محاضرات في أصول الفقه - ج ٥

آية الله الشيخ محمّد إسحاق الفيّاض

محاضرات في أصول الفقه - ج ٥

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد إسحاق الفيّاض


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة أنصاريان للطباعة والنشر
المطبعة: الصدر
الطبعة: ٤
الصفحات: ٣٩٢

١
٢

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(النهي في العبادات)

يقع البحث فيه عن عدة جهات :

الأولى : ما تقدم من أن نقطة الامتياز بين هذه المسألة والمسألة المتقدمة ـ وهي مسألة اجتماع الأمر والنهي ـ هي ان النزاع في هذه المسألة كبروي فان المبحوث عنه فيها انما هو ثبوت الملازمة بين النهي عن عبادة وفسادها وعدم ثبوت هذه الملازمة بعد الفراغ عن ثبوت الصغرى ـ وهي تعلق النهي بالعبادة ـ وفي تلك المسألة صغروي حيث ان المبحوث عنه فيها انما هو سراية النهي في مورد الاجتماع والتطابق عن متعلقه إلى ما ينطبق عليه متعلق الأمر وعدم سرايته.

وعلى ضوء ذلك فالبحث في تلك المسألة في الحقيقة بحث عن إثبات الصغرى لهذه المسألة ، حيث ـ انها على القول بالامتناع وسراية النهي من متعلقه إلى ما ينطبق عليه متعلق الأمر ـ تكون من إحدى صغريات هذه المسألة ومصاديقها ، فهذه هي النقطة الرئيسية للفرق بين المسألتين.

الثانية : ان مسألتنا هذه من المسائل الأصولية العقلية ، فلنا دعويان : (الأولى) انها من المسائل الأصولية (الثانية) انها من المسائل العقلية.

أما الدعوى الأولى فلما ذكرناه في أول بحث الأصول من أن المسألة الأصولية ترتكز على ركيزتين : (إحداهما) ان تقع في طريق استنباط

٣

الحكم الكلي الإلهي (وثانيتهما) ان يكون ذلك بنفسها أي بلا ضم مسألة أصولية أخرى ، وحيث ان في مسألتنا هذه تتوفر كلتا هاتين الركيزتين فهي من المسائل الأصولية ، فانها على القول بثبوت الملازمة تقع في طريق استنباط الحكم الفرعي الكلي بلا واسطة ضم مسألة أصولية أخرى.

وأما الدعوى الثانية فلأن الحاكم بثبوت الملازمة بين حرمة عبادة وفسادها وعدمه انما هو العقل ، ولا صلة له بباب الألفاظ أبداً ، ومن هنا لا يختص النزاع بما إذا كانت الحرمة مدلولا لدليل لفظي ، ضرورة انه لا يفرق في إدراك العقل الملازمة أو عدمها بين كون الحرمة مستفادة من اللفظ أو من غيره.

وبكلمة أخرى : ان القضايا العقلية على شكلين : (أحدهما) القضايا المستقلة العقلية بمعنى ان في ترتب النتيجة على تلك القضايا لا نحتاج إلى ضم مقدمة خارجية ، بل هي تتكفل لإثبات النتيجة بنفسها ، وهذا معنى استقلالها وهي كمباحث التحسين والتقبيح العقليين (وثانيهما) القضايا العقلية غير المستقلة بمعنى ان في ترتب النتيجة عليها نحتاج إلى ضم مقدمة خارجية وهذا هو معنى عدم استقلالها وهي كمباحث الاستلزامات العقلية كمبحث مقدمة الواجب ، ومبحث الضد ، وما شاكلهما ، فان الحاكم في هذه المسائل هو العقل لا غيره ، ضرورة انه يدرك وجود الملازمة بين إيجاب شيء وإيجاب مقدمته ، وبين وجوب شيء وحرمة ضده ، وهكذا ، ومسألتنا هذه من هذا القبيل (الثالثة) ان محل النزاع في المسألة انما هو في النواهي المولوية المتعلقة بالعبادات والمعاملات وأما النواهي الإرشادية المتعلقة بهما التي تدل على مانعية شيء لهما كالنهي عن المعاملة الغررية مثلا وكالنهي عن الصلاة فيما لا يؤكل لحمه وما شاكل ذلك فهي خارجة عن محل النزاع جزماً والسبب فيه ظاهر وهو انه لا إشكال ولا خلاف في

٤

دلالة تلك النواهي على الفساد بداهة انه إذا أخذ عدم شيء في عبادة أو معاملة فبطبيعة الحال تقع تلك العبادة أو المعاملة فاسدة عند اقترانها بهذا الشيء لفرض انها توجب تقييد إطلاق أدلة العبادات والمعاملات بغير هذه الحصة فلا تشملها.

