دروس في مسائل علم الأصول - ج ٢

آية الله الميرزا جواد التبريزي

دروس في مسائل علم الأصول - ج ٢

المؤلف:

آية الله الميرزا جواد التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات دار الصديقة الشهيدة عليها السلام
المطبعة: نگين
الطبعة: ٢
ISBN: 978-964-8438-61-1
ISBN الدورة:
978-964-94850-1-0

الصفحات: ٤٠٨

.................................................................................................

______________________________________________________

غسل الأعضاء بما أنه وضوء يتعلّق به الوجوب الغيري ، وبما أنّه غصب وعدوان على الغير في الماء المملوك له يكون حراما ، فعنوان الوضوء وعنوان الغصب عنوانان تقييديان منطبقان على فعل واحد خارجا.

وبتعبير آخر : كما أنّ السجود في الأرض المغصوبة من الصلاة مصداق لها ، وبما أنّه تصرّف في ملك الغير مصداق للغصب ، كذلك الوضوء بالماء المغصوب أو تطهير الثوب والبدن بالماء المغصوب مصداق للوضوء والغصب. وعليه إن قلنا في موارد انطباق عنوانين أحدهما متعلّق الوجوب والآخر متعلّق الحرمة على واحد بنحو التركيب الاتحادي ، بامتناع الاجتماع وتقديم جانب النهي يكون المورد من موارد النهي عن العبادة أو المعاملة ، وإن قلنا بجواز الاجتماع فيها ، يكون المورد من موارد جواز الاجتماع.

الوجه الثاني من إيراد الماتن : قدس‌سره ، إنّ الحاكم بالملازمة بين الإيجابين هو العقل ، والعقل لا يراها بين إيجاب ذي المقدّمة وبين مقدّمته المحرّمة ، وأنّ حرمة الفرد من المقدّمة تكون مانعة عن تعلّق الوجوب الغيري به ، سواء قيل بجواز الاجتماع وعدمه ، هذا فيما لم تنحصر المقدّمة في المحرّم. وأمّا مع الانحصار فيه ، فإمّا أن لا تكون المقدّمة واجبة لعدم وجوب ذيها لأجل المزاحمة ، كما إذا انحصر تطهير المسجد في التصرّف في ماء مغصوب ، فإنّ مقتضى تقديم حرمة الغصب على وجوب الإزالة في مقام المزاحمة هو عدم وجوب الإزالة ، فلا موجب لوجوب مقدمتها. وإمّا أن لا تحرم المقدّمة لأجل المزاحمة وأهمية الواجب ، كما إذا توقّف إنقاذ النفس المحترمة على الدخول في ملك الغير بلا رضاه.

وفيه : أنّه لا موجب لاختصاص الوجوب الغيري ـ بناء على الملازمة وجواز

١٤١

أولا : إنه لا يكون من باب الاجتماع ، كي تكون مبتنية عليه ، لما أشرنا إليه غير مرة ، إن الواجب ما هو بالحمل الشائع مقدمة ، لا بعنوان المقدمة ، فيكون على الملازمة من باب النهي في العبادة والمعاملة.

______________________________________________________

اجتماع الأمر والنهي ـ بالفرد المحلّل مع عدم انحصار المقدّمة بالفرد المحرّم ، وأمّا مع انحصاره به ، فتظهر الثمرة بين القول بالملازمة والقول بنفيها ، إذ بناء على وجوب المقدّمة وتقديم جانب الأمر بذيها لا يمكن النهي عن تلك المقدّمة حتى بنحو الترتّب ، لما تقدّم من أنّ الترتّب لا يصحّح طلب الحاصل ودفع محذور التكليف المحال ، بخلاف القول بعدم الملازمة ، فإنّ عليه يمكن النهي عن تلك المقدّمة بنحو الترتّب على عصيان الأمر بذيها كما لا يخفى.

نعم بناء على القول بوجوب المقدّمة الموصلة ولو في فرض المزاحمة يمكن النهي عن المقدّمة غير الموصلة على ما تقدّم.

والوجه الثالث من الإيراد : أنّه لا يترتّب على القول بوجوب المقدّمة والقول بعدم وجوبها أثر الإجزاء ، فإنّ الفرد المحرّم من المقدّمة ـ مع كونها توصلية ـ يجزي لحصول الملاك به ، سواء قيل بوجوب المقدّمة أم لا ، جاز الاجتماع أم لا ، ولا يجزي مع كونها تعبديّة على القول بالامتناع ، سواء قيل بوجوب المقدّمة أم لا ، وعلى القول بالجواز يحكم بالإجزاء ، سواء قيل بوجوب المقدّمة أم لا ، والتعبدية في المقدّمة تكون بتعلّق الأمر النفسي بها ولو استحبابا ، كما في الطهارات.

والوجه في الحكم بصحّة الوضوء مثلا واضح ، على القول بجواز الاجتماع في موارد التركيب الاتحادي أيضا ، سواء قيل بوجوب المقدّمة أم لا.

أمّا على القول بوجوب المقدّمة فالإجزاء ظاهر ، لأنّ الصحّة ثمرة جواز

١٤٢

.................................................................................................

______________________________________________________

الاجتماع. وأمّا بناء على عدم وجوب المقدّمة ، فإنّ المقدّمة العبادية تكون مستحبّة في نفسها واستحبابها موجب للحكم بصحّتها ، لفرض جواز اجتماع الأمر الاستحبابي النفسي للوضوء مع حرمة الغصب.

