دروس في مسائل علم الأصول - ج ٢

آية الله الميرزا جواد التبريزي

دروس في مسائل علم الأصول - ج ٢

المؤلف:

آية الله الميرزا جواد التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات دار الصديقة الشهيدة عليها السلام
المطبعة: نگين
الطبعة: ٢
ISBN: 978-964-8438-61-1
ISBN الدورة:
978-964-94850-1-0

الصفحات: ٤٠٨

المقصد الثاني : في النواهي

فصل

الظاهر أن النهي بمادته وصيغته في الدلالة على الطلب ، مثل الأمر [١] بمادته وصيغته ، غير أن متعلق الطلب في أحدهما الوجود ، وفي الآخر العدم ، فيعتبر فيه ما استظهرنا اعتباره فيه بلا تفاوت أصلا ، نعم يختص النهي بخلاف ، وهو : إن متعلق الطلب فيه ، هل هو الكف ، أو مجرد الترك وأن لا يفعل؟ والظاهر هو الثاني ، وتوهم أن الترك ومجرد أن لا يفعل خارج عن تحت الاختيار ، فلا يصح أن يتعلق به البعث والطلب ، فاسد ، فإن الترك أيضا يكون مقدورا ، وإلّا لما كان الفعل مقدورا وصادرا بالإرادة والاختيار ، وكون العدم الأزلي لا بالاختيار ، لا يوجب أن يكون كذلك بحسب البقاء والاستمرار الذي يكون بحسبه محلا للتكليف. ثم إنه لا دلالة

______________________________________________________

مادة النهي وصيغته

[١] مراده قدس‌سره كما يكون الطلب في الأمر مستفادا من مادّة (أ ـ م ـ ر) تارة ولذا يستفاد منه الطلب مع طروّ الهيئات المختلفة على تلك المادّة ، وأخرى يستفاد من الهيئة نحو «اضرب» ولذا لا يستفاد الطلب بطروّ هيئة أخرى على مادة (ض ـ ر ـ ب) ، كذلك يستفاد الطلب في النهي من مادة (ن ـ ه ـ ي) ولا تنتفي الدلالة عليه بطروّ الهيئات المختلفة عليها وقد يستفاد من صيغة النهي نحو «لا تضرب» وتنتفي الدلالة عليه بطروّ هيئة أخرى على مادة (ض ـ ر ـ ب).

ولكن يختلف الأمر مع النهي في متعلّق الطلب فإنّ متعلّقه في الأمر الوجود

٣٠١

.................................................................................................

______________________________________________________

بمعناه المصدري المعبّر عنه بالإيجاد والجعل البسيط ، وفي النواهي الترك ومجرد أن لا يفعل.

وبتعبير آخر الأمر والنهي يشتركان في الطلب ويمتاز الأوّل عن الثاني في متعلّق الطلب.

وقد يقال : إنّ الطلب في النهي لا يتعلّق بالترك فانّ الترك أمر أزلي سابق على المكلّف والتكليف وقدرته ، بل يتعلّق بالكف وهو امتناع النفس عن ارتكاب الشيء عند ميله إلى الارتكاب.

وهذا القول مخالف لقول المشهور بل غير صحيح لأنّ المتبادر من النهي في موارده طلب ترك الفعل ، سواء كان للنفس ميل إلى الارتكاب أم لا ، ولذا يعدّون التارك للمنهي عنه عاملا بالنهي وآخذا به سواء كان له ميل إلى ارتكابه أم لا ، والترك في بقائه يدخل في اختيار المكلف وقدرته ، للزوم تساوي نسبة القدرة إلى الإيجاد والترك ولو لم يكن الترك في بقائه مقدورا لما كان الإيجاد اختياريا.

أقول : المستفاد من النهي سواء كان بمادته أو بصيغته هو المنع عن الفعل والزجر عنه ، وعليه فالنزاع في أنّ مدلول النهي طلب ترك الفعل أو طلب الكفّ عنه ساقط من أصله ، حيث لا يستفاد من النهي الطلب أصلا وإذا فرض الصلاح في ترك الفعل يكون الطلب المتعلّق بالترك إيجابا لا نهيا عن الفعل ، فإنّ تحريم فعل ينشأ عن الفساد في ذلك الفعل لا الصلاح في الترك ولو فرض الصلاح في الترك فهو على ثلاثة أقسام.

الأول : أن يترتب الصلاح على مجموع التروك كما في الصوم حيث إنّ ترك

٣٠٢

.................................................................................................

______________________________________________________

المفطرات من طلوع الفجر إلى دخول الليل يترتب عليه ملاك واحد يكون مجموع التروك داخلا في الواجب الارتباطي.

الثاني : أن يترتب الصلاح على كل منها على نحو العموم الاستغراقي فيكون كل واحد واجبا مستقلا.

الثالث : أن يترتب الصلاح على أمر بسيط مسبّب من مجموع التروك بحيث يكون المطلوب هو ذلك البسيط ويكون مجموع التروك محصّلا للواجب.