وعلى الجملة فحال هذه النواهي حال الأوامر المتعلقة بالاجزاء والشرائط في أبواب العبادات والمعاملات ، وقد ذكرناه في أول بحث النواهي بصورة موسعة ، وقلنا هناك ان الأمر والنهي في نفسهما وان كانا ظاهرين في المولوية فلا يمكن حملهما على الإرشاد من دون قرينة الا ان هذا الظهور ينقلب في هذه النواهي والأوامر وعليه فلا محالة يكون مثل هذا النهي إذا تعلق بعبادة أو معاملة مقيداً لإطلاق أدلتهما بغير هذه الحصة المنهي عنها ومن هنا لم يقع خلاف فيما نعلم في دلالته على الفساد فيهما أما في الأولى فلفرض انها لا تنطبق على تلك الحصة ومع عدم الانطباق لا يمكن الحكم بالصحّة حيث انها تنتزع من انطباق المأمور به على الفرد المأتي به خارجاً وأما في الثانية فلفرض عدم شمول دليل الإمضاء لها وبدونه لا يمكن الحكم بالصحّة.

الرابعة : انه لا إشكال ولا كلام في أن النهي النفسيّ التحريمي داخل في محل النزاع وانما الإشكال والكلام في موردين : (الأول) في النهي التنزيهي وهل هو داخل فيه أم لا؟ (الثاني) في النهي الغيري.

أما الأول فالصحيح في المقام أن يقال ان النهي التنزيهي المتعلق بالعبادة تارة ينشأ من حزازة ومنقصة في تطبيق الطبيعي الواجب على حصة خاصة منه من دون أية حزازة ومنقصة في نفس تلك الحصة ، ولذا يكون حالها حال سائر حصصه وأفراده في الوفاء بالغرض ، وذلك كالنهي المتعلق بالعبادة الفعلية كالصلاة في الحمام مثلا ، والصلاة في مواضع

٥

التهمة وما شاكل ذلك. وأخرى ينشأ من حزازة ومنقصة في ذات العبادة.

وبعد ذلك نقول : ان النهي التنزيهي على التفسير الأول خارج عن مورد النزاع ، بداهة انه لا يدل على الفساد بل هو يدل على الصحة. وعلى التفسير الثاني داخل فيه ، ضرورة ان الشيء إذا كان مكروهاً في نفسه ومرجوحا في ذاته لم يمكن التقرب به فلا فرق عندئذ بينه وبين النهي التحريمي من هذه الناحية أصلا. وبكلمة أخرى ان النهي التنزيهي إذا كان متعلقاً بالعبادة الفعلية كالصلاة في الحمام مثلا يدل على صحتها دون فسادها نظراً إلى أن مدلوله الالتزامي هو ترخيص المكلف في الإتيان بمتعلقه ومعنى ذلك جواز الامتثال به وعدم تقييد الواجب بغيره ، ولا نعني بالصحّة الا ذلك ، وهذا بخلاف ما إذا كان متعلقاً بذات العبادة ، فانه يدل على كراهيتها ومبغوضيتها ، ومن المعلوم انه لا يمكن التقرب بالمبغوض وان كانت مبغوضيته ناقصة. فالنتيجة في نهاية الشوط هي أن النهي التنزيهي على التفسير الأول خارج عن محل النزاع ، وعلى التفسير الثاني داخل فيه.

وأما الثاني وهو النهي الغيري كالنهي عن الصلاة التي تتوقف على تركها إزالة النجاسة عن المسجد بناء على ثبوت الملازمة بين الأمر بشيء والنهي عن ضده فهو خارج عن مورد الكلام ، ولا يدل على الفساد بوجه ، والسبب في ذلك ما عرفت بشكل موسع في مبحث الضد من أن هذا النهي على تقدير القول به لا يكشف عن كون متعلقه مبغوضاً كي لا يمكن التقرب به ، فان غاية ما يترتب على هذا النهي انما هو منعه عن تعلق الأمر بمتعلقه فعلا ومن الطبيعي ان صحة العبادة لا تتوقف على وجود الأمر بها بل يكفي في صحتها وجود الملاك والمحبوبية.

نعم مع فرض عدم الأمر بها لا يمكن كشف الملاك فيها الا انه مع

٦

ذلك قلنا بصحتها من ناحية الترتب على ما أوضحناه هناك نعم لو لم نقل به فلا مناص من الالتزام بالفساد. وقد تحصل من ذلك ان الداخل في محل النزاع في مسألتنا هذه انما هو النهي النفسيّ التحريمي والنهي التنزيهي المتعلق بذات العبادة واما بقية أقسام النواهي فهي خارجة عنه.

الخامسة : لا شبهة في ان المراد من العبادة في عنوان المسألة ليس العبادة الفعلية ، ضرورة استحالة اجتماعها مع الحرمة كذلك ، كيف فان معنى حرمتها فعلا هو كونها مبغوضة المولى فلا يمكن التقرب بها ، ومعنى كونها عبادة فعلا هو كونها محبوبة له ويمكن التقرب بها ، ومن المعلوم استحالة اجتماعهما كذلك في شيء واحد ، بل المراد منها العبادة الشأنية بمعنى انه إذا افترضنا تعلق الأمر بها لكانت عبادة. وان شئت قلت : ان المراد منها كل عمل لو امر به لكان عباديا فمثل هذا العمل لو وقع في حيز النهي صار مورداً للكلام والنزاع وان هذا النهي هل يستلزم فساده أم لا ، والمراد من المعاملات هو كل امر اعتباري قصدي يتوقف ترتيب الأثر عليه شرعاً أو عرفاً على قصد اعتباره وإنشائه من ناحية ، وإبرازه في الخارج بمبرز ما من ناحية أخرى ، ومن الطبيعي انها بهذا المعنى تشمل العقود والإيقاعات فلا موجب عندئذ لاختصاصها بالمعاملات المتوقفة على الإيجاب والقبول. هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى ان كل مالا يتوقف ترتيب الأثر على قصده وإنشائه بل يكفي فيه مطلق وجوده في الخارج كتطهير البدن والثياب وما شاكلهما فهو خارج عن محل الكلام ولا صلة له به.