وهذا بخلاف القول بامتناع الاجتماع ، فإنّ الوجوب الغيري أو الاستحباب النفسي يختصّ بغير الفرد المحرّم من المقدّمة ، فلا يكون الفرد المحرّم مجزيا ؛ لأنّ النهي عنه يوجب فساده ، وكذا لو لم نقل بالوجوب الغيري للمقدّمة ، فالأمر أيضا كذلك ، كما لا يخفى.

أقول : يرد عليه أنّه لا سبيل لنا إلى إحراز ملاك الوجوب الغيري في جميع موارد الأفراد المحرّمة من المقدّمات ، حتّى مع كونها توصلية ، إذ الكاشف عن الملاك هو الأمر ، أو الترخيص في التطبيق ، أو إطلاق المتعلّق والشرط ، ومع حرمة فرد من المقدّمة أو الشرط لا كاشف عن الملاك ، فمثلا الستر حال الصلاة قيد توصلي لا يعتبر فيه قصد التقرّب.

ومع ذلك لا يمكن لنا الحكم بإجزاء الستر بالساتر المغصوب ، حيث إنّ إطلاق المتعلّق للوجوب الغيري لا يعمّه ، بناء على عدم جواز اجتماع الأمر والنهي وتقديم جانب النهى ، بخلاف ما لو قلنا بجواز اجتماع الأمر والنهي ، فإنّه يمكن كشف الملاك بإطلاق المتعلّق للوجوب الغيري ، كما هو الحال بالإضافة إلى الفرد المحرّم من العبادات بناء على صحّتها مع جواز اجتماع الأمر والنهي وفسادها مع عدم جواز الاجتماع ، كما سيأتي في مبحث الاجتماع.

وبالجملة يكفي لكون مسألة أصولية ، أن يحرز بها الموضوع في مسألة أصولية

١٤٣

وثانيا : إن الاجتماع وعدمه لا دخل له في التوصل بالمقدمة المحرمة وعدمه أصلا ، فإنه يمكن التوصل بها إن كانت توصلية ، ولو لم نقل بجواز الاجتماع ، وعدم جواز التوصل بها إن كانت تعبدية على القول بالامتناع ، قيل بوجوب المقدمة أو بعدمه ، وجواز التوصل بها على القول بالجواز كذلك ، أي قيل بالوجوب أو بعدمه. وبالجملة لا يتفاوت الحال في جواز التوصل بها ، وعدم جوازه أصلا ، بين أن يقال بالوجوب ، أو يقال بعدمه ، كما لا يخفى.

______________________________________________________

أخرى ، كما يحرز بمسألة جواز الاجتماع الموضوع في مسألة النهي عن العبادة أو المعاملة ، وعلى ذلك فإن أمكن بمسألة الملازمة إحراز الموضوع في مسألة جواز الصلاة في الستر بالمغصوب ، سواء قيل بتعلّق الوجوب الغيري بالستر في الصلاة أم لا.

الاجتماع وعدمه ، يدخل البحث عن الملازمة بين إيجاب شيء وإيجاب مقدّمته في المسائل الأصولية. ولا يقاس بالثمرات المتقدّمة التي ذكرنا أنّها ـ على تقدير تماميتها ـ تعدّ من الفوائد المترتّبة على المسألة الأصولية ، ولا تصحّح كونها مسألة أصولية.

ولكن مع ذلك لا يترتّب إحراز الموضوع لمسألة اجتماع الأمر والنهي على الالتزام بالوجوب الغيري للمقدّمة أو عدم الالتزام به ، بل بناء على كون موارد التركيب الاتحادي داخلة في مسألة الاجتماع ، يكون نفس الأمر النفسي المتعلّق بالمقيد مع خطاب النهي داخلين في مسألة الاجتماع ، سواء قيل بالوجوب الغيري للقيد أم لا ، فالأمر بالصلاة المقيّدة بالستر مع خطاب النهي عن الغصب يجتمعان في وهذا يتمّ بالإضافة إلى المقدّمات التي مقدّميتها تأتي من أخذها قيدا لمتعلّق التكليف النفسي. وأمّا المقدّمات العقلية ، فلا يتصوّر فيها التعبديّة ، كما لا يتوقّف إحراز مقدّميتها على الأمر بها غيريا ، فتكون مجزية لا محالة على كلّ حال ، فتدبّر.

١٤٤

في تأسيس الأصل في المسألة

اعلم أنه لا أصل في محل البحث في المسألة ، فإن الملازمة بين وجوب المقدمة ووجوب ذي المقدمة وعدمها ليست لها حالة سابقة [١] ، بل تكون الملازمة أو عدمها أزليّة ، نعم نفس وجوب المقدمة يكون مسبوقا بالعدم ، حيث يكون حادثا بحدوث وجوب ذي المقدمة ، فالأصل عدم وجوبها.

______________________________________________________

[١] وحاصل ما ذكر قدس‌سره في المقام هو أنّ المبحوث فيه في المسألة ـ وهي الملازمة بين إيجاب شيء وإيجاب مقدّمته ـ ليست لها حالة سابقة نفيا أو إثباتا ليجري الاستصحاب في ذلك النفي أو الاثبات ، حيث أنّ الملازمة على فرض وجودها أزليّة لا تحتاج إلى ثبوت طرفيها خارجا كسائر الملازمات ، وكذلك الحال على تقدير عدمها.

