمكن أن لا يكون له في المجمع مقتض اصلا إلّا أن يجمع بين الخطابين بأن يكون اجتماعهما قرينة على أنّ المراد من كل منهما ، الحكم الاقتضائي فيحملان عليه وهذا فيما إذا لم يكن أحدهما أظهر من الآخر وإلّا يحمل الظاهر منهما على الحكم الاقتضائي ويلتزم بأنّ الحكم الفعلي هو مفاد الأظهر.

فتلخّص ممّا ذكر أنّه كلّما كان في البين دلالة على ثبوت المقتضي لكلا الحكمين أو لأحدهما في المجمع ، كان المورد من مسألة الاجتماع بلا فرق بين استفادة ذلك من غير الخطابين أو من الخطابين الوارد كل منهما لبيان الحكم الاقتضائي وأمّا إذا كان مدلول كلّ من الخطابين هو الحكم الفعلي لا الاقتضائي فهما من المتعارضين حتى على القول بالجواز في مسألة الاجتماع إذا علم بكذب أحدهما بلا تعيين بمعنى عدم ثبوت الملاك لأحد الحكمين ولو في المجمع وأمّا مع عدم العلم بذلك فهما متعارضان في المجمع بناء على القول بالامتناع.

أقول : الخطابات الواردة في بيان الأحكام والتكاليف مفادها ثبوت الحكم وفعليّته في موارد فعلية موضوعه ، وأمّا أنّ نفس الحكم غير ثابت في جميع الموارد

٣٥٤

المتعارضين. وأما على القول بالامتناع فالإطلاقان متنافيان ، من غير دلالة على ثبوت المقتضى للحكمين في مورد الاجتماع أصلا ، فإن انتفاء أحد المتنافيين ، كما يمكن أن يكون لأجل المانع مع ثبوت المقتضي له ، يمكن أن يكون لأجل انتفائه ، إلّا أن يقال : إن قضية التوفيق بينهما ، هو حمل كل منهما على الحكم الاقتضائي ، لو لم يكن أحدهما أظهر ، وإلّا فخصوص الظاهر منهما.

فتلخص أنه كلما كانت هناك دلالة على ثبوت المقتضي في الحكمين ، كان من مسألة الاجتماع ، وكلما لم تكن هناك دلالة عليه ، فهو من باب التعارض مطلقا ، إذا كانت هناك دلالة على انتفائه في أحدهما بلا تعيين ولو على الجواز ، وإلّا فعلى الامتناع.

______________________________________________________

والثابت ملاكه ، فليس في الخطابات ما يكون إطلاقه واردا في بيان ذلك ، وما يظهر من كلامه قدس‌سره في مقام بيان الحكم الاقتضائي هو بيان الملاك والذي نلتزم به ونحمل بعض الخطابات الشرعية عليه في مقام الجمع بين الخطابين هو أنّ الحكم الذي يتكفّل الخطاب لبيانه ثابت في مورد ثبوت موضوعه ما لم يطرأ عليه عنوان آخر ثبت له الحكم المخالف فيكون طريانه موجبا لثبوت الحكم المخالف والحكم الاقتضائي بهذا المعنى لا يكشف عن ثبوت ملاكه في مورد طريان العنوان الآخر المحكوم بحكم آخر حيث إنّ ثبوت الحكم الثاني فيه وارتفاع الأوّل يمكن أن يكون بانحلال ملاك الحكم الأوّل نظير طريان عنوان نجاة المؤمن على الكذب حيث لا يكون في الكذب المزبور فساد.