السادسة : ان الصحة والفساد في العبادات والمعاملات هل هما مجعولان شرعاً كسائر الأحكام الشرعية أو واقعيان أو تفصيل بين العبادات والمعاملات فهما مجعولان شرعاً في المعاملات دون العبادات أو تفصيل في خصوص

٧

المعاملات بين المعاملات الكلية والمعاملات الشخصية ، فهما في الأولى مجعولان شرعاً دون الثانية أو تفصيل بين الصحة الواقعية والصحة الظاهرية فالثانية مجعولة دون الأولى فيه وجوه بل أقوال : قد اختار المحقق صاحب الكفاية (قده) التفصيل في خصوص المعاملات واختار شيخنا الأستاذ (قده) التفصيل الأخير والصحيح هو التفصيل الأول.

وبعد ذلك نقول : انه لا شك في أن الصحة والفساد من الأوصاف الطارئة على الموجودات الخارجية ، فالشيء الموجود يتصف بالصحّة مرة وبالفساد أخرى واما الماهيات فهي مع قطع النّظر عن طرو الوجود عليها لا يعقل اتصافها بالصحّة أو الفساد أبداً ، والسبب في ذلك ان الصحة لا تخلو من أن تكون من الأمور الانتزاعية أو الأمور المجعولة ، فعلى كلا التقديرين لا يعقل عروضها على الماهية المعدومة في الخارج أما على الأول فظاهر حيث انها في العبادات انما تنتزع من انطباق الطبيعة المأمور بها على العمل المأتي به في الخارج ، كما ان الفساد فيها ينتزع من عدم انطباقها عليه ، وكذا المعاملات ، فان الصحة فيها تنتزع من انطباق الطبيعة المعاملة الممضاة شرعاً على الفرد الموجود في الخارج ، كما ان الفساد فيها ينتزع من عدم انطباقها عليه ، فمورد عروض الصحة والفساد انما هو الفرد الخارجي باعتبار الانطباق وعدمه. واما على الثاني فكذلك ، فان حكم الشارع بالصحّة أو الفساد انما هو للعمل الصادر من المكلف في الخارج ، وأما العمل الّذي لم يصدر منه فلا يعقل ان يحكم الشارع بصحته تارة وبفساده تارة أخرى. هذا من ناحية.

ومن ناحية أخرى ان الصحة والفساد انما تعرضان على الشيء المركب ذا أثر في الخارج دون البسيط فيه والوجه في هذا واضح وهو أن الشيء إذا كان مركباً وكان ذا أثر فبطبيعة الحال إذا وجد في الخارج

٨

جامعاً لجميع الأجزاء والشرائط اتصف بالصحّة باعتبار ترتب اثره (المترقب منه) وإذا وجد فاقداً لبعض الأجزاء أو الشرائط اتصف بالفساد باعتبار عدم ترتب اثره على الفاقد. واما إذا كان بسيطا فهو لا يخلو من أن يكون موجوداً في الخارج أو معدوما فيه ولا ثالث لهما ، ومعه كيف يعقل اتصافه بالصحّة مرة وبالفساد مرة أخرى. ومن ناحية ثالثة ان الصحة والفساد وصفان إضافيان فيكون شيء واحد يتصف تارة بالصحّة وأخرى بالفساد ، وقد تقدم الكلام من هذه الناحية في مبحث الصحيح والأعم بشكل موسع.

ثم اننا قد قوينا في الدورات السابقة ما اختاره شيخنا الأستاذ (قده) من التفصيل في المسألة ، بيان ذلك انا قد ذكرنا في تلك الدورات ان ملاك الصحة والفساد في العبادات والمعاملات انما هو بالانطباق على الموجود الخارجي وعدم الانطباق عليه.

أما في العبادات فظاهر حيث انها لا تتصف بالصحّة أو الفساد في مقام الجعل والتشريع ، وانما تتصف بهما في مقام الامتثال والانطباق ، مثلا إذا جاء المكلف بالصلاة في الخارج ، فان انطبقت عليها الصلاة المأمور بها انتزعت الصحة لها والا انتزع الفساد ، ومن البديهي ان انطباق الطبيعي على فرده في الخارج وعدم انطباقه عليه أمران تكوينيان وغير قابلين للجعل تشريعاً من دون فرق في ذلك بين الماهيات الجعلية وغيرها فانطباق المأمور به الواقعي الأولي أو الثانوي أو الظاهري على الموجود الخارجي وعدم انطباقه عليه كانطباق الماهيات المتأصلة علي فردها الموجود في الخارج وعدمه ، فكما ان الانطباق على ما في الخارج أو عدمه في الماهيات المتأصلة أمر قهري تكويني غير قابل للجعل شرعاً ، فكذلك الانطباق وعدمه في الماهيات المخترعة ، وهذا معنى قولنا ان الصحة والفساد فيها

٩

امران واقعيان وليسا بمجعولين أصلا لا أصالة ولا تبعاً.