نعم لا بأس بالأصل في ناحية عدم تعلّق الوجوب الغيري بمقدّمة شيء ، بعد تعلّق الوجوب النفسي بذلك الشيء ، وحتّى بعد فعلية وجوب ذلك الشيء ، بأن يقال الأصل عدم تعلّق الوجوب الغيري بتطهير الثوب والبدن بعد فعليّة وجوب الصلاة بدخول وقتها ، ولكن هذا الأصل لا ينفي الملازمة بين إيجاب شيء وإيجاب مقدّمته ، فإنّ الملازمة على تقديرها بين الإيجابين الواقعيين والأصل الجاري في ناحية عدم تعلّق الوجوب الغيري بالمقدّمة حكم ظاهري يثبت فيما يطلق عليه المقدّمة مع عدم الدليل على وجوبها الغيري.

وبالجملة الحكم الظاهري في ناحية المقدّمة أو الحكم بعدم فعلية الوجوب الغيري فيها لا ينافي تعلّق الوجوب الغيري بها واقعا ، ولا ينافي أيضا فعليّة الوجوب

١٤٥

وتوهم عدم جريانه ، لكون وجوبها على الملازمة ، من قبيل لوازم الماهية ، غير مجعولة ، ولا أثر آخر مجعول مترتب عليه ، ولو كان لم يكن بمهم هاهنا ، مدفوع بأنه وإن كان غير مجعول بالذات ، لا بالجعل البسيط الذي هو مفاد كان التامة ، ولا بالجعل التأليفي الذي هو مفاد كان الناقصة ، إلا أنه مجعول بالعرض ،

______________________________________________________

النفسي المتعلّق بذيها مطلقا ، فلا يصح التمسّك بهذا الأصل لنفي الملازمة بين الإيجابين.

نعم لو كان الملتزم بالوجوب الغيري للمقدّمة يدّعي ثبوت الملازمة بين فعلية الوجوب النفسي المتعلّق بذي المقدّمة وفعلية الوجوب الغيري المتعلّق بالمقدّمة ، لكان الأصل الجاري في ناحية عدم فعلية الوجوب الغيري في المقدّمة نافيا لتلك الملازمة ومثبتا لبطلانها ، فإنّ مفاد الأصل نفي الفعلية عن الوجوب الغيري المتعلّق بالمقدّمة مع فرض فعلية وجوب ذيها.

لا يقال : الأصل في ناحية عدم تعلّق الوجوب الغيري بالمقدّمة في نفسه غير جار فضلا عن أن يكون نافيا لتلك الملازمة بين الإيجابين ، والسرّ في عدم جريانه هو اعتبار أن يكون مجرى الأصل أمرا مجعولا في نفسه أو له أثر مجعول بحيث يكون المهم في جريان الأصل ذلك الأثر المهمّ ، والوجوب الغيري المتعلّق بالمقدّمة على تقديره غير مجعول ، لا بالجعل البسيط ولا بجعل تأليفي ، وليس له أثر شرعي مهمّ في المقام ، بل هو على تقديره أمر قهري ، ولا بدّ من الإتيان بمتعلّقه حتّى على تقدير عدمه لفرض فعلية الوجوب النفسي المتعلّق بذيها.

فإنه يقال : يكفي في جريان الأصل في مورد كونه مجعولا ولو بالتبع ، كالأصل الجاري في ناحية عدم شرطية شيء أو عدم جزئيّته للمأمور به ، فإنّه مجعول بتبع المشروط أو الكل ، ولا يحتاج إلى فرض الجعل البسيط أو المركّب فيه.

١٤٦

ويتبع جعل وجوب ذي المقدمة ، وهو كاف في جريان الأصل.

ولزوم التفكيك بين الوجوبين مع الشك لا محالة ، لأصالة عدم وجوب المقدمة مع وجوب ذي المقدمة ، لا ينافي الملازمة بين الواقعيين ، وإنما ينافي الملازمة بين الفعليين ، نعم لو كانت الدعوى هي الملازمة المطلقة حتى في المرتبة الفعلية ، لما صح التمسك بالأصل ، كما لا يخفى.

______________________________________________________

أقول : قد يقال إن قول الماتن قدس‌سره «ولزوم التفكيك بين الوجوبين مع الشكّ لا محالة ، لأصالة عدم وجوب المقدّمة مع وجوب ذي المقدّمة لا ينافي الملازمة» ناظر إلى دفع إشكال آخر ، وهو أنّه يعتبر في جريان الاصل أن لا يكون مفاده التعبّد بالمستحيل فإنّ التعبّد بالمستحيل غير ممكن.

وعلى ذلك فإن كان بين إيجاب شيء وإيجاب مقدّمته ملازمة ، لكان التعبّد بعدم تعلّق وجوب غيري بمقدّمة بعد فعلية وجوب ذيها من التعبد بالمستحيل ، ومع الشكّ في ثبوت الملازمة وعدمها يكون التعبّد بعدم تعلّق الوجوب الغيري بمقدّمة الواجب من التعبّد بما يحتمل كونه مستحيلا.

وأجاب عن هذا الإشكال بما حاصله : إنّ التعبّد بعدم الوجوب الغيري في المقدّمة بالأصل لا يستلزم احتمال التعبّد بالمستحيل ؛ لأنّ المستحيل على تقدير الملازمة ، هو التفكيك بين الإيجاب النفسي المتعلّق بذي المقدّمة والإيجاب الغيري الواقعي المتعلّق بالمقدّمة والأصل لا يوجب هذا التفكيك ، وإنّما يوجب التفكيك بين فعلية الوجوب الغيري كما هو مفاد الحكم الظاهري وبين فعلية إيجاب ذيها وهذا التفكيك لا ضير فيه.