وبالجملة الحكم بأنّ الخطابين من المتعارضين لا يتوقف على احراز فقد ملاك أحد الحكمين بل يتوقف على العلم بعدم ثبوت كلا الحكمين ولو كان منشأ هذا العلم عدم جواز اجتماع الحكمين كما ذكرنا في موارد التركيب الاتحادي بين متعلقي

٣٥٥

العاشر : إنه لا إشكال في سقوط الأمر وحصول الامتثال [١] بإتيان المجمع بداعي الأمر على الجواز مطلقا ، ولو في العبادات ، وإن كان معصية للنهي أيضا ، وكذا الحال على الامتناع مع ترجيح جانب الأمر ، إلّا أنه لا معصية عليه ، وأما عليه وترجيح جانب النهي فيسقط به الأمر به مطلقا في غير العبادات ، لحصول الغرض الموجب له ، وأما فيها فلا ، مع الالتفات إلى الحرمة أو بدونه تقصيرا ، فإنه وإن كان متمكنا ـ مع عدم الالتفات ـ من قصد القربة ، وقد قصدها ، إلّا أنه مع التقصير لا يصلح لأن يتقرب به أصلا ، فلا يقع مقربا ، وبدونه لا يكاد يحصل به الغرض الموجب للأمر به عبادة ، كما لا يخفى. وأما إذا لم يلتفت إليها قصورا ،

______________________________________________________

الأمر والنهي في المجمع.

أضف إلى ذلك أنّ البحث في جواز الاجتماع جار على مذهب الأشعري المنكر لثبوت المقتضي للأحكام ولا يتم البحث على ذلك المذهب أيضا إلّا على النحو الذي ذكرناه.

ثمرة القول بالجواز والامتناع

[١] يمكن أن يقال إنّه قدس‌سره تعرض في هذا الأمر للثمرة بين القول بجواز اجتماع الأمر والنهي والقول بعدم جوازه وحاصل ما ذكره أنّه بناء على جواز اجتماع الأمر والنهي يكون الإتيان بالمجمع موجبا لسقوط الأمر وامتثالا حتى في العبادات فيما أتى به بداعي الأمر وأمّا على القول بالامتناع يكون الأمر كذلك في موارد تقديم الأمر على جانب النهي في المجمع.

والفرق بين القولين على تقدير تقديم جانب الأمر أنّ الإتيان بالمجمع لا يكون معصية على الامتناع مع وتقديم جانب الأمر بخلاف القول بجواز الاجتماع فانّ الإتيان بالمجمع مع كونه امتثالا للأمر يكون معصية أيضا بالإضافة إلى النهي.

٣٥٦

وقد قصد القربة بإتيانه ، فالأمر يسقط ، لقصد التقرب بما يصلح أن يتقرب به ، لاشتماله على المصلحة ، مع صدوره حسنا لأجل الجهل بحرمته قصورا ، فيحصل به الغرض من الأمر ، فيسقط به قطعا ، وإن لم يكن امتثالا له بناء على تبعية الأحكام لما هو الأقوى من جهات المصالح والمفاسد واقعا ، لا لما هو المؤثر منها فعلا للحسن أو القبح ، لكونهما تابعين لما علم منهما كما حقق في محله.

مع أنه يمكن أن يقال بحصول الامتثال مع ذلك ، فإن العقل لا يرى تفاوتا بينه

______________________________________________________

وأمّا بناء على الامتناع وتقديم جانب النهي يكون الإتيان بالمجمع موجبا لسقوط الأمر في التوصليات لاشتمال المجمع على ملاك المأمور به على ما تقدم وأمّا في العبادات فلا يحكم بسقوط الأمر بالإتيان بالمجمع مع تنجّز الحرمة ، كما في صورة العلم بها أو الجهل بها تقصيرا فإنّ مع علم المكلف بعدم الأمر بالمجمع بل النهي عنه لا يمكن أن يتقرّب بالإتيان به ، وفي صورة جهله تقصيرا وإن كان يمكن أن يقصد التقرب بالإتيان به ولكن بما أنّ المجموع يصدر عنه مبغوضا لعدم كون جهله عذرا ، لا يحصل التقرب المعتبر والغرض الموجب للأمر بالعبادة.

نعم إذا لم يكن حرمة المجمع منجّزة في حقّه لغفلته وجهله بها قصورا وقصد بالإتيان به التقرب ، فالأمر بالعبادة يسقط لقصد التقرب بفعل صالح للتقرب مع عدم صدوره عنه مبغوضا بل يصدر عنه حسنا لأجل الجهل بحرمته قصورا مع اشتماله على المصلحة.