وتظهر الثمرة فيما إذا شك بالشبهة الموضوعية في كون شيء من افراد الفعل فعلى إيجاب الترك بالنحو الثاني يكون ترك المشكوك موردا لأصالة البراءة عن احتمال وجوبه بلا كلام لأنّ الشك في التكليف المستقل ، وعلى اعتباره بالنحو الثالث يكون مجرى قاعدة الاشتغال كما هو المشهور للشك في حصول الواجب المعلوم وجوبه بدون ترك المشكوك ، وفي الأوّل يكون الرجوع إلى البراءة أو الاشتغال مبنيا على مسألة الأقل والأكثر الارتباطيين.

وقد يقال كما عن سيدنا الاستاذ قدس‌سره : إنّ في مورد الأمر بفعل يعتبر الفعل على عهدة المكلّف ويكون إبراز هذا الاعتبار أمرا ومصداقا للبعث والطلب كما يعتبر في مورد النهي عن الفعل حرمان المكلّف ومحروميته عنه ويكون إبراز هذا الحرمان نهيا ومصداقا للزجر والمنع.

وبتعبير آخر لا يكون معنى النهي طلب الترك أو الزجر عن الفعل بل معناه كون المكلف محروما عنه بحسب الاعتبار (١).

وفيه : أنّه لا يرى العرف قوله «لا تضرب أحدا ولا تشتمه» مرادفا لقوله جعلتك

__________________

(١) المحاضرات ٤ / ٨٦.

٣٠٣

لصيغته على الدوام والتكرار ، كما لا دلالة لصيغة الأمر [١] وإن كان قضيتهما عقلا تختلف ولو مع وحدة متعلقهما ، بأن يكون طبيعة واحدة بذاتها وقيدها تعلق بها الأمر مرة والنهي أخرى ، ضرورة أن وجودها يكون بوجود فرد واحد ، وعدمها لا يكاد يكون إلّا بعدم الجميع ، كما لا يخفى. ومن ذلك يظهر أن الدوام والاستمرار ،

______________________________________________________

محروما عن ضربه وشتمه ولا يرى قوله «لا تزن» مرادفا لقوله جعلتك محروما عن الزنا ، كما لا يكون قوله «جئني بالماء» مرادفا لقوله جعلت المجيء بالماء على عهدتك إلّا بنحو الكناية.

والظاهر أنّ الأمر بمادته أو صيغته تحريك الآخر نحو الفعل ويعبّر عن ذلك بالبعث والطلب كما أنّ النهي بمادته أو صيغته يدل على الزجر عن الفعل والحركة إليه ويعبّر عن ذلك بالزجر والمنع ، والشاهد لما ذكرنا أنّك لا تجد في موارد إيجاب الفعل واستحبابه فرقا في المستعمل فيه وكذا في موارد تحريم الفعل وكراهته في ناحية معنى صيغة الأمر أو صيغة النهي ، فالأمر هو التحريك الذي لا ترخيص في تركه كما أنّ النهي هو المنع عن الارتكاب من غير ترخيص فيه وإلّا يكون التحريك ترغيبا مولويا والمنع تنزيها.

وممّا يترتّب على كون معنى الأمر اعتبار الفعل على العهدة والنهي اعتبار المحروميّة هو أنّ القدرة على المتعلّق في التكاليف بناء عليهما تكون معتبرة ودخيلة في تنجّزها بخلاف القول بكون الأمر هو البعث نحو الفعل والنهي هو الزجر عنه والمنع عن الارتكاب حيث لا يتحقق البعث والزجر إلّا في حق القادر ، ولكن في المترتب عليهما تأمّل.

دلالة النهي على الدوام والتكرار

[١] ذكر قدس‌سره أنّه كما لا دلالة لصيغة الأمر على خصوصيّة التكرار أي الدوام بل

٣٠٤

إنما يكون في النهي إذا كان متعلقه طبيعة مطلقة غير مقيدة بزمان أو حال ، فإنه حينئذ لا يكاد يكون مثل هذه الطبيعة معدومة ، إلّا بعدم جميع أفرادها الدفعية والتدريجية.

وبالجملة قضية النهي ، ليس إلّا ترك تلك الطبيعة التي تكون متعلقة له ، كانت مقيدة أو مطلقة ، وقضية تركها عقلا ، إنما هو ترك جميع أفرادها. ثم إنه لا دلالة للنهي على إرادة الترك لو خولف ، أو عدم إرادته ، بل لا بد في تعيين ذلك من دلالة ، ولو كان إطلاق المتعلق من هذه الجهة ، ولا يكفي إطلاقها من سائر الجهات ، فتدبر جيدا.

______________________________________________________

كان مدلولها طلب وجود الطبيعي ، كذلك لا دلالة لصيغة النهي على تكرار الترك ودوامه بالدلالة اللفظية بل مدلولها اللفظي طلب ترك طبيعي الفعل ، نعم يفترق الأمر عن النهي في أنّ مقتضى إطلاق المتعلّق في الأوّل كفاية وجود فرد واحد من الطبيعي المتعلق به الأمر لحصول الطبيعي به ، بخلاف إطلاق المتعلق في النهي فانّ مقتضاه عقلا ترك جميع أفراد الفعل بلا فرق بين أفراده الطولية والعرضيّة ليتحقّق تركه وبقائه على عدمه وهذا فيما كان متعلّق النهي مطلقا أي غير مقيّد بزمان أو حال وإلّا كان مقتضى المدلول ترك أفراد المتعلق في ذلك الزمان أو الحال.