واما في المعاملات فكذلك حيث انها لا تتصف بالصحّة أو الفساد في مقام الجعل والإمضاء وانما تتصف بهما في مقام الانطباق والخارج ، مثلا البيع ما لم يوجد في الخارج لا يعقل اتصافه بالصحّة أو الفساد ، فإذا وجد فيه فان انطبق عليه البيع الممضى شرعاً اتصف بالصحّة والا فبالفساد وكذا الحال في الإجارة والنكاح والصلح وما شاكل ذلك.

وبكلمة أخرى ان الممضاة شرعاً انما هي المعاملات الكلية بمقتضى أدلة الإمضاء كقوله تعالى «أحل الله البيع» وأوفوا بالعقود «وتجارة عن تراض» وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله (النكاح سنتي) وقوله عليه‌السلام (الصلح جائز بين المسلمين) ونحو ذلك دون افرادها الخارجية ، وانما تتصف تلك الافراد بالصحّة تارة وبالفساد أخرى باعتبار انطباق تلك المعاملات عليها وعدم انطباقها فإذا وقع بيع في الخارج ، فان انطبق عليه البيع الكلي الممضى شرعاً حكم بصحته والا فلا. هذا من ناحية ومن ناحية أخرى قد عرفت ان الانطباق وعدمه امران تكوينيان غير قابلين للجعل تشريعاً. فالنتيجة على ضوئهما ان حال الصحة والفساد في المعاملات حالهما في العبادات فلا فرق بينهما من هذه الناحية أصلا ، هذا كله في الصحة الواقعية.

وأما الصحة الظاهرية فالصحيح انها مجعولة شرعاً في العبادات والمعاملات. أما في الأولى فكالصحة في موارد قاعدتي التجاوز والفراغ فانه لو لا حكم الشارع بانطباق المأمور به على المشكوك فيه تعبداً ، لكانت العبادة محكومة بالفساد لا محالة وأما في الثانية فكالصحة في موارد الشك في بطلان الطلاق أو نحوه فانه لو لا حكم الشارع بالصحّة في هذه الموارد لكان الطلاق مثلاً محكوماً بالفساد لا محالة.

هذا والصحيح ما اخترناه وهو التفصيل بين كون الصحة والفساد

١٠

في العبادات غير مجعولين شرعاً وفي المعاملات مجعولين كذلك. أما في العبادات فقد عرفت انهما منتزعان من انطباقها على الموجود الخارجي وعدم انطباقها عليه فلا تنالهما يد الجعل أصلا.

وأما في المعاملات فالامر فيها ليس كذلك ، والسبب فيه هو انها تمتاز عن العبادات في نقطة واحدة وتلك النقطة هي الموجبة لافتراقها عن العبادات من هذه الناحية ، وهي : ان نسبة المعاملات إلى الإمضاء الشرعي في إطار أدلته الخاصة نسبة الموضوع إلى الحكم لا نسبة المتعلق إليه ، وهذا بخلاف العبادات كالصلاة ونحوها ، فان نسبتها إلى الحكم الشرعي نسبة المتعلق لا الموضوع ، هذا من ناحية.

ومن ناحية أخرى اننا قد حققنا في محله ان موضوع الحكم في القضايا الحقيقية قد أخذ مفروض الوجود في مقام التشريع والجعل دون متعلقه ، ولذا تدور فعلية الحكم مدار فعلية موضوعه فيستحيل أن يكون الحكم فعلياً فيها بدون فعلية موضوعه ، فلا حكم قبل فعليته الا على نحو الفرض والتقدير.

ومن ناحية ثالثة ان الحكم ينحل بانحلال افراد موضوعه في الخارج فيثبت لكل فرد منه حكم على حده. ومن ناحية رابعة ان معنى اتصاف المعاملات بالصحّة أو الفساد انما هو بترتب الأثر الشرعي عليها وعدم ترتبه ومن الواضح ان الأثر الشرعي انما يترتب على المعاملة الموجودة في الخارج دون الطبيعي غير الموجود فيه.

فالنتيجة على ضوء هذه النواحي هي : ان المعاملات بما انها أخذت مفروضة الوجود في لسان أدلتها فبطبيعة الحال تتوقف فعلية الإمضاء على فعليتها في الخارج فما لم تتحقق المعاملة فيه لم يعقل تحقق الإمضاء لاستحالة فعلية الحكم بدون فعلية موضوعه. وعلى ذلك فإذا تحقق بيع مثلا في الخارج تحقق الإمضاء الشرعي والا فلا إمضاء أصلا ، لما عرفت من ان الإمضاء

١١

الشرعي في باب المعاملات لم يجعل لها على نحو صرف الوجود ، لتكون صحتها منتزعة من انطباقها على الفرد الموجود وفسادها من عدم انطباقها عليه.