والفرق بين القول بالجواز والقول بامتناع الاجتماع مع تقديم جانب الحرمة عند كون المكلف معذورا هو أنّ الإتيان بالمجمع امتثال للأمر بالطبيعي على القول بالجواز ولم تصدر عن المكلف معصية لفرض جهله بها قصورا ، بخلاف القول بامتناع الاجتماع فالإتيان بالمجمع وإن لم يكن معصية لفرض الجهل بحرمته قصورا

٣٥٧

وبين سائر الأفراد في الوفاء بغرض الطبيعة المأمور بها ، وإن لم تعمه بما هي مأمور بها ، لكنه لوجود المانع لا لعدم المقتضي.

ومن هنا انقدح أنه يجزي ، ولو قيل باعتبار قصد الامتثال في صحة العبادة ، وعدم كفاية الإتيان بمجرد المحبوبية ، كما يكون كذلك في ضد الواجب ، حيث لا يكون هناك أمر يقصد أصلا.

وبالجملة مع الجهل قصورا بالحرمة موضوعا أو حكما ، يكون الإتيان

______________________________________________________

إلّا أنّ الإتيان المزبور لا يكون امتثالا للأمر بالطبيعي وان كان مسقطا للأمر به ، لأنّ الامتثال عبارة عن الإتيان بما يدخل في متعلق الأمر بما هو متعلق الأمر والمجمع بناء على الامتناع وتقديم جانب النهي لا يدخل في متعلق الأمر بالطبيعي حيث إنّ النهي الواقعي عن المجمع قد قيّد متعلق الأمر بالطبيعي بغير المجمع ، وخروج المجمع عن متعلّق الأمر مبني على تبعية الأحكام الواقعية لما هو الأقوى من جهات المصالح والمفاسد فإنّه على ذلك يكون تعلق النهي واقعا بالمجمع موجبا لتقيد متعلّق الأمر بغيره ، بخلاف ما لو قيل بتبعية الأحكام لما هو المؤثّر فعلا للحسن والقبح لأنّ الحسن والقبح تابعين للمعلوم من المصالح والمفاسد على ما حقّق في محلّه.

وبالجملة اشتمال المجمع على المصلحة وعدم صدوره عن القاصر قبيحا ـ لجهله بحرمته قصورا ـ بل صدوره عنه حسنا يوجب التقرب وسقوط الأمر بالطبيعي لتدارك ملاكه ولو سلّم أنّ الإتيان بمجرد المحبوبية والملاك غير كاف في قصد التقرب بل لا بدّ في قصد التقرب من الإتيان بداعوية الأمر لأمكن أن يقال إنّ الجاهل القاصر يأتي بالمجمع بداعوية الأمر بالطبيعي فقصد الامتثال حاصل غاية الأمر الطبيعي بلحاظ تعلّق الأمر به لا يعمّ المجمع والعقل لا يرى تفاوتا بين المجمع وسائر الافراد في الوفاء بالغرض ، وعدم عموم الطبيعي ـ من جهة الأمر ـ للمجمع إنّما

٣٥٨

بالمجمع امتثالا ، وبداعي الأمر بالطبيعة لا محالة ، غاية الأمر أنه لا يكون مما تسعه بما هي مأمور بها ، لو قيل بتزاحم الجهات في مقام تأثيرها للأحكام الواقعية ، وأما لو قيل بعدم التزاحم إلّا في مقام فعلية الأحكام ، لكان مما تسعه وامتثالا لأمرها بلا كلام.