وبالجملة فإن لم يكن الطبيعي مقيدا بزمان أو حال فمقتضى النهي عنه ترك تمام افراده ، وإن كان مقيدا بأحدهما كان مقتضاه ترك أفراده في ذلك الزمان أو الحال بخلاف الإطلاق في متعلّق الأمر فإنّ مقتضاه عقلا الاكتفاء بحصول فرد ما لحصول الطبيعي معه.

٣٠٥

.................................................................................................

______________________________________________________

أقول : إن أراد بترك الطبيعي في قوله : «لا يكون مثل هذه الطبيعة معدومة إلّا بعدم جميع أفرادها الدفعية والتدريجية» (١) صرف تركها المقابل لصرف وجودها فلا ينبغي التأمّل في أنّ صرف تركها أيضا يحصل بترك فرد منها ، وانّما يجب ترك جميع الافراد ، فيما كان المطلوب تركها المطلق أي تركها الاستيعابي مقابل وجودها الاستيعابي لا صرف تركها.

وبتعبير آخر تختلف الأوامر عن النواهي بأنّ المطلوب في الأوامر مع عدم القرينة على الخلاف صرف وجود الطبيعي بخلاف النواهي فإنّ المطلوب فيها مع عدم القرينة على الخلاف هو الترك المطلق وهذا الفرق لا يكون بمقتضى العقل بل هو مقتضى القرينة العامّة في البين وهي أنّ صرف الترك بالمعنى المزبور حاصل في موارد النواهي لا محالة لعدم تمكن المكلف نوعا من الإتيان بجميع أفراد طبيعي الفعل فلا معنى لطلبه ، أضف إلى ذلك أنّ المفسدة الناشئة منها النهي تحصل نوعا في كل وجود من تلك الطبيعة فيكون المطلوب ترك كل منها وينحلّ النهي بالإضافة إلى انحلال متعلّقه كما ينحلّ بالإضافة إلى موضوعه وهذا بخلاف الأوامر فإنّ المصلحة الملحوظة فيها تحصل بصرف الوجود ولا يكون في الوجودات الأخرى ملاك ملزم بعد الوجود الأوّل ، مع أنّ المكلف لا يتمكن نوعا من الإتيان بجميع افراد الطبيعي من أفراده العرضية والطوليّة فيكون المطلوب صرف وجوده مع عدم المعيّن لمطلوبيّة غيره ولذا يكون مقتضى إطلاق المتعلق في الأوامر العموم البدلي ومقتضاه في النواهي العموم الاستيعابي فالفارق بين الأمر والنهي هو ما ذكرناه من أنّه مقتضى القرينة العامة لا مقتضى حكم العقل مع اتّحاد المطلوب في كل منهما كما

__________________

(١) الكفاية : ١٤٩.

٣٠٦

.................................................................................................

______________________________________________________

هو ظاهر عبارة الماتن قدس‌سره هذا كلّه بناء على أنّ النهي هو طلب الترك.

وأمّا بناء على أنّه المنع والزجر عن الفعل فيختلف الحال إذ يكون على قسمين :

الأول : أن تكون المفسدة في مورد النهي في أوّل وجود من الطبيعي أي في إخراجه إلى الوجود سواء كان مطلقا أو في زمان أو في حال وفي مثل ذلك لو خالف المكلف النهي المزبور ولو بإيجاد فرد منه سقط النهي رأسا ، لكون بقائه بلا ملاك لعدم الانحلال في الملاك حسب الفرض وربما يمثل لذلك بما إذا نذر المكلّف عدم شرب التتن فإنّه لو شربه بعد النذر المزبور ولو مرّة عصى ولا مانع بعد ذلك من جواز شربه ، ولكن في المثال مناقشة حيث إنّ الناذر في قوله «لله عليّ أن لا أشرب التتن» يأخذ على عاتقه ترك شربه بحيث لا يحصل منه صرف الوجود وإذا فرض صحة هذا النذر كما هو الصحيح لرجحان ترك شربه لاحتمال الحرمة في شربه يكون الترك المزبور واجبا شرعيا ، وعدم جواز شربه عقليا من باب حكمه بعدم جواز ترك الواجب ، لا أنّه من قبيل ارتكاب المحرم الشرعي ، لكون الحرمة غيرية.

الثاني : أن تكون المفسدة في كل من وجودات الطبيعي فيكون النهي عنه انحلاليا وذكرنا أنّ الغالب في موارد النواهي تحقّق الفساد في كل فرد من أفراده بحيث يكون كل منها مورد الزجر والمنع وإذا خالف المكلف التكليف في فرد سقط التكليف بالإضافة إليه لا عن سائر الوجودات وهذه الغلبة في النواهي الواقعة في العرفيات والشرعيات موجبة لظهور النهي عن فعل ـ مطلقا أو في زمان أو حال ـ في الانحلال بحيث يحتاج تفهيم أنّ النهي من القسم الأوّل إلى التعرض والبيان ولو بقوله (وإن عصيت فلا بأس بالفعل بعدها).