وقد تحصل من ذلك ان المعاملات بما انها موضوعات للإمضاء الشرعي فبطبيعة الحال يتعدد الإمضاء بتعدد افرادها فيثبت لكل فرد منها إمضاء مستقل مثلا الحلية في قوله تعالى «أحل الله البيع» تنحل بانحلال افراد البيع فتثبت لكل فرد منه حلية مستقلة غير مربوطة بالحلية الثابتة لفرد آخر منه ، وهكذا هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى انا لا نعقل للصحة والفساد في باب المعاملات معنى الا إمضاء الشارع لها وعدم إمضائه من جهة شمول الإطلاقات والعمومات لها وعدم شمولها ، فكل معاملة واقعة في الخارج من البيع أو نحوه فان كانت مشمولة لإطلاقات أدلة الإمضاء وعموماتها فهي محكومة بالصحّة والا فبالفساد ، وعلى هذا الضوء لا يمكن تفسير الصحة فيها إلا بحكم الشارع بترتيب الأثر عليها ، كما انه لا يمكن تفسير الفساد فيها إلا بعدم حكم الشارع بذلك. وعلى الجملة فمعنى ان هذا البيع الواقع في الخارج صحيح شرعاً ليس الا حكم الشارع بترتيب الأثر عليه وهو النقل والانتقال وحصول الملكية ، كما انه لا معنى لفساده شرعاً إلا عدم حكمه بذلك.

إلى هنا قد استطعنا ان نخرج بهذه النتيجة وهي : ان الصحة والفساد في العبادات امران واقعيان وفي المعاملات امران مجعولان شرعاً.

وعلى ضوء هذه النتيجة قد تبين بطلان نظرية شيخنا الأستاذ (قده) من أن الصحة والفساد في المعاملات كالصحة والفساد في العبادات غير مجعولين شرعاً لا أصالة ولا تبعاً ، ووجه التبين ما عرفت من ان هذه النظرية تبتنى على نقطة واحدة وهي كون المعاملات كالعبادات متعلقات للإمضاءات الشرعية لا موضوعات لها ، وعليه فبطبيعة الحال تكون صحتها

١٢

منتزعة من انطباقها على ما في الخارج ، وفسادها من عدم انطباقها ، ولكن من المعلوم ان هذه النقطة خاطئة حتى عنده (قده) فلا واقع موضوعي لها حيث انه قد صرح في غير مورد ان نسبة المعاملات إلى الأحكام الوضعيّة نسبة الموضوع إلى الحكم لا نسبة المتعلق إليه ، وعلى ذلك فالجمع بين كون الصحة والفساد في المعاملات امرين منتزعين واقعاً وبين كون نسبة المعاملات إلى آثارها الوضعيّة نسبة الموضوع إلى الحكم جمع بين المتناقضين ، ضرورة ان لازم كون نسبتها إليها نسبة الموضوع إلى الحكم هو كونهما أمرين مجعولين شرعاً كما انه ظهر بذلك فساد ما أفاده المحقق صاحب الكفاية (قده) من التفصيل بين المعاملات الكلية كالبيع والإجارة والصلح والنكاح وما شاكل ذلك وبين المعاملات الشخصية الواقعة في الخارج فبنى (قده) على أن الصحة والفساد في الأولى مجعولان شرعاً ، وفي الثانية منتزعان واقعاً بدعوى ان المعاملات الشخصية غير مأخوذة في موضوع أدلة الإمضاء حيث أن المأخوذ فيها هو المعاملات بعناوينها الكلية وعندئذ فان انطبقت هذه المعاملات عليها في الخارج اتصفت بالصحّة والا فبالفساد. ووجه الظهور هو ان أخذ تلك العناوين الكلية في موضوع أدلة الإمضاء انما هو للإشارة إلى افرادها الواقعة في الخارج حيث قد تقدم انها أخذت مفروضة الوجود فيه وعليه فبطبيعة الحال يكون الموضوع هو نفس تلك الافراد فيثبت لكل فرد منها حكم مستقل وإمضاء على حده كما مر ذلك آنفاً بشكل موسع. فما أفاده (قده) من التفصيل خاطئ جداً ولا واقع موضوعي له أصلا.

السابعة : ان النهي المتعلق بالعبادة يتصور على أقسام : (الأول) ما يتعلق بذات العبادة كالنهي عن صلاة الحائض وصوم يومي العيدين وهكذا (الثاني) ما يتعلق بجزء منها. (الثالث) ما يتعلق بشرط منها. (الرابع)

١٣

ما يتعلق بوصفها الملازم لها كالجهر والخفت في القراءة. الخامس ما يتعلق بوصفها المفارق وغير الملازم لها كالتصرف في مال الغير الملازم لأكوان الصلاة في مورد الالتقاء والاجتماع وهو الأرض المغصوبة ـ لا مطلقاً. ومن هنا يكون هذا التلازم بينهما اتفاقياً لا دائمياً. هذا مجمل الأقسام وإليكم تفصيلها :

أما القسم الأول : وهو النهي المتعلق بذات العبادة فلا شبهة في دلالته على الفساد وثبوت الملازمة بين حرمتها وبطلانها والسبب في ذلك واضح وهو ان العبادة كصلاة الحائض مثلا وصومي العيدين وما شاكلهما إذا كانت محرمة ومبغوضة المولى لم يمكن التقرب بها لاستحالة التقرب بما هو مبغوض له فعلا كيف فانه مبعد والمبعد لا يعقل أن يكون مقربا ومعه لا تنطبق الطبيعة المأمور بها عليه لا محالة ، وهذا معنى فساده.