نعم ، لو كانت الدعوى في باب الملازمة بين الإيجابين هي استحالة تفكيك فعلية إيجاب المقدّمة عن فعلية إيجاب ذيها لما صحّ التمسّك بالأصل

١٤٧

.................................................................................................

______________________________________________________

المزبور.

ولذا يقال إنّ ما في المتن من قوله «لصحّ التمسّك بذلك في إثبات بطلانها» مأخوذ من نسخة ، والصحيح «لما صحّ التمسّك بالأصل» كما نقل في الهامش (١).

أقول : قد يتصدى لدفع الإشكال حتّى بناء على أنّ المدّعى في باب المقدّمة الملازمة بين فعلية ايجاب ذي المقدّمة وفعلية إيجاب مقدّمته بأنّه مع قيام الدليل على اعتبار أمارة كما يستكشف إمكان التعبّد بها وعدم لزوم محذور في التعبّد بها ولا يتوقّف الأخذ بدليل اعتبارها على إحراز إمكان التعبّد بها من الخارج ، كذلك يؤخذ بدليل اعتبار التعبّد بالأصل أي الاستصحاب ، في ناحية عدم تعلّق وجوب غيري بالمقدّمة في ظرف فعليّة وجوب ذيها فيحرز به إمكان التعبّد وعدم لزوم التفكيك بين المتلازمين.

ولكن لا يخفى ما في هذا الدفع ، فإنّ خطاب اعتبار الاستصحاب لم يرد في خصوص عدم تعلّق الوجوب الغيري بالمقدّمة بعد فعلية وجوب ذيها حتّى يستكشف من التعبّد به عدم لزوم محذور التفكيك ، بل غايته الأخذ بإطلاق خطاب اعتباره وشموله للمقام ، والمفروض أنّ إطلاقه وشموله للمقام موقوف على عدم لزوم التفكيك بين المتلازمين وإثبات عدم لزوم التفكيك بالإطلاق والشمول يكون دوريّا.

ويرد على الماتن قدس‌سره : أنّ ما ذكره قدس‌سره في توجيه جريان الأصل في نفي الوجوب

__________________

(١) المقصود من المتن هو متن الكفاية المتداولة بين الطلاب والمشتغلين ، وهي الطبعة الحجرية المحشّاة بحاشية المحقّق المشكيني قدس‌سره من تلامذة صاحب الكفاية قدس‌سره ، فأشير فيها إلى أن المتن موافق لبعض النسخ ، ولكن في هامشه أشير إلى ما هو الصحيح ، وقد أثبتته مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام في طبعتها في المتن.

١٤٨

.................................................................................................

______________________________________________________

الغيري من أنّه يكفي في نفيه بالأصل كونه مجعولا بالتبع غير تام ، فإنّ رفع المجعول بالتبع كجعله يكون تبعيّا ، والمفروض أنّ الإيجاب النفسي المتعلّق بذي المقدّمة لا يرتفع حتّى يرتفع ما هو مجعول بتبعه ، هذا إذا كان رفعه (أي رفع الوجوب الغيري للمقدّمة) واقعيا.

وأمّا إذا كان رفعه ظاهريّا بمعنى عدم وجوب الاحتياط فيه ، فهذا أيضا غير ممكن في المقام ؛ لأنّ المراد بالأصل في المسألة الفرعية إمّا البراءة أو الاستصحاب ، والبراءة لا تجري في المقام ، لا العقلية منها ولا الشرعية ؛ لأنّ مفاد البراءة العقلية نفى استحقاق المؤاخذة والعقاب ، والمفروض عدم العقاب على ترك الواجب الغيري حتّى بناء على وجوب المقدّمة.

وأمّا الشرعية فإنّها وردت مورد الامتنان ، فيختصّ جريانها بما إذا كان في ثبوت الوجوب كلفة زائدة ولا كلفة في الوجوب الغيري زائدا على ما يستقلّ به العقل من لزوم امتثال الأمر المتعلّق بالواجب النفسي.

وبهذا يظهر عدم جريان الاستصحاب في ناحية تعلّق الوجوب الغيري بالمقدّمة ؛ لأنّ معنى هذا الاستصحاب ومرجعه إلى عدم مؤاخذة المكلّف على ترك الواجب الغيري ، وهذا معلوم كما أنّه معلوم بأنّ المكلّف يؤاخذ على ترك الواجب النفسي.

ولا يخفى أنّ هذا كلّه إذا أريد بالأصل في ناحية نفي الوجوب الغيري نفيه بنفسه أو بأثره العقلي ، وأمّا إذا كان المراد من الاستصحاب في نفيه ، نفي أثره الشرعي ، كعدم جواز نسبته إلى الشارع ، بأن لا يجوز للمكلّف الإتيان بالمقدّمة بقصد وجوبها الشرعي كالاستصحاب في نفي سائر الموضوعات التي لها آثار شرعيّة ، فلا بأس به ، خصوصا بملاحظة ما ذكرنا في باب الاستصحاب من أنّ مفاد

١٤٩

إذا عرفت ما ذكرنا ، فقد تصدى غير واحد من الأفاضل لإقامة البرهان على الملازمة ، وما أتى منهم بواحد خال عن الخلل ، والأولى إحالة ذلك إلى الوجدان ، حيث إنه أقوى شاهد على أن الانسان إذا أراد شيئا له مقدمات ، أراد تلك المقدمات [١] ، لو التفت إليها بحيث ربما يجعلها في قالب الطلب مثله ،

______________________________________________________

دليل اعتباره هو التعبّد بالعلم ببقاء الحالة السابقة ، وأنّ العلم بتلك الحالة يعتبر علما ببقائها ، فإنّه يترتّب على هذا التعبّد عدم جواز الإتيان بالمقدّمة بقصد وجوبها الشرعي ، وهذا الاستصحاب لا يستلزم التفكيك بين المتلازمين ، حتّى مع دعوى الملازمة بين فعلية وجوب ذي المقدّمة وفعلية وجوب مقدّمته ، فتدبّر جيّدا.