٣٠٧

.................................................................................................

______________________________________________________

وبالجملة إذا ورد نهي في خطاب عن طبيعي الفعل ولم يكن في البين قرينة على أنّ الزجر عن صرف وجوده كان مقتضى عدمها بضميمة كون المتكلم في مقام البيان ـ على ما هو الأصل في كل خطاب ـ موجبا لظهوره في الانحلال فعدم نصب القرينة على الخلاف كاف في إثبات الانحلال المقتضي لعدم سقوط التكليف عن سائر الأفراد بسقوطه عن فرد للعصيان أو الاضطرار إليه أو الإكراه عليه كما لا يخفى.

الانحلال في الوضعيات وتخفيف المانع

ثمّ إنّه لا يختصّ الانحلال ـ كما هو مقتضى إطلاق المتعلق في خطاب النهي ـ بما إذا كان النهي تكليفيا بل يجري في النهي الوضعي أيضا كما في النهي عن شيء عند الإتيان بعبادة أو معاملة الظاهر في مانعيته عنهما ويترتب على انحلاله لزوم تقليل المانع مع التمكّن من التقليل والرجوع إلى البراءة في المشكوك من أفراد المانع ولو بالشبهة الموضوعية من غير إشكال وتأمّل.

وبيان ذلك : أنّه يقع الكلام في موارد النهي عن شيء عند الإتيان بعبادة أو معاملة الظاهر في الارشاد إلى مانعيته عنهما ، في أنّ المانعيّة تعتبر لصرف وجود ذلك الشيء أو لجميع وجوداته على نحو الانحلال.

إذا ثبتت المانعية لصرف وجوده ، فيترتب عليه أنّه لو اضطرّ المكلّف إلى الصلاة في بعض وجودات ذلك المانع أو مع بعضها فترتفع المانعية عن ذلك الشيء لعدم سقوط التكليف بالصلاة وعدم تمكنه على رفع صرف وجود ذلك المانع فلا يجب عليه تقليل وجوداته ، وكذا إذا شك في شيء من وجودات ذلك الشيء المانع بصرف وجوده لا تجري أصالة البراءة عن مانعية المشكوك بل اللازم الصلاة

٣٠٨

.................................................................................................

______________________________________________________

في غير المشكوك ليحرز تحقّق الصلاة مع عدم صرف وجود ذلك الشيء كما هو مقتضى قاعدة الاشتغال فإنّ مانعية صرف وجوده للصلاة معناها تقيد الصلاة بكل تروك ذلك الشيء ومع الصلاة في المشكوك لا يحرز حصول القيد لها.

وإذا كانت المانعيّة انحلاليّة ثابتة لكل وجود من وجودات ذلك الشيء فيترتب على هذا الانحلال وجوب التقليل في المثال الأوّل حيث إنّ سقوط المانعية عن فرد من ذلك الشيء بالاضطرار إليه أو الإكراه عليه لا يوجب سقوط المانعية عن سائر وجوداته ، وعلى الانحلال ليست المانعية المعتبرة مانعية واحدة لصرف وجوده ، بل كل واحد من وجوداته مانع مستقل اعتبر تركه في متعلّق التكليف بالصلاة قيدا لها وإذا سقطت المانعية عن بعض وجوداته للاضطرار ونحوه ، فلا موجب لسقوطها عن الوجودات الآخر.

كما يترتّب على الانحلال الرجوع إلى البراءة عن اعتبار المانعيّة للمشكوك في كونه من أفراد ذلك الشيء على المختار في باب الشك في الأقل والأكثر الارتباطيين وحيث إنّ ظاهر النهي الإرشادي إلى المانعية ـ بحسب المتفاهم العرفي ـ لا يختلف عن ظاهر النهي التكليفي في هذه الجهة تظهر الثمرة في موارد الاضطرار إلى بعض افراد المانع في موارد الصلاة في اللباس المشكوك.

ولكن الرجوع إلى البراءة في المشكوك إنّما هو فيما لم يكن في البين أصل حاكم يثبت دخول المشكوك في ذلك الشيء المانع أو يثبت خروجه عنه ، وإلّا يؤخذ بالأصل الحاكم ولا تصل النوبة إلى أصالة البراءة عن المانعية كما إذا أراد المكلف أن يلبس في صلاته ثوبا أو يستصحب معه شيئا يعلم أنّه من أجزاء الحيوان المأكول لحمه ولكن شك في أنّه مذكّى ، فإنّه باستصحاب عدم ذكاته يحرز بأنّه غير

٣٠٩

.................................................................................................