ولا فرق في ذلك بين أن تكون حرمتها ذاتية أو تشريعية نعم فرق بين الصنفين من الحرمة في نقطة أخرى وهي أن صلاة الحائض لو كانت حرمتها ذاتية فمعناها انها محرمة مطلقاً ولو كان الإتيان بها بقصد التمرين فحالها من هذه الناحية حال سائر المحرمات. وان كانت حرمتها تشريعية فمعناها أنها لا تكون محرمة مطلقاً بل المحرم انما هو حصة خاصة منها وهي الحصة المقترنة بقصد القربة. هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى انا قد ذكرنا غير مرة ان التشريع العملي عبارة عن الإتيان بالعمل مضافاً إلى المولى سبحانه فيكون عنواناً له ومن هنا قلنا اله افتراء عملي. وعلى ذلك بما ان هذه الحصة الخاصة من الصلاة وهي الصلاة مع قصد القربة محرمة على الحائض ومبغوضة للمولى يستحيل ان تنطبق الطبيعة المأمور بها عليها لاستحالة كون المحرم مصداقاً للواجب ، فاذن لا محالة تقع فاسدة.

فالنتيجة هي أنه لا فرق في استلزام حرمة العبادة فسادها بين كونها

١٤

ذاتية أو تشريعية. فهما من هذه الناحية على صعيد واحد. هذا من جهة. ومن جهة أخرى انه لا يمكن تصحيح هذه العبادة المنهي عنها بالملاك بتخيل ان الساقط انما هو امرها نظراً إلى عدم إمكان اجتماع الأمر والنهي في شيء واحد واما الملاك فلا موجب لسقوطه أصلا ، وذلك لعدم الطريق إلى إحراز كونها واجدة للملاك في هذا الحال ، فان الطريق إلى إحراز ذلك أحد أمرين : (الأول) وجود الأمر بها ، فانه يكشف عن كونها واجدة له. الثاني انطباق طبيعة المأمور بها عليها والمفروض هنا انتفاء كلا الأمرين كما عرفت ، هذا مضافاً إلى انها لو كانت واجدة للملاك لم يكن ذلك الملاك مؤثراً في صحتها قطعاً ، ضرورة انها مع كونها محرمة فعلا ومبغوضة كذلك كيف يكون ملاكها مؤثراً في محبوبيتها وصالحاً للتقرب بها ، وهذا واضح.

وقد تحصل من مجموع ما ذكرناه انه لا شبهة في فساد العبادة المنهي عنها بلا فرق بين أن يكون النهي عنها نهياً ذاتياً أو تشريعياً. هذا كله في النهي المتعلق بذات العبادة. وأما القسم الثاني وهو النهي المتعلق بجزء العبادة فقد ذكر المحقق صاحب الكفاية (قده) انه لا إشكال في استلزامه فساد الجزء ، ولكنه لا يوجب فساد العبادة الا إذا اقتصر المكلف عليه في مقام الامتثال ، وأما إذا لم يقتصر عليه وأتى بعده بالجزء غير المنهي عنه تقع العبادة صحيحة لعدم المقتضي لفسادها عندئذ الا ان يستلزم ذلك موجباً آخر للفساد كالزيادة العمدية أو نحوها ، وهذا أمر آخر أجنبي عما هو محل الكلام هنا. فالنتيجة ان النهي عن الجزء بما هو نهى عنه لا يوجب الا فساده دون فساد أصل العبادة.

ولكن أورد على ذلك شيخنا الأستاذ (قده) وإليك نصه : واما النهي عن جزء العبادة فالتحقيق انه يدل أيضا على فسادها ، وتوضيح الحال فيه هو أن جزء العبادة أما ان يؤخذ فيه عدد خاص كالوحدة

١٥

المعتبرة في السورة بناء على حرمة القرآن ، أما ان لا يؤخذ فيه ذلك.

أما الأول أعني به جزء العبادة المعتبر فيه عدد خاص فالنهي المتعلق به يقتضي فساد العبادة لا محالة ، لأن الآتي به في ضمن العبادة اما ان يقتصر عليه فيها أو يأتي بعده بما هو عير منهي عنه ، وعلى كلا التقديرين لا ينبغي الإشكال في بطلان العبادة المشتملة عليه ، فان الجزء المنهي عنه لا محالة يكون خارجاً عن إطلاق دليل الجزئية أو عمومه فيكون وجوده كعدمه ، فان اقتصر المكلف عليه في مقام الامتثال بطلت العبادة لفقدها جزئها ، وان لم يقتصر عليه بطلت من جهة الإخلال بالوحدة المعتبرة في الجزء كما هو الفرض. ومن هنا تبطل صلاة من قراء إحدى العزائم في الفريضة سواء اقتصر عليها أم لم يقتصر ، لأن قراءتها تستلزم الإخلال بالفريضة من جهة ترك السورة أو من جهة لزوم القرآن ، بل لو بنينا على جواز القرآن لفسدت الصلاة في الفرض أيضا ، لأن دليل الحرمة قد خصص دليل الجواز بغير الفرد المنهي عنه فيحرم القرآن بالإضافة إليه لا محالة ، هذا مضافاً إلى أن تحريم الجزء يستلزم أخذ العبادة بالإضافة إليه بشرط لا سواء أتي به في محله المناسب له كقراءة العزيمة بعد الحمد أم أتى به في غير محله كقراءتها بين السجدتين.