بقي في المقام أمر ، وهو أنّ الماتن وغيره نفى جريان الأصل في المسألة الأصولية وهي نفس الملازمة بين إيجاب شيء وإيجاب مقدمته ، قائلا بأنّ الملازمة وعدمها أمر أزلي غير مسبوق بالحالة السابقة ليجري الأصل في بقائها ، مع أنّ الملازمة أو عدمها على تقدير ثبوت حالة سابقة لها أيضا ، لم يكن الاستصحاب جاريا ، فإنّ إثبات الوجوب الغيري للمقدّمة باستصحاب بقاء الملازمة أو نفيه عنها باستصحاب عدمها مثبت ، فلا مجال للاستصحاب فيها نفيا أو إثباتا ، حتّى على تقدير ثبوت الحالة السابقة لها.

[١] الصحيح عدم الملازمة بين إيجاب شيء وإيجاب مقدّمته ، حيث إنّ الأمر بالواجب النفسي المقيّد بالقيد كما في المقدّمات الشرعية أو بلا قيد كما في المقدّمات العقلية مع وصوله إلى المكلّف ، بنفسه كاف في استقلال العقل بلزوم امتثاله بعد ما أحرز أنّه لا سبيل للمكلّف إلى الامتثال إلّا بالإتيان القيود والمقدّمات ، لتحصل موافقة التكليف بالإتيان بنفس الواجب النفسي ، فيكون الأمر المولوي من الشارع بالمقدّمة بلا ملاك ، فلا بدّ من حمل الأمر بها إمّا على الإرشاد إلى دخالتها في

١٥٠

ويقول مولويا (أدخل السوق واشتر اللحم) مثلا ، بداهة أن الطلب المنشأ بخطاب (أدخل) مثل المنشأ بخطاب (اشتر) في كونه بعثا مولويا ، وأنه حيث تعلقت إرادته بإيجاد عبده الاشتراء ، ترشّحت منها له إرادة أخرى بدخول السوق ، بعد الالتفات إليه وأنه يكون مقدمة له ، كما لا يخفى.

ويؤيد الوجدان ، بل يكون من أوضح البرهان ، وجود الأوامر الغيرية في الشرعيات والعرفيات ، لوضوح أنه لا يكاد يتعلق بمقدمة أمر غيريّ ، إلّا إذا كان فيها مناطه ، وإذا كان فيها كان في مثلها ، فيصح تعلقه به أيضا ، لتحقق ملاكه ومناطه ، والتفصيل بين السبب وغيره والشرط الشرعي وغيره سيأتي بطلانه ، وأنه لا تفاوت في باب الملازمة بين مقدمة ومقدمة.

______________________________________________________

الواجب النفسي قيدا أو الإرشاد إلى طاعة الأمر بذيها.

لا يقال : لا يتمّ ذلك بالإضافة إلى الوجوب الغيري التبعي ، فإنّه أمر قهري تابع لتعلّق الطلب إلى ذيها.

فإنّه يقال : كما لا يتعلّق الوجوب الغيري المولوي الأصلي بالمقدّمة كذلك لا يتعلّق بها الوجوب الغيري التبعي ؛ إذ ليس الوجوب التبعي إلّا كون الشيء بحيث لو التفت الآمر إليه لأنشأ الوجوب له ، وقد ذكرنا أنّ المقدّمة بما هي مقدّمة لو التفت إليها الآمر ألف مرّة لا يجد فيها ملاك الأمر المولوي ليأمر بها ، هذا بالإضافة إلى الوجوب المنشأ ، وأمّا الإرادة الغيرية بأن يكون تعلّق إرادة الفاعل بفعل يستتبع إرادة أخرى متعلّقة بمقدّمته ، فهذا أمر صحيح ، ولكنّه مختصّ بإرادة الفعل المباشري والآمر تتعلّق إرادته بفعل نفسه ، وهو أمره وإيجابه ، والإيجاب في شيء لا يتوقّف على إيجاب مقدّمته ، بل نفس ذلك الشيء حصوله يتوقّف على إيجاد مقدّمته.

نعم الشوق إلى فعل وحده غير ممكن ، بل يتبعه الاشتياق إلى مقدّمته إلّا أنّ

١٥١

ولا بأس بذكر الاستدلال الذي هو كالأصل لغيره ـ مما ذكره الأفاضل عن الاستدلالات ـ وهو ما ذكره أبو الحسن [الحسين] البصري ، وهو أنه لو لم يجب المقدمة لجاز تركها ، وحينئذ ، فإن بقي الواجب على وجوبه يلزم التكليف بما لا يطاق ، وإلا خرج الواجب المطلق عن وجوبه [١].

______________________________________________________

الشوق غير الإرادة وغير الإيجاب.

ومما ذكرنا ظهر أنّه لا شهادة في مثل قول الآمر (ادخل السوق واشتر اللحم) على الوجوب الغيري المولوي في المقدّمة ، فإنّ قوله (ادخل السوق) إمّا إرشاد إلى طريق طاعة الأمر بالشراء ، أو تأكيد للأمر بالشراء.