______________________________________________________

مذكّى فلا تجوز الصلاة فيه لأنّ عدم ذكاة الجلد أو نحوه المأخوذ من الحيوان المأكول لحمه مانع عن الصلاة ، كما أنّه إذا أحرز أنّ الثوب أو نحوه من المذكى ولكن شك في أنّ المذكّى المزبور ممّا يؤكل لحمه كالغنم ، أو ممّا لا يؤكل كالأرنب والذئب فإنّ الاستصحاب في عدم كونه من الذئب أو الأرنب مقتضاه جواز الصلاة فيه لعدم كونه من افراد المانع ولا يحتاج جوازها إلى إحراز كونه من الغنم لعدم اشتراط الصلاة بوقوعها في أجزاء الحيوان المأكول لحمه وهذا مبني على كون المراد ممّا لا يؤكل لحمه في مثل قوله عليه‌السلام (١) : «لا تصل في جلد ما لا يشرب لبنه ولا يؤكل لحمه» الإشارة إلى عناوين الحيوانات ، وإلّا فبناء على موضوعية عنوان «ما لا يؤكل» فيمكن إحراز كون الحيوان ممّا يؤكل لحمه بجريان أصالة الحليّة فيه مع فرض ذكاته كما هو المفروض.

وما ذكرناه واضح بناء على اعتبار الاستصحاب في الأعدام الأزليّة وأمّا بناء على عدم جريانه فيها فيمكن الاستصحاب النعتي وذلك فإنّ مفاد قوله عليه‌السلام (٢) : «وان كان غير ذلك ممّا ... حرم عليك أكله فالصلاة في كل شيء منه فاسد» هو مانعية شيء ينطبق عليه أنّه من أجزاء مثل الذئب وتوابعه ، فيقال هذا الموجود الذي يريد المكلف أن يصلّي فيه أو معه لم يكن في زمان من أجزاء الذئب وتوابعه قبل صيرورته جزءا من بدن الحيوان ، ويحتمل أن يكون فعلا كذلك أي ليس من أجزاء الذئب.

وما اشتهر في الألسن من اعتبار بقاء الموضوع في جريان الاستصحاب على ما

__________________

(١) الوسائل : ج ٣ ، الباب ٢ من أبواب لباس المصلي ، الحديث : ١ و ٦.

(٢) من أبواب لباس المصلي ، الحديث ١ و ٦.

٣١٠

.................................................................................................

______________________________________________________

بين في تنبيهات الاستصحاب فمعناه اتّحاد القضية المتيقنة والمشكوكة وهذا الاتّحاد محرز في الفرض كما هو الحال في موارد الشك في الاستحالة بالشبهة الموضوعية.

نعم بقاء العنوان المقوّم بنظر العرف معتبر في الاستصحاب في الشبهات الحكمية لأنّ الحكم الذي يجري الاستصحاب فيه كان ثابتا لذلك العنوان ، ولا يجري في مثل مورد الكلام ممّا يشك في بقاء ذات المعنون أو تبدّله بشيء آخر ينتفي معه عنوانه السابق كما لا يخفى.

وقد يتعدّى من تقليل المانع الذي التزمنا به إلى تخفيف النجاسة من الثوب أو البدن كما إذا لم يكن عند المكلف ماء لغسل ثوبه المتنجس بالبول إلّا مرّة فقد ذكر في العروة أنّه يتعيّن عليه غسله مرّة واحدة ، ولكن هذا يتمّ فيما إذا كان للمتجنس عنوانان كما إذا كان البول الذي أصاب ثوبه أو بدنه من حيوان لا يؤكل لحمه فيجب غسله مرّة لازالة العين لتمكن المكلف من إزالة عين البول المانع عن الصلاة لا بعنوان النجاسة بل بما هو من توابع حيوان لا يؤكل لحمه ولذا حتّى لو كان تابعة طاهرا لا تجوز الصلاة فيه أو معه.

بقى في المقام أمر وهو أنّه إذا فرض عدم الانحلال في النواهي الإرشادية كالنهي عن الصلاة فيما لا يؤكل لحمه وانّ الصلاة تكون مقيّدة بمجموع التروك المفروضة للبس أو حمل ما لا يؤكل لحمه أو مقيدة بما ينتزع من كلّ تلك التروك ، فقد تقدم أنّه لا مجال على هذا الفرض للقول بوجوب التقليل ولا للرجوع إلى البراءة في المشكوك بالشبهة الخارجيّة ، فهل يمكن تصحيح الصلاة في المشكوك كذلك بالاستصحاب بأن يقال : «في زمن من الأزمنة لم يكن لبس وحمل ما لا يؤكل لحمه

٣١١

.................................................................................................

______________________________________________________

على نحو مفاد ليس التامّة وهو قبل لبس المشكوك أو حمله ، ومقتضى الاستصحاب بقاء ذلك العدم على حاله بعد لبسه وحمله.

وقد يقال إنّ التصحيح بالاستصحاب مبني على اعتبار الاستصحاب في الاعدام الأزلية كما إذا كان الترك المفروض وصفا للصلاة أو أن يكون العدم المفروض المعتبر في الصلاة وصفا للمصلّي لا للصلاة حيث إنّه لو كان وصفا للمصلّي لصحّ أن يقال إنّ المصلّي لم يكن قبل لبس المشكوك أو استصحابه مستصحبا من تلك الأجزاء والرطوبات ولا لابسا لما لا يؤكل لحمه والاستصحاب يقتضي بقاء ذلك الوصف في المصلّي حال صلاته.