ويترتب على ذلك أمور كلها موجبة لبطلان العبادة المشتملة عليه : (الأول) كون العبادة مقيدة بعدم ذلك الجزء المنهي عنه فيكون وجوده مانعاً عن صحتها ، وذلك يستلزم بطلانها عند اقترانها بوجوده. (الثاني) كونه زيادة في الفريضة فتبطل الصلاة بسبب الزيادة العمدية المعتبر عدمها في صحتها ، ولا يعتبر في تحقق الزيادة قصد الجزئية إذا كان المأتي به من جنس أحد أجزاء العمل. نعم يعتبر قصد الجزئية في صدقها إذا كان المأتي به من غير جنسه. الثالث خروجه عن أدلة جواز مطلق الذّكر

١٦

في الصلاة ، فان دليل الحرمة لا محالة يوجب تخصيصها بغير الفرد المحرم فيندرج الفرد المحرم في عموم أدلة بطلان الصلاة بالتكلم العمدي ، إذ الخارج عن عمومها انما هو الذّكر غير المحرم. وما ذكرناه هو الوجه في بطلان الصلاة بالذكر المنهي عنه. واما ما يتوهم من أن الوجه في ذلك هو دخوله في كلام الآدميين فهو فاسد ، لأن المفروض انه ذكر محرم. ومن الواضح انه لا يخرج بسبب النهي عنه عن كونه ذكراً ليدخل في كلام الآدميين.

وأما الثاني ـ وهو ما لم يؤخذ فيه عدد خاص ـ فقد اتضح الحال فيه مما تقدم ، لأن جميع الوجوه المذكورة المقتضية لفساد العبادة المشتملة على الجزء المنهي عنه جارية في هذا القسم أيضا وانما يختص القسم الأول بالوجه الأول منها انتهى».

نحلل ما أفاده (قده) من البيان إلى عدة نقاط : (الأولى) بطلان العبادة في صورة اقتصار المكلف على الجزء المنهي عنه في مقام الامتثال (الثانية) ان حرمة الجزء توجب تخصيص دليل جواز القرآن بغير الفرد المنهي عنه لا محالة فيحرم القرآن بالإضافة إلى هذا الفرد في ظرف الامتثال (الثالثة) ان النهي عن جزء لا محالة يوجب تقييد العبادة بغيره (الرابعة) انه لا يعتبر في تحقق الزيادة قصد الجزئية إذا كان المأتي به من سنخ أجزاء العمل (الخامسة) ان الجزء المنهي عنه خارج عن عموم ما دل على جواز مطلق الذّكر في الصلاة.

ولنأخذ بالنظر إلى هذه النقاط :

أما النقطة الأولى : فالامر كما أفاده (قده) من ان المكلف إذا اقتصر عليه في مقام الامتثال بطلت العبادة من جهة فقدانها الجزء ، ولا

١٧

فرق في ذلك بين أن يكون الجزء مأخوذاً بشرط لا أو لا بشرط كما هو واضح.

وأما النقطة الثانية : فيردها انه بناء على القول بجواز القرآن في العبادة وعدم كونه مانعاً عن صحتها كما هو المفروض لم تكن حرمة الجزء في نفسها موجبة لبطلانها ما لم يكن هناك موجب آخر له ، والوجه في ذلك واضح وهو ان حرمة الجزء في نفسها لا توجب اعتبار عدم القرآن في صحة العبادة ليكون القرآن مانعا عنها ، كيف فان حرمة القرآن في العبادة عبارة عن اعتبار عدم اقتران جزء بمثله في صحة تلك العبادة ، ومن المعلوم ان حرمة جزء لا تستلزم ذلك ، ضرورة ان اعتباره يحتاج إلى مئونة زائدة فلا يكفي في اعتباره مجرد حرمته ومبغوضيته ، فاذن لا يترتب عليها إلا بطلان نفسه وعدم جواز الاقتصار به في مقام الامتثال دون بطلان أصل العبادة ، الا إذا كان هناك موجب آخر له كالنقيصة أو الزيادة.

واما النقطة الثالثة : فيرد عليها ان حرمة جزء العبادة لو كانت موجبة لتقييد العبادة بغيره من الأجزاء لكانت حرمة كل شيء موجبة لذلك ، ضرورة انه لا فرق في ذلك بين كون المحرم من سنخ اجزاء العبادة وبين كونه من غير سنخها من هذه الناحية أصلا. وعلى هذا فلا بد من الالتزام ببطلان كل عبادة قد أتى المكلف في أثنائها بفعل محرم كالنظر إلى الأجنبية مثلا في الصلاة ، مع ان هذا واضح البطلان ، فاذن الصحيح في المقام أن يقال ان حرمة شيء تكليفاً لا تستلزم تقييد العبادة بالإضافة إليه بشرط لا ، بداهة انه لا تنافي بين صحة العبادة في الخارج وحرمة ذلك الشيء المأتي به في أثنائها.