والأوامر الواردة في الشريعة بالمقدّمات إرشاد إلى دخالة متعلّقاتها في العبادة أو المعاملة ، والشاهد على ذلك تعلّق مثل هذه الأوامر بجزء الواجب أيضا ، مع أنّ الجزء ـ كما تقدّم ـ غير قابل للوجوب الغيري ، بل المتعيّن فيه الإرشاد إلى جزئية متعلّقه للواجب النفسي وأخذه في متعلّق الأمر النفسي ، كما أنّ الأمر بالخارج عن الواجب النفسي إرشاد إلى دخالته فيه شرطا ؛ ولذا يكون المستفاد من الأمر بجزء الواجب العبادي أو شرطه هو عين ما يستفاد من الأمر بجزء المعاملة أو شرطها كالأمر بالتقابض في بيع الصرف.

نعم للأمر المولوي الغيري بالمقدّمة مورد واحد ، وهو ما إذا لم يكن التكليف بذي المقدّمة فعليّا ، كما ذكرنا ذلك في تصحيح الأمر بتعلّم العبادات وغيرها من الواجبات قبل حصول وجوبها ، فإنّ مع عدم فعلية وجوب الشيء لا يستقلّ العقل بلزوم التحفظ عليه بتحصيل مقدّمته من قبل ، فيكون تكليف الشارع بتحصيلها لغاية هذا التحفظ وتصحيح العقاب على تفويت ملاك ذلك الواجب.

[١] هذا الاستدلال محكى عن أبي الحسن البصري في باب وجوب المقدّمة ،

١٥٢

وفيه : ـ بعد إصلاحه بإرادة عدم المنع الشرعي من التالي في الشرطية الأولى ، لا الإباحة الشرعية ، وإلا كانت الملازمة واضحة البطلان ، وإرادة الترك عما أضيف إليه الظرف ، لا نفس الجواز ، وإلا فمجرد الجواز بدون الترك ، لا يكاد يتوهم معه صدق القضية الشرطية الثانية ـ ما لا يخفى ، فان الترك بمجرد عدم المنع شرعا لا يوجب صدق إحدى الشرطيتين ، ولا يلزم أحد المحذورين ، فإنه وإن لم يبق له وجوب معه ، إلا أنه كان ذلك بالعصيان ، لكونه متمكنا من الإطاعة والإتيان ، وقد اختار تركه بترك مقدمته بسوء اختياره ، مع حكم العقل بلزوم إتيانها ، إرشادا إلى ما في تركها من العصيان المستتبع للعقاب.

______________________________________________________

والماتن قدس‌سره قد أصلح صورة الاستدلال أوّلا بأنّ المراد من التالي في الشرطية الأولى وهو قوله «لجاز تركها» عدم المنع الشرعي في ترك المقدّمة ، كما أصلحها بكون المراد من المضاف إليه للظرف في قوله «وحينئذ ترك المقدّمة» أي حين ترك المقدّمة والموجب للاصلاح بما ذكر هو أنّه لو كان المراد من قوله «لجاز تركها» الإباحة الخاصّة شرعا في المقدّمة لكانت الملازمة في الشرطية الأولى واضحة البطلان ؛ لأنّ انتفاء الوجوب الشرعي عن المقدّمة لا يوجب ثبوت الإباحة الشرعية فيها ، نظير الحال في المتلازمين ، فإن ثبوت الوجوب في أحدهما لا يوجب ثبوته في الآخر ، مع أنّه لا يوجب ثبوت الإباحة الفعلية شرعا في ذلك الآخر لكونها لغوا ، كما أنّه لو كان المراد بالمضاف إليه عدم المنع الشرعي في ترك المقدّمة لم يكن مجال لصدق القضية الشرطية الثانية.

حيث إنّ عدم المنع الشرعي في ترك المقدّمة لا يوجب كون التكليف بذيها من التكليف بما لا يطاق أو خروج الواجب عن كونه واجبا مطلقا.

ثمّ قال قدس‌سره أنّه مع الاصلاح المزبور لا يخفى ما فيه ، فإنّه مع ترك المقدّمة بتاتا

١٥٣

نعم لو كان المراد من الجواز جواز الترك شرعا وعقلا ، يلزم أحد المحذورين ، إلا أن الملازمة على هذا في الشرطية الأولى ممنوعة ، بداهة أنه لو لم يجب شرعا لا يلزم أن يكون جائزا شرعا وعقلا ، لإمكان أن لا يكون محكوما بحكم شرعا ، وإن كان واجبا عقلا إرشادا ، وهذا واضح.

وأما التفصيل بين السبب وغيره ، فقد استدل على وجوب السبب ، بأن التكليف لا يكاد يتعلق إلا بالمقدور ، والمقدور لا يكون إلا هو السبب ، وإنما المسبب من آثاره المترتبة عليه قهرا ، ولا يكون من أفعال المكلف وحركاته أو سكناته ، فلا بد من صرف الأمر المتوجه إليه عنه إلى سببه.

______________________________________________________

وإن لم يبق التكليف بذيها أنّ عدم بقائه وسقوطه إنّما هو لحصول العصيان بالإضافة إلى الواجب النفسي ، لكونه متمكّنا من الإتيان به ، وقد تركه باختياره مع حكم العقل بلزوم الإتيان بالمقدّمة إرشادا إلى لزوم إطاعة الواجب النفسي وتحرّزا عمّا في تركها من تحقّق العصيان بالإضافة إلى الأمر بذيها الموجب لاستحقاق العقاب.