وكان أخذه وصفا للمصلّي خلاف ظاهر خطاب النهي حيث إنّ الخطابات ظاهرة في اعتباره وصفا لنفس الصلاة وقيدا لها والاستصحاب لا يعتبر في العدم الأزلي ولا يثبت العدم النعتي حتى بناء على اعتباره في الاعدام الأزلية فانّ العدم النعتي مفاد القضية المعدولة.

فإنّه يقال : إنّ الصحيح جواز الصلاة في المشكوك حتى بناء على عدم الانحلال في النواهي وعدم كونها إرشادا إلى وصف المصلّي لاعتبار الاستصحاب في العدم الأزلي ، بل حتى بناء على عدم اعتباره فيه أيضا لأنّ التقيّد المستفاد من النهي الوضعي ليس إلّا اجتماع تلك التروك في الزمان مع الصلاة بأن تكون الصلاة في زمان تكون تلك التروك محققة موجودة في ذلك الزمان ، كما هو الحال في تقيّد كل عرض بعرض آخر وجودا أو عدما فركعات الصلاة موجودة بالوجدان وتلك التروك محرزة بالأصل فيتم إحراز متعلّق التكليف بتمامه كما اوضحنا ذلك في بحث الاستصحاب في وجه جريانه في نفس الزمان وغيره ممّا يكون من قيود متعلّق التكليف.

٣١٢

.................................................................................................

______________________________________________________

وعلى تقدير الإغماض عن ذلك كلّه فيمكن أن يرجع إلى البراءة عن جزئية المشكوك من مجموع التروك المجعول قيدا للصلاة فانّ جزئية المشكوك للتروك المطلوبة في الصلاة غير معلوم فيرفع بحديث الرفع ، نعم إذا كان القيد للصلاة الأمر المسبّب من مجموع التروك فلا مجال معه البراءة في المشكوك وهذا إجمال ما يمكن أن يقال في بحث اللباس المشكوك فلاحظ.

٣١٣
٣١٤

فصل

اختلفوا في جواز اجتماع الأمر والنهي في واحد [١] ، وامتناعه ، على أقوال : ثالثها : جوازه عقلا وامتناعه عرفا ، وقبل الخوض في المقصود يقدم أمور :

______________________________________________________

اجتماع الأمر والنهي

[١] ذهب المحقق النائيني قدس‌سره إلى أنّ الأولى أن يعنون الخلاف بوجه آخر وهو : أنّ تعلّق الأمر بعنوان وتعلّق النهي بعنوان آخر بحيث يكون لهما مورد الاجتماع ، هل يوجب سراية أحدهما إلى متعلّق الآخر خارجا ليتعيّن رفع اليد عن أحدهما في مورد الاجتماع ، أو أنّ اتّحاد العنوانين وانضمامها كما ذكر لا يوجب سراية أحدهما إلى متعلّق الآخر وأنّه لا موجب لرفع اليد عن أحدهما في مورد اجتماعهما. وجه الأولويّة هو أنّ ظاهر هذا النحو من العنوان كون تضادّ الوجوب والحرمة مسلّما عند الكلّ سواء بين القائل بجواز الاجتماع والقائل بعدم الجواز ، إلّا أنّ القائل بالجواز يرى أنّ متعلّق الأمر غير متعلّق النهي ، والقائل بعدم الجواز يرى سراية أحدهما إلى متعلّق الآخر ، فلا تعدّد في الحقيقة في ناحية متعلّقهما بخلاف عنوان الخلاف بأنّه يجوز اجتماع الأمر والنهي في واحد فإنّه يوهم أنّ القائل بالجواز لا يعترف بتضادّ الوجوب والحرمة فلا بأس عنده باجتماعهما في واحد خارجا (١).

أقول : لا فرق في عنوان الخلاف بين ما ذكره قدس‌سره والمذكور في كلام القوم في أنّ ظاهرهما اعتراف القائل بالجواز كالقائل بالامتناع بتضادّ الوجوب والحرمة فانّ تقييد مورد الخلاف في كلامهم بكون الواحد ذا جهتين فيه دلالة على تسالم الطرفين بتضاد

__________________

(١) أجود التقريرات ١ / ١٣٣.

٣١٥

الأول : المراد بالواحد [١] مطلق ما كان ذا وجهين ، ومندرجا تحت عنوانين ، بأحدهما كان موردا للأمر ، وبالآخر للنهي ، وإن كان كليا مقولا على كثيرين ، كالصلاة في المغصوب ، وإنما ذكر لإخراج ما إذا تعدد متعلق الأمر والنهي ولم يجتمعا وجودا ، ولو جمعهما واحد مفهوما ، كالسجود لله تعالى ، والسجود للصنم مثلا ، لا لإخراج الواحد الجنسي أو النوعي كالحركة والسكون الكليين المعنونين بالصلاتيّة والغصبيّة.

______________________________________________________

الوجوب والحرمة وإشارة إلى أنّ القائل بالجواز يرى أنّ متعلق أحدهما غير متعلق الآخر وإلّا لكان القائل بالجواز يلتزم بالجواز في اجتماعهما في واحد مع تعدد الجهة.