فالنتيجة أن حال الجزء المنهي عنه حال غيره من المحرمات فكما ان الإتيان بها في أثناء العبادة لا يوجب فسادها ، فكذلك الإتيان بهذا الجزء

١٨

المنهي عنه فلا فرق بينهما من تلك الناحية أبداً.

وعلى الجملة فحرمة الجزء في نفسها لا تستلزم فساد العبادة الا إذا كان هناك موجب آخر له كالزيادة العمدية أو النقيصة أو نحو ذلك لوضوح انه لا منشأ لتخيل اقتضاء حرمته الفساد الا تخيل استلزامها تقييد العبادة بالإضافة إليه بشرط لا ، ولكن من المعلوم ان هذا مجرد خيال لا واقع موضوعي له أصلا وذلك لأن ما دل على حرمته لا يدل على تقييد العبادة بغيره لوضوح ان تقييدها كذلك يحتاج إلى مئونة زائدة فلا يكفي فيه مجرد حرمة شيء تكليفاً وإلا لدل عليه كل دليل قام على حرمة شيء كالنظر إلى الأجنبية أو إلى عورة شخص أو نحو ذلك ، مع ان هذا واضح البطلان.

وبكلمة أخرى ان التقييد بعدم شيء على نحوين (أحدهما) شرعي وهو تقييد الصلاة بعدم القهقهة والتكلم بكلام الآدميين وما شاكلهما ، فان مرد هذا التقييد إلى أن وجود هذه الأشياء مانع عنها شرعا وعدمها معتبر فيها (وثانيهما) عقلي وهو عدم انطباق الصلاة المأمور بها على المقيد بذلك الشيء أي لا يكون المقيد به مصداقاً لها ، فان هذا التقييد لا يرجع إلى ان وجود هذا الشيء مانع عنها شرعاً وعدمه معتبر فيها كذلك ، بل مرده إلى ان المأمور به هو حصة خاصة من الصلاة وهي لا تنطبق على المقيد به ، وما نحن فيه من قبيل الثاني ، فان ما دل على حرمة جزء لا محالة يقيد إطلاق الأمر المتعلق بهذا الجزء بغير هذه الحصة فلا ينطبق الجزء المأمور به عليها ، لاستحالة انطباق المأمور به على الفرد المنهي عنه ، مثلا ما دل على حرمة قراءة سور العزائم في الصلاة بطبيعة الحال تقيد إطلاق ما دل على جزئية السورة بغيرها ومن المعلوم ان مرد ذلك إلى ان الواجب هو الصلاة المقيدة بحصة خاصة من السورة فلا تنطبق على الصلاة الفاقدة لتلك الحصة ، وعليه فان اقتصر المكلف على الجزء المنهي عنه في مقام

١٩

الامتثال بطلت الصلاة من ناحية عدم انطباق الصلاة المأمور بها على الفرد المأتي به في الخارج وان لم يقتصر عليه بل أتى بعده بالفرد غير المنهي عنه أيضا فلا موجب لبطلانها أصلا ، غاية الأمر انه قد ارتكب في أثناء الصلاة امراً محرماً وقد عرفت انه لا يوجب البطلان.

وأما النقطة الرابعة : فمضافاً إلى انها لو تمت لكانت خاصة بالصلاة ولا تعم غيرها من العبادات يرد عليها ان صدق عنوان الزيادة في الجزء على ما بيناه في محله يتوقف على قصد جزئية ما يؤتى به في الخارج والا فلا تصدق الزيادة من دون فرق في ذلك بين أن يكون ما أتى به من جنس أجزاء العمل أو من غير جنسها. نعم لا يتوقف صدق الزيادة على القصد في خصوص الركوع والسجود ، بل لو أتى بهما من دون قصد ذلك لكان مبطلا للصلاة ، الا ان ذلك من ناحية النص الخاصّ الوارد في المنع عن قراءة العزيمة في الصلاة معللا بأنها زيادة في المكتوبة وهذا النص وإن ورد في السجود خاصة إلا انا نقطع بعدم الفرق بينه وبين الركوع وتمام الكلام في محله. فالنتيجة انه لا يصدق على الإتيان بالجزء المنهي عنه بدون قصد الجزئية عنوان الزيادة لتكون مبطلة للصلاة.

وأما النقطة الخامسة : فمضافاً إلى اختصاص تلك النقطة بالصلاة ولا نعم غيرها من العبادات انه لا دليل على بطلان الصلاة بالذكر المحرم فان الدليل انما يدل على بطلانها بكلام الآدميين ومن المعلوم ان الذّكر المحرم ليس من كلامهم على الفرض.

واما القسم الثالث ـ وهو النهي المتعلق بالشرط ـ فقد ذكر المحقق صاحب الكفاية ان حرمة الشرط كما لا تستلزم فساده لا تستلزم فساد العبادة المشروطة به أيضا الا إذا كان الشرط عبادة. وبكلمة أخرى ان الشرط إذا كان توصلياً كما هو الغالب في شرائط العبادات فالنهي عنه لا يوجب فساده فضلا عن فساد العبادة

٢٠