نعم لو كان المراد من المضاف إليه في قوله «وحينئذ» حين جواز ترك المقدّمة عقلا وشرعا يلزم أحد المحذورين وهو التكليف بما لا يطاق ، أو خروج الواجب عن كونه واجبا مطلقا ، إلّا أنّ الشرطية الأولى لما كانت باطلة ، فإنّه لو لم تجب المقدّمة شرعا لا يجب أن يكون تركها جائزا عقلا وشرعا ، فإنّ عدم تعلّق حكم شرعي بالمقدّمة لا يلازم انتفاء الحكم العقلي عنها ، بل تجب بحكم العقل إرشادا ، كما تقدّم.

أقول : لو كان المراد بالمضاف إليه جواز ترك المقدّمة عقلا وشرعا لزم أحد المحذورين ، وهو خروج الواجب عن كونه واجبا مطلقا أو لزوم العقاب على ترك واجب مشروط مع عدم فعلية وجوبها ، كما لا يخفى ، وهذا الثاني غير لزوم التكليف

١٥٤

ولا يخفى ما فيه ، من أنه ليس بدليل على التفصيل [١] ، بل على أن الأمر النفسي إنما يكون متعلقا بالسبب دون المسبب ، مع وضوح فساده ، ضرورة أن المسبب مقدور المكلف ، وهو متمكن عنه بواسطة السبب ، ولا يعتبر في التكليف أزيد من القدرة ، كانت بلا واسطة أو معها ، كما لا يخفى.

______________________________________________________

بما لا يطاق ، كما لا يخفى.

لا يقال : لو لم تجب المقدّمة شرعا لما أمكن إطلاق الواجب بالإضافة إليها أصلا ، وذلك فإنّ إيجاب ذي المقدّمة مطلقا مع عدم إيجاب مقدّمته معناه أنّه أتى المكلّف بالمقدّمة أو لم يأت بها فهو مكلّف بالإتيان بذيها ، والتكليف بذيها مع فرض ترك المقدّمة من التكليف بما لا يطاق.

فإنّه يقال : معنى إطلاق الواجب بالإضافة إلى شيء أنّ في طلب ذلك الواجب لم يفرض تحقّق ذلك الشيء ، بأن يكون طلبه مشروطا بحصوله ، كما في اشتراط طلب الصلاة بدخول الوقت وطلب الحجّ بحصول الاستطاعة ، ولذا يحكم العقل بلزوم الإتيان بالمقدّمة إرشادا ، إلّا أنّ الواجب واجب حتّى بعد ترك المقدّمة رأسا ، نعم ترك المقدّمة رأسا فيما بعد لا ينافي التكليف بذيها مطلقا بالمعنى الذي ذكرناه ما دام لم يتحقّق الترك رأسا.

[١] وذلك فإنّ الكلام في المقام في الوجوب الغيري المتعلّق بالمقدّمة ، ومقتضى الاستدلال صرف التكليف النفسي المتعلّق بالمسبّب إلى سببه لا اختصاص الوجوب الغيري بالمقدّمة السببيّة ، والاستدلال المزبور عليل أيضا ؛ لأنّ وجه عدم صحّة التكليف بغير المقدور هو لزوم كونه لغوا ، والمسبّب فيما كان سببه تحت اختيار المكلّف وقدرته لا يكون تعلّق التكليف به لغوا ، ووجه تعلّق التكليف به دون سببه هو وجود الملاك النفسي فيه لا في سببه.

١٥٥

وأما التفصيل بين الشرط الشرعي وغيره ، فقد استدل على الوجوب في الأول بأنه لو لا وجوبه شرعا لما كان شرطا ، حيث إنه ليس مما لا بد منه عقلا أو عادة.

وفيه ـ مضافا إلى ما عرفت من رجوع الشرط الشرعي إلى العقلي ـ أنه لا يكاد يتعلق الأمر الغيري إلا بما هو مقدمة الواجب ، فلو كانت مقدميته متوقفة على تعلقه بها لدار ، والشرطية وإن كانت منتزعة عن التكليف ، إلا أنه عن التكليف النفسي المتعلق بما قيّد بالشرط [١] ، لا عن الغيري ، فافهم.

تتمة : لا شبهة في أن مقدمة المستحب كمقدمة الواجب [٢] ، فتكون مستحبة

______________________________________________________

[١] فإنّ الشرطية كالجزئية تنتزع من تعلّق التكليف النفسي ، فإن كان الشيء بنفسه داخلا في متعلّق التكليف الواحد تكون له الجزئية ، وإن كان الداخل فيه تقيّد المتعلّق به ، ينتزع له الشرطيّة ، ولذا ذكرنا أنّ الأمر بالشرط كالأمر بالجزء إرشاد إلى دخالته في تعلّق التكليف. ولا مجال لتوهّم انتزاع الشرطية من تعلّق الأمر الغيري بنفس الشرط ، فلو كانت الشرطية موقوفة على ثبوت الأمر الغيري لدار ، فإنّ تعلّق الأمر الغيري موقوف على انطباق عنوان الشرط والمقدّمة ، عليه ولو فرض توقّف انطباق عنوان الشرط وعنوان المقدّمة على تعلّق الأمر الغيري به لكان دورا واضحا.

[٢] بناء على الملازمة بين إيجاب شيء وإيجاب مقدّمته بالوجه المتقدّم الذي ذكر في كلام الماتن قدس‌سره تثبت الملازمة بين استحباب شيء واستحباب مقدّمته ، فإنّ شهادة الوجدان بأنّ إرادة شيء يلازم إرادته يجري في المستحبّ أيضا ، فإنّه لا فرق في هذه الملازمة بين الإرادة الشديدة المنتزع منها الإيجاب وبين الإرادة الضعيفة المنتزع منها الاستحباب ، كما عليه الماتن قدس‌سره.