وبالجملة اختصاص القول بالجواز بما إذا كان للواحد عنوانان فيه إشارة إلى تعدّد المتعلقين وإنّ هذا القائل لا يرى سراية أحدهما إلى متعلّق الآخر نعم من لم يأخذ في عنوان الخلاف كون الواحد ذا جهتين كالماتن قدس‌سره فللوهم في عبارته مجال.

المراد بالواحد في محلّ النزاع

[١] المراد بالواحد ما يندرج تحت عنوانين يتعلّق بأحدهما الأمر وبالآخر النهي فيكون البحث في المقام في إمكان اجتماع الأمر والنهي في ذلك الواحد وامتناعه ، بلا فرق بين كون الواحد شخصيا أو كليّا كالواحد النوعي مثل الحركة الخاصة في ملك الغير بلا رضا مالكه فإنّها كلّي يندرج في عنواني الغصب والصلاة ، وفي تمثيل الماتن قدس‌سره للكلّي المندرج في عنوانين بالصلاة في المغصوب مسامحة فإنّ عنوان الغصب ينطبق على بعض الحركات الصلاتيّة لا على تمام الصلاة.

تعرض قدس‌سره لبيان المراد من الواحد دفعا لما ذكر في القوانين والفصول من أنّ

٣١٦

.................................................................................................

______________________________________________________

المراد به هو الواحد الشخصى ليخرج الواحد النوعي أو الجنسي.

ووجه الدفع أنّه لا موجب للاحتراز عنهما ولو فرض واحد نوعي يندرج تحت عنوانين تعلّق بأحدهما الأمر وبالآخر النهي يجري الكلام في إمكان الأخذ بإطلاق كل من خطابي الأمر والنهي في ذلك الواحد كما مرّ في مثال الحركة الخاصة المنطبق عليها عنوان الصلاة وعنوان الغصب فيكون ذكر الواحد للاحتراز عمّا إذا كان كل من العنوانين مندرجا تحت عنوان من غير أن يكون ذلك العنوان محكوما بحكم كالسجود لله والسجود للشمس والصنم حيث يندرجان تحت عنوان السجود وليس عنوان السجود الجامع محكوما بحكم.

وبتعبير آخر لا حاجة في إخراج مثل الأمر بالسجود لله والنهي عن السجود لغيره عن عنوان الخلاف إلى إرادة الواحد الشخصي بدعوى أنّه ليس في موردهما واحد شخصي بل واحد جنسي وهو عنوان السجود ، والوجه في عدم الحاجة هو أنّ المراد بالواحد في عنوان الخلاف ما يندرج تحت عنوانين يكون أحدهما متعلق الأمر والآخر متعلق النهي ، ففي مثل السجود لله والسجود للشمس العنوانان مندرجان تحت واحد لا أنّ الواحد مندرج تحتهما كما هو ظاهر.

أقول : كان المناسب التعرض في هذا الأمر للمراد من الواحد وأنّه ما كان مجمعا للعنوانين بنحو التركيب الاتحادي بينهما أو ما يكون مجمعا لهما بنحو التركيب الانضمامي أو أنّ المراد يعمّ كلا التركيبين سواء كان اتحاديا أو انضماميا حيث إنّ هذا الأمر دخيل في جواز الاجتماع وعدمه كما يظهر إنشاء الله تعالى.

٣١٧

الثاني : الفرق بين هذه المسألة ومسألة النهي في العبادات [١] ، هو أن الجهة المبحوث عنها فيها التي بها تمتاز المسائل ، هي أن تعدد الوجه والعنوان في الواحد يوجب تعدد متعلق الأمر والنهي ، بحيث يرتفع به غائلة استحالة الاجتماع في الواحد بوجه واحد ، أو لا يوجبه ، بل يكون حاله حاله ، فالنزاع في سراية كل من الأمر والنهي إلى متعلق الآخر ، لاتحاد متعلقيهما وجودا ، وعدم سرايته لتعددهما وجها ، وهذا بخلاف الجهة المبحوث عنها في المسألة الأخرى ، فإن البحث فيها في أن النهي في العبادة أو المعاملة يوجب فسادها ، بعد الفراغ عن التوجه إليها.

______________________________________________________

الفرق بين مسألة الاجتماع ومسألة النهي في العبادات

[١] حاصله أن تمايز مسائل علم عن آخر بأن تكون مسألة منها في مقابل سائر مسائله انّما هو بالغرض المترتب عليها وأنّه غير الغرض المترتّب على مسألة أخرى منها فيكون تعدّد المسائل بتعدّد الأغراض المعبّر عنها بالجهات الخاصّة ، وعليه لو كان في البين جهتان يكون تعدّدها مصحّحا لعقد مسألتين ولو كان الموضوع في المسألتين أمرا واحدا ، كما أنّه لو لم يكن في البين إلّا جهة واحدة ولو مع تعدّد الموضوع يكون المناسب عقد مسألة واحدة فوحدة المسألة وتعدّدها بوحدة الجهة المبحوث عنها وتعدّدها.