______________________________________________________

هو بلحاظ المانع لا لفقد المقتضي ، وعدم العموم كذلك بناء على القول بتزاحم جهات المصالح والمفاسد عند جعل الأحكام الواقعية فمعناه لا يمكن جعل غير الحرمة لفعل يكون فساده الواقعي أقوى من مصلحته وامّا إذا قيل بعدم التزاحم في الجهات إلّا في مقام فعليّة الأحكام فمعناه إمكان جعل الوجوب لذى مصلحة فيما لم يكن فساده موجبا للقبح فيدخل المجمع في الطبيعي المأمور به بما هو مأمور به كما لا يخفى. وقد تحصّل من جميع ما ذكر الفرق بين ما كان دليل الحرمة مع دليل الوجوب متعارضين وقدّم دليل الحرمة على الرواية الدالة على الوجوب تخييرا أو ترجيحا حيث لا يكون معه مجال لصحة الفعل ، بلا فرق بين صورتي العلم والجهل وبين ما كان الخطابان من باب الاجتماع وقدّم جانب الحرمة مع القول بامتناع الاجتماع ، حيث يحكم بصحة المجمع في موارد الجهل قصورا أو النسيان كذلك إمّا لوفاء المجمع بالغرض أو لموافقة الأمر ويكون الثواب على الإتيان به من الثواب على الإطاعة لا الثواب على الانقياد ، ولذا حكم الأصحاب بصحة الصلاة في الدار المغصوبة مع النسيان أو الجهل بالموضوع بل مع الجهل بالحكم قصورا مع أنّ جلّهم لو لا كلّهم قائلون بامتناع الاجتماع وتقديم جانب الحرمة ويحكمون بالبطلان في غير موارد العذر.

أقول : قد تقدم أنّه بناء على امتناع الاجتماع وتقديم جانب الحرمة لا يمكن احراز ملاك الواجب في المجمع بلا فرق بين العبادات وغيرها فيحكم ببطلان الصلاة في الدار المغصوبة أو نحوها ممّا يتّحد عنوان الحرام مع العبادة وجودا ، كما

٣٥٩

وقد انقدح بذلك الفرق بين ما إذا كان دليلا الحرمة والوجوب متعارضين ، وقدم دليل الحرمة تخييرا أو ترجيحا ، حيث لا يكون معه مجال للصحة أصلا ، وبين ما إذا كانا من باب الاجتماع.

وقيل بالامتناع ، وتقديم جانب الحرمة ، حيث يقع صحيحا في غير مورد من

______________________________________________________

هو مقتضى تقييد متعلّق الأمر بغير المجمع.

نعم لو فرض سقوط التحريم عن المجمع واقعا كما في صورة الاضطرار والغفلة والنسيان عن حرمته فلا مانع عن الأخذ باطلاق الأمر بالطبيعي في إحراز الترخيص في التطبيق وكشف الملاك ويجرى ذلك في التوصليات أيضا فلا يحكم بسقوط الأمر فيها بمجرد الإتيان بالمجمع مع تقديم جانب النهي.

ويلزم على الماتن قدس‌سره أن يفتى بسقوط التكليف بدفن الميت عن سائر المكلفين بمجرّد دفن أحد المكلفين ، الميت في أرض مغصوبة ، وذلك لاشتمال الدفن المزبور على ملاك الدفن في ملك مباح ، ومعه لا تكليف على الآخرين نعم على الدافن نبش القبر لأنّ بقاء الميت في ذلك المكان تصرف في ملك الغير بلا رضا مالكه ، وهذا بخلاف سائر الناس فإنّه لا يجب عليهم الدفن إلّا بعد نبش القبر.

وبالجملة تقديم خطاب النهي في مورد الاجتماع مقتضاه تقييد متعلق الأمر بغير ذلك المجمع بلا فرق بين التوصليات والتعبديّات لأنّ النهي إذا تعلق عنوان انحلالي ـ فمع الأمر بفعل بالعنوان الذي يتّحد في بعض أجزائه أو قيوده من بعض المصاديق مع الفرد المنهي عنه ـ لا يجتمع مع الترخيص في تطبيق متعلق الأمر على ذلك المصداق لا بنحو الإطلاق ولا بنحو الترتب ، ومعه لا يمكن كشف ملاك متعلّق الأمر في ذلك المجمع فيحكم بفساد ذلك المجمع وعدم اكتفائه في سقوط الأمر بالفعل ، إلّا إذا سقط النهي عنه كما في موارد الاضطرار والغفلة والنسيان أو قام دليل

٣٦٠