١٥٦

ـ لو قيل بالملازمة ـ وأما مقدمة الحرام والمكروه فلا تكاد تتصف بالحرمة أو الكراهة [١] ، إذ منها ما يتمكن معه من ترك الحرام أو المكروه اختيارا ، كما كان متمكنا قبله ، فلا دخل له أصلا في حصول ما هو المطلوب من ترك الحرام أو المكروه ، فلم يترشح من طلبه طلب ترك مقدمتهما ، نعم ما لا يتمكن معه من الترك المطلوب ، لا محالة يكون مطلوب الترك ، ويترشح من طلب تركهما طلب ترك خصوص هذه المقدمة ، فلو لم يكن للحرام مقدمة لا يبقى معها اختيار تركه لما اتصف بالحرمة مقدمة من مقدماته.

______________________________________________________

[١] ذكر قدس‌سره إنّ المقدّمة في الحرام أو المكروه إن كانت على نحو لا ينتفي بعدها اختيار ترك الحرام أو المكروه بأن أمكن للمكلّف بعد تركها ، تركهما بعدم إرادتهما ، فلا موجب لتعلّق الحرمة الغيرية أو الكراهة الغيريّة بها ، وذلك لأنّ ترك الحرام أو المكروه لا يتوقّف على ترك تلك المقدّمة ، ولو على القول بوجوب المقدّمة مطلقا ، أي من غير فرق بين مقدّمة ومقدّمة أخرى.

نعم لو كانت المقدّمة من السبب الذي لا يكون مع حصولها اختيار ترك الحرام أو المكروه تكون تلك المقدّمة حراما غيريّا أو مكروها كذلك.

وقوله «لا يبقى معها اختيار تركه» وصف للمقدّمة ، والمقدّمة الموصوفة بذلك هي المقدّمة السببيّة ، كما في الفعل التوليدي ، وحاصل العبارة أنّه لو لم يكن للحرام المقدّمة السببية ، بأن كان من الأفعال الإرادية لما كانت واحدة من مقدّماتها محكومة بالحرمة الغيرية.

لا يقال : لا يكون فعل إلّا وله مقدّمة سببية لا محالة ، ضرورة أنّ الشيء ما لم يجب لم يوجد.

١٥٧

لا يقال : كيف؟ ولا يكاد يكون فعل إلا عن مقدمة لا محالة معها يوجد ، ضرورة أن الشيء ما لم يجب لم يوجد.

فإنه يقال : نعم لا محالة يكون من جملتها ما يجب معه صدور الحرام ، لكنه لا يلزم أن يكون ذلك من المقدمات الاختيارية ، بل من المقدمات الغير الاختيارية ، كمبادئ الاختيار التي لا تكون بالاختيار ، وإلّا لتسلسل ، فلا تغفل ، وتأمل.

______________________________________________________

فإنّه يقال : نعم لا بدّ من أن يكون في جملة المقدّمات ما يجب معه الفعل ، لكن لا يلزم أن يكون ذلك من المقدّمات الاختيارية ليمكن تعلّق التكليف الغيري به ، بل يكون من المقدّمات غير الاختيارية كمبادئ الاختيار التي لا تكون بالاختيار وإلّا لتسلسل.

أقول : قد تقدّم ما في هذا الكلام ، والأولى له أن يقول بعدم تعلّق الحرمة الغيرية بإرادة الحرام واختياره ، لأنّ نفس تعلق الحرمة النفسية بفعل مقتضاه ترك إرادته واختياره ، حيث إنّ المراد بالنهي عن فعل هو ذلك ، فلا يوجب تعلّقه به تعلّق إرادة غيريّة تبعية بترك العبد إرادة الحرام.

بقي في المقام أمر ، وهو أنّه ربّما لا يكون بين فعل وارتكاب الحرام علقة ذاتية ، ولكن ربّما يطرأ بينهما التلازم الاتفاقي ، كما إذا علم المكلّف بأنّه إذا ذهب إلى المكان الفلاني يلقى في حلقه الخمر أو يكره عليه أو يضطرّ إلى شرب الخمر.

فهل في هذه الموارد يكون المحرّم على المكلّف هو شرب الخمر فيعاقب على شربه ، بحيث لو كان في الذهاب إلى المكان المزبور حرمة لكانت حرمة غيريّة؟ أو أنّ متعلّق الحرام النفسي في هذه الموارد هو الذهاب إلى المكان المذكور؟ وجوه.

لا سبيل إلى الالتزام بالوجه الأخير ؛ لما تقدّم في جواب من قال بصرف الأمر والنهي عن المسبّب إلى الأمر والنهي عن سببه ، بدعوى أنّ المسبّب أمر غير مقدور ،

١٥٨

.................................................................................................

______________________________________________________

والمقدور هو السبب.

وأمّا الوجه الأوّل فهو الصحيح ، فإنّ النهي عن فعل لا يقتضي إلّا تمكّن المكلّف على تركه ولو بترك فعل آخر ، كالذهاب إلى المكان المزبور في المثال ، وحديث رفع الإكراه أو الاضطرار لا يعمّ موارد سوء الاختيار فيعاقب على فعل الحرام وارتكاب الفساد.

وأمّا ثبوت الحرمة الغيرية فهي تبتني على حرمة المقدّمة السببية غيريّا ، وقد منعنا الحرمة الغيرية بتاتا.

١٥٩
١٦٠