وبتعبير آخر اللازم في مقام ذكر المائز بين المسألتين هو بيان جهتين وكون جهة البحث فيها غير جهة البحث في الأخرى ، وعليه ذلك فالمائز بين مسألة اجتماع الأمر والنهي ، ومسألة النهي عن العبادة هو أنّ الجهة في الأولى إثبات سراية كل من الأمر والنهي إلى متعلّق الآخر بحسب الخارج أو عدم سراية أحدهما إلى الآخر بحسبه ، بخلاف الجهة في الثانية فإنّ الجهة المبحوث فيها ترتب الفساد على متعلّق النهي فيما إذا كان المنهي عنه عبادة أي ما لو أمر به لكان الأمر المزبور عباديّا لا يسقط إلّا

٣١٨

نعم لو قيل بالامتناع مع ترجيح جانب النهي في مسألة الاجتماع ، يكون مثل الصلاة في الدار المغصوبة من صغريات تلك المسألة.

فانقدح أن الفرق بين المسألتين في غاية الوضوح ، وأما ما أفاده في الفصول ، من الفرق بما هذه عبارته :

(ثم اعلم أن الفرق بين المقام والمقام المتقدم ، وهو أن الأمر والنهي هل يجتمعان في شيء واحد أو لا؟ أما في المعاملات فظاهر ، وأما في العبادات ، فهو أن النزاع هناك فيما إذا تعلق الأمر والنهي بطبيعتين متغايرتين بحسب الحقيقة ، وإن كان بينهما عموم مطلق ، وهنا فيما إذا اتحدتا حقيقة وتغايرتا بمجرد الاطلاق والتقييد ، بأن تعلق الأمر بالمطلق ، والنهي بالمقيد) انتهى موضع الحاجة.

______________________________________________________

بقصد التقرب ، فلا ترتبط المسألة الأولى بالثانية من ناحية الجهتين ، نعم لو فرض القول بالامتناع في المسألة الأولى وبتقديم جانب النهي على إطلاق متعلّق الأمر في المجمع كما في الصلاة في الدار المغصوبة لكان ذلك المجمع من صغريات المسألة الثانية فالفرق بين المسألتين في كمال الوضوح.

ثمّ إنّ الماتن قدس‌سره قد رتّب على ما ذكر فساد الفارق المذكور في كلام صاحب الفصول بين المسألتين حيث قال في مسألة اقتضاء النهي عن معاملة أو عبادة فسادهما : إنّ الفرق بين هذه المسألة ومسألة اجتماع الأمر والنهي ظاهر في المعاملات لعدم الأمر التكليفي بالمعاملة ، وأمّا في العبادة ففي مسألة جواز الاجتماع يكون متعلّق الأمر مغايرا لمتعلّق النهي بالذات أي يكون الاختلاف بين المتعلّقين لا بالإطلاق والتقييد ، بل يتعلّق الأمر بعنوان والنهي بعنوان آخر غير عنوان متعلق الأمر ولو كان بين العنوانين بحسب الصدق عموم وخصوص مطلق كما إذا أمر بالحركة ونهى عن الفرار عن الزحف فالفرار من الزحف يصدق عليه عنوان الحركة

٣١٩

فاسد ، فإن مجرد تعدد الموضوعات وتغايرها بحسب الذوات ، لا يوجب التمايز بين المسائل ، ما لم يكن هناك اختلاف الجهات ، ومعه لا حاجة أصلا إلى تعددها ، بل لا بد من عقد مسألتين ، مع وحدة الموضوع وتعدد الجهة المبحوث عنها ، وعقد مسألة واحدة في صورة العكس ، كما لا يخفى.

ومن هنا انقدح أيضا فساد الفرق ، بأن النزاع هنا في جواز الاجتماع عقلا ، وهناك في دلالة النهي لفظا ، فإن مجرد ذلك لو لم يكن تعدد الجهة في البين ، لا يوجب إلّا تفصيلا في المسألة الواحدة ، لا عقد مسألتين ، هذا مع عدم اختصاص النزاع في تلك المسألة بدلالة اللفظ ، كما سيظهر.

______________________________________________________

بخلاف مسألة اقتضاء النهي عن عبادة فسادها ، فإنّ الأمر فيها يتعلّق بعنوان ، والنهي بذلك العنوان مقيّدا كالأمر بالصلاة والنهي عن الصلاة في الدار المغصوبة فالأمر والنهي المفروضان في مسألة جواز اجتماع الأمر والنهي في واحد غير الأمر والنهي المفروضين في مسألة اقتضاء النهي عن عبادة فسادها (١).

ووجه الفساد أنّ مجرّد تعدّد الموضوعات وتغايرها بحسب مفهومها كما فرضه صاحب الفصول قدس‌سره في مسألة جواز الاجتماع ومسألة اقتضاء النهي عن عبادة فسادها ، لا يوجب جعلهما مسألتين ما لم يكن في البين تعدّد في الجهة المبحوث فيها ومع تعدّدها كما ذكرنا بين المسألتين فلا ينظر إلى تعدد الموضوع أو وحدته بل مع اتحاد الموضوع فيهما وتعدّد الجهتين يتعين جعلهما مسألتين يبحث في احداهما عن جهة وفي الآخر عن جهة أخرى.

وممّا ذكر يظهر أنّ جعل الفارق بين المسألتين ، كون النزاع والخلاف في مسألة

__________________

(١) الفصول : ١١٢.

٣٢٠